الاحتكام إلى الكتاب والسنة
ربنا الله ـ جل شأنه ـ واحد، يحب أن يكون الناس أمة واحدة، تدين بالعبودية الخالصة لرب واحد، هو الله رب العالمين، ولهذه المحبة الإلهية نزل الله سبحانه للإنسانية جمعاء كتابا واحدا عربيا مبينا، فصل لهم فيه كل شيء يقيم الدين على الحق واليقين، ويقوم الحياة بالخير والسلام والمحبة، ويجمع على توحيد الله العقائد، وعلى حبه القلوب، وينزل على حكم الله الفصل كل حاكم في الدنيا ومحكوم، ولكن في الجبلة الإنسانية هوى المغالبة، والنزوع إلى المخالفة، وللفكر الإنساني متاهات يهيم بها، فتشتبه عليه حقائق الأشياء وقيمها، وللعواطف البشرية أهواء تستزلها عن الخير العام، وللنفس نزوات تثير فيها الأثرة الباغية، فتسعى إلى جعل الكل للبعض، وفي الدنيا فتون يرقصها الشيطان للناسك في صومعته، ليضله عن ذكر الله. أفيترك الإله الواحد الرحيم عباده يبدد جماعتهم الخلاف، وتفصم عرى وحدتهم المنازعة؟ كلا، فإن الله الرحمن الحكيم. ولذا بين لهم ما به يرأبون الصدع، ويلمون الشعث، ويجمعون الشتات، إذا ما لوى الخلاف عن الحق والحب أعنة القلوب والعقول، ذلك هو الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله، فلم يتركهم لسبحات الخيال، ولا لتهاويل الشاعرية، ولا لأساطير الفكر وخرافاته، ولا للطواغيت والأصنام البشرية يحكمون فيهم بالهوى والفتنة والشهوة، وفي إيجاب الله سبحانه ذلك تسام بالكرامة الإنسانية، وإعلاء من شأنها، إذ يوقفها بين يديه يحكم فيها برحمته التي سبقت غضبه، وبعدله الإلهي الأسمى، لا بين يدي فرد منها يوجه حكمه الهوى، وتفتن عدله الشهوة، وتسكنه عن قول الحق عاطفة. في إيجاب الله ذلك حجة من الله على خلقه وبرهان، على أن في الكتاب والسنة حكم كل شيء يختلف فيه عباده من شئون الدين والحياة، وإلا ما أمرهم بالاحتكام إليهما! وإليك من آي القرآن ما يوجب ذلك، ويهديك إلى الإيمان بوجوبه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ( ) فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
[سورة النساء: 59]. فليس الاحتكام إلى الكتاب والسنة واجبا حين يختلف المسلم مع أخيه المسلم فحسب، بل واجبا كذلك حين تهم همسات الخلاف بإيقاع الفتنة بين المسلمين وبين أولي الأمر منهم، وهكذا تدك الشريعة الإسلامية هياكل الظلم والطغيان والاستبداد، وتعلي من شأن الحرية والعدالة والكرامة والمساواة إلى أفق علوي لا يحلم بالوصول إليه قانون بشري، إذ جعلت للمحكوم هذا الحق، وعلى الحاكم هذا الواجب.
ومعنى الرد إلى الله في الآية هو الاحتكام إلى كتابه، ومعنى الرد إلى الرسول الاحتكام إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته، وقد جعل الله سبحانه هذا من أصول الإيمان وموجباته، فإذا ما انتفى الرد إلى الله ورسوله انتفى الإيمان بالله واليوم الآخر وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [سورة الشورى: 10] وردت كلمة شَيْءٍ هذا موردها في الآية السابقة، وهذا يمكن للإيمان واليقين من القلوب بوجوب الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضايا الدين، وقضايا الحياة، ويقرر أنه ما من شيء يختلف فيه المسلمون إلا وفي الكتاب والسنة بيان حكمه، والفصل فيه.
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [سورة المائدة: 50]؟ إلا أحد، فما ثم إلا حكمان: حكم الله، وحكم الجاهلية. وإن الطفل ليدرك أن طرفي هذه المقابلة لا يلتقيان، ولا يكونان معا، ليدرك أنه ليس بينهما تضاد فحسب، بل تناقض حاد. فإذا حكم بوجود أحدهما حكم بعدم الآخر، فإما حكم الله، وإما حكم الجاهلية: فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ [سورة يونس: 32]! فمن يحتكم إلى غير الكتاب والسنة فهو ممن يحتكمون إلى الجاهلية، فماذا تحكم على من يوجب الاحتكام إلى كتب مذهبه، وعلى من يستفتي في دينه رجلا لا يدين بما في الكتاب والسنة؟ وعلى من يقلد زنديقا يزعم أنه الله كما تلحد الصوفية؟! كتاب الله مهجور لا يذكره الأحبار إلا في مأتم، أو عند قبر، أو لتسطير تميمة، والسنة ـ ويا أسفي ـ يطغون عليها بالبدع، يسمونها "حسناوات"!! وصاحب السنة الأمين الصادق يقول: «كل بدعة ضلالة». أما الكتاب والسنة عند الصوفية؟! أسمعت بأبي جهل يحب الرسول ويصلي عليه؟! وبالإلحاد يؤمن بالله؟! وبالشرك يدين بالتوحيد؟! وبالنفاق يخلص الدين؟! وبالكفر يقيم وجهه الله خاشع الصلاة في المحراب؟! يريد منكم زعماء الصوفية وأقطابهم أن تسمع بهذا، وأن تؤمن به؟!
بم جازى الله المختلفين من الأمم السابقة؟
جازى الله من اختلفوا في الدين من أهل الكتاب بالشقاق البعيد، يقطع أرحام المودة، ويفتك بعلائق الأخوة، ويشتت شمل الجماعة، وجازاهم بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [سورة البقرة: 176]، وقال عن اليهود: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [سورة المائدة: 64]، وقال عن النصارى: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [سورة المائدة: 14]، وبمثل ذلك وأشد جوزي المسلمون لما اختلفوا في الكتاب والسنة، فاجتالهم عدوهم، وحازهم في بقاع صغيرة من الأرض أذلة، وربط خطامهم ببغيه وجوره، كلما ثارت حرب قاتل المسلمون معه ـ لا في سبيل إعلاء كلمة الله ـ بل في سبيل أن يزداد الغاصب المستعمر بطشا وعتوا وفجورا، وأن يستعبد خلق الله لأصنام الكفر وأوثان الطغيان!!
اتباع سنن اليهود والنصارى:
يماري في الحق الذين يستعبدون الناس بشهواتهم، فيزعمون أن المسلمين بخير، وأنهم مطمئنو القلوب إلى توحيد الله في ربوبيته وإلهيته، وإني أذكر أولئك بما نبأنا به الصادق الأمين من أربعة عشرة قرنا ـ رسول الله ـ : «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة( )، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه». قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» "الصحيحان". ويقول: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر، وذراعا بذراع». فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: «ومن الناس إلا أولئك»( ) (البخاري).
وهكذا أوحى الله إلى رسوله بما سيقع لهذه الأمة، وصدق رسول الله ، وكذب المفترون، فقد أخذ المسلمون مأخذ اليهود والنصارى وفارس والروم، فجازاهم الله بما جوزي به أولئك من قبل، فلنعترف بالداء الوبيل لعلنا بذلك ننشد الدواء ريان الشفاء، وإنه لفي كتاب الله: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [سورة فصلت: 44] أما أن تأخذنا العزة بالإثم، فنأبى أن يُقر المريض بدائه، أو نلقي تبعة ما نحن فيه على غيرنا، أو نسائل عن سبل العزة ومكانها، أو نحاول مداواة الداء بالسم الناقع من إلحاد الغرب وفسوقه، أما أن نفعل ذلك ـ وبيننا كتاب الله وسنة الرسول يقولان للمسلمين عن الداء الذي يفتك بهم ويدلانهم على الدواء الذي يشفيهم ويبينان لهم سبيل العزة والقوة والمجد ـ فثقوا أيها المسلمون أنكم ستظلون كما أنتم: أحلاس فتنة، ومهاوى ذلة، ومغدى ومراح مستعمر. أما إذا فررتم إلى الله: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [سورة البقرة: 275].
أما أنتم يا علماء المسلمين في كل وطن فهذا واجبكم تذكركم به الآية الكريمة: لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [سورة المائدة: 63].
افتتان الناس بعلمائهم:
يفتتن الدهماء والجهُّال دائما بعلمائهم، فإذا دعاهم إلى الدين الحق داع من غير العلماء صمت الأسماع، ونفرت القلوب، إذ يسول لهم الشيطان أن ما يدعوهم إليه دعاة الحق ليس إلا جمودا وتنطعا في الدين، ومقتا لرسول الله وأولياء الله. ويدلل لهم على صدق وسوسته بما ارتضاه دينا أولئك العلماء ذوو الجاه العريض، والصيت البعيد، فلو كان دعاة الحق صادقين لكان أولى بهذه الدعوة وتأييدها هؤلاء العلماء المشهود لهم بالكفاية، والدراية التامة، وقوة الاستظهار لكل متن وشرح وحاشية، والذين قضوا نصف قرن يردون ناهل العلم، ومشارع المعرفة! فعدم قول العلماء بقول دعاة الحق برهان على أنهم يرون هذا القول منكرا، وخطرا على روحانية الدين، وقداسة الأولياء والأئمة، فلا يجوز اتباع أولئك العوام دعاة الحق وترك الاقتداء بالعلماء ذوي الألقاب الفخمة الضخمة!! بهذا يوسوس الشيطان للدهماء، وبه يفتنهم عن دين الله، ويغريهم بعداوة الحق.
ولكن ما كان من يسميهم الناس علماء الدين في كل أمة دائما على حق، ألم أذكرك بآيات الله التي تقرر أن المختلفين في كتاب الله كانوا دائما من هم على بينة منه، من الذين يعقلونه، ويفهمون معانيه، فيحرفون الكلم عن مواضعه بغيا وفتنة؟! وأذكرك الآن بقول الله: وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [الأنعام: 114]. ثم إليك من آي القرآن ما يبين لك صفات العلماء بحق، وعلى هديها احكم بالحق! إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [سورة فاطر: 28]، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ [سورة الحج: 54]، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [سورة آل عمران: 7]، ويؤمنون بمحكم الآيات، ويؤمنون بالمتشابه منها بردها إلى المحكم، ولا يرتابون، ولا يمارون: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [سورة النساء: 162]. هذه هي صفات من يسميهم الله بالعلماء، ويصفهم بالرسوخ في العلم. إنها توحيد لله خالص اليقين، وإيمان صادق، وعبودية صافية، وخشوع طهور، وتقوى تطيب بها المحاريب، ويقين بما أنزل الله ثابت، واتباع صادق له، ودعوة إليه.
ومن علمائنا اليوم في مصر وغيرها ـ بحمد الله ـ طائفة أنعم الله عليهم بهذا، يصدعون بالحق، ويعلون من كلمة الله، لا يطمعهم وعد، ولا يرهبهم وعيد، ولا تستزلهم عن الدعوة إلى الله فتنة الجاه الكذوب. ولكنهم ـ ويا أسفاه ـ مضطهدون!! إنهم النجوم التي بقيت تتلألأ في ظلمات هذا الليل الرهيب، تحاول السحب الدكناء أن تحجب عن الحيارى السارين بريقها المتلألئ. إنهم منارات الحق وأعلامه، يهابهم قراصنة البحر، وقطاع الطريق، فيكيدون لهم بالبغي والعدوان؟! غير أني أقول لأولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه: ليضطهدكم الأبالسة، وليؤلب الشيطان عليكم خيله ورجله، ولكنكم بالله تعتزون، فستنتصرون، فاضربوا بمعاول الحق معبد الصنم، وهيكل الطاغوت، إنه بدأ يهوى، وآن أن ينهار على رأس كل جبار عنيد من دعاة الوثنية وعشاق البغي من جور المستعمرين.
الفتنة بالأكثرية:
يفتن الشيطان كل إمعة بفتنة الأكثرية، إذ يسول له أن الحق معها، وليس مع هذه القلة التي تدعو الناس إلى الدين القيم. وبهذا الخبال الفاتن لا يقيم أولئك الإمعات للحق وزنا، ولا يقومون قيم الأشياء وحقائقها إلا بما يقومها به غيرهم ممن عاندوا الحق، فكانت منهم الأكثرية التي يلوذ بها الباطل. ولكم يستغرق في العجب أولئك المفتونون بالأكثرية من هذه القلة التي تدعوهم إلى الحق، ويبهتونهم بالمروق عما ارتضاه أكثر الناس دينا!! وهكذا يجعلون الناس أدلة على الحق والحقيقة، لا الحق أدلة على الناس، ويقومون القيم بالأشخاص، والحق تقويم الأشخاص بالقيم! فيؤمنون بالشيء، لأن فلانا آمن به، ويثقون به، لأن فلانا قال لهم ذلك، دون أن يكون لهم حجة على ما آمنوا به، ووثقوا، ولا أثارة من علم، أو شية من التفكير، فحسبهم على الحق دليلا شخص فلان!!! ولهذا شدد الله النكير على التقليد، ووصف المقلدة بأنهم شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، وأوجب على كل مسلم أن يحتكم في دينه ـ لا إلى ما يؤمن به الناس ـ بل إلى الحق في ذاته، والهدى في ذاته، نزل بهما كتاب الله، ودعا بهما وإليهما رسوله الكريم. ثم إن الأكثرية لم تكن دائما على الحق دليلا، ولا سببا داعيا إلى الإيمان به عن طريقها.
ولهذا ذكر الله في كتابه من آياته المحكمات ما يحول بين النفس الصافية وبين الفتنة بالأكثرية تؤمن بشيء، فتتبع ما رضيته، ونسلك ما سلكته الأكثرية من سبيل عن عمى وجهالة: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [سورة يوسف: 103]، وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا
[سورة الفرقان: 50]. يبين لنا هذا الهدي والحق أن أكثر الناس لا يؤمنون بالحق، وأنهم يأبون إلا كفورا بالحق، فكيف نجعل دين الأكثرية دليلا على الحق وصدق الإيمان؟! والحق هو ما في الكتاب والسنة، لا فيما آمنت به الأكثرية: إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [سورة هود: 17].
أفيعقل بعد اليوم عباد الأكثرية؟ ثم إن الله سبحانه يبين لنا أن أكثر الناس في كل عصر كانوا جهالا ضلالا جاحدين للنعمة فساقا ينقضون عهد الله: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سورة يوسف: 21]، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ [سورة البقرة: 243]، وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
[سورة الأعراف: 102]، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة آل عمران: 110]، ويقرر لنا سبحانه أن هذه هي سنة البشرية، يضل الشيطان الأكثرية منها: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ [سورة الصافات: 71].
ولذا ينهي الله سبحانه ويحذر من طاعة الأكثرية دون بصر أو تدبر، ومن الفتنة بها، حتى لا نضل عن سبيل الله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [سورة الأنعام: 116].
فلا يفتنك بعد اليوم أحبار ولا أكثرية ضالة.