موقف أهل السنّة من النسخ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

موقف أهل السنّة من النسخ

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-06-22, 07:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو جابر الجزائري
عضو محترف
 
الأوسمة
المرتبة الاولى وسام ثاني أحسن عضو مميّز لسنة 2011 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي موقف أهل السنّة من النسخ

موقف أهل السنّة من النسخ


مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم


-مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:ـ البقرة 106
-وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ـ النحل 111 ـ.
-يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ـالرعد 39 ـ
-الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ـالأنفال66 ـ.


فهذه الآيات نصت على أن الله إذا أراد نسخ حكم أو تأجيله أتى بحكم مثله أو أفضل منه؛ لأن علمه محيط بكل شيء في هذا الكون، ومسطور عنده في اللوح المحفوظ، ويمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء ممّا فيه مصلحتهم، وهو العليم في إبداله آية مكان أخرى، وحكماً مكان آخر.
معنى النسخ لغة


المعنى اللغوي للنسخ : يطلق في اللغة على معانٍ أربع، هي :
(1) الإزالة تقول: نسخت الشمس الظل إذا أزالته، ومنه قوله - تعالى -:" .. فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ". [الحج : 52].
(2)التبديل والتغيير كقولك: نسخت الريح آثار الديار أي: بدلتها وغيرت هيئتها، ومنه قوله - تعالى -: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر " [النحل:101].
(3) التحويل كالمناسخات في المواريث، وهو: أن يموت الميت، ثم يموت وارثه قبل أن تقسم تركة الميت الأول، وهكذا .
(4) النقل من موضع إلى آخر، تقول: نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه إلى موضع آخر من كتاب ونحوه حاكياً للفظه، ومنه قوله - تعالى -:" إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ". [الجاثية : 29].


معنى النسخ اصطلاحا

هو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة.
فالمراد بقولنا: (رفع حكم) ؛ أي: تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة إلى تحريم مثلاً.

فخرج بذلك تخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع، مثل أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب، أو وجوب الصلاة لوجود الحيض؛ فلا يسمى ذلك نسخاً.

والمراد بقولنا: (أو لفظه) ، لفظ الدليل الشرعي؛ لأن النسخ إما أن يكون للحكم دون اللفظ أو بالعكس أو لهما جميعاً؛ كما سيأتي.
وخرج بقولنا: (بدليل من الكتاب والسنة) ؛ ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس فلا ينسخ بهما.


حكمه عند أهل السنّة


أجمعت الأمة من السلف والخلف على جواز النسخ ووقوعه في القرآن الكريم.
وثبوت النسخ، جائزعقلاً، وواقع شرعاً؛ وهذا ما اتفقت عليه الأمة إلا أبا مسلم الأصفهاني؛ فإنه زعم أنالنسخ مستحيل؛ ـ وسيأتي الردّ على شبهه ـ إن شاء الله-
فقد ذهب جماهير الأصوليين والفقهاء والمحدثين والمفسرين إلى جواز وقوع نسخ التلاوة والرسم مع بقاء الحكم الشرعي المتضمن في الآية ثابتا
واستدلوا على ذلك بما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم من نصوص تدل على ذلك ، ونحن نذكر هنا بعض ما وقفنا عليه من الأمثلة المنقولة :
مثال- نسخ تلاوة آية الرجم .
دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو يخطب الناس على المنبر - :
( إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ . فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ . وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) .
يقول أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله :
" وقول عمر : ( كان مما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الرَّجم ، فقرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ) ، هذا نصٌّ من عمر رضى الله عنه على أنَّ هذا كان قرآنًا يُتلى . وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه نُسخً كَونُها من القرآن ، وبقي حُكْمُها معمولاً به ، وهو الرَّجم . وقال ذلك عمر بمحضرِ الصحابة رضى الله عنهم ، وفي مَعْدن الوحي ، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين ، وتناقلها الرُّكبان ، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا قاله عمر ، ولا راجعه في حياته ولا بعد موته ، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه ، وقل علمه في ذلك ، وقد بيَّنا في الأصول : أن النسخ على ثلاثة أضرب : نسخ التلاوة ، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة ، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم " انتهى.
"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5/85)


أقسام النسخ :


ينقسم النسخ باعتبار النص المنسوخ إلى ثلاثة أقسام :


الأول: ما نسخ حكمه وبقي لفظه
مثاله : آيتا المصابرة وهما قوله تعالى : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين).الآية ، نسخ حكمها بقوله تعالى: (الآن خفف الله عنكم).
وحكمه نسخ الحكم دون اللفظ بقاء ثواب التلاوة وتذكير الأمة بحكمة النسخ .


الثاني : ما نسخ لفظه وبقي حكمه كأية الرجم فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : " كان فيما أنزل الله آية الرجم فقرأناها
وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء وقامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف " .
وحكمه نسخ اللفظ دون الحكم اختبار الأمة في العمل بما لا يجدون لفظه في القرآن وتحقيق إيمانهم بما أنزل الله تعالى عكس حال اليهود الذين حاولوا كتم نص الرجم في التوراة .


الثالث : ما نسخ حكمه ولفظه : كنسخ عشر الرضعات السابق في حديث عائشة - رضي الله عنها .


ما يمتنع نسخه :


- الأخبار لأن النسخ محله الحكم ولان نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذباً والكذب مستحيل في أخبار الله ورسوله اللهم إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر فلا يمتنع نسخة كقوله تعالى : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين )(5) . الآية ، فإن هذا خبر معناه الأمر ولذا جاء نسخه في الآية التي بعدها وهي قوله تعالى : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مائتين )(6). الآية .


- الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان كالتوحيد وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف والكرم والشجاعة ونحو ذلك فلا يمكن نسخ الأمر بها وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك ، إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم .


من أنكر النسخ؟؟


قال بمنع وقوع النسخ في القرآن قديماً اليهود وشذّ من أهل السنة أبو مسلم الأصبهاني المعتزلي ( ت 459هـ )، ووجه منع وقوعه في القرآن الكريم عند اليهود أن القول بالنسخ يعني القول بالبداء، وهو: الظهور بعد الخفاء، أما من جاء بعدهم فوجه منعه عندهم لئلا يأتي أحد فيغير حكم الله، ثم يقول: إن هذا كان منسوخاً، ودليل هؤلاء وأولئك في المنع ظاهر قوله - تعالى - في وصف القرآن :" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " [فصلت : 42]، والباطل ضد الحق .


ولكن أولئك نسوا أن الله هو منزل القرآن وهو المتكفل بحفظه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [الحجر : 9]. كما نسوا أو تناسوا أن الحافظ لهذا الكتاب من أن يقع فيه باطل أو تحريف، هو الذي أوجد فيه الناسخ والمنسوخ لحكمة يعلمها- سبحانه - .


واليهود قد تذرعوا ظاهراً لما منعوا وقوع النسخ في كلام الله - بالبداء، وهو: الظهور بعد الخفاء، وتبعهم الرافضة الغلاة، ويروون عن جعفر الصادق أنه قال:" البداء ديني ودين أبائي "، ومتى كان اليهود يقصدون التنزيه للباري - سبحانه -، وهم الذين وصفوه بأحط الصفات - تعالى - الله عن ذلك علواً كبيراً، وقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: الملائكة بنات الله .. إلخ . وإنما كان قصد اليهود في مقالتهم تلك لما منعوا وقوع النسخ في كلام الله كتمان الحق، وكراهية أهله، وبغضاً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي يعرفونه حق المعرفة " الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ..." [الأعراف:157].


أما إنكار أبي مسلم الأصبهاني المعتزلي ( ومخالفته لجمهور المعتزلة أيضاً )، وبعض الكتاب المعاصرين إنما كانت مخالفتهم لجهلهم باللغة العربية، وأقوال سلف الأمة.


بعض حكم النسخ:



1من فوائد النسخ: أن الناسخ خير من المنسوخ؛ لقوله تعالى: { نأت بخير منها }؛ أو مماثله عملاً . وإن كان خيراً منه مآلاً .؛ لقوله تعالى: {أو مثلها}
2ومنها: أن أحكام الله سبحانه وتعالى تختلف في الخيرية من زمان إلى زمان؛ بمعنى أنه قد يكون الحكم خيراً للعباد في وقت؛ ويكون غيره خيراً لهم في وقت آخر..
3ومنها: عظمة الله عز وجل لقوله تعالى: { ما ننسخ }: فإن الضمير هنا للتعظيم؛ وهو سبحانه وتعالى أهل العظمة..
4 منها: إثبات تمام قدرة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }؛ ومن ذلك أنه قادر على أن ينسخ ما يشاء..
5ومنها: أن قدرة الله عامة شاملة؛ لقوله تعالى: ( أن الله على كل شيء قدير)
6ومنها: أن القادر على تغيير الأمور الحسية قادر على تغيير الأمور المعنوية؛ فالأمورالقدرية الكونية الله قادر عليها؛ فإذا كان قادراً عليها فكذلك الأمور الشرعية المعنوية؛ وهذا هو الحكمة في قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } بعد ذكر النسخ..
7ومنها: أن الشريعة تابعة للمصالح؛ لأن النسخ لا يكون إلا لمصلحة؛فإن الله لا يبدل حكماً بحكم إلا لمصلحة..
8ومن فوائد الآية: أن الله تعالى وعد بأنه لا يمكن أن ينسخ شيئاً إلا أبدله بخير منه، أو مثله؛ ووعده صدق..
9ومنها: ذكر ما يطمئن به العبد حين يخشى أن يقلق فكره؛ لقوله تعالى: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرمنها )
10 إظهار امتثال العباد أوامر الرب جل وعلا ،
11 التخفيف على العباد وهذا الغالب ،
12 التدرج في الأحكام كنسخ الأحكام التي أباحت بعض الأمور التي كان عليها المسلمون إلى الحرمة .
13 قد ينسخ الأثقل إلى الأخف والأخف إلى الأثقل كنسخ صيام يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان ، وينسخ المثل بمثله نقلاً وخفة كالقبلة ، وينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى ،
14 مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم في دينهم ودنياهم.
15 - التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال.
16 - اختبار المكلفين باستعدادهم لقبول التحول من حكم إلى آخر ورضاهم بذلك.
17 - اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف، ووظيفة الصبر إذا كان النسخ إلى أثقل.


بعض الآيات المنسوخة حكماً عند جمهور الأمة من السلف والخلف:


1)نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في المسجد الحرام.
2)عدة المرأة المتوفى عنها زوجها كانت عدتها من أول الأمر سنة كاملة، ثم نسخ ذلك فصارت أربعة أشهر وعشراً .
3)المصابرة في مقابلة العدو كان في أول الأمر يجب أن يثبت المسلم أمام عشرة من الكفار، ثم نسخ ذلك بأخف منه لما علم الله ضعف المسلمين، فلزم أن يثبت المسلم أمام اثنين من الكفار فقط .
4) كانت الخمر حلالاً في مثل آية البقرة، ثم نسخ ذلك بآية الخمر في سورة المائدة .
5) نسخ الصدقة عند إرادة مناجاة الرسول كما في سورة المجادلة .


رد بعض الشبهات حول النسخ


الشبهة الأولى : ما الفائدة إذاً منالنسخ إذا كانت مثلها والله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة؟


الجواب: أن الفائدة اختبار المكلف بالامتثال؛ لأنه إذا امتثل الأمر أولاً وآخراً، دل على كمال عبوديته؛ وإذا لم يمتثل دل على أنه يعبد هواه، ولا يعبد مولاه؛ مثال ذلك: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ هذا بالنسبة للمكلف ليس فيه فرق أن يتجه يميناً،أو شمالاً؛ إنما الحكمة من ذلك اختبار المرء بامتثاله أن يتجه حيثما وجه؛ أماالمتجَه إليه، وكونه أولى بالاتجاه إليه فلا ريب أن الاتجاه إلى الكعبة أولى من الاتجاه إلى بيت المقدس؛ ولهذا ضل من ضل، وارتد من ارتد بسبب تحويل القبلة: قال الله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول صلى اللهعليه وسلم ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] ؛ فالإنسان يبتلى بمثل هذا النسخ؛ إن كان مؤمناً عابداً لله قال: سمعت وأطعت؛وإن كان سوى ذلك عاند، وخالف: يقول: لماذا هذا التغيير! فيتبين بذلك العابد حقاً،ومن ليس بعابد..



الشبهة الثانية : النسخ دليل تحريف القرآن وتعرضه للتغيير
الجواب:


- هذا باطل ؛ بدليل قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزْلَنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف ، من غير زيادة ولا نقصان ، كما هو مقرر في أصول الفقه.
ويقول السيوطي رحمه الله :
" هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ، ويمحوه من قلوبهم ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذ لا نسخ بعده " انتهى.
"الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (3/129)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق ، مثل ...حديث أبي بن كعب : ( كانت الأحزاب قدر البقرة ) ، وحديث حذيفة : (ما يقرءون ربعها) يعني براءة ، وكلها أحاديث صحيحة .


وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ، ويقول : إن منه قرآنا قد رفع " .
وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب ؛ لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتح الباري" (9/65)
يجب الإيمان بأن لله الحكمة البالغة في هذا الشأن ، فهو سبحانه منزه عن العبث ، وله في خلقه وأمره حكم عالية رفيعة ، قد نعلمها ، وقد لا نعلمها ، ولكن العلماء يحاولون دائما تلمس الحكم وتأملها استجابة لأمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في آياته عز وجل .


يقول الزرقاني رحمه الله – في معرض الجواب عن الشبه التي يذكرها بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم - :
" يقولون : إن الآية دليل على الحكم ، فلو نسخت دونه لأشعر نسخها بارتفاع الحكم ، وفي ذلك ما فيه من التلبيس على المكلف والتوريط له في اعتقاد فاسد .


وندفع هذه الشبهة أن تلك اللوازم الباطلة ، تحصل لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة وعلى إبقاء الحكم ، أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها ، وعلى إبقاء الحكم وتقرير استمراره ، كما في رجم الزناة المحصنين ، فلا تلبيس من الشارع على عبده ولا توريط .



الشبهة الثالثة: إن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم ؛ لأنه من التصرفات التي لا تعقل لها فائدة ؟
الجواب :
تُدفع هذه الشبهة بجوابين :


أحدهما :أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الحكمة ، ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا ، بل فيه فائدة أي فائدة ، وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره ، وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه ، وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص ؛ لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف ، وشد ما يقابل بالإنكار ، وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل ، مصداقا لقوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية ، حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط ، رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال ، وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال ، تيسيرا لحفظه ، وضمانا لصونه ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .


ثانيهما : أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء ، وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم ، ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها ، وإن كنا لا نعلمها على التعيين ، وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها ، أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه ، والمحبوبين لديه ، وفوق كل ذي علم عليم ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
ولا بدع في هذا ، فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم ، على حين أنه في الواقع مفيد ، وهم يأتمرون بأمره ، وإن كانوا لا يدركون فائدته ، والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته ، على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره ، وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته .


كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه ، وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم ، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " انتهى.
"مناهل العرفان" (2/156-158)


الخلاصة :


يمكن تلخيص البحث المتواضع في أن النسخ هو آيات أنزلها الله ثم نسخها هو سبحانه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكمة أرادها هو، ولا معقب لحكمه فعّال لما يشاء ـ وإن كنّا قد بينا بعضها ـ وإن ّالنسخ ثابت شرعا وعقلا، فشرعا للآيات التي لا تحتمل تعسف في فهمها ولثبوت النسخ نقلا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعرف منكر بينهم للأمر النسخ

وأن الأمة سلفا وخلفا أجمعت على وقوع النسخ ومن شذ مّن الخلف ـ ويكاد الأمر ينحصر في شخص واحد ـ ، واليهود، وأن

قولهم محجوج بالأدلة النقيلة والعقلية الآنفة الذكر، بل اعتراض

هؤلاء دليل على عدم تسليمهم لأحكام ربّ العالمين، الذي

لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، كما هو حال الذي ارتدوا

ولم يقبلوا نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة


وكتبه أبوجابر الجزائري








 


 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:22

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc