السؤال:
من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة هل هذا حديث؟ وهل يكتفي الإنسان بقول: لا إله إلا الله دون العمل بمقتضاها؟
الجواب:
جاء في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن من قال: لا إله إلا الله صدقًا من قلبه دخل الجنة[1] وفي بعضها: خالصًا من قلبه، وفي بعضها: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وفي بعضها يقول عليه الصلاة والسلام: أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله.
والأحاديث كلها يفسر بعضها بعضًا والمعنى أن من قال: لا إله إلا الله صادقًا من قلبه مخلصًا لله وحده، وأدى حقها بفعل ما أمر الله، وترك ما حرم الله، ومات على ذلك دخل الجنة، وعصم دمه وماله حال حياته إلا بحق الإسلام.
فالواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله ويخلصوا له العبادة وأن يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله إلى جميع الثقلين؛ الجن والإنس، وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي، وعليهم مع ذلك أن يؤدوا فرائض الله، وأن يتركوا محارم الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يتبرءوا من كل ما يخالف ذلك من جميع أديان المشركين، فمن مات على ذلك دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومن أتى شيئًا من المعاصي كالزنا وشرب الخمر وأكل الربا وعقوق الوالدين وغير ذلك من المعاصي، ومات على ذلك ولم يتب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له فضلًا منه وإحسانًا من أجل توحيده وإيمانه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسلامته من الشرك، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم يخرجه الله من النار، بعد التطهير والتمحيص ويدخله الجنة؛ لقول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48].
فأخبر سبحانه أنه لا يغفر الشرك لمن مات عليه، وأما ما دونه فهو معلق بمشيئة الله، فقد يعفو له سبحانه عنه فضلًا ورحمةً منه بدون شفاعة أحد، وقد يغفر له سبحانه بشفاعة الأنبياء والصالحين والأفراط وغيرهم ممن يأذن الله لهم بالشفاعة من المؤمنين، كما قال تعالى: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقال سبحانه في حق الملائكة: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وقال صلى الله عليه وسلم : وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى [النجم:26].
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه يشفع يوم القيامة لكثير من العصاة من أمته الذين دخلوا النار بذنوبهم، عدة شفاعات، فيحد الله له حدًا في كل شفاعة، فيخرجهم من النار، وتشفع الملائكة، والأنبياء والصالحون والأفراط بعد إذنه سبحانه لهم، ويبقى في النار بقية من العصاة لم تشملهم الشفاعة، فيخرجهم الله سبحانه من النار بفضله ورحمته، ولا يبقى في النار إلا الكفار، فإنهم يخلدون فيها أبد الآباد... كما قال الله في حقهم: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] وقال سبحانه في حقهم: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [المائدة:37] وقال سبحانه في حقهم: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97] وقال سبحانه في حقهم: فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30].
وقال سبحانه في حقهم أيضًا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ غ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:36-37] فيرد عليهم سبحانه بقوله: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهذا الذي ذكرناه هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، نسأل الله أن يجعلنا منهم والله ولي التوفيق[2].
1-أخرجه أبو يعلى في مسنده 6/10.
2-من الأسئلة المقدمة لسماحته من جريدة المسلمون، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 27/3/1419هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 25/ 79).
https://binbaz.org.sa/fatwas/19876/%...AC%D9%86%D8%A9