عندما تنتشر الكلمة الجميلة عن طريق الاشاعات فمرحبا بهذه الاشاعات ويا ليتها تدوم
قراءة في قصيدة إشاعات للشاعر الجزائري الكبير محمد جربوعة
مقدمة
إن حركة الشعر العربي لا تزال تجعل الشعراء ينفتحون على آفاق مغايرة، ويصنعون لأنفسهم خصائص فنية واخرى جمالية يتميزون بها عن غيرهم من الشعراء القدامى منهم والمحدثين إن على مستوى المضمون او الشكل فمن إحياء النموذج إلى سؤال الذات-الرومانسية- بما لكل حركة من خصائص، وهنا أقف مرة اخرى حائرا مذهولا أمام سحر آخر وكلمة اخرى، ومعجم آخر وموسيقى اخرى.
السحر الجمال ،الكلمة الجميلة، الموسيقى الجميلة،لأنني أجد نفسي أمام حركة شعرية أخرى أو بالأحرى بداية تأسيس لمدرسة جديدةإسمها مدرسة الجمال،تؤصل لخطاب شعري جديد يستخدم الجمال لكنه ليس كالجمال إنه جمال آخر جمال جديد واكب العصر بكل تجلياته.وإلا لقيل لي لقد أسست المدرسة قبل هذا
لن نتحسس ذلك ولن يتضح لنا ذلك دون قراءة شعر الأستاذ الشاعر الكبير محمد جربوعة
صاحب رائعة قدر حبه ولا مفر التي تعرف الناس بحق من خلالها على سيد الخلف محمد عليه السلام، وقصائد أخرى لا تقل جمالا. كقصيدة:* ما في حدا .*
وانا أتصفح جديد صفحتي على الفايس بوك وقع نظري على قصيدة أنستني قصيدة سابقة لنفس الشاعر محمد جربوعة، هي قصيدة* إشاعات*.
سأحاول قراءتها كمتلق يتذوق الشعر ويحاول أن يكتبه.
1/العنوان:إذا كان الإنزياح في لغة الشعر هو البعد عن مطابقة الكلام للواقع فإن القصيدة التي بين أيدينا جسدته بشكل جمالي أضفى على القصيدة جمالا آخر لا يعرفه إلا الشاعر نفسه أو متلق يحسن القراءة.
فإشاعات كلمة نكرة جاءت في كل الأحوال مبتدأ موصوفا صفته في المتن أومبتدأ مضافا والمضاف اليه في المتن.*إشاعات خاطئة إشاعات مغرضة ،إشاعات الناس إشاعاتهم وربما إشاعات صحيحة.وقد يعارضني معارض في التركيب النحوي للعنوان لكن هكذا رأيته لحاجة في نفسي لأنه إذا كانت كلمة إشاعات خبرا فستأخذ القصيدة منحى آخر غير الذي استنطقته من دلالات.
إشاعات جمع إشاعة وهو النبأ الذي يذاع بين الناس عن خبر موهوم..
إذا قرأت العنوان قرأت القصيدة لأن العنوان في القصيدة الحديثة كالرأس من الجسد لا ينفصل عنه،فكلمة إشاعات منحت إمكانات عديدة فهي تحيل الى خبر مخصوص إنتشر وذاع بين الناس لكنه لم يصبح شائعا بعد لأن الشاعر أي شاعر يتمنى ان ينتشر صيته بين الناس لأنه يختلف عن غيره في توظيف الجمال.
ذلك هو الإنزياح الجميل الذي قصدته في البداية إن هذه الإشاعات التي جاءت في خبر مخصوص ليست مطلقة إنما هي مرتبطة بشاعر دون سواه لأنه موضوع تحت المجهر متابع وكلماته هي التي جلبت له ذلك فما علاقة العنوان بهذا النص؟
إعتمدت القصيدة نظام التفعيلة كل تفعيلة ذات دلالة عميقة تترجم العنوان وتفك شفراته فالعنوان جملة مضغوطة تكاد تتفجر.
ففي السطر الاول ذكاء خارق ومنطق رياضي 1+1=2 .
يقولون إني خطير يبدأ الشاعر بكلمة يقولون فالإشاعة مرتبطة بالقيل والقال وجود الإشاعة يفترض وجود القيل والقال كما إستعمل هذه الكلمة زمانيا على صيغة المضارع دلالة على الإستمرار إستمرار القيل والقال
هذا هوالإستهلال الذي بدأ به شاعرنا الكبير قصيدته فالشاعر كما قلنا بدأ بالفعل يقولون هذا الفعل المضارع الذي يحيلنا الى الاستمرارية المرتبطة بالقيل والقال لكنه ليس كالقيل والقال إنه سحر الكلمة -كلمة الشاعر محمد جربوعة-التي فعلت فعلها بين الناس إنها تسحرهم ليتواضع الشاعر ويسمي ذلك إشاعات لأنه يرى نفسه مازال لم يصل الى مرتبة نرار الشاعر الذي أمسك بناصية الكلمة،
لكنه ليس كذلك فقد فعلها فنزار أمسك بناصية الكلمة وجربوعة محمد طوعها لتكون رهن إشارته،فمن خلال القصيدة يتبين لنا جليا كيف سحر الشاعر محمد جربوعة إذ ان كلماته طالت كل ساكن وكل متحرك طالت الأطفال في المدارس والطلبة في الجامعات. وبصورة جميلة وبذكائه المعهود يقرر أن الإشاعات مفادها: أن كلماته تفوق المقررات التي هي غاية كل حكومة أوسلطة ضاغطة لكن الأمر ليس كذلك في إعتقادي إنه يعبر عن الشيء في غيره بلغة إنزياحية راقية لأنه يريد أن تكون كلماته ضمن المقرر الدراسي في جميع الأطوار الدراسية كي يكون الجمال لغة رواد المدارس والجامعات،يقول محمد جربوعة :يقولون :إني أسيئ لبعض مناهجنا من سنوات ،
واكتب شعرا
يفوق المقرر
في الثانوي وفي الجامعات
يقولون إني أسبب خرق القوانين للطالبات
فيكتبن بيتين مني
على ورقات إمتحان اللغات
ما أخبث الجميل محمد جربوعة ! لم يكتف بأن تكون كلماته ضمن بعض المقررات،بل يريد أن تكون ضمن كل المقررات لذلك ا ستعمل مفردة* بعض* دلالة على أنها فعلا ما زالت لم تك ضمن كل المقررات ،ولم يكتف بهذا بل يريد لكلماته أن تكون محل إستشهاد للطلبة في أوقات الإمتحان.
الشاعر الكبير محمد جربوعة يكبر في كل سطر تقع عليه عيناي ، إنه يومىء ولا يشير ، يكتب ولا يقول فقط يترك كلماته الجميلة تتراقص وتتعانق فتولد السحر الذي يأسر المتلقي المتذوق للشعر فهاهو مرة أخرى ينصب النساء ملكات بشعره يرصع أيديهن به أساور وتيجاناعلى الرؤوس ،هو لعب آخر بالكلمات في تناص جميل مع شاعر كبير آخر ألا وهو نزار قباني.
يقولون :إن نساء المدينة
كن قديما
بدون أساور
تلعب فيها طيور البلابل
والقبرات
ودون خواتم
ترقص فيها الأصابع ليلا
ودون بدور على الوجنات
وبعدي اقتبسن من النص شيئا
يعيد لهن معاني الحياة
وللحضارة نصيب في شعر محمد جربوعة الكبير ، فسكون المدينة التي ضاعت وتضيع جراء تفاعلات صنعتها مشكلات العالم العربي فلم تعد الإبتسامة كالإبتسامة ولم تعد الزهور هدايا كما عادة الآخرين في أماكن أخرى يعرفها الشاعر فقط .
إلا أن كلمات الشاعر لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا السكون المرعب فستكون *عين ازال*مثلا ،ترقص على وقع الشعر الجميل والكلمة الجميلة في توأمة مع أحلى العواصم تحاكيها في مشهد راقص بالحركة التي كانت في يوم من الأيام ساكنة.
ومن خلال هذه المعاني يتبين أن الشاعر يستمد اغراضه الشعرية من الكلمة الجميلة ،يقول لها تكلمي فتتكلم ،كما نطقت الطفلة الصغيرة غير القادرة على الكلام لانها في بداياتها وللتو بدأت تهجي .
يقولون أيضا :
بأني التقيت مصادفة طفلة في طريق
فقالت بلثغة خمس سنين
لها لثغات
مثاء الذهور
تمنيت اثبح ثاعرة في حياتي
وأكتب فيه قثيدة ثعر
عليه الثلام.
الله ما هذا ما هذا التصوير الفني البديع؟
كيف لا ؟وكل من يسمع أو يقرأ قصيدة *قدر حبه ولا مفر* التي تقدم لنا من هو محمد عليه الصلاة والسلام.
كيف لايتمنى أن يكتب قصيدة مثلها ،هاهي ذي الخمس سنوات تنبهر بالقصيدة رغم
قلة حيلتها في القدرة على الكلام .
وبعد هذا كله لن يترك الإشاعات تتواصل ليرد عليها ومن ثمة تستحيل شائعة يتشيع لها الناس كما تشيعت أنا إليها .فشائعة من الشيوع والإنتشار فستنتشر كلماتك أيها الفحل .
ما أجمل خروجك أيها الشاعر ! وأنت ترد على الإشاعات التي جعلتني أغار .فيا ليتها إشاعات عني.
أرد بأني يتيم تربى
على تلة الحزن والزفرات
أنا بحة الناي وقت الظهيرة
أنا خيزران
إذا هبت الريح أمسك شيئا
يحب النبي كثيرا
ويبدأ يوما جديدا
برأس التي أنجبته.
السطر:يحب النبي كثيرا في رأي هو بيت القصيد كما يقال أو ما يسمى حديثا بالبؤرة الدلالية.
لأن قصيدة لماذا نحبه التي جاءت في النبي محمد عليه الصلاة والسلام ،هي التي سببت له كل هذه الإشاعات ،إشاعات ثم إشاعات حتى كبر الشاعر في عين كل كبير وكل صغير وكل شاعر وكل ساكن وكل متحرك.
فالإشاعات سيئة كانت او حسنة تجعل من تدور حوله نجما من نجوم اللحظة.
الشاعر جربوعة ماهو إلا محب للنبي كتب قصيدة عنه وماهو إلاشاعر يجدد يومه بكتابة قصيدة أخرى ، ويحب أمه والجنة تحت أقدام الأمهات.
إذا كان هذا عن الوحدات الشعرية لمضمون القصيدة،فماذا يمكن القول عن البناء الفني لها؟
أول ما نلاحظه في البناء الفني للقصيدة هو خروج الشاعر عن نظام الشطرين وعدم إلتزامه بالقصيدة العمودية وهذا راجع الى طول نفس الشاعر لأنه يملك قدرة فائقة على توليد المعاني وبالتالي لا يحتاج اللى القصيدة العمودية
كما كانت لقصيدته براعة الإستهلال حيث بدا مباشرة في فك لغز عنوانه إشاعات
عندما بدأ ب:يقولون وذلك من أجل أن ينتبه المتلقي ويتحفز على متابعة القصيدة كما فعل لي بالذات.
ومن أجمل ما لاحظت أن القصيدة لا تخضع للوحدة العضوية.والدليل اننا إذا حذفنا سطرا فإن المعنى لا يختل كما فعلت في معرض تحليلي.
بعد حديثنا عن البناء الفني سأحاول الإنتقال الى البنية المعجمية للقصيدة.حيث أننا نجد حقل سحر الكلمة عزفت،أكتب ،أثير،أسبب،أمشكل....إلخ.
ذلك لأن شعور الشاعر بما تخلفه كلماته في نفوس المتلقين يجعله ينظر إليهم على أنهم يشعيون الإشاعات .ويريد لها في الحقيقة أن تكبر هذا الذي قد يغيب على متلق بسيط.
ولغة الشاعر سهلة لكنها ممتنعة وللإيحاء نصيب كبير في القصيدة ولقد تعرضت لذلك عندما قلت أنه يومىء ولا يشير.
أما بالنسبة للمستوى التركيبي فقد لاحظت غلبة الأفعال على الأسماء لأن الإشاعات
من سماتها الإستمرار الى أن تكبر وتكبر،لاحظت ما يناهز 94فعلا أغلبها مضارعة دلالة عن الحركة لا الثبات.
المستوى الإيقاعي: لا تستطيع كلمات الشاعر أن ترقص على نغمات القصيدة إلا إذا
إتكأت على البحر المتقارب ،فعولن ،فعولن ،فعولن.
وهو ما حدث وفي الختام تبين أن الشاعر متأثر بنزار الشاعر الكبير وهو محق في ذلك وكل قصائد محمد جربوعة نجده فيها ناشدا الجمال .
وفي رأي مجمد حربوعة شئنا أم أبينا هو نزار الجزائر ولا فخر.
معذرة ايها الشاعر الكبير إن تجرأت وقاربت نصوصك الكبيرة ، فما أنا إلا قلم رصاص
يتكسر بسرعة على وريقات أعدت للصغار.
ما أنا إلا قارئ بسيط يحاول الإنتاج فقصائدك كلها تحتاج الى قصائد أخرى إحتفاء بها
القصيدة
إشاعات
شعر: محمد جربوعة
يقولون إنّي خطيرٌ
إذا ما عزفتُ على الكلماتْ
وإني (أُمَشكلُ) بالشِّعرِ
كل اتجاهٍ
لدى البوصلاتْ
وإني أسيءُ
لبعض مناهجنا المدرسيةِ
من سنواتْ
وأكتب شِعرا
يفوق المقرّرَ
في الثانويِّ وفي الجامعاتْ
يقولون إنّي
أسبّبُ خرقَ القوانينِ للطالباتْ
فيكتبنَ بيتين مني
على ورقات امتحان اللغاتْ
يقولون عنّي
بأنّي
أثيرُ جنون البناتْ
ببيتٍ رهيبٍ
ورشة عطرِ
وباقة زهرٍ
تنصّبهنّ بمملكة الشعر كالملكاتْ
يقولون إنّ نساء المدينةِ
كنّ قديما
بدونِ أساورَ
تلعب فيها طيور البلابلِ
والقبّراتْ
ودونَ خواتمَ
ترقص فيها الأصابعُ ليلا
ودون بدور على الوجَناتْ
وبعدي اقتبسنَ من النص شيئا
يعيد لهنّ معاني الحياةْ
يقولونَ إنّ المدينةَ كانتْ
تتأتئُ في نطق أسماء بعض الزهورِ
وتجهل كيف تكونُ
مراقبةُ البدر في الشرفاتْ
ولكنها من قصيدة شعرٍ
تحرّكَ فيها غرورُ التـثـني
فمالت تقلّد أحلى العواصمِ
في الحركات وفي السكناتْ
وما (عينَ ازالُ) بدون نصوصي ؟
وماذا لها مثلا
مِن دمشق التي ملأتـني نجوما
ورصّعتِ القلبَ بالذكرياتْ ؟
يقولون إني
أشاكسُ بالشعرِ
أَقتل بالشعرِ
أرسم بالشعرِ
أفتن بالشعر من يحضرُ الأمسياتْ
يقولون إني
عجنتُ مدارس كل النحاةْ
وأخرجتها مذهبا ذهبيا
يعيد قواميسها الدارساتْ
يقولون إن مدير ابتدائيةٍ زمجر الأربعاءَ
وعاقبَ تلميذةً حفرتْ نصف بيتٍ
عن اسمٍ لها من قصيدتيَ (الرنرناتْ)
ويوم الخميس تظاهرت الآنساتْ
بمليون اسمٍ على الطاولاتْ
يقولون إنّ (زنوبيا)
رمت تاجها واستقالتْ
وجاءت تجرّ الإزار إلى عرش شعري
يرافقها للقصيدة نهر (الفراتْ)
يقولون إن الصبايا
يخبئن تحت الوسائدِ
بعض دواوين شعري
ليحفظن منها معاني العطورِ
وكيف يقلن كلاما رقيقا بلا عثراتْ
وكيف يرتّبنَ إحساسهنَّ
ليظهرنَ في الشكل مختلفاتْ
يقولون إن فقيرا
قضى يومه كادحا دون أكلٍ
وحين أتاه المساءُ
تكسّرَ يسأل في المكتباتْ
وبعد دقائق أسند ظهرا
لحائط مقهى
ليلتهمَ الشِّعرَ بالعبراتْ
يقولون إن نساء الخليجِ
يبخّرن أثوابهنّ
بعود القصائدِ
والصندلِ العربيِّ الفصيحِ
وبالأمنياتْ
يقولونَ إن القصيدةَ عندي
تعذّبُ قراءها مرتينِ
وتشعل في شرحها الشبهاتْ
يقولون أيضا
بأني التقيت مصادفةً طفلةً في طريقٍ
فقالت بلثغة خمسِ سنينَ
- لها لثغاتْ-:
(( مثاءَ الذهورِ
تمنيتُ أثبحُ ثاعرةً في حياتي
وأكتب فيه قثيدة ثعرٍ
عليه الثلامُ
عليه الثلاةْ))
فقلتُ السلامُ على قرشيٍّ
لهُ في الندى روعة الرقرقاتْ
يقولون إني..
وإني... وإني..
أرد بأني يتيمٌ تربّى
على تلة الحزنِ والزفراتْ
وحفّظهُ الحزنُ (سفْر الشظايا)
وكيف يقول الرجالُ برفقٍ
إذا ضاقت الحال بالسيداتْ
أنا بحة النايِ وقت الظهيرةِ
يحرقهُ بالشفاهِ الرعاةْ
أنا خيزرانٌ
إذا هبت الريحُ أَمسَكَ شيئا
ورتّلَ من آخر (المرسلاتْ)
يحب النبيَّ كثيرا
ويبدأ يوما جديدا
برأس التي أنجبتهُ
يؤثث في تاجه القبلاتْ
الاثنين 6 أغسطس
الاستاذ الشاعر الطاهر عمري