مقال ماتع فيه فوائد ...
فمنها ردّ على المولعين بكل ما جاء وعليه مسحة " النصرانية" الذين لا يساوي الجاحظ عندهم إلا إذا جاء بشفيع من العطر والأزياء الفرنسية،أو بالتأثير الانجليزي ومعه برهان من أساطيل الامبراطورية البريطانيةوقوة "الصواريخ" الأمريكية (!!)
ومنها : ردّنا إلى أصولنا وتراثنا الفكري عامة،واللغوي خاصة لا من زمن الجرجاني -وهو قامة كبيرة سامقة- بل من زمن
الإمام الجليل الخليل العبقري الذي كان صوتيا من طراز لم يعرفه تاريخ البشر،وهذا دون مبالغة،والدؤلي صاحب العقل اللماح....وزيدا البصري وعمرا الكوفي *
ومنها : أن العبرة في العلوم بالمسميات لا بالأسماء في أجناسها (وإن كانت نسبية في الأنواع) وأن المسلمين اشتغلوا بالعلم بشعار ما يجب كيف يجب بخصيصة هي : حب هذا الدين والعملِ له، حافزهم رضاء الله عز وجل؛ الذي حمّلهم تبيلغ هذا الدين وإعمار دنيا الناس في كل جوانب المعرفة وفي اختلاف حقولها،كلٌّ فيما يُسِّرَ له.
وفيها : أن علماء اللغة من المسلمين خدموا هذه اللغة أولا لتفهُّم أصليْ الدين والشرع،ولم يدعوا شاردة ولا واردة إلا حفظوها وقيدوها بأسانيد لا تقدم عليها الأقوال الصادرة من مزاج أو هوى أو غير ذلك مما ليس بسبيل العلم، فالحقائق العلمية حقائق،والنظريات نظريات( بشروط المنهج في كل علم)وأنهم اشتغلوا في جميع حيثيات اللغة ( النظرية والتطبيقية) حتى كأن عملهم مجموع قبائل فصيحة تشقق الألفاظ وجعلها صالحة لحمل المعاني المتجددّة (وهذه فكرة المجامع اللغوية).
وفيها : أن الإمام الفحل الكبير الجرجاني في كتابه : الإعجاز والدلائل والأسرار كلها كانت لخدمة الكتاب المجيد،هذا الكتاب الذي كان حدثا عظيما في اللغة التي شاء رب العالمين أن تكون العربية،حدث عظيم قلب مفاهيم، ورسخ حقائق،وترك مفاصل مرنة صالحة للخطاب والبلاغ الإنساني ما صلح هذا الدين لكل عصر ومصر،هذه الظاهرة التي سمّاها مهندس الأفكار،الأستاذ مالك بن نبي : الظاهرة القرآنية .. (التي يريد المستشرقون والمستغربون من أبناء جلدتنا عدم الوقوف عندها حق الوقوف، واعتبارها بسياقاتها التاريخية والاجتماعية المصاحبة، والأثر الذي يسري في هذا المجموع الإنساني الذي يدين بهذا الدين المحمول بهذه اللغة،يقفزون على هذه الحقيقة القرآنية ويريدون تسويتها بحديث النفس وكلام التخمين والفرْض ،وهي في الحقيقة الخيط الواصل بين السماء والأرض،عرف هذا من عرفه، وجهله من جهله ؛وجنى على نفسه وأصمَّ أذنه عن تعصب كما أسد الجاهلي -الأول الفصيح المتذوق العارف لأثر الكلام وبلاغه في نفسه-فقال الحق سبحانه ؛تسجيلا لهذا الخاطر، الشارد الماكر: وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوْا فيه لعلكم تغلبون) هذه الظاهرة القرآنيةهي التي كانت شغل الجرجاني الشاغل،فهو أراد أن يجعل الناس بعد مراااااااحل من دراسة هذه اللغة أن تكتسب ملكة في اللغة تتذوق بها فتعرف العالي من الكلام الحامل للسامي من المعاني إلى النازل المرذول،تذوُّقٌ كنقد ،ونقد كذوق كأهلها أو يكادان،فكأنه عليه رحمة الله كان يشتغل على مقاربة : السليقة والطبيعة، في مقابلة التعلم والصنيعة ،ليكون التحدي المراد من بلاغة الكتاب المجيد مستمرا ما دام هذا التعلم المفضي إلى التذوّق من أول المنزول عليهم من الفصحاء وانتهاء بالمُلْحَقِين بمنزلتهم.
وقد يكون الأستاذ حمودة تجوّز في جعل نظرية الجرجاني كنظرية دوسوسير،فالأول جعلها مستويين اثنين ؛الألفاظ من حيث هي ألفاظ[color="rgb(139, 0, 0)"] (بكل تشققاتها الآتية المعبر عنها بالتفريعات أو الفروع،والاشتقاقات السابقة التي يعبر عنها بالأصول ( اشتقاق كبير - واشتقاق صغير) وهذا مستوى أوّلُ، ثم المستوى الثاني المترقي والمؤسِّسِ على الأول وهو نظم الكلماااات ومحلها في الجمل،وتركيبها في سياقها ونظم الجمل والكلام ككلّ .... كما جاء المقال أعلاه للأستاذ عبد العزيز حمودة وقد تراه يُسَمّى في بعض الأبحاث المعاصرة بــ: نظرية المعنى.
أما الثاني -دوسوسير- التي كانت عنده مجرد محاضرات ولم تكن حقل معرفة أو مخبر اشتغالي كما الشأن عند إمامنا،أو قل مدرسة دوسوسير وتلامذته يقابل جهدها بجهد الإمام الجرجاني ،إذ الألفاظ قوالب مفرغة في مستواها الأول والثاني عندهم،في حين كانت ذا قيمة في مستواها الأول عند الجرجاني والمدرسة الإسلامية،وقيمة "مضافة" في مستواها الثاني وهوالذي يسمونه في مباحثهم نظرية النظم؛ أو نظرية المعنى،بدليل اهتمام الجرجاني(والمدرسة الاسلامية) بالصور التي تنتجها التراكيب من مجاز وحقيقة واستعارات بأنواعها وتشبيهات [color="rgb(139, 0, 0)"](هذه الأخيرة - التشبيهات- حاول معدومو الذوق في العربية جعلها مدخلا لترسيخ الرمزية والغموض، الذي ينافي أصول هذه اللغة في جاهليتها،وفي أصولها التي زِيدَتْ بعض تعرضها للصدمة القرآنية أو الظاهرة القرآنية)
[/color]
ولكنه أستاذَنا ولع الضعيف بالقوي والاستلاب الحضاري والهمم "الفواتر" أعداء مجتمعة لهذا الإرث الحضاري للمسلمين المكتوب والمدروس بالعربية.
وإنْ لمتهم، عذِريهُمُ ** مغنيّة الحيّ لا تطرِبُ !!
شاكرا لك ،ومثنيا على الاهتمام بهذه المواضيع التي تلفت النظر إلى التراث ،والتي تصل الفروع بالأصول و تردّ المقاطع بالمطالع.
وهذا مجرد رأي أبثه بشكواه..[/color]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
* زيد البصري وعمر الكوفي كناية عن المدرستين العظيميتن في تاريخنا : البصرة والكوفة.