شهبٌ والشعرى وكواكب اخرى!

[عزيف]

السلام عليكم

قبل ان ابدأ : طُرح علي سؤال في موضوع سابق عن "الثقوب السوداء " و اجابتي هي :بأن الثقوب السوداء لا تمت بصلة للهواية التي امارسها (والتي اعتبر اقل من مبتدئة فيها ) بل هي من صميم علم الفلك والفزياء الفلكية والمعلومات التي يمكنني تقديمها يوجد افضل منها على ويكيبيديا ، لكن كرأي كونته من خلال متابعاتي ورغم ان الثقوب السوداء كاجسام افتراضية تم اثباتها وحتى تصويرها مؤخرا ،فاني افضل البقاء على الحياد فيما يتعلق بالحقائق الكونية ،فالمعلومات والمشاهدات الفلكية تزداد بشكل متسارع لدرجة انها قد تقلب مفاهيم ونماذج سائدة حاليا ...هذا من ناحية اما من ناحية اخرى فكاشخاص عاديين سيكون من الصعب علينا التفريق بين ماهو واقع وما هو نظري خاصة وان معظمنا يستقي معلوماته من ما يعرف بال pop science وهناك يتم في معظم الاحيان تقديم الافتراضات على انها حقائق ناهيك عن الايديولوجيا التي تقبع خلف ذلك كله والتي تضرب المصداقية العلمية .
بالملخص الثقوب السوداء حتى اليوم مازالت لغزا رغم بعض التقدم الذي تم ،يمكن "قبول" النماذج الحالية على انها افضل تفسير اما الحقيقة الكاملة فهذا ما لم تحط به البشرية بعد .


اما في ما يخص موضوعي فكان ينبغي ان يطرح منذ بداية آب /اغسطس الذي يحتضر الآن ،لكن مازال بالامكان ادراك بعض من الروائع التي تحفل بها ليالي الصيف الاخيرة : فمن مثلث الصيف الذي يتوج سماء الغسق الى مسدس الشتاء الذي يزين زرقة الفجر وبينهما تتناثر درر وجواهر في تشكيلات جميلة لن تجدوها حتى في دار "Harry Winston"

قبل ان اعرض كل ذلك سأحاول تخليد ذكرى من منتصف الشهر تقريبا :الفجر الذي ابتسم لي فيه الحظ اكثر من اي وقت مضى ،فاغسطس هو شهر" الغوليات او البرشاويات" افضل عروض السماء الضوئية ...وخلال ايام من الانتظار البارد بسبب الاحباط الذي سببه القمر واضواء الشوارع البغيضة اكتشفت اني فوَّتت ليلة الذروة :ففي فجر الثاني عشر نظرت الى السماء من اجل التقاط اول شهب البرشويات قبل الليلة الموعودة (زخات البرشاويات تنشط ابتداءا من نهاية جويلية ) كان هذا بعد الفجر وفي ظروف تلوث ضوئي شديدة مما يعني فرصة شبه مستحيلة ، لاتفاجأ برؤية احدها مر مستعجلا ثم بعد لحظات تبعه اخر وهذا كان حظا عظيما (من يصطادون الشهب من المناطق الحضرية يعرفون ما اعنيه ) قلبت الامرفي رأسي :شهابان خلال وقت متقارب وبعد الفجر تحت ظروف رؤية سيئة .....اممم لا يحدث هذا الا في ليلة الذروة ...فهل اكون قد اضعت افضل الاحداث الفلكية في غفلة !؟ا تلك المخاوف التي راودتني تاكدت بطلوع الصباح حين قرأت ان ليلة الامس كانت" peak night " ومع هذا تحليت ببعض الامل لليلة التالية فالزخات الشهبية تبقى بمعدل مرتفع لليلتين على الاقل ..و فعلا كان الفجر التالي اسطوريا :ففي بقعة محجوبة عن الضوء ومفتوحة على السماء ،بدا لي اني خطوت الى عالم من الظلمة البكر حيث تزهر النجوم كزنابق الماء في بحيرة صافية صقيلة وتتساقط فيها الشهب كرقائق الذهب في مواسم الفرح ، احصيت منها عددا يتجاوز ما احصيته طيلة السنوات السابقة وكل هذا خلال وقت قصير ...فكانت بهجة للقلب ومتعة للناظريْن !


*النجم الاكثر سطوعا هو الزهرة اضافة الى كوكبة الجبار الى اليمين



* عنقود الثريا يظهر على شكل تكتل نجمي واسفل منه نجوم راس الثور

وليس هذا هو الشيء الوحيد البهيج الذي كنت انتظره : فبشائر الخريف التي تحملها قطعان الغيوم المنتفة العابرة في الصباح تعلن عن موعد تخلفت عنه لسنوات ،فمن بين كل النجوم البراقة لا تزال الشعرى اليمانية اكثرها جمالا وحسنا وجمالها في فجر بصفاء البلور لا يضاهيه جمال : الشعرى في شروقها الشمسي حدث لم اره منذ ما يقارب العشر سنوات (اراها دوريا عند الغروب الشمسي او مرتفعة في ايام الشتاء ) كانت تلك اول مرة -اي قبل عشر سنوات- امييزها فيها بعد انتظار طويل وتلك حكاية ظريفة اضرب عنها صفحا حتى لا اطيل الموضوع اكثر مما فعلت .
اذن الشعرى اليمانية تطل مجددا من السماء الشرقية ،كان هذا حدثا مقدسا عند قدماء المصريين لانه كان يوافق موسم فيضان النيل كما كان ايذانا بموسم الحر او ما يسمى " ايام الكلب" في الحضارتين الاغريقية والرومانية .



*تظهر الشعرى في اسفل الصورة

وفي الوقت الذي ترتفع فيه سيدة النجوم رويدا رويدا فإن سيدة الكواكب قد حجزت لها مكانا علياًّ منذ وقت طويل بين المع النجوم والكوكبات متوسطة مسدس الشتاء: رائعة السماء التي لا اكف عن مدحها تشكيلة نجوم تتكون من : رجل الجوزاء ،الدبران ،العيوق ،المقدم والمؤخر ، الشعرى الشامية والشعرى اليمانية . واتحدث هنا عن كوكب الزهرة التي تظهر شرقا يليها المريخ عاليا باتجاه الجنوب الشرقي او الغربي اعتمادا على وقت رصده اما في ساعات المساء الاولى فالمشتري وسيد الحلقات زحل ضيوف على كوكبة الرامي قريبا من tea pot حيث من هناك ينطلق ينطلق نهر المجرة عابرا قبة السماء مرورا بمثلث الصيف وللاشارة فشهر اغسطس وما بعده من شهور الخريف هو افضل وقت لرؤية مجرة درب التبانة .




*يظهر بوضوح المشتري يليه زحل (من اليمين الى اليسار ) كما يبدو قلب العقرب احمر اللون على يمين الصورة


اما بعد الغروب فيفترض ان يشرف سماءنا اصغر كواكب المجموعة الشمسية " عطارد " خلال هذه الايام او الايام القادمة وبالتالي سيكون مجموع الكواكب الظاهرة خمسا (هي ست اذا احتسبنا اورانوس الذي يمكن ان يرى تحت ظروف خاصة ).

ختاما : رغم طول ما كتبت عن السماء الا اني لم اخدش السطح حتى ،فما تزال هناك مناظر و اشياء تستحق ان يسلط الضوء عليها ،الا اني اكتفي بهذا القدر وعزائي ان السماء خلقت لتُرى فجمالها اعظم من ان تحيط به الكلمات.

دامت سماؤكم صافية !