حقيقة الأوسمة التي تظهر في صورة الأمير عبد القادر
بسم الله الرحمن الرحيم .
لقد تتبعنا كل الفرى والطعونات التي نسجها أعداء الجزائر للطعن في سلطانها الأمير عبد القادر ، فبيناها على حقيقتها وكشفنا ما هي عليه من الوهاء والفساد ونسفناها فهي "شبه تهافت كالزجاج تخالها .. حقا وكل كاسر مكسور" ❗
لقد بينا سلفية الأمير عبد القادر بكل صفاء ونقاء ، وما هو عليه من التوحيد والديانة الواضحة ، والوطنية الخالصة ، فلما عجزت كلاب فرنسا ، ومقلدة المستشرقين أن تواجه حججنا الساطعة ، والبراهين القاطعة لمقرراتنا الواضحة وعلومنا الصحيحة ، فما وجدت حجة تواجهنا بها للتشكيك في الإمام الأمير عبد القادر والطعن فيه إلا حجة أخيرة ، وهي قولهم : ( لو كان الأمير تقيا ،صاحب عقيدة ، وطنيا ، لما تقلد تلك الأوسمة النصرانية وتشبع بها ، وتعاظم بها ، وتظاهر بها )
قالوا : ( هذا مما يدل على عدم صفاء عقيدته ، ونقاء وطنيته ) ⁉️
أقول :
لبيان هذه الشبهة الواهية ، والطعنة المضحكة مما تدل على سفه أهلها ، وأنهم مجرد كلابا للماسونية تعوي في الشوارع ، تقلد عن جهل وغباء وبلادة ، بيانها يكون على نقاط تالية :
1️⃣ هل هذه الأوسمة خفيت على أئمة الإسلام الذين أثنوا على الأمير عبد القادر ومنهم : عبد الرزاق البيطار ، طاهر الجزائري ، القاسمي ، ابن باديس ، البشير الإبراهيمي ، أبو يعلى الزواوي ، أحمد توفيق المدني ، بهجت البيطار ، رشيد رضا ، أبو القاسم سعد الله ❗
كيف تجهل عن هؤلاء الأعلام ويعلمها هؤلاء البقر الذين يطعنون في الأمير بناء عليها ❓
إما هؤلاء الأئمة لا يعرفون ما معنى الإسلام والديانة والوطنية ويعلمها هؤلاء أبواق فرنسا والمستشرقين .
أو أن هؤلاء الأعلام غدروا بالأمة وخانوا القضية ، وقام بها بعدهم هؤلاء البقر أبواق الغرب ⁉️
أحلها مر .
2️⃣ قصة هذه الأوسمة هو في مقابل ما قام به الأمير عبد القادر من الجهود الإسلامية الجبارة في القضاء على فتنة الدروز التي عجزت عنها الدولة العثمانية العظيمة للقضاء عليها ، فكرمته الدولة العثمانية وملوك أوروبا .
قال الدكتور خلدون بن مكي حفيد الأمير عبد القادر :
( أوّل مَنْ منح الأمير تقديرًا ونيشانًا ووسامًا هو الخليفة والسلطان العثماني ، وباسم الدولة العثمانية . فهذا يدل أنّ موقف الأمير من أحداث فتنة النصارى في الشام ، كان في جانب الدولة العثمانية وخدمة مصالحها ، ونصرة سلطانها ، ولذلك استحقّ هذا التكريم.
وأما النياشين والأوسمة الأوربيّة فقد علمتم سببها ومناسبتها ، والقضية كما رأيتم لا علاقة لها بالماسونية لا من قريب ولا من بعيد!! وإنما هي أوسمة منحتها الدول والحكومات ، وليس جمعيات سريّة )
3️⃣ هذه الأوسمة تسعى الماسونية لنشرها وترويجها عن الأمير لكي تظهره أنه معها ، وصدقها الأغبياء الحمقى
، ولكي تطعن فيه من حيث أنها تزعم أنها تكرمه ، مع أنها صورة واحدة وهم يظهرون صورا عدة❗
قال خلدون بن مكي : ( الأمير لم يضعها إلاّ مرّة واحدة وأُخِذَت له صورة واحدة ، ولم يكن سعيدًا بذلك ؛ كما روى عنه أبناؤه )
وقال : ( ليس بين أيدينا للأمير عبد القادر الجزائري سوى أربع صور فوتوغرافية شخصية، واحدة منها فقط فيها تلك الأوسمة! أمّا الثلاث الأُخَر فيظهر فيها الأمير بزيّه المعروف - الجبّة والعِمامة - .
ونحن لا نشاهد هذه الصور الأربع في معظم وسائل الإعلام والنشر! في حين أن الصور الأخرى المنتشرة ـ وياللأسف ـ في الصحافة والإعلام العربي والغربي إنما هي صور مرسومة ومتخيّلة وفيها اختلاف كبير في شكل الأمير وهيئته!
والصور الفوتوغرافية الحقيقية للأمير أُخِذَت له في عدّة مناسبات أشهرها تلك التي كان حاضرًا فيها حفل افتتاح قناة السويس سنة 1869م ، والناظر إلى تلك الصورة يجد الأمير فيها بلباسه البسيط - الجبة والعمامة- ولا وجود لأي أوسمة أو نياشين - سواء التي حصل عليها سنة 1860م أو غيرها!-، مع أنّ الحفل يحضره ملوك وأباطرة العالم ، وكانت العادة في ذلك العصر أنّ الشخصيات المرموقة إذا حضرت مثل تلك الاحتفالات تزيّنت بكل ما تملكه من أوسمة ونياشين!
ولو نظرنا إلى صورة بعض رجال الدولة العثمانية في ذلك الوقت لرأينا صدره وبطنه قد غُشّي بالأوسمة والنياشين والأشرطة ، والمتصفح لكتب التراجم والأعلام المصوَّرَة يرى صور الوُلاة ورجال الدولة العثمانيين وكثيرًا من الوجهاء في تركيا ومصر والشام وقد غشّيت صدورهم بالأوسمة ، وكانت عادة منتشرة!
في حين أن المعروف عن الأمير أنه لم يكن يضع تلك الأوسمة حتى في المناسبات الرسمية وكان مظهره دائمًا عاديًا وبسيطًا ، كيف لا وهو الذي كلما ازدادت شهرته وتعظيم الناس له ازداد تواضعًا وتبسّطًا ، هذا كان منهجه وطريقته كما وصفه المترجمون له. والأمير كان ذائع الصيت مُحْتَرَمًا عند الجميع ومآثره معروفة فلا حاجة له إلى إظهار الأوسمة أو ما شابهها ليلفت انتباه الآخرين بخلاف غيره )
4️⃣ ملوك أوروبا أمام هذه الأوسمة ( مكره أخوك لا بطل ) بودهم لا يظهر الأمير عبد القادر بمظهر منتصر في معركة الدروز التي نضمتها وخططت لها فرنسا للقضاء على الشام وعلى أهلها ، لقد أضطر ملوك أوروبا لمجاملة شعوبهم ، وإظهار شفقتهم على من منهم في الشام ، والتضامن معهم .
هكذا ينتصر الأمير عبد القادر المرة الثانية على فرنسا وهو في الشام .
5️⃣ الأمير عبد القادر كان له مقصد كبير من وراء هذا الظهور وهو إفشال أنظمة الغرب ومقتها في عين شعوبها ، وإظهار ما يتميز به الإسلام من العدالة الاجتماعية والمحافظة على الحقوق والعهود ، وحقن الدماء ، ولو كان ذميا نصرانيا .
قال خلدون بن مكي : ( كان الغرض من تلك الصورة أن تنشر في الصحف الأوربيّة فيرى الشعب الأوربي بنفسه تكريمَ ملوكه وحكَّامه للرجل الذي كانوا بالأمس يطعنون فيه ويظهرونه بصورة العربي المسلم المتعصِّب والحاقد على المسيحية ، والهمجي المتعطش للدماء ، وأن حربه مع الفرنسيين كانت فقط لأنهم مسيحيون لا لأنهم غزاة معتدون!!
واليوم هم يعترفون بأنه داعية سِلم لا سفّاح ، ولا يحقد على الديانة المسيحية وإنما يتعامل مع أصحابها المعاهَدِين - أهل الذمَّة - وفقًا لأحكام الإسلام ، فلا يسمح بالاعتداء عليهم وتقتيل العُزَّل منهم ، بخلاف المعتدين والغزاة.
تقول الأميرة بديعة بنت مصطفى الحسني متحدِّثَةً عن قصة صورة الأمير بالأوسمة: (...وما من شيء يُحمل إلا لهدف، وهدف الأمير لم يكن للتزيّن أو التفاخر، لأنه كان يحمل وسامًا واحدًا يعتزّ به، وهو وسام الجهاد .
والدليل على ذلك عدم ظهوره في أي مناسبة بهذه الأوسمة، وأنه لم يذهب بها إلى احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1864م ولا غيرها.
وكانت غايته من أخذ صورة بها هو تحذير جميع الأطراف من العودة إلى مثل تلك المغامرات الخطيرة .
لقد أراد من إشهارها القول للمستعمرين إني جعلت خططكم هباءً منثورًا ، وما أرسلتموه من تقدير لعملي هو ميثاق منكم بعدم العودة للتفريط في حقّ الإنسانية.
وأراد القول للذين أسرفوا على أنفسهم: حذار أن تثقوا بالمستعمرين! فلقد غرّروا بكم ودفعوكم إلى عمل طائش طالما حذّرتكم منه ، انظروا، لقد تبرّؤوا منكم وقدموا الأوسمة صاغرين لمن وقف ضد طموحاتهم .
هذا ما كنت أسمعه من جدتي زينب عندما كانت تنظر إلى صورته هذه وتقول: كم كان أبي حزينًا عندما وضعنا له هذه الأوسمة لأخذ صورة فوتوغرافية له، وقد وُضعت مرة واحدة ولغاية واحدة كما أسلفت).انتهى ، انظر (أصحاب الميمنة إن شاء الله)
6️⃣ الأمير عبد القادر كان رجل سياسة ، ووزير قضايا الإسلام في المغرب والمشرق ، فكان يتعامل مع هؤلاء الملوك ويلتقي بهم ويجتمع بهم لخدمة الإسلام والمسلمين ، ومشاريع الإسلام .
فكان من وراء هذا الظهور واللقاء كما أسلفنا القضاء على فتنة الدروز التي كانت من مخططات فرنسا لاحتلال الشام ، ولكن الأمير عبد القادر أفسد عليها هذا المخطط والمؤامرة .
وأيضا كان من وراء هذا الظهور حقن دماء مسلمي روسيا
وأيضا إنجاز مشروع قناة السويس
وأيضا تخفيف الضغط على من بقي في الجزائر ، وليخلق منافذ التواصل بشمال إفريقيا .
وأيضا ليبعد خطر فرنسا وبريطانيا المتمثل في احتلالهما للشام والتوغل في الحجاز .
7️⃣ إذا عرفنا بأن الأمير عبد القادر كان صاحب سياسة ودولة وأنه وزير قضايا الإسلام في المغرب والمشرق ، هل تلك المؤتمرات والمحافل التي يعقدها حكام المسلمين في العالم الإسلامي كله مع حكام الغرب النصراني ، وتلك الهدايا والأوسمة التي يحضى بها هؤلاء الحكام المسلمين وتقدم لهم تكون ذريعة للطعن فيهم ، وتكفيرهم ⁉️
أما أن هذا يتنزل إلا على الأمير عبد القادر ، ويخص به دون غيره ❗
8️⃣ هذا العمل عد من اجتهاد الأمير عبد القادر وهو من أئمة الاجتهاد في الدين والسياسة وهو معروف بالمناورات وتخطيط الحروب العسكرية ومنها النفسية ، فهذا من الحروب النفسية .
قال الدكتور خلدون بن مكي حفيد الأمير عبد القادر : ( ومن بين الأوسمة الأوربية يوجد وسام فيه صليب!
وأنا لا أدافع عن الأمير في وضعه لذلك الوسام الذي فيه صليب ، ولكن بناءً على كل ما ذُكر ، لا يجوز لأحد أن يزعم أنّ وضعه لذلك الوسام دليل على الماسونية أو العمالة فضلاً عن الردّة!!
فالموضوع كلّه عبارة عن اجتهاد فيما يُسمّى بالتكتيك السياسي ربما يُخطئ فيه الرجل وربما يُصيب ؛ فهو يضع وسامًا فيه صليب ولا يضع صليبًا مستقلاً وبين الحالين فرق واضح ؛ فإذا أراد بعض الباحثين المتخصصين والمطّلعين أن يحكم في القضيّة فله أن يقول: أخطأ الرجل أو أصاب.
وليس له أكثر من ذلك ، ولا يجوز له أن يسرح بخياله إلى ما هو أبعد من ذلك ) ا.هـ
▪️قلت ( بن سلة ) : هذه الاجتهادات لايزال أهل العلم تصدر منهم من الصدر الأول إلى يومنا هذا ، ولكن يراعى ما هم فيه من بحر الحسنات وتكرم مزلتهم ، فلا ينجس البحر بقطرة وقطرتين .
منهج أهل السنة والجماعة أعدل المناهج وأعلمهم ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه : بشير بن سلة الجزائري