السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد
فجزى الله خيرا من كان سببا في هذا الجمع الطيب المبارك, وجزى الله خيرا من كان سببا في حضوري للالتقاء بهذه الوجوه النيّرة بضياء السنة إن شاء الله, لتلتقي وتتدارس وتتواصى وتتذاكر, متعاونة على البر والتقوى, متناهية عن كل ما يخالف ذلك من الإثم والبغي والبدع والعدوان.
وأصل هذه المحاضرة التي طلبت مني إخواني, رسالة كتبتها قبل نحو خمس من السنوات ونشرت ونفذت نسخها -ولله الحمد- ، ولكن تجدد الأحداث ومصارع الفتن والاختلاف دعتني أن أعيد النظر في بعض من مواضيع هذه الرسالة وأن أزيد شيئا من مباحثها لتكون بصورتها الجديدة محاضرة هذا اليوم إن شاء الله، وقبل أن أبدأ بهذه المحاضرة عمت لي أمور, وخطرت في قلبي مسائل أحببت أن تكون تمهيداً لها وتسهيلاً لطريقها ومقدمة لفحواها ومضمونها، أول ذاك أيها الإخوة في الله, بيان غربة الإسلام ، هذه الغربة الثانية التي تعيشها الأمة بين شتى الأمم والملل، ولكن المسلم السني المتبّع لنهج سلف الأمة يعيش الغربة تلو الغربة, وهو مسلم بين كفار مع بقية المسلمين وهو متبّع للكتاب والسنة بين أناس عاشوا في التقليد وغياببه, وهو داعية رشيد ذو نهج سديد عاش بين أناس يدعون ويتكلمون ويجتمعون لكنهم يفتقدون ذلك المنهج الذي سيأتينا بعد قليل الكلام عليه بشيء من التفصيل؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :
<< إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء >> وثمة رواية تفسر هؤلاء الغرباء فيأتي بيانها بعد إن شاء الله .
وفي ظل هذه الغربة يكثر المصلحون, وفي ظل هذه الغربة يتنادى المخلصون، وفي ظل هذه الغربة يقوموا الداعون، كل منهم يدلي بدلوه, وكل منهم يلقي بحمله عسى أن يصيب في دعوته مكمن الداء ليخرج بدعوته مبيّنا سبب الدواء والشفاء، فكثرت مناهج الدعاة, وتعددت أطر الدعوة إلى الله، وتفرق المسلمون فوا أسفي الشديد، جماعات وأحزاب, وتشتّتوا طوائف وفرقا, كل منهم يدعوا إلى فرقته وكل منهم يدعو إلى طائفته, فكان من أولئك من جعل شعار دعوته النظر السياسي وتتبع مقالات الساسة، والكلام في هذا الإطار, والدوران في هذه الحلقة المفرغة, وكان منهم من حاول العمل العسكري وهو بعد في الرقراق, وهو بعد في الضحضاح, فلم يلتفت إلى القاعدة ولم يهتم بالأصل والأساس, فولّد ذلك شرورا كثيرة, وأنتج ذلك ثمرات قجة مريرة ذاق المسلمون ويلاتها في كثير من بلاد الإسلام؛ ولو تأمل الواحد منا واقعه مستفيدا من تجارب السابقين، متذكرا قول إمام من أئمة الصحابة -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال :<< السعيد من وعظ بغيره>> المسلمون اليوم كأنما هذا الأثر عندهم في طي النسيان، وفي غياهب الذاكرة, لا يلتفت إليه, ولا ينتبه لثمرته ونتيجته وأثره، فلا زلنا نقع في الهوة ذاتها, ولا زلنا نلدغ من الجحر نفسه, الذي يحاك لنا ونصاب به فوا أسفي الشديد, فلو نظر الواحد إلى أحوال مصر في الستينات, وأحوال سوريا في أواخر السبعينات, وأحوال عدد من البلاد الإسلامية في الثمانينات, وأخيرا أحوال الجزائر في التسعينات, لرأى أن هذا الاستعجال الذي يعيشه هؤلاء وأولئك في غفلة عن النهج الصافي, (كلمة غير مفهومة) الرشيد, وعن المنهج السديد, هو السبب المفضي به جميعا إلى ذلك التنكب المؤدي بهم إلى ظلمات الفرقة والتفرق عن نهج سلف الأمة الصالح؛ ثم ترى أقواما آخرين أقاموا مناهجهم ودعواتهم على العواطف الفارغة, والحماسات الخاوية, يؤججون بها قلوب الشباب ويلهبون بها مشاعرهم وأحاسيسهم, وهم في كل ذلك خواء من العلم, فراغ من النهج, يحبون الدين ويغارون على الإسلام والمسلمين, لكن ذلك الحب وهذه الغيرة إذا لم تجد نهجاً تستمد منه, وإذا لم تجد ضياء تستضيء بنوره, وإذا لم تجد نورا ونارا، نورا تهتدي بها, ونارا تحرق أعداء الله بها, فإنها تذوب وتثمر ثمرات سلبية عكسية تؤرّق العين وتقلق القلب وتشتت الشمل، وتفرق الكلمة وتمزق الأمة, وهذا ما يعيشه الناس اليوم, أقول هذا بيانا للداء وأن الدواء فسيأتينا بعد إن شاء الله .
وهناك أقوام عاشوا في غرة السياسة الكافرة منشغلين بها, واقعين في أكنّها ظانين أنهم يحسنون صنعا, فتراهم ينخرطون في البرلمانات ويشاركون في السياسات والوزارات وهم يظنون أنهم بذلك يوصلون كلمة الإسلام, مع أن الواقع المشاهد أن أعداء الإسلام لا يفتحون لكم المجال أيها الإخوة في الله، أيها الأحبة الكرام إلا لضربكم, وإلا لإبعادكم عن دينكم ولكن بخطوات هي خطوات الشيطان, ولا تستمعوا لخطوات الشيطان؛ ترى الواحد منهم يتساهل بحقه، يتساهل بسنن من سنن نبيه يتساهل بأحكام شرعية ينادي بتطبيقها وهو تارك لبعضها ورحم الله من قال: << فاقد الشيء لا يعطيه >>.
وهناك أقوام عاشوا في ظلال الخيال، ودأبوا على نسج الأوهام, يظنون أنهم أصحاب فكر, ويحسبون أنهم دعاة تخطيط ونظر، لكنهم عن هذا وذاك بمعزل, لأن الفكرة والتخطيط والنظر وغير ذلك من اصطلاحات عصرية حادثة, كل هذا إذا لم يكن منوطا بدلائل الخير ومخوطا بمناهج السلف فإنه وبال على صاحبه إن لم ينل (كلمة غير مفهومة) ثمرة اليوم فسينالها غدا, ولكن يسرع هذا وذاك بين هؤلاء وأولئك في الرجوع إلى المنهج النيّر المضيء المشرق, الذي أثبتت السنوات الماضية ضعف ما عداه, ووضاء ما سواه وهو ولله الحمد باق قائم, صادق أهله مرابط دعاته وأتباعه, وإن كانت ثمرته في عيون البعض قليلة, لكنها عند الله جليلة لأن الله -تبارك وتعالى- يقول :{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} فنحن سائرون على هذا الصراط, سالكون هذا الدرب, لا ننظر إلى الكثرة ولا نلتفت إلى وفرة, ولا نتهيب تربص عدو, ولا نخاف كيد كائد؛ فعلينا بهذا النهج نرشد وننجح ونفلح, هذه نقطة أحببت أن أذكرها في هذا اللقاء .
أما النقطة الثانية : فهي الكلمة التي ترددت مراراً في هذه المجالس الطيبة المباركة النافعة التي عقدت في هذا المؤتمر, ألا وهي كلمة السلفية, البعض قد(كلمة غير مفهومة) من إطلاق هذه الكلمة, والبعض قد لا يفهم معنى هذه الكلمة, والبعض قد يخطئ فهم هذه الكلمة, والبعض قد لا يتصور التصور العلمي والعملية لمدلول هذه الكلمة, فكانت النقطة الثانية مما أريد بيانه بين يدي محاضرتي, كلمة السلفية مضمونها ومعناها, وإن كان هذا بحاجة إلى محاضرة بل محاضرات.
فأقول: إن الناظر في الجماعات الدعوية وفي الأحزاب الدينية يرى أنها جميعا لها مؤسسون ولها منظرون ولها قياديون مبرمجون ومخططون, فهذه الجماعة أسسها زيد وقام عليها, وذلك الحزب أنشأه عمرو وأشاد بنيانه, وتلك الجماعة نظّر قاعدها وأرسى بناءها فلان أو فلان. هذه لها عشر من السنين, وهذه لها خمسة, وهذه لها سنتان أوثلاث أو عشر وهكذا, وكل منها لها اسم ومصطلح ولقب يلتقي مع أولئك المؤسسين؛ أما الدعوة السلفية فليس لها مؤسس لأنها منهج فهم وتصور, وهذا يظهر بجلاء في معرفة كلمة السلفية من حيث أصل نسبتها, ومن حيث تعريفها ومضمونها؛ يقسم علماء الحديث في باب معرفة الأسماء، الأسماء إلى أنواع فيقولون: اسم, ويقولون لقب ويقولون كنية, ويقولون نسبة.
أما الاسم فمعروف, أما اللقب بأن يقال: فلان طويل, فلان أعثر, فلان(كلمة غير مفهومة), فلان كذا وكذا من ألقاب تدل على المتلقبين بها.
وأما الكنية فمعروفة أيضا بأن يقال أبو فلان. قد يستغرب البعض ويقول: ما شأن هذا بما تقول ؟ فأقول: إن لهذا شأنا دقيقا جدا يعثر فهمه على كثير من الناس, إذ السلفية ليست اسما فضلا أن تكون لقبا وهي بطبيعة الحال ليست كنية, إذا هي نسبة, هي نسبة إلى السلف, فهي ليست اسما يدل على فئة من الناس(كلمة غير مفهومة) أو يعطون هويات أو تذاكر تنوب عنه, وإنما هي نسبة الولاء والبراء على منهجها وعقيدتها, الحب والبغض على فكرها ونهجها, العداء والولاء على العمل والعلم, المستمدين منها, وليس الولاء والبراء فيها كما هو الولاء والبراء عند غيرها, أنت معنا أم ليست معنا!! أنت منا أم لست منا!! أنت معنا وتقرأ لنا أم لا تقرأ لنا!! أنت كذا وكذا من حزب كذا أم أنت كذا وكذا من جماعة كذا, لا, إن الولاء والبراء في الدعوة السلفية ليست على حروفها الصماء, وليست على سينها ولامها وفائها ويائها الخاوية, ولكنها على تلك النسبة التي هي امتداد لذلك النهج الذي(كلمة غير مفهومة) معرفته عن صفائه ونقائه, إنها علامة على صدق ذلك المنهج والطريق الذي تظهر معرفته ويكشف الوقوف عن أمره علامة صدقه وصفائه, إنها ذلك النهج الذي بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولم يتكف ببيانه, بل ذكر علامة استمراره وهي علامة أحقية هذا المنهج حيث يقول الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم- :<< لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك >> لا تزال طائفة, لا تزال من حروف أومن معانيها الاستمرارية أنها مستمرة مند ذلك الجيل الأول الذي اصطلح بعض الدعاة العصريين أو المعاصرين عليه بأنه الجيل القرآني الفريد ، فهذه الدعوة ممتدة جذورها ضاربة بأطنابها في أعماق التاريخ وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, بصفاء وعلم وبينة, فهذه الاستمرارية وحدها التي لم يتلو قرن بل عقد بل(كلمة غير مفهومة) من وجود دعاة لها منافحين عنها دابّين عن كلمتها ومنهجها, هذا وحده لو عقل المخالفين وتأمل(كلمة غير مفهومة) لتدبّر الحاقدون لعرفوا أن هذه السمة وحدها هي بيان الحق, وهي دليل الصدق, وهي شعار الرجوع إلى الحق الذي أخبره به رسول الإسلام -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-؛ وهؤلاء السلف الذين ندعو إلى نهجهم وننتسبوا إليهم هم مزكون على لسان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بل إنهم مزكون في آيات القرآن الكريم وعلى ذلك آيات عدة ,وأحاديث كثيرة لكن الوقت يمضي ولا نشعر, فنقتصر من ذلك على أجزاء, آية من كتاب الله يقول تبارك وتعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } أي سبيل للمؤمنين ذاك, هل ذكر سبيل المؤمنين هنا أيها الإخوة جاء عبثا؟ لا والله, أم أنه جاء تكرارا؟ نقول قد يقول نعم ولكن التكرار في القرآن لا يخلو من أسرار, لذلك صنف بعض أهل العلم كتب مفردة في أسرار تكرار القرآن { ومن يشاقق الرسول } لقد ذكر الله رسوله, ومن شاقق هذا الرسول, فلماذا يذكر سبيل المؤمنين واتباع غيره, لأن سبيل المؤمنين هو الطريق الذي يتوصل من خلاله إلى معرفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وإلى معرفة آيات الله في كتابه, إذ اليوم ترى كل الفرق وكل الجماعات وكل الأحزاب تقول الكتاب والسنة، لكن كيف الوصول إلى الكتاب والسنة ؟ هل الوصول إليهم يكون عن طريق ما يسمون اليوم بلغة العصر اليوم العقلانيين, وقد نبهنا بعض إخواننا الأفاضل إلى أن يسموا أهل الأهواء وهذا حصل لا ريب فيه, فهم أهل الأهواء العقلانيون لأنهم قدموا العقل على النص, وقدموا الرأي على الشرع, وكانوا كأمثال ذلك النقد السلفي الذي صدر عن فقيهة من فقيهات الصحابة وأم لنا من أمهات المؤمنين عندما جاءتها امرأة تقول لها :
<< ما بالنا إذا حضنا، نقضي الصيام ولا نقضي الصلاة >> تريد أن تحتكم بعقلها أو أن تحكم عقلها على الشرع, كيف يدخل هذا في العقل تقول هذا الشيء, وتذكر هذا الإشكال أمام أمنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى- عنها وقد كانت من الفقيهات ماذا كان جوابها -رضي الله عنها- كان جوابها عنوان من عناوين دعوتنا وشعار من شعارات منهجنا قالت : << أحرورية أنت ؟ لقد أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم >> مباشرة إذ رأت الهوى(كلمة غير مفهومة) وفورا إذ شعرت بالعقل على النصوص يقدم, وصفتها بأنها حرورية, والحرورية هم من أصحاب الفرق الضالة, هم طائفة من طوائف الخوارج الذين عرف عنهم تقديم العقل على الشرع والهوى عن النصوص والأحكام؛ إذا هذه أمارة من أمارات هذا النهج الذي يجب أن نسلكه من كتاب الله وسنة رسوله
- صلى الله عليه وسلم- وهما الوحيان الشريفان اللذان لا تنفك أحد ممن يقول لا إله إلا الله حتى الشيعة وحتى المعتزلة وحتى الأشاعرة بل الجهمية لا ينكر أحدهم كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنهم جميعا ينكرون بلسان حالهم فضلا عن مقالهم ذلك النهج السلفي السديد الذي يتوصل من خلاله إلى معرفة كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو الذي أشار الله إليه بقوله { ويتبع غير سبيل المؤمنين } والنبي مصطفى -عليه الصلاة والسلام- له في ذلك أيضا إشارات عدة وأمارات شتى منها الحديث الصحيح المتفق على صحته الذي يقول فيه النبي مصطفى -عليه الصلاة والسلام- :<< خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم >> وفي رواية في الصحيحين << ثم يأتي أقوام لا خير فيهم >> فأسأل نفسي وإخواني عن هذه الخيرية لتلك القرون هل كانت خيرية زمان؟ هل كانت خيرية شهور وأيام؟ هل كانت خيرية سنين وأعوام؟ لا والله, ثم هل هي خيرية مكان ؟ هل هي خيرية جدران وحيطان ؟ لا, ففي ذلك الزمان نفسه عاش المنافقون, وفي ذلك الزمان نفسه عاش الكافرون كما عاش المسلمون، وفي ذلك المكان ذاته عاش أولئك أنفسهم, إذا هل هي خيرية أجسام هل هي خيرية طول وعرض هل هي خيريه(كلمة غير مفهومة) ؟ لا لهذه الأسئلة الثلاث (كلمة غير مفهومة) كتاب كتبه بعض جن العقول إذ سمى كتابه " السلفية مرحلة زمانية مباركة لا (كلمة غير مفهومة)" ولقد بدأ بعض طلاب العلم بتأليف كتاب ينقض هذا الكتاب سماه " السلفية دعوة الإسلام على مر الأجيال لا مذهب أحدثته الرجال" .
إذا ما هو السبب الذي أدى إلى ذلك الخير, والذي أشار إليه الهادي إلى الخير- صلى الله عليه وسلم-, روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة السوائي قال : << سألت علي وهو ابن أبي طالب الخليفة الرابع -رضي الله تعالى عنه قلت هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أهل البيت ؟ قال :والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما في هذه الصحيفة وفيها فكاك الأسير والديات وفهما يؤتاه العبد في كتاب الله » إذا تلك الخيرية هي خيرية الفهم, خيرية تصوّر, خيرية النهج خيرية السلوك الهادي إلى سواء السبيل, ولا خيرية -أيها الإخوة في الله- تكون أو تقوم إلا على هذا النهج وفي ظلال هذا الفهم, إذا السلفية نسبة إلى هؤلاء الذين زكاهم الله وزكاهم رسول الله
-عليه الصلاة والسلام- ولا بأس من ذكر حديث آخر ذكرنا به بعض إخواننا في كلمات قصيرة أمس, وهو حديث الخلافة الذي يخبر عن ملك عضود وملك جبري ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, منهاج النبوة لا يمكن الوصول إليه إلا عبر نهج الذين عايشوا هدي النبوة والذين شهدوا التنزيل, والذين عايشوا الكتابة غضا طريا, فعرفوا عن الله أحكامه, ودروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحاديثه فكانوا أتقى الناس قلوبا وأعمقهم فهما وأعظمهم تقوى لله وخوفا منه سبحانه وتعالى وأشدهم لنبيهم - صلى الله عليه وسلم- اتباعا, وأكثرهم لنصوص الوحيين تسليما كما قال الله -تبارك وتعالى- مخاطبا نبيه في أولئك السالكين الذين ندعوا إلى نهجهم وننتسب إليهم: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }هذا التسليم هو شعار هذه الدعوة(كلمة غير مفهومة) فمن تنكب عنه فهو خاسر, ومن غير دربه فهو هالك كما قال النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- :<< تركتم على مثل البيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك >> ماهي هذه البيضاء هي التي أشار إليها النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه :<< تركتم فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا >> << تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يا رسول الله قال هي الجماعة >> وفي الرواية الأخرى التي أشرت إليها أنها تتقوّى, وصف لهذه الجماعة قال << هي مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي >> وهنا لابد من ذكر أثر عن سيد من سادات الصحابة -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وهو عبد الله ابن مسعود حيث يقول :<< الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك >> فليست الجماعة هي ما قد يتخيله البعض من أطر وتنظيمات وأساليب وتخطيطات وتنظرات وو إلى آخره, وهي بعيدة عن هذا النهج, ليست الجماعة هي الكثرة الكاثرة والجموع المحتشدة والأصابع المرفوعة بعيدا عن هذا المنهج, إنما الجماعة(كلمات غير مفهومة) متمسك بذاك النهج, متبع لذلك الصراط وداع إلى هذا السبيل . ويقول عبد الله ابن مبارك: إذا ذكر السلف الصالح وهو منهم لكن كلمة السلف نسبية, فكل سابق له لاحق يكون السابق سلفا للاحق, فنحن ممن ننتسب إليهم من السلف عبد الله, ولكنه هو نفسه كان له سلف من التابعين والصحابة رضي الله تعالى عنهم بل من أتباعهم لأنه هو بعد مرحلة التابعين <<كان إذا ّكر من قبلهم من السلف....>>
تم تفريغ الوجه الأول ويتبع إن شاء الله الوجه الثاني