المقامة الإفحامية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المقامة الإفحامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-03-22, 15:17   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الأستـ كريم ــاذ
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية الأستـ كريم ــاذ
 

 

 
إحصائية العضو










B10 المقامة الإفحامية

حدثنا عبادة، ذو العلية والسادة، فـقال: "أتممت خدمة الوطن والناس، وقد طرحني النوى (1) ببلدة عباس (2)، وبقيت بها ثلاثا، ونزلت سهلا ثلاغا (3)، سمعت مؤذنا يدعو الغاشي (4) إلى الصلاة الوسطى (5)، فدخلت إلى قاعة وسعى، كان ذاك المسجد الجامع، وقد أتاه -من كل فج- كل سامع، صلينا بالطمأنينة التي علمها لنا الرسول، ولم يكن فيما بيننا متقاعس أو كسول، وبعدما قُضيت الصلاة والذكر والسلام، تفوّه أحدنا أن يا شيخ ما علم الكلام (6)؟ فالتف الناس على أحدهم في حلقة، وانزلقوا (7) به أكبر زلقة؛ كان رجلا كهلا، وكلامه ميسور وكان سهلا، ربما عمره في الأربعين، أحول العين، أفطس أصلع، ويظهر أنه أقلع (8)، أو أنه مسكين، في ثياب يتيم مهين، طبعه كله: وئام ووفاق، فقهه أكثره: بدع ونفاق، إن تكلم أسجع، وإن هذر (9) الآخرون أرجع (10)، يميل بجسمه إلى النحولة، وببشرته إلى الكحولة، طبعاً له هيبة في سواده، فكأنه ابن الخطاب ممتطيا جواده.
قال الإمام –وكان اسمه عثمان بن زعفان-: ويحكم يا أبناء الحبيبة، ويا نسل الربيبة، أتسألون عن الكلام فقيها، فعليكم قاها وقيها (11)، إن علم الكلام -هذا- من الأمور الشاذة، التي تدرس المادة، وهو في عرف أهله: قدرة على التحليل، والتفسير والتأويل والتعليل، وقد حاول الحلاج وأصحابُه التمذهبَ في أمور الغيب، فكانوا زنادقة يربحون العيب (12)؛ وها قد أصابني كلل وتعب، فالكلام عن الكلام (13) صعب، وإن السكوت عنكم جوابكم (14).
فاستأذنت وسألت عن رأيه في قضية خلق القرآن (15)، فقال: إن رأيي من رأي ابن حنبل (16) "فبأي آلاء ربكما تكذبان"(17)، ثم دقق النظر فيّ وشزر (18)، "ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر" (19)، فبادرت قائلا، أقول سائلا (20): هل أفعال الله كلها قضاء وقدر، أم تعليل وجب منه الحذر؟ فقال: وكأني أعرفها، ودموعي سوف أذرفها، فقلت: مثلا إخوة ثلاثة أشقاء، كأنهم أصدقاء، من أم حامدة وأب جاحد، قبضوا (21) في آن واحد، أحدهم مؤمن بالله تقي، والثاني كأبيه فاسق شقي، والثالث طفل صغير صبي، فما منازلهم يوم الهول؟ قال: أردت إيقاعي يا واحد الغول (22)، إن المؤمن من أهل الدرجات (23)، والفاسق من أصحاب الدركات (24)، والصبي كتبت له النجاة.
قلت: فإن قال صغيرهم للرب العليم، الرؤوف الحليم: لو تركتني لكنت من عبادك الصالحين، ولجاهدت –في سبيلك- القوم الطالحين. أجاب الإمام: حينذاك سيقول تعالى: علمت حالك، وكيف ستبذر مالك، وكيف ستعيل عيالك (25)، ودريت أنك ستكفر –لا محالة- وتعصي، وذنوبك الكثيرة لا تحصي، فأمتك صغيرا، كيلا أصهرك صهيرا (26)، قلت: فإن جادل الابن الأوسط الإله الأقسط (27): ربي علمت حاله كما لمت حالي من قبل، فلم تضع حول جيدي (28) الحبل؟ هاأنذا من الصبي أغير (29)، فهلاّ كنت توفيتني مثله صغير؟؟ فانقطع الإمام وما سمعت منه إلا بضع صفير، وهمهمات وزفير.
صمت جميعنا حتى أذن للصلاة والفلاح، والركعات المِلاح، فلما قضيناها وقف الإمام وسطنا كملكة النحل، وكأنه يبحث عن خاتم سقط في الوحل، ولم يك لمراده من همزة وصل. فقمت وقلت: يا إمام ألديك جواب للمسألة الآنفة؟ فقال: لا جواب وقد "أزفت الآزفة" (30)، قال من أين مطلع هذه الشموس (31)؟ قلت: فوق الأوزون (32) وتحت الرموس (33)، وأنشدت:
والناس همهم الحياة، ولا أرى ******* طول الحياة يزيد غير خبال (34).
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ******* ذخراً يكون كصالح الأعمال (35).
فقال الإمام: أصابتني كلماتك كالسهام، وإني أعترف بالإفحام، وأعلم ما مقامي معهم، وكلامك قد أفتق مسمعهم، فأين تسكن؟ وفي أي قنت (36) تركن؟ قلت: جمعت فمنعت، أسكن مدينة بعيدة، سماها الأمير (37) سعيدة، وهناك نحتاج لأمثالك، وأين –في ذا الزمان- أقرانك وأشكالك؟ فاستمنح الإمامُ الناسَ دراهما معدودة، لنسافر ونأكل في طريقنا معقودة (38)."








 


رد مع اقتباس
قديم 2010-03-22, 15:20   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الأستـ كريم ــاذ
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية الأستـ كريم ــاذ
 

 

 
إحصائية العضو










Mh47 الشرح

1- طرحني النوى: أي رمتني المقاصد.
2- بلدة عباس: المقصود ولاية سيدي بلعباس.
3- ثلاغ: إحدى أكبر دوائر الولاية السابقة.
4- الغاشي: هو لفظ متداول في اللهجة الدارجة، يعني الناس.
5- الصلاة الوسطى: أجزم أغلب العلماء أنها صلاة العصر.
6- علم الكلام: هو علم يرمي إلى إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها، وقد ظهر بعد ترجمة كتب اليونان أيام خلافة المهدي العباسي، ومن أشهر المتكلمين: المعتزلة والأشعرية.
7- انزلقوا بالرجل: أي انبهروا به وبطريقته.
8- أقلع: أي مائل إلى الهبل والجنون.
9- هذر: أي نطق بالتفاهات.
10- أرجع كلام غيره: أي أجاب عنهم وأقنعهم.
11- عليك قاهاً وقيهاً: حيث يجعلك الله عرضة للضحك.
12- يربحون العيب: هي جملة دارجة بمعنى يخسرون صداقة الناس لهم.
13- "الكلام عن الكلام صعب" مقولة لأبي حيّان التوحيدي.
14- إشارة إلى المثل: "السكوت عن الأحمق جوابه".
15- قضية خلق القرآن، هي فتنة أثارها المعتزلة في عهد المعتصم العباسي، أخمدها الله تعالى باكتفاء الأئمة والجمهور بالقول أن القرآن منزّل وفـقط، وهذا رأي الإمام ابن حنبل.
16- هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (164هـ-241هـ)، محدث وفقيه وأحد أصحاب المذاهب الأربعة، من مؤلفاته: "المُسنَد" المشتمل على أكثر من 30 ألف حديث نبوي صحيح، اشتهر بمعارضته للخليفة أبي إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد في قضية خلق القرآن.
17- "فبأي آلاء ربكما تكذبان" آية تكررت 31 مرة في سورة الرحمن.
18- شزر: أي نظر بطرف العين احتقارا وتضعيفا.
19- الآيات 21، 22، 23 من سورة المدثر، وقد نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي.
20- هذه في الأصل مناظرة بين أبي الحسن ألشعري وأستاذه أبي علي الجبائي المعتزلي، وفيها تصرف.
21- قبضوا: أي فاجأهم الموت.
22- واحد الغول: جملة تعني في الدارجة: أيها الذكي، وأحيانا: أيها القبيح.
23- الدرجات: الجنات.
24- الدركات: منازل جهنم.
25- العيال: هم كل من يُعال عليهم من أزواج وأولاد ووالدين.
26- صهيرا، صيغة مبالغة من الصهر، بمعنى الحرق والشواء.
27- الأقسط، صيغة مبالغة من المقسِط، أي العادل.
28- الجيد، هو العنق حيث موضع القلادة.
29- أغير، هكذا تقال في اللهجة الدارجة، وبفصاحة يقال: أغار.
30- "أزفت الآزفة" الآية 57 من سورة النجم، أزف بمعنى اقترب، الآزفة أي يوم القيامة.
31- من أين مطلع هذه الشموس؟ كناية مستعارة عن مكان سكناك إذا سألت بها.
32- الأوزون: هـي طبقة سميكة في الغطاء الجوي، عبارة عن غاز كثيف محيط بالكرة الأرضية.
33- الرموس: القبور، الأجداث.
34- الخبال: هو اختلال العقل، وفي البيت معناه الهلاك والفساد.
35- البيتان لأبي مالك غيّاث الأخطل النصراني.
36- القنت، لفظ دارج بمعنى الركن.
37- يقصد الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري، وفي هذا الباب رواية أخرى (... كان اسمها اليعقوبية، لما استوطنها بنو هلال، حتى جاءها عبد المؤمن بن علي الموحدي وسماها "سعيدة"... ثم العقبان أيام الإمبراطورية العثمانية، لما اشتهرت به من طائر النسر العقاب ... وجاءها الأمير عبد القادر، وجعلها زمالة الحميان، وأعاد لها اسم "سعيدة") من كتاب عزالدين بن كرم البلادي (الجزائر منذ الدولة النوميدية، الفصل الأول: عمالات وهران، صفحة: من 33 حتى 36، مطبعة بولاق-مصر، دون تاريخ).
38- المعقودة: هي أكلة شعبية، تستعمل بهرس البطاطس المسلوقة، وإضافة البهارات والبيض.
*/ ملاحظة: إن كانت هناك كلمات أخرى تستدعي الشرح، أكتبوها وأنا لها.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المقالة, الإفحامية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:58

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc