السندات الخاضعة للشهر
المبحث الأول: الحقوق الخاضعة للشهر
المطلب الأول: الحقـوق العينيـة العقاريـة الأصليـة
بمقتضى نص المادة 15 و 16 من الأمر 75/74، فإن جميع التصرفات القانونية سواء كانت صادرة من جانبين أو من جانب واحد، يجب أن تشهر كلما تعلقت هذه التصرفات بإنشاء حق عيني أصلي أو نقله أو تغييره أو زواله أو التصريح به أو تعديله . والحقوق العينية الأصلية تنحصر في حق الملكية وحق الانتفاع، وحق الاستعمال والسكنى، وحق الحكر، وحق الارتفاق، والحق الأول أي حق الملكية هو الأصل وتتفرع عنه باقي الحقوق السالفة.
الفرع الأول: حق الملكية أولا: تعريف حق الملكية: هو الحق الذي يمنح صاحبه سلطة على الشيء، تمكنه وحده من استعماله واستغلاله والتصرف فيه في حدود القانون، ونصت المادة 674 من القانون المدني أن الملكية هي حق التمتع والتصرف في الأشياء بشرط ألا تستعمل استعمالا تحرمه القوانين والأنظمة. وقد يتجزأ حق الملكية إلى ملكية الرقبة وحق الانتفاع، الذي بدوره يشمل حق الاستعمال والاستغلال.
وسنقوم في دراستنا هذه، بالتطرق إلى التصرفات القانونية التي ترد على حق الملكية، وعلاقتها بالشهر العقاري.
ثانيــا : إلزاميــة شهـر حـق الملكيـة: نصت المواد 165 و793 من القانون المدني، على ضرورة شهر حق الملكية، وكذا الشأن بالنسبة للمواد 15 و 16 من الأمر 75/74.
ونظرا لأن دراستنا تشمل التطرق إلى الحقوق العينية الأصلية، والتصرفات القانونية الواردة عليها. فإننا آثرنا آلا نتوسع في هذا الفرع.
الفرع الثاني: حق الإرتفاق
أولا:تعريف حق الارتفاق : نصت المادة 867 من القانون المدني على حق الارتفاق، بأنه يجعل حدًا لمنفعة عقار لفائدة عقار آخر لشخص آ خر، ويجوز أن يترتب الارتفـاق على مـال عـام إذا كـان لا يتعارض مع الاستعمـال الذي خصص له هذا المال". وهو حق عيني عقاري، يترتب لمصلحة عقار على عقار آخر، ويسمى العقار الأول العقار المرتفق أو العقار المخدوم، ويسمى الثاني العقار المرتفق به أو العقار الخادم.
وحق الارتفاق لا يجوز التصرف فيه أو الحجز عليه مستقلا، وهو يرد على العقار بالطبيعة حتى ولوكان مملوكا ملكية عامة، ويكون مقررا لمصلحة عقار آخر شرط أن يكون العقاران مملوكين لشخصين مختلفين، وليس لشخص واحد، لأنه يحدُ من سلطات المالك الذي له الملكية التامة . وهناك اختلاف بين حق الارتفاق وحق المرور الذي نظمه القانون المدني في المواد من 693 إلى 702، باعتبار أن حق المرور هو قيد يرد على الملكية بقوة القانون، إذا وجد انحصار طبقا لنص المادة 693 من القانون المدني. فحق المرور مصدره القانون ينشأ متى تحققت شروطه، أما حق الارتفاق فمصدره الاتفاق أي العقد.
ثانيا: شهر حق الارتفاق وآثاره: التصرف القانوني كأصل هو الذي ينشىء حق الارتفاق، وقد يكون هذا التصرف إما بيعا، أو مقايضة، أو هبة، أو وصية. فإذا تم إنشاء حق الارتفاق بواسطة أحد هذه التصرفات، فإن القانون يُوجب شهر هذا التصرف في المحافظة العقارية، طبقا وإعمالا للمواد التالية: 165و793 من القانون المدني، والمواد 15 و 16 من الأمر 75/74. ومتى تم شهر التصرف، اكتسب المتصرف إليه حق الارتفاق اعتبارا من تاريخ الشهر، وأصبح هذا الحق من ملحقات العقار المرتفق، أما قبل شهر التصرف، لا ينشأ حق الارتفاق لا فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة إلى الغير .
فإذا كان العقار مثقلا بحق ارتفاق فلا ينتقل إلى الخلـف الخاص إلا إذا كان مشهرا، وذلك لأنه لا يحتج بالحق العيني في مواجهة الغير إلا إذا كان مشهرا عملا بالمادة 15 من الأمر 75/74. فإذا باع مالك العقار المرتفق به عقاره، وقام بشهر هذا البيع قبل شهر التصرف المنشىء للارتفاق، فإن هذا العقار ينتقل إلى المشتري خاليا من حق الارتفاق، وإذا بقي العقار المرتفق به دون أن يتصرف فيه مالكه، وإنما مالك العقار المرتفق هو الذي تصرف في عقاره وأشهر المتصرف إليه عقده قبل شهر التصرف المنشىء لحق الارتفاق فإن ملكية العقار المرتفق تنتقل إلى المتصرف إليه بدون حق الارتفاق. ولكن إضافة إلى هذه الاتفاقات (الإرادية)، هناك اتفاقات قانونية، يفرضها القانون على المالك، وهي إما أن تكون مقررة للمصلحة العامة كارتفاق السكك الحديدية ( المادة 131 من المرسوم التنفيذي 91 / 454)، أو لمصلحة خاصة مثل حق المرور في حالة الانحصار المادة 693 من القانون ال مدني، كما أن حقوق الارتفاق المقررة للمصلحة العامة هي أع ب اء عقارية في الغالب وليست ارتفاقات، لأنها غالبا ما تكون أع ب اء إدارية، لا يوجد فيها عقار مرتفق وعقار مرتفق به، بل فقط عقار مرتفق به من أجل مصلحة عامة. ولكن ما حكم الارتفاقات المقررة لصالح المصلحة العامة إذا لم تشهر قبل نقل الملكية العقارية؟ هنا لا يعقل عدم نفاذ هذه الارتفاقات في مواجهة الغير، وهو نفس الشيء بالنسبة للارتفاقات المقررة للمصلحة الخاصة، فإن عدم شهرها لا يمنع من بقائها تكاليف تقع على العقار وتثقله في حالة انتقاله إلى الغير، ولا يمكن أن يؤثر عدم شهرها على نقلها، فيجب الإدراك أنه وإن تطلب المشرع شهرها فهذا لا يمنع أنها سارية في مواجهة الغير، فهي موجودة بقوة القانون وتفرض على جميع الأملاك، ولا يمكن التخلص منها إلا بالتخلي عن العين، ومن بين القيود المفروضة على بعض العقارات دون البعض الآخر، والتي أوجب المشرع شهرها، الارتفاقات المقررة لصالح المصلحة العامة. والتي تقوم بها الشركات الحائزة على عقود امتياز واحتكار توزيع الكهرباء والغاز، بموجب القانون رقم 02/01 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز بواسطة القنوات، في الباب الرابع عشر والمتعلق بالارتفاقات والحقوق الملحقة، من المادة 154 إلى المادة 164، إذ تنص المادة 163 " ينشر المقرر الذي يتخذه الوالي والقاضي بالترخيص بالارتفاقات، في مكتب الحفظ العقاري الذي يكون العقار المثقل بالارتفاقات تابعا له".
فهذه الارتفاقات يجب الإعلام بها وإلا استطاع المتصرف إليه الرجوع بأحكام الضمان.
إذا تضمن التصرف القانوني المنشىء لحق الارتفاق تحديد مدة لبقاء الحق، فإنه ينقضي بانتهائها، ويزول حق الارتفاق باعتباره حقا عينيا بمجرد انقضاء مدته إذا كان سند إنشائه قد أشهر، متضمنا وقت انتهاء هذا الحق، إذ يترتب على شهره إنشاء الحق فيما بين المتعاقدين وأيضا بالنسبة للغير، وطالما أن هذا السند قد أشهر، فإن الاتفاق على انتهاء حق الارتفاق يكون بدوره قد أشهر ولا يكون ثمة مبرر لإعادة هذا الشهر عند انتهاء الأجل.
أما إن لم يتضمن السند المنشئ لحق الارتفاق ميعادا لانقضائه، أو كان هذا الميعاد قد تضمنه سند مستقل لم يشهر، فإن حق الارتفاق لا يزول في هذه الحالة، لا بالنسبة للمتعاقدين ولا بالنسبة للغير إلا إذا أشهر السند المتضمن الاتفاق على انتهاء الارتفاق ،عملا بنص المادة 16 من الأمر 75/74.
الفرع الثالث :حق الانتفاع
أولا: تعريف حق الانتفاع : هو حق عيني أصلي، ويشمل الاستعمال والاستغلال ويرد على شيء مملوك للغير، وبذلك يتجزأ حق الملكية، فيكون التصرف لشخص ويسمى ملكية الرقبة، ويكون الاستعمال والاستغلال لآخر فيسمى حق الانتفاع، والاستغلال هو الحصول على غلة الشيء أو ثماره، وحق الانتفاع مؤقت فينقضي بالأجل المحدد له أو بوفاة صاحبه ولو وقعت الوفاة قبل حلول الأجل المعين. ويكتسب حق الانتفاع بالعقد أو الوصية، أو الشفعة، أو بالتقادم أو بالقانون، طبقا لنص المادة 844 من القانون المدني، وقد يكون العقد الذي اكتسب به حق الانتفاع، بيعا، أو هبة، أو مقايضة، أو وفاء بمقابل. وينتهي حق الانتفاع، بانقضاء الأجل المعين، فإن لم يعين أجل عدَ مقررا لحياة المنتفع، وينتهي على أي حال بمـوت المنتفـع حتى قبـل انقضاء الأجل المعين، وهذا طبقا لنص المادة 852 من القانون المدني ، كما قد ينتهي حق الانتفاع بهلاك الشيء بنص المادة 853، وينتهي أخيرا بعدم الاستعمال مدة 15 سنة، بنص المادة 854 من القانون المدني.
ثانـيـا : شهــر حــق الإنتفــاع: يترتب على التصرف في حق الانتفاع، انتقاله كحق عيني عقاري إلى المتصرف إليه، وحتى يتحقق هذا الأثر فيما بين المتعاقدين وبالنسبة للغير، يجب شهر هذا التصرف الوارد على هذا الحق عملا بنص المادة 15 و16 من الأمر 75/74، والمواد 165 و793 من القانون المدني.
وينتقل حق الانتفاع إلى المنتفع من تاريخ شهره بالمحافظة العقارية، ويصبح مستقلا عن حق الرقبة، ويصبـح كلا منهما منفصلا عن الآخر ولشخصين مختلفين، ويبقى هذا الوضع كما هو حتى انتهاء حق الانتفاع، فيعود حق الانتفاع مندمجا من جديد مع ملكية الرقبة، توحيدا لحق الملكية.
فإذا تصرف المالك في حق الرقبة وحق الانتفاع كلا عن انفراد، وأبرم تصرفا لاحقا متضمنا الحقين معا، فإن المفاضلة تكون للأسبق شهرا، بحيث إذا تم شهر التصرف المتضمن حق الانتفاع قبل شهر التصرف المتضمن الحقين معا، اكتسب صاحب التصرف الاول حق الانتفاع، وأصبح التصرف الثاني متعارضا مع التصرف الاول بالنسبة لحق الانتفاع، وحينئذ يخضع لأحكام التصرفات المتعارضة، فلا يجوز شهره إلا بعد رفع هذا التعارض بقصر التصرف على حق الرقبة، أما إذا كان شهر التصرف المتضمن عنصري الملكية هو الأسبق، اكتسب صاحبه ملكية العقار وامتنع شهر التصرف المتضمن أيا من العنصرين.
ثالثــا: شـهر انتهـاء حـق الانتفـاع: بينت المواد 852 و 854 من القانون المدني، كيفيـات انتهاء حق الانتفاع، ويترتب على انتهائه زواله، وبالتالي لابد أن يشهر انتهاء حق الانتفاع طبقا لنص المادة 16 من الأمر 75/74، حتى يرتب أثره فيما بين طرفيـه وفي مواجهة الغير.
وينتهي في حالتين، الأولـى بانتهـاء الأجل المتفق عليه، والثانية بوفاة صاحبه. فإذا تضمن السند تحديد موعد لانقضاء الحق، وتم شهره، فإن هذا الشهر لا تقتصر حجيته على اكتساب حق الانتفاع فحسب، بل تمتد هذه الحجية لكل أحكام السند، ومن ثم يكون الموعد المحدد لانقضاء الحق مشهرا وبانتهائه ينقضي الحق انقضاء نافذا في مواجهة المتعاقدين ومواجهة الغير، دون حاجة لاتخاذ أي إجراء آخر في إجراء الشهر أو التقاضي إذ يتم الانقضاء بحكم القانون.
فإن لم يتضمن السند تحديدا لموعد الانقضاء، فالأصل هنا أن ينقضي الحق بموت صاحب حق الانتفاع، وهذا الزوال يتطلب شهرا حتى يعلم الغير بحقيقة وضع العقار وبأن حق الانتفاع المقرر عليه قد زال. كما يجب شهر حالات الانتهاء الأخرى المنصوص عليها في المواد 852 و 854 من القانون المدني.
الفرع الرابع: حق الاستعمال و حق السكنى
نصت على حق الاستعمال وحق السكنى المواد 855، 856 و857 من القانون المدني، وهو من الحقوق العينيـة الأصليـة إذا ورد على عقار. ويتفرع عن حق الانتفاع حق الاستعمال وحق السكنى. وحق السكنى ما هو إلا نوع من أنواع الاستعمال، فالاستعمال أوسع نطاقا من السكنى، ويسري على حقي الاستعمال والسكنى كقاعدة عامة ما يسري على حق الانتفاع من أحكام، بالإضافة إلى أن حق الاستعمال والسكنى يتحددان بما يحتاج إليه صاحب الحق وأسرته الخاصة . وبما أن حق الاستعمال وحق السكنى من الحقوق العينية الأصلية، فإنه طبقا لنص المادة 16 من الأمر 75/74 فإنهما يخضعان للشهر في حال التصرف فيه بأي من التصرفات القانونية من بيع، أو مبادلة، وتسري على أحكام شهره نفس أحكام شهر حق الانتفاع.
الفرع الخامس:حق الحكر
نصت المادة 26 مكرر2 من القانون 01/07 المؤرخ في 22/05/2001 المعدل والمتمم للقانون91/10، بأنه يمكن أن تست ث مر عند الاقتضاء الأرض الموقوفة العاطلة بعقود الحكر الذي يخصص بموجبه جزء من الأرض العاطلة للبناء، أو للغرس لمدة معينة مقابل دفع مبلغ يقارب قيمة الأرض الموقوفـة وقت إبرام العقد، مع التزام المستثمر بدفع إيجار سنوي يحدد في العقد مع مراعاة أحكام المادة 25 من القانون 91/10، وعليه فقد منح المشرع إ مكانية استثمار الأرض الموقوفة العاطلة بعقد الحكر . أولا: تعريف حق الحــكر: مصدره الشريعة الإسلامية، وهو بمثابة عقد إيجار يقصد به استبقاء الأرض الموقوفة العاطلة من أجل البناء أ و الغرس، ويعد المحكر هو المؤجر، والمحتكر هو المستأجر، ويدفع هذا الأخير أجرة معينة، تحدد في العقد، فيحتفظ المحكر بحق الرقبة، في حين يتمتع المحتكر بحق الانتفاع طيلة مدة عقد الحكر، ومن شروط إبرام عقد الحكر:
- أن تكون الأرض عينا موقوفة .
- أن توجد مصلحة وضرورة في التحكير، كأن تكون الأرض عاطلة أو بحاجة إلى الإصلاح .
- تحديد مدة عقد الحكر، وأجرته في العقد ذاتـه.
ثانيــا: شهر حق الحكــر: متى أبرم عقد الحكر، وفقا للشروط السابقة الذكر، ووفق الرسمية المطلوبة قانونا، توجب شهره في مجموعة البطاقات العقارية بالمحافظة العقارية، باعتباره حقا عينيا واردا على ملكية العين الموقوفة طبقا للمادة 15 من الأمر 74/75.
بالإضافة إلى أنه، وطبقا للمادة 16 من نفس الامر يتعين شهر إنهاء حق الحكر، هذا الأخير الذي قد ينتهي وفق أسباب خاصة أهمها:
موت المحكر قبل قيامه بعملية البناء أو الغرس . زوال صفة الوقف على العقار محل الحكر.
أو وفق أسباب عامة أهمها : إتحاد الذمة.
هلاك الأرض أو نزع ملكيتها. و عدم الاستعمال .
منقول للفائدة
انتظرونا في مواضيع أخرى إلى اللقاء.