نْتَ تَرَى الْحَبَّ المَيتَ بِعَيْنَيْكَ
وَتستطيعُ أن ترى كيف يُحْيِيهِ الله تَعَالَى..
حَاوِل أن تزرعَ في وعاءٍ لديكَ حَبَّاتِ ذُرَةٍ أوْ قَمْحٍ، أوْ أيِّ حَبَّاتٍ مِنْ أيِّ نوعٍ.. وَاسْقِهَا بالماءِ.. وَضَعْهَا تحتَ ضَوْءِ الشَّمْسِ.. وَانتظِرْ.
أيامٌ قليلةٌ.. وَرُبَّمَا ساعاتٌ..
سَتَرَى كيفَ يُحْيِي الله تعالَى الْحَبَّةَ بعدَ موتِهَا..
والله تعالَى كما يفعلُ ذلك مع النَّباتات.. يفعله مع الحيواناتِ..
فَهُوَ يُحْيِي الموتَى من البشرِ..
وربما تظنُّ أن الله يُحْيِي النَّباتَ ولا يُحْيِي الإنسانَ؛ لأنَّ النَّبَاتَ صغيرٌ وَسَهْلٌ، ليس فِيهِ دماءٌ وَلا سمعٌ ولا بَصَرٌ ولا قلبٌ ولا مَعِدَةٌ..
الإنسانُ أكثرُ تعقيدًا مِنَ النَّباتِ بِكَثِيرٍ..
وَلكنَّ الَّذي خلقهُما معًا وَيُمِيتُهُمَا معًا يَقْدِرُ أن يُحْيِيَهُمَا معًا..
وحتَّى يتيقَّنَ النَّاسُ مِنْ هذهِ الحقيقةِ العجيبةِ.. بَيَّنَ الله تعالَى للناسِ قُدْرَتَهُ عَلَى إحياءِ الموتَى..
بَيَّنها لأنبيائِهِ وبيَّنها لعبادِهِ..
فَمِنْ ذلك:
أنَّ سَيِّدَنا إبراهيمَ -عليه السَّلامُ- أرَادَ أن يَرَى بعَيْنَيْهِ البعثَ الَّذي يُؤْمِنُ به بقلبِهِ.. فطلب مِن رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ أن يُرِيَهُ كيف يُحْيِي الموتَى، فطلب الله تعالَى مِنْهُ أن يأخذَ أربعةَ طيورٍ من أنواعٍ مختلفةٍ..
وأن يذبحَها كما يذبحُ أحدُنا دجاجةً..
وأن يُقَطِّعَ هذه الطُّيورَ كما نقطِّعُ الدَّجَاجَ لطعامِنا.. قِطَعًا قِطَعًا..
ثم يخلط القِطَعَ كُلَّهَا في بعضِها..
ثم يُوَزِّعها على رؤوسِ جبالٍ مُتَعَدِّدَةٍ..
ثم يدعوها..
ولَمَّا فعل سَيِّدُنا إبراهيمُ -عليه السَّلامُ- كما أمَرَهُ رَبُّهُ.. فُوجِئَ بأمرٍ عَجَبٍ!
لقد تحرَّكَتِ الْقِطَعُ فجأةً بأمرٍ من اللهِ تعالَى.. وَتَرَكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مكانهَا في الجَبَل الَّذِي هِيَ عليه، واتَّجَهَتْ كُلُّ قطعةٍ إلَى أختِها وتَرَكَّبَتْ مَعَها..
حَتَّى صَارَ سَيِّدُنَا إبراهيمُ -عليهِ السَّلامُ- يَرَى كيفَ يعودُ كُلُّ طَائِرٍ إلى شكلِه الأوَّلِ.. يتركَّبُ جَسَدُ الطائر وتأتي رِجْلَاهُ فتلتصقانِ بِهِ والجناحَان كذلك والرَّأسُ.. ثُمَّ..
ثُمَّ فجأةً، رَدَّ الله تعالى إلى كُلِّ طائرٍ بعد اكتمالِهِ رُوحَهُ الَّتي قُبِضَتْ حين ذبحَه سيدنا إبراهيمُ -عليه السَّلامُ-.. وصَارَ يتحرَّكُ كَمَا كَانَ.. ويغرِّد كَمَا كَانَ..
إنَّنا الآنَ نؤمنُ بما آمَنَ بِهِ سَيِّدُنَا إبراهيمُ وَمَا رَآهُ بِعينيه، حَتىَّ وإنْ لم نَرَهُ بأعينِنَا؛ لأنَّنا نؤمنُ أن الله تعالى عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ.. وَهُوَ قادرٌ على إحياءِ الموتَى بعد أن يَصِيرُوا ترابًا..
كما كَانَ قادرًا على خلقِهم ولم يَكُونُوا شيئًا..