b]أكتبَ لكِ و لغيرك لن أكتبَ......
ما أقسى أن أكتب إليكِ حينما أتذكر ملامح وجهك ، ملامح تأبى أن تفارق ذاكرتي المترهلة , وطيفك يطرق باب قلبي الحنين بذكريات أحتضنها بشدة فهي ما تبقى لي أو الصورة التي أحتفظ بها بين جنبات ضلوعي ، أعلم أن كلماتي هذه حتما لا تطالعها عيناك ، ولكني مدرك تمام الإدراك أنها حديث قلب و لسان يلهج بالدعاء لك كلما مر طيف خيالك بين عيني .
لا أتذكر أني وجدت نفسي عاجزا عن التعبير مثلما يحدث لي الآن...، الآن تعطل لساني ، وإحساس بِخَدر يَسْرِي بين أناملي ، أحاولُ أن أكتب و كأنما عُقْم قد أصابَ أصابعي ,و أنا الذي قضى سنون العمر في حَبْكِ الخواطر، وتعبتُ في جلدِ النفس على منصة الكلمات ورصيدي من الضاد لا تكدره ِدلاَء الخيبة و الخذلان ، أعيش هذا الموقف المهيب الرهيب ، أكتب وأشطب ، ليتراءى لي من بعيد أن ما دبجته أناملي قاصر عن التعبير عما يختلج في وجداني ، وتلك الكلمات قاصرة عن ترجمة مشاعري ، لكني سأتسلل بعيدا عن العبارات الرنانة و أختبئ في قعر الابتسامات ، سأتمرد على مشاعري، تلك المشاعر التي سامرت فؤادي على وقع الحزن و عقدت لساني عن التفوه ببنت شفة ، لأبوح اليوم لك .
جدتي ....
..... كم أنت عظيمة.......
أزورها فتستقبلني كملكة اعتلت عرش الود وأمسكت ناصية الحب ، وبابتسامة عريضة لا أجد لها مثيلا ، تنهال بعبارات الشكر من لسان متعثر لا يعرف الملل في حمد الله و شكره ، و أنامل ترتجف و تئن مع كل تسبيحة يطلقها لسانها الذاكر على الدوام .
جدتي ......
اعتراني طيف حلم قدم على عجل في ليلة طويلة الأرق كسيف وقع على خاصرة ذكرياتي لأترجم رَسِِِيسَ لواعجي و أنفض الغبار عن قلبي . لتجدني أفقد توازني و أغيب عن الصبر فتلج روحي مشاعر مختلطة تمضي ثقيلة على قلبي و ترهق كاهلي .
جدتي .....
تراشقت في خواطري أصداء الوحشة ، ومن بين شفتي تنفلت الكلمات من عقالها ، أمامي كوب شاي لطالما رأيت يديك المرتجفتين تعانقه في صمت .لترتشف عبق رائحته الزكية.
ها أنا أمسكه الآن ، و أَتَلَمَسُ مواضع أناملك ، أرتشف الشاي على عجل ولقد سرقني الوقت فلم أدرك إلا وأنا أمسك كوبا فارغا إلا من بقايا شاي متناثر على حوافه ، لأني أردت أن أكتب لك, ولك فقط دون غيرك .
أطوف أنا و فنجاني , أسترجعُ ملامحك الوضاءة و أغوص في بعض مواقفك. فتضج ذاكرتي بالأوجاع وتتزاحم الذكريات المؤلمة.
مرض جدي ، فكنت الأم و الأب في نفس الوقت ، حينما أجلس مع والدتي لتروي لي حياتك
أقف مشدوها و تنتابني سَوْرة من العجب ...
هل فعلا المرأة تملك كل هذه القوة لترعى صِبْيَتَها ...
رحمك الله جدتي .....
يا نبض قلبي يا دما يجري بأوردتي ، بين يدي أوراق بيضاء، بياض قلبك قد ابتلت بدموع الفراق , وعلى أغصان ابتسامتك أسرد ترانيم رحيلك ,ها أنا أجلس مع فنجاني بعدما أرهقني الطواف ، و قد ارتبكت خطاي بين سواد اللحظات وتعب الصبر من صبري على فراقك .انحنى وانكسر قلبي على صفحات القهر هامسا لك :
أقبلت على (( أرحم الراحمين))،حيث روحك البريئة النقية الطاهرة ، لا تحتمل سرد التفاصيل,
و أسأل الله لك الجنة.
أي نعم أفتقدك و أفتقدك، و بكل معاني الافتقاد سوف أفتقدك،هذا الزمان يروح ويغدو في عجل وأنت يا مَلاكُ كما أنت متربعة في ذاكرة لن تمحوها قهر الأيام .
أي نعم رحلت وغبت عن أحداقي وروحك الطاهرة لا تزال تسكنني وتدغدغ مشاعري بين الفينة و الأخرى , أَسْعَدُ بكل لحظة ألتقي فيها بملامحك الطاهرة ، أسعد بكل لحظة يمر فيها طيف خيالك على ذاكرتي ليبقى أجمل حديث يجمعني بك دعائي في يقظتي و منامي في علني و خفائي . أُنِيخ قوافل تضرعي كلما تذكرتك و أرفع أكفي داعيا لك ، فلساني لا يفقه قولا حين ذكرك غير الدعاء لك.
تجاوزت عتبة الثمانين وجلست على حافة العمر تتلو آيات الصبر ،إذا أقبلت تراها مسبحة و إذا أدبرت تراها ذاكرة ، أنامل تحصي التسابيح و لسان يلهج بالذكر في كل آن ، إذا فاتها أول وقت الصلاة أقامت الدنيا علينا و أقعدتها و يمر علينا يوم عصيب ، و يَومُها (وَيْحَكُمْ فَاتَتْنِي وقت الصلاة ).
أتذكر وأتذكر وأتذكر أشياء كثيرة لا مجال للحديث عنها أو ربما لا أريد الحديث عنها الآن ,
خيم الحزن على الجميع في ذلك الأسبوع المكفهر الذي غابت فيه عن الوعي وقد كان يمشي متثاقلا ، و كأني به يرفض القدوم تهيبا من حزن قادم،لاشيء يوحي بأنها على قيد الحياة غير أنامل تتحرك ببطئ لتنال فضل آخر تسبيح ، إلى أن فاضت روحها إلى بارئها.
فرحمك الله جدتي و أسكنك فسيح جناته..[/b]