الفقه وأصوله - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-10, 05:35   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يقدم المذهب على الحديث

السؤال :

يتعلق سؤالي بالأحاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمذهب، يتبع أهل بلادي مذهب الإمام الشافعي . وفي بعض الحالات فإن المذهب يُقدم على الحديث والسنة، فهل أتبع المذهب أم السنة في هذه الحالة ؟

على سبيل المثال ، ينتقض وضوء الرجل، في المذهب الشافعي، إذا لمس الرجل امرأة عامدا أو عن طريق الخطأ ، وسواء أكانت من المحارم أم ليست من المحارم . وقد وجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك رجل عائشة رضي الله عنها أثناء تأديته لصلوات الفجر.

مثلا : يُعلم المسلمون في بلادي أنه أثناء الحج فإن نية الوضوء تحول من المذهب الشافعي إلى المذهب الحنبلي، وهم يتوضئون كما يفعل أتباع المذهب الحنبلي. والسبب وراء ذلك هو ذاته الوارد في المثال أعلاه. فهل يصح هذا، أي التحول من مذهب لآخر أثناء تأدية الحج؟

مثلا، في المذهب الشافعي، يُعد دعاء القنوت أثناء صلاة الفجر سنة مؤكدة.فهل فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أثناء صلاة الفجر؟ وما هو الحكم في من لا يقنت؟.


الجواب :

الحمد لله

الواجب اتباع ما دلَّ عليه الدليل من الكتاب والسنة وإن خالف المذهب المتبوع ، لكن لابد أن يكون فهم الكتاب والسنة كما فهمه السلف لا بأفهامنا المجردة ، والمقصود بالسلف الصحابة والتابعين .

والمثال الذي ذكرته القول الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء أكان بشهوة أم بدونها ، لحديث أنه صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ) إلا أن يخرج منه شيء بسبب الشهوة فيتوضأ لا للمس ولكن للخارج منه .

وأما الآية وهي قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) فالمراد به الجماع على الصحيح .

2- لا تحتاج إلى التحول من مذهب على مذهب وفريضة الحج تُؤدى كما أدها النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) .

3- القنوت في الفجر الصحيح أنه سنة عند النوازل فقط يعني إذا نزلت بالمسلمين أو بعضهم مصيبة فإنه يستحب أن يُقنَت ويُدعى الله تعالى ليصرفها عنهم ، أما في الحالات المعتادة فالصحيح أنه لا يستحب هذا ما دل عليه الدليل . ومن ترك القنوت فصلاته صحيحة حتى عند الشافعية رحمهم الله .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:39   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التقليد واتباع الدليل ، وهل كان ابن حزم حنبليّاً ؟

السؤال

كيف يمكن للشخص أن لا يكون مقلداً وفي نفس الوقت يتبع أحد الأئمة الأربعة ؟

أسأل هذا السؤال لأنني في سيرة ابن حزم قرأت أنه يتبع مذهب الإمام أحمد ولم يكن مقلداً . أرجو أن توضح هذا لي
.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

المتبعون للمذاهب ليسوا على درجة واحدة ، بل منهم المجتهد في المذهب ، ومنهم المقلد الذي لا يخالف مذهبه في شيء .

فالبويطي والمزني والنووي وابن حجر من أتباع الإمام الشافعي لكنهم مجتهدون ويخالفون إمامهم إذا تبين لهم الدليل وكذلك ابن عبد البر من المالكية لكنه يخالف مالكاً إذا كان الصواب مع غيره ، ومثل هذا يقال في كبار أئمة الحنفية كأبي يوسف ومحمد الشيباني ، وكذا أئمة الحنابلة كابن قدامة وابن مفلح وغيرهم .

فتتلمذ الطالب على مذهب لا يعني أنه لا يخرج عنه إذا تبين له الدليل ، بل لا يفعل هذا إلا من رق دينه وقلَّ عقله من المتعصبة .

ووصية الأئمة الكبار هي أن يأخذ طلاب العلم من حيث أخذوا ، وأن يضربوا قول أئمتهم عرض الحائط إذا خالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو حنيفة : هذا رأيي فمن جاء برأي خير منه قبلناه ، وقال مالك : إنما أنا بشر أصيب وأخطئ , فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة ، وقال الشافعي : إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط , وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي ، وقال الإمام أحمد : لا تقلدني ولا تقلد مالكاً , ولا الشافعي , ولا الثوري , وتعلم كما تعلمنا , وقال : لا تقلد في دينك الرجال , فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا .

فليس لأحدٍ أن يقلِّد إماماً بعينه لا يخرج عن أقواله ، بل الواجب عليه أن يأخذ بما وافق الحق سواء كان من إمامه أم من غيره .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

وليس على أحدٍ من الناس أن يقلِّد رجلاً بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه ويستحبه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما زال المسلمون يستفتون علماء المسلمين فيقلدون تارة هذا وتارة هذا ، فإذا كان المقلِّد يقلد في مسألة يراها أصلح في دينه أو القول بها أرجح أو نحو ذلك : جاز هذا باتفاق جماهير علماء المسلمين لم يحرم ذلك لا أبو حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد .

" مجموع الفتاوى " ( 23 / 382 ) .

وقال الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله رحمه الله :

بل الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلم معنى ذلك ، في أي شيء كان ، أن يعمل به ، ولو خالفه من خالفه ، فبذلك أمرنا ربنا تبارك وتعالى ، ونبينا صلى الله عليه وسلم ، وأجمع على ذلك العلماء قاطبة ، إلا جهال المقلدين وجفاتهم ، ومثل هؤلاء ليسوا من أهل العلم

كما حكى الإجماع على أنهم ليسوا من أهل العلم أبو عمر ابن عبد البر وغيره .

" تيسير العزيز الحميد " ( ص 546 ) .

وعلى هذا لا بأس أن يكون المسلم تابعاً لمذهب معين ، ولكن إذا تبين له الحق في خلاف مذهبه ، وجب عليه اتباع الحق .

ثانياً :

أما ابن حزم فقد كان إماماً مجتهداً ، وهو يحرِّم التقليد ، ولم يكن تابعاً لأحد من الأئمة ، لا الإمام أحمد ولا غيره ، بل كان هو إمام أهل الظاهر في زمانه وإلى الآن ، ولعل انتسابه للإمام أحمد ( إن صح هذا النقل ) كان في مسائل العقيدة والتوحيد ، على أن عنده مخالفات ومجازفات كثيرة في مسائل الأسماء والصفات .

وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ( 18 / 184- 212 )

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:41   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الالتزام بالمذهب مع العلم بأنه مرجوح

السؤال

ما حكم الالتزام بالمذهب ولو تبيّن أنه مرجوح ؟.

الجواب

الحمد لله

الذي يلتزم بمذهب معين ثم تبين له أنّه مرجوح بمقتضى الأدلة فهذا خطر عظيم على الفاعل ولا يجوز وهذا يدخل في قوله تعالى ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31 وهذا فيه إعراض عن هديه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:51   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مسائل متعددة في الإفتاء والاستفتاء والتقليد

السؤال:

قرأت في مسألة الاختلاف السائغ : عليَّ النظر في الدليل ، ثم اتباع العالم الذي أراه أعلم وأوثق. لكن لي بعض التساؤلات : 1. هل أنا مؤهل للنظر في الأدلة أم لا ؛ فإني في بداية طلب العلم الذي ينفعني ولم أبدأ بحفظ القرآن ودراسة أصول الفقه ؟

2. هل يجوز لي ان أتبع موقع إنترنت ثقة مشرف عليه عالم ثقة عوضاً عن إتباع عالم

، 3. في حالة عدم وجود الحكم في مسألة معينة عند العالم الذي أتبعه : هل يجوز لي أن آخذ الحكم من عالم آخر ؟ .

4. في حالة وجود الحكم في مسألة معينة عند عالم ثقة لكن ليس الذي أتبعه هل عليَّ البحث على الحكم عند العالم الذي أتبعه أم أكتفي بهذا العالم الثقة ؟

. 5. هل يجوز اختيار العالم الذي أقرب إلى " فقه الواقع " و " تيسر الوصول إليه " وليس الذي أراه أعلم وأوثق ؟

. 6. إذا كان العالم الذي أراه أعلم وأوثق قد توفي - رحم الله جميع علماء أهل السنَّة - هل يجوز اختيار عالم حي خاصة للاستفتاء ؟

. 7. وهل أعيد أخذ الفتاوى التي أخذتها سابقا من العالم الذي أتبعه ؟

. 8. في الاستفتاء - خاصة في المعاملات - هل يجوز استفتاء عدة علماء أم الأفضل استفتاء عالم واحد فقط لمعرفة هذا العالم بي على العكس عند استفتاء عدة علماء ؟

وهل في هذا تأثير على الفتوى من باب المصالح والمفاسد أو فقه الأولويات أو فقه النفس ؟ .

فأفتوني بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء .


الجواب :

الحمد لله

أولاً:

إذا كنت في أول طلب العلم ، ولم تبدأ بعدُ بحفظ القرآن ، ولا أنت على علم بعلوم الآلة ، فالذي ينبغي عليك أن تبدأ أولا بحفظ القرآن الكريم ، وإتقان تلاوته ، ومعرفة معاني كلماته ، ثم الاهتمام بتعلم تفسيره ، ومعرفة فقهه وأحكامه ، وهذا كله يتطلب منك إلماما مناسبا بعلوم الآلة : اللغة وعلومها ، وأصول الفقه ، ونحو ذلك .

فإذا فرغت من حفظ القرآن فاجتهد في أن تحفظ ما تقدر عليه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة أحاديث الأحكام ؛ ويفضل أن تبدأ أولا بحفظ شيء يسير ، كالأربعين النووية ، ثم بعدها تشرع في حفظ ما هو أكبر ، إما من متون أحاديث الأحكام ، كعمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي ، أو بلوغ المرام ، للحافظ ابن حجر ، أو منتقى الأخبار ، لمجد الدين ابن تيمية .

ولو شرعت في حفظ الأحاديث المتفق عليها من " اللؤلؤ والمرجان " أو " الجمع بين الصحيحين " ، فهو حسن .

والذي ينبغي عليك أن تشغل به نفسك في هذه المرحلة : أن تحفظ ، وتحصل ما تستطيعه من العلوم ، وأنت في سن الطلب والتحصيل ، قبل أن تتقدم سنك ، وتكثر مشاغلك ، ويضعف حفظك .

وأما أن تشغل نفسك بالبحوث المطولة في المسائل الخلافية ، والنظر في أدلة كل قول : فهذا مما لا يفيدك كبير شيء في هذه المرحلة ، ولا أنت مؤهل له ، وسوف يفوت عليك بسببه ما هو أولى بك منه .

على أن هناك من المسائل الواضحات التي تعترض طالب العلم ، ربما لا يحتاج فيها إلى كبير اجتهاد ، أو تضييع زمان في تتبع أقوال المذاهب ، ودلالة النصوص عليها ظاهرة ، مثل كثير من مسائل السنن المستحبات ، وفضائل العبادات ، والأحكام الواضحة : فهذه لا يستغني طالب العلم عن معرفتها ، ومراجعة أدلتها ، مع أنه في ذلك كله سوف يكون آخذا من أهل العلم الذين مهدوا له الطريق ؛ فمجرد ترجمة العالم على الحديث ، أو الآية : باب استحباب كذا ، أو وجوب كذا ، أو كراهة كذا ، أو تحريم كذا : كل ذلك هو نوع دلالة ، وتمهيد له لفهم النص ، ومعرفة مدلوله .

ثانياً:

الواجب على العامي ، أو طالب العلم الذي لم يتأهل للنظر أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه ، إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم . قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأنبياء/43-44 .

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

" وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... "

انتهى من "تفسير السعدي" (441).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم "

انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .

والرجوع إلى المواقع العلمية الموثوقة ، والتي يقوم عليها من تثق فيه من أهل العلم : هو نوع من ذلك الرجوع إلى أهل العلم ، واستفتائهم .

غير أنه في الواقع لا يغني عن الرجوع المباشر إلى أهل العلم الثقات الذين يمكنك الوصول إليهم ، والتعلم منهم ، ومناقشتهم بصورة مباشرة فيما ينزل بك ، أو تستشكله .

وهذا كله ـ بالطبع ـ بحسب استطاعة كل إنسان ، وما تسمح به ظروف بلده ، وقد قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 .

ثالثاً:

في حالة عدم وجود الحكم في مسألة ما عند من تستفيته في دينك ممن ترضى دينه وعلمه : فإنه لا حرج في الانتقال إلى مفتٍ آخر يتصف بمواصفات المفتي الأول الذي ارتضيت دينه وعلمه – فيما ترى وتعلم عنه - ، وإنما المحظور هو أن يكون الانتقال لمجرد الهوى والبحث عن الرخصة ؛ فإن هذا فعل محرَّم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"مَن التزم مذهباً معيَّناً ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ، ومِن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله : فإنه يكون متبعاً لهواه ، وعاملاً بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلاً للمحرم بغير عذر شرعي ، فهذا منكر"

.انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 220 ) .

رابعاً:

الأصل في المقلِّد أن لا يتحول عن إمامه الذي يقلده إلا إن كان ثمة عذر له في ذلك ، كأن تكون المسألة لم يتطرق لها عالمه – كما سبق قريباً - ، أو يكون رأى غيره أعلم منه في هذه المسألة تحديداً ، فمثل هذا يكون معذوراً في البحث عن الفتوى عند عالمٍ آخر غير الذي يقلده في الأصل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين : إما لرجحان دليله - بحسب تمييزه - ، وإما لكون قائله أعلم وأورع : فله ذلك وإن خالف قوله المذهب" .

انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 33 / 168 ) .

وقال – رحمه الله - :

"وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ؛، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال ..."

.انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 223 ) .

خامساً:

إن العالِم الشرعي الذي يكون أهلاً لأن يُستفتى لا يكون كذلك وهو يجهل واقع ما يُفتي به ؛ فإن العلم بالواقع من شروط الفتوى

فإذا كان قصد السائل هو ما فهمنا عنه : فليس عليه ملامة ولا حرج ، وأما إن كان يقصد بـ " فقه الواقع " من يشتغل بمتابعة الأخبار السياسية ويحللها ويناظر فيها : فهذه الأمور لا تؤهل صاحبها للحكم في مسائل الشرع إن كان خالياً من العلم الشرعي ، فالعلم بالأخبار العالمية السبق فيه للمتفرغ لمتابعتها ، والتحليل السياسي يحسنه الكفار كما يحسنه المسلمون ، فليس هذا مما يجعل العالم بذلك الواقع مؤهلا للإفتاء ، وليس لك أن تقدمه على غيره من أهل العلم الثقات ، وإن هؤلاء العلماء الثقات يتورعون عن القول فيما لا يعرفونه ، فإما تكون منهم إحالة على شخص بعينه أو هيئة بعينها ، أو تختار أنت غيره لكن بما ذكرناه من الشروط وهو أن يكون في ظنك أكثر علماً وأكثر ديانة .

سادساً:

إذا كان العالِم الذي تتبع فتواه وتأخذ منه العلم له مصنفات ، أو علم منقول محفوظ ، أو أشرطة مسجلة : فلا فرق أن يكون على قيد الحياة أو ميتاً ، ولا حاجة إلى إعادة استفتاء عالم آخر حي في نفس النازلة . قال ابن النجار رحمه الله :
" "وَلَهُ" أَيْ وَلِلْعَامِّيِّ "تَقْلِيدُ" مُجْتَهِدٍ "مَيِّتٍ" كَتَقْلِيدِ حَيٍّ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ فِي الإِجْمَاعِ ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ . وَفِيهِ يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا. "

انْتَهَى من " شرح الكوكب المنير" (4/513) .

وأما إذا لم يكن له شيء من ذلك ، أو احتجت لمسألة لم تجدها عنده في كتاب ولم تسمعها منه من قبل : فكيف سيكون طريق معرفتك لحكم الله إلا بسؤال عالِم تثق بدينه وعلمه ممن هو على قيد الحياة ، فتسأله ، فيجيبك .

وهنا نؤكد للأخ السائل – ولغيره – ليس في دين الله تعالى ما يوجب عليك اتباع عالمٍ بعينه ، بل كل من تسمع منه حكم الله في مسألة ، وترى أنه يصلح للفتوى : فخذ بقوله إذا كان عندك من أهل العلم والدين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

"وإذا نزلت بالمسلم نازلة : فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به ، بل كل أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته : إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد ، إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور"

.انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 208 ، 209 ) .

سابعاً:

إذا انتقلت إلى عالِم حيٍّ ، وصرت تأخذ منه الفتوى : فلا تُعِدْ مسائلك التي أخذتها من الأول على هذا الثاني ، إلا بالشروط التي ذكرناها سابقاً ، وهو أنك ترى أن هذا الثاني أعلم من الأول ، فإن كنت تراه أعلم عموماً فلك إعادة المسائل التي أخذتها عن الأول عليه ، وإن كنت تراه أعلم في جوانب معينة – كالمعاملات الاقتصادية – فلا تعد إلا المسائل من هذا الجنس دون غيرها .

وهكذا تشرع الإعادة إذا وقعت في الصدر حزازة وتردد من فتوى الأول .

والمهم في كل ما سبق أن لا يكون إعادة المسائل على الآخر ، والانتقال إليه دافعه الهوى وتتبع الرخص ، وإنما لعذر ولما تراه أنه أعلم وأوثق .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:56   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

متى يحق للشاب أن يجتهد ويفتي

السؤال :

متى يحق للشاب أن يجتهد ويفتي ؟

حيث أن عددا من الشباب إذا تدينوا ، قد يخوضون في الأدلة ، ويتكلمون في أحكام الحوادث والمسائل التي تقع تحليلا وتحريما ، ويقولون بآرائهم في الأحكام الفقهية لبعض المستجدات في الأمور .


الجواب :

الحمد لله

إن الاجتهاد في المسائل له شروط ، وليس يحق لكل فرد أن يفتي ويقول في المسائل إلا بعلم وأهلية ، وقدرة على معرفة الأدلة

وما يكون منها نصا أو ظاهرا

والصحيح والضعيف

والناسخ والمنسوخ

والمنطوق والمفهوم

والخاص والعام

والمطلق والمقيد

والمجمل والمبين

ولا بد من طول ممارسة

ومعرفة بأقسام الفقه وأماكن البحث ، وآراء العلماء والفقهاء ، وحفظ النصوص أو فهمها ، ولا شك أن التصدي للفتوى من غير أهلية ذنب كبير ، وقول بلا علم ، وقد توعد الله على ذلك بقوله تعالى : " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " سورة النحل 116

وفي الحديث : " من أفتى بغير ثبت فإنا إثمه على من أفتاه " صحيح رواه الإمام أحمد ( 2/ 321 ) ، وعلى طالب العلم أن لا يتسرع في الفتوى ، ولا يقول في المسألة إلا بعد أن يعرف مصدر ما يقوله ودليله ومن قال به قبله ، فإن لم يكن أهلا لذلك فليعط القول باريها ، وليقتصر على ما يعرف ، ويعمل بما حصل عليه ، ويواصل التعلم والتفقه حتى يحصل على حاله يكون فيها أهلا للإجتهاد ، والله الهادي إلى الصواب .

الشيخ محمد صالح المنجد


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-11, 15:31   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



كيف تعرف الأحاديث المنسوخة من الناسخة ؟
وهل يمكن أن يشتبه الأمر علينا ؟


السؤال :

عندي سؤال عن مسألة النسخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يمكن لنا التأكد من أنّ الأحاديث الصحاح التي توجد بين أيدينا اليوم لم تنسخ بالفعل بعد أن رويت ، وأنّ الحكم اختلف بعد ذلك ، فبما أنه توجد أحاديث نسخت فإنّ ذلك يعني أنه من الممكن أن تكون هناك أحاديث نسخت ولكننا لا نعلم عنها، فكيف يمكن لنا أن نعمل بالصحيح والحسن ، دون أن نعلم على وجه اليقين أنها لم تنسخ ؟


الجواب :

الحمد لله

النسخ : أن يرفع الشارع حكما سابقا متقدما ، بحكم آخر ـ من الشارع أيضا ـ لكنه متأخر عن الحكم الأول ، لاحق له .
والنسخ يعرف بأمور:

الأول : أن ينص الشارع على النسخ .

الثاني: أن ينص الصحابي على ذلك .

الثالث : أن تجمع الأمة على أن الحديث منسوخ.

الرابع : أن يتعارض حديثان، ولا يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه، ويعرف المتقدم منهما من المتأخر، فيكون المتقدم منسوخا.

قال النووي رحمه الله:

" أما النسخ فهو رفع الشارع حكما منه متقدما ، بحكم منه متأخر .

هذا هو المختار فى حده ...

ثم النسخ يعرف بأمور منها:

تصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، كـ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم 977].

ومنها قول الصحابى: ( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ) .

ومنها ما يعرف بالتاريخ .

ومنها ما يعرف بالإجماع ، كقتل شارب الخمر في المرة الرابعة ؛ فإنه منسوخ ، عرف نسخه بالإجماع.

والإجماع لا يَنسخ ، ولا يُنسخ ، لكن يدل على وجود ناسخ ، والله أعلم.

وأما اذا تعارض حديثان في الظاهر ، فلا بد من الجمع بينهما ، أو ترجيح أحدهما .

وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه ، والأصوليون المتمكنون في ذلك ، الغائصون على المعاني الدقيقة ، الرائضون أنفسهم في ذلك، فمن كان بهذه الصفة ، لم يُشكِل عليه شيء من ذلك ، إلا النادر ، في بعض الأحيان .

ثم المختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما، فيتعيّن، ويجب العمل بالحديثين جميعا.

ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة : تعيّن المصير إليه .
ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع ؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به .

ومثال الجمع حديث ( لا عدوى ) مع حديث ( لا يورِد مُمْرِض على مُصِحّ ) .

وجه الجمع : أن الأمراض لا تُعدِي بطبعها ، ولكن جعل الله سبحانه وتعالى مخالطتها سببا للإعداء، فنفى في الحديث الأول ما يعتقده أهل الجاهلية من العدوى بطبعها، وأرشد في الثاني إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة ، بقضاء الله وقدره وفعله.

القسم الثاني: أن يتضادا ، بحيث لا يمكن الجمع بوجه :

فإن علمنا أحدهما ناسخا : قدمناه .

وإلا ؛ عملنا بالراجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة ، وصفاتهم ، وسائر وجوه الترجيح، وهى نحو خمسين وجها ، جمعها الحافظ أبو بكر الحازمي في أول كتابه : "الناسخ والمنسوخ" . وقد جمعتها أنا مختصرة ، ولا ضرورة إلى ذكرها هنا كراهة للتطويل"

انتهى من " شرح مسلم " (1/ 60-61).

وقال الحازمي رحمه الله فيما يعرف به الناسخ والمنسوخ:

"ويعرف ذلك بأمارات عدة :

منها : أن يكون لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مصرحا به ؛ نحو قوله عليه السلام : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ؛ ألا فزوروها ) .

أو يكون لفظ الصحابي ناطقا به ، نحو حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس ) .

ومنها : أن يكون التاريخ معلوما ؛ نحو ما رواه أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله إذا جامع أحدنا ، فأكسل [أي لم ينزل] ؟ فقال النبي : ( يغسل ما مس المرأة منه ، وليتوضأ ثم ليصل ) .

هذا حديث يدل على أن لا غسل مع الإكسال ، وأن موجب الغسل الإنزال .

ثم لما استقرأنا طرق هذا الحديث ، أفادنا بعض الطرق أن شرعية هذا كان في مبدأ الإسلام ، واستمر ذلك إلى بعد الهجرة بزمان .

ثم وجدنا الزهري قد سأل عروة عن ذلك ، فأجابه عروة أن عائشة رضي الله عنها حدثته ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، ولا يغتسل . وذلك قبل فتح مكة ، ثم اغتسل بعد ذلك ، وأمر الناس بالغسل .
ومنها : أن تجتمع الأمة في حكمه على أنه منسوخ

فهذه معظم أمارات النسخ...

وإن لم يمكن التمييز بينهما ، بأن أُبهم التاريخ ، وليس في اللفظ ما يدل عليه ، وتعذر الجمع بينهما ، فحينئذ يتعين المصير إلى الترجيح .

ووجوه الترجيحات كثيرة ، أنا أذكر معظمها ..."

انتهى من " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار " (ص8 )، لأبي بكر محمد بن موسى بن عثمان الحازمي الهمداني، (المتوفى : 584هـ)، وكتابه من أنفع الكتب في هذا الباب.

وبهذا يتبين لك أن الأمر ليس مشكلا، فأكثر الأحاديث الثابتة ليست منسوخة ، ولا يتطرق النسخ إلا للأحاديث المتعارضة التي لا يمكن الجمع بينها، فهذه قد ينص الشارع فيها على النسخ، وقد ينص الصحابي أو ينعقد الإجماع على كون الحديث فيها منسوخا. وقد يُعلم النسخ من جهة التقدم والتأخر.

ولم يترك فقهاء الحديث ، وشرّاح السنة ، شيئا من ذلك إلا بينوه ، ولله الحمد والمنة ؛ فلا وجه لتطريق الاحتمالات ، وإدخال الوساوس والشكوك ، من غير طائل ، ولا موجب من العلم .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-11, 15:48   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يدل حديث : ( خذوا عني مناسككم على اشتراط الطهارة في الطواف ) ؟

السؤال:


أرجو توضيح ما يلي من الناحية الأصولية: نحن مأمورون باتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام : " خذو عني مناسككم ، وصلو كما رأيتموني أصلي ، وأحاديث وآيات كثيرة توجب اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ، كيف إذا أفسر مذهب الشيخ ابن تيمية رحمه الله في رأيه بعدم اشتراط الطهارة أثناء الطواف

بحجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصرح بذلك ، مع أنه عليه الصلاة والسلام ماطاف إلا طاهرا، وإذا اعتمدنا هذا الأسلوب بألا نلتزم إلا بما صرح به الرسول عليه الصلاة والسلام فهذا يفتح الباب على أمور أخرى نتبع فيها سنة رسول الله بالفعل وليس بالقول. أرجو التوضيح .

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (1297) عن جَابِر قال: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ : ( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ).

وروى البخاري (6008) عن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ : " أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ: ( ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ).

وهذان الحديثان فيهما الدعوة إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء المناسك وفي الصلاة ، ونقل ذلك عنه ، وتبليغه للناس .

ولاشك أن من أدى المناسك كما فعل النبي صلى الله وسلم ، فقد أدى العبادة الصحيحة على وجهها، بأركانها، وواجباتها وسننها، وكذلك لو صلى كما صلى النبي صلى الله وسلم.

لكنّ هذين الحديثين ، لا يقتضيان وجوب كل فعل فعله صلى الله عليه وسلم في المناسك ، وفي الصلاة ، كما قد يُظن، وكما يقع في كلام بعض الفقهاء، فإن كثيرا من أفعال المناسك التي فعلها النبي صلى الله وسلم سنة مستحبة لا واجبة عند عامة الفقهاء ، كاستلام الحجر الأسود، والاضطباع ، والرمل، وغير ذلك .

وكذلك الصلاة ، كثير من أفعالها وأقوالها : سنة مستحبة لا تجب ، كالاستفتاح، ورفع اليدين مع التكبير، والزيادة على المرة في تسبيح الركوع والسجود، وجلسة الاستراحة، وغير ذلك.

فعلم بهذا أنه لا يستفاد تمييز الأركان ، من الواجبات ، والمستحبات ، في الحج أو في الصلاة ، من هذين الحديثين.
فلو قال قائل: إن الطهارة شرط في الطواف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف متوضئا وقال خذوا مناسككم، لكان هذا استدلالا ضعيفا، ولقيل له: فلتقل بوجوب الرمل والاضطباع في الطواف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل واضطبع وقال : خذوا مناسككم.

فيتعين الوقوف على أدلة أخرى خاصة ، يعلم منها الركن من الواجب من المستحب.
وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الطهارة ليست شرطا في الطواف، لأنه لم يقم عنده دليل على اشتراطها، وهذا مروي عن أحمد رحمه الله، وإليه ذهب ابن تيمية، وهؤلاء لا ينازِعُون في أن من طاف متطهرا ، أنه أصاب السنة، وأن فعله أفضل ممن طاف على غير طهارة ، لكن البحث فيمن طاف على غير طهارة ، هل يبطل طوافه لأن الطهارة شرط ، أو يصح طوافه وعليه دم لأن الطهارة واجبة ، أو لا شيء عليه لأن الطهارة مستحبة فقط .

قال السبكي رحمه الله في قواعده ، في شأن ركعتي الطواف: " فأما قوله صلى الله عليه وسلم : "خذوا عني مناسككم"، فلا دلالة له على وجوب شيء خاص منها؛ لأن المناسك عامة في الواجب والمندوب، وإذا احتُجَّ به في وجوب فعل شيء خاصّ ، لزم طرده في الجميع، كالرَّمل، والاضطباع، وسائر المسنونات" .

انتهى نقلا عن "أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم" للدكتور عمر سليمان الأشقر (1/296).

وقال ابن القيم رحمه الله : "وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين : أحدهما: أنها شرط ، كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد.

والثاني: ليست بشرط ، نص عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره ، بل نصه في رواية عبد الله يدل على أنها ليست بواجبة ، فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ، وهذا مذهب أبي حنيفة.

قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: وهذا قول أكثر السلف. قال: وهو الصحيح فإنه لم ينقل أحد عن النبي أنه أمر المسلمين بالطهارة ، لا في عُمَرهِ ولا في حجته ، مع كثرة من حج معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبينه للأمة ، وتأخير البيان عن وقته ممتنع .

فإن قيل: فقد طاف النبي متوضأ وقال: (خذوا عني مناسككم).

قيل: الفعل لا يدل على الوجوب . والأخذ عنه هو أن يفعل كما فعل ، على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلا على وجه الاستحباب ، فأوجبناه ؛ لم نكن قد أخذنا عنه ، ولا تأسينا به، مع أنه فعل في حجته أشياء كثيرة جدا لم يوجبها أحد من الفقهاء"

انتهى من حاشيته على "تهذيب السنن"

وللدكتور عمر الأشقر رحمه الله بحث مهم حول الاستدلال بهذين الحديثين على وجوب أفعال معينة في الصلاة والحج ، بحجة أن ذلك من بيان المجمل ، وقد ذهب إلى أن حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) كان توجيها وإرشادا لمالك بن الحويرث ومن معه، وليس فيه تعرض لبيان ما يجب وما يستحب.

ثم قال: "وأما الحديث الثاني: هو "خذوا عني مناسككم" فهو خطاب عام للأمة ، ولا يمكن فيه دعوى الخصوص، لأنه - صلى الله عليه وسلم - قاله لجمهور الحجّاج، وهو على بعيره يرمي جمرة العقبة. وفي رواية: "قاله قبل يوم التروية وخروجهم للحج. فلا يرد هنا ما قلناه في الحديث الأول من امتناع دلالته على البيان العام".

وأما الوجه الآخر الذي قلناه في الحديث السابق فيأتي هنا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل في حجته أفعال الحج كلّها من واجب، ومندوب. ولا يتميّز بالفعل واجبه من مندوبه، فلا يصلح الفعل بياناً في ذلك، ما لم يقترن بكل فعل جزئي ، قرينة تدل على أنه بيان.

ويضاف هنا وجه ثالث، وهو أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" لا يتعيّن أن يكون المراد به ملاحظة أفعاله بخصوصها، بل يصدق على الأخذ عنه - صلى الله عليه وسلم - من أقواله ، بسؤاله عما يُشكل عليهم، والاستماع إلى ما يأمر به ، ويرشد إليه.

فأقصى ما يدل عليه الحديث، أن يدل على مشروعية أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الحج، أما التفريق بين واجبها ومندوبها ، فلا بدّ من المصير إلى وجه آخر في الدلالة على ذلك.

وحكم أفعاله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الناحية حكم سائر الأفعال المجرّدة.

والخلاصة:

أن هذين الحديثين لا يصلحان دليلاً على أن أفعاله - صلى الله عليه وسلم – في الصلاة والحج واجبة، بناء على أنها بيان للواجب. بل أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في هاتين العبادتين مختلطة واجبها بمندوبها ، غير متميزة، والعمدة في تمييز ذلك على الأدلة الأخرى. وينظر في كل فعل بخصوصه ما يحتفّ به من القرائن.

لقد كثر في كلام الفقهاء إيجاب كثير من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة والحج ، اعتماداً على أن هذين الحديثين دليل على أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة والحج بيان للمجمل الواجب، ولا يوجبون أفعالًا منها كثيرة أخرى، حتى ليعجب الناظر من تفريقهم في ذلك.

والصواب إن شاء الله ، ما ذكرناه ؛ من أنّ أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فيهما ليست مميِّزة للواجب من المندوب ؛ إلّا فعلاً خاصاً ، عليه دلالة خاصة أنه بيان لذلك. والله أعلم" .

انتهى من "أفعال الرسول" (1/ 294- 301).

وما ذكره السائل من محذور عدم الالتزام بالسنة، كلام مجمل، فإن السنة فيها الواجب والمستحب، فمن ترك الواجب أثم، ومن ترك المستحب فلا حرج عليه.

وتمييز هذا من هذا يحتاج إلى أدلة خاصة، وليس الاعتماد على هذين الحديثين الكريمين، وإلا لكانت جميع أفعال الصلاة والحج واجبة، وهذا لا قائل به، وفيه حرج عظيم على الأمة.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-11, 15:53   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفرق بين المجتهد المطلق والمجتهد في مذهب إمامه

السؤال:

ما الأساس الذي عليه نعتبر اجتهادات العالم مذهبًا ؟

يعني لماذا نقول مذهب الشافعي ، ولا نقول مذهب النووي ، أو مذهب المقدسي. وما هو الضابط الذي على أساسه ننسب أحد العلماء إلى مذهب معيّن، بالرغم من أن هذا العالم قد يكون بلغ درجة الاجتهاد المطلق ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا:

المذهب : هو الطريق الواضح . يقال: ذهب مذهباً حقاً ، وذهاباً وذهوباً .

والمراد به في الاصطلاح : طريق الأئمة ، أي : آراؤهم واختيارهم ، وما ذهبوا إليه من الأدلة والأحكام
.
قال في القاموس: "المذهب المعتقد الذي يذهب إليه ، والطريقة ، والأصل"

انتهى من " التحبير شرح التحرير" للمرداوي (1/127) بتصرف يسير.

فآراء الإمام المجتهد المطلق، تسمى مذهبا.

وأما غير المجتهد، فلا يصح إن ينسب له مذهب ، ولا يصح أن يستقل باختيار جديد ، بل ينبغي أن يسير على مذهب مجتهد قبله ، ويسلك مسلكه .

وثمة علماء توفرت فيهم شروط الاجتهاد، كالنووي وابن قدامة وغيرهما ، لكنهم لم يستقلوا بأنفسهم ، بل سلكوا طريقة إمامهم في الاجتهاد وانتسبوا إليه، أو كان اجتهادهم ضمن الأصول التي اعتمدها إمامهم ، فلهذا لم تعتبر آراؤهم مذاهب جديدة ، ولم تنسب إليهم ، وهؤلاء يطلق عليهم: المجتهدون في المذهب ، أي في مذهب إمامهم.

قال المرداوي رحمه الله في بيان أصناف المجتهدين: " واعلم أن المجتهد ينقسم إلى أربعة أقسام: مجتهد مطلق، ومجتهد في مذهب إمامه، أو في مذهب إمام غيره، ومجتهد في نوع من العلم، ومجتهد في مسألة أو مسائل، ذكرها في " آداب المفتي والمستفتي " ، فقال:

القسم الأول " المجتهد المطلق " وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد التي ذكرها المصنف في آخر " كتاب القضاء " على ما تقدم هناك إذا استقل بإدراك الأحكام الشرعية، من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، وأحكام الحوادث منها، ولا يتقيد بمذهب أحد...

قال في آداب المفتي والمستفتي: ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق ، مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول، لأن الحديث والفقه قد دونا، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات، والآثار، وأصول الفقه، والعربية، وغير ذلك، لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة، وهو فرض كفاية، قد أهملوه وملوه، ولم يعقلوه ليفعلوه. انتهى..

قلت: قد ألحق طائفة من الأصحاب المتأخرين بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمة الله عليه، وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك.

القسم الثاني " مجتهد في مذهب إمامه، أو إمام غيره "، وأحواله أربعة:

الحالة الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتوى، ودعا إلى مذهبه، وقرأ كثيرا منه على أهله ، فوجده صوابا وأولى من غيره، وأشد موافقة فيه وفي طريقه، قال ابن حمدان في " آداب المفتي " وقد ادعى هذا منا ابن أبي موسى، في شرح الإرشاد الذي له، والقاضي أبو يعلى وغيرهما ، ومن الشافعية خلق كثير .

قلت: ومن أصحاب الإمام أحمد - رضي الله عنه -، فمن المتأخرين: كالمصنف [أي ابن قدامة]، والمجد، وغيرهما .
وفتوى المجتهد المذكور، كفتوى المجتهد المطلق في العمل بها، والاعتداد بها في الإجماع والخلاف.

الحالة الثانية: أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه، مستقلا بتقريره بالدليل، لكن لا يتعدى أصوله وقواعده، مع إتقانه للفقه وأصوله، وأدلة مسائل الفقه، عالما بالقياس ونحوه، تام الرياضة، قادرا على التخريج والاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول والقواعد التي لإمامه...

وهذا شأن أهل الأوجه والطرق في المذاهب، وهو حال أكثر علماء الطوائف الآن .

فمن علم يقينا هذا، فقد قلد إمامه دونه [أي : فقد قلد الإمام الذي ينتسب إليه هذا المجتهد ، ولم يقلد هذا المجتهد] ؛ لأن معوّله على صحة إضافة ما يقول إلى إمامه؛ لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع بلا واسطة إمامه...

فالمجتهد في مذهب الإمام أحمد - رضي الله عنه - مثلا: إذا أحاط بقواعد مذهبه، وتدرب في مقاييسه وتصرفاته: ينزل ، من الإلحاق بمنصوصاته وقواعد مذهبه ، منزلة المجتهد المستقل ، في إلحاقه ما لم ينص عليه الشارع بما نص عليه، وهذا أقدر على ذا من ذاك على ذاك، فإنه يجد في مذهب إمامه قواعد ممهدة، وضوابط مهذبة، ما لا يجده المستقل في أصول الشارع ونصوصه ...

والحاصل: أن المجتهد في مذهب إمامه: هو الذي يتمكن من التفريع على أقواله، كما يتمكن المجتهد المطلق من التفريع على كل ما انعقد عليه الإجماع، ودل عليه الكتاب والسنة والاستنباط...

الحالة الثالثة : أن لا يبلغ به رتبة أئمة المذهب ، أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس، حافظ لمذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريره، ونصرته، يصور، ويحرر، ويمهد، ويقوي، ويزيف، ويرجح، لكنه قصر عن درجة أولئك إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم وإما لكونه غير متبحر في أصول الفقه ونحوه على أنه لا يخلو مثله في ضمن ما يحفظه من الفقه ، ويعرفه من أدلته : عن أطراف من قواعد أصول الفقه ونحوه، وإما لكونه مقصرا في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه والطرق .

وهذه صفة كثير من المتأخرين الذين رتبوا المذاهب، وحرروها، وصنفوا فيها تصانيف، بما يشتغل به الناس اليوم غالبا، ولم يلحقوا من يخرج الوجوه، ويمهد الطرق في المذاهب...

الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب، ونقله وفهمه، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه: من منصوصات إمامه، أو تفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه، وتخريجاتهم، ... ويكفي استحضاره أكثر المذهب، مع قدرته على مطالعة بقيته قريبا.

القسم الثالث " المجتهد في نوع من العلم "، فمن عرف القياس وشروطه: فله أن يفتي في مسائل منه قياسية، لا تتعلق بالحديث، ومن عرف الفرائض: فله أن يفتي فيها، وإن جهل أحاديث النكاح وغيره، وعليه الأصحاب، وقيل: يجوز ذلك في الفرائض دون غيرها، وقيل: بالمنع فيهما، وهو بعيد، ذكره في آداب المفتي.

القسم الرابع " المجتهد في مسائل، أو مسألة "، وليس له الفتوى في غيرها .

وأما فيها : فالأظهر: جوازه .

ويحتمل المنع؛ لأنه مظنة القصور والتقصير، قاله في آداب المفتي والمستفتي .

قلت: المذهب الأول، قال ابن مفلح في أصوله: يتجزأ الاجتهاد عند أصحابنا وغيرهم، وجزم به الآمدي، خلافا لبعضهم، وذكر بعض أصحابنا مثله، وذكر أيضا قولا : يتجزأ في باب، لا مسألة. انتهى. وقد تقدم ذلك في أواخر " كتاب القضاء " .
فهذه أقسام المجتهد، ذكرها ابن حمدان في آداب المفتي والمستفتي"

انتهى من "الإنصاف"(12/258-265) مختصرا.

وينظر : "صفة الفتوى" لابن حمدان (16-24) ، "التحبير" للمرداوي (8/3886) وما بعدها .

وبان بهذا أن مجتهدي المذهب، قد يكون فيهم من استجمع شروط الاجتهاد ، لكنه انتسب لإمامه، أو تقيد بأصوله، فلهذا لا تنسب آراؤه إليه باعتبارها مذهبا خاصا ، ولا يعد صاحب مذهب، بل هو نفسه منتسب إلى مذهب إمامه.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-11, 15:58   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إذا أفتى وتغير اجتهاده هل يلزمه إعلام المستفتي ؟

السؤال:

إذا سألنى رجل فى مسألة وأجبته بالدليل وكنت أدين الله بأن هذا هو الراجح فيها ، وبعد ذلك مع القراءة تبين لي فيها قول آخر راجح فهل يجب على أن أعلم الرجل الذى سألني أنى رجعت عما أجبته به أم لا يجب على ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

من اجتهد في حكم مسألة وأفتى فيها، ثم تغير اجتهاده، فهل يلزمه إعلام المستفتي؟

اختلف العلماء في ذلك ، فقيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه.

ورجح ابن القيم رحمه الله التفصيل، فإن كان الحكم الأول مخالفا لنص الكتاب أو السنة الذي لا معارض له، أو مخالفا للإجماع، لزمه الإعلام، وإن لم يكن مخالفا لشيء من ذلك فلا يلزمه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فإن قيل فما تقولون لو تغير اجتهاد المفتي فهل يلزمه إعلام المستفتي؟

قيل: اختُلف في ذلك ، فقيل : لا يلزمه إعلامه ؛ فإنه عمل أولا بما يسوغ له ، فإذا لم يعلم بطلانه ، لم يكن آثما، فهو في سعة من استمراره.

وقيل: بل يلزمه إعلامه؛ لأن ما رجع عنه ، قد اعتقد بطلانه ، وبان له أن ما أفتاه به ليس من الدين ، فيجب عليه إعلامه، كما جرى لعبد الله بن مسعود حين أفتى رجلا بحل أم امرأته التي فارقها قبل الدخول ، ثم سافر إلى المدينة وتبين له خلاف هذا القول، فرجع إلى الكوفة وطلب هذا الرجل ، وفرق بينه وبين أهله .

وكما جرى للحسن بن زياد اللؤلؤي لما استفتي في مسألة ، فأخطأ فيها ولم يعرف الذي أفتاه به، فاستأجر مناديا ينادي : إن الحسن بن زياد استُفتي في يوم كذا وكذا

في مسألة فأخطأ ؛ فمن كان أفتاه الحسن بن زياد بشيء فليرجع إليه ، ثم لبث أياما لا يفتي حتى جاء صاحب الفتوى ، فأعلمه أنه قد أخطأ ، وأن الصواب خلاف ما أفتاه به.
قال القاضي أبو يعلى في كفايته : من أفتى بالاجتهاد ، ثم تغير اجتهاده : لم يلزمه إعلام المستفتي بذلك إن كان قد عمل به ، وإلا ، أعلمه.

والصواب التفصيل: فإن كان المفتي ظهر له الخطأ قطعاً ، لكونه خالف نص الكتاب أو السنة التي لا معارض لها ، أو خالف إجماع الأمة : فعليه إعلام المستفتي.

وإن كان إنما ظهر له أنه خالف مجرد مذهبه ، أو نص إمامه : لم يجب عليه إعلام المستفتي. وعلى هذا تخرّج قصة ابن مسعود رضى الله عنه ، فإنه لما ناظر الصحابة في تلك المسألة ، بينوا له أن صريح الكتاب يحرمها ، لكون الله تعالى أبهمها ، فقال تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) وظن عبد الله أن قوله: (الَّلاتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) راجع إلى الأول والثاني، فبينوا له أنه إنما يرجع الى أمهات الربائب خاصة، فعرف أنه الحق ، وأن القول بحلها ، خلاف كتاب الله تعالى، ففرق بين الزوجين ولم يفرق بينهما بكونه تبين له أن ذلك خلاف قول زيد أو عمرو" .

انتهى من " إعلام الموقعين " (4/224).

وهذا كما ترى في شأن العالم المجتهد.

وأما لو كان المفتي قد أفتى بغير علم واجتهاد، ثم علم الصواب ، فإنه يلزمه إعلام المستفتي.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا أفتى الإنسان فتوى لأحدٍ من الناس ثم ذهب هذا المفتي وبعد حين من الزمن راجع هذا المفتي أقوال أهل العلم فوجد فتواه خطأ فماذا يعمل ؟ وهل عليه إثم ؟ نرجو الإفادة بهذا .

فأجاب رحمه الله تعالى: " إذا كانت الفتوى الأولى عن اجتهاد، وكان هو جديراً بأن يجتهد ، ثم بعد البحث والمناقشة تبين له خطأ اجتهاده الأول : فإنه لا شيء عليه.

وقد كان الأئمة الكبار يفعلون مثل هذا ، فتجد عن الواحد منهم في المسألة الواحدة عدة أقوال.

أما إذا كانت فتواه الأولى عن غير علم وعن غير اجتهاد ، ولكنه يظن ظنًّا ، وبعض الظن إثم، فإنه يحرم عليه أصلاً أن يفتي بمجرد الظن أو الخرص؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد قال على الله بلا علم ، والقول على الله بلا علم من أكبر الذنوب ؛ لقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) .

وعليه أن يبحث عن الذي استفتاه حتى يخبره بأن فتواه خطأ وغلط، فإذا فعل هذا فأرجو أن يتوب الله عليه.
ومسألة الفتيا بغير علم مسألة خطيرة ، لأنه لا يضل بها المستفتي وحده ، بل ربما ينشرها المستفتي بين الناس ، ويَضِل بها فئام من الناس ، وهي خطأ وظلم" .

انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".

ثانيا:

ينبغي أن يعلم الأصل : وهو أن الفتوى للمجتهد ، لا للمقلد، إلا عند الحاجة ، فينقل طالب العلم كلام الأئمة.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: الشروط في المفتي : هي أن يكون مطلعاً على غالب أقوال أهل العلم، ومطلعاً على الأدلة الشرعية في هذا الحكم الذي أفتى به .

وأما مجرد الظن والتقليد : فإنه لا يفتي به، لكن التقليد إذا كان ليس هناك مجتهد ، وليس بإمكان الإنسان أن يجتهد ، وهو من طلبة العلم الذين يعرفون ما كتبه العلماء : فلا حرج عليه أن يفتي به للضرورة"

انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 16:08   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



أهمية فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد

السؤال:

أريد أن أفهم مسألة ، وهي "فقه التنازل" ، حيث قرأت مقالا لأحدّ الدّكاترة بعنوان "هل يجوز التّنازل عن الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد وعند الحاجات والضرورات" وتجدونه في الشّبكة ، وسؤالي الآن 1-هل يتنازل عن واجب من أجل مصلحة مثل الّذي يصافح أجنبية عنه وهي من قريباته اللواتي تربين معه مثلا ؛ حتّى لا ينفّرها عنه

ويتدرّج معهم في الدّعوة ، فهل هذا الفعل صحيح ؟ وهو تنازل خفيف مقارنة بالمصلحة المرجوّة ؟

2-ما هو الضّابط لهذا التّنازل ؟

مثلا يقال التّنازل لا يكون إلا في المحرّم تحريم وسائل مثلا؟

أم أنّ التنازل لا يدخل إلا في باب المستحبّ والمكروه ؟

أرجو التفصيل مع ذكر كلام أهل العلم .


الجواب :

الحمد لله

أولا:

هذه المسألة تعرف بفقه الموازنة ، أو مراعاة المصالح والمفاسد ، وهو باب من الفقه دقيق ، وأساس متين ، قامت عليه الشريعة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان ، ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " (23/343).

وهذه الموازنة تدخل في الضروريات والحاجيات والتحسينيات


اخوة الاسلام

في الاجابت التالية اكثر توضيح
اسره منتدي الحلقه الاسلامي


ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصل نافع سماه: " فصل جامع في تعارض الحسنات ؛ أو السيئات ؛ أو هما جميعا " جاء فيه:

" فالتعارض إما بين:

1- حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح.

2- وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.

3- وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ، ومضرة السيئة.

فالأول: كالواجب والمستحب ؛ وكفرض العين وفرض الكفاية ؛ مثل تقديم قضاء الدين المطالب به ، على صدقة التطوع .
وكتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين ؛ وتقديم نفقة الوالدين عليه كما في الحديث الصحيح : ( أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة على مواقيتها ، قلت : ثم أي ؟

قال : ثم بر الوالدين . قلت . ثم أي ؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله ).

وتقديم الجهاد على الحج كما في الكتاب والسنة، متعين على متعين، ومستحب على مستحب [يعني : تقديم الجهاد الواجب المتعين على الحج الواجب المتعين ، وتقديم الجهاد المستحب على الحج المستحب] ، وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان، وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما في عمل القلب، وإلا فقد يترجح الذكر بالفهم والوجل على القراءة التي لا تجاوز الحناجر . وهذا باب واسع.

والثاني : كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب، كما فعلت أم كلثوم التي أنزل الله فيها آية الامتحان : (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ، وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى : (والفتنة أكبر من القتل) ، فتقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الإيمان؛ لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس، وكتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب ، وكذلك سائر العقوبات المأمور بها فإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر ؛ لدفع ما هو أعظم ضررا منها ؛ وهي جرائمها ؛ إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير .

وكذلك في " باب الجهاد " وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم مثل: الرمي بالمنجنيق ، والتبييت بالليل جاز ذلك ، كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق ، وفي أهل الدار من المشركين يبيّتون، وهو دفع لفساد الفتنة أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله ...

وأما الثالث : فمثل أكل الميتة عند المخمصة ؛ فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلا بهذه السيئة ، ومصلحتها راجحة ، وعكسه الدواء الخبيث ؛ فإن مضرته راجحة على مصلحته من منفعة العلاج لقيام غيره مقامه ؛ ولأن البرء لا يتيقن به ، وكذلك شرب الخمر للدواء .

فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها.

والحسنة تترك في موضعين : إذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها ؛ أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة ، هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية .

وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا ؛ وإباحة المحرم لحاجة في الدنيا ؛ كسقوط الصيام لأجل السفر ؛ وسقوط محظورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض، فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي قد تختلف فيه الشرائع ؛ بخلاف الباب الأول ؛ فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيان ه، بل ذلك ثابت في العقل كما يقال : ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر ، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين "
.
إلى أن قال: " فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة ، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة ، وإن سمي ذلك ترك واجب ، وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر ، ويقال في مثل هذا: ترك الواجب لعذر

وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة ؛ أو لدفع ما هو أحرم ، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها : إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء . هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، فإن ذلك وقتها ، لا كفارة لها إلا ذلك) .

وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات : وقع الاشتباه والتلازم

فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم على العمل بالحسنات وترك السيئات ؛ لكون الأهواء قارنت الآراء ، ولهذا جاء في الحديث : (إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات) . فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل"

انتهى من " مجموع الفتاوى " باختصار (20/48-58). وراجعه بتمامه فإنه مهم.

ولابن القيم رحمه الله تقرير نافع أيضا في هذا الباب .

قال رحمه الله:

" هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد".

ثم قال: " ونحن نذكر تفصيل ما أجملناه في هذا الفصل بحول الله وتوفيقه ومعونته بأمثلة صحيحة:

المثال الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ، ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله : فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر .
وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا: أفلا نقاتلهم ؟ فقال : لا ؛ ما أقاموا الصلاة .

وقال: من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته.

ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء...

المثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو). رواه أبو داود. فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره، من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم..."

انتهى من " إعلام الموقعين " (3/3-5).

ثانيا:

أما مصافحة الأجنبية القريبة لدرء مفسدة نفورها من الدعوة، فهنا مفسدتان، والظاهر أنه يمكن دفعهما معا فلا يتعين ارتكاب واحدة منهما.

وذلك بأن يقرن عدم المصافحة ببيان الحكم الشرعي وأنه ما امتنع من ذلك إلا امتثالا لأمر الشرع، مع إقراره بمكانة هذه القريبة وحقها عليه، ونحو ذلك مما يطيب خاطرها، ويمنع نفورها.

ثالثا:

المحرمات درجات، فالمحرم تحريم مقاصد أشد من المحرم تحريم وسائل، وهذا الأخير يباح للحاجة، كما أبيح النظر للمخطوبة، ونظر الطبيب لموضع الألم، لأن تحريم النظر هو من باب تحريم الوسائل. قال ابن القيم رحمه الله: (وما حرم تحريم الوسائل، فإنه يباح للحاجة، أو المصلحة الراجحة، كما يباح النظر إلى المخطوبة، ومن شهد عليها، أو يعاملها، أو يطبّها)


انتهى من " زاد المعاد " (2/242).

اخوة الاسلام

في الاجابت التالية اكثر توضيح
اسره منتدي الحلقه الاسلامي


وهذا داخل في فقه الموازنة ، فإذا تعارضت المصلحة الحاجية، مع المفسدة التي حرمت تحريم وسائل ، ارتكتبت المفسدة ، وهذا لا يعارض قاعدة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، فإنها مقيدة بما إذا استوت المصلحة والمفسدة في الرتبة


اخوة الاسلام

في الاجابت التالية اكثر توضيح
اسره منتدي الحلقه الاسلامي


ومما سبق يعلم جواب سؤالك الأخير، فالموازنة لا تختص بالمستحبات والمكروهات، بل تدخل في عموم المراتب.

والخلاصة :

أن هذا الباب من أبواب العلم هو من أدق الأبواب ، ويحتاج إلى فقهٍ دقيق بالمصالح والمفاسد الحقيقية – لا المتوهمة- ومعرفة مراتبها حتى يمكن الترجيح بينها بعلم وعدل ، والناس في هذا طرفان ووسط ، كما تقدم في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
.

اخوة الاسلام

في الاجابت التالية اكثر توضيح
اسره منتدي الحلقه الاسلامي


والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 16:12   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فقه الموازنات

السؤال:

ما هو فقه الموازنات , وما موقف الإسلام منه ؟


الجواب :

الحمد لله

فقه الموازنات يقصد به الفقه الذي يتعلق بالمصالح والمفاسد , وطرق الترجيح بين المصالح عند التعارض والتزاحم , وكذا الترجيح بين المفاسد إذا تعين فعل بعضها .

وقد عَرَّفه كثير من المعاصرين بتعريفات متقاربة , منها ما ذكره الدكتور عبد الله الكمالي بأنه "المفاضلة بين المصالح والمفاسد المتعارضة والمتزاحمة لتقديم أو تأخير الأوْلى بالتقديم أو التأخير"

انتهى من " تأصيل فقه الموازنات " ، عبد الله الكمالي (ص 49) .

وقد جاء في نصوص القرآن الكريم ما يشهد لهذا النوع من الفقه بالاعتبار ,

فمن ذلك قوله تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا )الكهف / 79 – 81، فالخضر عليه السلام بما علَّمه الله من علم وحكمة أقدَم على مفسدة خرق السفينة ليدفع مفسدة ضياعها بالكلية على يد الملك الظالم الذي يأخذ كل سفينة غصبا , وأقدم على مفسدة قتل الغلام ليدفع مفسدة إرهاق أبويه طغيانا وكفرا , وكانت هذه الصورة الأخيرة جائزة في حقه غير جائزة في شرعنا .

وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام في " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (2 / 58)

: " ولو اطلع موسى على ما في خرق السفينة من المصلحة ، وعلى ما في قتل الغلام من المصلحة، وعلى ما في ترك السفينة من مفسدة غصبها، وعلى ما في إبقاء الغلام من كفر أبويه وطغيانهما ، لما أنكر عليه ولساعده في ذلك وصوب رأيه ، لما في ذلك من القربة إلى الله - عز وجل -، ولو وقع مثل ذلك في زماننا هذا لكان حكمه كذلك ، وله أمثلة كثيرة : منها: أن تكون السفينة ليتيم يخاف عليها الوصي أن تغصب ، وعلم الوصي أنه لو خرقها لزهد الغاصب عن غصبها، فإنه يلزمه خرقها حفظا للأكثر بتفويت الأقل ، فإن حفظ الكثير الخطير بتفويت القليل الحقير من أحسن التصرفات وقد قال تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) [الأنعام: 152] " انتهى .

وفي السنة المطهرة ما يدل على ذلك أيضا , ومن ذلك:

أولا: أخرج البخاري (1586) ، ومسلم (1333) عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : ( يَا عَائِشَةُ ، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ ، بَابًا شَرْقِيًّا ، وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ ) .

فهذا دليل على تقديم أولى المصلحتين ودفع أكبر المفسدتين .

وفي ذلك يقول النووي رحمه الله تعالى عند شرحه لهذا الحديث : "فِيهِ دَلِيلٌ لِتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَمِيعِهَا "

انتهى من " شرح النووي على مسلم" (9 / 90).

وفي " شرح الزرقاني على الموطأ " (2 / 448):

" وَفِيهِ تَرْكُ مَا هُوَ صَوَابٌ خَوْفَ وُقُوعِ مَفْسَدَةٍ أَشَدَّ، وَاسْتِئْلَافُ النَّاسِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَاجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَارَعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ ، وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا ، وَتَأَلُّفَ قُلُوبِهِمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ ، كَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ ، وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ ، وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِرَفْعِ الْمَفْسَدَة " انتهى .

ثانيا:

ما أخرجه البخاري (220) ، ومسلم (284) :

" أن أَعْرَابِيا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) . قال النووي في شرحه على مسلم (3 / 191): " وَفِيهِ دَفْعُ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَخَفِّهِمَا ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعُوهُ) قَالَ الْعَلَمَاءُ: كَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعُوهُ) لِمَصْلَحَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ بَوْلَهُ تَضَرَّرَ وَأَصْلُ التَّنْجِيسِ قَدْ حَصَلَ فَكَانَ احْتِمَالُ زِيَادَتِهِ أَوْلَى مِنْ إِيقَاعِ الضَّرَرِ بِهِ . وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّنْجِيسَ قَدْ حَصَلَ فِي جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَوْ أَقَامُوهُ فِي أَثْنَاءِ بَوْلِهِ لَتَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ وَبَدَنُهُ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ من المسجد" انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري " (1 / 324) :

" لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِمَ نَهَيْتُمُ الْأَعْرَابِيَّ ، بَلْ أَمَرَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ، وَهُوَ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا ، وَتَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَرْكِ أَيْسَرِهِمَا " انتهى .

وقال الإمام بدر الدين العيني في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (3 / 127):

" فيه دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، فإن البول فيه مفسدة ، وقطعه على البائل مفسدة أعظم منها ، فدفع أعظمهما بأيسر المفسدتين ، وتنزيه المسجد عنه مصلحة وترك البائل إلى الفراغ مصلحة أعظم منها، فحصل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما" انتهى.

ولم يستخدم الفقهاء الأوائل مصطلح (فقه الموازنات) وإنما تحدثوا عن مضمونه ومحتواه عند حديثهم عن تعارض المصالح وتزاحمها , وكذا المفاسد .

ومثال ذلك قول العز بن عبد السلام في " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (1 / 5): "

ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل ، وذلك معظم الشرائع ؛ إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة ، ودرء المفاسد المحضة ، عن نفس الإنسان وعن غيره : محمود حسن ، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها : محمود حسن ، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها : محمود حسن ، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة : محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن " انتهى.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (20 / 57) : "

فإذا ازْدَحَمَ وَاجِبَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا ، فَقُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا : لَمْ يَكُنْ الْآخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبًا , وَلَمْ يَكُنْ تَارِكُهُ لِأَجْلِ فِعْلِ الْأَوْكَدِ : تَارِكَ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ مُحَرَّمَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ أَعْظَمِهِمَا ، إلَّا بِفِعْلِ أَدْنَاهُمَا : لمْ يَكُنْ فِعْلُ الْأَدْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَرَّمًا فِي الْحَقِيقَةِ , وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَرْكَ وَاجِبٍ ، وَسُمِّيَ هَذَا فِعْل مُحَرَّمٍ ، بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ : لَمْ يَضُرَّ، وَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا تَرْكُ الْوَاجِبِ لِعُذْرِ ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ ؛ أَوْ لِدَفْعِ مَا هُوَ أحرم" انتهى .
وجاء في " الفروق" للقرافي (3 / 22) : "

إنَّ شَأْنَ الشَّرَائِعِ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِإِيقَاعِ أَدْنَاهَا ، وَتَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا" انتهى.

وجاء في " المنثور في القواعد الفقهية " (1 / 348): " وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ : أَنْ تُدْرَأَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا" انتهى.

والخلاصة :

أن فقه الموازنات يعتمد على تقديم المصلحة الكبرى على المصلحة الصغرى , ومصلحة العامة على مصلحة الخاصة , ومصلحة الكثرة على مصلحة القلة , ويعتمد أيضا تقديم الضروريات على الحاجيات , وتقديم الحاجيات على التحسينيات , وهكذا أبدا: تقديم الأهم على المهم , والراجح على المرجوح .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 16:17   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح
مقيدة بحالة التكافؤ


السؤال:

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله رحمة واسعة - وهو يشرح هذا البيت :

ومع تساوى ضرر ومنفعة ... يكون ممنوعاً لدرء المفسدة في منظومته- رحمه الله - في القواعد الفقهية ص 21 : " القاعدة الثالثة : وهي التي يعبر عنها العلماء بقولهم : " درء المفاسد أولى من جلب المصالح " ولكنها مقيدة بما ذكرناه في هذا البيت . وهو أنه : إذا اجتمع في الشيء المنافع ، وتساوت المنافع والمضار

فإنه يكون ممنوعاً من أجل المفسدة ، وهذا القيد الذى ذكره الناظم قيد لا بد منه ، وهو قيد لما اشتهر من قول العلماء : إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة غلب جانب المفسدة . و هذا ليس على إطلاقه ، بل هو مع التساوي ، أما إذا ترجحت المنفعة فإنه يؤخذ بها ، وإذا ترجحت المفسدة فإنه يغلب جانبها " .

والسؤال : في الجزء الأخير قوله رحمه الله : " أما إذا ترجحت المنفعة فإنه يؤخذ بها ، وإذا ترجحت المفسدة فإنه يغلب جانبها ". هل هذا على إطلاقه ، أم إنه مقيد بأن تكون المنفعة من الضرورات أو من الحاجات . أرجو منكم التوضيح ؟


الجواب :

الحمد لله

عند اجتماع المصالح والمفاسد في الحالة الواحدة فإن فقه الموازنة بينهما في قسمة العقل لا يخرج عن ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن تكون المصلحة هي الراجحة فتقدَّم ، وتحتمل المفسدة الأدنى ، في سبيل تحصيل المصلحة الأعظم ، ومن أمثلته جواز التلفظ بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان في حالة الإكراه ، وذلك تقديما لمصلحة حفظ الروح على مفسدة الكفر اللساني .

ولا يخفى أن تقرير كون المصلحة أرجح وأعظم من المفسدة في هذه الحالة ، من المباحث الدقيقة التي تقتضي كثيراً من التأني والتأمل في الأدلة الشرعية ، ومن ذلك مراعاة تعلق المصلحة أو المفسدة بالضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات ، واعتبار هذه المستويات أثناء المقارنة الترجيحية بينهما ، وإلا وقع الخطأ والخلل ، واضطربت القواعد بسبب الإجمال .

وهذا يدل على أن تقديم المصالح على المفاسد يدخل في جميع الدرجات : الضرورية والحاجية والتحسينية ؛ إذ ليس ثمة ما يمنع من انطباق القاعدة على التحسينيات .

ولما قرر العز بن عبد السلام رحمه الله هذه القاعدة قسم المصلحة التي ترجح على المفسدة إلى أقسام ، فقال : " وهذه المصالح أقسام : أحدها ما يباح . والثاني : ما يجب لعظم مصلحته . والثالث : ما يستحب لزيادة مصلحته على مصلحة المباح . والرابع : مختلف فيه " انتهى.

فتأمل كيف أدخل المصالح المباحة تحت هذه القاعدة ، وهي مصالح تحسينية ، ومؤكد أنه لن يتم تقديم مصلحة تحسينية على مفسدة تتعلق بالضروريات ، بل لا بد من مراعاة اندراجها تحت ميزان واحد .

وأمثلة المنافع الضرورية أو الحاجية توسع بذكرها العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه الفذ : " قواعد الأحكام في مصالح الأنام "، يمكن مراجعته لمن أراد التوسع .

وأما أمثلة ترجيح المصلحة على المفسدة في بعض القضايا التحسينية أو التكميلية فهي قليلة ، ولكنها موجودة ، منها على سبيل المثال :

أولا :

ما ذكره العلماء في شرح حديث ذهاب ابن عمر إلى سرادق الحجاج في الحج وقوله له : ( الرواح إن كنت تريد السنة ) رواه البخاري (1660) وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر : " فيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكبيرة ، يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه "

انتهى من " فتح الباري " (3/512) .

ثانياً : من الأمثلة التي ذكرها العز بن عبد السلام ، ونراها تنطبق على سؤال السائل ، قوله رحمه الله : " هجرة المسلم محرمة لما فيها من المفسدة ، لكنها جازت في ثلاثة أيام دفعا للمشقة عن المحرج الغضبان ... والحجر على المرضى فيما زاد على الثلث مفسدة في حقهم ، لكنه ثبت نظرا لمصلحة الورثة في سلامة الثلثين لهم ، كما ثبت تقديم حقه في الثلث على حقوقهم "

انتهى باختصار من " قواعد الأحكام " (1/104) .

الحالة الثانية : أن تكون المفسدة هي الراجحة ، وأعظم من المصلحة ، فدرؤها مقدم على جلب المصلحة ، كمن خير بين مصلحة المال ومفسدة قتل النفس ، فلا شك أن الأولى أن يضحي بالمال لأجل درء القتل .

يقول العز بن عبد السلام رحمه الله :

" فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة : درأنا المفسدة ، ولا نبالي بفوات المصلحة ، قال الله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) البقرة/ 219 ، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما " .

انتهى من " قواعد الأحكام " (1/98) .

الحالة الثالثة : أن تستوي المصلحة والمفسدة ، فهنا يأتي محل القاعدة المشهورة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "، هذا مع العلم أن هذه الحالة الثالثة محل نزاع بين العلماء ، فقد أنكر كثير منهم وقوعها ، وقالوا من المتعذر الحكم بتساوي المصالح والمفاسد في إحدى الحالات ، بل لا بد من تأثير إحدى المرجحات لتنقل الحالة إلى الصورة الأولى أو الثانية .

يقول الإمام السبكي رحمه الله :

" درء المفاسد أولى من جلب المصالح . ويستثنى مسائل ، يرجع حاصل مجموعها إلى أن المصلحة إذا عظم وقوعها ، وكان وقع المفسدة [أخف] : كانت المصلحة أولى بالاعتبار . ويظهر بذلك أن درء المفاسد ؛ إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا ".

انتهى من " الأشباه والنظائر " (1/105).

ويقول الأمير الصنعاني رحمه الله :

" دفع المفاسد أهم من جلب المصالح عند المساواة "

انتهى من " إجابة السائل " (ص/198) .

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله :

" عند التكافؤ فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح "
.
انتهى من " رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة " (ص/104) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 16:24   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اباحة المحرم للضرورة وشروط ذلك

السؤال :

أعرف أن المحرمات تكون حلالاً إذا وجدت ضرورة لفعلها ، فهل لهذا الحكم شروط ، حتى يكون تطبيقه صحيحاً؟

الجواب

الحمد لله

من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية ، والتي اتفق عليها العلماء : أن "الضرورات تبيح المحظورات" .

وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، قمن ذلك قوله الله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/3 .

وقوله تعالى : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119 .

ومن أمثلة هذه القاعدة :

1- أكل الميتة لمن لم يجد غيرها وخشي الموت من الجوع .

2- التلفظ بكلمة الكفر تحت وطأة التعذيب والإكراه .

3- دفع الصائل المعتدي الظالم ولو أدى ذلك إلى قتله .

انظر : "الأشباه والنظائر" لابن نجيم ص 85 .

والضرورة هي : ما يلحق الإنسان ضرر بتركه ، وهذا الضرر يلحق الضروريات الخمس وهي : (الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال) .

وأما شروط إباحة المحرم للضرورة ، فقد ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله شرطين لذلك ، وشرحهما شرحاً وافياً مع الأمثلة وذكر بعض الاعتراضات والجواب عليها ، ولهذا نكتفي بذكر كلامه ، قال رحمه الله :

"وهذه القاعدة من القواعد الفقهية الأصولية التي دل عليها الشرع ، "كل شيء ممنوع فإنه يحل للضرورة" ...

فالممنوع يباح للضرورة ولكن بشرطين :

الشرط الأول :

أن نضطر إلى هذا المحرم بعينه ، بمعنى : أن لا نجد شيئاً يدفع الضرورة إلا هذا الشيء المحرم ، فإن وجد سواه فإنه لا يحل ، ولو اندفعت الضرورة به .

الشرط الثاني : أن تندفع الضرورة به ، فإن لم تندفع الضرورة به فإنه يبقى على التحريم ، وإن شككنا هل تندفع أو لا ؟ فإنه يبقى أيضاً على التحريم ، وذلك لأن ارتكاب المحظور مفسدة متيقنة ، واندفاع الضرورة به مشكوك فيه ، ولا ينتهك المحرم المتيقن لأمر مشكوك فيه.

ومن ثَمَّ يختلف الحكم في رجل جائع لم يجد إلا ميتة ، فهنا نقول : كُلْ من الميتة . فإذا قال : هذا انتهاك للمحرم ، قلنا : حَلَّ لك للضرورة ، لأنه ليس عندك ما تأكله سوى هذا ، ولأنك إذا أكلت اندفعت الضرورة به .

ورجل قيل له : إن تناول الخمر يشفيك من المرض ، فهنا نقول : لا يحل لك أن تتناول الخمر ولو قيل لك : إنه يشفيك من المرض . لماذا؟

أولاً : لأنه لا يتيقن الشفاء به ، فإنه ربما يشربه ولا يبرأ من المرض ، فإننا نرى كثيراً من المرضى يتناولون أدوية نافعة ، ثم لا ينتفعون بها .

ثانياً : أن المريض قد يبرأ بدون علاج ، بتوكله على الله ، ودعائه ربه ، ودعاء الناس له ، وما أشبه ذلك . هذا من حيث التعليل .

أما من حيث الدليل ؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فهذا الحكم معقول العلة ، لأن الله سبحانه لم يحرمه علينا إلا لأنه ضار بنا ، فكيف يكون المحرم شفاءً ودواءً؟

ولهذا يحرم التداوي بالمحرم ، كما نص عليه أهل العلم ، ولا يقال : هذا ضرورة ؛ كما يظنه بعض الناس .

لو قال قائل : إنسان غَصَّ ، وليس عنده إلا كوب خمر ، فهل يجوز أن يشرب هذا الكوب لدفع الغصة؟

الجواب : يجوز ، لأن الشرطين وجدا فيه .

فهو قد اضطر إلى هذا بعينه ، ونتيقن زوال الضرورة به ، فنقول : اشرب الخمر ، ولكن إذا زالت الغصة فكفَّ عن الشراب .

لو قال قائل : رجل وجد لحماً مذبوحاً حلالاً ولحماً لحيوان ميت ، فهل له أكل الميت لكونه مضطراًّ لذلك؟

الجواب : ليس له ذلك ، لأن الضرورة تندفع بغيره ، فلا يحل ، لعدم تحقق الشرط الأول .

ولو قال : أنا عطشان وليس عندي إلا كوب خمر . فهل أشرب؟

الجواب : لا ، كما قال العلماء ، لأنه لا تندفع به الضرورة ، بل لا يزيده إلا عطشاً ، فإذاً لا فائدة من انتهاك المحرم ، لأنه لا تندفع به الضرورة ، فلم يتحقق الشرط الثاني .

ولو قال قائل : لو اضطر المريض إلى شرب الدم للتداوي به فهل يجوز له ذلك؟

الجواب : لا يجوز له ذلك ، لانتفاء الشرطين" انتهى .

"شرح منظومة أصول الفقه وقواعده (صـ 59 – 61) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 16:27   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شروط إباحة المحرم عند الضرورة

السؤال :

أعرف أن من الأمور ما تكون حراماً ثم لظروف معينة تصير حلالاً بدافع الضرورة ، أرجو أن تدلني على شروط ذلك .


الجواب :


الحمد لله


من القواعد المقررة في شريعتنا أن " الضرورات تبيح المحظورات " ، وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة ، من الكتاب ، والسنَّة ، منها : قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/ 173 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

(فَمَنِ اضْطُرَّ) أي : ألجئ إلى المحرَّم ، بجوع ، أو عدم [يعني : عدم وجود طعام غير الميتة] ، أو إكراه .

(غَيْرَ بَاغٍ) أي : غير طالب للمحرَّم ، مع قدرته على الحلال ، أو مع عدم جوعه .

(وَلا عَادٍ) أي : متجاوز الحد في تناول ما أبيح له اضطراراً ، فمَن اضطر وهو غير قادر على الحلال ، وأكل بقدر الضرورة : فلا يزيد عليها .

(فَلا إِثْمَ) أي : جناح عليه ، وإذا ارتفع الجناح - الإثم - : رجع الأمر إلى ما كان عليه ، والإنسان بهذه الحالة مأمور بالأكل ، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة ، وأن يقتل نفسه ، فيجب إذًا عليه الأكل ، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات ، فيكون قاتلاً لنفسه , وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده ، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال : (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

ولما كان الحِلُّ مشروطاً بهذين الشرطين ، وكان الإنسان في هذه الحالة ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها : أخبر تعالى أنه غفور ، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال ، خصوصاً وقد غلبته الضرورة ، وأذهبت حواسه المشقة .

وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة : " الضرورات تبيح المحظورات " ، فكل محظور اضطر إليه الإنسان : فقد أباحه له الملك الرحمن ، فله الحمد والشكر ، أولاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً .

" تفسير السعدي " ( ص 81 ) .

ومن أدلة السنَّة :

عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا بِهَا مَخْمَصَةٌ ، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ الْمَيْتَةِ ؟ قَالَ : (إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا) رواه أحمد (36/227) ، وحسنه المحققون لطرقه وشواهده .

تصطبحوا : المراد به الغداء .

تغتبقوا : المراد به العشاء .

تحتفئوا : بقلا . أي : تجمعوا بقلاً وتأكلوه .

وقد مَثَّل العلماء على الضرورات تبيح المحظورات – غير أكل الميتة عند المخمصة - : إساغة اللقمة بالخمر , والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه , ودفع المعتدي ولو أدى إلى قتله .

انظر : "الأشباه والنظائر" ( ص 85 ) لابن نجيم .

والضرورة التي تبيح فعل المحرم هي :

ما يلحق العبد ضرر بتركه - وهذا الضرر يلحق الضروريات الخمس : الدِّين ، والنفس ، والنسل ، والعقل ، والمال .

وأما شروط إباحة المحرم للضرورة فقد قال الدكتور عبد الله التهامي – وفقه الله - في بيان ذلك :

"هناك شروط ، وقيود ، لا بد من حصولها في حالةٍ ما ؛ ليسوغ تسميتها ضرورة شرعية ، ولا يمكن أن تكون تلك الحالة ضرورة شرعية مع تخلف شيء من هذه الضوابط ، وإليك بيان هذه الضوابط ، مع الاستدلال لها :

1. أن يترتب على الامتثال للدليل الراجح المحرّم ضرر متعلق بإحدى الكليات الخمس ، كأن تتعرض نفسه للهلاك إن لم يأكل من الميتة .

2. أن يكون حصول الضرر أمراً قاطعاً ، أو ظنًّا غالباً ، ولا يلتفت إلى الوهم والظن البعيد ، كأن يكون المضطر في حالة تسمح له بانتظار الطعام الحلال الطيب ، فلا يقدم على تناول الميتة والحالة كذلك حتى يجزم بوقوع الضرر على نفسه ، فيجوز حينها تناول الميتة ، ودليل ذلك : ما علم في الشريعة من أن الأحكام تناط باليقين والظنون الغالبة ، وأنه لا التفات فيها إلى الأوهام ، والظنون المرجوحة البعيدة .

3. ألاّ يُمكن دفع هذا الضرر إلا بالمخالفة ، وعدم الامتثال للدليل المحرِّم ، فإن أمكن المضطر أن يدفع هذا الضرر بأمرين أحدهما جائز والآخر ممنوع : حرُم عليه ارتكاب المخالفة للدليل المحرم ، ووجب عليه دفع الضرر بالأمر الجائز ، كأن يغص بلقمة وأمامه كأسان من الماء ، والخمر .

4. ألا يعارِض هذه الضرورة عند ارتكابها ما هو أعظم منها ، أو مثلها ، كأن يأكل المضطر طعام مضطر آخر ، ووجه ذلك : ما ورد من قواعد مثل : " الضرر لا يزال بمثله" انتهى من "مجلة البيان" (عدد 120 ، ص 8) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : "ليس هناك ضرورة تبيح المحرم إلا بشرطين :

1. أن نعلم أنه لا تزول ضرورته إلا بهذا .

2. أن نعلم أن ضرورته تزول به" انتهى .

"لقاء الباب المفتوح" (3/19) .

وعلى هذا ، فشروط إباحة المحرم للضرورة هي :

1- وجود الضرورة .

2- ألا توجد وسيلة لدفع الضرر إلا بفعل هذا المحرم .

3- أن يكون فعل المحرم مزيلاً للضرورة قطعاً ، فإن حصل شك هل تزول الضرورة بهذا الفعل أم لا؟ فلا يجوز فعل المحرم حينئذ .

4- ألا يعارض هذه الضرورة ما هو مثلها أو أعظم منها .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 16:29   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ليس كل حرام يباح للحاجة؟

السؤال :

أعرف أن من الأمور ما تكون حراماً ثم لظروف معينة تصير حلالاً بدافع الضرورة ، وقد وجدتُ رجلاً واسع العلم يقول لي : إن الحرام ينقلب حلالاً بدافع الحاجة أيضاً ، فهل هذا حقيقي ؟

وإلى أي مدى ؟

وما هي شروط تحقيق ذلك ؟

وأنا أسأل ذلك لما نواجهه في البلدان غير الإسلامية .


الجواب :


الحمد لله

سبق الكلام على قاعدة "إباحة المحرم للضرورة" وبيان شروط ذلك .

أما إباحة المحرم للحاجة ، فهذا صحيح ، وله أمثلة جاء بها الشرع ، وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله .

والفرق بين الحاجة والضرورة : أن الضرورة ما يلحق الإنسان ضرر بعدمه ، ولا يوجد غيره يقوم مقامه . وأما الحاجة فهي ما يلحق الإنسان بتركه مشقة ، وقد يقوم غيره مقامه .

وقد ذكر العلماء شرطاً لإباحة المحرم للحاجة ، وهو :

أن يكون هذا المحرم محرماً تحريم الوسائل ، لا المقاصد .

وذلك أن المحرمات نوعان :

الأول : محرم تحريم مقاصد ، كأكل الميتة ، وشرب الخمر ، فهذا لا يباح للحاجة ، وإنما يباح للضرورة .

النوع الثاني : محرم تحريم وسائل ، كلبس الحرير ، وربا الفضل ... فهذا يباح للحاجة .

قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله :

فالضرورة : بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل ، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات ، أو تلف منه عضو ، وهذا يبيح تناول المحرم .

والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك ، غير أنه يكون في جهد ومشقة ، وهذا لا يبيح المحرَّم .

"المنثور في القواعد" (2/319) .

ومثال ذلك : جواز لبس الرجل لثوب حرير من أجل حكة به . وقد جاءت السنة بذلك .

مثال آخر : إباحة ربا الفضل للحاجة ، فقد رخص الرسول صلى الله عليه وسلم في بيع الرطب على رؤوس النخل بتمر كيلاً ، مع أن الأصل تحريم هذه المعاملة ، لأنه لا يمكن حصول التساوي بين الرطب والتمر ، لأن الرطب ينقص إذا جف ، فتكون هذه الصورة داخلة في ربا الفضل ، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص فيها للحاجة .

انظر : "إعلام الموقعين" (2/137) .

وقد نظم ذلك القول والمثال : الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في منظومته في أصول الفقه وقواعده ، فقال :

لكنَّ ما حُرِّمَ للذَّرِيعَةِ ... يَجُوزُ للحَاجَةِ كَالعَريَّةِ

وقد شرح ذلك بقوله :

"هذا مستثنى من قوله : (وكل ممنوع فللضرورة يباح) لأن ظاهره أنه لا يباح المحرم إلا عند الضرورة ، فاستثنى من ذلك ما كان محرماً للذريعة ، فإن حكمه حكم المكروه ، يجوز عند الحاجة .

مثاله : العَرِيَّة وهي : عبارة عن بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر ، وأصل بيع الرطب بالتمر حرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع التمر بالرطب فقال : (أينقص إذا جف؟) قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك .

ووجهه : أن بيع التمر بالتمر لابد فيه من التساوي ، ومعلوم أن الرطب مع التمر لا يتساويان ، فإذا كان هذا الفلاح عنده الرطب على رؤوس النخل ، وجاء شخص فقير ليس عنده دراهم يشتري رطباً يتفكه به مع الناس ، لكن عنده تمر من العام الماضي ، فلا حرج أن يشتري الرطب بالتمر للحاجة لأنه ليس عنده دراهم ، ولو باع التمر أولاً ثم اشترى رطباً ففيه تعب عليه ، وربما ينقص ثمن التمر ، فيجوز له أن يشتري الرطب بالتمر للحاجة بشروط :

1- أن لا يتجاوز خمسة أوسق .

2- وأن لا يدع الرطب حتى يتمر .

3- وأن يكون الرطب مخروصاً بما يؤول إليه تمراً ، مثل أن يقال : هذا الرطب إذا صار تمراً صار مماثلاً للتمر الذي بذله للمشتري .

4- وأن لا يجد ما يشتري به سوى هذا التمر .

5- وأن يكون الرطب على رؤوس النخل ، لئلا يفوته التفكه شيئاً فشيئاً .

فإذا قال قائل : ألا يمكن أن يبيع التمر ويشتري الرطب كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فيما إذا كان عند الإنسان تمر رديء ، وأراد تمراً جيداً أنه لا يبيع التمر الرديء بتمر جيد أقل منه ، بل أمر أن يباع الرديء بالدراهم ، ثم يشتري بالدراهم تمراً جيداً ، فلماذا نقول بالعَرِيَّة ، ولا نقول : بع التمر ثم اشتر بالدراهم رطباً؟

فالجواب على هذا : أولاً : أن السنة فرقت بينهما ، وكل شيء فرق الشرع فيه فإن الحكمة بما جاء به الشرع ، لأننا نعلم أن الشرع لا يفرق بين متماثلين ، ولا يجمع بين متفرقين ، وما فرق الشرع بينهما وظننا أنهما متماثلان ، فإن الخطأ في فهمنا ، فيكفي أن نقول : جاء الشرع بحل هذا ومنع هذا ، لكن مع ذلك يمكن أن نجيب عقلاً عن هذا ، فيقال : إن الصحابة رضي الله عنه كانوا يبيعون التمر الرديء بالتمر الجيد مع التفاضل ، وهذا ربا صريح لا يحل .

أما في مسألة العَرِيَّة فيجب أن يخرص الرطب بحيث يساوي التمر لو أتمر ، بمعنى : أننا نخرص الرطب بحيث يكون هذا الرطب إذا يبس وصار تمراً على مقدار التمر الذي اشترى الرطب به .

ثانيا : أن نقول : إن ربا الفضل إنما حُرم لكونه ذريعة إلى ربا النسيئة ، وذلك لأن ربا الفضل لا يمكن أن يقع بين متماثلين جنساً ووصفاً ، بل لابد أن يكون هناك فرق بينهما في الوصف من أجل زيادة الفضل ، وتتشوف النفوس إلى زيادة الدين إذا تأجل ، وتقول النفس : إذا كانت الزيادة تجوز لطيب الصفة ، والنقص يجوز لرداءة الصفة ، فلتجز الزيادة لزيادة المدة بتأخير الوفاء ، فترتقي النفس من هذا إلى هذا ، والنفس طماعة لا سيما في البيع والشراء ، ولا سيما مع قلة الورع كما في الأزمنة المتأخرة ، لذلك سُدَّ الباب ، وقيل : لا يجوز ربا الفضل ، ولو مع التقابض في المجلس .

والذي يمكن أن يقع في العرية هو ربا الفضل ، وتحريم ربا الفضل علمنا من التقرير الذي ذكرناه أنه إنما يحرم لئلا يكون ذريعة إلى ربا النسيئة ، والذي حرم لكونه ذريعة فإنه يباح عند الحاجة .

فإن قال قائل : الفقير الذي لا دراهم عنده ما ضرورته إلى أن يشتري الرطب بالتمر؟

الجواب : ليس هناك ضرورة ، لأنه يمكن أن يعيش على التمر ، لكن هناك حاجة ، يريد أن يتفكه كما يتفكه الناس ، فلهذا رخِّص له في العرية .

مثال آخر : النظر إلى وجه المرأة الأجنبية حرام ، لأنه وسيلة إلى الفاحشة ، ولهذا جاز للحاجة ، فالخاطب يجوز أن يرى وجه مخطوبته ، والشاهد إذا أراد أن يعرف عين المرأة المشهود عليها ، يجوز أن يرى وجهها ليشهد على المرأة بعينها ، لأن التحريم هنا تحريم وسيلة ، وما كان تحريمه تحريم وسيلة فإنه يجوز عند الحاجة .

مثال آخر : الحرير على الرجال حرام ، لأنه وسيلة إلى أن يتخلق الرجل بأخلاق النساء من الليونة والرقة ، والتشبه بالنساء حرام ، فلما كان تحريمه تحريم وسيلة جاز عند الحاجة ، فإذا كان الإنسان فيه حكة يجوز أن يلبس الحرير من أجل أن تبرد الحكة ، لأن تحريمه تحريم وسائل" انتهى .

"شرح منظومة أصول الفقه وقواعده" (ص 64 – 67) .

والله أعلم


اخوة الاسلام

هكذا تم التوضيح









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:04

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc