عندما يكون الطبال اكثر كفاءة من الدكتور

[abdellah36]

في عدد جريدة الحياة الصادر بتاريخ 9 سبتمبر2015، كتب صقر الصحافة الجزائرية احميدة عياشي مقالا بعنوان “قاتلنا سعداني.. كم كنا مخطئين”، وفيه اعترف بخطأ الإعلام الذي تحولت أقلامه ومنابره-منذ منتصف 2013- إلى خناجر مسمومة تنهال على عمار سعداني طعنا، وحجارة من حقد ترجمه “وكأننا نرجم الشيطان”. ولم يغفل الكاتب عن التنويه إلى أن الشجاعة التي تحلى بها سعداني في تعرية الموروث الشعبوي أبعد ما يكون عن تهور الغبي الذي لا يملك ما يخسر، بل إنها تنم عن إقدام الواثق بنفسه العارف بخبايا الأمور، بعكس الأرانب المهادنة التي جبلت على الإذعان والجلوس على قارعة الترقب “العسكروسياسي” في انتظار ظهور الغول الغاضب المنتقم ليزيل سعداني من الوجود!

وعبر الضفة الأخرى، خرج مراد دهينة مساء 11سبتمبر2015 على شاشة رشاد الفضائية المعارضة ليتناول بالتحليل مداخلة سعداني على قناة بي بي سي العربية، فوسمه بـ”الأخ” الشجاع الذي لا يفتقر إلى الجرأة وبعد النظر والذي قال الحقيقة وأنهى أسطورة الخلد! بل وطالبه بالمضي في مشروع الدولة المدنية وتوضيح ميكانيزماته وشرح كيفية تنفيذه بما يتضمن التحكم الديمقراطي في سير المؤسسات السيادية وعلى الخصوص العسكرية والأمنية منها.

مازال سعداني يشغل الورى؛ فحضوره يؤرقهم وغيابه يشغلهم. ومازال الرأي العام منقسما حول هذه الشخصية المثيرة للجدل؛ فالمؤيدون له يرون فيه الزعيم الذي لم يأت الزمان بمثله، والمناوئون يصورونه لسانا -بلا عقل- لا يزل عما يتلى عليه حرفيا. لكنه لا هذا ولا ذاك..

يوما ما سيكتب مؤرخو هذه المرحلة من تاريخ الجزائر أن عمار سعداني كان واضحا منذ البداية ولم يتردد أو يمسك الحبل من المنتصف، وقد توفر فيه من الصفات ما أهلّه ليكون واجهة التغيير من الداخل والخروج من بوتقة العسكرتية للتأسيس للدولة المدنية التي تخضع للإرادة الشعبية وسلطتي الدستور والقانون ولا يقفز فيها العسكري على اختصاصات السياسي. سيكتب التاريخ أن سخريتنا واستهتارنا بذكاء وقدرات سعداني لم تثبط من عزمه، وأنه لم ينشغل بالرد على منتقديه بل مضى بصبر وإصرار شديدين يجمع خشب ولوازم السفينة المدنية. وسيكتب التاريخ أن أضواء الشهرة لم تجذبه نحو الغرور والكبر ولا تمكن منه داء السلطة..

فإلى متى -يا معشر أهل الإعلام والرأي العام- سنظل نسلط سياط أقلامنا وألسنتنا بالسوء على سعداني ونتعالى أن نقول للمحسن أحسنت؟! إلى متى سنظل نحاسبه على خروجه عن المألوف وقوله كلاما لم نعهد سماعه؟ لماذا تأخذنا العزة بالإثم فنواصل -نكاية به- الهروب من الواقع السياسي الذي يعلن سعداني عن ملامحه ونتمسك بالغيب السياسي وظهور الغول الذي لا يتراءى سوى لعمار غول في مباريات كرة القدم المزعومة!

ليس سعد بوعقبة وحده من يستكثر على سعداني لعب دور البطولة ورسم خارطة المستقبل، فالكثير منا يفضل نحو هذا المنحى على مواجهة الحقيقة، ومفادها أننا أخطأنا في حكمنا وتحليلاتنا في حين أصاب سعداني ولم تزده رياح التشكيك وزوابع الشحن الإعلامي سوى يقينا وثباتا على موقفه وعزما على النجاح.

وأخيرا، أما آن أوان إعادة النظر بكل موضوعية -بعيدا عن التحيز والأحكام المسبقة- وتقديم الاعتذار لسعداني على كل التشويه والحملات المغرضة التي تطاله؟ ولأكون صادقة، سأبدأ بنفسي واعترف أني أخطأت في حقه -في البدء- وبخسته قدره، لكنه كسب جل رهاناته ما جعلنا نراجع حساباتنا ونأخذه على محمل الجد. ونأمل أن تكون بادرة احميدة عياشي الطيبة إيذانا بدخول هامات إعلامية الصف، خاصة وأن الأمين العام للعتيد لا يغلق بابه في وجه أحد ولا يريد أن تكون الصحافة معه ولا عليه، بل يرغب في أن تلتزم بدورها كسلطة رابعة تنقل الحقيقة باحترافية بعيدا عن الأهواء الشخصية وتصفية الحسابات، ولا شيء سوى الحقيقة..