الحمد لله موفق الطائعين ، ومعلم الجاهلين ، ومفهم العلماء العاملين ، وصلى الله وسلم على خير الخلق وأفضل ولد آدم وعلى آله والصحب أجمعين ، وبعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذه بعض من شذرات ونفائس مختارة لطالب العلم عسى أن يسلك طريقا فيوصله مبتغاه ، ويحقق آماله وما ترجاه ، ولا بد له قبل ذلك من بذل الغالي والنفيس ، واجتهد الليالي والأيام عله يلج بابه ، ويدخل على أهله ..
ومما ورد من أمثلة رائعة تشحذ الهمة ، وتقوي العزم لدى الطالب ما حصل لمن طلبوه قبلنا ، وسلكوا مسالكه من سلفنا ، أوردت هذه الأمثلة القيمة الرائعة علها تنفعني وتنفع القارئ الكريم والطالب المجد إن شاء الله تعالى ...
فإليكموها ..
قال أبو هريرة رضي الله عنه : لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها فيقول الناس إنه مجنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع . (حلية الأولياء ) .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : مكثت خمساً وأربعين سنة أختلف بين الشام والحجاز، فما وجدت حديثا أستطرفه! -أستبعد مكانه-. (حلية الأولياء)
قال إمام المفسرين أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله : لما دخلت مصر لم يبق أحد من أهل العلم إلا لقيني وامتحنني في العلم الذي يتحقق به ، فجاءني يوماً رجل ، فسألنى عن شيء من العروض ، ولم أكن نشطت له قبل ذلك ، فقلت له : علّي قول أن لا أتكلم في شيء من العروض ، فإذا كان في غد فصر إلي ، وطلبت من صديق لي كتاب ( العروض ) للخليل بن أحمد ، فجاء به ، فنظرت فيه ليلتي ، فأمسيت غير عروضي وأصبحت عروضياً .
قال شعبة بن الحجاج رحمه الله : إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان، فارحمه، وإن كان في كُمِّك شيء ، فأطعمه. (سير أعلام النبلاء)
قال الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش رحمه الله : شربت بولي في هذا الشأن - يعني الحديث - خَمْسَ مَرّات.!
قلت - أي الخطيب البغدادي - : أَحْسَبُه فَعَلَ ذَلِكَ في السَّفَرِ اضْطِرارًا ؛ عند عدم الماء - والله أعلم . (تاريخ بغداد)
قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي : سمعت ابن طاهر يقول : بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي . (سير أعلام النبلاء)
قال محمد بن إسماعيل الصائغ رحمه الله : كنت في إحدى سفراتي ببغداد ، فمر بنا أحمد بن حنبل وهو يعدو ، ونعلاه في يده ، فأخذ أبي هكذا بمجامع ثوبه ، فقال : يا أبا عبد الله ، ألا تستحي ؟ إلى متى تعدو مع هؤلاء الصبيان ؟ قال : إلى الموت . (مناقب الإمام أحمد)
فانظر يا رعاك الله ما للقوم علينا من الحق والفضل ، وكيف يمكننا رد جميلهم وشكرهم على ما قدموه لنا وبلغوه إلينا من العلم ، وهذه قطر من بحر أعمالهم في هذا الباب ..
اللهم ارحم علماءنا وارفع درجاتهم وألحقهم بالصالحين في جناتك جنات النعيم
اللهم انفع الأمة والمسلمين بعلمهم ، واجعلنا الله وغياهم من العاملين .