أغرب مظهر من مظاهر تبعية العرب للغرب ربما قد لا تراه إلا في الجزائر فبالإضافة إلى التبعية الإقتصادية و السياسية التي تعاني منها كامل البلدان العربية الأخرى, إلا أن الجزائر تعاني من مظهر آخر من مظاهر التبعية, و هو التبعية اللغوية.
فالجزائريون و خاصة منهم سكان العاصمة بالذات يتكلمون لهجة لا تكاد تجد لنفسها تصنيفا بين لهجات البشرية, خليط من العربية و الفرنسية و ياليتها كانت عربية أو فرنسية صحيحة, لهجة تقوم على أساس تصريف الأفعال الفرنسية مع الضمائر العربية, والنتيجة هي لغة أقرب إلى الكلام المشفّر من أي شيء آخر!! فلا العرب يفهمون ما نقول ولا الفرنسيون بأوفر حظا من العرب
و من أجل أخذ فكرة عن هذه اللهجة قد لا يحتاج المرء إلا لبضع دقائق و هو يقف على حافة شارع جزائري
ليسمع كلمات كـ: طرافارسيت (إجتزت) أو ديماريت (إنطلقت) أو سوفريت (عانيت) وغيرها من الكلمات الغريبة
عن قواميس لغات العالم أجمع بل أنك قد تصادف من يستعمل كلمة"روفزو" (رفضوا) التي قد يظن السامع لأول وهلة أنها مشتقة من الفصحى لكن الحقيقة المخيبة أنها مشتقة من الكلمة الفرنسية refuser و بالصدفة جاءت مشابهة للفعل العربي
الذي يؤدي نفس المعنى.
ولك أيضا أن تقوم بمساءلة المارة في الشارع ليقرؤوا عليك رقم هاتف مثلا أو رقم خط الحافلة التي تقود إلى المكان الفلاني, فلا تكاد تجد من بين العشرة واحدا يقرأ عليك الرقم بالعربية, و كأن عرفا جديدا صار يتحكم في
أذهان الجزائريين يرغمهم على نطق الرقم بالفرنسية و إلا أحسوا بالحرج, أو كأن الطريقة الصحيحة في نطق
رقم الهاتف يجب أن تبدأ "بالزيرو" و ليس بالصفر.
لافتات المحلات التجارية, الملصقات الإشهارية, و حتى الأوراق الإدارية, لا تخرج عن هذا العرف الأبله.
ونفس الأمر إذا انتقلت إلى الجامعة أين يفترض أن تجتمع هنالك الطبقة المثقفة للمجتمع لكن لا تستغرب إذا سمعت
طالبا من قسم اللغة العربية و آدابها يستعمل كلمات كـ: موديل (بدلا عن مادة) أو البروف (بدلا عن أستاذ)
أو الريسطو (بدلا عن المطعم) و غيرها من الكلمات.
هذا الأمر خلق جيلا جديدا من الجزائريين لا يتقنون أي لغة من اللغات الراقية سواء كانت عربية أو أجنبية و لا يتكلمون غير اللهجة العامية
و إذا حاولت أن تبحث عن الأسباب التي جعلت المواطن الجزائري يتفرّد عن إخوانه العرب بهذه اللهجة الهجينة فإنك قد تشعر بإحباط شديد إذا وجّهت تساؤلك للناس العوام, فأغلبهم لا يكترثون أصلا بالبحث عن السبب بل و يتعجبون لسؤالك, ربما لأنهم لا يسعون إلى أي تغيير بل أنك قد تجد
من يفتخر بهذه اللهجة على طريقة "pas de تحلاب" و "عقلية dz" و يعدّها مكسبا بحكم أنها ليست مفهومة إلا على نطاق محلي فهي على حد تعبير البعض مصدر تميّز!!
والسؤال المخيف, كيف سيتكلم الجزائريون بعد 100 أو 150 عام؟؟
هل سيكون مصيرنا كمصير أهالي جزر البحر الأطلسي التابعة للسيطرة الفرنسية كالمارتينيك و القويانا
فالناس هناك يتكلمون لهجة الكريول (créole) الهجينة و هي عبارة عن مزيج من الفرنسية و لغات محلية أخرى, و الكريول لا تصلح للتدوين
بالنظر إلى المعطيات الحالية فالأمر غير مستبعد.
إذن فعلينا جميعا أن نتجند ضد الخطر الذي يحدق بلهجات شعب الجزائر المسلم و ينبغي معالجة هذه القضية على
أعلى المستويات و التزام الجدية المطلوبة و اتخاذ إجراءات استعجالية للتصدي لهذا الانحلال اللغوي, وذلك بمحاولة إطلاق ثورة ضد هذه الأعراف السخيفة التي
تملي على الفرد الجزائري استعمال مفردات أجنبية و قتل نظيرتها العربية أو الأمازيغية.
و ينبغي لإخواننا العرب من الدول الشقيقة أن ينضموا إلينا في هذا الصراع بدلا من أن يسخروا منا, و من يدري, فلعل الدور سيكون عليهم بعد الجزائر,
فمــــــــــــــــــــــــا أجملك يا لغة القرآن و ما أغبنك بين أهلك.