الطوق الوحيد للنجاة... للنقاش

[مواطن وخلاص]

الطوق الوحيد للنجاة

سأتحدّث عن كتاب النار..وستقفز إلى الأذهان صورة اللهب المنتقل من صفحة إلى صفحة..
هذا الأسبوع امتد (الربيع العربي) إلى الكويت ولبنان وبنسبة أقل إلى الأردن..
وقد دأب العرب على تسمية المكروه عندهم بعكس ما يقتضيه حاله، لذلك يسمون الأعمى بصيرا، والملدوغ سليما والصحراء المقفرة مفازة ويسمون المرأة فاطمة أملا في أن تعيش وتكبر وتتزوج وتنجب وترضع وتفطم وليدها.. ومن ذلك أيضا تس
ميتهم للفوضى التي تعمّ الآن بالربيع العربي..
أؤكد هنا طبعا على حق أي شعب واع في التحرر وكسر أغلال الظلم والقمع والطغيان..لكني أستثني الشعوب التي لا وعي لها ولا حكمة ولا صلاح، فهذه لا تملك بعد إسقاط الحاكم الظالم سوى الفراغ والفوضى والتقاتل والفتن، وهو ما يحدث اليوم في ليبيا، وفي تونس،وفي مصر.
لذلك قال ابن خلدون عن هذه المفازة أنه لا يصلح لها إلا (الإسلام أو العصا)..وأقصد هنا الإسلام الحقيقي الذي هو رحمة وأمن واستقرار وحضارة، لا إسلام الأحزاب والجماعات المختلفة المتفرقة الهائجة التي ما إن تحس بالغلبة حتى تتحول هي نفسها إلى ديكتاتوريات جديدة باسم السماء.
قال لي صديق: سعر كباش العيد ارتقى إلى الخيال..فأجبته أنّ سعر الكباش ارتقى لكنّ سعر الإنسان رخُص، ودماؤنا اليوم أرخص من دماء الخرفان.
هذا كتاب النار..عنوانه (البوعزيزي رحمه الله)، النار والانتحار..والنار وهي تأكل جسد البوعزيزي ليست سوى العنوان الذي يختصر النار التي ستتسع بعد ذلك في انتحار أمة كاملة تحترق أعضاؤها عضوا بعد عضو..
البوعزيزي يائس، والأمة يائسة، مشكلة البوعزيزي مع شرطية، ومشكلة الشعوب مع ما يمثله الشرطي من معنى القمع والديكتاتورية..طريقة البوعزيزي ليست واعية،وطريقة ردة فعل الشعوب ليست واعية..
لذلك كله فإني لست مستبشرا بالمستقبل، ولا منتظرا شيئا من الخير من القادم المخيف..
كنت دائما أقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لذلك فقد غيّر الليبيون نظام القذافي،لكنهم لم يتغيّروا هم أنفسهم، فهل تغيّر واقعهم؟
لماذا (الربيع العربي)؟لم لا الأفريقي مثلا وفي أفريقيا فقر وفساد وتخلف أشد مما في المنطقة العربية؟
لم لا الربيع الروسي وروسيا أتعس حالا منا؟
لم لا ربيع أوروبا الشرقية أو أمريكا اللاتينية؟
نحن لم نفقد فقط أممنا واستقرارنا، بل فقدنا أخلاقنا، ديننا، لحمتنا..وإلا فما معنى أن يصير إراقة دم إنسان عندنا أبسط من إهراق عبوة بيبسيكولا؟
لقد رخُصنا أفرادا وشعوبا..ولم يعد لنا قيمة وقد تحولنا إلى لاجئين..والحبل على الجرار..
أحاول قراءة الخطاب الفكري والسياسي والإعلامي، فلا أجد منبرا واحدا يقول للناس الحقيقة ويرسم لهم الحل..
لا أجد منبرا واحدا يقول للناس إنّ الثورات أخلاق لا سلاح، وإن الطغيان له ألف وجه، وإن حامل السلاح الثوري سيتحول إلى ديكتاتور جديد حين يكون بلا أخلاق..
لم تعد آيات تحريم القتل تنفع ..وصار كل فريق يؤيد جرائمه بنصوص الشريعة لكي يُجْهز على أوداج خصمه ويفريها فريا..
هذا الطرف الثالث..حكماء السفينة..يجب أن يظهر وأن يتبلور، يجب أن يرتفع صوته عبر منبر إعلامي يخاطب كل شعوب المنطقة، أقصد ما بقي من شعوب المنطقة، ويجب أن يتحرك ساعيا ميدانيا إلى تجاوز المحرقة..
لا بد أن يظهر هذا الطرف بخطابه الواضح الذي يقول للناس في سوريا وفي لبنان وفي الجزائر وفي ليبيا وفي اليمن وفي تونس وفي مصر وفي غيرها: ما أصابنا هو نتيجة طبيعية لعقليتنا ولفسادنا، لذلك لا بد من مراجعة النفس لتغيير أنفسنا وإعادة توجيه بوصلاتنا، وهذا هو الحل والمخرج الوحيد.
لا بد أن يظهر هذا الطرف ليقول للناس: سيموت منا الكثير وسيتحول الكثير إلى لاجئين ولن نحقق شيئا وسيتحول زعماء الثورة اليوم إلى لصوص حينما يحكمون، لأنهم في أنفسهم مشاريع ديكتاتوريات..
يجب أن يظهر ليقول للناس إن ما أصابنا ليس ظلما يقع علينا بل هو ظلم منا، وأننا مشروع فناء ونحن العرب البائدة الثانية إذا لم نفهم معادلات الاجتماع ونواميس الكون..
لا بد أن يظهر هذا الطرف ليتحرك حثيثا عبر اللقاءات والمبادرات لاختيار ممثليه وللسعي لإيجاد مخرج في كل بلد وبقعة في المنطقة..
لقد حسم الله تعالى الأمر حين قال ّإنه لا تغيير للواقع إذا لم تتغير دواخل الناس ونفسياتهم وعقلياتهم..
كلمني بعض الإخوة من دولة اسكندنافية هذا الصباح، وأخبرني أحدهم أنه كان في سيارته يستمع إلى برنامج في إذاعة دولة أسكندنافية يقيم فيها منذ عشرين سنة، وأن البرنامج كان يسأل الناس في الشارع: (فيم تفكر حين ترى شخصا من الجنسية أو من العِرق الفلاني؟)، وكان جواب الناس أنهم يفكرون مباشرة في النشاط والانضباط حين يرون يابانيا، كما يفكرون في الديمقراطية حين يرون بريطانيا، وفي المجاعة حين يرون أفريقيا، ويفكرون في العنف حين يرون عربيا)..
قلت لهم: هناك مهمة صعبة تفرض نفسها على كل أهل الوعي في المنطقة وخارجا، مهمة صعبة لكنها واجبة باعتبار أنها خيارنا الوحيد والأخير، وهي:
تكتيل الناس في صف وفي رأي جديد، يقوم على الفكرة الحضارية، يدين أخلاقنا وجنوننا وعنفنا وهمجيتنا وعنترياتنا واستعراضنا وسلبيتنا، ويتشبث بخيار واحد للنجاة وهو: التغيّر..
وقد بدا حماس هؤلاء كبيرا إلى وجوب السعي في هذا الطريق لإطلاق قناة مثلا تكون موجهة لكل شعوب المنطقة، همها التبشير بالحل ،حل حكماء السفينة..واستقطاب كل الذين سيقتنعون بهذا الحل ليكونوا نواة بشرية حضارية..
لقد خاطبنا بني قومنا وأطلقنا الجبهة البيضاء، فلم نجد غير الصد..وهاهي السفينة تتقدم يوما بعد يوم نحو هلاكها..ثم أطلقنا فكرتنا البيضاء عربيا، لكن العقلية العربية لم تنتبه إلى صوت قوته في هدوئه..واليوم سنختار أي بقعة خارج هذه الخريطة المحترقة..بقعة على شاطئ الأمان وبعيدا عن أمواج الموت، لنلقي منها طوق النجاة نحو أهلنا وقومنا وأمتنا، بينما يبقى أمر مد أيديهم إلينا يخصهم وحدهم، فإن استمروا في المكابرة ، كفانا عذرنا بما قدمنا..
إنني مستعد للجلوس مع أي سياسي أو عالم دين أو زعيم على الهواء مباشرة لأناقشه في أن ما أقوله هنا هو الحل والمنجى والمخرج الوحيد لنا من هذه المحرقة.. وستذكرون ما أقول لكم..


بقلم :محمد جربوعة

[سليم جفال]

سيبيريا الكل يتكلم عنها و لا احد يذهب لها