لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-09-25, 11:34   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

13 مايو, 2011
العضو
lamiaken
الكتابة اللسانية العربية وإشكاليات المصطلح التداولي
الكتابة اللسانية العربية وإشكاليات المصطلح التداولي ------------------------------------------------------------------------------------ د. نعمان بوقرة جامعة الملك سعود- الرياض- المملكة العربية السعودية - البريد الإلكتروني حذف من قبل الإدارة (غير مسموح بكتابة البريد) - ------------------------------------------------------------------------------------ قال الجاحظ: « لا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة ، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها حتى يكون فيهما سواء وغاية (...) ، وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق والعلماء به أقل كان أشد على المترجم وأجدر أن يخطئ فيه ، ولن تجد البتة مترجما يفي بواحد من هؤلاء من العلماء » ([1]). توطئة لقد أثمر الفكر التداولي الحديث في سياق التطور النظري للسانيات والفلسفة الحديثة ، وبتفاعل معرفي ومنهجي مع المسألة الأدبية وقضايا تحليل الخطاب ثلة من المصطلحات والمفاهيم التي تسارع نموها وانتشارها في الأوساط البحثية الغربية، حتى أضحى تعددها وتداخلها من أخص خصائص الفكر العلمي الحديث في تجلياته العولمية، وكان لهذا المشهد أثره في توجيه الكتابة اللسانية العربية في البعد التداولي في مستوى عرض النظريات والتمثيل لها من اللغة العربية، أو على الصعيد التعليمي الذي حاول استيعاب المعرفة اللسانية الحديثة وتبسيطها للقارئ العربي، وجريا وراء هذه الغاية كان لابد من السعي إلى تذليل العقبة الاصطلاحية التي أدت أحيانا إلى سوء فهم وعرض للمفاهيم الأساسية التي تعد مداخل بنائية للمعارف، وربما تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على بعض جوانب المشكلة من خلال عرضها وتحليلها لعينة من المصطلحات التداولية المستعملة باطراد أو بشذوذ عند رواد الكتابة اللسانية التداولية العرب ، من أمثال: طه عبد الرحمن ، ، ومحمد الشاوش، وفالح العجمي،وأحمد المتوكل، والحواس مسعودي ،و خولة طالب الإبراهيمي وغيرهم ناهيك عن إمكانية الانخراط في توصيف ما قدمه بعض المترجمين العرب الذين قدموا أعمالا غربية إلى القارئ العربي، من أمثال محمد لطفي الزليطني، وأحمد نور عوض وغيرهما ، وهذا بالتركيز على أسس الوضع الاصطلاحي، ومشكلات الفهم المترتبة عن الفوضى الاصطلاحية التي تميز بها الكتابة اللسانية العربية في وضعا الراهن. لسانيات العربية ومشكلة المصطلح إن الخطوة الأساسية لأي نظام معرفي تتمثل في تحديد موضوعات المعرفة فيه ، مما يعني السعي إلى تحديد الحدود والتعريفات المرتبطة بذلك النظام وصياغتها في قوالب مصطلحية ، تعد مفاتيح العلم المقربة لقضاياه ونظرياته ، فالمصطلحات مجامع للحقائق المعرفية وعنوان ما به تتميز كل واحدة منها عما سواها ، وليس من مسلك يتوسل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية ([2]) فالمصطلحات من حيث هي مفاهيم مفردة أو عبارات مركبة استقر معناها بالاستخدام تكتسب وجودها الشرعي في بيئتها بمقدار التحديد الذي توسم به فيجعلها تعابير خاصة و ضيقة في دلالتها على الفكرة الواحدة ، فيتحقق لها وضوحها ومن ثم اطّرادها ([3])، هذا وقد عدت اللسانيات بمختلف مجالاتها البحثية الموضوع المفضل بالنسبة إلى المترجمين والنقلة ، فكثرت الأبحاث التعريفية بالعلم والمنتهجة لسبيل التيسير والعرض، وإذا كانت الدراسات اللسانية العربية الحديثة قد بذلت جهدا لا يستهان بها في أقطار عربية من أبرزها منطقة المغرب العربي ولبنان ومصر التي تولت جانب الترجمة والكتابة التعريفية فإن ما بذل من جهود لا يمكن أن يحقق الطموح في نضج هذا العلم ناهيك عن المشاركة الفعلية في إثرائه فلم نتعد بعد إطار التعليم وتقريب العلم واكتشافه ،وعقد الصلة الحميمة بينه وبين المثقف العربي لكي يتذوق هذا العلم الحديث ويلم به ([4]).لقد أدرك اللسانيون العرب المحدثون أهمية هذا العلم وضرورة الإلمام بأسبابه إلماما واسعا والإحاطة بنتائجه إحاطة شاملة بغية تقويم العمل اللغوي العربي القديم ([5]) ، ولهذا لم يتوانوا في التعريف بهذا العلم والقيام بترجمة المؤلفات اللسانية المهمة ، فالاهتمام بالألسنية في العالم العربي بصورة عامة أمر حديث العهد نسبيا ، إذ لا نكاد نجد منه أمرا يذكر قبيل الستينيات سواء في ميدان التدريس أو البحث ([6])، وفي السياق ذاته يقدم عبد الرحمن الحاج صالح وصفا للحالة اللسانية العربية فيقول : » يتصف البحث العلمي في اللغة العربية في زماننا هذا بصفات جد سلبية، بالإضافة إلى ما يعرفه العصر من تكنولوجيا حديثة تطبق على البحوث اللغوية بنجاح تام في البلدان الراقية ، ويعرف كل واحد البطء الذي يسير به وضع المصطلحات وإقرارها وحرفية هذا العمل وفرديته ومشكل ذيوع هذه المصطلحات في الاستعمال « ([7]) .وفي هذا السياق التعريفي كثرت المصطلحات اللسانية في ميدان بسط المفاهيم المحدثة في هذا العلم الغض في ثقافتنا اللغوية المعاصرة إذ لا يتجاوز عمره في كثير من البلاد العربية عشرين سنة[8] وفي بعضها الخمسين مثل مصر وبلدان المغرب العربي،وكان لهذه التعددية الاصطلاحية المرتبطة رأسا بتعددية المصدر والاستمداد أثرها في المستوى التطبيقي، فاختلفت أنظار الباحثين في سياق استثمار المفاهيم اللسانية المحدثة في إعادة وصف اللغة العربية ،ونقد التراث اللغوي والنحوي بشكل خاص، إلى الحد الذي جعل من الفكر اللغوي العربي القديم رهين محابس النظريات الغربية المعاصرة فمرة هو بنوي في عيون أنصار هذا الفكر ومرة هو توليدي وأخرى هو تداولي وظيفي!!، لقد وقع الفكر اللغوي العربي في أزمة هوية الذات، فكان المشكل الاصطلاحي عنوانا ظاهرا لهذا المشهد المرتبك الذي حاول الخطاب اللساني العربي الوصفي التعبير عنه ، مبينا أسبابه ومحاولا اقتراح الحلول ،وهو وصف في نظرنا ثابت لا خلاف حوله إلا في العبارة،ولنا أن ننظر فيما كتبه أحمد مختار عمر وسمير ستيتية و مازن الوعر و عبد الرحمن الحاج صالح وعبد القادر الفاسي الفهري[9] وعبد السلام المسدي وغيرهم ممن سبقهم أو جاء بعدهم سعى إلى مناقشة المسألة الاصطلاحية في اللسانيات بوصفها العقبة الكأداء التي تواجه مشروعية استقرار العلم في المؤسسة العلمية العربية،وفي هذا السياق يذهب تمام حسان إلى أن الذين تصدوا للكتابة اللسانية بعامة ووضع مصطلحاتها بخاصة لم ينتبهوا إلى ضرورة النظر في المحاولات السابقة مما أدى إلى افتقاد شرط العرفية الواجبة للمصطلح ، ومن ثم التشتت والتعدد اللذين يمثلان أكبر خطر يواجه مستقبل العربية[10]،إن هذا التصور على ما يقرره حمزة المزيني يصرف المسألة الحضارية عند العرب من سياقها الحقيقي المتمثل في متابعة الاكتشافات العلمية والمساهمة فيها إلى الغرق في موجة المواضعات الاصطلاحية فتتحول أزمتنا الحضارية إلى أزمة في المصطلح[11]، وبوجه عام يمكن أن ترد المشكلة الاصطلاحية في الخطاب اللساني العربي المعاصر إلى الأسباب الآتية : 1-التحيز اللغوي، وارتباطه بالتعصب المدرسي و الجهوي، وهذا السبب في نظرنا تؤطره عقلية القبيلة التي تهيمن على التفكير والموقف العربي العلمي. 2-مشكلات تتعلق بإجرائية الوضع الاصطلاحي من حيث كيفية التعامل مع المفاهيم المستحدثة في اللسانيات بعامة واللسانيات التداولية بخاصة، ولعل سبب هذه المشكلة بالذات يعود إلى طرائق التوليد الدلالي التي تنماز بها اللغة العربية فقد ألمع الأوائل إلى آليات شتى تتطور بها اللغة مثل الدخيل و الاشتقاق والنقل المجازي والنحت والشرح المعنوي وتعريب المصطلح أو الاقتراض المعجمي أو الاستعارة[12]، وغيرها مما أخذ به المحدثون فظهرت للوجود مترادفات عديدة بإزاء المفهوم الواحد ربما وصلت إلى حد التعارض والتضاد[13] ، وخروجا من هذا المأزق طفق بعض المتحمسين إلى الابتكار الفردي علّهم يقعون على المراد غافلين عن حقيقة مهمة هي أن المطرد في الاستعمال والشائع على الألسنة والدارج في الكتابة أفضل من المبتكر من حيث الجانب الوظيفي بالرغم من سلامة إجراءات وضعه الفنية[14] ،ناهيك عن كون الاصطلاح مرتبط رأسا بالحاجة إليه أثناء الاختراع أو اكتشاف الحقائق العلمية،يقول المزيني :"إن المصطلح وليد مهارة التخيل والإبداع عند واضعه ، وليس وليد شروط لغوية معينة تلزم باقتراحه بدل غيره"[15]، ولنا فيما عرضه عبد الملك مرتاض في كتابه "نظرية القراءة" الشاهد الحيَ على ما نقول إذ لم يكتف بنبذ ما هو شائع من مصطلحات لسانية متداولة في ميدان اللسانيات وتحليل الخطاب بل راح يضع بدائل عنها مثل : السيمائية وجمعها السيمائيات عوضا عن السيميائية والسيمياء[16]، والسمة بمعنى (signe) عوضا عن الدليل ، والمماثل عوضا عن الأيقون والشعريات قياسا على اللسانيات بدلا عن الشعرية في مقابل المصطلح الأجنبي (la poetique) ذلك إن الشعريات نشاط نقدي يسعى إلى فهم وظيفة الكتابة الشعرية بينما تعني الشعرية جملة المواصفات التي تتلمس في نص شعري ما [17]، والتقويضية بدلا عن التفكيكية [18] ، 3- ضعف الاتصال الثقافي بين الأقطار العربية وواقع التبادل العلمي الجامعي العربي شاهد حي على هذه الوضعية، وهذا ما يمكن أن نسمه بالنعرة القطرية الضيقة[19]. 4- غياب المرجعية العلمية في اللسانيات إذ يفترض وجودها باعتبارها تقليدا راسخا في الحضارات الأخرى، واعتقاد البعض أن القواميس المصطلحية المتخصصة يمكن أن تحل محل هذه المرجعية العلمية، وهذا التصور علته عدم فهم الغاية من صناعة المعجمات[20]. 5-غياب سياسة لغوية شاملة ، وتخطيط علمي يضع ضمن أهم اهتماماته توحيد الخطاب اللساني العربي في مستوى تداول النظريات والمصطلحات[21]، ولعل أهم خطوة عملية في سبيل حل هذه المشكلة دعوة الجامعات والأفراد إلى تسويق جهودهم العلمية في ميدان المصطلح اللساني التداولي بخاصة واللساني بعامة عبر شبكةالانترنيت الدولية ، أو من خلال استحداث بنوك معلوماتية تتيح للدارسين الإطلاع على ما جد من كتابات وابتكارات اصطلاحية تفي بتلافي التكرار والتعددية السلبية. 6 - اعتباطية العمل عند الكثير من اللغويين ، أي عدم خضوعه لضوابط علمية ، وذلك بعدم مراعاته لمعطيات العلوم اللسانية الحديثة بصفة خاصة ، ومنهجية العلوم الاجتماعية بصفة عامة . 7 - حرفيته ، أي اقتصاره على البحوث الفردية ، التي هي أشبه شيء بالصناعات التقليدية يعتمد فيه على المعالجة اليدوية كالنظر الجزئي في القواميس والاقتصار على جرد العديد من المعلومات بالأيدي العزلاء ، بالإضافة إلى عدم شموليته بعدم الرجوع إلى كل المصادر العربية التي يمكن الاستقاء منها بخاصة المخطوط منها ،وجميع المراجع الأجنبية التي يمكن استغلالها لتحديد المفاهيم الحديثة ([22]) . 8 - اتساع المجال المعرفي للسانيات في توجهاتها النصية والتواصلية وتعدد مستوياتها وفروعها ، وما يفرضه ذلك على المصطلح من تعدد وجوه الاستعمال ، والدخول في مجالات بعيدة عن مركز الاختصاص في اللغة ، على عكس العلوم الأخرى التي ما فتئت تضيق من مجالاتها ، وتحدث علوما فرعية مشتقة منها[23] . المصطلح اللساني و مشكلات الترجمة والوضع لقد كان لحركة الترجمة التي ظهرت بوادرها في المجال اللساني مع الأربعينات من القرن المنصرم آثار سلبية على نمو المصطلح اللساني ووضوحه في الكتابة اللسانية العربية بعامة والكتابة التداولية بخاصة ، ولعل من المشكلات الأساسة التي عاناها المصطلح في أطوار تشكله الزخم الهائل من الألفاظ المصطلح عليها من لدن الأفراد غالبا وأحيانا من طرف بعض المؤسسات العلمية التي لم تكتسب شرعيتها الكافية تلبية للحاجة العلمية الملحة نحو تحديد المفاهيم اللسانية الحديثة والمتجددة في اللسانيات الغربية بشقيها الأوربي والأمريكي ،مما يعكس تعدد المشارب المدرسية والنزعات الفكرية التي تجتذب المصطلح يمنة ويسرة فينشأ المصطلح اللساني في وسط ألماني ثم ينمو ويترعرع في أماكن أخرى فرنسية أو إنجليزية أو روسية تضفي عليه ضلالا جديدة من التحديد المفهومي غير تلك التي اكتسبها أثناء ولادته الأولى ، ناهيك عن سرعة تطور المعرفة اللسانية المعاصرة ، وتشعب قضاياها المعرفية والتطبيقية إلى درجة يعجز فيها المفكر العربي التابع على مواكبة المستجدات ، فينحرف به المسار إلى مناقشة جدوى الأخذ بهذه المعرفة أو تركها ، كما أن تراكب الأدوات التعريفية والمفردات الاصطلاحية يثيرا مشكلات جمة على صعيد الوضع الاصطلاحي نفسه ،كل ذلك قد تضافر، فعقّد المصطلح اللساني بعامة ،والتداولي بخاصة ، فجعله إلى الاستعصاء والتخالف أقرب إلى التسوية والتماثل ([24]) ، وربما وقفت هذه المشكلات في نظر الواصف للكتابة اللسانية العربية أمام كفاية العلم الإنتاجية ، وتزداد المشكلة تعقيدا إذا ما حاول الباحث تشريحها في العملية التعليمية ، فالخطاب التعليمي في الجامعات العربية يشهدا مأساة في تلقين اللسانيات وفروعها ، تزداد المأساة عمقا بتشعب تفاصيل المعرفة نحو التداوليات والسيميائيات والأسلوبيات وتحليل الخطاب واللسانيات النصية وغيرها فترجمة المصطلح اللساني بعامة والتداولي بخاصة في نمو متزايد من حيث الكم والتعدد[25] إلى درجة يمكن أن ننعت بها هذا المشهد بكونه حالة من البربرية اللغوية [26] غير أن ما يمكن الزعم به كونها نشأت نشأة عشوائية فردية ، بحيث يقترح كل باحث بشكل فردي قائمة المصطلحات دون أن يعتمد في ذلك طريقة علمية مدروسة ، معتمدا حدسه الشخصي والرجوع إلى المعجمات اللغوية ، التي لا تقدم إليه سوى جانبا لغويا محضا من الكلمة ، ذلك أن المصطلحات العلمية تتحدد دلالتها وعباراتها في إطار نظرية متكاملة، وهي لا تظهر إلا بوصفها عناصر متكاملة للنظرية ، ومن ثم، فإن المصطلح الذي يكوّنه ذلك التخصص هو جزء من منظومة اصطلاحية كاملة ([27]) . نشأة المصطلح التداولي في الخطاب اللساني العربي الحديث غني عن الذكر أن يشار إلى أن نشأة المصطلح اللساني العربي تعود إلى أيام رفاعة رافع الطهطاوي ، ثم شق طريقه نحو التطور والتجذر في الساحة العلمية العربية، فظهرت الدراسات المستفيضة التي تبتغي معالجة مسائل توليده وتشكيله وآليات توظيفه في البحث العلمي والعملية التعليمية[28]،ثم طفقت الدراسات اللسانيات في المشرق العربي ومغربه تتعدد وتتكاثر مشكلة ملامح خطاب لساني عربي تمهيدي يعرف باللسانيات موضوعا وعلما مستقلا ، ومع هذه النشأة توالدت من رحم الكتابة اللسانية العربية مئات المصطلحات اللسانية حاولت الجهود المعجمية الفردية والمؤسساتية استيعابها من خلال عشرات المعاجم المتخصصة في المصطلح اللساني[29]،هذا وقد شقت هذه المصطلحات طريقها في عباب الاختلافات المذهبية والنظريات المختلفة التي توسلت اللغة موضوعا للدراسة من نواحيها الشكلية والوظيفية ، وفي هذا السياق الوظيفي الذي يعطي للبعد الاستخدامي التداولي الأهمية في حركية اللغة نشأ المصطلح التداولي بكل حمولاته المعرفية والفلسفية والإجرائية متأثرا بالمصطلح التداولي الغربي الذي نشأ بين أحضان الفلسفة الوضعية التحليلية في إكسفورد ثم شق سبيله نحو معانقة اللغة في مظهرها العادي ، معبرا عن أهم المفاهيم التي تصف كيفية استخدام المتكلمين للعلامة اللغوية قصد التعبير عن أفكارهم والتأثير في المستمعين[30].وفي الثقافة اللسانية العربية المعاصرة يرجع الفضل في تشكيل وتمكين مصطلح التداولية مصطلحا دالا على العلم (la pragmatique) إلى المفكر المغربي طه عبد الرحمن في بداية السبعينات من القرن المنصرم مفضلا إياه على الترجمة الحرفية التي ظهرت في بعض الكتابات العربية[31].لقد اختلف الدارسون في تحديد المصطلح الرئيس الدال على هذا المجال العلمي من اللسانيات الحديثة أي (اللسانيات التداولية) ، فقد وردت مصطلحات مختلفة في دراسات أساسية تعرف بهذا الموضوع أي (pragmatics) أو ( pragmatique)، مثل :التداولية ، التداوليات ، الذرعية ، الذرائعية ، مذهب الذرائع ، النفعية ، المقاميية ، السياقية ، البراغماتية ، البراجماتية[32] ، البراغماتكس ، البراغماتزم ، البراكماتية[33] وعلم التخاطب و دراسة استعمالية [34]غيرها ، وربما قاد هذا الاختلاف الاصطلاحي إلى الانصراف عن مضمون هذا المجال العلمي من حيث موضوعه وإشكالاته البحثية، وعلاقته بالدرس اللساني المعاصر، وما يمكن أن يفاد منه في دراسة التراث العربي ، وتحليل الخطاب لقد سلك كثير من الدارسين في مقابلتهم للمصطلح اللساني التداولي منهجا واحدا بقوم على كتابة المصطلح الأجنبي الإنجليزي أو الفرنسي بالحروف الغربية مقترنا بالترجمة المقترحة ،من مثل ما يلاحظ في ترجمة سعيد حسن بحيري لكتاب فان دايك ، علم النص ، مدخل متداخل الاختصاصات [35] اضطراب الدلالة الاصطلاحية لو جاز لنا التغاضي عن المشكلة الاصطلاحية في مستواها اللفظي فإنه لا يجوز لنا ذلك حينما يتصل الأمر باضطراب الدلالة التي يشير إليها المصطلح[36] ، وما ذاك الاضطراب إلا لعدم التمييز أحيانا كثيرة بين المعنى المعجمي الوضعي والمعنى الاصطلاحي المؤطر بالسياق ،وهذا بالاعتماد على ما تقدمه المعاجم العامة من تحديدات مفهومية عامة غير مؤطرة بأسباب استعمال المفهوم ثقافيا وعلميا[37] ،ومن الاضطراب الذي يلحق الدلالة الاصطلاحية ما ينجم بسبب اللجوء إلى التعبير عن المصطلح بجملة بدل وضع لفظة واحدة مما يعني الإبقاء على المصطلح الأجنبي في الاستعمال، ومن أمثلة العبارات الشارحة المفسرة لدلالة المصطلح التداولي الأجنبي ما وضع بإزاء مصطلح (acte perlocutoire) عمل التأثير بالقول[38]،والفعل الاستلزامي عند بحيري و لازم فعل الكلام[39] ، ويشاركه في هذه الترجمة عبد القادر قنيني في ترجمته لكتاب "النص والسياق" لفان دايك[40]،وما وضع بإزاء المصطلحات الدالة على الفعل اللغوي عند أوستين،(verdictifs) الأفعال الدالة على الحكم و(exercitifs) الأفعال الدالة على الممارسة و(commissifs) الأفعال الدالة على الوعد و(conductifs) الأفعال الدالة على السيرة[41] ناهيك عن غرابة مصطلحيالممارسة والسيرة في الاستعمال اللساني العربي في سياق التعريف بنظرية أوستين.ومن الجونب المتصلة باضطراب الدلالة الاصطلاحية الخلط بين الوضع الاصطلاحي القديم وما يشي به من معنى خاص والوضع الاصطلاحي المحدث في ميدان اللسانيات بعامة والتداوليات بخاصة ، وليس أدل على هذا الخلط من محاولة الجمع بين مفهوم الإنشاء في التراث العربي والفعل الإنشائي بالرغم من اختلاف الأسس الفلسفية التي أقيم عليها كلا النظرين مما يعلمه كثير من الدارسين ، وفي هذا السياق يظهر مصطلح نظرية الإنشاء مقابلا للمصطلح الأجنبي (la theorie des performatifs) ومصطلحا الإنشاء الصريح(performatif explicite) و الإنشاء الأولي( performatif primaire)[42]،وفي هذا السياق لابد من يشار إلى أن محاولة الربط بين المصطلح التراثي ونظيره الأجنبي في الرؤية العامة والاستخدام ممكن لمن توضحت لديه الفروق السياقية المؤطرة لفعل النشأة المصطلحية[43] ، واتساقا مع هذه الرؤية نفسها يمكن الاستئناس بما ذهب إليه مصطفى غلفان من أن وضع المصطلح يقتضي بالضرورة الرجوع إلى السياق الطبيعي الذي وردت فيه ضمن إطار نظرية لسانية معينة [44]،وعلى صعيد آخر تجدر الإشارة إلى وجود نوع من التداخل المصطلحي في الثقافة اللسانية الغربية نفسها إذ يبدو أن مصطلحات تداولية مهمة لم يقع اتفاق على ترجمتها في اللغات الأوربية ذاتها فقد اختلف اللغويون في فرنسا في ترجمة المصطلح الإنجليزي (speech acts) إذ ظهرت مقبلات متعددة مثل: (les actes de langage) و(les actes de parole) و (les actes de discourse) ونجم عن ذلك تعدد في ترجمة هذه المصطلحات إلى العربية فقد ترجمت على التوالي إلى : أفعال لغوية ، أفعال كلامية ، أفعال خطابية ، أعمال لغوية ، أعمال كلامية ، أعمال خطابية[45]،ويذهب بعض الدارسين العرب إلى إمكان استعمال الأعمال القولية والأعمال الكلامية[46]. إن نظرة عابرة في بعض الكتابات اللسانية العربية التي عنيت بالتعريف بالفكر التداولي وقضاياه الراهنة تكشف عن تعددية في استعمال المصطلح في المستوى اللفظي ، والمضموني كذلك ، والجدول التالي يصف هذه الصورة[47]: المقابل العربي المصطلح الأجنبي تداولية ، نفعية ، براجماتية، براكمتية، سياقية ، مقامية ،علم المقاصد، دراسة استعمالية ،ذريعيات[48] ، تداوليات ، علم اللغة الذرعي[49] ، علم اللغة الذرائعي ، مذهب الذرائع ، اللسانيات التداولية. Pragmatique/Pragmatics-Pragmatik فعل كلامي – عمل كلامي-فعل لغوي[50]- عمل لغوي-عمل قولي[51] Act de Parole-act de langage- إنشائي- إنجازي- إيقاعي- فعل الإنشاء- فعل أدائي_ فعل إخباري[52] performatif تأثير بالقول- تأثيري- العمل اللاقولي- فعل التأثير Perlocutoire تسجيلي constatif حديث- كلام Parole لا قولي – متضمن في القول Illocutoire مفهم Conceptualiser مضمر القول- Sousentendu العمل القولي Acte locutoire البعد الذرائعي pragmatitien usage استعمال[53] Presupposition الافتراض المسبق verdictifs الأفعال الدالة على الحكم- الحكميات exercitife الأفعال الدالة على الممارسة-الإيقاعيات- الإنفاذيات commissifs الأفعال الدالة على الوعد- الوعديات conductifs الأفعال الدالة على السيرة- السلوكيات L acte de locution عمل القول- فعل القول Acte d illocution عمل مقصود بالقول Acte de perlocution عمل التأثير بالقول- الناتج عن القول Enunciation فعل القول[54] التبيينيات Assertives التقريريات Directives الأمريات- الطلبيات declaratives الإيقاعيات expressives البوحيات[55] Argumentation theorie نظرية الحجاج[56]- الحجاج Argumentation استدلال -احتجاج[57] الخاتمة إن الحاجة إلى توحيد المصطلح أصبحت ملحة إلى أقصى درجاتها، بخاصة ونحن في عصر الإنترنيت ، وهو ما من شأنه تسهيل الاتصال وبناء الروابط بين اللسانيين والمترجمين العرب ليتبادلوا تجاربهم في هذا المجال ، وهو ما من شأنه تقليص الفوارق والاختلاف ، على أننا نشايع من ذهب إلى أن وضع المصطلح بعامة واللساني منه بخاصة ليس رهين مواصفات مواضعاتية معينة بل هو خاضع للاستعمال العادي للغة في تعبيرها عن المفاهيم العلمية بكل سلاسة وطلاقة لا يجيدها كثير من اللغويين ، أن ما أدى إلى انتشار اللغة العربية في عصرها الذهبي ليس مرده إلى تسامح معجمها اللغوي مع كل لفظة جديدة فحسب بل للريادة العلمية والعملية التي كانت للحضارة الإسلامية في ذلك الزمان. الهوامش والإحالات: [1] - الجاحظ ، الحيوان ، ج 5 ص 289 . [2] - عبد السلام المسدي ، قاموس اللسانيات ، الدار العربية للكتاب ، تونس ، ليبيا ، 1984 ، ص 11،وانظر إدريس الطراح ، تحديد مفهوم المصطلح ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ، إعداد عز الدين البوشيخي ومحمد الوادي ، سلسلة الندوات ، جامعة مولاي إسماعيل ، مكناس ، المغرب ، 12 ، 2000 ، 1/91. [3] - محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، ص11 وانظر مصطفى طاهر الحيادرة ، من قضايا المصطلح اللغوي العربي، ص13 وعبد الرحمن بن حسن العارف ، في المصطلح اللغوي عند تمام حسان ، مجلة علوم اللغة ، العدد الأول ، مجلد 10 ، 2007 مطبوعات دار غريب ، مصر، ص11 . [4] - أحمد يوسف ، اللسانيات وواقع اللغة العربية ، ص 258 . [5] - صالح الكشو ، مدخل في اللسانيات ، الدار العربية للكتاب ، تونس - ليبيا ، 1985 ، ص 05 [6] - صالح القرمادي ، مقدمة ترجمة كتاب "دروس في الألسنية العامة "لسوسير، الدار العربية للكتاب تونس - ليبيا ، 1985 ، ص 08 . [7] - عبد الرحمن الحاج صالح ، اللغة العربية وتحديات العصر في البحث اللغوي وترقية اللغات ، ص 25. [8] - أحمد محمد قدور ، من أثر اللسانيات في الدرس اللغوي العربي ومناهجه ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية ، الكويت ، عدد27 ، مجلد 7 ، صيف 1987 ، ص158 و167.وانظر أحمد محمد قدور ، اللسانيات وآفاق الدرس اللغوي ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ودار الفكر ، دمشق ، ط1 ، 2001، ص15. [9] - انظر على التوالي الأعمال التالية ، سمير ستيتية ، نحو معجم لساني شامل موحد، مجلة أبحاث اليرموك ،جامعة اليرموك ، إربد ،عدد2 ، مجلد ،10، سنة 1992، ص143 -193وأحمد مختار عمر ، المصطلح اللسني وضبط المنهجية ، مجلة عالم الفكر ، الكويت ، عدد3 ، مجلد 20،1989،ص5-24 ومازن الوعر ، أزمة اللسانيات واللسانيين في الوطن العربي ، مجلة المعرفة ، دمشق ، العدد251، 1983 ، ص52-108 وانظر محمد رشاد الحمزاوي ، مشاكل وضع المصطلحات اللغوية ، أشغال ندوة اللسانيات ، تونس ، 1981 ، ص259 وعبد السلام المسدي ، قاموس اللسانيات ، ص11-96.هذا ولا ننس جهود اللغويين الأوائل من جيل الرواد أمثال محمود السعران وكمال بشر وعبد الصبور شاهين فقد كانت لهم جهودهم المشهودة في وضع المصطلح والدفع به نحو النضج والتطور . [10] - تمام حسان ، مقالات في اللغة والأدب ، 2-330-332 [11] - انظر تعليقه على كلام محمد رشاد الحمزازي في كتابه التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، كتاب الرياض ، 125 ، مؤسسة اليمامة الصحفية ، 2004 ، ص204 [12] - محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، ص226 ومحمد رشاد الحمزاوي ، مشاكل وضع المصطلحات اللغوية ، ص265،وانظر حمزة بن قبلان المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص206-207، وانظر في أهمية الاستعارة في بناء المصطلح :Anne Eisenberg,****phor in the ******** of science,scientific American,vol.266,no.5,May,1992,p95 [13] - يمكن التمثيل في هذا السياق بترجمتين مختلفتين لمصطلح واحد في الدرس السيميائي المعاصر وهو (Narataire)الذي ترجمه عبد الملك مرتاض بالمتلقي أو المسرود له وترجمه محمد أديوان بالراوي فأيهما أصح بالنسبة للقارئ العادي؟ ، انظر عبد الملك مرتاض ، نظرية القراءة ، ص168 وانظر محمد أديوان ،الفكر العربي المعاصر ، عدد60-61 ، بيروت ، 1989 [14] - أحمد محمد قدور ، اللسانيات وآفاق الدرس اللغوي ، ص27ربما ما حمل على هذه الاجتهادات دقة المصطلح الأجنبي الذي لم تستطع اللغة المترجم إليها استيعابه لعدم كفايتها الدلالية في هذا الجانب في الوقت الراهن ، انظر محمود السعران ، علم اللغة ، ص26. [15] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي ، ص209 [16] - يذهب مرتاض إلى أن الكلام العربي كما هو غيره قائم على التيسير في النطق والاقتصاد وكثيرا ما يسكن الناطق العربي الأول الميم فيجمع بين ساكنين لطول الكلمة المذكورة والتي لم يؤت منها في العربية إلا بثلاثة أمثلة ، انظر نظرية القراءة ، ، تأسيس للنظرية العامة للقراءة الأدبية ، دار الغرب للنشر والتوزيع ، 2003 ، ص32 [17] - عبد الملك مرتاض ، نظرية القراءة ن ص170. [18] - المرجع نفسه ، ص206 ويذهب في هذا السياق إلى أن مصطلح التقويض هو الأكثر دلالة على أصل المعنى الفلسفي عند جاك دريدا فهو تقويض يعقبه بناء على أنقاضه بينما تدل كلمة التفكيكية على عزل قطع جهاز عن بعضها البعض دون إيذائها كتفكيك قطع محرك ، والخيمة في العربية تطب إذا بنيت وتقوض إذا أسقطت أعمدتها [19] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص214 [20] - المرجع نفسه ، ص216 [21] - في قضية تعريب المصطلح والدعوة إلى توحيده يمكن مراجعة عباس الصوري ، بين التعريب والتوحيد ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ن 1/99 وما بعدها . [22] - عبد الرحمن الحاج صالح ، اللغة العربية وتحديات العصر ، ص 25 - 26 .وانظر أيضا أمينة فنان ، من قضايا توليد المصطلح ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ، 1/68 [23] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص217 [24] - عبد السلام المسدي ، قاموس اللسانيات ، ص 55 . [25] - يمكن الرجوع في سياق مشابه إلى عبد الرحيم الرحموني ، من قضايا ترجمة المصطلح الأدبي ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ، 2/21 [26] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص218 نقلا عن مقالة ليندا هيتشيون [27] - محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ( د . ت ) ، ص 13 . [28] - عبد الرحمن بن حسن العرف ، في المصطلح اللغوي عند الدكتور تمام حسان ، ص11 [29] - محمد حلمي هليل ، دراسة تقويمية لحصبلة المصطلح اللساني في الوطن العربي ،ضمن ندوة تقدم اللسانيات في الأقطار العربية ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1991 ص 287. [30] - المصطلح التداولي مدين في نشاته للبراغماتية ونظرية أفعال الكلام التي ظهرت على يد وليام جيمس وشارل موريس وشارل سندريس بيرس ثم أوستين وسيريل وكارناب ولودفيج فتجنشتين ، وتعني التداولية (Pragmatique) دراسة استعمال اللغة في الخطاب ، شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابية فهي إذن تهتم بالمعنى كالدلالية وبعض الأشكال اللسانية التي لا يتحدد معناها إلا من خلال استعمالها ،وعرفها " فرانسيس جاك (f.jak" بقوله : ”تتطرق التداولية إلى اللغة الخطابية والتواصلية والاجتماعية معا “ ،فاللغة استعمال بين شخصين للعلامات استنادا إلى قواعد موزعة تخضع لشروط إمكانية الخطاب ، وفي الدرس النقدي العربي يعرفها صلاح فضل بأنها ذلك الفرع العلمي المتكون من مجموعة العلوم اللغوية التي تختص بتحليل عمليات الكلام بصفة خاصة، ووظائف الأقوال اللغوية وخصائصها خلال إجراءات التواصل بشكل عام،فاللسانيات التداولية تخصص لساني يدرس العلاقة بين مستخدمي الأدلة اللغوية (المرسل، المرسل إليه) وعلاقات التأثر والتأثير بينهما في ضوء ما ينتجانه من تحاور متصل، مما يعنى كونها علما تلفيقيا أو موسوعيا يجمع بين اختصاصات متعددة ، فليست التداولية بهذه المفاهيم المتعددة علما لسانيا صرفا يقف عند البنية الظاهرة للغة بل هي على ما يؤكده جاك موشلار(J.Mochlar) علم جديد للتواصل يسنح بوصف و تحليل وبناء إستراتجيات التخاطب اليومي والمتخصص بين المتكلمين في ظروف مختلفة . [31] - استخدم هذا المصطلح سنة1970للدلالة على البراكسيس(praxis) ،ولهذا المصطلح مقابلات عربية أخرى أقل شهرة في نظرنا مثل الذرائعية والنفعية والتخاطبية والمقاماتية والوظائفية لما يتضمنه مصطلح تداول من دلالة على التفاعل والواقعية والممارسة والتعالق وكلها معان يسعى هذا العلم إلى استكشافها في نظام اللغة واستعمالها، أما المعنى المعجمي للتداولية فهو الانتقال من حال إلى أخرى، يقال دال يدول دوْلا و أدال الشيء جعله متداولا،وتداولت الأيدي الشيء، أخذته مرة تلو مرة ،انظر ابن منظور ، لسان العرب ، مادة دول. [32] - من صور المقابلات الفضفاضة لهذا المصطلح ما وجدناه في كتاب اللسانيات وآفاق الدرس اللغوي ،ص 34 من شرح للمصطلح بعبارة وصفية هي الحاجات العملية . [33] - نخبة من الباحثين ، معجم مصطلحات علم اللغة الحديث ، مكتبة لبنان ناشرون ، ص70 [34] - المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات ، المنظمة العربية للتربية والثقافة ، تونس ، 1989، ص111، فقد ورد تحت مادة pragmatics دراسة استعمالية ( دراسة كيفية استعمال الناطقين للغة في حالات الخطاب الملموسة [35] - فان دايك ، علم النص ، مدخل متداخل الاختصاصات ، دار القاهرة ، ط1 ، 2001 ، ص415 وغيرها [36] - لا يرى كثير من الدارسين العرب في المقابل أي أزمة لسانية نتيجة تعدد المصطلحات الدالة ،مرجعين ذلك إلى سمة تمتاز بها اللغات الحية التي إنشاء ألفاظ جديدة كثيرة كل يوم في كل حقل من حقول المعرفة ، انظر عبد الملك مرتاض ، نظرية القراءة ، هامش ص 208. [37] - سمير ستيتية ، نحو معجم لغوي شامل موحد ، ص164. [38] - فيليب بلانشيه ، التداولية من أوستين إلى غوفمان ، ترجمة صابر الحباشة ، دار الحوار ، سوريا ، ط1 ، 2007 ، ص48 وانظر خالد ميلاد ، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة ، دراسة نحوية تداولية ،المؤسسة العربية للطباعة والنشر ، تونس ، ط1 ، 2001 ، ص499. [39] - كلاوس برينكر ، التحليل اللغوي للنصوص ، مدخل إلى المفاهيم الأساسية والمناهج ، ترجمة سعيد حسن بحيري ، شركة المختار للنشر ، ط1 ، سنة 2005 ، ص207 وانظر فان دايك ، علم النص ، مدخل متداخل الاختصاصات ، ص415. [40] - فان دايك ، النص والسياق ، استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي ، ترجمة عبد القادر قنيني ، إفريقيا الشرق ، المغرب ، 2000، ص342، كما ترجم مصطلح (macro-action) بفعل كلي شامل فسوى بين الوظيفة والفعل في ترجمة هذا المصطلح بحسب ما يظهر . [41] - الجيلالي دلاش ، مدخل إلى اللسانيات التداولية ، ترجمة محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، سنة 1992 ، ص25 [42] - خالد ميلاد ، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة ، ص498 [43] - انظر تفصيلا حمزة بن قبلان المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص 217 -220. [44] - مصطفى غلفان ، المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات ، أي مصطلحات لأي لسانيات ؟ مجلة اللسان العربي ، العدد46 ، 1419 -1998، ص159 . [45] - المرجع نفسه ، ص499 ويذهب الباحث في هذا السياق إلى تغليب كونها أعمالا لغوية فالإثبات والنهي والتعجب والوعد معان لغوية لاوجود لها في الواقع الشيئي ،إنها أعمال تنجز في اللغة وباللغة ، ويبدو أن نسبتها للغة أو الكلام كان نتاجا للتمييز السوسيري بين ماهو لغوي وما هو كلامي . [46] - عبد القادر قنيني ، نظرية أفعال الكلام العامة ، سنة 1991 [47] - راجع هذه المصطلحات عند أصحابها في فيليب بلانشييه ، التداولية من أوستن إلى غوفمان ، ترجمة صابر الحباشة ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، سوريا ، ط1 ، 2007 ،ص 48 و209 وانظر الجيلالي دلاش ، مدخل إلى اللسانيات التداولية ، ترجمة محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، سنة 1992 ، ص25 [48] - عبد القادر الفاسي الفهري ، اللسانيات واللغة العربية ، منشورات عويدات ، بيروت ، باريس ، دار توبقال، المغرب ،ط1 ، 1986،ص433 [49] - فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر ن مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجم فالح بن شبيب العجمي ن منشورات جامعة الملك سعود ، ص421 وغيرها [50] - المرجع نفسه ، ص400 وانظر ترجمة بحيري للكتاب نفسه فهو يستعمل مصطلحين للدلالة على المفهوم نفسه : الفعل اللغوي والفعل الكلامي ، انظر مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجمة بحيري ، مكتبة زهراء الشرق ، ط1 ، 2004 ، ص369. [51] - راجع نظرية أفعال الكلام العامة ، ترجمة عبد القادر قنيني ، 1991 وطالب هاشم طبطبائي، نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب ، مطبوعات جامعة الكويت ، 1994، [52] - محمود نحلة ، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ، دار المعرفة الجامعية ، ط1 ، سنة 2002 ، ص44 [53] - جان كلود **** ، السيميائية ، مدرسة باريس ، ترجمة رشيد بن مالك ، دار الغرب الجزائرية ، 2003 . [54] - وردت هذه الترجمة في كتاب خالد ميلاد ، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة ، دراسة نحوية تداولية ، ص499 [55] - طالب هاشم طبطبائي ، نظرية الأفعال الكلامية ، ص10 [56] - فان دايك ، علم النص ، ترجمة سعيد حسن بحيري ، ص415 [57] - فان دايك ، النص والسياق ، ترجمة عبد القادر قنيني ، ص420 - مجلة علوم انسانية - المشاهدات:2578
https://brahmiblogspotcom.blogspot.co...post_2949.html









 


رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 11:38   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

13 مايو, 2011
العضو
lamiaken
الكتابة اللسانية العربية وإشكاليات المصطلح التداولي
الكتابة اللسانية العربية وإشكاليات المصطلح التداولي ------------------------------------------------------------------------------------ د. نعمان بوقرة جامعة الملك سعود- الرياض- المملكة العربية السعودية - البريد الإلكتروني حذف من قبل الإدارة (غير مسموح بكتابة البريد) - ------------------------------------------------------------------------------------ قال الجاحظ: « لا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة ، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها حتى يكون فيهما سواء وغاية (...) ، وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق والعلماء به أقل كان أشد على المترجم وأجدر أن يخطئ فيه ، ولن تجد البتة مترجما يفي بواحد من هؤلاء من العلماء » ([1]). توطئة لقد أثمر الفكر التداولي الحديث في سياق التطور النظري للسانيات والفلسفة الحديثة ، وبتفاعل معرفي ومنهجي مع المسألة الأدبية وقضايا تحليل الخطاب ثلة من المصطلحات والمفاهيم التي تسارع نموها وانتشارها في الأوساط البحثية الغربية، حتى أضحى تعددها وتداخلها من أخص خصائص الفكر العلمي الحديث في تجلياته العولمية، وكان لهذا المشهد أثره في توجيه الكتابة اللسانية العربية في البعد التداولي في مستوى عرض النظريات والتمثيل لها من اللغة العربية، أو على الصعيد التعليمي الذي حاول استيعاب المعرفة اللسانية الحديثة وتبسيطها للقارئ العربي، وجريا وراء هذه الغاية كان لابد من السعي إلى تذليل العقبة الاصطلاحية التي أدت أحيانا إلى سوء فهم وعرض للمفاهيم الأساسية التي تعد مداخل بنائية للمعارف، وربما تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على بعض جوانب المشكلة من خلال عرضها وتحليلها لعينة من المصطلحات التداولية المستعملة باطراد أو بشذوذ عند رواد الكتابة اللسانية التداولية العرب ، من أمثال: طه عبد الرحمن ، ، ومحمد الشاوش، وفالح العجمي،وأحمد المتوكل، والحواس مسعودي ،و خولة طالب الإبراهيمي وغيرهم ناهيك عن إمكانية الانخراط في توصيف ما قدمه بعض المترجمين العرب الذين قدموا أعمالا غربية إلى القارئ العربي، من أمثال محمد لطفي الزليطني، وأحمد نور عوض وغيرهما ، وهذا بالتركيز على أسس الوضع الاصطلاحي، ومشكلات الفهم المترتبة عن الفوضى الاصطلاحية التي تميز بها الكتابة اللسانية العربية في وضعا الراهن. لسانيات العربية ومشكلة المصطلح إن الخطوة الأساسية لأي نظام معرفي تتمثل في تحديد موضوعات المعرفة فيه ، مما يعني السعي إلى تحديد الحدود والتعريفات المرتبطة بذلك النظام وصياغتها في قوالب مصطلحية ، تعد مفاتيح العلم المقربة لقضاياه ونظرياته ، فالمصطلحات مجامع للحقائق المعرفية وعنوان ما به تتميز كل واحدة منها عما سواها ، وليس من مسلك يتوسل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية ([2]) فالمصطلحات من حيث هي مفاهيم مفردة أو عبارات مركبة استقر معناها بالاستخدام تكتسب وجودها الشرعي في بيئتها بمقدار التحديد الذي توسم به فيجعلها تعابير خاصة و ضيقة في دلالتها على الفكرة الواحدة ، فيتحقق لها وضوحها ومن ثم اطّرادها ([3])، هذا وقد عدت اللسانيات بمختلف مجالاتها البحثية الموضوع المفضل بالنسبة إلى المترجمين والنقلة ، فكثرت الأبحاث التعريفية بالعلم والمنتهجة لسبيل التيسير والعرض، وإذا كانت الدراسات اللسانية العربية الحديثة قد بذلت جهدا لا يستهان بها في أقطار عربية من أبرزها منطقة المغرب العربي ولبنان ومصر التي تولت جانب الترجمة والكتابة التعريفية فإن ما بذل من جهود لا يمكن أن يحقق الطموح في نضج هذا العلم ناهيك عن المشاركة الفعلية في إثرائه فلم نتعد بعد إطار التعليم وتقريب العلم واكتشافه ،وعقد الصلة الحميمة بينه وبين المثقف العربي لكي يتذوق هذا العلم الحديث ويلم به ([4]).لقد أدرك اللسانيون العرب المحدثون أهمية هذا العلم وضرورة الإلمام بأسبابه إلماما واسعا والإحاطة بنتائجه إحاطة شاملة بغية تقويم العمل اللغوي العربي القديم ([5]) ، ولهذا لم يتوانوا في التعريف بهذا العلم والقيام بترجمة المؤلفات اللسانية المهمة ، فالاهتمام بالألسنية في العالم العربي بصورة عامة أمر حديث العهد نسبيا ، إذ لا نكاد نجد منه أمرا يذكر قبيل الستينيات سواء في ميدان التدريس أو البحث ([6])، وفي السياق ذاته يقدم عبد الرحمن الحاج صالح وصفا للحالة اللسانية العربية فيقول : » يتصف البحث العلمي في اللغة العربية في زماننا هذا بصفات جد سلبية، بالإضافة إلى ما يعرفه العصر من تكنولوجيا حديثة تطبق على البحوث اللغوية بنجاح تام في البلدان الراقية ، ويعرف كل واحد البطء الذي يسير به وضع المصطلحات وإقرارها وحرفية هذا العمل وفرديته ومشكل ذيوع هذه المصطلحات في الاستعمال « ([7]) .وفي هذا السياق التعريفي كثرت المصطلحات اللسانية في ميدان بسط المفاهيم المحدثة في هذا العلم الغض في ثقافتنا اللغوية المعاصرة إذ لا يتجاوز عمره في كثير من البلاد العربية عشرين سنة[8] وفي بعضها الخمسين مثل مصر وبلدان المغرب العربي،وكان لهذه التعددية الاصطلاحية المرتبطة رأسا بتعددية المصدر والاستمداد أثرها في المستوى التطبيقي، فاختلفت أنظار الباحثين في سياق استثمار المفاهيم اللسانية المحدثة في إعادة وصف اللغة العربية ،ونقد التراث اللغوي والنحوي بشكل خاص، إلى الحد الذي جعل من الفكر اللغوي العربي القديم رهين محابس النظريات الغربية المعاصرة فمرة هو بنوي في عيون أنصار هذا الفكر ومرة هو توليدي وأخرى هو تداولي وظيفي!!، لقد وقع الفكر اللغوي العربي في أزمة هوية الذات، فكان المشكل الاصطلاحي عنوانا ظاهرا لهذا المشهد المرتبك الذي حاول الخطاب اللساني العربي الوصفي التعبير عنه ، مبينا أسبابه ومحاولا اقتراح الحلول ،وهو وصف في نظرنا ثابت لا خلاف حوله إلا في العبارة،ولنا أن ننظر فيما كتبه أحمد مختار عمر وسمير ستيتية و مازن الوعر و عبد الرحمن الحاج صالح وعبد القادر الفاسي الفهري[9] وعبد السلام المسدي وغيرهم ممن سبقهم أو جاء بعدهم سعى إلى مناقشة المسألة الاصطلاحية في اللسانيات بوصفها العقبة الكأداء التي تواجه مشروعية استقرار العلم في المؤسسة العلمية العربية،وفي هذا السياق يذهب تمام حسان إلى أن الذين تصدوا للكتابة اللسانية بعامة ووضع مصطلحاتها بخاصة لم ينتبهوا إلى ضرورة النظر في المحاولات السابقة مما أدى إلى افتقاد شرط العرفية الواجبة للمصطلح ، ومن ثم التشتت والتعدد اللذين يمثلان أكبر خطر يواجه مستقبل العربية[10]،إن هذا التصور على ما يقرره حمزة المزيني يصرف المسألة الحضارية عند العرب من سياقها الحقيقي المتمثل في متابعة الاكتشافات العلمية والمساهمة فيها إلى الغرق في موجة المواضعات الاصطلاحية فتتحول أزمتنا الحضارية إلى أزمة في المصطلح[11]، وبوجه عام يمكن أن ترد المشكلة الاصطلاحية في الخطاب اللساني العربي المعاصر إلى الأسباب الآتية : 1-التحيز اللغوي، وارتباطه بالتعصب المدرسي و الجهوي، وهذا السبب في نظرنا تؤطره عقلية القبيلة التي تهيمن على التفكير والموقف العربي العلمي. 2-مشكلات تتعلق بإجرائية الوضع الاصطلاحي من حيث كيفية التعامل مع المفاهيم المستحدثة في اللسانيات بعامة واللسانيات التداولية بخاصة، ولعل سبب هذه المشكلة بالذات يعود إلى طرائق التوليد الدلالي التي تنماز بها اللغة العربية فقد ألمع الأوائل إلى آليات شتى تتطور بها اللغة مثل الدخيل و الاشتقاق والنقل المجازي والنحت والشرح المعنوي وتعريب المصطلح أو الاقتراض المعجمي أو الاستعارة[12]، وغيرها مما أخذ به المحدثون فظهرت للوجود مترادفات عديدة بإزاء المفهوم الواحد ربما وصلت إلى حد التعارض والتضاد[13] ، وخروجا من هذا المأزق طفق بعض المتحمسين إلى الابتكار الفردي علّهم يقعون على المراد غافلين عن حقيقة مهمة هي أن المطرد في الاستعمال والشائع على الألسنة والدارج في الكتابة أفضل من المبتكر من حيث الجانب الوظيفي بالرغم من سلامة إجراءات وضعه الفنية[14] ،ناهيك عن كون الاصطلاح مرتبط رأسا بالحاجة إليه أثناء الاختراع أو اكتشاف الحقائق العلمية،يقول المزيني :"إن المصطلح وليد مهارة التخيل والإبداع عند واضعه ، وليس وليد شروط لغوية معينة تلزم باقتراحه بدل غيره"[15]، ولنا فيما عرضه عبد الملك مرتاض في كتابه "نظرية القراءة" الشاهد الحيَ على ما نقول إذ لم يكتف بنبذ ما هو شائع من مصطلحات لسانية متداولة في ميدان اللسانيات وتحليل الخطاب بل راح يضع بدائل عنها مثل : السيمائية وجمعها السيمائيات عوضا عن السيميائية والسيمياء[16]، والسمة بمعنى (signe) عوضا عن الدليل ، والمماثل عوضا عن الأيقون والشعريات قياسا على اللسانيات بدلا عن الشعرية في مقابل المصطلح الأجنبي (la poetique) ذلك إن الشعريات نشاط نقدي يسعى إلى فهم وظيفة الكتابة الشعرية بينما تعني الشعرية جملة المواصفات التي تتلمس في نص شعري ما [17]، والتقويضية بدلا عن التفكيكية [18] ، 3- ضعف الاتصال الثقافي بين الأقطار العربية وواقع التبادل العلمي الجامعي العربي شاهد حي على هذه الوضعية، وهذا ما يمكن أن نسمه بالنعرة القطرية الضيقة[19]. 4- غياب المرجعية العلمية في اللسانيات إذ يفترض وجودها باعتبارها تقليدا راسخا في الحضارات الأخرى، واعتقاد البعض أن القواميس المصطلحية المتخصصة يمكن أن تحل محل هذه المرجعية العلمية، وهذا التصور علته عدم فهم الغاية من صناعة المعجمات[20]. 5-غياب سياسة لغوية شاملة ، وتخطيط علمي يضع ضمن أهم اهتماماته توحيد الخطاب اللساني العربي في مستوى تداول النظريات والمصطلحات[21]، ولعل أهم خطوة عملية في سبيل حل هذه المشكلة دعوة الجامعات والأفراد إلى تسويق جهودهم العلمية في ميدان المصطلح اللساني التداولي بخاصة واللساني بعامة عبر شبكةالانترنيت الدولية ، أو من خلال استحداث بنوك معلوماتية تتيح للدارسين الإطلاع على ما جد من كتابات وابتكارات اصطلاحية تفي بتلافي التكرار والتعددية السلبية. 6 - اعتباطية العمل عند الكثير من اللغويين ، أي عدم خضوعه لضوابط علمية ، وذلك بعدم مراعاته لمعطيات العلوم اللسانية الحديثة بصفة خاصة ، ومنهجية العلوم الاجتماعية بصفة عامة . 7 - حرفيته ، أي اقتصاره على البحوث الفردية ، التي هي أشبه شيء بالصناعات التقليدية يعتمد فيه على المعالجة اليدوية كالنظر الجزئي في القواميس والاقتصار على جرد العديد من المعلومات بالأيدي العزلاء ، بالإضافة إلى عدم شموليته بعدم الرجوع إلى كل المصادر العربية التي يمكن الاستقاء منها بخاصة المخطوط منها ،وجميع المراجع الأجنبية التي يمكن استغلالها لتحديد المفاهيم الحديثة ([22]) . 8 - اتساع المجال المعرفي للسانيات في توجهاتها النصية والتواصلية وتعدد مستوياتها وفروعها ، وما يفرضه ذلك على المصطلح من تعدد وجوه الاستعمال ، والدخول في مجالات بعيدة عن مركز الاختصاص في اللغة ، على عكس العلوم الأخرى التي ما فتئت تضيق من مجالاتها ، وتحدث علوما فرعية مشتقة منها[23] . المصطلح اللساني و مشكلات الترجمة والوضع لقد كان لحركة الترجمة التي ظهرت بوادرها في المجال اللساني مع الأربعينات من القرن المنصرم آثار سلبية على نمو المصطلح اللساني ووضوحه في الكتابة اللسانية العربية بعامة والكتابة التداولية بخاصة ، ولعل من المشكلات الأساسة التي عاناها المصطلح في أطوار تشكله الزخم الهائل من الألفاظ المصطلح عليها من لدن الأفراد غالبا وأحيانا من طرف بعض المؤسسات العلمية التي لم تكتسب شرعيتها الكافية تلبية للحاجة العلمية الملحة نحو تحديد المفاهيم اللسانية الحديثة والمتجددة في اللسانيات الغربية بشقيها الأوربي والأمريكي ،مما يعكس تعدد المشارب المدرسية والنزعات الفكرية التي تجتذب المصطلح يمنة ويسرة فينشأ المصطلح اللساني في وسط ألماني ثم ينمو ويترعرع في أماكن أخرى فرنسية أو إنجليزية أو روسية تضفي عليه ضلالا جديدة من التحديد المفهومي غير تلك التي اكتسبها أثناء ولادته الأولى ، ناهيك عن سرعة تطور المعرفة اللسانية المعاصرة ، وتشعب قضاياها المعرفية والتطبيقية إلى درجة يعجز فيها المفكر العربي التابع على مواكبة المستجدات ، فينحرف به المسار إلى مناقشة جدوى الأخذ بهذه المعرفة أو تركها ، كما أن تراكب الأدوات التعريفية والمفردات الاصطلاحية يثيرا مشكلات جمة على صعيد الوضع الاصطلاحي نفسه ،كل ذلك قد تضافر، فعقّد المصطلح اللساني بعامة ،والتداولي بخاصة ، فجعله إلى الاستعصاء والتخالف أقرب إلى التسوية والتماثل ([24]) ، وربما وقفت هذه المشكلات في نظر الواصف للكتابة اللسانية العربية أمام كفاية العلم الإنتاجية ، وتزداد المشكلة تعقيدا إذا ما حاول الباحث تشريحها في العملية التعليمية ، فالخطاب التعليمي في الجامعات العربية يشهدا مأساة في تلقين اللسانيات وفروعها ، تزداد المأساة عمقا بتشعب تفاصيل المعرفة نحو التداوليات والسيميائيات والأسلوبيات وتحليل الخطاب واللسانيات النصية وغيرها فترجمة المصطلح اللساني بعامة والتداولي بخاصة في نمو متزايد من حيث الكم والتعدد[25] إلى درجة يمكن أن ننعت بها هذا المشهد بكونه حالة من البربرية اللغوية [26] غير أن ما يمكن الزعم به كونها نشأت نشأة عشوائية فردية ، بحيث يقترح كل باحث بشكل فردي قائمة المصطلحات دون أن يعتمد في ذلك طريقة علمية مدروسة ، معتمدا حدسه الشخصي والرجوع إلى المعجمات اللغوية ، التي لا تقدم إليه سوى جانبا لغويا محضا من الكلمة ، ذلك أن المصطلحات العلمية تتحدد دلالتها وعباراتها في إطار نظرية متكاملة، وهي لا تظهر إلا بوصفها عناصر متكاملة للنظرية ، ومن ثم، فإن المصطلح الذي يكوّنه ذلك التخصص هو جزء من منظومة اصطلاحية كاملة ([27]) . نشأة المصطلح التداولي في الخطاب اللساني العربي الحديث غني عن الذكر أن يشار إلى أن نشأة المصطلح اللساني العربي تعود إلى أيام رفاعة رافع الطهطاوي ، ثم شق طريقه نحو التطور والتجذر في الساحة العلمية العربية، فظهرت الدراسات المستفيضة التي تبتغي معالجة مسائل توليده وتشكيله وآليات توظيفه في البحث العلمي والعملية التعليمية[28]،ثم طفقت الدراسات اللسانيات في المشرق العربي ومغربه تتعدد وتتكاثر مشكلة ملامح خطاب لساني عربي تمهيدي يعرف باللسانيات موضوعا وعلما مستقلا ، ومع هذه النشأة توالدت من رحم الكتابة اللسانية العربية مئات المصطلحات اللسانية حاولت الجهود المعجمية الفردية والمؤسساتية استيعابها من خلال عشرات المعاجم المتخصصة في المصطلح اللساني[29]،هذا وقد شقت هذه المصطلحات طريقها في عباب الاختلافات المذهبية والنظريات المختلفة التي توسلت اللغة موضوعا للدراسة من نواحيها الشكلية والوظيفية ، وفي هذا السياق الوظيفي الذي يعطي للبعد الاستخدامي التداولي الأهمية في حركية اللغة نشأ المصطلح التداولي بكل حمولاته المعرفية والفلسفية والإجرائية متأثرا بالمصطلح التداولي الغربي الذي نشأ بين أحضان الفلسفة الوضعية التحليلية في إكسفورد ثم شق سبيله نحو معانقة اللغة في مظهرها العادي ، معبرا عن أهم المفاهيم التي تصف كيفية استخدام المتكلمين للعلامة اللغوية قصد التعبير عن أفكارهم والتأثير في المستمعين[30].وفي الثقافة اللسانية العربية المعاصرة يرجع الفضل في تشكيل وتمكين مصطلح التداولية مصطلحا دالا على العلم (la pragmatique) إلى المفكر المغربي طه عبد الرحمن في بداية السبعينات من القرن المنصرم مفضلا إياه على الترجمة الحرفية التي ظهرت في بعض الكتابات العربية[31].لقد اختلف الدارسون في تحديد المصطلح الرئيس الدال على هذا المجال العلمي من اللسانيات الحديثة أي (اللسانيات التداولية) ، فقد وردت مصطلحات مختلفة في دراسات أساسية تعرف بهذا الموضوع أي (pragmatics) أو ( pragmatique)، مثل :التداولية ، التداوليات ، الذرعية ، الذرائعية ، مذهب الذرائع ، النفعية ، المقاميية ، السياقية ، البراغماتية ، البراجماتية[32] ، البراغماتكس ، البراغماتزم ، البراكماتية[33] وعلم التخاطب و دراسة استعمالية [34]غيرها ، وربما قاد هذا الاختلاف الاصطلاحي إلى الانصراف عن مضمون هذا المجال العلمي من حيث موضوعه وإشكالاته البحثية، وعلاقته بالدرس اللساني المعاصر، وما يمكن أن يفاد منه في دراسة التراث العربي ، وتحليل الخطاب لقد سلك كثير من الدارسين في مقابلتهم للمصطلح اللساني التداولي منهجا واحدا بقوم على كتابة المصطلح الأجنبي الإنجليزي أو الفرنسي بالحروف الغربية مقترنا بالترجمة المقترحة ،من مثل ما يلاحظ في ترجمة سعيد حسن بحيري لكتاب فان دايك ، علم النص ، مدخل متداخل الاختصاصات [35] اضطراب الدلالة الاصطلاحية لو جاز لنا التغاضي عن المشكلة الاصطلاحية في مستواها اللفظي فإنه لا يجوز لنا ذلك حينما يتصل الأمر باضطراب الدلالة التي يشير إليها المصطلح[36] ، وما ذاك الاضطراب إلا لعدم التمييز أحيانا كثيرة بين المعنى المعجمي الوضعي والمعنى الاصطلاحي المؤطر بالسياق ،وهذا بالاعتماد على ما تقدمه المعاجم العامة من تحديدات مفهومية عامة غير مؤطرة بأسباب استعمال المفهوم ثقافيا وعلميا[37] ،ومن الاضطراب الذي يلحق الدلالة الاصطلاحية ما ينجم بسبب اللجوء إلى التعبير عن المصطلح بجملة بدل وضع لفظة واحدة مما يعني الإبقاء على المصطلح الأجنبي في الاستعمال، ومن أمثلة العبارات الشارحة المفسرة لدلالة المصطلح التداولي الأجنبي ما وضع بإزاء مصطلح (acte perlocutoire) عمل التأثير بالقول[38]،والفعل الاستلزامي عند بحيري و لازم فعل الكلام[39] ، ويشاركه في هذه الترجمة عبد القادر قنيني في ترجمته لكتاب "النص والسياق" لفان دايك[40]،وما وضع بإزاء المصطلحات الدالة على الفعل اللغوي عند أوستين،(verdictifs) الأفعال الدالة على الحكم و(exercitifs) الأفعال الدالة على الممارسة و(commissifs) الأفعال الدالة على الوعد و(conductifs) الأفعال الدالة على السيرة[41] ناهيك عن غرابة مصطلحيالممارسة والسيرة في الاستعمال اللساني العربي في سياق التعريف بنظرية أوستين.ومن الجونب المتصلة باضطراب الدلالة الاصطلاحية الخلط بين الوضع الاصطلاحي القديم وما يشي به من معنى خاص والوضع الاصطلاحي المحدث في ميدان اللسانيات بعامة والتداوليات بخاصة ، وليس أدل على هذا الخلط من محاولة الجمع بين مفهوم الإنشاء في التراث العربي والفعل الإنشائي بالرغم من اختلاف الأسس الفلسفية التي أقيم عليها كلا النظرين مما يعلمه كثير من الدارسين ، وفي هذا السياق يظهر مصطلح نظرية الإنشاء مقابلا للمصطلح الأجنبي (la theorie des performatifs) ومصطلحا الإنشاء الصريح(performatif explicite) و الإنشاء الأولي( performatif primaire)[42]،وفي هذا السياق لابد من يشار إلى أن محاولة الربط بين المصطلح التراثي ونظيره الأجنبي في الرؤية العامة والاستخدام ممكن لمن توضحت لديه الفروق السياقية المؤطرة لفعل النشأة المصطلحية[43] ، واتساقا مع هذه الرؤية نفسها يمكن الاستئناس بما ذهب إليه مصطفى غلفان من أن وضع المصطلح يقتضي بالضرورة الرجوع إلى السياق الطبيعي الذي وردت فيه ضمن إطار نظرية لسانية معينة [44]،وعلى صعيد آخر تجدر الإشارة إلى وجود نوع من التداخل المصطلحي في الثقافة اللسانية الغربية نفسها إذ يبدو أن مصطلحات تداولية مهمة لم يقع اتفاق على ترجمتها في اللغات الأوربية ذاتها فقد اختلف اللغويون في فرنسا في ترجمة المصطلح الإنجليزي (speech acts) إذ ظهرت مقبلات متعددة مثل: (les actes de langage) و(les actes de parole) و (les actes de discourse) ونجم عن ذلك تعدد في ترجمة هذه المصطلحات إلى العربية فقد ترجمت على التوالي إلى : أفعال لغوية ، أفعال كلامية ، أفعال خطابية ، أعمال لغوية ، أعمال كلامية ، أعمال خطابية[45]،ويذهب بعض الدارسين العرب إلى إمكان استعمال الأعمال القولية والأعمال الكلامية[46]. إن نظرة عابرة في بعض الكتابات اللسانية العربية التي عنيت بالتعريف بالفكر التداولي وقضاياه الراهنة تكشف عن تعددية في استعمال المصطلح في المستوى اللفظي ، والمضموني كذلك ، والجدول التالي يصف هذه الصورة[47]: المقابل العربي المصطلح الأجنبي تداولية ، نفعية ، براجماتية، براكمتية، سياقية ، مقامية ،علم المقاصد، دراسة استعمالية ،ذريعيات[48] ، تداوليات ، علم اللغة الذرعي[49] ، علم اللغة الذرائعي ، مذهب الذرائع ، اللسانيات التداولية. Pragmatique/Pragmatics-Pragmatik فعل كلامي – عمل كلامي-فعل لغوي[50]- عمل لغوي-عمل قولي[51] Act de Parole-act de langage- إنشائي- إنجازي- إيقاعي- فعل الإنشاء- فعل أدائي_ فعل إخباري[52] performatif تأثير بالقول- تأثيري- العمل اللاقولي- فعل التأثير Perlocutoire تسجيلي constatif حديث- كلام Parole لا قولي – متضمن في القول Illocutoire مفهم Conceptualiser مضمر القول- Sousentendu العمل القولي Acte locutoire البعد الذرائعي pragmatitien usage استعمال[53] Presupposition الافتراض المسبق verdictifs الأفعال الدالة على الحكم- الحكميات exercitife الأفعال الدالة على الممارسة-الإيقاعيات- الإنفاذيات commissifs الأفعال الدالة على الوعد- الوعديات conductifs الأفعال الدالة على السيرة- السلوكيات L acte de locution عمل القول- فعل القول Acte d illocution عمل مقصود بالقول Acte de perlocution عمل التأثير بالقول- الناتج عن القول Enunciation فعل القول[54] التبيينيات Assertives التقريريات Directives الأمريات- الطلبيات declaratives الإيقاعيات expressives البوحيات[55] Argumentation theorie نظرية الحجاج[56]- الحجاج Argumentation استدلال -احتجاج[57] الخاتمة إن الحاجة إلى توحيد المصطلح أصبحت ملحة إلى أقصى درجاتها، بخاصة ونحن في عصر الإنترنيت ، وهو ما من شأنه تسهيل الاتصال وبناء الروابط بين اللسانيين والمترجمين العرب ليتبادلوا تجاربهم في هذا المجال ، وهو ما من شأنه تقليص الفوارق والاختلاف ، على أننا نشايع من ذهب إلى أن وضع المصطلح بعامة واللساني منه بخاصة ليس رهين مواصفات مواضعاتية معينة بل هو خاضع للاستعمال العادي للغة في تعبيرها عن المفاهيم العلمية بكل سلاسة وطلاقة لا يجيدها كثير من اللغويين ، أن ما أدى إلى انتشار اللغة العربية في عصرها الذهبي ليس مرده إلى تسامح معجمها اللغوي مع كل لفظة جديدة فحسب بل للريادة العلمية والعملية التي كانت للحضارة الإسلامية في ذلك الزمان. الهوامش والإحالات: [1] - الجاحظ ، الحيوان ، ج 5 ص 289 . [2] - عبد السلام المسدي ، قاموس اللسانيات ، الدار العربية للكتاب ، تونس ، ليبيا ، 1984 ، ص 11،وانظر إدريس الطراح ، تحديد مفهوم المصطلح ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ، إعداد عز الدين البوشيخي ومحمد الوادي ، سلسلة الندوات ، جامعة مولاي إسماعيل ، مكناس ، المغرب ، 12 ، 2000 ، 1/91. [3] - محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، ص11 وانظر مصطفى طاهر الحيادرة ، من قضايا المصطلح اللغوي العربي، ص13 وعبد الرحمن بن حسن العارف ، في المصطلح اللغوي عند تمام حسان ، مجلة علوم اللغة ، العدد الأول ، مجلد 10 ، 2007 مطبوعات دار غريب ، مصر، ص11 . [4] - أحمد يوسف ، اللسانيات وواقع اللغة العربية ، ص 258 . [5] - صالح الكشو ، مدخل في اللسانيات ، الدار العربية للكتاب ، تونس - ليبيا ، 1985 ، ص 05 [6] - صالح القرمادي ، مقدمة ترجمة كتاب "دروس في الألسنية العامة "لسوسير، الدار العربية للكتاب تونس - ليبيا ، 1985 ، ص 08 . [7] - عبد الرحمن الحاج صالح ، اللغة العربية وتحديات العصر في البحث اللغوي وترقية اللغات ، ص 25. [8] - أحمد محمد قدور ، من أثر اللسانيات في الدرس اللغوي العربي ومناهجه ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية ، الكويت ، عدد27 ، مجلد 7 ، صيف 1987 ، ص158 و167.وانظر أحمد محمد قدور ، اللسانيات وآفاق الدرس اللغوي ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ودار الفكر ، دمشق ، ط1 ، 2001، ص15. [9] - انظر على التوالي الأعمال التالية ، سمير ستيتية ، نحو معجم لساني شامل موحد، مجلة أبحاث اليرموك ،جامعة اليرموك ، إربد ،عدد2 ، مجلد ،10، سنة 1992، ص143 -193وأحمد مختار عمر ، المصطلح اللسني وضبط المنهجية ، مجلة عالم الفكر ، الكويت ، عدد3 ، مجلد 20،1989،ص5-24 ومازن الوعر ، أزمة اللسانيات واللسانيين في الوطن العربي ، مجلة المعرفة ، دمشق ، العدد251، 1983 ، ص52-108 وانظر محمد رشاد الحمزاوي ، مشاكل وضع المصطلحات اللغوية ، أشغال ندوة اللسانيات ، تونس ، 1981 ، ص259 وعبد السلام المسدي ، قاموس اللسانيات ، ص11-96.هذا ولا ننس جهود اللغويين الأوائل من جيل الرواد أمثال محمود السعران وكمال بشر وعبد الصبور شاهين فقد كانت لهم جهودهم المشهودة في وضع المصطلح والدفع به نحو النضج والتطور . [10] - تمام حسان ، مقالات في اللغة والأدب ، 2-330-332 [11] - انظر تعليقه على كلام محمد رشاد الحمزازي في كتابه التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، كتاب الرياض ، 125 ، مؤسسة اليمامة الصحفية ، 2004 ، ص204 [12] - محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، ص226 ومحمد رشاد الحمزاوي ، مشاكل وضع المصطلحات اللغوية ، ص265،وانظر حمزة بن قبلان المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص206-207، وانظر في أهمية الاستعارة في بناء المصطلح :Anne Eisenberg,****phor in the ******** of science,scientific American,vol.266,no.5,May,1992,p95 [13] - يمكن التمثيل في هذا السياق بترجمتين مختلفتين لمصطلح واحد في الدرس السيميائي المعاصر وهو (Narataire)الذي ترجمه عبد الملك مرتاض بالمتلقي أو المسرود له وترجمه محمد أديوان بالراوي فأيهما أصح بالنسبة للقارئ العادي؟ ، انظر عبد الملك مرتاض ، نظرية القراءة ، ص168 وانظر محمد أديوان ،الفكر العربي المعاصر ، عدد60-61 ، بيروت ، 1989 [14] - أحمد محمد قدور ، اللسانيات وآفاق الدرس اللغوي ، ص27ربما ما حمل على هذه الاجتهادات دقة المصطلح الأجنبي الذي لم تستطع اللغة المترجم إليها استيعابه لعدم كفايتها الدلالية في هذا الجانب في الوقت الراهن ، انظر محمود السعران ، علم اللغة ، ص26. [15] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي ، ص209 [16] - يذهب مرتاض إلى أن الكلام العربي كما هو غيره قائم على التيسير في النطق والاقتصاد وكثيرا ما يسكن الناطق العربي الأول الميم فيجمع بين ساكنين لطول الكلمة المذكورة والتي لم يؤت منها في العربية إلا بثلاثة أمثلة ، انظر نظرية القراءة ، ، تأسيس للنظرية العامة للقراءة الأدبية ، دار الغرب للنشر والتوزيع ، 2003 ، ص32 [17] - عبد الملك مرتاض ، نظرية القراءة ن ص170. [18] - المرجع نفسه ، ص206 ويذهب في هذا السياق إلى أن مصطلح التقويض هو الأكثر دلالة على أصل المعنى الفلسفي عند جاك دريدا فهو تقويض يعقبه بناء على أنقاضه بينما تدل كلمة التفكيكية على عزل قطع جهاز عن بعضها البعض دون إيذائها كتفكيك قطع محرك ، والخيمة في العربية تطب إذا بنيت وتقوض إذا أسقطت أعمدتها [19] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص214 [20] - المرجع نفسه ، ص216 [21] - في قضية تعريب المصطلح والدعوة إلى توحيده يمكن مراجعة عباس الصوري ، بين التعريب والتوحيد ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ن 1/99 وما بعدها . [22] - عبد الرحمن الحاج صالح ، اللغة العربية وتحديات العصر ، ص 25 - 26 .وانظر أيضا أمينة فنان ، من قضايا توليد المصطلح ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ، 1/68 [23] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص217 [24] - عبد السلام المسدي ، قاموس اللسانيات ، ص 55 . [25] - يمكن الرجوع في سياق مشابه إلى عبد الرحيم الرحموني ، من قضايا ترجمة المصطلح الأدبي ، ضمن قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية ، 2/21 [26] - حمزة المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص218 نقلا عن مقالة ليندا هيتشيون [27] - محمود فهمي حجازي ، الأسس اللغوية لعلم المصطلح ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ( د . ت ) ، ص 13 . [28] - عبد الرحمن بن حسن العرف ، في المصطلح اللغوي عند الدكتور تمام حسان ، ص11 [29] - محمد حلمي هليل ، دراسة تقويمية لحصبلة المصطلح اللساني في الوطن العربي ،ضمن ندوة تقدم اللسانيات في الأقطار العربية ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1991 ص 287. [30] - المصطلح التداولي مدين في نشاته للبراغماتية ونظرية أفعال الكلام التي ظهرت على يد وليام جيمس وشارل موريس وشارل سندريس بيرس ثم أوستين وسيريل وكارناب ولودفيج فتجنشتين ، وتعني التداولية (Pragmatique) دراسة استعمال اللغة في الخطاب ، شاهدة في ذلك على مقدرتها الخطابية فهي إذن تهتم بالمعنى كالدلالية وبعض الأشكال اللسانية التي لا يتحدد معناها إلا من خلال استعمالها ،وعرفها " فرانسيس جاك (f.jak" بقوله : ”تتطرق التداولية إلى اللغة الخطابية والتواصلية والاجتماعية معا “ ،فاللغة استعمال بين شخصين للعلامات استنادا إلى قواعد موزعة تخضع لشروط إمكانية الخطاب ، وفي الدرس النقدي العربي يعرفها صلاح فضل بأنها ذلك الفرع العلمي المتكون من مجموعة العلوم اللغوية التي تختص بتحليل عمليات الكلام بصفة خاصة، ووظائف الأقوال اللغوية وخصائصها خلال إجراءات التواصل بشكل عام،فاللسانيات التداولية تخصص لساني يدرس العلاقة بين مستخدمي الأدلة اللغوية (المرسل، المرسل إليه) وعلاقات التأثر والتأثير بينهما في ضوء ما ينتجانه من تحاور متصل، مما يعنى كونها علما تلفيقيا أو موسوعيا يجمع بين اختصاصات متعددة ، فليست التداولية بهذه المفاهيم المتعددة علما لسانيا صرفا يقف عند البنية الظاهرة للغة بل هي على ما يؤكده جاك موشلار(J.Mochlar) علم جديد للتواصل يسنح بوصف و تحليل وبناء إستراتجيات التخاطب اليومي والمتخصص بين المتكلمين في ظروف مختلفة . [31] - استخدم هذا المصطلح سنة1970للدلالة على البراكسيس(praxis) ،ولهذا المصطلح مقابلات عربية أخرى أقل شهرة في نظرنا مثل الذرائعية والنفعية والتخاطبية والمقاماتية والوظائفية لما يتضمنه مصطلح تداول من دلالة على التفاعل والواقعية والممارسة والتعالق وكلها معان يسعى هذا العلم إلى استكشافها في نظام اللغة واستعمالها، أما المعنى المعجمي للتداولية فهو الانتقال من حال إلى أخرى، يقال دال يدول دوْلا و أدال الشيء جعله متداولا،وتداولت الأيدي الشيء، أخذته مرة تلو مرة ،انظر ابن منظور ، لسان العرب ، مادة دول. [32] - من صور المقابلات الفضفاضة لهذا المصطلح ما وجدناه في كتاب اللسانيات وآفاق الدرس اللغوي ،ص 34 من شرح للمصطلح بعبارة وصفية هي الحاجات العملية . [33] - نخبة من الباحثين ، معجم مصطلحات علم اللغة الحديث ، مكتبة لبنان ناشرون ، ص70 [34] - المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات ، المنظمة العربية للتربية والثقافة ، تونس ، 1989، ص111، فقد ورد تحت مادة pragmatics دراسة استعمالية ( دراسة كيفية استعمال الناطقين للغة في حالات الخطاب الملموسة [35] - فان دايك ، علم النص ، مدخل متداخل الاختصاصات ، دار القاهرة ، ط1 ، 2001 ، ص415 وغيرها [36] - لا يرى كثير من الدارسين العرب في المقابل أي أزمة لسانية نتيجة تعدد المصطلحات الدالة ،مرجعين ذلك إلى سمة تمتاز بها اللغات الحية التي إنشاء ألفاظ جديدة كثيرة كل يوم في كل حقل من حقول المعرفة ، انظر عبد الملك مرتاض ، نظرية القراءة ، هامش ص 208. [37] - سمير ستيتية ، نحو معجم لغوي شامل موحد ، ص164. [38] - فيليب بلانشيه ، التداولية من أوستين إلى غوفمان ، ترجمة صابر الحباشة ، دار الحوار ، سوريا ، ط1 ، 2007 ، ص48 وانظر خالد ميلاد ، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة ، دراسة نحوية تداولية ،المؤسسة العربية للطباعة والنشر ، تونس ، ط1 ، 2001 ، ص499. [39] - كلاوس برينكر ، التحليل اللغوي للنصوص ، مدخل إلى المفاهيم الأساسية والمناهج ، ترجمة سعيد حسن بحيري ، شركة المختار للنشر ، ط1 ، سنة 2005 ، ص207 وانظر فان دايك ، علم النص ، مدخل متداخل الاختصاصات ، ص415. [40] - فان دايك ، النص والسياق ، استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي ، ترجمة عبد القادر قنيني ، إفريقيا الشرق ، المغرب ، 2000، ص342، كما ترجم مصطلح (macro-action) بفعل كلي شامل فسوى بين الوظيفة والفعل في ترجمة هذا المصطلح بحسب ما يظهر . [41] - الجيلالي دلاش ، مدخل إلى اللسانيات التداولية ، ترجمة محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، سنة 1992 ، ص25 [42] - خالد ميلاد ، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة ، ص498 [43] - انظر تفصيلا حمزة بن قبلان المزيني ، التحيز اللغوي وقضايا أخرى ، ص 217 -220. [44] - مصطفى غلفان ، المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات ، أي مصطلحات لأي لسانيات ؟ مجلة اللسان العربي ، العدد46 ، 1419 -1998، ص159 . [45] - المرجع نفسه ، ص499 ويذهب الباحث في هذا السياق إلى تغليب كونها أعمالا لغوية فالإثبات والنهي والتعجب والوعد معان لغوية لاوجود لها في الواقع الشيئي ،إنها أعمال تنجز في اللغة وباللغة ، ويبدو أن نسبتها للغة أو الكلام كان نتاجا للتمييز السوسيري بين ماهو لغوي وما هو كلامي . [46] - عبد القادر قنيني ، نظرية أفعال الكلام العامة ، سنة 1991 [47] - راجع هذه المصطلحات عند أصحابها في فيليب بلانشييه ، التداولية من أوستن إلى غوفمان ، ترجمة صابر الحباشة ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، سوريا ، ط1 ، 2007 ،ص 48 و209 وانظر الجيلالي دلاش ، مدخل إلى اللسانيات التداولية ، ترجمة محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، سنة 1992 ، ص25 [48] - عبد القادر الفاسي الفهري ، اللسانيات واللغة العربية ، منشورات عويدات ، بيروت ، باريس ، دار توبقال، المغرب ،ط1 ، 1986،ص433 [49] - فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر ن مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجم فالح بن شبيب العجمي ن منشورات جامعة الملك سعود ، ص421 وغيرها [50] - المرجع نفسه ، ص400 وانظر ترجمة بحيري للكتاب نفسه فهو يستعمل مصطلحين للدلالة على المفهوم نفسه : الفعل اللغوي والفعل الكلامي ، انظر مدخل إلى علم اللغة النصي ، ترجمة بحيري ، مكتبة زهراء الشرق ، ط1 ، 2004 ، ص369. [51] - راجع نظرية أفعال الكلام العامة ، ترجمة عبد القادر قنيني ، 1991 وطالب هاشم طبطبائي، نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين العرب ، مطبوعات جامعة الكويت ، 1994، [52] - محمود نحلة ، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ، دار المعرفة الجامعية ، ط1 ، سنة 2002 ، ص44 [53] - جان كلود **** ، السيميائية ، مدرسة باريس ، ترجمة رشيد بن مالك ، دار الغرب الجزائرية ، 2003 . [54] - وردت هذه الترجمة في كتاب خالد ميلاد ، الإنشاء في العربية بين التركيب والدلالة ، دراسة نحوية تداولية ، ص499 [55] - طالب هاشم طبطبائي ، نظرية الأفعال الكلامية ، ص10 [56] - فان دايك ، علم النص ، ترجمة سعيد حسن بحيري ، ص415 [57] - فان دايك ، النص والسياق ، ترجمة عبد القادر قنيني ، ص420 - مجلة علوم انسانية - المشاهدات:2578
https://brahmiblogspotcom.blogspot.co...post_2949.html










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 11:49   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

minna
https://www.4shared.com/document/zOcQiRuW/___.htmlهذا كتاب اتمنى ان يفيدك



بمشاركة نخبة من الباحثين العرب والأجانب
ندوة علمية كبرى حول قضايا المنهج في الدراسات اللغوية بآد اب جامعة الملك سعود
الرياض - سحر الرملاوي

ينظم قسم اللغة العربية بكلية الاداب جامعة الملك سعود ندوة علمية دولية كبرى اعتبارا من الاحد المقبل في الفترة من 21 الى 25/3/1431ه بعنوان (قضايا المنهج في الدراسات اللغوية والادبية النظرية والتطبيقية) لعدد من الباحثين المتخصصين والمتميزين في الدراسات الادبية واللغوية من العرب والاجانب من جميع دول العالم، حيث سيتاح للرجال حضور فعالياتها مباشرة في كلية الآداب جامعة الملك سعود بالدرعية فيما ستتمكن المرأة من حضورها بمركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة عبر النقل الحي المباشر والمشاركة في الفعاليات..

وقالت الدكتورة نورة الشملان رئيسة الندوة: إن فعاليات الندوة ستبدأ في اليوم الاول بحفل افتتاح مسائي تنطلق بعدها الانشطة العلمية بدءا من التاسعة صباح اليوم التالي وفق الترتيب التالي:

يوم الاثنين الجلسة الأولى تناقش المحور الأول للندوة: مفهوم المنهج بين النظرية والتطبيق برئاسة أ.د. أحمد الطامي ويقدم فيها أ.د. سعيد علوش ورقة عمل بعنوان «علاقة النظرية بالمنهج» يليه د. محمد صاري بورقة «خطاب المنهج في اللغة والأدب المكاسب والآفاق» ثم تطرح أ.د. يمنى طريف الخولي ورقتها بعنوان «مفهوم المنهج: دراسة تحليلية أولية» بعدها يقدم د. يوسف وغليسي ورقة عمل بعنوان «استراتيجية اللامنهج في الخطاب النقدي العربي» ثم يفتح باب النقاش والمداخلات..

لتبدأ بعد الظهر الجلسة الثانية التي تناقش المحور الثاني للندوة بعنوان «المناهج الحديثة ودراسة التراث اللغوي» برئاسة د. الجوهرة بنت فهد حيث يستعرض فيها أ.د. إبراهيم الشمسان ورقته بعنوان «تعميم النمط في النحو العربي» ويقدم بعده أ.د. عبد القادر الفاسي الفهري ورقة «اللسانيات العربية بين التنظير والتجريب والتجسير» ثم يقدم أ.د. محمد صلاح الدين الشريف ورقة عمل بعنوان «قضايا المنهج في دراسة البُنْية الحدثيّة ومستويات التجريد النحويّ» وينهي أ.د. نهاد الموسى الجلسة بورقة بعنوان «تطبيقات المناهج اللغوية الحديثة في دراسة التراث اللغوي عند العرب» ويفتح الباب للنقاش.

وفي السادسة والنصف من مساء يوم الاثنين من المقرر ان تعقد الجلسة الثالثة التي تناقش بدورها المحور الثالث «مناهج اللسانيات الحديثة وتطبيقاتها» برئاسة أ.د. وسمية المنصور ويتناول فيها أ.د. أحمد الضبيب موضوع «القضايا اللغوية عند الباحثين السعوديين» ثم يقدم أ.د. عبد الجبار بن غربية ورقته بعنوان «علم الدلالة في اللسانيات الغربية» يليه أ.د. فالح العجمي بورقة «وظائف اللغة في إطار نظرية التواصل» بعده تقدم د. نادية عمري ورقة بعنوان «اسم المرة ومصدره: تحليل مواز عبر السمات» وتختتم الجلسة بنقاش مفتوح.

- وفي التاسعة من صباح يوم الثلاثاء تبدأ الجلسة الرابعة التي تناقش المحور الرابع «المناهج والشعر القديم» برئاسة أ.د. منصور الحازمي وفيها يقدم أ.د. أيمن ميدان «التعالق النصي في شعرنا القديم» تعقبه أ.د. سوزان ستيكتفيش بورقة «قضايا القصيدة العربية: المناهج والمنهجية» فالدكتورة ليلى با يزيد بورقة «الاتساق في دالية جميل: السبك المعجمي» ثم ورقة د. مباركة بنت البراء بعنوان «القصيدة عند ابن زيدون: نظرة في المعجم والتركيب».

وبعد الظهر تبدأ الجلسة الخامسة التي تناقش المحور الخامس بعنوان «المناهج في تحليل الخطاب» برئاسة د. الجازي الشبيكي ويستعرض فيها أ.د. أحمد يوسف ورقته المعنونة «التلفظ وإنتاج المعنى: مقاربة في سيميائيات الخطاب» يليه د. حسام أحمد فرج بورقة «الأداء النصي واختلاف طرق التأويل» بعد ذلك يقدم أ.د. شكري المبخوت ورقة «معايير تحديد الأعمال اللّغويّة غير المباشرة مناقشة منهجيّة لوهم شائع في نظريّة الأعمال اللّغويّة» ويقدم أ.د. عبد القادر فيدوح ورقة «المنهج التأويلي في تحليل الخطاب» ويختتم الاوراق د. نعمان أبوقرة بورقة «المناهج التداولية المعاصرة وإشكالية تحليل الخطاب الأدبي».

وعند السادسة والنصف مساء تبدأ الجلسة السادسة التي تناقش المحور السادس «مناهج البلاغة والبلاغيات الجديدة» برئاسة أ.د. عبد الله العثيمين وفيها يقدم أ.د. حمادي صمود ورقة «مناهج دراسة الفكر البلاغي العربي: التجربة التونسية نموذجاً» يليه ورقة أ.د. سعد مصلوح «بين الأسلوبيات المعاصرة والأسلوبيات العربية أبعاد الفجوة وآفاق التجاوز» ثم ورقة د. فهد سنبل «مصطفى ناصف من البلاغة إلى البلاغة» وتختتم الاوراق بورقة أ.د. محيي الدين محسب «منهجية دراسة الاستعارة من الأساس اللغوي إلى التأسيس الإدراكي».

- وفي التاسعة من صباح يوم الاربعاء تبدأ الجلسة السابعة التي تناقش المحور السابع للندوة «النقد النسوي» برئاسة أ.د. عثمان صيني يقدم فيها د. إبراهيم الشتوي ورقة بعنوان «النسوية في الخطاب النقدي في المملكة» يليه أ.د. عبد الله الغذامي بورقة «نظرية الفروق الجندرية» فورقة أ.د. عبد النور خراقي بعنوان «اللغة والنوع الاجتماعي» ويختتم الاوراق أ.د. ميجان الرويلي بورقة «منهجية الحركة النسائية وتحيز الحياد العلمي»

وبعد الظهر تبدأ الجلسة الثامنة لتناقش المحور الثامن بعنوان «في الدلالة والمنهج السيميائي» برئاسة أ.د. محمد الربيع ويقدم فيها أ.د. زياد الزعبي ورقة «المنهج السيميائي: إشكاليات التنظير ومتاهات التطبيق» فورقة د. عزة شبل محمد بعنوان «السياق وإنتاج الدلالة» ثم ورقة د. محمد القويزاني بعنوان «نظريات ما بعد الاستعمار وتحليل الآداب المحلية» ويختتم الجلسة أ.د. موسى ربابعة بورقة «آليات التأويل السيميائي».

وفي السادسة والنصف مساء تبدأ الجلسة التاسعة للمحور التاسع «المناهج والنص السردي» برئاسة أ.د. سعد البازعي ويقدم فيها أ.د. العادل خضر ورقة «الحيلة في الأدب العربي القديم» كما تقدم د. بسمة عروس ورقة بعنوان «المناهج الحديثة والنثر القديم» فيما يقدم د. ضياء الكعبي ورقة بعنوان «منهجية النقد الثقافي وتطبيقاته [النص السردي القديم]» ويختتم الجلسة أ.د. عبد الله إبراهيم بورقة «الدراسات السردية في النقد العربي الحديث المكاسب والرهانات» ليعقب المناقشات والمداخلات وتلاوة توصيات الندوة.


حفظطباعةتكبيير
12345قيّم هذا الموضوع


التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الرياض" الإلكتروني ولا تتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك، ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر، وللإبلاغ عن أي تعليق مخالف يرجى الضغط على زر "التنبيه" أسفل كل تعليق

عدد التعليقات : 3
(جديد) ترتيب التعليقات : الأحدث أولا , الأقدم أولا , حسب التقييم
1
جهد مشكور للدكتورة نورة الشملان فقد كانت منذ عام ونصف العام تعمل على ظهور هذه الندوة. وهي من اقترح إقامتها من البداية وظلت تعمل على ذلك فلها الشكر من كل الأدباء والمثقفين.
أبو نايف (زائر)
UP0DOWN
11:23 صباحاً 2010/03/03
2
نأمل من المشاركين في تلك الندوة الخروج بأسس علمية لبناء المنهج اللغوي العصري...
مهل المطيري (زائر)
UP0DOWN
01:38 مساءً 2010/03/03
3
بارك الله في القسم وإن شاء الله تكون ندوه علمية مميزة وبإذن الله أحضرها.
بدر المرشدي
UP0DOWN
03:20 مساءً 2010/03/03

اضف تعليقك
المعقب الصحفي
ارسل لصديق
الشبكات الإجتماعية

التعليق مقفل لانتهاء الفترة المحددة له


إعلانات



محليات
الأمير خالد بن سلطان يفتتح مبنى قيادة قوة الصواريخ الاستراتيجية بالرياض
الأمير منصور : الأمانات دورها الأساسي التخطيط والمتابعة .. ولا بد من تفهم احتياجات المواطن والصبر والحلم
مدير الطرق بتبوك يوضح:محاول الانتحار تم إيقافه أربع مرات لنقله المعلمات بدون رخصة
أمير الشرقية يستقبل السفير الفنزويلي ومدير فرع هيئة الرقابة بالمنطقة
أمير جازان يتسلم مليون ريال دعماً للنازحين من أسمنت نجران
الأمير مشعل بن ماجد يستقبل مدير جوازات منطقة مكة المكلف
الأمير تركي بن ناصر يعلن اكتمال الاستعدادات لانطلاق المنتدى والمعرض الدولي للبيئة والتنمية المستدامة
نائب أمير الشرقية يرعى معرض «كن واعياً».. الشهر المقبل
إعلانات

https://www.alriyadh.com/2010/03/03/a...03248.htmlموقع المستخذم














ندوة/مؤتمر "لسانيات النص وتحليل الخطاب"، أغادير، المغرب
22-24 مارس/آذار 2010

ورقة الندوة/المؤتمر

شهد القرن العشرون تحوّلات حاسمة، في طرق النظر ومعالجة الظاهرة اللغوية، غيرَ مستقلة عمّا حدث من تراكم في مجالي الفلسفة والعلوم المادية. وربما كانت الآفاق التي فُتِحت أمام منهجيات المعالجة والإشكاليات النظرية ذات الصلة باكتساب اللغة ووصفها قدرةً وإنجازاً... من بين المنجزات التي أحدثت ثورة في تصوّر اللغة وما يرتبط بها من إنتاج.
سرعان ما انتقلت "عدوى" هذه التحوّلات إلى مجال كان شبه مستقل، أو هكذا كان يُدرَك، نعني النص. كان هذا المجال شبه "مؤمَّم" من قبل نظريات الأدب ونقده بحكم طبيعة الإنتاج الذي يُعتبَر ميدان اختبارهما أو اختصاصهما. غير أن الطمأنينة إلى ما استقرّ وطال أمده من آراء في هذا الباب أصابها رذاذ ما تحقّق في حقل المقاربات المؤسّسة في اللسانيات

وكان من ثمار ذلك بروز مصطلحين استحوذا على المناقشات والأسئلة والمقاربات، نعني مصطلحي "الخطاب" و"النص". فأثمر تخصيصهما بالتفكير والمعالجة أسئلة حقيقية هي أقرب إلى التحديات منها إلى ترَف التفكير وتمرين الذهن. بل إن الانكباب عليهما قاد إلى مساءلة مدى فعالية اللسانيات الحديثة، بناء على أن التواصل لا يَتوسّل الكلمات والجمل وإنما النصوص والخطابات.

ونظراً لما أضحت تخضع له طبيعة التفكير في الظواهر وتأمّلها في العصر الحديث علاوة على ضوابط إنتاج المعرفة، كان "من اللازم" تكوين فريق عمل ينكبّ على دراسة الوحدة التي اتُّخِذت موضوع بحث وتحليلِها ووصفِها. وقد كان لجامعة كونسطانس بألمانيا قصب السبق في هذا المنحى؛ غير أن تنوُّع وحدة البحث وتلوُّنها بجنس الإنتاج الذي تستمد منه تقاليدها وهويتها من ناحية، واستعصاءها على النظر اللساني -بحصر المعنى- من ناحية ثانية عجّلا بأن تتفرّق السّبل بفريق العمل فنحتَ كلٌّ طريقه وارتضاه وِجهةً للبحث والتدقيق.

وتأسيساً على هذا ظهرت مصطلحات غدَت أعلاماً على توجّهات في البحث واختلاف في المرامي، من قبيل "نحو النص" و "لسانيات النص" و "علم النص" و "تحليل الخطاب" و"اللسانيات النقدية" و"النظرية السميوطيقية للنص"... ولمّا كان هذا هكذا صار من المستساغ وضع مصطلحات وثيقة الصلة بمفاهيم المقاربات والتصورات التي توجّه خطاها. وما هي إلا أن استفادت الأبحاث مما تحقق في حقول العلوم الإنسانية والمادية وفي مقدمتها علم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي وما جاورهما. وبذلك تفرّعت الإشكاليات وتعدّدت أوجه استثمار ما تحقّق ومساءلته.

وعلى نحو ما هو معتاد انفتحت الأبحاث المنجزة في العالم العربي على هذه الانشغالات العلمية تأليفاً وترجمةً وتمحيصاً. وهكذا طفقت المؤلّفات والمقالات تتْرى مقتدية بما تقدّم تارةً، مجتهدةً تارة أخرى. وعلى الجملة بات هذا الاختصاص ينحت له طريقاً في مجال المعرفة العربية الحديثة باحثاً عن استقرار محتمل.

وبناء على ما تقدّم نقترح أن تنكبّ أعمال هذه الندوة/المؤتمر على ما يلي:

1- تاريخ مقاربة النص (ما قبل لسانيات النص/الخطاب)؛

2- أسئلة التأسيس ودواعيه؛

3- لسانيات الجملة/ لسانيات (أنحاء) النص والخطاب؛

4- اللسانيات النقدية؛

5- لسانيات النص والخطاب وإسهامها في حقل الترجمة؛

6- حصيلة الترجمة: ما الذي تُرجم إلى اللغة العربية وكيف تُرجم؛

7- التأليف: ما الذي تحقّق في هذا الباب؟ هل هو تأليف متقدّم (=يوسّع مجال البحث ويجدّد أسئلته ويختبر طرقاً جديدة...) أم تُراه يراوح مكانه؟

8- مسألة المفاهيم والمصطلحات في التأليف والترجمة (مدى وجاهتها)؛

9- ما حدود انفتاح (استفادة) التأليف العربي على (من) اللسانيات العربية؟

تلك هي المحاور التي نقترحها لأعمال هذه الندوة.

توضيحات تنظيمية:

ستنعقد الندوة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير؛

أ- ضرورة التزام المشاركة بمحور من المحاور السالفة؛

ب- إرسال ملخص البحث: 30 شتنبر/أيلول 2009؛

ج- الإخبار بقبول البحث: 31 أكتوبر/تشرين الأول 2009؛

د- تسليم البحث كاملاً مرقوناً بنظام "وورد" خط Traditional Arabic قياس 16 (عدد الصفحات عشرين): 31 يناير/كانون الأول 2010؛

هـ وضع الحواشي في أسفل الصفحة متسلسلة الترقيم.

و- الندوة/المؤتمر أيام 22، 23، 24 مارس/آذار 2010

واجبات المشاركة في الندوة/ المؤتمر: 500 أورو

ويشمل مصاريف الإقامة والتغذية ووثائق المؤتمر والتنقل داخل المدينة، علاوة على رحلة سياحية/ثقافية إلى مدينة مراكش.

زيارة مراكش (اختيارية): يوم 25 مارس/آذار 2010 (85 أورو= تذكرة السفر ذهاباً وإياباً+ التغذية + الإقامة. يحقّ للراغب عنها خصمُ هذا المبلغ من واجب المشاركة).

لجنة التنظيم:

المنسق: محمد خطابي

محمد حفيضي

حافظ اسماعيلي علوي

عبد المجيد الزهير

حسن حمائز

محمد ناجي بنعمر

إبراهيم السوسي

للاتصال: - البريد الإلكتروني حذف من قبل الإدارة (غير مسموح بكتابة البريد) -

الفاكس: + 212 528 22 16 20

https://www.univ-ibnzohr.ac.ma/portai...d=111&Itemid=1










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 12:16   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

minna

مشاهدة النسخة كاملة : ندوة اللغة العربية معالم الحاضر و آفاق المستقبل دمشق 26-29/10/1997


ابن حوران
05-15-2008, 01:36 PM
ندوة اللغة العربية معالم الحاضر و آفاق المستقبل دمشق 26-29/10/1997 ـــ د. محمد حسان الطيان

أقام مجمع اللغة العربية بدمشق ندوة للغة العربية عنوانها :" اللغة العربية معالم الحاضر وآفاق المستقبل" شارك فيها نحو من خمسة وعشرين باحثاً من الأٌقطار العربية الشقيقة، ومن القطر العربي السوري، وحضرها لفيف من العلماء والباحثين من أعضاء مجمع اللغة العربية وأساتذة الجامعة. وقد عقدت الندوة في قاعة المحاضرات في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق في المدة من 26/10/ حتى 29/ 10/ 1997. واستُهِلَّت بحفل افتتاح تمَّ في مكتبة الأسد الوطنية تحت رعاية الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي، وكانت الكلمة الأولى فيه للأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، والكلمة الثانية للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس المجمع السوداني ممثلاً للوفود المشاركة، ثم ختمت السيدة الوزيرة راعية الندوة بكلمة رحَّبت فيها بالضيوف العلماء ورجت لهم التوفيق والسداد في ندوتهم.‏

حدَّد القائمون على الندوة مسارَ بحوثها في محاور خمسة هي:‏

1- مشكلة الأداء في اللغة العربية.‏

2- التعريب والمصطلح.‏

3- تيسير مباحث العربية.‏

4- المعجم العربي.‏

5- مستقبل اللغة العربية.‏

واستجابت البحوث لهذا فتناولت محاور الندوة على نحوٍ استغرقها، وطرح فيها العديد من وجهات النظر، إذ تعاقب على كل محور غير ما بحث ، فكان في ذلك غنىً للمحور، وتوسعٌ في مناقشة ما يمكن أن يرد فيه من أفكار. هذا وقد توزعت بحوث الندوة على ستّ جلسات علمية، تمَّ في أولها انتخاب الأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيساً للندوة والأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر مقرراً لها . ثم بدأ إلقاء البحوث المشاركة تباعاً ، وخصص وقت في آخر كل جلسة للمناقشات والمداخلات والتعقيبات.‏

وسأعرض فيما يلي لعناوين البحوث في كل محورٍ مقتصراً في العرض والتحليل على بحثٍ متخيّرٍٍ من كل محور منها بما يقتضيه المقام في هذا المقال:‏

المحور الأول: مشكلة الأداء في اللغة العربية‏

والمراد من هذا المحور تحديداً أسباب الضعف في أداء العربية الفصحى وبيان أنجع الوسائل للقضاء على هذه الأسباب بغية الوصول إلى سلامة في الأداء وتمكّن من العربية. وقد ألقيت فيه البحوث التالية:‏

1- مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج . للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس مجمع اللغة العربية في السودان ورئيس مجلس جامعة الخرطوم- من السودان.‏

2- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر الأستاذ في جامعة دمشق، ورئيس قسم اللغة العربية فيها سابقاً- من سورية.‏

3- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور مسعود بوبو رئيس الموسوعة العربية وعضو مجمع اللغة العربيية بدمشق - من سورية.‏

4- مشكلة الأداء في اللغة العربية للأستاذ الدكتور محمد مختار ولد أبّاه أستاذ الدراسات الإسلامية في دار الحديث الحسنية بالرباط- من موريتانيا.‏

5- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمود أحمد السيد الأستاذ بكلية التربية بجامعة دمشق، والمدير الأسبق لإدارة التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

6- مشكلة الأداء في اللغة العربية في المغرب . للأستاذ الدكتور محمد بن شريفة الأمين العام لأكاديمية المملكة المغربية . من المغرب.‏

7- الإعلان وأثره في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عصام نور الدين أستاذ العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية - من لبنان.‏

في محاضرته "مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج " تناول الدكتور مسعود بوبو مفهوم الأداء فبيَّن أنه لا يقتصر على الإيصال والتلاوة والإتقان وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما من شأنه أن يؤثّر في اللغة العربية نطقاً وكتابةً وتعبيراً، مما يجعل المشكلة تتصدر همومنا العلمية والتعليمية وتمتد حتى تلامس الخطر القومي.ومن ثمّ بحث الدكتور بوبو عن أسباب المشكلة وحاول تحديدها موسِّعاً من دائرة هذه الأسباب ومخرجاً لها عن حيز الاقتصار على المدرسة أو الجامعة أو التعليم عموماً ، فهو يشرك كل هذه المؤسسات بالمسؤولية ويبرز جانباً آخر له تأثير كبير في ضعف الأداء وهو غياب الحافز القديم على إتقان العربية، فقد كانت العربية مطلباً حيوياً أثيراً... وكان تحصيلها استجابة لمتطلبات العقيدة الإسلامية ، وهو خير سبيل لصون لغة القرآن من فساد الألسنة.‏

وبعد ذلك عرض الدكتور بوبو لمحاولات التجديد والتيسير في النحو قديماً وحديثاً وأشار إلى أسلوب تناول المادة العلمية الذي يجري بطريقة إلقائية أو إملائية تلقينية كالقوالب الثابتة من جهة المدرّس، وحفظيةٍ خالصةٍ من جهة المتعلِّم، من غير حوار أو محاكمة أو اسستفسار، وبمعزل عن التذوق وتفجير الطاقات الكامنة... وجعل من أسباب الضعف في الأداء أيضاً تأثر بعض الأقطار العربية لغوياً بالاستعمار ، وازدحام بعض الأقطار بالدخلاء الأجانب:‏

" في هذا المضطرب زاحم العربية الدخيلُ واللغات الهجينة والتعدُّد اللغوي فوق ما تعانيه من ازدواج لغوي وجهل وأمية أحياناً ، فخفَّت جهارة صوتها القديم"‏

ثم عرض الباحث لمظهر من أعظم مظاهر هذا الضعف في الأداء يتجلَّى في وسائل الإعلام، حيث مثّل بأمثلة عملية تبدّى فيها مبلغ الجناية على العربية لدى بعض العاملين في الإعلام: " فإنّ هناك ضعفاً ملحوظاً في الأداء اللغوي الإعلامي: قراءةً، وإلقاءً، وصياغة أخبار وافتتاحيات، وتعليقات، وتحقيقات، ضعف يصل حدود الخطأ في القرآن الكريم...".‏

ولم يغفل الباحث ما للحكومات والهيئات والمؤسسات العلمية من عناية باللغة القومية تبدّت في إقامة ندوات واجتماعات ومحاضرات وبحوث، ومواجهة الغزو اللغوي بالحدَِّ من تفشِّي التسميات الأجنبية.‏

وقد أشار إلى الإجراءات التنفيذية التي تفرض العقوبات على المخالفين معتبراً هذه الإجراءات محرِّضاً لفعل شيء في طريق صون لغتنا ، وداعياً إلى عدم قصر المسألة على جهة معينة، بل لابدّ من تحمل الممسؤولية كاملة واشتراك كل المؤسسات (العلمية وغير العلمية) في هذه المسؤولية.‏

هذا وقد ختم الدكتور بوبو بحثه بجملة من الحلول نشير إلى أبرز ما جاء فيها:‏


1- مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج . للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس مجمع اللغة العربية في السودان ورئيس مجلس جامعة الخرطوم- من السودان.‏

2- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر الأستاذ في جامعة دمشق، ورئيس قسم اللغة العربية فيها سابقاً- من سورية.‏

3- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور مسعود بوبو رئيس الموسوعة العربية وعضو مجمع اللغة العربيية بدمشق - من سورية.‏

4- مشكلة الأداء في اللغة العربية للأستاذ الدكتور محمد مختار ولد أبّاه أستاذ الدراسات الإسلامية في دار الحديث الحسنية بالرباط- من موريتانيا.‏

5- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمود أحمد السيد الأستاذ بكلية التربية بجامعة دمشق، والمدير الأسبق لإدارة التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

6- مشكلة الأداء في اللغة العربية في المغرب . للأستاذ الدكتور محمد بن شريفة الأمين العام لأكاديمية المملكة المغربية . من المغرب.‏

7- الإعلان وأثره في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عصام نور الدين أستاذ العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية - من لبنان.‏

في محاضرته "مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج " تناول الدكتور مسعود بوبو مفهوم الأداء فبيَّن أنه لا يقتصر على الإيصال والتلاوة والإتقان وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما من شأنه أن يؤثّر في اللغة العربية نطقاً وكتابةً وتعبيراً، مما يجعل المشكلة تتصدر همومنا العلمية والتعليمية وتمتد حتى تلامس الخطر القومي.ومن ثمّ بحث الدكتور بوبو عن أسباب المشكلة وحاول تحديدها موسِّعاً من دائرة هذه الأسباب ومخرجاً لها عن حيز الاقتصار على المدرسة أو الجامعة أو التعليم عموماً ، فهو يشرك كل هذه المؤسسات بالمسؤولية ويبرز جانباً آخر له تأثير كبير في ضعف الأداء وهو غياب الحافز القديم على إتقان العربية، فقد كانت العربية مطلباً حيوياً أثيراً... وكان تحصيلها استجابة لمتطلبات العقيدة الإسلامية ، وهو خير سبيل لصون لغة القرآن من فساد الألسنة.‏

وبعد ذلك عرض الدكتور بوبو لمحاولات التجديد والتيسير في النحو قديماً وحديثاً وأشار إلى أسلوب تناول المادة العلمية الذي يجري بطريقة إلقائية أو إملائية تلقينية كالقوالب الثابتة من جهة المدرّس، وحفظيةٍ خالصةٍ من جهة المتعلِّم، من غير حوار أو محاكمة أو اسستفسار، وبمعزل عن التذوق وتفجير الطاقات الكامنة... وجعل من أسباب الضعف في الأداء أيضاً تأثر بعض الأقطار العربية لغوياً بالاستعمار ، وازدحام بعض الأقطار بالدخلاء الأجانب:‏

" في هذا المضطرب زاحم العربية الدخيلُ واللغات الهجينة والتعدُّد اللغوي فوق ما تعانيه من ازدواج لغوي وجهل وأمية أحياناً ، فخفَّت جهارة صوتها القديم"‏

ثم عرض الباحث لمظهر من أعظم مظاهر هذا الضعف في الأداء يتجلَّى في وسائل الإعلام، حيث مثّل بأمثلة عملية تبدّى فيها مبلغ الجناية على العربية لدى بعض العاملين في الإعلام: " فإنّ هناك ضعفاً ملحوظاً في الأداء اللغوي الإعلامي: قراءةً، وإلقاءً، وصياغة أخبار وافتتاحيات، وتعليقات، وتحقيقات، ضعف يصل حدود الخطأ في القرآن الكريم...".‏

ولم يغفل الباحث ما للحكومات والهيئات والمؤسسات العلمية من عناية باللغة القومية تبدّت في إقامة ندوات واجتماعات ومحاضرات وبحوث، ومواجهة الغزو اللغوي بالحدَِّ من تفشِّي التسميات الأجنبية.‏

وقد أشار إلى الإجراءات التنفيذية التي تفرض العقوبات على المخالفين معتبراً هذه الإجراءات محرِّضاً لفعل شيء في طريق صون لغتنا ، وداعياً إلى عدم قصر المسألة على جهة معينة، بل لابدّ من تحمل الممسؤولية كاملة واشتراك كل المؤسسات (العلمية وغير العلمية) في هذه المسؤولية.‏

هذا وقد ختم الدكتور بوبو بحثه بجملة من الحلول نشير إلى أبرز ما جاء فيها:‏

1- البدء بحملة لتعميم القراءة في خطة منهجية شاملة.‏

2- إخراج الكتب التعليمية مشكولة الكلم، والحرص على تخيّر النصوص فيها، مما يمتع ويفيد من القديم والحديث، مع تعزيز منهج حفظ النصوص.‏

3- العمل على إرساء تقاليد الأداء اللغوي السليم في المؤسسات والإعلام، وتعميم الخطاب بالعربية الفصيحة قدر الإمكان، وتدريب الأجيال على ذلك.‏

4- التركيز على النحو الوظيفي، واستقراء النصوص واستخلاص الأحكام بالتأمل والمحاكمة لا بالوعظ والعقاب.‏

5- إخضاع فكرة تسهيل النحو لضوابط موضوعية حتى لا يؤول الأمر إلى التخلّي عن أصالة العربية وأسسها.‏

6- إخضاع الكتب والمناهج التعليمية إلى اختبارا وتقويم، وعقد دورات جادّة مطوّلة للمدرّسين بغية إعدادهم الإعداد المطلوب، والتركيز على التكامل في تحصيل العربية، نحواً وصرفاً وبلاغةً وإملاءً وأساليبَ....‏

7- قصر التجديد اللغوي أو التطور اللغوي على أرباب اللغة العالمين بها.‏

8- الإقبال على استخدام التقنيات الحديثة كالحواسيب والمخابر اللغوية وبرامج المعلوماتية الحديثة في الترجمة وتخزين المعاجم أو تصنيف القواعد....‏

المحور الثاني : التعريب والمصطلح‏

تناول هذا المحورَ بحوثٌ أربعة هي:‏

1- المصطلح العربي في عصر العولمة: للأستاذ الدكتور أحمد محمد الضبيب- من المملكة العربية السعودية.‏

2- نحو منهجية للتعريب اللفظي . للدكتور ممدوح خسارة المدرّس في جامعة الكويت- من سورية.‏

(وقد اعتذر عن عدم الحضور ولكن بحثه وزّع على المشاركين).‏

3- التعريب والمصطلح . للأستاذ شحادة الخوري الخبير السابق في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

4- من تاريخ التعريب والمعرّب : تقريب الشيخ طاهر الجزائري - تهذيب الدكتور أحمد عيسى للأستاذ الدكتور عزّ الديّن البدوي النجار- من سورية.‏

في بحثه "المصطلح العربي في عصر العولمة" نبَّه د. أحمد الضبيب على الخطر المحدق بالعربية في عصرنا هذا عصر العولمة (Mondialisation ويقصد بها جعل الشيء في دائرة اهتمام العالم أجمع وفي متناول أهله أجمعين)، ليعالج الجانب الأكثر خطورة وهو المصطلح العربي، داعياً إلى مواجهة هذا السيل الجارف من المصطلحات الدخيلة باستنفار قدرات لغتنا العربية في كلِّ مجال قبل أن نستقبل الدخيل ونضمه إلى معجمنا اللغوي.‏

وقد استعرض جملة من الجهود التي بذلها علماء عصر النهضة وخالفِوهم من المجمعيين، وهي جهود تراوح بين دعوة إلى إحياء المصطلح العربي القديم، وتساهل وتوسع في استعمال الدخيل، ليخلص إلى أن الاتجاه عند معظم المتأخرين يسير نحو الترجمة الحرفية والتعريب دون تتبع للأصيل من الألفاظ في ثنايا كتب التراث، وضرب لذلك أمثلة، اقتصر على واحد منها وهو مصطلح ورد في معجم مصطلحات النفط ونصّه:" ادفع وتسلم " ترجمة للمصطلح الإنكليزي: Caeey Cash and . يقول:" وعندي أن هذه الترجمة الحرفية لا تجري على العرف العربي، بل إن العجمة بادية عليها وكان بالإمكان ترجمة المصطلح "بالمناجزة" وهو مصطلح يستعمله فقهاء المالكية في أبواب المعاملات المالية، ويعنون به قبض العوض عند العقد . ويقول العرب: بعته ناجزاً بناجز أي يداً بيد....".‏

مما يؤكد أن الترجمة - إن وجدت- يمكن أن تعدّ مرحلة أولى يلجأ إليها كسباً للوقت ولا بد أن تتبعها مرحلة تالية يردد العلماء والمختصون واللغويون النظر فيما ترجم من مصطلحات كي يصوبوا ما قد يكون اعتورها من قصور، ويضعوها في مكانها من اللغة العربية السائغة، فالمصطلح الأصيل المستمد من التراث أو ذلك المسكوك بالوسائل المتاحة للغة من قياس أو اشتقاق أو مجاز يجب أن يكون الهدف الأسمى لوضع المصطلح العربي.‏

يعرض الباحث بعد ذلك للشبهات التي واجهت هذا النوع من المصطلح الذي يدعو إليه فيناقشها واحدة واحدة مفنِّداً ما جاء فيها من ادعاءات لا تثبت على النظر.‏

ويختم بحثه بربط مشكلة المصطلح بمشكلة أكثر خطورة وأشدّ تأثيراً وهي مشكلة البحث العلمي الذي لم يأخذ بعد مكانه اللائق به عندنا. ثم يوصى بأمور أبرز ما جاء فيها:‏

1- بثّ الوعي اللغوي بين أبناء الأمة وإيقاظ غيرتهم على اللغة.‏

2- إنشاء مؤسسات متخصصة في حقول الترجمة تشبه بيت الحكمة العباسي.‏

3- تكوين أجيال من العلماء مزدوجي اللغة تمكنوا من ناصية العلم ومن اللغتين العربية والأجنبية .‏

4- تيسير المادة اللغوية العربية بتصنيف التراث اللغوي في كل العلوم حسب المعاني والاستعانة بالحاسوب لتذليل ذلك.‏

المحور الثالث: تيسير مباحث العربية:‏

النحو، والصرف، والبلاغة، والعروض، والإملاء‏

تناول هذا المحورَ بحوثٌ تسعةٌ هي:‏

1- إحياء العروض . للدكتور محمد حسان الطيان مدرّس اللسانيات في جامعة دمشق والباحث في مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق.- من سورية.‏

2- العروض بين اللسانيات والإيقاع . للدكتور إسماعيل الكفري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دمشق (سابقاً) - من سورية.‏

3 - تيسير البلاغة. للأستاذ الدكتور أحمد مطلوب الأمين العام للمجمع العلمي ببغداد- من العراق.‏

(وقد وزِّع البحث على المشاركين دون أن يلقى لاعتذار الأستاذ الباحث عن الحضور).‏

4- نحو تيسير قواعد اللغة العربية. للأستاذ الدكتور أحمد حامد عضو مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين. (وقد وزِّع البحث على المشاركين دون إلقاء أيضاً لتخلّف صاحبه عن الحضور).‏

5- تيسير مباحث النحو والصرف. للأستاذ الدكتور سامي عوض رئيس قسم اللغة العربية بجامعة تشرين باللاذقية- من سورية.‏

6- نظرات في قواعد الإملاء العربية. للأستاذ الدكتور عمر الدقاق رئيس اللغة العربية بجامعة حلب (سابقاً) - من سورية.‏

7- إعادة صوغ قواعد العربية. للأستاذ يوسف الصيداوي الباحث المعروف وصاحب البرنامج التلفزيوني (اللغة والناس) - من سورية.‏

8- إعادة بناء مفاهيم النحو. للأستاذة الدكتورة حورية الخياط أستاذة طرائق تدريس اللغة العربية بكلية التربية بجامعة دمشق- من سورية.‏

9- العلل التعليمية وأهميتها في النحو العربي. للدكتور سعد الكردي مدرس النحو والصرف بجامعة البعث بحمص - من سورية.‏

ونظراً لكثرة بحوث هذا المحور فسأعرض لاثنين منها:‏

الأول بحثي " إحياء العروض" الذي مهَّدتُ له بعرض أسباب صعوبة هذا الفن، فذكرت منها:‏


1- إغفال الصلة بين العروض والموسيقا والنغم والإيقاع.‏

2- التوسل إلى تقطيع الأبيات بوضع الإشارات المختلفة التي تمثل المتحرك والساكن ولا تفيد شيئاً في معرفة الوزن.‏

3- ربط تعلم العروض بفهم البحور التي لا تجدي شيئاً في تيسير معرفة الوزن.‏

4- مواجهة الطالب بحشد من المباحث والمصطلحات العروضية المتداخلة.‏

5- البدء بالصعب من البحور والتدرج نحو الأسهل.‏

ثمّ بيّنت أن في تجنب أسباب الصعوبة هذه تيسيراً لتعليم العروض وتذليلاً لكثير من العقبات المعترضة طريقه، وأوليت السبب الأول اهتمام البحث الأساسي فحاولت أن أعيد الصلة القديمة بين العروض والغناء من جهة، وبين العروض والإيقاع من جهة أخرى.‏

أمّا الغناء أو النغم فقد أوضحت أن كل بحر من بحور الشعر المشهورة يمكن أن ينطبق على أغنيةٍ محفوظة أو أكثر، فيغَّني كما تغنَّي، أو ينطبق على نشيد محفوظ فيُنشَد كما يُنشَد، ومن ثمَّ تكون هذه الأغنية أو النشيد بمنزلة المفتاح لهذا البحر، فإذا ما حاول الطالب أداء بيت من الشعر ينتمي إلى هذا البحر على لحن تلك الأغنية طاوعه اللحن وانقاد له الغناء ، وإذا كان البيت من بحر آخر تأبّى عليه اللحن ولم ينقد له الغناء. وقد ضربت مثالاً على ذلك بالبحر المتدارك الذي يمكن أن ينطبق على لحن قصيدة " يا ليلُ الصبُّ" بأداء فيروز ، أو لحن قصيدة " مضناك جفاه مرقدهُ" بأداء الموسيقار محمد عبد الوهاب، أو لحن قصيدة" يا صاح الصبر وهى مني" بأداء الأستاذ صباح فخري.‏

وأما الإيقاع فيقتضي أن نقابل كل حرف متحرك بنقرة، وكل حرف ساكن بعدم النقرة، فإذا تتابعت لحروف المتحركة تتابعت النقرات ، وإذا جاء الساكن انقطعت، فتفعيلة: (فاعلن) تقابلها النقرات: تك تتكْ، و (فعولن) تقابلها : تِتِكْ تِكْ وهكذا. وما أيسر أن نطِّبق ذلك على البيت التالي:‏

زرنا يوماً قوماً عُربْاً * * * * * * * * * قالوا أهْلاً سهْلا رحبا‏

تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ * * * * * تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ‏
ولا يقتصر الإيقاع على معرفة تقطيع البيت- بعد معرفة بحره غناءً- وإنما يعين إلى ذلك على تحديد ما اعتراه من جوازات، وما أصابه من علل وزحافات.‏

والبحت الثاني الذي سأعرض له في هذا المحور هو بحث الأستاذ يوسف الصيداوي:" إعادة صوغ قواعد العربية" الذي قصد منه إلى قراءة تراثنا النحوي واستلال القاعدة منه خالصة " من كل ما يحيط بها من تشعّب الآراء وكلّ ما يلابسها من التحيز لهذا المذهب أو ذاك . ثم إعادة صوغها بأسهل الألفاظ وأقربها وصولاً إلى العقل. وهو عمل شاقٌّ طويل، وجهد مبارك عظيم، أمضى الباحث فيه نحواً من خمس سنوات، انقطع فيها إليه انقطاع المستغرق المفتون- على حدِّ تعبيره- ثم بيّن مخطط عمله مشيراً إلى أنه كسر كتابه على ثلاثة أقسام:‏

الأول: فيه قواعد العربية، خالصةً من كل ما عداها وسماه (الكفاف) ليطابق اسمه مسمّاه.‏

والثاني : نماذج فصيحة، تلحق بكل بحث، بيّن فيها موضع القاعدة، وبسطها.‏

والثالث: تبينٌ لما استرشد به من المعالم والصُّوى، في ذهابه نحو القاعدة، ودفاع عن تجنبه ما تجنب ، وأخذه بما أخذ، مع ذكر للمصادر والمراجع. وسمّاه (الصُّوى إلى الكفاف).‏

وعرض الأستاذ الباحث لخمسة نماذج من كتابه ، نقتصر هنا على واحد منها وهو (المستثنى بـإلاَّ ) ففيه منبهةٌ على ما وراءه:‏

" المستثنى اسم يذكر بعد (إلاَّ ) مخالفاً ما قبلها نحو: (جاء الطّلاب إلآّ خالداً).‏

وهو منصوب قولاً واحداً، غير أنه إذا سبقه نفي أو شبهه، جاز مع النصب، إتباعه على البدلية مما قبله.‏

حُكمان:‏

الأول: قد يتقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: (لم يسافر إلاّ خالداً أحدٌ).‏

والثاني : قد يأتي المستثنى ولا صلة له بجنس ما قبله ، نحو : (وصلَ المسافرُ إلاّ أمتعتَه).‏

تمّ البحث فهذه هي قواعد المستثنى بـ (إلاّ) تامّة".‏

المحور الرابع: المعجم العربي‏

رمى هذا المحور، كما جاء في نصّ ما تدور حوله الندوة من محاور، إلى وصف المعجمات المتوافرة في الوقت الحاضر، وبيان ما فيها من مآخذ ، ووضع مشروع معجم عربي حديث يفي بجميع المتطلبات.‏

وقد تناول موضوع هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:‏

1- المعجم العربي. للدكتور جورج متري عبد المسيح المشرف على القسم العربي في دائرة النشر والمعاجم في مكتبة لبنان. من لبنان.‏

2- المعجم اللغوي المنشود بين معاجمنا القديمة والحديثة. للأستاذ محمود فاخوري أستاذ النحو والصرف في قسم اللغة العربية بجامعة حلب- من سورية.‏

3- المعجم العربي اللااشتقاقي. للأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان الاستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة البعث في حمص - من سورية.‏

4- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب رئيس مجموعة اللغة العربية في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق- من سورية.‏

ولما كان هذا البحث الأخير مشتركاً بين المحور الرابع والخامس فسأقتصر في العرض عليه بعد ذكر بحوث المحور الخامس.‏

المحور الخامس : مستقبل اللغة العربية‏

والمراد من هذا المحور دراسة وسائل تحديث اللغة العربية، واستغلال الإمكانات التقنية، ومنها الحاسوب ، لتستطيع هذه اللغة مسايرة التطور العلمي والتقني المتسارع.‏

وقد تناول موضوعَ هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:‏

1- اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين. للأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة- من مصر.‏

2- الحاسوب في خدمة اللغة العرب
2- الحاسوب في خدمة اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمد مراياتي مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق (سابقاً) - من سورية.‏

3- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب.‏

4- أبواب الفعل الثلاثي. دراسة لغوية تحليلية إحصائية باستخدام الحاسوب . للأستاذ الدكتور محمد جواد النوري نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين.‏

وهذا أوان الكلام على المعجم الحاسوبي.‏

عرّف الأستاذ الباحث مروان البوّاب المعجم الحاسوبي بأنه معجم للغة العربية يعمل بالحواسيب الشخصية على اختلاف أنواعها ، يحتوي على بيانات وجداول وقواعد تمكنه من عرض جميع المعارف المعجمية بسهولة ويسر، كما تمكِّن من إجراء عمليات بحثٍ متنوعة . فهو بذلك يلبّي حاجة المعلمين والمتعلمين، والمختصين ، وغير المختصين على حدٍّ سواء.‏

ثم ذكر الأستاذ الباحث أهم مزايا هذا المعجم ، فمن ذلك : تضمنه جميع المعجمات المطبوعة، وقدرته على تصريف الأفعال والأسماء في جميع حالاتها الصرفية، وإيراده جميع المفردات القياسية والسماعية ، واعتماده في عرضه للمعارف اللغوية على الوسائل الحاسوبية الحديثة Multmedia، ومما يمتاز به أخيراً سهولة التعامل وسرعة الأداء.‏

أما ما يتعلق بالنقاط التي ينبغي مراعاتها عند أعداد المعجم الحاسوبي ، فقد عرض الأستاذ الباحث ثلاث نقاط هي:‏

1- حسم أوجه الخلاف بين المعجمات، واعتماد الراجح واستبعاد المرجوح.‏

2- استغراق المعجم جميع مواد العربية، والشواهد والأمثلة والتراكيب اللغوية والعبارات الاصطلاحية.‏

3- تحديد المعارف الصرفية والنحوية والدلالية ، كلزوم الفعل وتعديته، ونوع الكلمة، وجموع التصحيح والتكسير، والاستعمال الصحيح للكلمة.‏

ثم ختَم البحثَ بعرض إحصاءٍ للإفعال العربية في المعجم الحاسوبي، ذكر فيه طائفةً من النتائج الإحصائية تعكس دقة العمل في هذا المعجم وجانباً من وجوه الإفادة منه.‏

لقد\ آتت بحوث الندوة أكلها على خير وجه، إذ عرضت لكل ما جاء في محاور الندوة من موضوعات، وكان الخير كل الخير في تعاقب أكثر من بحث على موضوع واحد، إذ أتاح المزيد من الإغناء وتعدد وجهات النظر، ومن ثم الخروج بمقترحات تغطي جميع الجوانب المطروقة. ولا شكَّ أن في اجتماع هذا اللفيف من العلماء والباحثين على اختلاف أوطانهم وثقافاتهم ومواردهم النفعَ العميمَ للعربية في حاضرها الزاهر ومستقبلها المشرق.‏

وبعد انتهاء أعمال الندوة عقدت جلسة ختامية للمقررات والتوصيات ترأسها الأستاذ الدكتور شاكر الفحام نوقشت فيها التوصيات والمقترحات التي انتهت إليها الندوة ، وفيما يلي نصها الكامل:‏

أولاً :توجيه الشكر العميق إلى مجمع اللغة العربية والقائمين من أعضائه بتنظيم الندوة تقديراً للجهود التي بذلت في الإعداد للندوة وتنظيمها.‏

ثانياً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من كبار المختصين في البلاد العربية مهمتها تأليف مرجع ميسر لقواعد النحو والصرف والإملاء بمعزل عن تشعب الآراء والتعقيد ، ثم إخراجه في طبعة رخيصة الثمن ليكون في متناول الناشئة والطلاب.‏

ثالثاً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من المختصين بالتراث العربي لوضع كتاب يضم مختارات من كتب التراث موزعة على جملة المعارف الإنسانية لتعريف الباحثين والطلاب بعيون التراث العربي. وإصدار هذا الكتاب في طبعة رخيصة ليكون في متناول المعنيين بالتراث العربي.‏

رابعاً : بذل مزيد من العناية في أعداد مدرس اللغة العربية، وتقويم أساليب تعليم اللغة العربية باستغلال الوسائل التقنية الحديثة والوسائل السمعية والبصرية ، وإقامة ندوات لمدرسي اللغة العربية تطلعهم على أنجع طرق التدريس وتدريبهم على استعمالها.‏

خامساً : السعي في جعل اللغة العربية المبسطة تعلم في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وتشجيع الأطفال على استعمالها والتماس الوسائل المعينة على تعليمها لهم. وكذلك تشجيع الطلاب في المراحل الثانوية والعالية على استعمالها.‏

سادساً : السعي لدى وزارة الإعلام في الأقطار العربية ولدى المسؤولين فيها لتوجيه مؤلفي المسلسلات والمسرحيات المذاعة أو المتلفزة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة فيما يؤلفونه، وكذلك الحد من طغيان العامية في الإعلانات التي تنشر في الصحف أو تعلن في الشوارع.‏

سابعاً : إلزام المحال التجارية والمطاعم ودور الملاهي والمؤسسات العامة والخاصة وغيرها باستعمال الألفاظ العربية في تسمية محالّهم وعدم اللجوء إلى اللغات الأجنبية.‏

ثامناً : مطالبة الحكومات العربية باتخاذ القرارات التنفيذية الحاسمة بتعريب التعليم العالي والجامعي تعريباً كاملاً . دون إغفال إلزام الطلاب في مختلف الكليات والمعاهد العلمية بتعلم إحدى اللغات الأجنبية الحية.‏

تاسعاً : توجيه المعلمين والمدرسين في مراحل التعليم كافة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة في مختلف المواد الدراسية لدى إلقائهم دروسهم ومحاضراتهم، وتشجيع طلبتهم على استخدامها.‏

عاشراً : حث المجامع اللغوية العلمية العربية على بذل مزيد من العناية في وضع المصطلحات العلمية والتقنية وفي مختلف مناحي المعرفة باستخدام المنهجية السليمة في وضعها واستخدام جميع الطرائق المتاحة كالاشتقاق والوضع والتعريب والنحت وغيرها.والسعي في توحيد هذه المصطلحات بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، ثم إصدار هذه المصطلحات الموحدة في كتب أو نشرات توزع على أوسع نطاق ولا سيما وزارات الاعلام مع التماس الوسائل الكفيلة باستخدام هذه المصطلحات في جميع المؤلفات والكتب المترجمة ووسائل الإعلام المختلفة.‏

حادي عشر: أن يعمل اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في إصدار معجم اشتقاقي حديث يفي بجميع المتطلبات على أن يراعى فيه سهولة المراجعة وتطور دلالات الألفاظ واستقصاء ما أقرّ من المصطلحات الموحدة وفاءً بحاجة الباحث المعاصر.‏

ثاني عشر: الاستفادة من الحاسوب والوسائل التقنية الحديثة في المجامع العربية واتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية لاختزان جميع الألفاظ العربية والمصطلحات والمواد المعرفية وتسجيلها في الاسطوانات والحافظات وأجهزة التسجيل لتمكين الباحثين من الاستفادة منها بطريقة ميسرة سريعة.‏

ثالث عشر: السعي في إصدار معجمات متخصصة في مختلف العلوم والمعارف وكذلك إصدار معجم تاريخي يبين تطور دلالات الألفاظ منذ العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.‏

رابع عشر: دعوة المجامع اللغوية العلمية العربية إلى متابعة عقد ندوات حول اللغة العربية تعالج مشكلاتها ومستقبلها‏

خامس عشر: إيصال توصيات هذه الندوة إلى المسؤولين في الأقطار العربية كافة ومناشدتهم السعي في إنفاذها.‏

سادس عشر: جمع بحوث هذه الندوة وإصدارها في كتاب يوزع على أوسع نطاق لتتم الاستفادة منها.‏

سابع عشر : توجيه الشكر إلى الحكومة السورية لعقدها هذه الندوة في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق وتحملها نفقاتها وعنايتها باللغة العربية وسعيها في ارتقائها، وتوجيه برقية شكر إلى القائد حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية لرعايته الكريمة للغة العربية وعلمائها.‏

إنَّ ما بذله مجمع اللغة العربية بدمشق من جهودٍ في سبيل عقد هذه الندوة والعمل على إنجاحها ، والسهر على متابعة بحوثها وتوزيعها كاملة على جميع المشاركين قبل إلقائها لخليق بالثناء والتقدير ، كيف لا وقد استنفر في سيبل ذلك كل الجهود، واستنفر كل الطاقات، بدءاً برئيسه الأستاذ الدكتور شاكر الفحام ونائبه الدكتور إحسان النص وأعضائه الموقرين، وانتهاء بكل عاملٍ فيه، فلهم جميعاً كل الشكر على ما بذلوه خدمةً للعربية وصوناً لها، وإبقاءً على رايتها خفاقةً عاليةً في دنيا العروبة والإسلام.‏
--------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العددان 71 - 72 - السنة 18 - تموز "يوليو" 1998 - ربيع الأول
يمامة الفرات
06-07-2008, 03:18 AM
جميل جدا
مثل هذه الندوات واللقاءات تسهم في الحفاظ على العربية
وتبيسطها لكل عربي

الموقع المستخذم https://www.dzodz.com/vb/archive/index.php/t-5104.html










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 12:17   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

عضو
lamiaken
الكاتب صوت العربية
السبت, 28 يونيو 2008 18:32
ندوة اللغة العربية معالم الحاضر و آفاق المستقبل دمشق 26-29/10/1997 ـــ د. محمد حسان الطيان

أقام مجمع اللغة العربية بدمشق ندوة للغة العربية عنوانها :" اللغة العربية معالم الحاضر وآفاق المستقبل" شارك فيها نحو من خمسة وعشرين باحثاً من الأٌقطار العربية الشقيقة، ومن القطر العربي السوري، وحضرها لفيف من العلماء والباحثين من أعضاء مجمع اللغة العربية وأساتذة الجامعة. وقد عقدت الندوة في قاعة المحاضرات في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق في المدة من 26/10/ حتى 29/ 10/ 1997. واستُهِلَّت بحفل افتتاح تمَّ في مكتبة الأسد الوطنية تحت رعاية الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي، وكانت الكلمة الأولى فيه للأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، والكلمة الثانية للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس المجمع السوداني ممثلاً للوفود المشاركة، ثم ختمت السيدة الوزيرة راعية الندوة بكلمة رحَّبت فيها بالضيوف العلماء ورجت لهم التوفيق والسداد في ندوتهم.‏

حدَّد القائمون على الندوة مسارَ بحوثها في محاور خمسة هي:‏

1- مشكلة الأداء في اللغة العربية.‏

2- التعريب والمصطلح.‏

3- تيسير مباحث العربية.‏

4- المعجم العربي.‏

5- مستقبل اللغة العربية.‏



واستجابت البحوث لهذا فتناولت محاور الندوة على نحوٍ استغرقها، وطرح فيها العديد من وجهات النظر، إذ تعاقب على كل محور غير ما بحث ، فكان في ذلك غنىً للمحور، وتوسعٌ في مناقشة ما يمكن أن يرد فيه من أفكار. هذا وقد توزعت بحوث الندوة على ستّ جلسات علمية، تمَّ في أولها انتخاب الأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيساً للندوة والأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر مقرراً لها . ثم بدأ إلقاء البحوث المشاركة تباعاً ، وخصص وقت في آخر كل جلسة للمناقشات والمداخلات والتعقيبات.‏

وسأعرض فيما يلي لعناوين البحوث في كل محورٍ مقتصراً في العرض والتحليل على بحثٍ متخيّرٍٍ من كل محور منها بما يقتضيه المقام في هذا المقال:‏

المحور الأول: مشكلة الأداء في اللغة العربية‏

والمراد من هذا المحور تحديداً أسباب الضعف في أداء العربية الفصحى وبيان أنجع الوسائل للقضاء على هذه الأسباب بغية الوصول إلى سلامة في الأداء وتمكّن من العربية. وقد ألقيت فيه البحوث التالية:‏

1- مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج . للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس مجمع اللغة العربية في السودان ورئيس مجلس جامعة الخرطوم- من السودان.‏

2- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر الأستاذ في جامعة دمشق، ورئيس قسم اللغة العربية فيها سابقاً- من سورية.‏

3- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور مسعود بوبو رئيس الموسوعة العربية وعضو مجمع اللغة العربيية بدمشق - من سورية.‏

4- مشكلة الأداء في اللغة العربية للأستاذ الدكتور محمد مختار ولد أبّاه أستاذ الدراسات الإسلامية في دار الحديث الحسنية بالرباط- من موريتانيا.‏

5- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمود أحمد السيد الأستاذ بكلية التربية بجامعة دمشق، والمدير الأسبق لإدارة التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

6- مشكلة الأداء في اللغة العربية في المغرب . للأستاذ الدكتور محمد بن شريفة الأمين العام لأكاديمية المملكة المغربية . من المغرب.‏

7- الإعلان وأثره في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عصام نور الدين أستاذ العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية - من لبنان.‏

في محاضرته "مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج " تناول الدكتور مسعود بوبو مفهوم الأداء فبيَّن أنه لا يقتصر على الإيصال والتلاوة والإتقان وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما من شأنه أن يؤثّر في اللغة العربية نطقاً وكتابةً وتعبيراً، مما يجعل المشكلة تتصدر همومنا العلمية والتعليمية وتمتد حتى تلامس الخطر القومي.ومن ثمّ بحث الدكتور بوبو عن أسباب المشكلة وحاول تحديدها موسِّعاً من دائرة هذه الأسباب ومخرجاً لها عن حيز الاقتصار على المدرسة أو الجامعة أو التعليم عموماً ، فهو يشرك كل هذه المؤسسات بالمسؤولية ويبرز جانباً آخر له تأثير كبير في ضعف الأداء وهو غياب الحافز القديم على إتقان العربية، فقد كانت العربية مطلباً حيوياً أثيراً... وكان تحصيلها استجابة لمتطلبات العقيدة الإسلامية ، وهو خير سبيل لصون لغة القرآن من فساد الألسنة.‏

وبعد ذلك عرض الدكتور بوبو لمحاولات التجديد والتيسير في النحو قديماً وحديثاً وأشار إلى أسلوب تناول المادة العلمية الذي يجري بطريقة إلقائية أو إملائية تلقينية كالقوالب الثابتة من جهة المدرّس، وحفظيةٍ خالصةٍ من جهة المتعلِّم، من غير حوار أو محاكمة أو اسستفسار، وبمعزل عن التذوق وتفجير الطاقات الكامنة... وجعل من أسباب الضعف في الأداء أيضاً تأثر بعض الأقطار العربية لغوياً بالاستعمار ، وازدحام بعض الأقطار بالدخلاء الأجانب:‏

" في هذا المضطرب زاحم العربية الدخيلُ واللغات الهجينة والتعدُّد اللغوي فوق ما تعانيه من ازدواج لغوي وجهل وأمية أحياناً ، فخفَّت جهارة صوتها القديم"‏

ثم عرض الباحث لمظهر من أعظم مظاهر هذا الضعف في الأداء يتجلَّى في وسائل الإعلام، حيث مثّل بأمثلة عملية تبدّى فيها مبلغ الجناية على العربية لدى بعض العاملين في الإعلام: " فإنّ هناك ضعفاً ملحوظاً في الأداء اللغوي الإعلامي: قراءةً، وإلقاءً، وصياغة أخبار وافتتاحيات، وتعليقات، وتحقيقات، ضعف يصل حدود الخطأ في القرآن الكريم...".‏

ولم يغفل الباحث ما للحكومات والهيئات والمؤسسات العلمية من عناية باللغة القومية تبدّت في إقامة ندوات واجتماعات ومحاضرات وبحوث، ومواجهة الغزو اللغوي بالحدَِّ من تفشِّي التسميات الأجنبية.‏

وقد أشار إلى الإجراءات التنفيذية التي تفرض العقوبات على المخالفين معتبراً هذه الإجراءات محرِّضاً لفعل شيء في طريق صون لغتنا ، وداعياً إلى عدم قصر المسألة على جهة معينة، بل لابدّ من تحمل الممسؤولية كاملة واشتراك كل المؤسسات (العلمية وغير العلمية) في هذه المسؤولية.‏

هذا وقد ختم الدكتور بوبو بحثه بجملة من الحلول نشير إلى أبرز ما جاء فيها:‏

1- البدء بحملة لتعميم القراءة في خطة منهجية شاملة.‏

2- إخراج الكتب التعليمية مشكولة الكلم، والحرص على تخيّر النصوص فيها، مما يمتع ويفيد من القديم والحديث، مع تعزيز منهج حفظ النصوص.‏

3- العمل على إرساء تقاليد الأداء اللغوي السليم في المؤسسات والإعلام، وتعميم الخطاب بالعربية الفصيحة قدر الإمكان، وتدريب الأجيال على ذلك.‏

4- التركيز على النحو الوظيفي، واستقراء النصوص واستخلاص الأحكام بالتأمل والمحاكمة لا بالوعظ والعقاب.‏

5- إخضاع فكرة تسهيل النحو لضوابط موضوعية حتى لا يؤول الأمر إلى التخلّي عن أصالة العربية وأسسها.‏

6- إخضاع الكتب والمناهج التعليمية إلى اختبارا وتقويم، وعقد دورات جادّة مطوّلة للمدرّسين بغية إعدادهم الإعداد المطلوب، والتركيز على التكامل في تحصيل العربية، نحواً وصرفاً وبلاغةً وإملاءً وأساليبَ....‏

7- قصر التجديد اللغوي أو التطور اللغوي على أرباب اللغة العالمين بها.‏

8- الإقبال على استخدام التقنيات الحديثة كالحواسيب والمخابر اللغوية وبرامج المعلوماتية الحديثة في الترجمة وتخزين المعاجم أو تصنيف القواعد....‏

المحور الثاني : التعريب والمصطلح‏

تناول هذا المحورَ بحوثٌ أربعة هي:‏

1- المصطلح العربي في عصر العولمة: للأستاذ الدكتور أحمد محمد الضبيب- من المملكة العربية السعودية.‏

2- نحو منهجية للتعريب اللفظي . للدكتور ممدوح خسارة المدرّس في جامعة الكويت- من سورية.‏

(وقد اعتذر عن عدم الحضور ولكن بحثه وزّع على المشاركين).‏

3- التعريب والمصطلح . للأستاذ شحادة الخوري الخبير السابق في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

4- من تاريخ التعريب والمعرّب : تقريب الشيخ طاهر الجزائري - تهذيب الدكتور أحمد عيسى للأستاذ الدكتور عزّ الديّن البدوي النجار- من سورية.‏

في بحثه "المصطلح العربي في عصر العولمة" نبَّه د. أحمد الضبيب على الخطر المحدق بالعربية في عصرنا هذا عصر العولمة (Mondialisation ويقصد بها جعل الشيء في دائرة اهتمام العالم أجمع وفي متناول أهله أجمعين)، ليعالج الجانب الأكثر خطورة وهو المصطلح العربي، داعياً إلى مواجهة هذا السيل الجارف من المصطلحات الدخيلة باستنفار قدرات لغتنا العربية في كلِّ مجال قبل أن نستقبل الدخيل ونضمه إلى معجمنا اللغوي.‏

وقد استعرض جملة من الجهود التي بذلها علماء عصر النهضة وخالفِوهم من المجمعيين، وهي جهود تراوح بين دعوة إلى إحياء المصطلح العربي القديم، وتساهل وتوسع في استعمال الدخيل، ليخلص إلى أن الاتجاه عند معظم المتأخرين يسير نحو الترجمة الحرفية والتعريب دون تتبع للأصيل من الألفاظ في ثنايا كتب التراث، وضرب لذلك أمثلة، اقتصر على واحد منها وهو مصطلح ورد في معجم مصطلحات النفط ونصّه:" ادفع وتسلم " ترجمة للمصطلح الإنكليزي: Caeey Cash and . يقول:" وعندي أن هذه الترجمة الحرفية لا تجري على العرف العربي، بل إن العجمة بادية عليها وكان بالإمكان ترجمة المصطلح "بالمناجزة" وهو مصطلح يستعمله فقهاء المالكية في أبواب المعاملات المالية، ويعنون به قبض العوض عند العقد . ويقول العرب: بعته ناجزاً بناجز أي يداً بيد....".‏

مما يؤكد أن الترجمة - إن وجدت- يمكن أن تعدّ مرحلة أولى يلجأ إليها كسباً للوقت ولا بد أن تتبعها مرحلة تالية يردد العلماء والمختصون واللغويون النظر فيما ترجم من مصطلحات كي يصوبوا ما قد يكون اعتورها من قصور، ويضعوها في مكانها من اللغة العربية السائغة، فالمصطلح الأصيل المستمد من التراث أو ذلك المسكوك بالوسائل المتاحة للغة من قياس أو اشتقاق أو مجاز يجب أن يكون الهدف الأسمى لوضع المصطلح العربي.‏

يعرض الباحث بعد ذلك للشبهات التي واجهت هذا النوع من المصطلح الذي يدعو إليه فيناقشها واحدة واحدة مفنِّداً ما جاء فيها من ادعاءات لا تثبت على النظر.‏

ويختم بحثه بربط مشكلة المصطلح بمشكلة أكثر خطورة وأشدّ تأثيراً وهي مشكلة البحث العلمي الذي لم يأخذ بعد مكانه اللائق به عندنا. ثم يوصى بأمور أبرز ما جاء فيها:‏

1- بثّ الوعي اللغوي بين أبناء الأمة وإيقاظ غيرتهم على اللغة.‏

2- إنشاء مؤسسات متخصصة في حقول الترجمة تشبه بيت الحكمة العباسي.‏

3- تكوين أجيال من العلماء مزدوجي اللغة تمكنوا من ناصية العلم ومن اللغتين العربية والأجنبية .‏

4- تيسير المادة اللغوية العربية بتصنيف التراث اللغوي في كل العلوم حسب المعاني والاستعانة بالحاسوب لتذليل ذلك.‏

المحور الثالث: تيسير مباحث العربية:‏

النحو، والصرف، والبلاغة، والعروض، والإملاء‏

تناول هذا المحورَ بحوثٌ تسعةٌ هي:‏

1- إحياء العروض . للدكتور محمد حسان الطيان مدرّس اللسانيات في جامعة دمشق والباحث في مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق.- من سورية.‏

2- العروض بين اللسانيات والإيقاع . للدكتور إسماعيل الكفري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دمشق (سابقاً) - من سورية.‏

3 - تيسير البلاغة. للأستاذ الدكتور أحمد مطلوب الأمين العام للمجمع العلمي ببغداد- من العراق.‏

(وقد وزِّع البحث على المشاركين دون أن يلقى لاعتذار الأستاذ الباحث عن الحضور).‏

4- نحو تيسير قواعد اللغة العربية. للأستاذ الدكتور أحمد حامد عضو مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين. (وقد وزِّع البحث على المشاركين دون إلقاء أيضاً لتخلّف صاحبه عن الحضور).‏

5- تيسير مباحث النحو والصرف. للأستاذ الدكتور سامي عوض رئيس قسم اللغة العربية بجامعة تشرين باللاذقية- من سورية.‏

6- نظرات في قواعد الإملاء العربية. للأستاذ الدكتور عمر الدقاق رئيس اللغة العربية بجامعة حلب (سابقاً) - من سورية.‏

7- إعادة صوغ قواعد العربية. للأستاذ يوسف الصيداوي الباحث المعروف وصاحب البرنامج التلفزيوني (اللغة والناس) - من سورية.‏

8- إعادة بناء مفاهيم النحو. للأستاذة الدكتورة حورية الخياط أستاذة طرائق تدريس اللغة العربية بكلية التربية بجامعة دمشق- من سورية.‏

9- العلل التعليمية وأهميتها في النحو العربي. للدكتور سعد الكردي مدرس النحو والصرف بجامعة البعث بحمص - من سورية.‏

ونظراً لكثرة بحوث هذا المحور فسأعرض لاثنين منها:‏

الأول بحثي " إحياء العروض" الذي مهَّدتُ له بعرض أسباب صعوبة هذا الفن، فذكرت منها:‏

1- إغفال الصلة بين العروض والموسيقا والنغم والإيقاع.‏

2- التوسل إلى تقطيع الأبيات بوضع الإشارات المختلفة التي تمثل المتحرك والساكن ولا تفيد شيئاً في معرفة الوزن.‏

3- ربط تعلم العروض بفهم البحور التي لا تجدي شيئاً في تيسير معرفة الوزن.‏

4- مواجهة الطالب بحشد من المباحث والمصطلحات العروضية المتداخلة.‏

5- البدء بالصعب من البحور والتدرج نحو الأسهل.‏

ثمّ بيّنت أن في تجنب أسباب الصعوبة هذه تيسيراً لتعليم العروض وتذليلاً لكثير من العقبات المعترضة طريقه، وأوليت السبب الأول اهتمام البحث الأساسي فحاولت أن أعيد الصلة القديمة بين العروض والغناء من جهة، وبين العروض والإيقاع من جهة أخرى.‏

أمّا الغناء أو النغم فقد أوضحت أن كل بحر من بحور الشعر المشهورة يمكن أن ينطبق على أغنيةٍ محفوظة أو أكثر، فيغَّني كما تغنَّي، أو ينطبق على نشيد محفوظ فيُنشَد كما يُنشَد، ومن ثمَّ تكون هذه الأغنية أو النشيد بمنزلة المفتاح لهذا البحر، فإذا ما حاول الطالب أداء بيت من الشعر ينتمي إلى هذا البحر على لحن تلك الأغنية طاوعه اللحن وانقاد له الغناء ، وإذا كان البيت من بحر آخر تأبّى عليه اللحن ولم ينقد له الغناء. وقد ضربت مثالاً على ذلك بالبحر المتدارك الذي يمكن أن ينطبق على لحن قصيدة " يا ليلُ الصبُّ" بأداء فيروز ، أو لحن قصيدة " مضناك جفاه مرقدهُ" بأداء الموسيقار محمد عبد الوهاب، أو لحن قصيدة" يا صاح الصبر وهى مني" بأداء الأستاذ صباح فخري.‏

وأما الإيقاع فيقتضي أن نقابل كل حرف متحرك بنقرة، وكل حرف ساكن بعدم النقرة، فإذا تتابعت لحروف المتحركة تتابعت النقرات ، وإذا جاء الساكن انقطعت، فتفعيلة: (فاعلن) تقابلها النقرات: تك تتكْ، و (فعولن) تقابلها : تِتِكْ تِكْ وهكذا. وما أيسر أن نطِّبق ذلك على البيت التالي:‏

زرنا يوماً قوماً عُربْاً * * * * * * * * * قالوا أهْلاً سهْلا رحبا‏

تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ * * * * * تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ‏

ولا يقتصر الإيقاع على معرفة تقطيع البيت- بعد معرفة بحره غناءً- وإنما يعين إلى ذلك على تحديد ما اعتراه من جوازات، وما أصابه من علل وزحافات.‏

والبحت الثاني الذي سأعرض له في هذا المحور هو بحث الأستاذ يوسف الصيداوي:" إعادة صوغ قواعد العربية" الذي قصد منه إلى قراءة تراثنا النحوي واستلال القاعدة منه خالصة " من كل ما يحيط بها من تشعّب الآراء وكلّ ما يلابسها من التحيز لهذا المذهب أو ذاك . ثم إعادة صوغها بأسهل الألفاظ وأقربها وصولاً إلى العقل. وهو عمل شاقٌّ طويل، وجهد مبارك عظيم، أمضى الباحث فيه نحواً من خمس سنوات، انقطع فيها إليه انقطاع المستغرق المفتون- على حدِّ تعبيره- ثم بيّن مخطط عمله مشيراً إلى أنه كسر كتابه على ثلاثة أقسام:‏

الأول: فيه قواعد العربية، خالصةً من كل ما عداها وسماه (الكفاف) ليطابق اسمه مسمّاه.‏

والثاني : نماذج فصيحة، تلحق بكل بحث، بيّن فيها موضع القاعدة، وبسطها.‏

والثالث: تبينٌ لما استرشد به من المعالم والصُّوى، في ذهابه نحو القاعدة، ودفاع عن تجنبه ما تجنب ، وأخذه بما أخذ، مع ذكر للمصادر والمراجع. وسمّاه (الصُّوى إلى الكفاف).‏

وعرض الأستاذ الباحث لخمسة نماذج من كتابه ، نقتصر هنا على واحد منها وهو (المستثنى بـإلاَّ ) ففيه منبهةٌ على ما وراءه:‏

" المستثنى اسم يذكر بعد (إلاَّ ) مخالفاً ما قبلها نحو: (جاء الطّلاب إلآّ خالداً).‏

وهو منصوب قولاً واحداً، غير أنه إذا سبقه نفي أو شبهه، جاز مع النصب، إتباعه على البدلية مما قبله.‏

حُكمان:‏

الأول: قد يتقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: (لم يسافر إلاّ خالداً أحدٌ).‏

والثاني : قد يأتي المستثنى ولا صلة له بجنس ما قبله ، نحو : (وصلَ المسافرُ إلاّ أمتعتَه).‏

تمّ البحث فهذه هي قواعد المستثنى بـ (إلاّ) تامّة".‏

المحور الرابع: المعجم العربي‏

رمى هذا المحور، كما جاء في نصّ ما تدور حوله الندوة من محاور، إلى وصف المعجمات المتوافرة في الوقت الحاضر، وبيان ما فيها من مآخذ ، ووضع مشروع معجم عربي حديث يفي بجميع المتطلبات.‏

وقد تناول موضوع هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:‏

1- المعجم العربي. للدكتور جورج متري عبد المسيح المشرف على القسم العربي في دائرة النشر والمعاجم في مكتبة لبنان. من لبنان.‏

2- المعجم اللغوي المنشود بين معاجمنا القديمة والحديثة. للأستاذ محمود فاخوري أستاذ النحو والصرف في قسم اللغة العربية بجامعة حلب- من سورية.‏

3- المعجم العربي اللااشتقاقي. للأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان الاستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة البعث في حمص - من سورية.‏

4- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب رئيس مجموعة اللغة العربية في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق- من سورية.‏

ولما كان هذا البحث الأخير مشتركاً بين المحور الرابع والخامس فسأقتصر في العرض عليه بعد ذكر بحوث المحور الخامس.‏

المحور الخامس : مستقبل اللغة العربية‏

والمراد من هذا المحور دراسة وسائل تحديث اللغة العربية، واستغلال الإمكانات التقنية، ومنها الحاسوب ، لتستطيع هذه اللغة مسايرة التطور العلمي والتقني المتسارع.‏

وقد تناول موضوعَ هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:‏

1- اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين. للأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة- من مصر.‏

2- الحاسوب في خدمة اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمد مراياتي مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق (سابقاً) - من سورية.‏

3- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب.‏

4- أبواب الفعل الثلاثي. دراسة لغوية تحليلية إحصائية باستخدام الحاسوب . للأستاذ الدكتور محمد جواد النوري نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين.‏

وهذا أوان الكلام على المعجم الحاسوبي.‏

عرّف الأستاذ الباحث مروان البوّاب المعجم الحاسوبي بأنه معجم للغة العربية يعمل بالحواسيب الشخصية على اختلاف أنواعها ، يحتوي على بيانات وجداول وقواعد تمكنه من عرض جميع المعارف المعجمية بسهولة ويسر، كما تمكِّن من إجراء عمليات بحثٍ متنوعة . فهو بذلك يلبّي حاجة المعلمين والمتعلمين، والمختصين ، وغير المختصين على حدٍّ سواء.‏

ثم ذكر الأستاذ الباحث أهم مزايا هذا المعجم ، فمن ذلك : تضمنه جميع المعجمات المطبوعة، وقدرته على تصريف الأفعال والأسماء في جميع حالاتها الصرفية، وإيراده جميع المفردات القياسية والسماعية ، واعتماده في عرضه للمعارف اللغوية على الوسائل الحاسوبية الحديثة Multmedia، ومما يمتاز به أخيراً سهولة التعامل وسرعة الأداء.‏

أما ما يتعلق بالنقاط التي ينبغي مراعاتها عند أعداد المعجم الحاسوبي ، فقد عرض الأستاذ الباحث ثلاث نقاط هي:‏

1- حسم أوجه الخلاف بين المعجمات، واعتماد الراجح واستبعاد المرجوح.‏

2- استغراق المعجم جميع مواد العربية، والشواهد والأمثلة والتراكيب اللغوية والعبارات الاصطلاحية.‏

3- تحديد المعارف الصرفية والنحوية والدلالية ، كلزوم الفعل وتعديته، ونوع الكلمة، وجموع التصحيح والتكسير، والاستعمال الصحيح للكلمة.‏

ثم ختَم البحثَ بعرض إحصاءٍ للإفعال العربية في المعجم الحاسوبي، ذكر فيه طائفةً من النتائج الإحصائية تعكس دقة العمل في هذا المعجم وجانباً من وجوه الإفادة منه.‏

لقد\ آتت بحوث الندوة أكلها على خير وجه، إذ عرضت لكل ما جاء في محاور الندوة من موضوعات، وكان الخير كل الخير في تعاقب أكثر من بحث على موضوع واحد، إذ أتاح المزيد من الإغناء وتعدد وجهات النظر، ومن ثم الخروج بمقترحات تغطي جميع الجوانب المطروقة. ولا شكَّ أن في اجتماع هذا اللفيف من العلماء والباحثين على اختلاف أوطانهم وثقافاتهم ومواردهم النفعَ العميمَ للعربية في حاضرها الزاهر ومستقبلها المشرق.‏

وبعد انتهاء أعمال الندوة عقدت جلسة ختامية للمقررات والتوصيات ترأسها الأستاذ الدكتور شاكر الفحام نوقشت فيها التوصيات والمقترحات التي انتهت إليها الندوة ، وفيما يلي نصها الكامل:‏

أولاً :توجيه الشكر العميق إلى مجمع اللغة العربية والقائمين من أعضائه بتنظيم الندوة تقديراً للجهود التي بذلت في الإعداد للندوة وتنظيمها.‏

ثانياً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من كبار المختصين في البلاد العربية مهمتها تأليف مرجع ميسر لقواعد النحو والصرف والإملاء بمعزل عن تشعب الآراء والتعقيد ، ثم إخراجه في طبعة رخيصة الثمن ليكون في متناول الناشئة والطلاب.‏

ثالثاً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من المختصين بالتراث العربي لوضع كتاب يضم مختارات من كتب التراث موزعة على جملة المعارف الإنسانية لتعريف الباحثين والطلاب بعيون التراث العربي. وإصدار هذا الكتاب في طبعة رخيصة ليكون في متناول المعنيين بالتراث العربي.‏

رابعاً : بذل مزيد من العناية في أعداد مدرس اللغة العربية، وتقويم أساليب تعليم اللغة العربية باستغلال الوسائل التقنية الحديثة والوسائل السمعية والبصرية ، وإقامة ندوات لمدرسي اللغة العربية تطلعهم على أنجع طرق التدريس وتدريبهم على استعمالها.‏

خامساً : السعي في جعل اللغة العربية المبسطة تعلم في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وتشجيع الأطفال على استعمالها والتماس الوسائل المعينة على تعليمها لهم. وكذلك تشجيع الطلاب في المراحل الثانوية والعالية على استعمالها.‏

سادساً : السعي لدى وزارة الإعلام في الأقطار العربية ولدى المسؤولين فيها لتوجيه مؤلفي المسلسلات والمسرحيات المذاعة أو المتلفزة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة فيما يؤلفونه، وكذلك الحد من طغيان العامية في الإعلانات التي تنشر في الصحف أو تعلن في الشوارع.‏

سابعاً : إلزام المحال التجارية والمطاعم ودور الملاهي والمؤسسات العامة والخاصة وغيرها باستعمال الألفاظ العربية في تسمية محالّهم وعدم اللجوء إلى اللغات الأجنبية.‏

ثامناً : مطالبة الحكومات العربية باتخاذ القرارات التنفيذية الحاسمة بتعريب التعليم العالي والجامعي تعريباً كاملاً . دون إغفال إلزام الطلاب في مختلف الكليات والمعاهد العلمية بتعلم إحدى اللغات الأجنبية الحية.‏

تاسعاً : توجيه المعلمين والمدرسين في مراحل التعليم كافة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة في مختلف المواد الدراسية لدى إلقائهم دروسهم ومحاضراتهم، وتشجيع طلبتهم على استخدامها.‏

عاشراً : حث المجامع اللغوية العلمية العربية على بذل مزيد من العناية في وضع المصطلحات العلمية والتقنية وفي مختلف مناحي المعرفة باستخدام المنهجية السليمة في وضعها واستخدام جميع الطرائق المتاحة كالاشتقاق والوضع والتعريب والنحت وغيرها.والسعي في توحيد هذه المصطلحات بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، ثم إصدار هذه المصطلحات الموحدة في كتب أو نشرات توزع على أوسع نطاق ولا سيما وزارات الاعلام مع التماس الوسائل الكفيلة باستخدام هذه المصطلحات في جميع المؤلفات والكتب المترجمة ووسائل الإعلام المختلفة.‏

حادي عشر: أن يعمل اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في إصدار معجم اشتقاقي حديث يفي بجميع المتطلبات على أن يراعى فيه سهولة المراجعة وتطور دلالات الألفاظ واستقصاء ما أقرّ من المصطلحات الموحدة وفاءً بحاجة الباحث المعاصر.‏

ثاني عشر: الاستفادة من الحاسوب والوسائل التقنية الحديثة في المجامع العربية واتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية لاختزان جميع الألفاظ العربية والمصطلحات والمواد المعرفية وتسجيلها في الاسطوانات والحافظات وأجهزة التسجيل لتمكين الباحثين من الاستفادة منها بطريقة ميسرة سريعة.‏

ثالث عشر: السعي في إصدار معجمات متخصصة في مختلف العلوم والمعارف وكذلك إصدار معجم تاريخي يبين تطور دلالات الألفاظ منذ العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.‏

رابع عشر: دعوة المجامع اللغوية العلمية العربية إلى متابعة عقد ندوات حول اللغة العربية تعالج مشكلاتها ومستقبلها‏

خامس عشر: إيصال توصيات هذه الندوة إلى المسؤولين في الأقطار العربية كافة ومناشدتهم السعي في إنفاذها.‏

سادس عشر: جمع بحوث هذه الندوة وإصدارها في كتاب يوزع على أوسع نطاق لتتم الاستفادة منها.‏

سابع عشر : توجيه الشكر إلى الحكومة السورية لعقدها هذه الندوة في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق وتحملها نفقاتها وعنايتها باللغة العربية وسعيها في ارتقائها، وتوجيه برقية شكر إلى القائد حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية لرعايته الكريمة للغة العربية وعلمائها.‏

إنَّ ما بذله مجمع اللغة العربية بدمشق من جهودٍ في سبيل عقد هذه الندوة والعمل على إنجاحها ، والسهر على متابعة بحوثها وتوزيعها كاملة على جميع المشاركين قبل إلقائها لخليق بالثناء والتقدير ، كيف لا وقد استنفر في سيبل ذلك كل الجهود، واستنفر كل الطاقات، بدءاً برئيسه الأستاذ الدكتور شاكر الفحام ونائبه الدكتور إحسان النص وأعضائه الموقرين، وانتهاء بكل عاملٍ فيه، فلهم جميعاً كل الشكر على ما بذلوه خدمةً للعربية وصوناً لها، وإبقاءً على رايتها خفاقةً عاليةً في دنيا العروبة والإسلام.‏
--------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العددان 71 - 72 - السنة 18 - تموز "يوليو" 1998 - ربيع الأول 1418

إضافة إلى المفضلة المشاهدات: 5595
روابط معادة(0)
روابط تشير إلى هذا التعليق
التعليقات (0)
RSS

أضف تعليقاً
الاسم

البريد الإلكتروني

الموقع الإلكتروني

العنوان

التعليق

تصغير | تكبير
الإشتراك بواسطة البريد الإلكتروني (الأعضاء المسجلين فقط)

الرجاء إدخال الحروف الظاهرة.


أضف تعليقاً إستعراض

< السابق التالي >

استعراض المقالات الأخرى للكاتب

الأخبار
القرآن الكريم
النادي اللغوي
خصائص العربية
بحوث لغوية
بحوث نحوية
بحوث صوتية
منظومات لغوية
قالوا عن العربية
التصحيح اللغوي
مؤتمرات لغوية
مجموعات من اللغويين
بحوث بلاغية
اللغة العربية والتقنية
النادي الأدبي
المعجمية العربية
التعريب والترجمة
قاعة المصطلحات
اللغة العربية في قرارات
حوارات مع
تعليم العربية للعرب
تعليم العربية لغير العرب
نادي البحث العلمي
خدمات الباحثين
شركاء في الميدان
قضايا ساخنة
فهارس وكشافات
قاعة التعليم
تقويم علمي ومراجعات
العربيّة واللغات الأخرى
متواصلون من وراء البحار
العربيّة خلف الحدود
في وجه الغزو اللغويّ
مشاركات عامّة من الزوّار
الاستشراق
الموقع المستخذم https://www.voiceofarabic.net/index.p...-53&Itemid=342










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 12:19   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

عضو
lamiaken

تصنيفات: مؤتمرات لغوية
تقييم المستخدمين: / 2
سيئجيد
الكاتب صوت العربية
السبت, 28 يونيو 2008 18:32
ندوة اللغة العربية معالم الحاضر و آفاق المستقبل دمشق 26-29/10/1997 ـــ د. محمد حسان الطيان

أقام مجمع اللغة العربية بدمشق ندوة للغة العربية عنوانها :" اللغة العربية معالم الحاضر وآفاق المستقبل" شارك فيها نحو من خمسة وعشرين باحثاً من الأٌقطار العربية الشقيقة، ومن القطر العربي السوري، وحضرها لفيف من العلماء والباحثين من أعضاء مجمع اللغة العربية وأساتذة الجامعة. وقد عقدت الندوة في قاعة المحاضرات في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق في المدة من 26/10/ حتى 29/ 10/ 1997. واستُهِلَّت بحفل افتتاح تمَّ في مكتبة الأسد الوطنية تحت رعاية الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي، وكانت الكلمة الأولى فيه للأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، والكلمة الثانية للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس المجمع السوداني ممثلاً للوفود المشاركة، ثم ختمت السيدة الوزيرة راعية الندوة بكلمة رحَّبت فيها بالضيوف العلماء ورجت لهم التوفيق والسداد في ندوتهم.‏

حدَّد القائمون على الندوة مسارَ بحوثها في محاور خمسة هي:‏

1- مشكلة الأداء في اللغة العربية.‏

2- التعريب والمصطلح.‏

3- تيسير مباحث العربية.‏

4- المعجم العربي.‏

5- مستقبل اللغة العربية.‏



واستجابت البحوث لهذا فتناولت محاور الندوة على نحوٍ استغرقها، وطرح فيها العديد من وجهات النظر، إذ تعاقب على كل محور غير ما بحث ، فكان في ذلك غنىً للمحور، وتوسعٌ في مناقشة ما يمكن أن يرد فيه من أفكار. هذا وقد توزعت بحوث الندوة على ستّ جلسات علمية، تمَّ في أولها انتخاب الأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيساً للندوة والأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر مقرراً لها . ثم بدأ إلقاء البحوث المشاركة تباعاً ، وخصص وقت في آخر كل جلسة للمناقشات والمداخلات والتعقيبات.‏

وسأعرض فيما يلي لعناوين البحوث في كل محورٍ مقتصراً في العرض والتحليل على بحثٍ متخيّرٍٍ من كل محور منها بما يقتضيه المقام في هذا المقال:‏

المحور الأول: مشكلة الأداء في اللغة العربية‏

والمراد من هذا المحور تحديداً أسباب الضعف في أداء العربية الفصحى وبيان أنجع الوسائل للقضاء على هذه الأسباب بغية الوصول إلى سلامة في الأداء وتمكّن من العربية. وقد ألقيت فيه البحوث التالية:‏

1- مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج . للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس مجمع اللغة العربية في السودان ورئيس مجلس جامعة الخرطوم- من السودان.‏

2- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر الأستاذ في جامعة دمشق، ورئيس قسم اللغة العربية فيها سابقاً- من سورية.‏

3- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور مسعود بوبو رئيس الموسوعة العربية وعضو مجمع اللغة العربيية بدمشق - من سورية.‏

4- مشكلة الأداء في اللغة العربية للأستاذ الدكتور محمد مختار ولد أبّاه أستاذ الدراسات الإسلامية في دار الحديث الحسنية بالرباط- من موريتانيا.‏

5- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمود أحمد السيد الأستاذ بكلية التربية بجامعة دمشق، والمدير الأسبق لإدارة التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

6- مشكلة الأداء في اللغة العربية في المغرب . للأستاذ الدكتور محمد بن شريفة الأمين العام لأكاديمية المملكة المغربية . من المغرب.‏

7- الإعلان وأثره في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عصام نور الدين أستاذ العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية - من لبنان.‏

في محاضرته "مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج " تناول الدكتور مسعود بوبو مفهوم الأداء فبيَّن أنه لا يقتصر على الإيصال والتلاوة والإتقان وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما من شأنه أن يؤثّر في اللغة العربية نطقاً وكتابةً وتعبيراً، مما يجعل المشكلة تتصدر همومنا العلمية والتعليمية وتمتد حتى تلامس الخطر القومي.ومن ثمّ بحث الدكتور بوبو عن أسباب المشكلة وحاول تحديدها موسِّعاً من دائرة هذه الأسباب ومخرجاً لها عن حيز الاقتصار على المدرسة أو الجامعة أو التعليم عموماً ، فهو يشرك كل هذه المؤسسات بالمسؤولية ويبرز جانباً آخر له تأثير كبير في ضعف الأداء وهو غياب الحافز القديم على إتقان العربية، فقد كانت العربية مطلباً حيوياً أثيراً... وكان تحصيلها استجابة لمتطلبات العقيدة الإسلامية ، وهو خير سبيل لصون لغة القرآن من فساد الألسنة.‏

وبعد ذلك عرض الدكتور بوبو لمحاولات التجديد والتيسير في النحو قديماً وحديثاً وأشار إلى أسلوب تناول المادة العلمية الذي يجري بطريقة إلقائية أو إملائية تلقينية كالقوالب الثابتة من جهة المدرّس، وحفظيةٍ خالصةٍ من جهة المتعلِّم، من غير حوار أو محاكمة أو اسستفسار، وبمعزل عن التذوق وتفجير الطاقات الكامنة... وجعل من أسباب الضعف في الأداء أيضاً تأثر بعض الأقطار العربية لغوياً بالاستعمار ، وازدحام بعض الأقطار بالدخلاء الأجانب:‏

" في هذا المضطرب زاحم العربية الدخيلُ واللغات الهجينة والتعدُّد اللغوي فوق ما تعانيه من ازدواج لغوي وجهل وأمية أحياناً ، فخفَّت جهارة صوتها القديم"‏

ثم عرض الباحث لمظهر من أعظم مظاهر هذا الضعف في الأداء يتجلَّى في وسائل الإعلام، حيث مثّل بأمثلة عملية تبدّى فيها مبلغ الجناية على العربية لدى بعض العاملين في الإعلام: " فإنّ هناك ضعفاً ملحوظاً في الأداء اللغوي الإعلامي: قراءةً، وإلقاءً، وصياغة أخبار وافتتاحيات، وتعليقات، وتحقيقات، ضعف يصل حدود الخطأ في القرآن الكريم...".‏

ولم يغفل الباحث ما للحكومات والهيئات والمؤسسات العلمية من عناية باللغة القومية تبدّت في إقامة ندوات واجتماعات ومحاضرات وبحوث، ومواجهة الغزو اللغوي بالحدَِّ من تفشِّي التسميات الأجنبية.‏

وقد أشار إلى الإجراءات التنفيذية التي تفرض العقوبات على المخالفين معتبراً هذه الإجراءات محرِّضاً لفعل شيء في طريق صون لغتنا ، وداعياً إلى عدم قصر المسألة على جهة معينة، بل لابدّ من تحمل الممسؤولية كاملة واشتراك كل المؤسسات (العلمية وغير العلمية) في هذه المسؤولية.‏

هذا وقد ختم الدكتور بوبو بحثه بجملة من الحلول نشير إلى أبرز ما جاء فيها:‏

1- البدء بحملة لتعميم القراءة في خطة منهجية شاملة.‏

2- إخراج الكتب التعليمية مشكولة الكلم، والحرص على تخيّر النصوص فيها، مما يمتع ويفيد من القديم والحديث، مع تعزيز منهج حفظ النصوص.‏

3- العمل على إرساء تقاليد الأداء اللغوي السليم في المؤسسات والإعلام، وتعميم الخطاب بالعربية الفصيحة قدر الإمكان، وتدريب الأجيال على ذلك.‏

4- التركيز على النحو الوظيفي، واستقراء النصوص واستخلاص الأحكام بالتأمل والمحاكمة لا بالوعظ والعقاب.‏

5- إخضاع فكرة تسهيل النحو لضوابط موضوعية حتى لا يؤول الأمر إلى التخلّي عن أصالة العربية وأسسها.‏

6- إخضاع الكتب والمناهج التعليمية إلى اختبارا وتقويم، وعقد دورات جادّة مطوّلة للمدرّسين بغية إعدادهم الإعداد المطلوب، والتركيز على التكامل في تحصيل العربية، نحواً وصرفاً وبلاغةً وإملاءً وأساليبَ....‏

7- قصر التجديد اللغوي أو التطور اللغوي على أرباب اللغة العالمين بها.‏

8- الإقبال على استخدام التقنيات الحديثة كالحواسيب والمخابر اللغوية وبرامج المعلوماتية الحديثة في الترجمة وتخزين المعاجم أو تصنيف القواعد....‏

المحور الثاني : التعريب والمصطلح‏

تناول هذا المحورَ بحوثٌ أربعة هي:‏

1- المصطلح العربي في عصر العولمة: للأستاذ الدكتور أحمد محمد الضبيب- من المملكة العربية السعودية.‏

2- نحو منهجية للتعريب اللفظي . للدكتور ممدوح خسارة المدرّس في جامعة الكويت- من سورية.‏

(وقد اعتذر عن عدم الحضور ولكن بحثه وزّع على المشاركين).‏

3- التعريب والمصطلح . للأستاذ شحادة الخوري الخبير السابق في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.‏

4- من تاريخ التعريب والمعرّب : تقريب الشيخ طاهر الجزائري - تهذيب الدكتور أحمد عيسى للأستاذ الدكتور عزّ الديّن البدوي النجار- من سورية.‏

في بحثه "المصطلح العربي في عصر العولمة" نبَّه د. أحمد الضبيب على الخطر المحدق بالعربية في عصرنا هذا عصر العولمة (Mondialisation ويقصد بها جعل الشيء في دائرة اهتمام العالم أجمع وفي متناول أهله أجمعين)، ليعالج الجانب الأكثر خطورة وهو المصطلح العربي، داعياً إلى مواجهة هذا السيل الجارف من المصطلحات الدخيلة باستنفار قدرات لغتنا العربية في كلِّ مجال قبل أن نستقبل الدخيل ونضمه إلى معجمنا اللغوي.‏

وقد استعرض جملة من الجهود التي بذلها علماء عصر النهضة وخالفِوهم من المجمعيين، وهي جهود تراوح بين دعوة إلى إحياء المصطلح العربي القديم، وتساهل وتوسع في استعمال الدخيل، ليخلص إلى أن الاتجاه عند معظم المتأخرين يسير نحو الترجمة الحرفية والتعريب دون تتبع للأصيل من الألفاظ في ثنايا كتب التراث، وضرب لذلك أمثلة، اقتصر على واحد منها وهو مصطلح ورد في معجم مصطلحات النفط ونصّه:" ادفع وتسلم " ترجمة للمصطلح الإنكليزي: Caeey Cash and . يقول:" وعندي أن هذه الترجمة الحرفية لا تجري على العرف العربي، بل إن العجمة بادية عليها وكان بالإمكان ترجمة المصطلح "بالمناجزة" وهو مصطلح يستعمله فقهاء المالكية في أبواب المعاملات المالية، ويعنون به قبض العوض عند العقد . ويقول العرب: بعته ناجزاً بناجز أي يداً بيد....".‏

مما يؤكد أن الترجمة - إن وجدت- يمكن أن تعدّ مرحلة أولى يلجأ إليها كسباً للوقت ولا بد أن تتبعها مرحلة تالية يردد العلماء والمختصون واللغويون النظر فيما ترجم من مصطلحات كي يصوبوا ما قد يكون اعتورها من قصور، ويضعوها في مكانها من اللغة العربية السائغة، فالمصطلح الأصيل المستمد من التراث أو ذلك المسكوك بالوسائل المتاحة للغة من قياس أو اشتقاق أو مجاز يجب أن يكون الهدف الأسمى لوضع المصطلح العربي.‏

يعرض الباحث بعد ذلك للشبهات التي واجهت هذا النوع من المصطلح الذي يدعو إليه فيناقشها واحدة واحدة مفنِّداً ما جاء فيها من ادعاءات لا تثبت على النظر.‏

ويختم بحثه بربط مشكلة المصطلح بمشكلة أكثر خطورة وأشدّ تأثيراً وهي مشكلة البحث العلمي الذي لم يأخذ بعد مكانه اللائق به عندنا. ثم يوصى بأمور أبرز ما جاء فيها:‏

1- بثّ الوعي اللغوي بين أبناء الأمة وإيقاظ غيرتهم على اللغة.‏

2- إنشاء مؤسسات متخصصة في حقول الترجمة تشبه بيت الحكمة العباسي.‏

3- تكوين أجيال من العلماء مزدوجي اللغة تمكنوا من ناصية العلم ومن اللغتين العربية والأجنبية .‏

4- تيسير المادة اللغوية العربية بتصنيف التراث اللغوي في كل العلوم حسب المعاني والاستعانة بالحاسوب لتذليل ذلك.‏

المحور الثالث: تيسير مباحث العربية:‏

النحو، والصرف، والبلاغة، والعروض، والإملاء‏

تناول هذا المحورَ بحوثٌ تسعةٌ هي:‏

1- إحياء العروض . للدكتور محمد حسان الطيان مدرّس اللسانيات في جامعة دمشق والباحث في مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق.- من سورية.‏

2- العروض بين اللسانيات والإيقاع . للدكتور إسماعيل الكفري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دمشق (سابقاً) - من سورية.‏

3 - تيسير البلاغة. للأستاذ الدكتور أحمد مطلوب الأمين العام للمجمع العلمي ببغداد- من العراق.‏

(وقد وزِّع البحث على المشاركين دون أن يلقى لاعتذار الأستاذ الباحث عن الحضور).‏

4- نحو تيسير قواعد اللغة العربية. للأستاذ الدكتور أحمد حامد عضو مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين. (وقد وزِّع البحث على المشاركين دون إلقاء أيضاً لتخلّف صاحبه عن الحضور).‏

5- تيسير مباحث النحو والصرف. للأستاذ الدكتور سامي عوض رئيس قسم اللغة العربية بجامعة تشرين باللاذقية- من سورية.‏

6- نظرات في قواعد الإملاء العربية. للأستاذ الدكتور عمر الدقاق رئيس اللغة العربية بجامعة حلب (سابقاً) - من سورية.‏

7- إعادة صوغ قواعد العربية. للأستاذ يوسف الصيداوي الباحث المعروف وصاحب البرنامج التلفزيوني (اللغة والناس) - من سورية.‏

8- إعادة بناء مفاهيم النحو. للأستاذة الدكتورة حورية الخياط أستاذة طرائق تدريس اللغة العربية بكلية التربية بجامعة دمشق- من سورية.‏

9- العلل التعليمية وأهميتها في النحو العربي. للدكتور سعد الكردي مدرس النحو والصرف بجامعة البعث بحمص - من سورية.‏

ونظراً لكثرة بحوث هذا المحور فسأعرض لاثنين منها:‏

الأول بحثي " إحياء العروض" الذي مهَّدتُ له بعرض أسباب صعوبة هذا الفن، فذكرت منها:‏

1- إغفال الصلة بين العروض والموسيقا والنغم والإيقاع.‏

2- التوسل إلى تقطيع الأبيات بوضع الإشارات المختلفة التي تمثل المتحرك والساكن ولا تفيد شيئاً في معرفة الوزن.‏

3- ربط تعلم العروض بفهم البحور التي لا تجدي شيئاً في تيسير معرفة الوزن.‏

4- مواجهة الطالب بحشد من المباحث والمصطلحات العروضية المتداخلة.‏

5- البدء بالصعب من البحور والتدرج نحو الأسهل.‏

ثمّ بيّنت أن في تجنب أسباب الصعوبة هذه تيسيراً لتعليم العروض وتذليلاً لكثير من العقبات المعترضة طريقه، وأوليت السبب الأول اهتمام البحث الأساسي فحاولت أن أعيد الصلة القديمة بين العروض والغناء من جهة، وبين العروض والإيقاع من جهة أخرى.‏

أمّا الغناء أو النغم فقد أوضحت أن كل بحر من بحور الشعر المشهورة يمكن أن ينطبق على أغنيةٍ محفوظة أو أكثر، فيغَّني كما تغنَّي، أو ينطبق على نشيد محفوظ فيُنشَد كما يُنشَد، ومن ثمَّ تكون هذه الأغنية أو النشيد بمنزلة المفتاح لهذا البحر، فإذا ما حاول الطالب أداء بيت من الشعر ينتمي إلى هذا البحر على لحن تلك الأغنية طاوعه اللحن وانقاد له الغناء ، وإذا كان البيت من بحر آخر تأبّى عليه اللحن ولم ينقد له الغناء. وقد ضربت مثالاً على ذلك بالبحر المتدارك الذي يمكن أن ينطبق على لحن قصيدة " يا ليلُ الصبُّ" بأداء فيروز ، أو لحن قصيدة " مضناك جفاه مرقدهُ" بأداء الموسيقار محمد عبد الوهاب، أو لحن قصيدة" يا صاح الصبر وهى مني" بأداء الأستاذ صباح فخري.‏

وأما الإيقاع فيقتضي أن نقابل كل حرف متحرك بنقرة، وكل حرف ساكن بعدم النقرة، فإذا تتابعت لحروف المتحركة تتابعت النقرات ، وإذا جاء الساكن انقطعت، فتفعيلة: (فاعلن) تقابلها النقرات: تك تتكْ، و (فعولن) تقابلها : تِتِكْ تِكْ وهكذا. وما أيسر أن نطِّبق ذلك على البيت التالي:‏

زرنا يوماً قوماً عُربْاً * * * * * * * * * قالوا أهْلاً سهْلا رحبا‏

تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ * * * * * تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ‏

ولا يقتصر الإيقاع على معرفة تقطيع البيت- بعد معرفة بحره غناءً- وإنما يعين إلى ذلك على تحديد ما اعتراه من جوازات، وما أصابه من علل وزحافات.‏

والبحت الثاني الذي سأعرض له في هذا المحور هو بحث الأستاذ يوسف الصيداوي:" إعادة صوغ قواعد العربية" الذي قصد منه إلى قراءة تراثنا النحوي واستلال القاعدة منه خالصة " من كل ما يحيط بها من تشعّب الآراء وكلّ ما يلابسها من التحيز لهذا المذهب أو ذاك . ثم إعادة صوغها بأسهل الألفاظ وأقربها وصولاً إلى العقل. وهو عمل شاقٌّ طويل، وجهد مبارك عظيم، أمضى الباحث فيه نحواً من خمس سنوات، انقطع فيها إليه انقطاع المستغرق المفتون- على حدِّ تعبيره- ثم بيّن مخطط عمله مشيراً إلى أنه كسر كتابه على ثلاثة أقسام:‏

الأول: فيه قواعد العربية، خالصةً من كل ما عداها وسماه (الكفاف) ليطابق اسمه مسمّاه.‏

والثاني : نماذج فصيحة، تلحق بكل بحث، بيّن فيها موضع القاعدة، وبسطها.‏

والثالث: تبينٌ لما استرشد به من المعالم والصُّوى، في ذهابه نحو القاعدة، ودفاع عن تجنبه ما تجنب ، وأخذه بما أخذ، مع ذكر للمصادر والمراجع. وسمّاه (الصُّوى إلى الكفاف).‏

وعرض الأستاذ الباحث لخمسة نماذج من كتابه ، نقتصر هنا على واحد منها وهو (المستثنى بـإلاَّ ) ففيه منبهةٌ على ما وراءه:‏

" المستثنى اسم يذكر بعد (إلاَّ ) مخالفاً ما قبلها نحو: (جاء الطّلاب إلآّ خالداً).‏

وهو منصوب قولاً واحداً، غير أنه إذا سبقه نفي أو شبهه، جاز مع النصب، إتباعه على البدلية مما قبله.‏

حُكمان:‏

الأول: قد يتقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: (لم يسافر إلاّ خالداً أحدٌ).‏

والثاني : قد يأتي المستثنى ولا صلة له بجنس ما قبله ، نحو : (وصلَ المسافرُ إلاّ أمتعتَه).‏

تمّ البحث فهذه هي قواعد المستثنى بـ (إلاّ) تامّة".‏

المحور الرابع: المعجم العربي‏

رمى هذا المحور، كما جاء في نصّ ما تدور حوله الندوة من محاور، إلى وصف المعجمات المتوافرة في الوقت الحاضر، وبيان ما فيها من مآخذ ، ووضع مشروع معجم عربي حديث يفي بجميع المتطلبات.‏

وقد تناول موضوع هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:‏

1- المعجم العربي. للدكتور جورج متري عبد المسيح المشرف على القسم العربي في دائرة النشر والمعاجم في مكتبة لبنان. من لبنان.‏

2- المعجم اللغوي المنشود بين معاجمنا القديمة والحديثة. للأستاذ محمود فاخوري أستاذ النحو والصرف في قسم اللغة العربية بجامعة حلب- من سورية.‏

3- المعجم العربي اللااشتقاقي. للأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان الاستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة البعث في حمص - من سورية.‏

4- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب رئيس مجموعة اللغة العربية في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق- من سورية.‏

ولما كان هذا البحث الأخير مشتركاً بين المحور الرابع والخامس فسأقتصر في العرض عليه بعد ذكر بحوث المحور الخامس.‏

المحور الخامس : مستقبل اللغة العربية‏

والمراد من هذا المحور دراسة وسائل تحديث اللغة العربية، واستغلال الإمكانات التقنية، ومنها الحاسوب ، لتستطيع هذه اللغة مسايرة التطور العلمي والتقني المتسارع.‏

وقد تناول موضوعَ هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:‏

1- اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين. للأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة- من مصر.‏

2- الحاسوب في خدمة اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمد مراياتي مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق (سابقاً) - من سورية.‏

3- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب.‏

4- أبواب الفعل الثلاثي. دراسة لغوية تحليلية إحصائية باستخدام الحاسوب . للأستاذ الدكتور محمد جواد النوري نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين.‏

وهذا أوان الكلام على المعجم الحاسوبي.‏

عرّف الأستاذ الباحث مروان البوّاب المعجم الحاسوبي بأنه معجم للغة العربية يعمل بالحواسيب الشخصية على اختلاف أنواعها ، يحتوي على بيانات وجداول وقواعد تمكنه من عرض جميع المعارف المعجمية بسهولة ويسر، كما تمكِّن من إجراء عمليات بحثٍ متنوعة . فهو بذلك يلبّي حاجة المعلمين والمتعلمين، والمختصين ، وغير المختصين على حدٍّ سواء.‏

ثم ذكر الأستاذ الباحث أهم مزايا هذا المعجم ، فمن ذلك : تضمنه جميع المعجمات المطبوعة، وقدرته على تصريف الأفعال والأسماء في جميع حالاتها الصرفية، وإيراده جميع المفردات القياسية والسماعية ، واعتماده في عرضه للمعارف اللغوية على الوسائل الحاسوبية الحديثة Multmedia، ومما يمتاز به أخيراً سهولة التعامل وسرعة الأداء.‏

أما ما يتعلق بالنقاط التي ينبغي مراعاتها عند أعداد المعجم الحاسوبي ، فقد عرض الأستاذ الباحث ثلاث نقاط هي:‏

1- حسم أوجه الخلاف بين المعجمات، واعتماد الراجح واستبعاد المرجوح.‏

2- استغراق المعجم جميع مواد العربية، والشواهد والأمثلة والتراكيب اللغوية والعبارات الاصطلاحية.‏

3- تحديد المعارف الصرفية والنحوية والدلالية ، كلزوم الفعل وتعديته، ونوع الكلمة، وجموع التصحيح والتكسير، والاستعمال الصحيح للكلمة.‏

ثم ختَم البحثَ بعرض إحصاءٍ للإفعال العربية في المعجم الحاسوبي، ذكر فيه طائفةً من النتائج الإحصائية تعكس دقة العمل في هذا المعجم وجانباً من وجوه الإفادة منه.‏

لقد\ آتت بحوث الندوة أكلها على خير وجه، إذ عرضت لكل ما جاء في محاور الندوة من موضوعات، وكان الخير كل الخير في تعاقب أكثر من بحث على موضوع واحد، إذ أتاح المزيد من الإغناء وتعدد وجهات النظر، ومن ثم الخروج بمقترحات تغطي جميع الجوانب المطروقة. ولا شكَّ أن في اجتماع هذا اللفيف من العلماء والباحثين على اختلاف أوطانهم وثقافاتهم ومواردهم النفعَ العميمَ للعربية في حاضرها الزاهر ومستقبلها المشرق.‏

وبعد انتهاء أعمال الندوة عقدت جلسة ختامية للمقررات والتوصيات ترأسها الأستاذ الدكتور شاكر الفحام نوقشت فيها التوصيات والمقترحات التي انتهت إليها الندوة ، وفيما يلي نصها الكامل:‏

أولاً :توجيه الشكر العميق إلى مجمع اللغة العربية والقائمين من أعضائه بتنظيم الندوة تقديراً للجهود التي بذلت في الإعداد للندوة وتنظيمها.‏

ثانياً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من كبار المختصين في البلاد العربية مهمتها تأليف مرجع ميسر لقواعد النحو والصرف والإملاء بمعزل عن تشعب الآراء والتعقيد ، ثم إخراجه في طبعة رخيصة الثمن ليكون في متناول الناشئة والطلاب.‏

ثالثاً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من المختصين بالتراث العربي لوضع كتاب يضم مختارات من كتب التراث موزعة على جملة المعارف الإنسانية لتعريف الباحثين والطلاب بعيون التراث العربي. وإصدار هذا الكتاب في طبعة رخيصة ليكون في متناول المعنيين بالتراث العربي.‏

رابعاً : بذل مزيد من العناية في أعداد مدرس اللغة العربية، وتقويم أساليب تعليم اللغة العربية باستغلال الوسائل التقنية الحديثة والوسائل السمعية والبصرية ، وإقامة ندوات لمدرسي اللغة العربية تطلعهم على أنجع طرق التدريس وتدريبهم على استعمالها.‏

خامساً : السعي في جعل اللغة العربية المبسطة تعلم في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وتشجيع الأطفال على استعمالها والتماس الوسائل المعينة على تعليمها لهم. وكذلك تشجيع الطلاب في المراحل الثانوية والعالية على استعمالها.‏

سادساً : السعي لدى وزارة الإعلام في الأقطار العربية ولدى المسؤولين فيها لتوجيه مؤلفي المسلسلات والمسرحيات المذاعة أو المتلفزة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة فيما يؤلفونه، وكذلك الحد من طغيان العامية في الإعلانات التي تنشر في الصحف أو تعلن في الشوارع.‏

سابعاً : إلزام المحال التجارية والمطاعم ودور الملاهي والمؤسسات العامة والخاصة وغيرها باستعمال الألفاظ العربية في تسمية محالّهم وعدم اللجوء إلى اللغات الأجنبية.‏

ثامناً : مطالبة الحكومات العربية باتخاذ القرارات التنفيذية الحاسمة بتعريب التعليم العالي والجامعي تعريباً كاملاً . دون إغفال إلزام الطلاب في مختلف الكليات والمعاهد العلمية بتعلم إحدى اللغات الأجنبية الحية.‏

تاسعاً : توجيه المعلمين والمدرسين في مراحل التعليم كافة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة في مختلف المواد الدراسية لدى إلقائهم دروسهم ومحاضراتهم، وتشجيع طلبتهم على استخدامها.‏

عاشراً : حث المجامع اللغوية العلمية العربية على بذل مزيد من العناية في وضع المصطلحات العلمية والتقنية وفي مختلف مناحي المعرفة باستخدام المنهجية السليمة في وضعها واستخدام جميع الطرائق المتاحة كالاشتقاق والوضع والتعريب والنحت وغيرها.والسعي في توحيد هذه المصطلحات بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، ثم إصدار هذه المصطلحات الموحدة في كتب أو نشرات توزع على أوسع نطاق ولا سيما وزارات الاعلام مع التماس الوسائل الكفيلة باستخدام هذه المصطلحات في جميع المؤلفات والكتب المترجمة ووسائل الإعلام المختلفة.‏

حادي عشر: أن يعمل اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في إصدار معجم اشتقاقي حديث يفي بجميع المتطلبات على أن يراعى فيه سهولة المراجعة وتطور دلالات الألفاظ واستقصاء ما أقرّ من المصطلحات الموحدة وفاءً بحاجة الباحث المعاصر.‏

ثاني عشر: الاستفادة من الحاسوب والوسائل التقنية الحديثة في المجامع العربية واتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية لاختزان جميع الألفاظ العربية والمصطلحات والمواد المعرفية وتسجيلها في الاسطوانات والحافظات وأجهزة التسجيل لتمكين الباحثين من الاستفادة منها بطريقة ميسرة سريعة.‏

ثالث عشر: السعي في إصدار معجمات متخصصة في مختلف العلوم والمعارف وكذلك إصدار معجم تاريخي يبين تطور دلالات الألفاظ منذ العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.‏

رابع عشر: دعوة المجامع اللغوية العلمية العربية إلى متابعة عقد ندوات حول اللغة العربية تعالج مشكلاتها ومستقبلها‏

خامس عشر: إيصال توصيات هذه الندوة إلى المسؤولين في الأقطار العربية كافة ومناشدتهم السعي في إنفاذها.‏

سادس عشر: جمع بحوث هذه الندوة وإصدارها في كتاب يوزع على أوسع نطاق لتتم الاستفادة منها.‏

سابع عشر : توجيه الشكر إلى الحكومة السورية لعقدها هذه الندوة في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق وتحملها نفقاتها وعنايتها باللغة العربية وسعيها في ارتقائها، وتوجيه برقية شكر إلى القائد حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية لرعايته الكريمة للغة العربية وعلمائها.‏

إنَّ ما بذله مجمع اللغة العربية بدمشق من جهودٍ في سبيل عقد هذه الندوة والعمل على إنجاحها ، والسهر على متابعة بحوثها وتوزيعها كاملة على جميع المشاركين قبل إلقائها لخليق بالثناء والتقدير ، كيف لا وقد استنفر في سيبل ذلك كل الجهود، واستنفر كل الطاقات، بدءاً برئيسه الأستاذ الدكتور شاكر الفحام ونائبه الدكتور إحسان النص وأعضائه الموقرين، وانتهاء بكل عاملٍ فيه، فلهم جميعاً كل الشكر على ما بذلوه خدمةً للعربية وصوناً لها، وإبقاءً على رايتها خفاقةً عاليةً في دنيا العروبة والإسلام.‏
--------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العددان 71 - 72 - السنة 18 - تموز "يوليو" 1998 - ربيع الأول 1418

إضافة إلى المفضلة المشاهدات: 5595
روابط معادة(0)
روابط تشير إلى هذا التعليق
التعليقات (0)
RSS

أضف تعليقاً
الاسم

البريد الإلكتروني

الموقع الإلكتروني

العنوان

التعليق

تصغير | تكبير
الإشتراك بواسطة البريد الإلكتروني (الأعضاء المسجلين فقط)

الرجاء إدخال الحروف الظاهرة.


أضف تعليقاً إستعراض

< السابق التالي >

استعراض المقالات الأخرى للكاتب

الأخبار
القرآن الكريم
النادي اللغوي
خصائص العربية
بحوث لغوية
بحوث نحوية
بحوث صوتية
منظومات لغوية
قالوا عن العربية
التصحيح اللغوي
مؤتمرات لغوية
مجموعات من اللغويين
بحوث بلاغية
اللغة العربية والتقنية
النادي الأدبي
المعجمية العربية
التعريب والترجمة
قاعة المصطلحات
اللغة العربية في قرارات
حوارات مع
تعليم العربية للعرب
تعليم العربية لغير العرب
نادي البحث العلمي
خدمات الباحثين
شركاء في الميدان
قضايا ساخنة
فهارس وكشافات
قاعة التعليم
تقويم علمي ومراجعات
العربيّة واللغات الأخرى
متواصلون من وراء البحار
العربيّة خلف الحدود
في وجه الغزو اللغويّ
مشاركات عامّة من الزوّار
الاستشراق
الموقع المستخذم https://www.voiceofarabic.net/index.p...-53&Itemid=342










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 12:41   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شر الموضوع : أبو العز

صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات - د.مازن الوعر

مدخل: الحديث عن صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات ذو شجون، ونحن نعلم أن البحث عن هذه الصلة يشغل اللغويين العرب، ويكاد يكون برهاناً على رؤيتهم المعاصرة للسانيات العربية.‏

ولكن ماهي طبيعة هذه الصلة؟ ثم كيف ننظر إليها؟‏

الواقع أحب أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار أشمل وأوسع ليكون حديثنا أكثر دقة وموضوعية ذلك أنني أعتقد أن التراث اللغوي العربي ليس ملكاً للعرب وحدهم، ولكنه ملك حضارة الإنسان المعاصر. والإنسان دائماً وأبداً خارج عن نطاق الجنس والعرق والتاريخ. ومن ثم يمكنني أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار ما يلي:‏

1-ماذا نعني بالتراث اللغوي العالمي؟‏

2-أين يقع التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي؟‏

3-ماذا نعني باللسانيات الحديثة؟‏

4-أين تقع البحوث اللغوية العربية القديمة في خارطة اللسانيات الحديثة؟‏

5-وأخيراً، هل هناك صلة بين ما فعله العرب في مجال الدراسات اللغوية القديمة وبين هذا العلم الجديد المسمى "اللسانيات"؟ ثم ما طبيعة هذه العلاقة؟‏

1-التراث اللغوي العالمي:‏

من يطلع على الكتاب القيم الذي كتبه الباحث اللساني الإنكليزي ر.روبنز (R. Robins) والمسمى "التاريخ الوجيز للسانيات (A short History of linguistics) سيكتشف أن تاريخ الأمم السالفة حافل وغني بالدراسات اللغوية التي تبحث في الظاهرة اللغوية من الوجهة الصوتية والتركيبية والدلالية، ثم علاقة هذه المكونات اللغوية بالعالم الذي يحيط بالإنسان. فقد لفتت الظاهرة اللغوية انتباه الإنسان منذ قديم الأزل، وجعلته يطرح الأسئلة تلو الأسئلة حولها. وسواء أقاده حدسه الطبيعي إلى الجواب الصحيح أم تجاربه العلمية المتوافرة آنذاك، فإنه قد توصل إلى حقائق عدة حول اللغة بشكل عام.‏

فالحضارة الهندية القديمة بحثت في الظاهرة اللغوية بحثاً مستفيضاً ولاسيما في وجهها الصوتي (Phonetic) والحق يقال: يُعدّ الباحث الهندي الكبير بانيني (Panini) أبا الصوتيات في العالم. فمن رجع إلى بحوث هذا الرجل منذ حوالي أربعة آلاف سنة فإنه سيدهش من الدراسة الصوتية العميقة التي قام بها سواء أكانت هذه الدراسة مبنية على اللغات الهندية أم على لغات بشرية أخرى.‏

وقد فعل اليونانيون في الحضارة الإغريقية الشيء نفسه، إذ استفادوا من البحوث اللغوية التي سبقتهم وبنوا على تلك الدراسات ثم طلعوا بنظرات جديدة حول الظاهرة اللغوية. وما البحوث اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو والمدرسة الرواقية إلا دليل واضح على اهتمام الحضارة الإغريقية بالظاهرة اللغوية.‏

وإذا كانت الحضارة الرومانية قد تبنت كل الحقائق اللغوية التي أتت بها الحضارة الإغريقية فإنها قد ساهمت قليلاً في تطوير الدراسات اللغوية ولاسيما في وجهها الدلالي والبلاغي. أضف إلى ذلك أن هناك دراسات لغوية قيّمة ونافعة قامت بها الحضارات الشرقية القديمة وبالتحديد اليابان والصين وغيرهما، تلك الدراسات التي لم تصل إلينا نحن –العرب- لنتعرفها ونأخذ بها. ومن يطلع على كتاب ر.روبنز الآنف الذكر يكتشف أن هناك حقائق كثيرة أتت بها الدراسات الشرقية حول الظاهرة اللغوية.‏

والخلاصة: لا يمكن لظاهرة من الظواهر الإنسانية أو الفيزيائية أن تكون طفرة في تاريخ الجنس البشري وإنما هي تحول من ظاهرة إلى ظاهرة أخرى متعاقبة. وهكذا فإن السابق هو نتاج اللاحق. اللغة ظاهرة فيزيولوجية –إنسانية لاحظها الإنسان منذ أن خُلق على وجه الأرض، وقد حاول وما يزال يحاول سبرها. وهكذا فإن تاريخ الإنسان (بغض النظر عن جنسه وعرقه وأصله وفصله) مليء بالدراسات التي تناولت الظاهرة اللغوية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى صحة هذه الدراسات اللغوية التراثية العالمية وشرعيتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى رواية ودراية لا تقل مدتها عن عشر سنوات من البحث والاستقصاء العلمييْن.‏

2-التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي:‏

لا أريد أن أقول –لأنني عربي- إن التراث اللغوي يُعد تحولاً كبيراً في مسيرة التراث اللغوي العالمي، ولكنني أقول هذا لأن الحقائق العلمية حول هذا الموضوع مثبتة تاريخياً. وأكرر ما كنت قد ذكرته في مقالات عديدة أنه لو التفت الغرب المعاصر إلى التأريخ اللغوي التراثي العربي لكان علم اللسانيات الحديث في مرحلة متقدمة عن الزمن الذي هو فيه. هذه الحقيقة شاركني فيها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي خلال حوار كنت أجريته معه 1982. وقد نشرت ما قاله تشومسكي حول هذا الموضوع في مجلة اللسانيات الصادرة عن معهد العلوم الإنسانية والصوتية التابع لجامعة الجزائر (المجلد 6-1984). ولكن ماذا نعني بالتراث اللغوي العربي؟ الواقع أن الذي فعله النحاة العرب حول اللغة العربية يُعد جزءاً من التراث اللغوي العربي وليس كله. ذلك أن التراث اللغوي العربي هو أشمل وأوسع مما قدمه النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن يعيش وغيرهم. فهذا التراث هو كل عمل عربي وضعه العرب القدماء من أجل تفسير النص القرآني. وهذا يعني أننا إذا أردنا إعادة تركيب التراث اللغوي العربي فإنه ينبغي أن نبحث في المصادر التالية:‏

-كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويات أو علم التراكيب).‏

-كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم (صوتيات أو علم الصوت).‏

-كتب البلاغة والفلسفة والمنطق (دلاليات أو علم المعنى).‏

-كتب التفاسير القرآنية والنبوية.‏

-دواوين العرب الشعرية والنثرية والشروح التي تناولتها.‏

-كتب الموسوعات المعرفية المختلفة التي كتبها عظماء الكتّاب العرب، أمثال الجاحظ وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسي وغيرهم.‏

-كتب المعاجم واللغة كما هي الحال عند ابن منظور وابن فارس والأصمعي والقالي وغيرهم.‏

-كتب التاريخ كما هي الحال عند الطبري وياقوت الحموي وغيرهما.‏

وبكلمة أخرى؛ إن ما نعنيه بالتراث اللغوي العربي هو كل هذا الركام المعرفي المتناثر في تاريخ الفكر العربي والذي وجد من أجل خدمة النص القرآني. ونحن لا نستطيع معرفة النظرية اللغوية العربية بأبعادها الكاملة إلا إذا أعدنا تركيب هذا الفكر اللغوي العربي المتناثر بعد سبر دقيق وعميق لكل ما قاله العرب حول المسألة اللغوية.‏

إن الشرعية العلمية التي تدفعنا إلى تنفيذ هذا العمل ليست نابعة من تجميع ركام معرفي لا يربطه رابط معين، وإنما هو ركام معرفي انطلق من مبدأ فلسفي متماسك واضح من أجل تفسير الكون والحياة. فالنظرة الفلسفية الإسلامية أرادت أن تفسر مشكلة الإنسان على الأرض، ولأن اللغة مكوّن جوهري من مكونات الإنسان فإنها أرادت معرفة هذه اللغة وسبرها وتفسيرها وربطها بالنظرة الفلسفية الكونية.‏

صحيح أن تاريخ العالم وحضارته مملوء بالنظرات اللغوية التي تناولت اللغة درساً وتمحيصاً، إلا أن معظمها لم ينطلق من منطلق فلسفي شامل وعام. من هنا فإن تجميع الركام المعرفي اللغوي انطلاقاً من هذه الحقيقة وفي إطار يفقد صفته العلمية.‏

إن شرعية إعادة بناء الركام اللغوي العربي القديم تأتي من حقيقة أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية، كما فسروا بقية الظواهر الإنسانية والطبيعية، من أجل خدمة النص القرآني. وبمعنى أدق من أجل خدمة المنطلق الفلسفي الإسلامي.‏

3-اللسانيات الحديثة:‏

اللسانيات هي الدراسة العلمية للغات البشرية كافة من خلال الألسنة الخاصة بكل قوم من الأقوام. هذه الدراسة تشمل ما يلي: الأصوات اللغوية –التراكيب النحوية- الدلالات والمعاني اللغوية- علاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي الذي يحيط بالإنسان.‏

ونعني بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس التالية: ملاحظة الظواهر اللغوية –التجريب والاستقراء المستمر- بناء نظريات لسانية كلية من خلال وضع نماذج لسانية قابلة للتطوير- ضبط النظريات اللسانية الكلية ثم ضبط الظواهر اللغوية التي تعمل عليها- استعمال النماذج والعلائق الرياضية الحديثة- التحليل الرياضي الحديث للغة- الموضوعية المطلقة. وبما أن اللغات البشرية لها ارتباطاتها الإنسانية والطبيعية المتفرعة، كذلك فإن لعلم اللسانيات فروعاً متعددة يختص كل منها بناحية جزئية من هذا الكل الذي اسمه "اللغات".‏

آ-فاللسانيات النظرية (العامة) تبحث بالنظريات اللغوية ونماذجها المتفرعة عنها وكيفية معالجتها للبنية اللغوية سواء أكانت تلك النظريات اللغوية في الماضي أم الحاضر. ومن العلوم المتفرعة عن اللسانيات النظرية ما يلي:‏

1-الصوتيات التي تتفرع بدورها إلى: الصوتيات الفيزيولوجية النطقية- الصوتيات الفيزيائية –الصوتيات السمعية الدماغية.‏

2-النحويات أو علم التراكيب الذي يتفرع بدوره إلى: علم بناء الجملة –علم بناء الكلمة- علم التقديم والتأخير في العناصر اللغوية- علم القواعد اللغوية العالمية- علم القواعد اللغوية الخاصة- علم الضوابط العامة والخاصة المفروضة على القواعد.‏

3-الدلاليات أو علم المعنى الذي يتفرع بدوره إلى: علم المعنى الخاص وعلم المعنى العام- علم بنية الدلالة في الدماغ البشري- علم التعرف على اللغة (عندما تخزن في الدماغ دون معرفتها) –علم فهم اللغة (عندما تخزن في الدماغ مع فهمها)- علم المشترك والترادف- علم تقطيع اللغات للواقع وتسميته- علم أنواع الدلالة والمعنى.‏

ب-واللسانيات التطبيقية تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضاً في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلمها (أصول التدريس –مناهج التدريس- وضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين- وضع الامتحان- امتحان الامتحان- علاقة التعلم والتعليم بالبيئة الاجتماعية).‏

ج-واللسانيات الأنثروبولوجية تبحث بالصلة التي تربط اللغة بأصل الإنسان. فاللغة عضو بيولوجي كبقية الأعضاء البيولوجية الأخرى عند الإنسان، ولكن، على الرغم من ذلك فإن اللغات البشرية متفاوتة من حيث الرقي الحضاري ومن حيث أنظمتها الداخلية وقدرتها على تقطيع العالم الذي يحيط بالإنسان.‏

د-واللسانيات الاجتماعية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع. ذلك لأن اللغة لها صلة بالمجتمع الذي ينظمها ويؤطرها على نحو يجعلها مختلفة عن اللغات الأخرى نظاماً وعادة وسلوكاً. فاللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات البشرية، وهي تعكس كل ما يموج فيها من عادات وتقاليد وثقافة ودين وتنوعات جغرافية وإقليمية. إن من مهمة اللسانيات الاجتماعية البحث في التالي: اللغة واللهجة –الأطلس اللغوي الجغرافي- العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الواحد وأثر ذلك في تعليم اللغة القومية وتعلمها- الفروق القائمة بين لغة النساء ولغة الرجال- المستويات الكلامية اللغوية حسب سياقاتها الاجتماعية- اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة.‏

هـ-واللسانيات الأدبية تبحث بالعلاقات القائمة بين اللسانيات والأدب والنقد والسيميائيات والأسلوبيات. ماهي أفضل التقنيات اللسانية التي يمكن للأديب والكاتب أن يستخدمها ليكون عمله أكثر تأثيراً وفهماً في المجتمع؟ كيف يستطيع الأدب أن يقدم عينات وشرائح أدبية متنوعة للسانيات من أجل أن تدرسها وتبني عليها فرضيات يمكن أن تساهم في بناء صيغة علمية دقيقة للنقد الأدبي الحديث؟.‏

و-واللسانيات البيولوجية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والدماغ. إن مهمة هذا العلم معرفة البنية اللغوية الدماغية عند الإنسان ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يريد معرفة التطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال وكيف يمكن أن ينشأ المرض اللغوي عندهم؟.‏

ز-واللسانيات الرياضية تنظر إلى اللغة على أنها ظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة، ومنظمة على نحو متشابك من أجل تطويعها ووضعها في أطر وصيغ رياضية من أجل معرفتها معرفة دقيقة جداً لإثبات الفرضية التي وضعها تشومسكي من أن اللغة عبارة عن آلة مولدة ذات أدوات محددة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية من خلال طرق محددة.‏

ح-واللسانيات الحاسوبية –المعلوماتية (الكومبيوترية) تبحث عن وضع اللغات البشرية في صيغ وأطر رياضية وذلك لمعالجتها في الحاسبات الإلكترونية من أجل السرعة والدقة العلميتين في البحوث اللغوية ومن أجل ترجمة النصوص اللغوية ترجمة آلية فورية.‏

والواقع أن تاريخ اللسانيات يبدأ بالمحاضرات اللسانية التي كان يلقيها عالم لساني سويسري يدعى فرديناند دي سوسور الذي يعتبر الأب الحقيقي للسانيات. وقد نشرت هذه المحاضرات اللسانية بعد مماته (1919) في كتاب اسمه "محاضرات في اللسانيات العامة" إن جوهر هذه المحاضرات يدور حول طرح منهج لساني علمي جديد لدراسة اللغات يدعى باللسانيات السنكروفية الآنية التي تدرس اللغات البشرية كما هي الآن. وقد كان هذا المنهج ردة فعل علمية على المناهج اللغوية الماضية التي كان يستخدمها العلماء في الهند لمقارنة اللغات الهندية باللغات الأوربية الأمر الذي دعاهم لدراسة تاريخ هذه اللغات ومقارنتها مع بعضها بعضاً طبقاً لمنهج لغوي دعوه بالمنهج الدياكروني التطوري (التاريخي).‏

وقد انتقل منهج دي سوسور اللساني إلى الولايات المتحدة وطُوّر تطويراً يختلف عما كان عليه في أوربة. من هنا نشأت "البنيوية" اللسانية (Structuralism) على يد عالم أمريكي هو بلومفيلد في كتابه "اللغة" (********) وقد طورت النظرية البنيوية من خلال نماذج عديدة جداً استمرت في التطور حتى عام 1957 حيث جاء عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي الذي كان انعطافاً وحدثاً عظيماً في تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية في العالم. فقد استطاع هذا العالم أن يقلب المفاهيم الطبيعية والإنسانية رأساً على عقب كالمفاهيم المطروحة في علم النفس والمنطق والفلسفة وعلم الأنثروبولوجيا والرياضيات وعلم البيولوجيا وعلم الحاسبات الإلكترونية وعلم الفيزياء. ومن أراد التفصيل فلينظر في دائرة المعارف البريطانية ليرى ماذا فعل هذا العالم في تاريخ العلم الحديث والمعاصر. لقد قلب كثيراً من المفاهيم في هذه العلوم من خلال الثورة اللسانية التي قام بها عام 1957 عندما نشر كتابه الأول المسمى "المباني التركيبية" والذي يدور حول طرح نظرية جديدة تدعى "نظرية القواعد التوليدية والتحويلية" وما زال هذا العالم يطور في نظريته هذه حتى الآن وذلك من خلال تطبيقها على لغات بشرية عديدة. ولكن هذا لم يمنع من ظهور اتجاهات ومدارس لسانية أخرى في الولايات المتحدة وأوربة رافقت النظرية التوليدية والتحويلية كمدرسة "الدلاليات التوليدية" لمكولي ومدرسة "الدلاليات العلامية" لغيلمور ومدرسة "تحليل الخطاب" لـ لابوف وجمبرز وجودي، ولكن إذا أردنا فعلاً معرفة جوهر اللسانيات فإننا نستطيع القول إن هوية هذا العلم تتسم بصفتين اثنتين: الأولى هي العلمية (تطبيق المقاييس العلمية على اللغات) والثانية هي الاستقلالية (أصبح لهذا العلم قوانينه وأنظمته الخاصة به). هاتان السمتان اكتملتا بظهور علماء لسانيين في القرن العشرين أمثال دي سوسور وبلومفيلد وسابير ومارتينه وتشومسكي وغيرهم كثير.‏

4-موقع البحوث اللغوية العربية القديمة في اللسانيات الحديثة:‏

لاشك في أن كل أمة من الأمم عندما تفرز حضارة ما فإن هذه الحضارة ستكون مكتملة الجوانب ومتعددة الظواهر غالباً. فالحضارة العربية الإسلامية هي حضارة تتسم بسمة الكلية (Universal) هذه السمة الكلية التي كانت جوهر الدعوة الإسلامية دفعت العرب والمسلمين في كل مكان وزمان للبحث عن جوهر الإنسان ضمن بوتقة الكون والحياة. من هنا لم يكن من همِّ الأيديولوجية الإسلامية أن تجعل الإسلام يعتقد بالإسلام فقط وإنما كان همها إضافة إلى ذلك البحث والاستقصاء عن الإنسان أولاً (الانطلاق من معرفة الإنسان) وعن الكون الذي يحيط بالإنسان ثانياً (الانطلاق من المحيط الخارجي للإنسان). لذلك نرى القرآن الكريم يركز على قضية الاكتشاف عندما يقول "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وكذلك الحديث النبوي الذي حث على هذا الاكتشاف عندما قال الرسول الكريم: "اطلبوا العلم ولو في الصين". وانطلاقاً من هذا المفهوم الفلسفي الإسلامي كان الرسول الكريم يفك أسر كافر إذا علَّم عشرة صبية من المسلمين.‏

نستطيع أن نقول إذن بأن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن استمراراً لتطور حضاري سابق على الرغم من أنها كانت قد تأثرت بالخط العام لمسيرة الحضارات السابقة، وإنما كانت "طفرة" أو "انعطافاً" أو "حدثاً ثورياً" في تاريخ الحضارات الإنسانية. من هنا فإن ما توصلت إليه هذه الحضارات من خلال دراسة الظواهر الإنسانية والطبيعية إنما يستحق الروية والدراية والتأمل والعمق.‏

ومن الظواهر التي وقفت عندها الفلسفة العربية الإسلامية ظاهرة "اللغة". وعندما نقول "اللغة" لا نعني اللغة العربية فقط وإنما "اللغة" التي ينبغي أن تكون كونية، كلية، شاملة، صالحة لكل زمان ومكان حسب المفهوم الفلسفي العربي الإسلامي. إنها "اللغة" التي هي ركن أساسي من أركان الحضارة العربية الإسلامية. من هنا فإن خدمة العرب والمسلمين لهذه "اللغة" لم تنطلق من المفهوم القومي للغة وإنما انطلقت من المفهوم الإسلامي الكلي والإنساني والشمولي. فكما أن الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلة الإنسان على هذه الأرض حسب المفهوم العربي الإسلامي فإن اللغة العربية هي اللغة التي يجب أن تحمل كل المعارف التي حصل عليها الإنسان ويريد أن يحصل عليها، وذلك من أجل حل مشكلاته في هذا الكون. إذن المفهوم العربي الإسلامي اعتبر "اللغة" ظاهرة عربية كونية كلية. لذلك أقدم العرب والمسلمون على دراستها انطلاقاً من هاتين السمتين: السمة القومية والسمة العالمية أو الكلية. وما بحثه العرب في "اللغة" كثير جداً ومتعب جداً، ولكن يمكن حصره بما يلي:‏

أ-أصوات اللغة العربية:‏

1-الفيزيولوجية –النطقية (النحاة والأطباء العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن سينا في كتابه أسباب حدوث الحروف).‏

2-الفيزيائية (علماء الرياضيات العرب أمثال الحسن بن الهيثم والخوارزمي).‏

3-السمعية –الدماغية (علماء التجويد أمثال الشاطبي ومكي بن أبي طالب القيسي وعلماء الموسيقى أمثال زرياب وإبراهيم الموصلي).‏

فقد درس العرب والمسلمون الظاهرة الصوتية دراسة نطقية –فيزيولوجية ودراسة فيزيائية ثم دراسة سمعية دماغية، ولكن معلوماتهم حول هذه الظاهرة جاءت مبعثرة لا يجمعها منهج أو نموذج واحد متماسك.‏

ب-تراكيب اللغة العربية:‏

وهذا كثير عند النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي والفراء والشراح الذين فصلوا ما أتى به هؤلاء المتقدمون أمثال ابن يعيش وغيره. ويُعد كتاب سيبويه "الكتاب" منطلق التحليل النحوي العربي في تاريخ الدراسات النحوية التركيبية. وفي اعتقادي أنه لو استطاع العرب فهم كتاب سيبويه فهم رواية ودراية وعمق لنبشوا حقائق نحوية من هذا الكتاب لا تقل أهمية عن الحقائق النحوية التي أتى بها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي ولكن هذا يحتاج إلى جهد كبير جداً ليس هناك مؤشرات لحوافزه، في مناخ الدراسات اللغوية العربية المعاصرة.‏

ج-دلالات اللغة العربية ومعانيها:‏

ونجد هذه الدراسات في أعمال البلاغيين العرب الذين كانوا يتحدثون عن معاني اللغة العربية ودلالاتها في إطار البلاغة "الممنطقة" أمثال الجرجاني والسكاكي والقزويني وغيرهم. ولعلنا نجد بعض النظرات الدلالية العميقة في أعمال النحاة العرب عندما كانوا يتحدثون عن تراكيب اللغة العربية ونحوها. وهذا كثير عند ابن يعيش في كتابه "شرح المفصل". ثم إن دلالات اللغة العربية ومعانيها أخذت حظاً كبيراً من الدراسة على أيدي الفلاسفة وعلماء المنطق العرب والمسلمين أمثال الفارابي وابن سينا والتوحيدي وابن حزم الأندلسي وابن رشد وغيرهم، حتى أن هناك نظرات دلالية عميقة جداً مبعثرة هنا وهناك ولاسيما في أعمال المفسرين العرب والمسلمين الذين تناولوا القرآن الكريم والأحاديث النبوية تفسيراً وشرحاً.‏

د-ارتباط اللغة بالمجتمع:‏

ونجد مثل هذه الدراسات عند الجاحظ في مؤلفاته جميعها ولاسيما "البيان والتبيين" و"الحيوان" وكذلك نجد بعض هذه الدراسات حول العلاقة بين اللغة والمجتمع عند بعض الشعراء في نثرهم أمثال أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران"، وكذلك نجد هذه الأعمال عند من بحثوا في قضية اللغة العربية واللهجات المتفرعة عنها وأنظمة التفرع وضوابطه.‏

هـ-ارتباط اللغة بفيزيولوجية الإنسان وبيولوجيته:‏

وهذا نراه عند المؤلفين العرب الذين بحثوا في قضية الأمراض اللغوية والتطور اللغوي عند الإنسان ولاسيما عند الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين".‏

و-نشأة اللغة واللغات:‏

وهذا الموضوع تناوله المؤلفون العرب إجمالاً لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأصل الإنسان عندما خلقه الله تعالى ليكون خليفته في الأرض. ومن المؤلفين العرب الذين تناولوا هذا الموضوع ابن جني في "الخصائص" وابن فارس في "المجمل" و "المقاييس"، ثم نراه عند بعض الفرق الفلسفية كالمعتزلة مثلاً. ولكن هذه الدراسات اللغوية التي قام بها العرب والمسلمون إنما هي دراسات إنسانية مستطردة لم تبن على نماذج معينة تخضع لنظريات علمية تجريبية مثبتة اللهم إلا في مجال الصوتيات والنحويات والدلاليات وحتى هذه تحتاج إلى غربلة "علمية" صارمة.‏

5-الصلة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات:‏

لا أجد حرجاً في أن أكرر، هنا، شيئاً كنتُ قلته، وسأبقى أقوله، هو أن صلة القربى ليست فقط بين التراث اللغوي العربي واللسانيات، وإنما هي موجودة أصلاً بين التراث اللغوي العالمي واللسانيات. هذه الحقيقة هي قانون علمي للظواهر الحضارية، ذلك لأن اللسانيات لم تنشأ في فراغ لتخدم في فراغ، وإنما هي شيء لاحق لشيء سابق. فعملية التأثير والتأثر موجودة، ليس بين اللسانيات وبين الدراسات التي سبقتها، وإنما بين الظواهر الحضارية كلها.‏

ولكن السر في تقدم الظواهر الحضارية بعضها على بعض إنما يكمن في حقيقة مفادها أن الشيء اللاحق يجب أن يكتشف جديداً لم يكن في السابق. هذا هو سر تقدم العلوم الإنسانية والطبيعية، وسر تقدم الحضارات في تاريخ الإنسان.‏

اللسانيات، بصفتها علماً، جاءت من أجل تبني صيغة علمية بمفهوم العلم الفيزيائي، وذلك من أجل معرفة كيفية عمل اللغات البشرية بدقة وضبط وموضوعية مطلقة، وذلك للاستفادة من نتائج هذه المعرفة اللغوية وتوظيفها في مجال الحضارة والتكنولوجيا المعاصرة. ولكي تستطيع اللسانيات أن تكون علماً قائماً برأسه مستقلاً عن بقية العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى، فلابد لها من أن تستفيد من المعارف والنظرات اللغوية والتراثية سواء أكانت عربية أم غير عربية.‏

وهكذا فإن المعارف اللغوية الموجودة في التراث الهندي والبابلي والإغريقي والروماني والعربي ثم جهود الباحثين في القرن الثامن والتاسع عشر إنما كانت معارف لغوية مهمة جداً للسانيات.‏

ولكن فضيلة التراث اللغوي العربي تأتي من حقيقة أن الأيديولوجية الحضارية العربية الإسلامية كانت أعلى في الوتيرة الفكرية وأنفذ في الرؤية المستقبلية. لذلك كانت استفادة اللسانيات من التراث اللغوي العربي أكثر من غيره على الرغم من أن بعض الباحثين اللسانيين الغربيين لا يعترفون بهذه الحقيقية، ذلك لأن حجتهم هي أن التراث اللغوي العربي إنما هو انعكاس وحفظ للتراث اللغوي الإغريقي إلا في بعض فرضياته الدلالية الجديدة.‏

على أية حال، لقد أثبت باحثون لسانيون غربيون معتدلون ومنصفون (أمثال روبنز وتشومسكي وكوك) تأثر اللسانيات الحديثة بالتراث اللغوي العربي وذلك عن طريق وسائل مختلفة سواء أكانت مباشرة (الاطلاع على التراث اللغوي العربي باللغة العربية) أم غير مباشرة (عن طريق ترجمة أعمال النحاة واللغويين والبلاغيين العرب إلى لغات أجنبية كثيرة وخاصة اللغة الألمانية).‏

إن الفكرة الرئيسية في قانون البحث العلمي هي أنه لا سابق دون لاحق ولا لاحق دون سابق، وكل من ينكر هذا القانون العلمي إنما نظرته إلى الظواهر هي نظرة شخصية وليست نظرة موضوعية. لنأخذ على سبيل المثال عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي فسوف نجد برهاناً على ما نقول. فعلى الرغم من أن هذا العالم قد رفض كل شيء أتت به البنيوية، ولكنه في صميم أعماله التوليدية والتحويلية إنما هو بنيوي. إن ما فعله تشومسكي هو أنه قلب البنيوية رأساً على عقب وأتى بشيء جديد لم تلتفت إليه البنيوية وهو دراسة "اللغة" على أنها ظاهرة فيزيائية –رياضية- آلية- بيولوجية تعمل داخل الدماغ البشري. أنت ترى ظاهرة معينة منذ مدة وأنا أرى الظاهرة نفسها الآن، ولكن رؤيتي لهذه الظاهرة يمكن أن تكشف شيئاً جديداً لم يسترع انتباهك أنت. ولنقل ما نقول: أهي الوسائل البدائية التي استخدمتها ولم تجعلك تكتشف هذا الشيء الجديد أم أنه القصور في التحليل العلمي لهذه الظاهرة؟‏

المهم في الأمر هو "الاكتشاف الجديد"، هذا هو سر اللسانيات الحديثة التي اكتشفت في اللغات البشرية أشياء جديدة لم تستطع الدراسات اللغوية القديمة اكتشافها وذلك بسبب ظهور التكنولوجيا الحديثة والأساليب العلمية المذهلة. ما تفعله اللسانيات هو أنها تأتي إلى اللغات البشرية كافة، تفككها وتحللها قطعة قطعة لتكشف وظيفة كل قطعة لغوية وكيفية توزعها في النظام العام. وهكذا فإنها ستكشف أن هناك نظاماً معيناً فتسجله، ثم تنتقل إلى قطع لغوية أخرى لتدرس وظيفتها وتوزعها ضمن النظام العام، وهكذا دواليك. فمن خلال هذه الدراسة تتكون عند اللساني أنظمة كثيرة حول الظاهرة اللغوية. وهذه الأنظمة لابد لها من نظام معين من أجل ضبطها.‏

إن الفكرة الرئيسية هنا هي أن اللساني ينطلق من الجزء لينتهي بالكل. الجزء هو اللغات البشرية كلها. الكل هو أنظمة هذه اللغات البشرية وقوانينها. إن الجزء والكل هما اللذان يعطيان اللسانيات الحديثة شرعيتها لتكون علماً قائماً برأسه.‏

في التراث اللغوي القديم (عربياً كان أم غير عربي) لم تكن هناك وسائل علمية سريعة لفحص اللغات البشرية كلها وتحليلها ومعرفة سر حركيتها وعملها من أجل أن نستفيد منها تقنياً وتكنولوجياً، وإلا فكيف يمكننا الآن وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصمم آلات تكنولوجية (مخابر صوتية) أو حاسبات الكترونية (كومبيوتر) لتلائم مثلاً لغتين أو لغات عدة من أجل أن نقوم بعملية الترجمة الآلية كما هو الحال في مشروع لغات السوق الأوربية المشتركة؟ ثم كيف يمكننا وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصوغ جميع اللغات البشرية صياغة رياضية صوتياً وتركيبياً ودلالياً؟. لم يكن هذا الأمر ممكناً في القديم ذلك لأن إمكانات فقه اللغة أو الدراسات اللغوية القديمة إمكانات بدائية تتلاءم مع العصر الذي أفرزها.‏

هذه الحقيقة العلمية تؤيد حقيقة أخرى فلسفية كان وضعها الفيلسوف اليوناني القديم هيرقليطس وهي "انك لا تستطيع أن تستحم بماء النهر مرتين". من هنا فإنه من الخطأ العلمي أن نحمّل التاريخ الحضاري وزراً فوق وزره. لندع التاريخ الحضاري يفرز حقائقه من الواقع والزمن الذي كان يعايشه دون أن نسقط عليه حقائق معاصرة لرغبة قومية أو نزعة دينية أو تحمس عاطفي.‏

والخلاصة أن الدراسات اللغوية القديمة هي دراسات إنسانية (علاقة اللغة بالإنسان الذي يتكلمها). وبهذا فإنها في الغالب دراسات شخصية (Subjective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة في أنا (كشخص). أما الدراسات اللغوية الحديثة أو اللسانيات فهي دراسات علمية (علاقة اللغة ببعضها بعضاً). وبهذا فإن هذه الدراسات أكثر موضوعية (Objective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة ببعضها بعضاً.‏

الدراسات اللغوية القديمة تبدو وكأنها تستخدم معيار السببية (لماذا مثلاً تحدث صفات نحوية معينة في اللغة؟ وكيف يجب على هذه الصفات النحوية أن تعمل؟). وبالمقابل فإن اللسانيات الحديثة تبدو وكأنها تستخدم معيار الماهية (فهي تسجل الحقائق الملحوظة للغة فقط دون محاولة شرحها. وإذا كان هناك شرح لساني فإنه عبارة عن الشرح الذي يتناول العلاقة بين الحقائق الملحوظة للغة وبين النظرية اللسانية العامة والتجريبية). الدراسات اللغوية القديمة خلطت بين مستويات التحليل اللغوي فهي لم تميز بشكل دقيق هذه المستويات وتفرزها عن بعضها بعضاً لكي يكون التحليل أكثر دقة وموضوعية. أما اللسانيات الحديثة فقد فصلت بين مستويات لسانية عديدة مكّنها من اكتشاف العملية اللغوية وكيفية عملها ووظيفتها.‏

إن حقيقة فهم الناس للدراسات اللغوية القديمة إنما يعود إلى التاريخ الثقافي الذي حمل التراث اللغوي القديم من جيل إلى جيل وعلى مدد زمنية طويلة وعريضة، ذلك التاريخ الذي صبغ الدراسات اللغوية القديمة بالتيارات الفلسفية والنفسية والدينية والبلاغية والنقدية والأدبية. ومن جهة أخرى فإن اللسانيات الحديثة هي وليدة العصر وليس لها تاريخ ثقافي طويل وعريض. أضف إلى ذلك أن اللسانيات حاولت جهدها أن تصرف النظر عن المناقشات الجدلية النفسية والمنطقية والميتافيزيقية العقيمة وأن تركز على الوصف والشرح اللغويين المبنيين على الوصف التجريبي للغة.‏

وبكلمة أخرى؛ إن اللسانيات الحديثة هي استمرار للخط الحضاري الحديث ذي الطابع العلمي التكنولوجي الذي يجعلها مرتبطة بالعلوم الطبيعية والتقنية الصارمة كالفيزياء والبيولوجيا والحاسبات الإلكترونية والرياضيات. أما الدراسات اللغوية القديمة فإنها استمرار للخط الحضاري القديم ذي الطابع الإنساني الذي يجعلها تدور في فلك العلوم الإنسانية كالأدب والنقد والفلسفة والتاريخ.‏

وهكذا فإن الفرق بين الدراسات اللغوية القديمة وبين الدراسات اللسانية الحديثة هو الفرق بين الهدف الإنساني والهدف العلمي.



مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 48 - السنة 12 - تموز "يوليو" 1992 - المحرم 1413

« استعرض الموضوع السابق · استعرض الموضوع التالي »
موقع المستخذم https://maamri-ilm2010.yoo7.com/t212-topic










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 12:44   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الى
lamiaken
صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات - د.مازن الوعر

مدخل: الحديث عن صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات ذو شجون، ونحن نعلم أن البحث عن هذه الصلة يشغل اللغويين العرب، ويكاد يكون برهاناً على رؤيتهم المعاصرة للسانيات العربية.‏

ولكن ماهي طبيعة هذه الصلة؟ ثم كيف ننظر إليها؟‏

الواقع أحب أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار أشمل وأوسع ليكون حديثنا أكثر دقة وموضوعية ذلك أنني أعتقد أن التراث اللغوي العربي ليس ملكاً للعرب وحدهم، ولكنه ملك حضارة الإنسان المعاصر. والإنسان دائماً وأبداً خارج عن نطاق الجنس والعرق والتاريخ. ومن ثم يمكنني أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار ما يلي:‏

1-ماذا نعني بالتراث اللغوي العالمي؟‏

2-أين يقع التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي؟‏

3-ماذا نعني باللسانيات الحديثة؟‏

4-أين تقع البحوث اللغوية العربية القديمة في خارطة اللسانيات الحديثة؟‏

5-وأخيراً، هل هناك صلة بين ما فعله العرب في مجال الدراسات اللغوية القديمة وبين هذا العلم الجديد المسمى "اللسانيات"؟ ثم ما طبيعة هذه العلاقة؟‏

1-التراث اللغوي العالمي:‏

من يطلع على الكتاب القيم الذي كتبه الباحث اللساني الإنكليزي ر.روبنز (R. Robins) والمسمى "التاريخ الوجيز للسانيات (A short History of linguistics) سيكتشف أن تاريخ الأمم السالفة حافل وغني بالدراسات اللغوية التي تبحث في الظاهرة اللغوية من الوجهة الصوتية والتركيبية والدلالية، ثم علاقة هذه المكونات اللغوية بالعالم الذي يحيط بالإنسان. فقد لفتت الظاهرة اللغوية انتباه الإنسان منذ قديم الأزل، وجعلته يطرح الأسئلة تلو الأسئلة حولها. وسواء أقاده حدسه الطبيعي إلى الجواب الصحيح أم تجاربه العلمية المتوافرة آنذاك، فإنه قد توصل إلى حقائق عدة حول اللغة بشكل عام.‏

فالحضارة الهندية القديمة بحثت في الظاهرة اللغوية بحثاً مستفيضاً ولاسيما في وجهها الصوتي (Phonetic) والحق يقال: يُعدّ الباحث الهندي الكبير بانيني (Panini) أبا الصوتيات في العالم. فمن رجع إلى بحوث هذا الرجل منذ حوالي أربعة آلاف سنة فإنه سيدهش من الدراسة الصوتية العميقة التي قام بها سواء أكانت هذه الدراسة مبنية على اللغات الهندية أم على لغات بشرية أخرى.‏

وقد فعل اليونانيون في الحضارة الإغريقية الشيء نفسه، إذ استفادوا من البحوث اللغوية التي سبقتهم وبنوا على تلك الدراسات ثم طلعوا بنظرات جديدة حول الظاهرة اللغوية. وما البحوث اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو والمدرسة الرواقية إلا دليل واضح على اهتمام الحضارة الإغريقية بالظاهرة اللغوية.‏

وإذا كانت الحضارة الرومانية قد تبنت كل الحقائق اللغوية التي أتت بها الحضارة الإغريقية فإنها قد ساهمت قليلاً في تطوير الدراسات اللغوية ولاسيما في وجهها الدلالي والبلاغي. أضف إلى ذلك أن هناك دراسات لغوية قيّمة ونافعة قامت بها الحضارات الشرقية القديمة وبالتحديد اليابان والصين وغيرهما، تلك الدراسات التي لم تصل إلينا نحن –العرب- لنتعرفها ونأخذ بها. ومن يطلع على كتاب ر.روبنز الآنف الذكر يكتشف أن هناك حقائق كثيرة أتت بها الدراسات الشرقية حول الظاهرة اللغوية.‏

والخلاصة: لا يمكن لظاهرة من الظواهر الإنسانية أو الفيزيائية أن تكون طفرة في تاريخ الجنس البشري وإنما هي تحول من ظاهرة إلى ظاهرة أخرى متعاقبة. وهكذا فإن السابق هو نتاج اللاحق. اللغة ظاهرة فيزيولوجية –إنسانية لاحظها الإنسان منذ أن خُلق على وجه الأرض، وقد حاول وما يزال يحاول سبرها. وهكذا فإن تاريخ الإنسان (بغض النظر عن جنسه وعرقه وأصله وفصله) مليء بالدراسات التي تناولت الظاهرة اللغوية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى صحة هذه الدراسات اللغوية التراثية العالمية وشرعيتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى رواية ودراية لا تقل مدتها عن عشر سنوات من البحث والاستقصاء العلمييْن.‏

2-التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي:‏

لا أريد أن أقول –لأنني عربي- إن التراث اللغوي يُعد تحولاً كبيراً في مسيرة التراث اللغوي العالمي، ولكنني أقول هذا لأن الحقائق العلمية حول هذا الموضوع مثبتة تاريخياً. وأكرر ما كنت قد ذكرته في مقالات عديدة أنه لو التفت الغرب المعاصر إلى التأريخ اللغوي التراثي العربي لكان علم اللسانيات الحديث في مرحلة متقدمة عن الزمن الذي هو فيه. هذه الحقيقة شاركني فيها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي خلال حوار كنت أجريته معه 1982. وقد نشرت ما قاله تشومسكي حول هذا الموضوع في مجلة اللسانيات الصادرة عن معهد العلوم الإنسانية والصوتية التابع لجامعة الجزائر (المجلد 6-1984). ولكن ماذا نعني بالتراث اللغوي العربي؟ الواقع أن الذي فعله النحاة العرب حول اللغة العربية يُعد جزءاً من التراث اللغوي العربي وليس كله. ذلك أن التراث اللغوي العربي هو أشمل وأوسع مما قدمه النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن يعيش وغيرهم. فهذا التراث هو كل عمل عربي وضعه العرب القدماء من أجل تفسير النص القرآني. وهذا يعني أننا إذا أردنا إعادة تركيب التراث اللغوي العربي فإنه ينبغي أن نبحث في المصادر التالية:‏

-كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويات أو علم التراكيب).‏

-كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم (صوتيات أو علم الصوت).‏

-كتب البلاغة والفلسفة والمنطق (دلاليات أو علم المعنى).‏

-كتب التفاسير القرآنية والنبوية.‏

-دواوين العرب الشعرية والنثرية والشروح التي تناولتها.‏

-كتب الموسوعات المعرفية المختلفة التي كتبها عظماء الكتّاب العرب، أمثال الجاحظ وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسي وغيرهم.‏

-كتب المعاجم واللغة كما هي الحال عند ابن منظور وابن فارس والأصمعي والقالي وغيرهم.‏

-كتب التاريخ كما هي الحال عند الطبري وياقوت الحموي وغيرهما.‏

وبكلمة أخرى؛ إن ما نعنيه بالتراث اللغوي العربي هو كل هذا الركام المعرفي المتناثر في تاريخ الفكر العربي والذي وجد من أجل خدمة النص القرآني. ونحن لا نستطيع معرفة النظرية اللغوية العربية بأبعادها الكاملة إلا إذا أعدنا تركيب هذا الفكر اللغوي العربي المتناثر بعد سبر دقيق وعميق لكل ما قاله العرب حول المسألة اللغوية.‏

إن الشرعية العلمية التي تدفعنا إلى تنفيذ هذا العمل ليست نابعة من تجميع ركام معرفي لا يربطه رابط معين، وإنما هو ركام معرفي انطلق من مبدأ فلسفي متماسك واضح من أجل تفسير الكون والحياة. فالنظرة الفلسفية الإسلامية أرادت أن تفسر مشكلة الإنسان على الأرض، ولأن اللغة مكوّن جوهري من مكونات الإنسان فإنها أرادت معرفة هذه اللغة وسبرها وتفسيرها وربطها بالنظرة الفلسفية الكونية.‏

صحيح أن تاريخ العالم وحضارته مملوء بالنظرات اللغوية التي تناولت اللغة درساً وتمحيصاً، إلا أن معظمها لم ينطلق من منطلق فلسفي شامل وعام. من هنا فإن تجميع الركام المعرفي اللغوي انطلاقاً من هذه الحقيقة وفي إطار يفقد صفته العلمية.‏

إن شرعية إعادة بناء الركام اللغوي العربي القديم تأتي من حقيقة أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية، كما فسروا بقية الظواهر الإنسانية والطبيعية، من أجل خدمة النص القرآني. وبمعنى أدق من أجل خدمة المنطلق الفلسفي الإسلامي.‏

3-اللسانيات الحديثة:‏

اللسانيات هي الدراسة العلمية للغات البشرية كافة من خلال الألسنة الخاصة بكل قوم من الأقوام. هذه الدراسة تشمل ما يلي: الأصوات اللغوية –التراكيب النحوية- الدلالات والمعاني اللغوية- علاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي الذي يحيط بالإنسان.‏

ونعني بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس التالية: ملاحظة الظواهر اللغوية –التجريب والاستقراء المستمر- بناء نظريات لسانية كلية من خلال وضع نماذج لسانية قابلة للتطوير- ضبط النظريات اللسانية الكلية ثم ضبط الظواهر اللغوية التي تعمل عليها- استعمال النماذج والعلائق الرياضية الحديثة- التحليل الرياضي الحديث للغة- الموضوعية المطلقة. وبما أن اللغات البشرية لها ارتباطاتها الإنسانية والطبيعية المتفرعة، كذلك فإن لعلم اللسانيات فروعاً متعددة يختص كل منها بناحية جزئية من هذا الكل الذي اسمه "اللغات".‏

آ-فاللسانيات النظرية (العامة) تبحث بالنظريات اللغوية ونماذجها المتفرعة عنها وكيفية معالجتها للبنية اللغوية سواء أكانت تلك النظريات اللغوية في الماضي أم الحاضر. ومن العلوم المتفرعة عن اللسانيات النظرية ما يلي:‏

1-الصوتيات التي تتفرع بدورها إلى: الصوتيات الفيزيولوجية النطقية- الصوتيات الفيزيائية –الصوتيات السمعية الدماغية.‏

2-النحويات أو علم التراكيب الذي يتفرع بدوره إلى: علم بناء الجملة –علم بناء الكلمة- علم التقديم والتأخير في العناصر اللغوية- علم القواعد اللغوية العالمية- علم القواعد اللغوية الخاصة- علم الضوابط العامة والخاصة المفروضة على القواعد.‏

3-الدلاليات أو علم المعنى الذي يتفرع بدوره إلى: علم المعنى الخاص وعلم المعنى العام- علم بنية الدلالة في الدماغ البشري- علم التعرف على اللغة (عندما تخزن في الدماغ دون معرفتها) –علم فهم اللغة (عندما تخزن في الدماغ مع فهمها)- علم المشترك والترادف- علم تقطيع اللغات للواقع وتسميته- علم أنواع الدلالة والمعنى.‏

ب-واللسانيات التطبيقية تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضاً في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلمها (أصول التدريس –مناهج التدريس- وضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين- وضع الامتحان- امتحان الامتحان- علاقة التعلم والتعليم بالبيئة الاجتماعية).‏

ج-واللسانيات الأنثروبولوجية تبحث بالصلة التي تربط اللغة بأصل الإنسان. فاللغة عضو بيولوجي كبقية الأعضاء البيولوجية الأخرى عند الإنسان، ولكن، على الرغم من ذلك فإن اللغات البشرية متفاوتة من حيث الرقي الحضاري ومن حيث أنظمتها الداخلية وقدرتها على تقطيع العالم الذي يحيط بالإنسان.‏

د-واللسانيات الاجتماعية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع. ذلك لأن اللغة لها صلة بالمجتمع الذي ينظمها ويؤطرها على نحو يجعلها مختلفة عن اللغات الأخرى نظاماً وعادة وسلوكاً. فاللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات البشرية، وهي تعكس كل ما يموج فيها من عادات وتقاليد وثقافة ودين وتنوعات جغرافية وإقليمية. إن من مهمة اللسانيات الاجتماعية البحث في التالي: اللغة واللهجة –الأطلس اللغوي الجغرافي- العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الواحد وأثر ذلك في تعليم اللغة القومية وتعلمها- الفروق القائمة بين لغة النساء ولغة الرجال- المستويات الكلامية اللغوية حسب سياقاتها الاجتماعية- اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة.‏

هـ-واللسانيات الأدبية تبحث بالعلاقات القائمة بين اللسانيات والأدب والنقد والسيميائيات والأسلوبيات. ماهي أفضل التقنيات اللسانية التي يمكن للأديب والكاتب أن يستخدمها ليكون عمله أكثر تأثيراً وفهماً في المجتمع؟ كيف يستطيع الأدب أن يقدم عينات وشرائح أدبية متنوعة للسانيات من أجل أن تدرسها وتبني عليها فرضيات يمكن أن تساهم في بناء صيغة علمية دقيقة للنقد الأدبي الحديث؟.‏

و-واللسانيات البيولوجية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والدماغ. إن مهمة هذا العلم معرفة البنية اللغوية الدماغية عند الإنسان ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يريد معرفة التطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال وكيف يمكن أن ينشأ المرض اللغوي عندهم؟.‏

ز-واللسانيات الرياضية تنظر إلى اللغة على أنها ظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة، ومنظمة على نحو متشابك من أجل تطويعها ووضعها في أطر وصيغ رياضية من أجل معرفتها معرفة دقيقة جداً لإثبات الفرضية التي وضعها تشومسكي من أن اللغة عبارة عن آلة مولدة ذات أدوات محددة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية من خلال طرق محددة.‏

ح-واللسانيات الحاسوبية –المعلوماتية (الكومبيوترية) تبحث عن وضع اللغات البشرية في صيغ وأطر رياضية وذلك لمعالجتها في الحاسبات الإلكترونية من أجل السرعة والدقة العلميتين في البحوث اللغوية ومن أجل ترجمة النصوص اللغوية ترجمة آلية فورية.‏

والواقع أن تاريخ اللسانيات يبدأ بالمحاضرات اللسانية التي كان يلقيها عالم لساني سويسري يدعى فرديناند دي سوسور الذي يعتبر الأب الحقيقي للسانيات. وقد نشرت هذه المحاضرات اللسانية بعد مماته (1919) في كتاب اسمه "محاضرات في اللسانيات العامة" إن جوهر هذه المحاضرات يدور حول طرح منهج لساني علمي جديد لدراسة اللغات يدعى باللسانيات السنكروفية الآنية التي تدرس اللغات البشرية كما هي الآن. وقد كان هذا المنهج ردة فعل علمية على المناهج اللغوية الماضية التي كان يستخدمها العلماء في الهند لمقارنة اللغات الهندية باللغات الأوربية الأمر الذي دعاهم لدراسة تاريخ هذه اللغات ومقارنتها مع بعضها بعضاً طبقاً لمنهج لغوي دعوه بالمنهج الدياكروني التطوري (التاريخي).‏

وقد انتقل منهج دي سوسور اللساني إلى الولايات المتحدة وطُوّر تطويراً يختلف عما كان عليه في أوربة. من هنا نشأت "البنيوية" اللسانية (Structuralism) على يد عالم أمريكي هو بلومفيلد في كتابه "اللغة" (********) وقد طورت النظرية البنيوية من خلال نماذج عديدة جداً استمرت في التطور حتى عام 1957 حيث جاء عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي الذي كان انعطافاً وحدثاً عظيماً في تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية في العالم. فقد استطاع هذا العالم أن يقلب المفاهيم الطبيعية والإنسانية رأساً على عقب كالمفاهيم المطروحة في علم النفس والمنطق والفلسفة وعلم الأنثروبولوجيا والرياضيات وعلم البيولوجيا وعلم الحاسبات الإلكترونية وعلم الفيزياء. ومن أراد التفصيل فلينظر في دائرة المعارف البريطانية ليرى ماذا فعل هذا العالم في تاريخ العلم الحديث والمعاصر. لقد قلب كثيراً من المفاهيم في هذه العلوم من خلال الثورة اللسانية التي قام بها عام 1957 عندما نشر كتابه الأول المسمى "المباني التركيبية" والذي يدور حول طرح نظرية جديدة تدعى "نظرية القواعد التوليدية والتحويلية" وما زال هذا العالم يطور في نظريته هذه حتى الآن وذلك من خلال تطبيقها على لغات بشرية عديدة. ولكن هذا لم يمنع من ظهور اتجاهات ومدارس لسانية أخرى في الولايات المتحدة وأوربة رافقت النظرية التوليدية والتحويلية كمدرسة "الدلاليات التوليدية" لمكولي ومدرسة "الدلاليات العلامية" لغيلمور ومدرسة "تحليل الخطاب" لـ لابوف وجمبرز وجودي، ولكن إذا أردنا فعلاً معرفة جوهر اللسانيات فإننا نستطيع القول إن هوية هذا العلم تتسم بصفتين اثنتين: الأولى هي العلمية (تطبيق المقاييس العلمية على اللغات) والثانية هي الاستقلالية (أصبح لهذا العلم قوانينه وأنظمته الخاصة به). هاتان السمتان اكتملتا بظهور علماء لسانيين في القرن العشرين أمثال دي سوسور وبلومفيلد وسابير ومارتينه وتشومسكي وغيرهم كثير.‏

4-موقع البحوث اللغوية العربية القديمة في اللسانيات الحديثة:‏

لاشك في أن كل أمة من الأمم عندما تفرز حضارة ما فإن هذه الحضارة ستكون مكتملة الجوانب ومتعددة الظواهر غالباً. فالحضارة العربية الإسلامية هي حضارة تتسم بسمة الكلية (Universal) هذه السمة الكلية التي كانت جوهر الدعوة الإسلامية دفعت العرب والمسلمين في كل مكان وزمان للبحث عن جوهر الإنسان ضمن بوتقة الكون والحياة. من هنا لم يكن من همِّ الأيديولوجية الإسلامية أن تجعل الإسلام يعتقد بالإسلام فقط وإنما كان همها إضافة إلى ذلك البحث والاستقصاء عن الإنسان أولاً (الانطلاق من معرفة الإنسان) وعن الكون الذي يحيط بالإنسان ثانياً (الانطلاق من المحيط الخارجي للإنسان). لذلك نرى القرآن الكريم يركز على قضية الاكتشاف عندما يقول "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وكذلك الحديث النبوي الذي حث على هذا الاكتشاف عندما قال الرسول الكريم: "اطلبوا العلم ولو في الصين". وانطلاقاً من هذا المفهوم الفلسفي الإسلامي كان الرسول الكريم يفك أسر كافر إذا علَّم عشرة صبية من المسلمين.‏

نستطيع أن نقول إذن بأن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن استمراراً لتطور حضاري سابق على الرغم من أنها كانت قد تأثرت بالخط العام لمسيرة الحضارات السابقة، وإنما كانت "طفرة" أو "انعطافاً" أو "حدثاً ثورياً" في تاريخ الحضارات الإنسانية. من هنا فإن ما توصلت إليه هذه الحضارات من خلال دراسة الظواهر الإنسانية والطبيعية إنما يستحق الروية والدراية والتأمل والعمق.‏

ومن الظواهر التي وقفت عندها الفلسفة العربية الإسلامية ظاهرة "اللغة". وعندما نقول "اللغة" لا نعني اللغة العربية فقط وإنما "اللغة" التي ينبغي أن تكون كونية، كلية، شاملة، صالحة لكل زمان ومكان حسب المفهوم الفلسفي العربي الإسلامي. إنها "اللغة" التي هي ركن أساسي من أركان الحضارة العربية الإسلامية. من هنا فإن خدمة العرب والمسلمين لهذه "اللغة" لم تنطلق من المفهوم القومي للغة وإنما انطلقت من المفهوم الإسلامي الكلي والإنساني والشمولي. فكما أن الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلة الإنسان على هذه الأرض حسب المفهوم العربي الإسلامي فإن اللغة العربية هي اللغة التي يجب أن تحمل كل المعارف التي حصل عليها الإنسان ويريد أن يحصل عليها، وذلك من أجل حل مشكلاته في هذا الكون. إذن المفهوم العربي الإسلامي اعتبر "اللغة" ظاهرة عربية كونية كلية. لذلك أقدم العرب والمسلمون على دراستها انطلاقاً من هاتين السمتين: السمة القومية والسمة العالمية أو الكلية. وما بحثه العرب في "اللغة" كثير جداً ومتعب جداً، ولكن يمكن حصره بما يلي:‏

أ-أصوات اللغة العربية:‏

1-الفيزيولوجية –النطقية (النحاة والأطباء العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن سينا في كتابه أسباب حدوث الحروف).‏

2-الفيزيائية (علماء الرياضيات العرب أمثال الحسن بن الهيثم والخوارزمي).‏

3-السمعية –الدماغية (علماء التجويد أمثال الشاطبي ومكي بن أبي طالب القيسي وعلماء الموسيقى أمثال زرياب وإبراهيم الموصلي).‏

فقد درس العرب والمسلمون الظاهرة الصوتية دراسة نطقية –فيزيولوجية ودراسة فيزيائية ثم دراسة سمعية دماغية، ولكن معلوماتهم حول هذه الظاهرة جاءت مبعثرة لا يجمعها منهج أو نموذج واحد متماسك.‏

ب-تراكيب اللغة العربية:‏

وهذا كثير عند النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي والفراء والشراح الذين فصلوا ما أتى به هؤلاء المتقدمون أمثال ابن يعيش وغيره. ويُعد كتاب سيبويه "الكتاب" منطلق التحليل النحوي العربي في تاريخ الدراسات النحوية التركيبية. وفي اعتقادي أنه لو استطاع العرب فهم كتاب سيبويه فهم رواية ودراية وعمق لنبشوا حقائق نحوية من هذا الكتاب لا تقل أهمية عن الحقائق النحوية التي أتى بها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي ولكن هذا يحتاج إلى جهد كبير جداً ليس هناك مؤشرات لحوافزه، في مناخ الدراسات اللغوية العربية المعاصرة.‏

ج-دلالات اللغة العربية ومعانيها:‏

ونجد هذه الدراسات في أعمال البلاغيين العرب الذين كانوا يتحدثون عن معاني اللغة العربية ودلالاتها في إطار البلاغة "الممنطقة" أمثال الجرجاني والسكاكي والقزويني وغيرهم. ولعلنا نجد بعض النظرات الدلالية العميقة في أعمال النحاة العرب عندما كانوا يتحدثون عن تراكيب اللغة العربية ونحوها. وهذا كثير عند ابن يعيش في كتابه "شرح المفصل". ثم إن دلالات اللغة العربية ومعانيها أخذت حظاً كبيراً من الدراسة على أيدي الفلاسفة وعلماء المنطق العرب والمسلمين أمثال الفارابي وابن سينا والتوحيدي وابن حزم الأندلسي وابن رشد وغيرهم، حتى أن هناك نظرات دلالية عميقة جداً مبعثرة هنا وهناك ولاسيما في أعمال المفسرين العرب والمسلمين الذين تناولوا القرآن الكريم والأحاديث النبوية تفسيراً وشرحاً.‏

د-ارتباط اللغة بالمجتمع:‏

ونجد مثل هذه الدراسات عند الجاحظ في مؤلفاته جميعها ولاسيما "البيان والتبيين" و"الحيوان" وكذلك نجد بعض هذه الدراسات حول العلاقة بين اللغة والمجتمع عند بعض الشعراء في نثرهم أمثال أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران"، وكذلك نجد هذه الأعمال عند من بحثوا في قضية اللغة العربية واللهجات المتفرعة عنها وأنظمة التفرع وضوابطه.‏

هـ-ارتباط اللغة بفيزيولوجية الإنسان وبيولوجيته:‏

وهذا نراه عند المؤلفين العرب الذين بحثوا في قضية الأمراض اللغوية والتطور اللغوي عند الإنسان ولاسيما عند الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين".‏

و-نشأة اللغة واللغات:‏

وهذا الموضوع تناوله المؤلفون العرب إجمالاً لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأصل الإنسان عندما خلقه الله تعالى ليكون خليفته في الأرض. ومن المؤلفين العرب الذين تناولوا هذا الموضوع ابن جني في "الخصائص" وابن فارس في "المجمل" و "المقاييس"، ثم نراه عند بعض الفرق الفلسفية كالمعتزلة مثلاً. ولكن هذه الدراسات اللغوية التي قام بها العرب والمسلمون إنما هي دراسات إنسانية مستطردة لم تبن على نماذج معينة تخضع لنظريات علمية تجريبية مثبتة اللهم إلا في مجال الصوتيات والنحويات والدلاليات وحتى هذه تحتاج إلى غربلة "علمية" صارمة.‏

5-الصلة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات:‏

لا أجد حرجاً في أن أكرر، هنا، شيئاً كنتُ قلته، وسأبقى أقوله، هو أن صلة القربى ليست فقط بين التراث اللغوي العربي واللسانيات، وإنما هي موجودة أصلاً بين التراث اللغوي العالمي واللسانيات. هذه الحقيقة هي قانون علمي للظواهر الحضارية، ذلك لأن اللسانيات لم تنشأ في فراغ لتخدم في فراغ، وإنما هي شيء لاحق لشيء سابق. فعملية التأثير والتأثر موجودة، ليس بين اللسانيات وبين الدراسات التي سبقتها، وإنما بين الظواهر الحضارية كلها.‏

ولكن السر في تقدم الظواهر الحضارية بعضها على بعض إنما يكمن في حقيقة مفادها أن الشيء اللاحق يجب أن يكتشف جديداً لم يكن في السابق. هذا هو سر تقدم العلوم الإنسانية والطبيعية، وسر تقدم الحضارات في تاريخ الإنسان.‏

اللسانيات، بصفتها علماً، جاءت من أجل تبني صيغة علمية بمفهوم العلم الفيزيائي، وذلك من أجل معرفة كيفية عمل اللغات البشرية بدقة وضبط وموضوعية مطلقة، وذلك للاستفادة من نتائج هذه المعرفة اللغوية وتوظيفها في مجال الحضارة والتكنولوجيا المعاصرة. ولكي تستطيع اللسانيات أن تكون علماً قائماً برأسه مستقلاً عن بقية العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى، فلابد لها من أن تستفيد من المعارف والنظرات اللغوية والتراثية سواء أكانت عربية أم غير عربية.‏

وهكذا فإن المعارف اللغوية الموجودة في التراث الهندي والبابلي والإغريقي والروماني والعربي ثم جهود الباحثين في القرن الثامن والتاسع عشر إنما كانت معارف لغوية مهمة جداً للسانيات.‏

ولكن فضيلة التراث اللغوي العربي تأتي من حقيقة أن الأيديولوجية الحضارية العربية الإسلامية كانت أعلى في الوتيرة الفكرية وأنفذ في الرؤية المستقبلية. لذلك كانت استفادة اللسانيات من التراث اللغوي العربي أكثر من غيره على الرغم من أن بعض الباحثين اللسانيين الغربيين لا يعترفون بهذه الحقيقية، ذلك لأن حجتهم هي أن التراث اللغوي العربي إنما هو انعكاس وحفظ للتراث اللغوي الإغريقي إلا في بعض فرضياته الدلالية الجديدة.‏

على أية حال، لقد أثبت باحثون لسانيون غربيون معتدلون ومنصفون (أمثال روبنز وتشومسكي وكوك) تأثر اللسانيات الحديثة بالتراث اللغوي العربي وذلك عن طريق وسائل مختلفة سواء أكانت مباشرة (الاطلاع على التراث اللغوي العربي باللغة العربية) أم غير مباشرة (عن طريق ترجمة أعمال النحاة واللغويين والبلاغيين العرب إلى لغات أجنبية كثيرة وخاصة اللغة الألمانية).‏

إن الفكرة الرئيسية في قانون البحث العلمي هي أنه لا سابق دون لاحق ولا لاحق دون سابق، وكل من ينكر هذا القانون العلمي إنما نظرته إلى الظواهر هي نظرة شخصية وليست نظرة موضوعية. لنأخذ على سبيل المثال عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي فسوف نجد برهاناً على ما نقول. فعلى الرغم من أن هذا العالم قد رفض كل شيء أتت به البنيوية، ولكنه في صميم أعماله التوليدية والتحويلية إنما هو بنيوي. إن ما فعله تشومسكي هو أنه قلب البنيوية رأساً على عقب وأتى بشيء جديد لم تلتفت إليه البنيوية وهو دراسة "اللغة" على أنها ظاهرة فيزيائية –رياضية- آلية- بيولوجية تعمل داخل الدماغ البشري. أنت ترى ظاهرة معينة منذ مدة وأنا أرى الظاهرة نفسها الآن، ولكن رؤيتي لهذه الظاهرة يمكن أن تكشف شيئاً جديداً لم يسترع انتباهك أنت. ولنقل ما نقول: أهي الوسائل البدائية التي استخدمتها ولم تجعلك تكتشف هذا الشيء الجديد أم أنه القصور في التحليل العلمي لهذه الظاهرة؟‏

المهم في الأمر هو "الاكتشاف الجديد"، هذا هو سر اللسانيات الحديثة التي اكتشفت في اللغات البشرية أشياء جديدة لم تستطع الدراسات اللغوية القديمة اكتشافها وذلك بسبب ظهور التكنولوجيا الحديثة والأساليب العلمية المذهلة. ما تفعله اللسانيات هو أنها تأتي إلى اللغات البشرية كافة، تفككها وتحللها قطعة قطعة لتكشف وظيفة كل قطعة لغوية وكيفية توزعها في النظام العام. وهكذا فإنها ستكشف أن هناك نظاماً معيناً فتسجله، ثم تنتقل إلى قطع لغوية أخرى لتدرس وظيفتها وتوزعها ضمن النظام العام، وهكذا دواليك. فمن خلال هذه الدراسة تتكون عند اللساني أنظمة كثيرة حول الظاهرة اللغوية. وهذه الأنظمة لابد لها من نظام معين من أجل ضبطها.‏

إن الفكرة الرئيسية هنا هي أن اللساني ينطلق من الجزء لينتهي بالكل. الجزء هو اللغات البشرية كلها. الكل هو أنظمة هذه اللغات البشرية وقوانينها. إن الجزء والكل هما اللذان يعطيان اللسانيات الحديثة شرعيتها لتكون علماً قائماً برأسه.‏

في التراث اللغوي القديم (عربياً كان أم غير عربي) لم تكن هناك وسائل علمية سريعة لفحص اللغات البشرية كلها وتحليلها ومعرفة سر حركيتها وعملها من أجل أن نستفيد منها تقنياً وتكنولوجياً، وإلا فكيف يمكننا الآن وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصمم آلات تكنولوجية (مخابر صوتية) أو حاسبات الكترونية (كومبيوتر) لتلائم مثلاً لغتين أو لغات عدة من أجل أن نقوم بعملية الترجمة الآلية كما هو الحال في مشروع لغات السوق الأوربية المشتركة؟ ثم كيف يمكننا وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصوغ جميع اللغات البشرية صياغة رياضية صوتياً وتركيبياً ودلالياً؟. لم يكن هذا الأمر ممكناً في القديم ذلك لأن إمكانات فقه اللغة أو الدراسات اللغوية القديمة إمكانات بدائية تتلاءم مع العصر الذي أفرزها.‏

هذه الحقيقة العلمية تؤيد حقيقة أخرى فلسفية كان وضعها الفيلسوف اليوناني القديم هيرقليطس وهي "انك لا تستطيع أن تستحم بماء النهر مرتين". من هنا فإنه من الخطأ العلمي أن نحمّل التاريخ الحضاري وزراً فوق وزره. لندع التاريخ الحضاري يفرز حقائقه من الواقع والزمن الذي كان يعايشه دون أن نسقط عليه حقائق معاصرة لرغبة قومية أو نزعة دينية أو تحمس عاطفي.‏

والخلاصة أن الدراسات اللغوية القديمة هي دراسات إنسانية (علاقة اللغة بالإنسان الذي يتكلمها). وبهذا فإنها في الغالب دراسات شخصية (Subjective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة في أنا (كشخص). أما الدراسات اللغوية الحديثة أو اللسانيات فهي دراسات علمية (علاقة اللغة ببعضها بعضاً). وبهذا فإن هذه الدراسات أكثر موضوعية (Objective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة ببعضها بعضاً.‏

الدراسات اللغوية القديمة تبدو وكأنها تستخدم معيار السببية (لماذا مثلاً تحدث صفات نحوية معينة في اللغة؟ وكيف يجب على هذه الصفات النحوية أن تعمل؟). وبالمقابل فإن اللسانيات الحديثة تبدو وكأنها تستخدم معيار الماهية (فهي تسجل الحقائق الملحوظة للغة فقط دون محاولة شرحها. وإذا كان هناك شرح لساني فإنه عبارة عن الشرح الذي يتناول العلاقة بين الحقائق الملحوظة للغة وبين النظرية اللسانية العامة والتجريبية). الدراسات اللغوية القديمة خلطت بين مستويات التحليل اللغوي فهي لم تميز بشكل دقيق هذه المستويات وتفرزها عن بعضها بعضاً لكي يكون التحليل أكثر دقة وموضوعية. أما اللسانيات الحديثة فقد فصلت بين مستويات لسانية عديدة مكّنها من اكتشاف العملية اللغوية وكيفية عملها ووظيفتها.‏

إن حقيقة فهم الناس للدراسات اللغوية القديمة إنما يعود إلى التاريخ الثقافي الذي حمل التراث اللغوي القديم من جيل إلى جيل وعلى مدد زمنية طويلة وعريضة، ذلك التاريخ الذي صبغ الدراسات اللغوية القديمة بالتيارات الفلسفية والنفسية والدينية والبلاغية والنقدية والأدبية. ومن جهة أخرى فإن اللسانيات الحديثة هي وليدة العصر وليس لها تاريخ ثقافي طويل وعريض. أضف إلى ذلك أن اللسانيات حاولت جهدها أن تصرف النظر عن المناقشات الجدلية النفسية والمنطقية والميتافيزيقية العقيمة وأن تركز على الوصف والشرح اللغويين المبنيين على الوصف التجريبي للغة.‏

وبكلمة أخرى؛ إن اللسانيات الحديثة هي استمرار للخط الحضاري الحديث ذي الطابع العلمي التكنولوجي الذي يجعلها مرتبطة بالعلوم الطبيعية والتقنية الصارمة كالفيزياء والبيولوجيا والحاسبات الإلكترونية والرياضيات. أما الدراسات اللغوية القديمة فإنها استمرار للخط الحضاري القديم ذي الطابع الإنساني الذي يجعلها تدور في فلك العلوم الإنسانية كالأدب والنقد والفلسفة والتاريخ.‏

وهكذا فإن الفرق بين الدراسات اللغوية القديمة وبين الدراسات اللسانية الحديثة هو الفرق بين الهدف الإنساني والهدف العلمي.



مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 48 - السنة 12 - تموز "يوليو" 1992 - المحرم 1413

« استعرض الموضوع السابق · استعرض الموضوع التالي »
موقع المستخذم https://maamri-ilm2010.yoo7.com/t212-topic










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 13:04   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

عضو
lamiaken

مدخل: الحديث عن صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات ذو شجون، ونحن نعلم أن البحث عن هذه الصلة يشغل اللغويين العرب، ويكاد يكون برهاناً على رؤيتهم المعاصرة للسانيات العربية.‏

ولكن ماهي طبيعة هذه الصلة؟ ثم كيف ننظر إليها؟‏

الواقع أحب أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار أشمل وأوسع ليكون حديثنا أكثر دقة وموضوعية ذلك أنني أعتقد أن التراث اللغوي العربي ليس ملكاً للعرب وحدهم، ولكنه ملك حضارة الإنسان المعاصر. والإنسان دائماً وأبداً خارج عن نطاق الجنس والعرق والتاريخ. ومن ثم يمكنني أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار ما يلي:‏

1-ماذا نعني بالتراث اللغوي العالمي؟‏


2-أين يقع التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي؟‏


3-ماذا نعني باللسانيات الحديثة؟‏


4-أين تقع البحوث اللغوية العربية القديمة في خارطة اللسانيات الحديثة؟‏


5-وأخيراً، هل هناك صلة بين ما فعله العرب في مجال الدراسات اللغوية القديمة وبين هذا العلم الجديد المسمى "اللسانيات"؟ ثم ما طبيعة هذه العلاقة؟‏


1-التراث اللغوي العالمي:‏

من يطلع على الكتاب القيم الذي كتبه الباحث اللساني الإنكليزي ر.روبنز (R. Robins) والمسمى "التاريخ الوجيز للسانيات (A short History of linguistics) سيكتشف أن تاريخ الأمم السالفة حافل وغني بالدراسات اللغوية التي تبحث في الظاهرة اللغوية من الوجهة الصوتية والتركيبية والدلالية، ثم علاقة هذه المكونات اللغوية بالعالم الذي يحيط بالإنسان. فقد لفتت الظاهرة اللغوية انتباه الإنسان منذ قديم الأزل، وجعلته يطرح الأسئلة تلو الأسئلة حولها. وسواء أقاده حدسه الطبيعي إلى الجواب الصحيح أم تجاربه العلمية المتوافرة آنذاك، فإنه قد توصل إلى حقائق عدة حول اللغة بشكل عام.‏

فالحضارة الهندية القديمة بحثت في الظاهرة اللغوية بحثاً مستفيضاً ولاسيما في وجهها الصوتي (Phonetic) والحق يقال: يُعدّ الباحث الهندي الكبير بانيني (Panini) أبا الصوتيات في العالم. فمن رجع إلى بحوث هذا الرجل منذ حوالي أربعة آلاف سنة فإنه سيدهش من الدراسة الصوتية العميقة التي قام بها سواء أكانت هذه الدراسة مبنية على اللغات الهندية أم على لغات بشرية أخرى.‏


وقد فعل اليونانيون في الحضارة الإغريقية الشيء نفسه، إذ استفادوا من البحوث اللغوية التي سبقتهم وبنوا على تلك الدراسات ثم طلعوا بنظرات جديدة حول الظاهرة اللغوية. وما البحوث اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو والمدرسة الرواقية إلا دليل واضح على اهتمام الحضارة الإغريقية بالظاهرة اللغوية.‏


وإذا كانت الحضارة الرومانية قد تبنت كل الحقائق اللغوية التي أتت بها الحضارة الإغريقية فإنها قد ساهمت قليلاً في تطوير الدراسات اللغوية ولاسيما في وجهها الدلالي والبلاغي. أضف إلى ذلك أن هناك دراسات لغوية قيّمة ونافعة قامت بها الحضارات الشرقية القديمة وبالتحديد اليابان والصين وغيرهما، تلك الدراسات التي لم تصل إلينا نحن –العرب- لنتعرفها ونأخذ بها. ومن يطلع على كتاب ر.روبنز الآنف الذكر يكتشف أن هناك حقائق كثيرة أتت بها الدراسات الشرقية حول الظاهرة اللغوية.‏


والخلاصة: لا يمكن لظاهرة من الظواهر الإنسانية أو الفيزيائية أن تكون طفرة في تاريخ الجنس البشري وإنما هي تحول من ظاهرة إلى ظاهرة أخرى متعاقبة. وهكذا فإن السابق هو نتاج اللاحق. اللغة ظاهرة فيزيولوجية –إنسانية لاحظها الإنسان منذ أن خُلق على وجه الأرض، وقد حاول وما يزال يحاول سبرها. وهكذا فإن تاريخ الإنسان (بغض النظر عن جنسه وعرقه وأصله وفصله) مليء بالدراسات التي تناولت الظاهرة اللغوية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى صحة هذه الدراسات اللغوية التراثية العالمية وشرعيتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى رواية ودراية لا تقل مدتها عن عشر سنوات من البحث والاستقصاء العلمييْن.‏

2-التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي:‏

لا أريد أن أقول –لأنني عربي- إن التراث اللغوي يُعد تحولاً كبيراً في مسيرة التراث اللغوي العالمي، ولكنني أقول هذا لأن الحقائق العلمية حول هذا الموضوع مثبتة تاريخياً. وأكرر ما كنت قد ذكرته في مقالات عديدة أنه لو التفت الغرب المعاصر إلى التأريخ اللغوي التراثي العربي لكان علم اللسانيات الحديث في مرحلة متقدمة عن الزمن الذي هو فيه. هذه الحقيقة شاركني فيها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي خلال حوار كنت أجريته معه 1982. وقد نشرت ما قاله تشومسكي حول هذا الموضوع في مجلة اللسانيات الصادرة عن معهد العلوم الإنسانية والصوتية التابع لجامعة الجزائر (المجلد 6-1984). ولكن ماذا نعني بالتراث اللغوي العربي؟ الواقع أن الذي فعله النحاة العرب حول اللغة العربية يُعد جزءاً من التراث اللغوي العربي وليس كله. ذلك أن التراث اللغوي العربي هو أشمل وأوسع مما قدمه النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن يعيش وغيرهم. فهذا التراث هو كل عمل عربي وضعه العرب القدماء من أجل تفسير النص القرآني. وهذا يعني أننا إذا أردنا إعادة تركيب التراث اللغوي العربي فإنه ينبغي أن نبحث في المصادر التالية:‏


-كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويات أو علم التراكيب).‏


-كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم (صوتيات أو علم الصوت).‏


-كتب البلاغة والفلسفة والمنطق (دلاليات أو علم المعنى).‏


-كتب التفاسير القرآنية والنبوية.‏


-دواوين العرب الشعرية والنثرية والشروح التي تناولتها.‏


-كتب الموسوعات المعرفية المختلفة التي كتبها عظماء الكتّاب العرب، أمثال الجاحظ وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسي وغيرهم.‏


-كتب المعاجم واللغة كما هي الحال عند ابن منظور وابن فارس والأصمعي والقالي وغيرهم.‏


-كتب التاريخ كما هي الحال عند الطبري وياقوت الحموي وغيرهما.‏


وبكلمة أخرى؛ إن ما نعنيه بالتراث اللغوي العربي هو كل هذا الركام المعرفي المتناثر في تاريخ الفكر العربي والذي وجد من أجل خدمة النص القرآني. ونحن لا نستطيع معرفة النظرية اللغوية العربية بأبعادها الكاملة إلا إذا أعدنا تركيب هذا الفكر اللغوي العربي المتناثر بعد سبر دقيق وعميق لكل ما قاله العرب حول المسألة اللغوية.‏


إن الشرعية العلمية التي تدفعنا إلى تنفيذ هذا العمل ليست نابعة من تجميع ركام معرفي لا يربطه رابط معين، وإنما هو ركام معرفي انطلق من مبدأ فلسفي متماسك واضح من أجل تفسير الكون والحياة. فالنظرة الفلسفية الإسلامية أرادت أن تفسر مشكلة الإنسان على الأرض، ولأن اللغة مكوّن جوهري من مكونات الإنسان فإنها أرادت معرفة هذه اللغة وسبرها وتفسيرها وربطها بالنظرة الفلسفية الكونية.‏


صحيح أن تاريخ العالم وحضارته مملوء بالنظرات اللغوية التي تناولت اللغة درساً وتمحيصاً، إلا أن معظمها لم ينطلق من منطلق فلسفي شامل وعام. من هنا فإن تجميع الركام المعرفي اللغوي انطلاقاً من هذه الحقيقة وفي إطار يفقد صفته العلمية.‏


إن شرعية إعادة بناء الركام اللغوي العربي القديم تأتي من حقيقة أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية، كما فسروا بقية الظواهر الإنسانية والطبيعية، من أجل خدمة النص القرآني. وبمعنى أدق من أجل خدمة المنطلق الفلسفي الإسلامي.‏


3-اللسانيات الحديثة:‏


اللسانيات هي الدراسة العلمية للغات البشرية كافة من خلال الألسنة الخاصة بكل قوم من الأقوام. هذه الدراسة تشمل ما يلي: الأصوات اللغوية –التراكيب النحوية- الدلالات والمعاني اللغوية- علاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي الذي يحيط بالإنسان.‏


ونعني بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس التالية: ملاحظة الظواهر اللغوية –التجريب والاستقراء المستمر- بناء نظريات لسانية كلية من خلال وضع نماذج لسانية قابلة للتطوير- ضبط النظريات اللسانية الكلية ثم ضبط الظواهر اللغوية التي تعمل عليها- استعمال النماذج والعلائق الرياضية الحديثة- التحليل الرياضي الحديث للغة- الموضوعية المطلقة. وبما أن اللغات البشرية لها ارتباطاتها الإنسانية والطبيعية المتفرعة، كذلك فإن لعلم اللسانيات فروعاً متعددة يختص كل منها بناحية جزئية من هذا الكل الذي اسمه "اللغات".‏


آ-فاللسانيات النظرية (العامة) تبحث بالنظريات اللغوية ونماذجها المتفرعة عنها وكيفية معالجتها للبنية اللغوية سواء أكانت تلك النظريات اللغوية في الماضي أم الحاضر. ومن العلوم المتفرعة عن اللسانيات النظرية ما يلي:‏


1-الصوتيات التي تتفرع بدورها إلى: الصوتيات الفيزيولوجية النطقية- الصوتيات الفيزيائية –الصوتيات السمعية الدماغية.‏


2-النحويات أو علم التراكيب الذي يتفرع بدوره إلى: علم بناء الجملة –علم بناء الكلمة- علم التقديم والتأخير في العناصر اللغوية- علم القواعد اللغوية العالمية- علم القواعد اللغوية الخاصة- علم الضوابط العامة والخاصة المفروضة على القواعد.‏


3-الدلاليات أو علم المعنى الذي يتفرع بدوره إلى: علم المعنى الخاص وعلم المعنى العام- علم بنية الدلالة في الدماغ البشري- علم التعرف على اللغة (عندما تخزن في الدماغ دون معرفتها) –علم فهم اللغة (عندما تخزن في الدماغ مع فهمها)- علم المشترك والترادف- علم تقطيع اللغات للواقع وتسميته- علم أنواع الدلالة والمعنى.‏


ب-واللسانيات التطبيقية تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضاً في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلمها (أصول التدريس –مناهج التدريس- وضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين- وضع الامتحان- امتحان الامتحان- علاقة التعلم والتعليم بالبيئة الاجتماعية).‏


ج-واللسانيات الأنثروبولوجية تبحث بالصلة التي تربط اللغة بأصل الإنسان. فاللغة عضو بيولوجي كبقية الأعضاء البيولوجية الأخرى عند الإنسان، ولكن، على الرغم من ذلك فإن اللغات البشرية متفاوتة من حيث الرقي الحضاري ومن حيث أنظمتها الداخلية وقدرتها على تقطيع العالم الذي يحيط بالإنسان.‏
د-واللسانيات الاجتماعية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع. ذلك لأن اللغة لها صلة بالمجتمع الذي ينظمها ويؤطرها على نحو يجعلها مختلفة عن اللغات الأخرى نظاماً وعادة وسلوكاً. فاللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات البشرية، وهي تعكس كل ما يموج فيها من عادات وتقاليد وثقافة ودين وتنوعات جغرافية وإقليمية. إن من مهمة اللسانيات الاجتماعية البحث في التالي: اللغة واللهجة –الأطلس اللغوي الجغرافي- العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الواحد وأثر ذلك في تعليم اللغة القومية وتعلمها- الفروق القائمة بين لغة النساء ولغة الرجال- المستويات الكلامية اللغوية حسب سياقاتها الاجتماعية- اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة.‏


هـ-واللسانيات الأدبية تبحث بالعلاقات القائمة بين اللسانيات والأدب والنقد والسيميائيات والأسلوبيات. ماهي أفضل التقنيات اللسانية التي يمكن للأديب والكاتب أن يستخدمها ليكون عمله أكثر تأثيراً وفهماً في المجتمع؟ كيف يستطيع الأدب أن يقدم عينات وشرائح أدبية متنوعة للسانيات من أجل أن تدرسها وتبني عليها فرضيات يمكن أن تساهم في بناء صيغة علمية دقيقة للنقد الأدبي الحديث؟.‏


و-واللسانيات البيولوجية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والدماغ. إن مهمة هذا العلم معرفة البنية اللغوية الدماغية عند الإنسان ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يريد معرفة التطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال وكيف يمكن أن ينشأ المرض اللغوي عندهم؟.‏


ز-واللسانيات الرياضية تنظر إلى اللغة على أنها ظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة، ومنظمة على نحو متشابك من أجل تطويعها ووضعها في أطر وصيغ رياضية من أجل معرفتها معرفة دقيقة جداً لإثبات الفرضية التي وضعها تشومسكي من أن اللغة عبارة عن آلة مولدة ذات أدوات محددة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية من خلال طرق محددة.‏


ح-واللسانيات الحاسوبية –المعلوماتية (الكومبيوترية) تبحث عن وضع اللغات البشرية في صيغ وأطر رياضية وذلك لمعالجتها في الحاسبات الإلكترونية من أجل السرعة والدقة العلميتين في البحوث اللغوية ومن أجل ترجمة النصوص اللغوية ترجمة آلية فورية.‏


والواقع أن تاريخ اللسانيات يبدأ بالمحاضرات اللسانية التي كان يلقيها عالم لساني سويسري يدعى فرديناند دي سوسور الذي يعتبر الأب الحقيقي للسانيات. وقد نشرت هذه المحاضرات اللسانية بعد مماته (1919) في كتاب اسمه "محاضرات في اللسانيات العامة" إن جوهر هذه المحاضرات يدور حول طرح منهج لساني علمي جديد لدراسة اللغات يدعى باللسانيات السنكروفية الآنية التي تدرس اللغات البشرية كما هي الآن. وقد كان هذا المنهج ردة فعل علمية على المناهج اللغوية الماضية التي كان يستخدمها العلماء في الهند لمقارنة اللغات الهندية باللغات الأوربية الأمر الذي دعاهم لدراسة تاريخ هذه اللغات ومقارنتها مع بعضها بعضاً طبقاً لمنهج لغوي دعوه بالمنهج الدياكروني التطوري (التاريخي).‏


وقد انتقل منهج دي سوسور اللساني إلى الولايات المتحدة وطُوّر تطويراً يختلف عما كان عليه في أوربة. من هنا نشأت "البنيوية" اللسانية (Structuralism) على يد عالم أمريكي هو بلومفيلد في كتابه "اللغة" (********) وقد طورت النظرية البنيوية من خلال نماذج عديدة جداً استمرت في التطور حتى عام 1957 حيث جاء عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي الذي كان انعطافاً وحدثاً عظيماً في تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية في العالم. فقد استطاع هذا العالم أن يقلب المفاهيم الطبيعية والإنسانية رأساً على عقب كالمفاهيم المطروحة في علم النفس والمنطق والفلسفة وعلم الأنثروبولوجيا والرياضيات وعلم البيولوجيا وعلم الحاسبات الإلكترونية وعلم الفيزياء. ومن أراد التفصيل فلينظر في دائرة المعارف البريطانية ليرى ماذا فعل هذا العالم في تاريخ العلم الحديث والمعاصر. لقد قلب كثيراً من المفاهيم في هذه العلوم من خلال الثورة اللسانية التي قام بها عام 1957 عندما نشر كتابه الأول المسمى "المباني التركيبية" والذي يدور حول طرح نظرية جديدة تدعى "نظرية القواعد التوليدية والتحويلية" وما زال هذا العالم يطور في نظريته هذه حتى الآن وذلك من خلال تطبيقها على لغات بشرية عديدة. ولكن هذا لم يمنع من ظهور اتجاهات ومدارس لسانية أخرى في الولايات المتحدة وأوربة رافقت النظرية التوليدية والتحويلية كمدرسة "الدلاليات التوليدية" لمكولي ومدرسة "الدلاليات العلامية" لغيلمور ومدرسة "تحليل الخطاب" لـ لابوف وجمبرز وجودي، ولكن إذا أردنا فعلاً معرفة جوهر اللسانيات فإننا نستطيع القول إن هوية هذا العلم تتسم بصفتين اثنتين: الأولى هي العلمية (تطبيق المقاييس العلمية على اللغات) والثانية هي الاستقلالية (أصبح لهذا العلم قوانينه وأنظمته الخاصة به). هاتان السمتان اكتملتا بظهور علماء لسانيين في القرن العشرين أمثال دي سوسور وبلومفيلد وسابير ومارتينه وتشومسكي وغيرهم كثير.‏


4-موقع البحوث اللغوية العربية القديمة في اللسانيات الحديثة:‏


لاشك في أن كل أمة من الأمم عندما تفرز حضارة ما فإن هذه الحضارة ستكون مكتملة الجوانب ومتعددة الظواهر غالباً. فالحضارة العربية الإسلامية هي حضارة تتسم بسمة الكلية (Universal) هذه السمة الكلية التي كانت جوهر الدعوة الإسلامية دفعت العرب والمسلمين في كل مكان وزمان للبحث عن جوهر الإنسان ضمن بوتقة الكون والحياة. من هنا لم يكن من همِّ الأيديولوجية الإسلامية أن تجعل الإسلام يعتقد بالإسلام فقط وإنما كان همها إضافة إلى ذلك البحث والاستقصاء عن الإنسان أولاً (الانطلاق من معرفة الإنسان) وعن الكون الذي يحيط بالإنسان ثانياً (الانطلاق من المحيط الخارجي للإنسان). لذلك نرى القرآن الكريم يركز على قضية الاكتشاف عندما يقول "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وكذلك الحديث النبوي الذي حث على هذا الاكتشاف عندما قال الرسول الكريم: "اطلبوا العلم ولو في الصين". وانطلاقاً من هذا المفهوم الفلسفي الإسلامي كان الرسول الكريم يفك أسر كافر إذا علَّم عشرة صبية من المسلمين.‏


نستطيع أن نقول إذن بأن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن استمراراً لتطور حضاري سابق على الرغم من أنها كانت قد تأثرت بالخط العام لمسيرة الحضارات السابقة، وإنما كانت "طفرة" أو "انعطافاً" أو "حدثاً ثورياً" في تاريخ الحضارات الإنسانية. من هنا فإن ما توصلت إليه هذه الحضارات من خلال دراسة الظواهر الإنسانية والطبيعية إنما يستحق الروية والدراية والتأمل والعمق.‏


ومن الظواهر التي وقفت عندها الفلسفة العربية الإسلامية ظاهرة "اللغة". وعندما نقول "اللغة" لا نعني اللغة العربية فقط وإنما "اللغة" التي ينبغي أن تكون كونية، كلية، شاملة، صالحة لكل زمان ومكان حسب المفهوم الفلسفي العربي الإسلامي. إنها "اللغة" التي هي ركن أساسي من أركان الحضارة العربية الإسلامية. من هنا فإن خدمة العرب والمسلمين لهذه "اللغة" لم تنطلق من المفهوم القومي للغة وإنما انطلقت من المفهوم الإسلامي الكلي والإنساني والشمولي. فكما أن الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلة الإنسان على هذه الأرض حسب المفهوم العربي الإسلامي فإن اللغة العربية هي اللغة التي يجب أن تحمل كل المعارف التي حصل عليها الإنسان ويريد أن يحصل عليها، وذلك من أجل حل مشكلاته في هذا الكون. إذن المفهوم العربي الإسلامي اعتبر "اللغة" ظاهرة عربية كونية كلية. لذلك أقدم العرب والمسلمون على دراستها انطلاقاً من هاتين السمتين: السمة القومية والسمة العالمية أو الكلية. وما بحثه العرب في "اللغة" كثير جداً ومتعب جداً، ولكن يمكن حصره بما يلي:‏


أ-أصوات اللغة العربية:‏


1-الفيزيولوجية –النطقية (النحاة والأطباء العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن سينا في كتابه أسباب حدوث الحروف).‏


2-الفيزيائية (علماء الرياضيات العرب أمثال الحسن بن الهيثم والخوارزمي).‏


3-السمعية –الدماغية (علماء التجويد أمثال الشاطبي ومكي بن أبي طالب القيسي وعلماء الموسيقى أمثال زرياب وإبراهيم الموصلي).‏


فقد درس العرب والمسلمون الظاهرة الصوتية دراسة نطقية –فيزيولوجية ودراسة فيزيائية ثم دراسة سمعية دماغية، ولكن معلوماتهم حول هذه الظاهرة جاءت مبعثرة لا يجمعها منهج أو نموذج واحد متماسك.‏


ب-تراكيب اللغة العربية:‏


وهذا كثير عند النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي والفراء والشراح الذين فصلوا ما أتى به هؤلاء المتقدمون أمثال ابن يعيش وغيره. ويُعد كتاب سيبويه "الكتاب" منطلق التحليل النحوي العربي في تاريخ الدراسات النحوية التركيبية. وفي اعتقادي أنه لو استطاع العرب فهم كتاب سيبويه فهم رواية ودراية وعمق لنبشوا حقائق نحوية من هذا الكتاب لا تقل أهمية عن الحقائق النحوية التي أتى بها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي ولكن هذا يحتاج إلى جهد كبير جداً ليس هناك مؤشرات لحوافزه، في مناخ الدراسات اللغوية العربية المعاصرة.‏


ج-دلالات اللغة العربية ومعانيها:‏


ونجد هذه الدراسات في أعمال البلاغيين العرب الذين كانوا يتحدثون عن معاني اللغة العربية ودلالاتها في إطار البلاغة "الممنطقة" أمثال الجرجاني والسكاكي والقزويني وغيرهم. ولعلنا نجد بعض النظرات الدلالية العميقة في أعمال النحاة العرب عندما كانوا يتحدثون عن تراكيب اللغة العربية ونحوها. وهذا كثير عند ابن يعيش في كتابه "شرح المفصل". ثم إن دلالات اللغة العربية ومعانيها أخذت حظاً كبيراً من الدراسة على أيدي الفلاسفة وعلماء المنطق العرب والمسلمين أمثال الفارابي وابن سينا والتوحيدي وابن حزم الأندلسي وابن رشد وغيرهم، حتى أن هناك نظرات دلالية عميقة جداً مبعثرة هنا وهناك ولاسيما في أعمال المفسرين العرب والمسلمين الذين تناولوا القرآن الكريم والأحاديث النبوية تفسيراً وشرحاً.‏


د-ارتباط اللغة بالمجتمع:‏


ونجد مثل هذه الدراسات عند الجاحظ في مؤلفاته جميعها ولاسيما "البيان والتبيين" و"الحيوان" وكذلك نجد بعض هذه الدراسات حول العلاقة بين اللغة والمجتمع عند بعض الشعراء في نثرهم أمثال أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران"، وكذلك نجد هذه الأعمال عند من بحثوا في قضية اللغة العربية واللهجات المتفرعة عنها وأنظمة التفرع وضوابطه.‏


هـ-ارتباط اللغة بفيزيولوجية الإنسان وبيولوجيته:‏


وهذا نراه عند المؤلفين العرب الذين بحثوا في قضية الأمراض اللغوية والتطور اللغوي عند الإنسان ولاسيما عند الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين".‏


و-نشأة اللغة واللغات:‏


وهذا الموضوع تناوله المؤلفون العرب إجمالاً لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأصل الإنسان عندما خلقه الله تعالى ليكون خليفته في الأرض. ومن المؤلفين العرب الذين تناولوا هذا الموضوع ابن جني في "الخصائص" وابن فارس في "المجمل" و "المقاييس"، ثم نراه عند بعض الفرق الفلسفية كالمعتزلة مثلاً. ولكن هذه الدراسات اللغوية التي قام بها العرب والمسلمون إنما هي دراسات إنسانية مستطردة لم تبن على نماذج معينة تخضع لنظريات علمية تجريبية مثبتة اللهم إلا في مجال الصوتيات والنحويات والدلاليات وحتى هذه تحتاج إلى غربلة "علمية" صارمة.‏


5-الصلة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات:‏


لا أجد حرجاً في أن أكرر، هنا، شيئاً كنتُ قلته، وسأبقى أقوله، هو أن صلة القربى ليست فقط بين التراث اللغوي العربي واللسانيات، وإنما هي موجودة أصلاً بين التراث اللغوي العالمي واللسانيات. هذه الحقيقة هي قانون علمي للظواهر الحضارية، ذلك لأن اللسانيات لم تنشأ في فراغ لتخدم في فراغ، وإنما هي شيء لاحق لشيء سابق. فعملية التأثير والتأثر موجودة، ليس بين اللسانيات وبين الدراسات التي سبقتها، وإنما بين الظواهر الحضارية كلها.‏


ولكن السر في تقدم الظواهر الحضارية بعضها على بعض إنما يكمن في حقيقة مفادها أن الشيء اللاحق يجب أن يكتشف جديداً لم يكن في السابق. هذا هو سر تقدم العلوم الإنسانية والطبيعية، وسر تقدم الحضارات في تاريخ الإنسان.‏


اللسانيات، بصفتها علماً، جاءت من أجل تبني صيغة علمية بمفهوم العلم الفيزيائي، وذلك من أجل معرفة كيفية عمل اللغات البشرية بدقة وضبط وموضوعية مطلقة، وذلك للاستفادة من نتائج هذه المعرفة اللغوية وتوظيفها في مجال الحضارة والتكنولوجيا المعاصرة. ولكي تستطيع اللسانيات أن تكون علماً قائماً برأسه مستقلاً عن بقية العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى، فلابد لها من أن تستفيد من المعارف والنظرات اللغوية والتراثية سواء أكانت عربية أم غير عربية.‏


وهكذا فإن المعارف اللغوية الموجودة في التراث الهندي والبابلي والإغريقي والروماني والعربي ثم جهود الباحثين في القرن الثامن والتاسع عشر إنما كانت معارف لغوية مهمة جداً للسانيات.‏


ولكن فضيلة التراث اللغوي العربي تأتي من حقيقة أن الأيديولوجية الحضارية العربية الإسلامية كانت أعلى في الوتيرة الفكرية وأنفذ في الرؤية المستقبلية. لذلك كانت استفادة اللسانيات من التراث اللغوي العربي أكثر من غيره على الرغم من أن بعض الباحثين اللسانيين الغربيين لا يعترفون بهذه الحقيقية، ذلك لأن حجتهم هي أن التراث اللغوي العربي إنما هو انعكاس وحفظ للتراث اللغوي الإغريقي إلا في بعض فرضياته الدلالية الجديدة.‏


على أية حال، لقد أثبت باحثون لسانيون غربيون معتدلون ومنصفون (أمثال روبنز وتشومسكي وكوك) تأثر اللسانيات الحديثة بالتراث اللغوي العربي وذلك عن طريق وسائل مختلفة سواء أكانت مباشرة (الاطلاع على التراث اللغوي العربي باللغة العربية) أم غير مباشرة (عن طريق ترجمة أعمال النحاة واللغويين والبلاغيين العرب إلى لغات أجنبية كثيرة وخاصة اللغة الألمانية).‏


إن الفكرة الرئيسية في قانون البحث العلمي هي أنه لا سابق دون لاحق ولا لاحق دون سابق، وكل من ينكر هذا القانون العلمي إنما نظرته إلى الظواهر هي نظرة شخصية وليست نظرة موضوعية. لنأخذ على سبيل المثال عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي فسوف نجد برهاناً على ما نقول. فعلى الرغم من أن هذا العالم قد رفض كل شيء أتت به البنيوية، ولكنه في صميم أعماله التوليدية والتحويلية إنما هو بنيوي. إن ما فعله تشومسكي هو أنه قلب البنيوية رأساً على عقب وأتى بشيء جديد لم تلتفت إليه البنيوية وهو دراسة "اللغة" على أنها ظاهرة فيزيائية –رياضية- آلية- بيولوجية تعمل داخل الدماغ البشري. أنت ترى ظاهرة معينة منذ مدة وأنا أرى الظاهرة نفسها الآن، ولكن رؤيتي لهذه الظاهرة يمكن أن تكشف شيئاً جديداً لم يسترع انتباهك أنت. ولنقل ما نقول: أهي الوسائل البدائية التي استخدمتها ولم تجعلك تكتشف هذا الشيء الجديد أم أنه القصور في التحليل العلمي لهذه الظاهرة؟‏


المهم في الأمر هو "الاكتشاف الجديد"، هذا هو سر اللسانيات الحديثة التي اكتشفت في اللغات البشرية أشياء جديدة لم تستطع الدراسات اللغوية القديمة اكتشافها وذلك بسبب ظهور التكنولوجيا الحديثة والأساليب العلمية المذهلة. ما تفعله اللسانيات هو أنها تأتي إلى اللغات البشرية كافة، تفككها وتحللها قطعة قطعة لتكشف وظيفة كل قطعة لغوية وكيفية توزعها في النظام العام. وهكذا فإنها ستكشف أن هناك نظاماً معيناً فتسجله، ثم تنتقل إلى قطع لغوية أخرى لتدرس وظيفتها وتوزعها ضمن النظام العام، وهكذا دواليك. فمن خلال هذه الدراسة تتكون عند اللساني أنظمة كثيرة حول الظاهرة اللغوية. وهذه الأنظمة لابد لها من نظام معين من أجل ضبطها.‏


إن الفكرة الرئيسية هنا هي أن اللساني ينطلق من الجزء لينتهي بالكل. الجزء هو اللغات البشرية كلها. الكل هو أنظمة هذه اللغات البشرية وقوانينها. إن الجزء والكل هما اللذان يعطيان اللسانيات الحديثة شرعيتها لتكون علماً قائماً برأسه.‏


في التراث اللغوي القديم (عربياً كان أم غير عربي) لم تكن هناك وسائل علمية سريعة لفحص اللغات البشرية كلها وتحليلها ومعرفة سر حركيتها وعملها من أجل أن نستفيد منها تقنياً وتكنولوجياً، وإلا فكيف يمكننا الآن وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصمم آلات تكنولوجية (مخابر صوتية) أو حاسبات الكترونية (كومبيوتر) لتلائم مثلاً لغتين أو لغات عدة من أجل أن نقوم بعملية الترجمة الآلية كما هو الحال في مشروع لغات السوق الأوربية المشتركة؟ ثم كيف يمكننا وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصوغ جميع اللغات البشرية صياغة رياضية صوتياً وتركيبياً ودلالياً؟. لم يكن هذا الأمر ممكناً في القديم ذلك لأن إمكانات فقه اللغة أو الدراسات اللغوية القديمة إمكانات بدائية تتلاءم مع العصر الذي أفرزها.‏


هذه الحقيقة العلمية تؤيد حقيقة أخرى فلسفية كان وضعها الفيلسوف اليوناني القديم هيرقليطس وهي "انك لا تستطيع أن تستحم بماء النهر مرتين". من هنا فإنه من الخطأ العلمي أن نحمّل التاريخ الحضاري وزراً فوق وزره. لندع التاريخ الحضاري يفرز حقائقه من الواقع والزمن الذي كان يعايشه دون أن نسقط عليه حقائق معاصرة لرغبة قومية أو نزعة دينية أو تحمس عاطفي.‏


والخلاصة أن الدراسات اللغوية القديمة هي دراسات إنسانية (علاقة اللغة بالإنسان الذي يتكلمها). وبهذا فإنها في الغالب دراسات شخصية (Subjective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة في أنا (كشخص). أما الدراسات اللغوية الحديثة أو اللسانيات فهي دراسات علمية (علاقة اللغة ببعضها بعضاً). وبهذا فإن هذه الدراسات أكثر موضوعية (Objective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة ببعضها بعضاً.‏


الدراسات اللغوية القديمة تبدو وكأنها تستخدم معيار السببية (لماذا مثلاً تحدث صفات نحوية معينة في اللغة؟ وكيف يجب على هذه الصفات النحوية أن تعمل؟). وبالمقابل فإن اللسانيات الحديثة تبدو وكأنها تستخدم معيار الماهية (فهي تسجل الحقائق الملحوظة للغة فقط دون محاولة شرحها. وإذا كان هناك شرح لساني فإنه عبارة عن الشرح الذي يتناول العلاقة بين الحقائق الملحوظة للغة وبين النظرية اللسانية العامة والتجريبية). الدراسات اللغوية القديمة خلطت بين مستويات التحليل اللغوي فهي لم تميز بشكل دقيق هذه المستويات وتفرزها عن بعضها بعضاً لكي يكون التحليل أكثر دقة وموضوعية. أما اللسانيات الحديثة فقد فصلت بين مستويات لسانية عديدة مكّنها من اكتشاف العملية اللغوية وكيفية عملها ووظيفتها.‏


إن حقيقة فهم الناس للدراسات اللغوية القديمة إنما يعود إلى التاريخ الثقافي الذي حمل التراث اللغوي القديم من جيل إلى جيل وعلى مدد زمنية طويلة وعريضة، ذلك التاريخ الذي صبغ الدراسات اللغوية القديمة بالتيارات الفلسفية والنفسية والدينية والبلاغية والنقدية والأدبية. ومن جهة أخرى فإن اللسانيات الحديثة هي وليدة العصر وليس لها تاريخ ثقافي طويل وعريض. أضف إلى ذلك أن اللسانيات حاولت جهدها أن تصرف النظر عن المناقشات الجدلية النفسية والمنطقية والميتافيزيقية العقيمة وأن تركز على الوصف والشرح اللغويين المبنيين على الوصف التجريبي للغة.‏


وبكلمة أخرى؛ إن اللسانيات الحديثة هي استمرار للخط الحضاري الحديث ذي الطابع العلمي التكنولوجي الذي يجعلها مرتبطة بالعلوم الطبيعية والتقنية الصارمة كالفيزياء والبيولوجيا والحاسبات الإلكترونية والرياضيات. أما الدراسات اللغوية القديمة فإنها استمرار للخط الحضاري القديم ذي الطابع الإنساني الذي يجعلها تدور في فلك العلوم الإنسانية كالأدب والنقد والفلسفة والتاريخ.‏


وهكذا فإن الفرق بين الدراسات اللغوية القديمة وبين الدراسات اللسانية الحديثة هو الفرق بين الهدف الإنساني والهدف العلمي.





مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 48 - السنة 12 - تموز "يوليو" 1992 - المحرم 1413

الموقع المستخذم
https://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=26851










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 13:34   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

lamiaken



صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات
د. مازن الوعر



الحديث عن صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات ذو شجون، ونحن نعلم أن البحث عن هذه الصلة يشغل اللغويين العرب، ويكاد يكون برهاناً على رؤيتهم المعاصرة للسانيات العربية.‏

ولكن ماهي طبيعة هذه الصلة؟ ثم كيف ننظر إليها؟‏

الواقع أحب أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار أشمل وأوسع ليكون حديثنا أكثر دقة وموضوعية ذلك أنني أعتقد أن التراث اللغوي العربي ليس ملكاً للعرب وحدهم، ولكنه ملك حضارة الإنسان المعاصر. والإنسان دائماً وأبداً خارج عن نطاق الجنس والعرق والتاريخ. ومن ثم يمكنني أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار ما يلي:‏

1-ماذا نعني بالتراث اللغوي العالمي؟‏

2-أين يقع التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي؟‏

3-ماذا نعني باللسانيات الحديثة؟‏

4-أين تقع البحوث اللغوية العربية القديمة في خارطة اللسانيات الحديثة؟‏

5-وأخيراً، هل هناك صلة بين ما فعله العرب في مجال الدراسات اللغوية القديمة وبين هذا العلم الجديد المسمى "اللسانيات"؟ ثم ما طبيعة هذه العلاقة؟‏

1-التراث اللغوي العالمي

من يطلع على الكتاب القيم الذي كتبه الباحث اللساني الإنكليزي ر.روبنز (R. Robins) والمسمى "التاريخ الوجيز للسانيات (A short History of linguistics) سيكتشف أن تاريخ الأمم السالفة حافل وغني بالدراسات اللغوية التي تبحث في الظاهرة اللغوية من الوجهة الصوتية والتركيبية والدلالية، ثم علاقة هذه المكونات اللغوية بالعالم الذي يحيط بالإنسان. فقد لفتت الظاهرة اللغوية انتباه الإنسان منذ قديم الأزل، وجعلته يطرح الأسئلة تلو الأسئلة حولها. وسواء أقاده حدسه الطبيعي إلى الجواب الصحيح أم تجاربه العلمية المتوافرة آنذاك، فإنه قد توصل إلى حقائق عدة حول اللغة بشكل عام.‏

فالحضارة الهندية القديمة بحثت في الظاهرة اللغوية بحثاً مستفيضاً ولاسيما في وجهها الصوتي (Phonetic) والحق يقال: يُعدّ الباحث الهندي الكبير بانيني (Panini) أبا الصوتيات في العالم. فمن رجع إلى بحوث هذا الرجل منذ حوالي أربعة آلاف سنة فإنه سيدهش من الدراسة الصوتية العميقة التي قام بها سواء أكانت هذه الدراسة مبنية على اللغات الهندية أم على لغات بشرية أخرى.‏

وقد فعل اليونانيون في الحضارة الإغريقية الشيء نفسه، إذ استفادوا من البحوث اللغوية التي سبقتهم وبنوا على تلك الدراسات ثم طلعوا بنظرات جديدة حول الظاهرة اللغوية. وما البحوث اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو والمدرسة الرواقية إلا دليل واضح على اهتمام الحضارة الإغريقية بالظاهرة اللغوية.‏

وإذا كانت الحضارة الرومانية قد تبنت كل الحقائق اللغوية التي أتت بها الحضارة الإغريقية فإنها قد ساهمت قليلاً في تطوير الدراسات اللغوية ولاسيما في وجهها الدلالي والبلاغي. أضف إلى ذلك أن هناك دراسات لغوية قيّمة ونافعة قامت بها الحضارات الشرقية القديمة وبالتحديد اليابان والصين وغيرهما، تلك الدراسات التي لم تصل إلينا نحن –العرب- لنتعرفها ونأخذ بها. ومن يطلع على كتاب ر.روبنز الآنف الذكر يكتشف أن هناك حقائق كثيرة أتت بها الدراسات الشرقية حول الظاهرة اللغوية.‏

والخلاصة: لا يمكن لظاهرة من الظواهر الإنسانية أو الفيزيائية أن تكون طفرة في تاريخ الجنس البشري وإنما هي تحول من ظاهرة إلى ظاهرة أخرى متعاقبة. وهكذا فإن السابق هو نتاج اللاحق. اللغة ظاهرة فيزيولوجية –إنسانية لاحظها الإنسان منذ أن خُلق على وجه الأرض، وقد حاول وما يزال يحاول سبرها. وهكذا فإن تاريخ الإنسان (بغض النظر عن جنسه وعرقه وأصله وفصله) مليء بالدراسات التي تناولت الظاهرة اللغوية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى صحة هذه الدراسات اللغوية التراثية العالمية وشرعيتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى رواية ودراية لا تقل مدتها عن عشر سنوات من البحث والاستقصاء العلمييْن.‏

2-التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي

لا أريد أن أقول _لأنني عربي_ إن التراث اللغوي يُعد تحولاً كبيراً في مسيرة التراث اللغوي العالمي، ولكنني أقول هذا لأن الحقائق العلمية حول هذا الموضوع مثبتة تاريخياً. وأكرر ما كنت قد ذكرته في مقالات عديدة أنه لو التفت الغرب المعاصر إلى التأريخ اللغوي التراثي العربي لكان علم اللسانيات الحديث في مرحلة متقدمة عن الزمن الذي هو فيه. هذه الحقيقة شاركني فيها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي خلال حوار كنت أجريته معه 1982. وقد نشرت ما قاله تشومسكي حول هذا الموضوع في مجلة اللسانيات الصادرة عن معهد العلوم الإنسانية والصوتية التابع لجامعة الجزائر (المجلد 6-1984). ولكن ماذا نعني بالتراث اللغوي العربي؟ الواقع أن الذي فعله النحاة العرب حول اللغة العربية يُعد جزءاً من التراث اللغوي العربي وليس كله. ذلك أن التراث اللغوي العربي هو أشمل وأوسع مما قدمه النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن يعيش وغيرهم. فهذا التراث هو كل عمل عربي وضعه العرب القدماء من أجل تفسير النص القرآني. وهذا يعني أننا إذا أردنا إعادة تركيب التراث اللغوي العربي فإنه ينبغي أن نبحث في المصادر التالية:‏

-كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويات أو علم التراكيب).‏

-كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم (صوتيات أو علم الصوت).‏

-كتب البلاغة والفلسفة والمنطق (دلاليات أو علم المعنى).‏

-كتب التفاسير القرآنية والنبوية.‏

-دواوين العرب الشعرية والنثرية والشروح التي تناولتها.‏

-كتب الموسوعات المعرفية المختلفة التي كتبها عظماء الكتّاب العرب، أمثال الجاحظ وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسي وغيرهم.‏

-كتب المعاجم واللغة كما هي الحال عند ابن منظور وابن فارس والأصمعي والقالي وغيرهم.‏

-كتب التاريخ كما هي الحال عند الطبري وياقوت الحموي وغيرهما.‏

وبكلمة أخرى؛ إن ما نعنيه بالتراث اللغوي العربي هو كل هذا الركام المعرفي المتناثر في تاريخ الفكر العربي والذي وجد من أجل خدمة النص القرآني. ونحن لا نستطيع معرفة النظرية اللغوية العربية بأبعادها الكاملة إلا إذا أعدنا تركيب هذا الفكر اللغوي العربي المتناثر بعد سبر دقيق وعميق لكل ما قاله العرب حول المسألة اللغوية.‏

إن الشرعية العلمية التي تدفعنا إلى تنفيذ هذا العمل ليست نابعة من تجميع ركام معرفي لا يربطه رابط معين، وإنما هو ركام معرفي انطلق من مبدأ فلسفي متماسك واضح من أجل تفسير الكون والحياة. فالنظرة الفلسفية الإسلامية أرادت أن تفسر مشكلة الإنسان على الأرض، ولأن اللغة مكوّن جوهري من مكونات الإنسان فإنها أرادت معرفة هذه اللغة وسبرها وتفسيرها وربطها بالنظرة الفلسفية الكونية.‏

صحيح أن تاريخ العالم وحضارته مملوء بالنظرات اللغوية التي تناولت اللغة درساً وتمحيصاً، إلا أن معظمها لم ينطلق من منطلق فلسفي شامل وعام. من هنا فإن تجميع الركام المعرفي اللغوي انطلاقاً من هذه الحقيقة وفي إطار يفقد صفته العلمية.‏

إن شرعية إعادة بناء الركام اللغوي العربي القديم تأتي من حقيقة أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية، كما فسروا بقية الظواهر الإنسانية والطبيعية، من أجل خدمة النص القرآني. وبمعنى أدق من أجل خدمة المنطلق الفلسفي الإسلامي.‏

3-اللسانيات الحديثة

اللسانيات هي الدراسة العلمية للغات البشرية كافة من خلال الألسنة الخاصة بكل قوم من الأقوام. هذه الدراسة تشمل ما يلي: الأصوات اللغوية _التراكيب النحوية_ الدلالات والمعاني اللغوية_ علاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي الذي يحيط بالإنسان.‏

ونعني بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس التالية: ملاحظة الظواهر اللغوية _التجريب والاستقراء المستمر_ بناء نظريات لسانية كلية من خلال وضع نماذج لسانية قابلة للتطوير _ ضبط النظريات اللسانية الكلية ثم ضبط الظواهر اللغوية التي تعمل عليها_ استعمال النماذج والعلائق الرياضية الحديثة- التحليل الرياضي الحديث للغة- الموضوعية المطلقة. وبما أن اللغات البشرية لها ارتباطاتها الإنسانية والطبيعية المتفرعة، كذلك فإن لعلم اللسانيات فروعاً متعددة يختص كل منها بناحية جزئية من هذا الكل الذي اسمه "اللغات".‏

آ-فاللسانيات النظرية (العامة) تبحث بالنظريات اللغوية ونماذجها المتفرعة عنها وكيفية معالجتها للبنية اللغوية سواء أكانت تلك النظريات اللغوية في الماضي أم الحاضر. ومن العلوم المتفرعة عن اللسانيات النظرية ما يلي:‏

1-الصوتيات التي تتفرع بدورها إلى: الصوتيات الفيزيولوجية النطقية _الصوتيات الفيزيائية_ الصوتيات السمعية الدماغية.‏

2-النحويات أو علم التراكيب الذي يتفرع بدوره إلى: علم بناء الجملة _ علم بناء الكلمة _ علم التقديم والتأخير في العناصر اللغوية _علم القواعد اللغوية العالمية_ علم القواعد اللغوية الخاصة- علم الضوابط العامة والخاصة المفروضة على القواعد.‏

3-الدلاليات أو علم المعنى الذي يتفرع بدوره إلى: علم المعنى الخاص وعلم المعنى العام _ علم بنية الدلالة في الدماغ البشري _ علم التعرف على اللغة (عندما تخزن في الدماغ دون معرفتها) _علم فهم اللغة (عندما تخزن في الدماغ مع فهمها) _ علم المشترك والترادف _ علم تقطيع اللغات للواقع وتسميته _ علم أنواع الدلالة والمعنى.‏

ب-واللسانيات التطبيقية تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضاً في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلمها (أصول التدريس _مناهج التدريس_ وضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين _ وضع الامتحان _ امتحان الامتحان _ علاقة التعلم والتعليم بالبيئة الاجتماعية).‏

ج-واللسانيات الأنثروبولوجية تبحث بالصلة التي تربط اللغة بأصل الإنسان. فاللغة عضو بيولوجي كبقية الأعضاء البيولوجية الأخرى عند الإنسان، ولكن، على الرغم من ذلك فإن اللغات البشرية متفاوتة من حيث الرقي الحضاري ومن حيث أنظمتها الداخلية وقدرتها على تقطيع العالم الذي يحيط بالإنسان.‏

د-واللسانيات الاجتماعية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع. ذلك لأن اللغة لها صلة بالمجتمع الذي ينظمها ويؤطرها على نحو يجعلها مختلفة عن اللغات الأخرى نظاماً وعادة وسلوكاً. فاللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات البشرية، وهي تعكس كل ما يموج فيها من عادات وتقاليد وثقافة ودين وتنوعات جغرافية وإقليمية. إن من مهمة اللسانيات الاجتماعية البحث في التالي: اللغة واللهجة _ الأطلس اللغوي الجغرافي _ العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الواحد وأثر ذلك في تعليم اللغة القومية وتعلمها _ الفروق القائمة بين لغة النساء ولغة الرجال _ المستويات الكلامية اللغوية حسب سياقاتها الاجتماعية _ اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة.‏

هـ-واللسانيات الأدبية تبحث بالعلاقات القائمة بين اللسانيات والأدب والنقد والسيميائيات والأسلوبيات. ماهي أفضل التقنيات اللسانية التي يمكن للأديب والكاتب أن يستخدمها ليكون عمله أكثر تأثيراً وفهماً في المجتمع؟ كيف يستطيع الأدب أن يقدم عينات وشرائح أدبية متنوعة للسانيات من أجل أن تدرسها وتبني عليها فرضيات يمكن أن تساهم في بناء صيغة علمية دقيقة للنقد الأدبي الحديث؟.‏

و-واللسانيات البيولوجية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والدماغ. إن مهمة هذا العلم معرفة البنية اللغوية الدماغية عند الإنسان ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يريد معرفة التطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال وكيف يمكن أن ينشأ المرض اللغوي عندهم؟.‏

ز-واللسانيات الرياضية تنظر إلى اللغة على أنها ظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة، ومنظمة على نحو متشابك من أجل تطويعها ووضعها في أطر وصيغ رياضية من أجل معرفتها معرفة دقيقة جداً لإثبات الفرضية التي وضعها تشومسكي من أن اللغة عبارة عن آلة مولدة ذات أدوات محددة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية من خلال طرق محددة.‏

ح-واللسانيات الحاسوبية _ المعلوماتية (الكومبيوترية) تبحث عن وضع اللغات البشرية في صيغ وأطر رياضية وذلك لمعالجتها في الحاسبات الإلكترونية من أجل السرعة والدقة العلميتين في البحوث اللغوية ومن أجل ترجمة النصوص اللغوية ترجمة آلية فورية.‏

والواقع أن تاريخ اللسانيات يبدأ بالمحاضرات اللسانية التي كان يلقيها عالم لساني سويسري يدعى فرديناند دي سوسور الذي يعتبر الأب الحقيقي للسانيات. وقد نشرت هذه المحاضرات اللسانية بعد مماته (1919) في كتاب اسمه "محاضرات في اللسانيات العامة" إن جوهر هذه المحاضرات يدور حول طرح منهج لساني علمي جديد لدراسة اللغات يدعى باللسانيات السنكروفية الآنية التي تدرس اللغات البشرية كما هي الآن. وقد كان هذا المنهج ردة فعل علمية على المناهج اللغوية الماضية التي كان يستخدمها العلماء في الهند لمقارنة اللغات الهندية باللغات الأوربية الأمر الذي دعاهم لدراسة تاريخ هذه اللغات ومقارنتها مع بعضها بعضاً طبقاً لمنهج لغوي دعوه بالمنهج الدياكروني التطوري (التاريخي).‏

وقد انتقل منهج دي سوسور اللساني إلى الولايات المتحدة وطُوّر تطويراً يختلف عما كان عليه في أوربة. من هنا نشأت "البنيوية" اللسانية (Structuralism) على يد عالم أمريكي هو بلومفيلد في كتابه "اللغة" (********) وقد طورت النظرية البنيوية من خلال نماذج عديدة جداً استمرت في التطور حتى عام 1957 حيث جاء عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي الذي كان انعطافاً وحدثاً عظيماً في تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية في العالم. فقد استطاع هذا العالم أن يقلب المفاهيم الطبيعية والإنسانية رأساً على عقب كالمفاهيم المطروحة في علم النفس والمنطق والفلسفة وعلم الأنثروبولوجيا والرياضيات وعلم البيولوجيا وعلم الحاسبات الإلكترونية وعلم الفيزياء. ومن أراد التفصيل فلينظر في دائرة المعارف البريطانية ليرى ماذا فعل هذا العالم في تاريخ العلم الحديث والمعاصر. لقد قلب كثيراً من المفاهيم في هذه العلوم من خلال الثورة اللسانية التي قام بها عام 1957 عندما نشر كتابه الأول المسمى "المباني التركيبية" والذي يدور حول طرح نظرية جديدة تدعى "نظرية القواعد التوليدية والتحويلية" وما زال هذا العالم يطور في نظريته هذه حتى الآن وذلك من خلال تطبيقها على لغات بشرية عديدة. ولكن هذا لم يمنع من ظهور اتجاهات ومدارس لسانية أخرى في الولايات المتحدة وأوربة رافقت النظرية التوليدية والتحويلية كمدرسة "الدلاليات التوليدية" لمكولي ومدرسة "الدلاليات العلامية" لغيلمور ومدرسة "تحليل الخطاب" لـ لابوف وجمبرز وجودي، ولكن إذا أردنا فعلاً معرفة جوهر اللسانيات فإننا نستطيع القول إن هوية هذا العلم تتسم بصفتين اثنتين: الأولى هي العلمية (تطبيق المقاييس العلمية على اللغات) والثانية هي الاستقلالية (أصبح لهذا العلم قوانينه وأنظمته الخاصة به). هاتان السمتان اكتملتا بظهور علماء لسانيين في القرن العشرين أمثال دي سوسور وبلومفيلد وسابير ومارتينه وتشومسكي وغيرهم كثير.‏

4-موقع البحوث اللغوية العربية القديمة في اللسانيات الحديثة

لاشك في أن كل أمة من الأمم عندما تفرز حضارة ما فإن هذه الحضارة ستكون مكتملة الجوانب ومتعددة الظواهر غالباً. فالحضارة العربية الإسلامية هي حضارة تتسم بسمة الكلية (Universal) هذه السمة الكلية التي كانت جوهر الدعوة الإسلامية دفعت العرب والمسلمين في كل مكان وزمان للبحث عن جوهر الإنسان ضمن بوتقة الكون والحياة. من هنا لم يكن من همِّ الأيديولوجية الإسلامية أن تجعل الإسلام يعتقد بالإسلام فقط وإنما كان همها إضافة إلى ذلك البحث والاستقصاء عن الإنسان أولاً (الانطلاق من معرفة الإنسان) وعن الكون الذي يحيط بالإنسان ثانياً (الانطلاق من المحيط الخارجي للإنسان). لذلك نرى القرآن الكريم يركز على قضية الاكتشاف عندما يقول "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وكذلك الحديث النبوي الذي حث على هذا الاكتشاف عندما قال الرسول الكريم: "اطلبوا العلم ولو في الصين". وانطلاقاً من هذا المفهوم الفلسفي الإسلامي كان الرسول الكريم يفك أسر كافر إذا علَّم عشرة صبية من المسلمين.‏

نستطيع أن نقول إذن بأن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن استمراراً لتطور حضاري سابق على الرغم من أنها كانت قد تأثرت بالخط العام لمسيرة الحضارات السابقة، وإنما كانت "طفرة" أو "انعطافاً" أو "حدثاً ثورياً" في تاريخ الحضارات الإنسانية. من هنا فإن ما توصلت إليه هذه الحضارات من خلال دراسة الظواهر الإنسانية والطبيعية إنما يستحق الروية والدراية والتأمل والعمق.‏

ومن الظواهر التي وقفت عندها الفلسفة العربية الإسلامية ظاهرة "اللغة". وعندما نقول "اللغة" لا نعني اللغة العربية فقط وإنما "اللغة" التي ينبغي أن تكون كونية، كلية، شاملة، صالحة لكل زمان ومكان حسب المفهوم الفلسفي العربي الإسلامي. إنها "اللغة" التي هي ركن أساسي من أركان الحضارة العربية الإسلامية. من هنا فإن خدمة العرب والمسلمين لهذه "اللغة" لم تنطلق من المفهوم القومي للغة وإنما انطلقت من المفهوم الإسلامي الكلي والإنساني والشمولي. فكما أن الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلة الإنسان على هذه الأرض حسب المفهوم العربي الإسلامي فإن اللغة العربية هي اللغة التي يجب أن تحمل كل المعارف التي حصل عليها الإنسان ويريد أن يحصل عليها، وذلك من أجل حل مشكلاته في هذا الكون. إذن المفهوم العربي الإسلامي اعتبر "اللغة" ظاهرة عربية كونية كلية. لذلك أقدم العرب والمسلمون على دراستها انطلاقاً من هاتين السمتين: السمة القومية والسمة العالمية أو الكلية. وما بحثه العرب في "اللغة" كثير جداً ومتعب جداً، ولكن يمكن حصره بما يلي:‏

أ-أصوات اللغة العربية:‏

1-الفيزيولوجية –النطقية (النحاة والأطباء العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن سينا في كتابه أسباب حدوث الحروف).‏

2-الفيزيائية (علماء الرياضيات العرب أمثال الحسن بن الهيثم والخوارزمي).‏

3-السمعية –الدماغية (علماء التجويد أمثال الشاطبي ومكي بن أبي طالب القيسي وعلماء الموسيقى أمثال زرياب وإبراهيم الموصلي).‏

فقد درس العرب والمسلمون الظاهرة الصوتية دراسة نطقية –فيزيولوجية ودراسة فيزيائية ثم دراسة سمعية دماغية، ولكن معلوماتهم حول هذه الظاهرة جاءت مبعثرة لا يجمعها منهج أو نموذج واحد متماسك.‏

ب-تراكيب اللغة العربية:‏

وهذا كثير عند النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي والفراء والشراح الذين فصلوا ما أتى به هؤلاء المتقدمون أمثال ابن يعيش وغيره. ويُعد كتاب سيبويه "الكتاب" منطلق التحليل النحوي العربي في تاريخ الدراسات النحوية التركيبية. وفي اعتقادي أنه لو استطاع العرب فهم كتاب سيبويه فهم رواية ودراية وعمق لنبشوا حقائق نحوية من هذا الكتاب لا تقل أهمية عن الحقائق النحوية التي أتى بها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي ولكن هذا يحتاج إلى جهد كبير جداً ليس هناك مؤشرات لحوافزه، في مناخ الدراسات اللغوية العربية المعاصرة.‏

ج-دلالات اللغة العربية ومعانيها:‏

ونجد هذه الدراسات في أعمال البلاغيين العرب الذين كانوا يتحدثون عن معاني اللغة العربية ودلالاتها في إطار البلاغة "الممنطقة" أمثال الجرجاني والسكاكي والقزويني وغيرهم. ولعلنا نجد بعض النظرات الدلالية العميقة في أعمال النحاة العرب عندما كانوا يتحدثون عن تراكيب اللغة العربية ونحوها. وهذا كثير عند ابن يعيش في كتابه "شرح المفصل". ثم إن دلالات اللغة العربية ومعانيها أخذت حظاً كبيراً من الدراسة على أيدي الفلاسفة وعلماء المنطق العرب والمسلمين أمثال الفارابي وابن سينا والتوحيدي وابن حزم الأندلسي وابن رشد وغيرهم، حتى أن هناك نظرات دلالية عميقة جداً مبعثرة هنا وهناك ولاسيما في أعمال المفسرين العرب والمسلمين الذين تناولوا القرآن الكريم والأحاديث النبوية تفسيراً وشرحاً.‏

د-ارتباط اللغة بالمجتمع:‏

ونجد مثل هذه الدراسات عند الجاحظ في مؤلفاته جميعها ولاسيما "البيان والتبيين" و"الحيوان" وكذلك نجد بعض هذه الدراسات حول العلاقة بين اللغة والمجتمع عند بعض الشعراء في نثرهم أمثال أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران"، وكذلك نجد هذه الأعمال عند من بحثوا في قضية اللغة العربية واللهجات المتفرعة عنها وأنظمة التفرع وضوابطه.‏

هـ-ارتباط اللغة بفيزيولوجية الإنسان وبيولوجيته:‏

وهذا نراه عند المؤلفين العرب الذين بحثوا في قضية الأمراض اللغوية والتطور اللغوي عند الإنسان ولاسيما عند الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين".‏

و-نشأة اللغة واللغات:‏

وهذا الموضوع تناوله المؤلفون العرب إجمالاً لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأصل الإنسان عندما خلقه الله تعالى ليكون خليفته في الأرض. ومن المؤلفين العرب الذين تناولوا هذا الموضوع ابن جني في "الخصائص" وابن فارس في "المجمل" و "المقاييس"، ثم نراه عند بعض الفرق الفلسفية كالمعتزلة مثلاً. ولكن هذه الدراسات اللغوية التي قام بها العرب والمسلمون إنما هي دراسات إنسانية مستطردة لم تبن على نماذج معينة تخضع لنظريات علمية تجريبية مثبتة اللهم إلا في مجال الصوتيات والنحويات والدلاليات وحتى هذه تحتاج إلى غربلة "علمية" صارمة.‏

5-الصلة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات

لا أجد حرجاً في أن أكرر، هنا، شيئاً كنتُ قلته، وسأبقى أقوله، هو أن صلة القربى ليست فقط بين التراث اللغوي العربي واللسانيات، وإنما هي موجودة أصلاً بين التراث اللغوي العالمي واللسانيات. هذه الحقيقة هي قانون علمي للظواهر الحضارية، ذلك لأن اللسانيات لم تنشأ في فراغ لتخدم في فراغ، وإنما هي شيء لاحق لشيء سابق. فعملية التأثير والتأثر موجودة، ليس بين اللسانيات وبين الدراسات التي سبقتها، وإنما بين الظواهر الحضارية كلها.‏

ولكن السر في تقدم الظواهر الحضارية بعضها على بعض إنما يكمن في حقيقة مفادها أن الشيء اللاحق يجب أن يكتشف جديداً لم يكن في السابق. هذا هو سر تقدم العلوم الإنسانية والطبيعية، وسر تقدم الحضارات في تاريخ الإنسان.‏

اللسانيات، بصفتها علماً، جاءت من أجل تبني صيغة علمية بمفهوم العلم الفيزيائي، وذلك من أجل معرفة كيفية عمل اللغات البشرية بدقة وضبط وموضوعية مطلقة، وذلك للاستفادة من نتائج هذه المعرفة اللغوية وتوظيفها في مجال الحضارة والتكنولوجيا المعاصرة. ولكي تستطيع اللسانيات أن تكون علماً قائماً برأسه مستقلاً عن بقية العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى، فلابد لها من أن تستفيد من المعارف والنظرات اللغوية والتراثية سواء أكانت عربية أم غير عربية.‏

وهكذا فإن المعارف اللغوية الموجودة في التراث الهندي والبابلي والإغريقي والروماني والعربي ثم جهود الباحثين في القرن الثامن والتاسع عشر إنما كانت معارف لغوية مهمة جداً للسانيات.‏

ولكن فضيلة التراث اللغوي العربي تأتي من حقيقة أن الأيديولوجية الحضارية العربية الإسلامية كانت أعلى في الوتيرة الفكرية وأنفذ في الرؤية المستقبلية. لذلك كانت استفادة اللسانيات من التراث اللغوي العربي أكثر من غيره على الرغم من أن بعض الباحثين اللسانيين الغربيين لا يعترفون بهذه الحقيقية، ذلك لأن حجتهم هي أن التراث اللغوي العربي إنما هو انعكاس وحفظ للتراث اللغوي الإغريقي إلا في بعض فرضياته الدلالية الجديدة.‏

على أية حال، لقد أثبت باحثون لسانيون غربيون معتدلون ومنصفون (أمثال روبنز وتشومسكي وكوك) تأثر اللسانيات الحديثة بالتراث اللغوي العربي وذلك عن طريق وسائل مختلفة سواء أكانت مباشرة (الاطلاع على التراث اللغوي العربي باللغة العربية) أم غير مباشرة (عن طريق ترجمة أعمال النحاة واللغويين والبلاغيين العرب إلى لغات أجنبية كثيرة وخاصة اللغة الألمانية).‏

إن الفكرة الرئيسية في قانون البحث العلمي هي أنه لا سابق دون لاحق ولا لاحق دون سابق، وكل من ينكر هذا القانون العلمي إنما نظرته إلى الظواهر هي نظرة شخصية وليست نظرة موضوعية. لنأخذ على سبيل المثال عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي فسوف نجد برهاناً على ما نقول. فعلى الرغم من أن هذا العالم قد رفض كل شيء أتت به البنيوية، ولكنه في صميم أعماله التوليدية والتحويلية إنما هو بنيوي. إن ما فعله تشومسكي هو أنه قلب البنيوية رأساً على عقب وأتى بشيء جديد لم تلتفت إليه البنيوية وهو دراسة "اللغة" على أنها ظاهرة فيزيائية –رياضية- آلية- بيولوجية تعمل داخل الدماغ البشري. أنت ترى ظاهرة معينة منذ مدة وأنا أرى الظاهرة نفسها الآن، ولكن رؤيتي لهذه الظاهرة يمكن أن تكشف شيئاً جديداً لم يسترع انتباهك أنت. ولنقل ما نقول: أهي الوسائل البدائية التي استخدمتها ولم تجعلك تكتشف هذا الشيء الجديد أم أنه القصور في التحليل العلمي لهذه الظاهرة؟‏

المهم في الأمر هو "الاكتشاف الجديد"، هذا هو سر اللسانيات الحديثة التي اكتشفت في اللغات البشرية أشياء جديدة لم تستطع الدراسات اللغوية القديمة اكتشافها وذلك بسبب ظهور التكنولوجيا الحديثة والأساليب العلمية المذهلة. ما تفعله اللسانيات هو أنها تأتي إلى اللغات البشرية كافة، تفككها وتحللها قطعة قطعة لتكشف وظيفة كل قطعة لغوية وكيفية توزعها في النظام العام. وهكذا فإنها ستكشف أن هناك نظاماً معيناً فتسجله، ثم تنتقل إلى قطع لغوية أخرى لتدرس وظيفتها وتوزعها ضمن النظام العام، وهكذا دواليك. فمن خلال هذه الدراسة تتكون عند اللساني أنظمة كثيرة حول الظاهرة اللغوية. وهذه الأنظمة لابد لها من نظام معين من أجل ضبطها.‏

إن الفكرة الرئيسية هنا هي أن اللساني ينطلق من الجزء لينتهي بالكل. الجزء هو اللغات البشرية كلها. الكل هو أنظمة هذه اللغات البشرية وقوانينها. إن الجزء والكل هما اللذان يعطيان اللسانيات الحديثة شرعيتها لتكون علماً قائماً برأسه.‏

في التراث اللغوي القديم (عربياً كان أم غير عربي) لم تكن هناك وسائل علمية سريعة لفحص اللغات البشرية كلها وتحليلها ومعرفة سر حركيتها وعملها من أجل أن نستفيد منها تقنياً وتكنولوجياً، وإلا فكيف يمكننا الآن وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصمم آلات تكنولوجية (مخابر صوتية) أو حاسبات الكترونية (كومبيوتر) لتلائم مثلاً لغتين أو لغات عدة من أجل أن نقوم بعملية الترجمة الآلية كما هو الحال في مشروع لغات السوق الأوربية المشتركة؟ ثم كيف يمكننا وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصوغ جميع اللغات البشرية صياغة رياضية صوتياً وتركيبياً ودلالياً؟. لم يكن هذا الأمر ممكناً في القديم ذلك لأن إمكانات فقه اللغة أو الدراسات اللغوية القديمة إمكانات بدائية تتلاءم مع العصر الذي أفرزها.‏

هذه الحقيقة العلمية تؤيد حقيقة أخرى فلسفية كان وضعها الفيلسوف اليوناني القديم هيرقليطس وهي "انك لا تستطيع أن تستحم بماء النهر مرتين". من هنا فإنه من الخطأ العلمي أن نحمّل التاريخ الحضاري وزراً فوق وزره. لندع التاريخ الحضاري يفرز حقائقه من الواقع والزمن الذي كان يعايشه دون أن نسقط عليه حقائق معاصرة لرغبة قومية أو نزعة دينية أو تحمس عاطفي.‏

والخلاصة أن الدراسات اللغوية القديمة هي دراسات إنسانية (علاقة اللغة بالإنسان الذي يتكلمها). وبهذا فإنها في الغالب دراسات شخصية (Subjective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة في أنا (كشخص). أما الدراسات اللغوية الحديثة أو اللسانيات فهي دراسات علمية (علاقة اللغة ببعضها بعضاً). وبهذا فإن هذه الدراسات أكثر موضوعية (Objective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة ببعضها بعضاً.‏

الدراسات اللغوية القديمة تبدو وكأنها تستخدم معيار السببية (لماذا مثلاً تحدث صفات نحوية معينة في اللغة؟ وكيف يجب على هذه الصفات النحوية أن تعمل؟). وبالمقابل فإن اللسانيات الحديثة تبدو وكأنها تستخدم معيار الماهية (فهي تسجل الحقائق الملحوظة للغة فقط دون محاولة شرحها. وإذا كان هناك شرح لساني فإنه عبارة عن الشرح الذي يتناول العلاقة بين الحقائق الملحوظة للغة وبين النظرية اللسانية العامة والتجريبية). الدراسات اللغوية القديمة خلطت بين مستويات التحليل اللغوي فهي لم تميز بشكل دقيق هذه المستويات وتفرزها عن بعضها بعضاً لكي يكون التحليل أكثر دقة وموضوعية. أما اللسانيات الحديثة فقد فصلت بين مستويات لسانية عديدة مكّنها من اكتشاف العملية اللغوية وكيفية عملها ووظيفتها.‏

إن حقيقة فهم الناس للدراسات اللغوية القديمة إنما يعود إلى التاريخ الثقافي الذي حمل التراث اللغوي القديم من جيل إلى جيل وعلى مدد زمنية طويلة وعريضة، ذلك التاريخ الذي صبغ الدراسات اللغوية القديمة بالتيارات الفلسفية والنفسية والدينية والبلاغية والنقدية والأدبية. ومن جهة أخرى فإن اللسانيات الحديثة هي وليدة العصر وليس لها تاريخ ثقافي طويل وعريض. أضف إلى ذلك أن اللسانيات حاولت جهدها أن تصرف النظر عن المناقشات الجدلية النفسية والمنطقية والميتافيزيقية العقيمة وأن تركز على الوصف والشرح اللغويين المبنيين على الوصف التجريبي للغة.‏

وبكلمة أخرى؛ إن اللسانيات الحديثة هي استمرار للخط الحضاري الحديث ذي الطابع العلمي التكنولوجي الذي يجعلها مرتبطة بالعلوم الطبيعية والتقنية الصارمة كالفيزياء والبيولوجيا والحاسبات الإلكترونية والرياضيات. أما الدراسات اللغوية القديمة فإنها استمرار للخط الحضاري القديم ذي الطابع الإنساني الذي يجعلها تدور في فلك العلوم الإنسانية كالأدب والنقد والفلسفة والتاريخ.‏

وهكذا فإن الفرق بين الدراسات اللغوية القديمة وبين الدراسات اللسانية الحديثة هو الفرق بين الهدف الإنساني والهدف العلمي.‏

المصدر: مجلة التراث العربي

تاريخ النشر:2010-02-21 14:38:30 الموافق:1431-03-07 14:38:30ـ | تمت قراءته: 387 مرة

Copyrights © moslimonline.com
المصدر: https://www.moslimonline.com/?page=artical&id=442










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 13:44   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

lamiaken



صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات
د. مازن الوعر



الحديث عن صلة التراث اللغوي العربي باللسانيات ذو شجون، ونحن نعلم أن البحث عن هذه الصلة يشغل اللغويين العرب، ويكاد يكون برهاناً على رؤيتهم المعاصرة للسانيات العربية.‏

ولكن ماهي طبيعة هذه الصلة؟ ثم كيف ننظر إليها؟‏

الواقع أحب أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار أشمل وأوسع ليكون حديثنا أكثر دقة وموضوعية ذلك أنني أعتقد أن التراث اللغوي العربي ليس ملكاً للعرب وحدهم، ولكنه ملك حضارة الإنسان المعاصر. والإنسان دائماً وأبداً خارج عن نطاق الجنس والعرق والتاريخ. ومن ثم يمكنني أن أجيب عن هذين السؤالين في إطار ما يلي:‏

1-ماذا نعني بالتراث اللغوي العالمي؟‏

2-أين يقع التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي؟‏

3-ماذا نعني باللسانيات الحديثة؟‏

4-أين تقع البحوث اللغوية العربية القديمة في خارطة اللسانيات الحديثة؟‏

5-وأخيراً، هل هناك صلة بين ما فعله العرب في مجال الدراسات اللغوية القديمة وبين هذا العلم الجديد المسمى "اللسانيات"؟ ثم ما طبيعة هذه العلاقة؟‏

1-التراث اللغوي العالمي

من يطلع على الكتاب القيم الذي كتبه الباحث اللساني الإنكليزي ر.روبنز (R. Robins) والمسمى "التاريخ الوجيز للسانيات (A short History of linguistics) سيكتشف أن تاريخ الأمم السالفة حافل وغني بالدراسات اللغوية التي تبحث في الظاهرة اللغوية من الوجهة الصوتية والتركيبية والدلالية، ثم علاقة هذه المكونات اللغوية بالعالم الذي يحيط بالإنسان. فقد لفتت الظاهرة اللغوية انتباه الإنسان منذ قديم الأزل، وجعلته يطرح الأسئلة تلو الأسئلة حولها. وسواء أقاده حدسه الطبيعي إلى الجواب الصحيح أم تجاربه العلمية المتوافرة آنذاك، فإنه قد توصل إلى حقائق عدة حول اللغة بشكل عام.‏

فالحضارة الهندية القديمة بحثت في الظاهرة اللغوية بحثاً مستفيضاً ولاسيما في وجهها الصوتي (Phonetic) والحق يقال: يُعدّ الباحث الهندي الكبير بانيني (Panini) أبا الصوتيات في العالم. فمن رجع إلى بحوث هذا الرجل منذ حوالي أربعة آلاف سنة فإنه سيدهش من الدراسة الصوتية العميقة التي قام بها سواء أكانت هذه الدراسة مبنية على اللغات الهندية أم على لغات بشرية أخرى.‏

وقد فعل اليونانيون في الحضارة الإغريقية الشيء نفسه، إذ استفادوا من البحوث اللغوية التي سبقتهم وبنوا على تلك الدراسات ثم طلعوا بنظرات جديدة حول الظاهرة اللغوية. وما البحوث اللغوية التي قدمها أفلاطون وأرسطو والمدرسة الرواقية إلا دليل واضح على اهتمام الحضارة الإغريقية بالظاهرة اللغوية.‏

وإذا كانت الحضارة الرومانية قد تبنت كل الحقائق اللغوية التي أتت بها الحضارة الإغريقية فإنها قد ساهمت قليلاً في تطوير الدراسات اللغوية ولاسيما في وجهها الدلالي والبلاغي. أضف إلى ذلك أن هناك دراسات لغوية قيّمة ونافعة قامت بها الحضارات الشرقية القديمة وبالتحديد اليابان والصين وغيرهما، تلك الدراسات التي لم تصل إلينا نحن –العرب- لنتعرفها ونأخذ بها. ومن يطلع على كتاب ر.روبنز الآنف الذكر يكتشف أن هناك حقائق كثيرة أتت بها الدراسات الشرقية حول الظاهرة اللغوية.‏

والخلاصة: لا يمكن لظاهرة من الظواهر الإنسانية أو الفيزيائية أن تكون طفرة في تاريخ الجنس البشري وإنما هي تحول من ظاهرة إلى ظاهرة أخرى متعاقبة. وهكذا فإن السابق هو نتاج اللاحق. اللغة ظاهرة فيزيولوجية –إنسانية لاحظها الإنسان منذ أن خُلق على وجه الأرض، وقد حاول وما يزال يحاول سبرها. وهكذا فإن تاريخ الإنسان (بغض النظر عن جنسه وعرقه وأصله وفصله) مليء بالدراسات التي تناولت الظاهرة اللغوية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى صحة هذه الدراسات اللغوية التراثية العالمية وشرعيتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى رواية ودراية لا تقل مدتها عن عشر سنوات من البحث والاستقصاء العلمييْن.‏

2-التراث اللغوي العربي في خارطة التراث اللغوي العالمي

لا أريد أن أقول _لأنني عربي_ إن التراث اللغوي يُعد تحولاً كبيراً في مسيرة التراث اللغوي العالمي، ولكنني أقول هذا لأن الحقائق العلمية حول هذا الموضوع مثبتة تاريخياً. وأكرر ما كنت قد ذكرته في مقالات عديدة أنه لو التفت الغرب المعاصر إلى التأريخ اللغوي التراثي العربي لكان علم اللسانيات الحديث في مرحلة متقدمة عن الزمن الذي هو فيه. هذه الحقيقة شاركني فيها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي خلال حوار كنت أجريته معه 1982. وقد نشرت ما قاله تشومسكي حول هذا الموضوع في مجلة اللسانيات الصادرة عن معهد العلوم الإنسانية والصوتية التابع لجامعة الجزائر (المجلد 6-1984). ولكن ماذا نعني بالتراث اللغوي العربي؟ الواقع أن الذي فعله النحاة العرب حول اللغة العربية يُعد جزءاً من التراث اللغوي العربي وليس كله. ذلك أن التراث اللغوي العربي هو أشمل وأوسع مما قدمه النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن يعيش وغيرهم. فهذا التراث هو كل عمل عربي وضعه العرب القدماء من أجل تفسير النص القرآني. وهذا يعني أننا إذا أردنا إعادة تركيب التراث اللغوي العربي فإنه ينبغي أن نبحث في المصادر التالية:‏

-كتب النحو والشروح التي تناولته (نحويات أو علم التراكيب).‏

-كتب التجويد وفق قراءة القرآن الكريم (صوتيات أو علم الصوت).‏

-كتب البلاغة والفلسفة والمنطق (دلاليات أو علم المعنى).‏

-كتب التفاسير القرآنية والنبوية.‏

-دواوين العرب الشعرية والنثرية والشروح التي تناولتها.‏

-كتب الموسوعات المعرفية المختلفة التي كتبها عظماء الكتّاب العرب، أمثال الجاحظ وابن عبد ربه وابن حزم الأندلسي وغيرهم.‏

-كتب المعاجم واللغة كما هي الحال عند ابن منظور وابن فارس والأصمعي والقالي وغيرهم.‏

-كتب التاريخ كما هي الحال عند الطبري وياقوت الحموي وغيرهما.‏

وبكلمة أخرى؛ إن ما نعنيه بالتراث اللغوي العربي هو كل هذا الركام المعرفي المتناثر في تاريخ الفكر العربي والذي وجد من أجل خدمة النص القرآني. ونحن لا نستطيع معرفة النظرية اللغوية العربية بأبعادها الكاملة إلا إذا أعدنا تركيب هذا الفكر اللغوي العربي المتناثر بعد سبر دقيق وعميق لكل ما قاله العرب حول المسألة اللغوية.‏

إن الشرعية العلمية التي تدفعنا إلى تنفيذ هذا العمل ليست نابعة من تجميع ركام معرفي لا يربطه رابط معين، وإنما هو ركام معرفي انطلق من مبدأ فلسفي متماسك واضح من أجل تفسير الكون والحياة. فالنظرة الفلسفية الإسلامية أرادت أن تفسر مشكلة الإنسان على الأرض، ولأن اللغة مكوّن جوهري من مكونات الإنسان فإنها أرادت معرفة هذه اللغة وسبرها وتفسيرها وربطها بالنظرة الفلسفية الكونية.‏

صحيح أن تاريخ العالم وحضارته مملوء بالنظرات اللغوية التي تناولت اللغة درساً وتمحيصاً، إلا أن معظمها لم ينطلق من منطلق فلسفي شامل وعام. من هنا فإن تجميع الركام المعرفي اللغوي انطلاقاً من هذه الحقيقة وفي إطار يفقد صفته العلمية.‏

إن شرعية إعادة بناء الركام اللغوي العربي القديم تأتي من حقيقة أن العرب القدماء أرادوا تفسير الظاهرة اللغوية، كما فسروا بقية الظواهر الإنسانية والطبيعية، من أجل خدمة النص القرآني. وبمعنى أدق من أجل خدمة المنطلق الفلسفي الإسلامي.‏

3-اللسانيات الحديثة

اللسانيات هي الدراسة العلمية للغات البشرية كافة من خلال الألسنة الخاصة بكل قوم من الأقوام. هذه الدراسة تشمل ما يلي: الأصوات اللغوية _التراكيب النحوية_ الدلالات والمعاني اللغوية_ علاقة اللغات البشرية بالعالم الفيزيائي الذي يحيط بالإنسان.‏

ونعني بالدراسة العلمية البحث الذي يستخدم الأسلوب العلمي المعتمد على المقاييس التالية: ملاحظة الظواهر اللغوية _التجريب والاستقراء المستمر_ بناء نظريات لسانية كلية من خلال وضع نماذج لسانية قابلة للتطوير _ ضبط النظريات اللسانية الكلية ثم ضبط الظواهر اللغوية التي تعمل عليها_ استعمال النماذج والعلائق الرياضية الحديثة- التحليل الرياضي الحديث للغة- الموضوعية المطلقة. وبما أن اللغات البشرية لها ارتباطاتها الإنسانية والطبيعية المتفرعة، كذلك فإن لعلم اللسانيات فروعاً متعددة يختص كل منها بناحية جزئية من هذا الكل الذي اسمه "اللغات".‏

آ-فاللسانيات النظرية (العامة) تبحث بالنظريات اللغوية ونماذجها المتفرعة عنها وكيفية معالجتها للبنية اللغوية سواء أكانت تلك النظريات اللغوية في الماضي أم الحاضر. ومن العلوم المتفرعة عن اللسانيات النظرية ما يلي:‏

1-الصوتيات التي تتفرع بدورها إلى: الصوتيات الفيزيولوجية النطقية _الصوتيات الفيزيائية_ الصوتيات السمعية الدماغية.‏

2-النحويات أو علم التراكيب الذي يتفرع بدوره إلى: علم بناء الجملة _ علم بناء الكلمة _ علم التقديم والتأخير في العناصر اللغوية _علم القواعد اللغوية العالمية_ علم القواعد اللغوية الخاصة- علم الضوابط العامة والخاصة المفروضة على القواعد.‏

3-الدلاليات أو علم المعنى الذي يتفرع بدوره إلى: علم المعنى الخاص وعلم المعنى العام _ علم بنية الدلالة في الدماغ البشري _ علم التعرف على اللغة (عندما تخزن في الدماغ دون معرفتها) _علم فهم اللغة (عندما تخزن في الدماغ مع فهمها) _ علم المشترك والترادف _ علم تقطيع اللغات للواقع وتسميته _ علم أنواع الدلالة والمعنى.‏

ب-واللسانيات التطبيقية تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضاً في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلمها (أصول التدريس _مناهج التدريس_ وضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين _ وضع الامتحان _ امتحان الامتحان _ علاقة التعلم والتعليم بالبيئة الاجتماعية).‏

ج-واللسانيات الأنثروبولوجية تبحث بالصلة التي تربط اللغة بأصل الإنسان. فاللغة عضو بيولوجي كبقية الأعضاء البيولوجية الأخرى عند الإنسان، ولكن، على الرغم من ذلك فإن اللغات البشرية متفاوتة من حيث الرقي الحضاري ومن حيث أنظمتها الداخلية وقدرتها على تقطيع العالم الذي يحيط بالإنسان.‏

د-واللسانيات الاجتماعية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع. ذلك لأن اللغة لها صلة بالمجتمع الذي ينظمها ويؤطرها على نحو يجعلها مختلفة عن اللغات الأخرى نظاماً وعادة وسلوكاً. فاللغة ظاهرة اجتماعية تتفق عليها الجماعات البشرية، وهي تعكس كل ما يموج فيها من عادات وتقاليد وثقافة ودين وتنوعات جغرافية وإقليمية. إن من مهمة اللسانيات الاجتماعية البحث في التالي: اللغة واللهجة _ الأطلس اللغوي الجغرافي _ العلاقات الاجتماعية والثقافية في المجتمع الواحد وأثر ذلك في تعليم اللغة القومية وتعلمها _ الفروق القائمة بين لغة النساء ولغة الرجال _ المستويات الكلامية اللغوية حسب سياقاتها الاجتماعية _ اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة.‏

هـ-واللسانيات الأدبية تبحث بالعلاقات القائمة بين اللسانيات والأدب والنقد والسيميائيات والأسلوبيات. ماهي أفضل التقنيات اللسانية التي يمكن للأديب والكاتب أن يستخدمها ليكون عمله أكثر تأثيراً وفهماً في المجتمع؟ كيف يستطيع الأدب أن يقدم عينات وشرائح أدبية متنوعة للسانيات من أجل أن تدرسها وتبني عليها فرضيات يمكن أن تساهم في بناء صيغة علمية دقيقة للنقد الأدبي الحديث؟.‏

و-واللسانيات البيولوجية تبحث في العلاقة القائمة بين اللغة والدماغ. إن مهمة هذا العلم معرفة البنية اللغوية الدماغية عند الإنسان ومقارنتها بالبنية الإدراكية عند الحيوان. أضف إلى ذلك أن هذا العلم يريد معرفة التطور اللغوي البيولوجي عند الأطفال وكيف يمكن أن ينشأ المرض اللغوي عندهم؟.‏

ز-واللسانيات الرياضية تنظر إلى اللغة على أنها ظاهرة حسابية مركبة صوتاً وتركيباً ودلالة، ومنظمة على نحو متشابك من أجل تطويعها ووضعها في أطر وصيغ رياضية من أجل معرفتها معرفة دقيقة جداً لإثبات الفرضية التي وضعها تشومسكي من أن اللغة عبارة عن آلة مولدة ذات أدوات محددة قادرة على توليد ما لا نهاية له من الرموز اللغوية من خلال طرق محددة.‏

ح-واللسانيات الحاسوبية _ المعلوماتية (الكومبيوترية) تبحث عن وضع اللغات البشرية في صيغ وأطر رياضية وذلك لمعالجتها في الحاسبات الإلكترونية من أجل السرعة والدقة العلميتين في البحوث اللغوية ومن أجل ترجمة النصوص اللغوية ترجمة آلية فورية.‏

والواقع أن تاريخ اللسانيات يبدأ بالمحاضرات اللسانية التي كان يلقيها عالم لساني سويسري يدعى فرديناند دي سوسور الذي يعتبر الأب الحقيقي للسانيات. وقد نشرت هذه المحاضرات اللسانية بعد مماته (1919) في كتاب اسمه "محاضرات في اللسانيات العامة" إن جوهر هذه المحاضرات يدور حول طرح منهج لساني علمي جديد لدراسة اللغات يدعى باللسانيات السنكروفية الآنية التي تدرس اللغات البشرية كما هي الآن. وقد كان هذا المنهج ردة فعل علمية على المناهج اللغوية الماضية التي كان يستخدمها العلماء في الهند لمقارنة اللغات الهندية باللغات الأوربية الأمر الذي دعاهم لدراسة تاريخ هذه اللغات ومقارنتها مع بعضها بعضاً طبقاً لمنهج لغوي دعوه بالمنهج الدياكروني التطوري (التاريخي).‏

وقد انتقل منهج دي سوسور اللساني إلى الولايات المتحدة وطُوّر تطويراً يختلف عما كان عليه في أوربة. من هنا نشأت "البنيوية" اللسانية (Structuralism) على يد عالم أمريكي هو بلومفيلد في كتابه "اللغة" (********) وقد طورت النظرية البنيوية من خلال نماذج عديدة جداً استمرت في التطور حتى عام 1957 حيث جاء عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي الذي كان انعطافاً وحدثاً عظيماً في تاريخ العلوم الإنسانية والطبيعية في العالم. فقد استطاع هذا العالم أن يقلب المفاهيم الطبيعية والإنسانية رأساً على عقب كالمفاهيم المطروحة في علم النفس والمنطق والفلسفة وعلم الأنثروبولوجيا والرياضيات وعلم البيولوجيا وعلم الحاسبات الإلكترونية وعلم الفيزياء. ومن أراد التفصيل فلينظر في دائرة المعارف البريطانية ليرى ماذا فعل هذا العالم في تاريخ العلم الحديث والمعاصر. لقد قلب كثيراً من المفاهيم في هذه العلوم من خلال الثورة اللسانية التي قام بها عام 1957 عندما نشر كتابه الأول المسمى "المباني التركيبية" والذي يدور حول طرح نظرية جديدة تدعى "نظرية القواعد التوليدية والتحويلية" وما زال هذا العالم يطور في نظريته هذه حتى الآن وذلك من خلال تطبيقها على لغات بشرية عديدة. ولكن هذا لم يمنع من ظهور اتجاهات ومدارس لسانية أخرى في الولايات المتحدة وأوربة رافقت النظرية التوليدية والتحويلية كمدرسة "الدلاليات التوليدية" لمكولي ومدرسة "الدلاليات العلامية" لغيلمور ومدرسة "تحليل الخطاب" لـ لابوف وجمبرز وجودي، ولكن إذا أردنا فعلاً معرفة جوهر اللسانيات فإننا نستطيع القول إن هوية هذا العلم تتسم بصفتين اثنتين: الأولى هي العلمية (تطبيق المقاييس العلمية على اللغات) والثانية هي الاستقلالية (أصبح لهذا العلم قوانينه وأنظمته الخاصة به). هاتان السمتان اكتملتا بظهور علماء لسانيين في القرن العشرين أمثال دي سوسور وبلومفيلد وسابير ومارتينه وتشومسكي وغيرهم كثير.‏

4-موقع البحوث اللغوية العربية القديمة في اللسانيات الحديثة

لاشك في أن كل أمة من الأمم عندما تفرز حضارة ما فإن هذه الحضارة ستكون مكتملة الجوانب ومتعددة الظواهر غالباً. فالحضارة العربية الإسلامية هي حضارة تتسم بسمة الكلية (Universal) هذه السمة الكلية التي كانت جوهر الدعوة الإسلامية دفعت العرب والمسلمين في كل مكان وزمان للبحث عن جوهر الإنسان ضمن بوتقة الكون والحياة. من هنا لم يكن من همِّ الأيديولوجية الإسلامية أن تجعل الإسلام يعتقد بالإسلام فقط وإنما كان همها إضافة إلى ذلك البحث والاستقصاء عن الإنسان أولاً (الانطلاق من معرفة الإنسان) وعن الكون الذي يحيط بالإنسان ثانياً (الانطلاق من المحيط الخارجي للإنسان). لذلك نرى القرآن الكريم يركز على قضية الاكتشاف عندما يقول "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وكذلك الحديث النبوي الذي حث على هذا الاكتشاف عندما قال الرسول الكريم: "اطلبوا العلم ولو في الصين". وانطلاقاً من هذا المفهوم الفلسفي الإسلامي كان الرسول الكريم يفك أسر كافر إذا علَّم عشرة صبية من المسلمين.‏

نستطيع أن نقول إذن بأن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن استمراراً لتطور حضاري سابق على الرغم من أنها كانت قد تأثرت بالخط العام لمسيرة الحضارات السابقة، وإنما كانت "طفرة" أو "انعطافاً" أو "حدثاً ثورياً" في تاريخ الحضارات الإنسانية. من هنا فإن ما توصلت إليه هذه الحضارات من خلال دراسة الظواهر الإنسانية والطبيعية إنما يستحق الروية والدراية والتأمل والعمق.‏

ومن الظواهر التي وقفت عندها الفلسفة العربية الإسلامية ظاهرة "اللغة". وعندما نقول "اللغة" لا نعني اللغة العربية فقط وإنما "اللغة" التي ينبغي أن تكون كونية، كلية، شاملة، صالحة لكل زمان ومكان حسب المفهوم الفلسفي العربي الإسلامي. إنها "اللغة" التي هي ركن أساسي من أركان الحضارة العربية الإسلامية. من هنا فإن خدمة العرب والمسلمين لهذه "اللغة" لم تنطلق من المفهوم القومي للغة وإنما انطلقت من المفهوم الإسلامي الكلي والإنساني والشمولي. فكما أن الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلة الإنسان على هذه الأرض حسب المفهوم العربي الإسلامي فإن اللغة العربية هي اللغة التي يجب أن تحمل كل المعارف التي حصل عليها الإنسان ويريد أن يحصل عليها، وذلك من أجل حل مشكلاته في هذا الكون. إذن المفهوم العربي الإسلامي اعتبر "اللغة" ظاهرة عربية كونية كلية. لذلك أقدم العرب والمسلمون على دراستها انطلاقاً من هاتين السمتين: السمة القومية والسمة العالمية أو الكلية. وما بحثه العرب في "اللغة" كثير جداً ومتعب جداً، ولكن يمكن حصره بما يلي:‏

أ-أصوات اللغة العربية:‏

1-الفيزيولوجية –النطقية (النحاة والأطباء العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه وابن سينا في كتابه أسباب حدوث الحروف).‏

2-الفيزيائية (علماء الرياضيات العرب أمثال الحسن بن الهيثم والخوارزمي).‏

3-السمعية –الدماغية (علماء التجويد أمثال الشاطبي ومكي بن أبي طالب القيسي وعلماء الموسيقى أمثال زرياب وإبراهيم الموصلي).‏

فقد درس العرب والمسلمون الظاهرة الصوتية دراسة نطقية –فيزيولوجية ودراسة فيزيائية ثم دراسة سمعية دماغية، ولكن معلوماتهم حول هذه الظاهرة جاءت مبعثرة لا يجمعها منهج أو نموذج واحد متماسك.‏

ب-تراكيب اللغة العربية:‏

وهذا كثير عند النحاة العرب أمثال الخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي والفراء والشراح الذين فصلوا ما أتى به هؤلاء المتقدمون أمثال ابن يعيش وغيره. ويُعد كتاب سيبويه "الكتاب" منطلق التحليل النحوي العربي في تاريخ الدراسات النحوية التركيبية. وفي اعتقادي أنه لو استطاع العرب فهم كتاب سيبويه فهم رواية ودراية وعمق لنبشوا حقائق نحوية من هذا الكتاب لا تقل أهمية عن الحقائق النحوية التي أتى بها عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي ولكن هذا يحتاج إلى جهد كبير جداً ليس هناك مؤشرات لحوافزه، في مناخ الدراسات اللغوية العربية المعاصرة.‏

ج-دلالات اللغة العربية ومعانيها:‏

ونجد هذه الدراسات في أعمال البلاغيين العرب الذين كانوا يتحدثون عن معاني اللغة العربية ودلالاتها في إطار البلاغة "الممنطقة" أمثال الجرجاني والسكاكي والقزويني وغيرهم. ولعلنا نجد بعض النظرات الدلالية العميقة في أعمال النحاة العرب عندما كانوا يتحدثون عن تراكيب اللغة العربية ونحوها. وهذا كثير عند ابن يعيش في كتابه "شرح المفصل". ثم إن دلالات اللغة العربية ومعانيها أخذت حظاً كبيراً من الدراسة على أيدي الفلاسفة وعلماء المنطق العرب والمسلمين أمثال الفارابي وابن سينا والتوحيدي وابن حزم الأندلسي وابن رشد وغيرهم، حتى أن هناك نظرات دلالية عميقة جداً مبعثرة هنا وهناك ولاسيما في أعمال المفسرين العرب والمسلمين الذين تناولوا القرآن الكريم والأحاديث النبوية تفسيراً وشرحاً.‏

د-ارتباط اللغة بالمجتمع:‏

ونجد مثل هذه الدراسات عند الجاحظ في مؤلفاته جميعها ولاسيما "البيان والتبيين" و"الحيوان" وكذلك نجد بعض هذه الدراسات حول العلاقة بين اللغة والمجتمع عند بعض الشعراء في نثرهم أمثال أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران"، وكذلك نجد هذه الأعمال عند من بحثوا في قضية اللغة العربية واللهجات المتفرعة عنها وأنظمة التفرع وضوابطه.‏

هـ-ارتباط اللغة بفيزيولوجية الإنسان وبيولوجيته:‏

وهذا نراه عند المؤلفين العرب الذين بحثوا في قضية الأمراض اللغوية والتطور اللغوي عند الإنسان ولاسيما عند الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين".‏

و-نشأة اللغة واللغات:‏

وهذا الموضوع تناوله المؤلفون العرب إجمالاً لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأصل الإنسان عندما خلقه الله تعالى ليكون خليفته في الأرض. ومن المؤلفين العرب الذين تناولوا هذا الموضوع ابن جني في "الخصائص" وابن فارس في "المجمل" و "المقاييس"، ثم نراه عند بعض الفرق الفلسفية كالمعتزلة مثلاً. ولكن هذه الدراسات اللغوية التي قام بها العرب والمسلمون إنما هي دراسات إنسانية مستطردة لم تبن على نماذج معينة تخضع لنظريات علمية تجريبية مثبتة اللهم إلا في مجال الصوتيات والنحويات والدلاليات وحتى هذه تحتاج إلى غربلة "علمية" صارمة.‏

5-الصلة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات

لا أجد حرجاً في أن أكرر، هنا، شيئاً كنتُ قلته، وسأبقى أقوله، هو أن صلة القربى ليست فقط بين التراث اللغوي العربي واللسانيات، وإنما هي موجودة أصلاً بين التراث اللغوي العالمي واللسانيات. هذه الحقيقة هي قانون علمي للظواهر الحضارية، ذلك لأن اللسانيات لم تنشأ في فراغ لتخدم في فراغ، وإنما هي شيء لاحق لشيء سابق. فعملية التأثير والتأثر موجودة، ليس بين اللسانيات وبين الدراسات التي سبقتها، وإنما بين الظواهر الحضارية كلها.‏

ولكن السر في تقدم الظواهر الحضارية بعضها على بعض إنما يكمن في حقيقة مفادها أن الشيء اللاحق يجب أن يكتشف جديداً لم يكن في السابق. هذا هو سر تقدم العلوم الإنسانية والطبيعية، وسر تقدم الحضارات في تاريخ الإنسان.‏

اللسانيات، بصفتها علماً، جاءت من أجل تبني صيغة علمية بمفهوم العلم الفيزيائي، وذلك من أجل معرفة كيفية عمل اللغات البشرية بدقة وضبط وموضوعية مطلقة، وذلك للاستفادة من نتائج هذه المعرفة اللغوية وتوظيفها في مجال الحضارة والتكنولوجيا المعاصرة. ولكي تستطيع اللسانيات أن تكون علماً قائماً برأسه مستقلاً عن بقية العلوم الإنسانية والطبيعية الأخرى، فلابد لها من أن تستفيد من المعارف والنظرات اللغوية والتراثية سواء أكانت عربية أم غير عربية.‏

وهكذا فإن المعارف اللغوية الموجودة في التراث الهندي والبابلي والإغريقي والروماني والعربي ثم جهود الباحثين في القرن الثامن والتاسع عشر إنما كانت معارف لغوية مهمة جداً للسانيات.‏

ولكن فضيلة التراث اللغوي العربي تأتي من حقيقة أن الأيديولوجية الحضارية العربية الإسلامية كانت أعلى في الوتيرة الفكرية وأنفذ في الرؤية المستقبلية. لذلك كانت استفادة اللسانيات من التراث اللغوي العربي أكثر من غيره على الرغم من أن بعض الباحثين اللسانيين الغربيين لا يعترفون بهذه الحقيقية، ذلك لأن حجتهم هي أن التراث اللغوي العربي إنما هو انعكاس وحفظ للتراث اللغوي الإغريقي إلا في بعض فرضياته الدلالية الجديدة.‏

على أية حال، لقد أثبت باحثون لسانيون غربيون معتدلون ومنصفون (أمثال روبنز وتشومسكي وكوك) تأثر اللسانيات الحديثة بالتراث اللغوي العربي وذلك عن طريق وسائل مختلفة سواء أكانت مباشرة (الاطلاع على التراث اللغوي العربي باللغة العربية) أم غير مباشرة (عن طريق ترجمة أعمال النحاة واللغويين والبلاغيين العرب إلى لغات أجنبية كثيرة وخاصة اللغة الألمانية).‏

إن الفكرة الرئيسية في قانون البحث العلمي هي أنه لا سابق دون لاحق ولا لاحق دون سابق، وكل من ينكر هذا القانون العلمي إنما نظرته إلى الظواهر هي نظرة شخصية وليست نظرة موضوعية. لنأخذ على سبيل المثال عالم اللسانيات الأمريكي نوم تشومسكي فسوف نجد برهاناً على ما نقول. فعلى الرغم من أن هذا العالم قد رفض كل شيء أتت به البنيوية، ولكنه في صميم أعماله التوليدية والتحويلية إنما هو بنيوي. إن ما فعله تشومسكي هو أنه قلب البنيوية رأساً على عقب وأتى بشيء جديد لم تلتفت إليه البنيوية وهو دراسة "اللغة" على أنها ظاهرة فيزيائية –رياضية- آلية- بيولوجية تعمل داخل الدماغ البشري. أنت ترى ظاهرة معينة منذ مدة وأنا أرى الظاهرة نفسها الآن، ولكن رؤيتي لهذه الظاهرة يمكن أن تكشف شيئاً جديداً لم يسترع انتباهك أنت. ولنقل ما نقول: أهي الوسائل البدائية التي استخدمتها ولم تجعلك تكتشف هذا الشيء الجديد أم أنه القصور في التحليل العلمي لهذه الظاهرة؟‏

المهم في الأمر هو "الاكتشاف الجديد"، هذا هو سر اللسانيات الحديثة التي اكتشفت في اللغات البشرية أشياء جديدة لم تستطع الدراسات اللغوية القديمة اكتشافها وذلك بسبب ظهور التكنولوجيا الحديثة والأساليب العلمية المذهلة. ما تفعله اللسانيات هو أنها تأتي إلى اللغات البشرية كافة، تفككها وتحللها قطعة قطعة لتكشف وظيفة كل قطعة لغوية وكيفية توزعها في النظام العام. وهكذا فإنها ستكشف أن هناك نظاماً معيناً فتسجله، ثم تنتقل إلى قطع لغوية أخرى لتدرس وظيفتها وتوزعها ضمن النظام العام، وهكذا دواليك. فمن خلال هذه الدراسة تتكون عند اللساني أنظمة كثيرة حول الظاهرة اللغوية. وهذه الأنظمة لابد لها من نظام معين من أجل ضبطها.‏

إن الفكرة الرئيسية هنا هي أن اللساني ينطلق من الجزء لينتهي بالكل. الجزء هو اللغات البشرية كلها. الكل هو أنظمة هذه اللغات البشرية وقوانينها. إن الجزء والكل هما اللذان يعطيان اللسانيات الحديثة شرعيتها لتكون علماً قائماً برأسه.‏

في التراث اللغوي القديم (عربياً كان أم غير عربي) لم تكن هناك وسائل علمية سريعة لفحص اللغات البشرية كلها وتحليلها ومعرفة سر حركيتها وعملها من أجل أن نستفيد منها تقنياً وتكنولوجياً، وإلا فكيف يمكننا الآن وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصمم آلات تكنولوجية (مخابر صوتية) أو حاسبات الكترونية (كومبيوتر) لتلائم مثلاً لغتين أو لغات عدة من أجل أن نقوم بعملية الترجمة الآلية كما هو الحال في مشروع لغات السوق الأوربية المشتركة؟ ثم كيف يمكننا وبفضل اللسانيات الحديثة أن نصوغ جميع اللغات البشرية صياغة رياضية صوتياً وتركيبياً ودلالياً؟. لم يكن هذا الأمر ممكناً في القديم ذلك لأن إمكانات فقه اللغة أو الدراسات اللغوية القديمة إمكانات بدائية تتلاءم مع العصر الذي أفرزها.‏

هذه الحقيقة العلمية تؤيد حقيقة أخرى فلسفية كان وضعها الفيلسوف اليوناني القديم هيرقليطس وهي "انك لا تستطيع أن تستحم بماء النهر مرتين". من هنا فإنه من الخطأ العلمي أن نحمّل التاريخ الحضاري وزراً فوق وزره. لندع التاريخ الحضاري يفرز حقائقه من الواقع والزمن الذي كان يعايشه دون أن نسقط عليه حقائق معاصرة لرغبة قومية أو نزعة دينية أو تحمس عاطفي.‏

والخلاصة أن الدراسات اللغوية القديمة هي دراسات إنسانية (علاقة اللغة بالإنسان الذي يتكلمها). وبهذا فإنها في الغالب دراسات شخصية (Subjective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة في أنا (كشخص). أما الدراسات اللغوية الحديثة أو اللسانيات فهي دراسات علمية (علاقة اللغة ببعضها بعضاً). وبهذا فإن هذه الدراسات أكثر موضوعية (Objective) شارحة كيف يمكن للصفات المهمة للغة أن تكون لها علاقة ببعضها بعضاً.‏

الدراسات اللغوية القديمة تبدو وكأنها تستخدم معيار السببية (لماذا مثلاً تحدث صفات نحوية معينة في اللغة؟ وكيف يجب على هذه الصفات النحوية أن تعمل؟). وبالمقابل فإن اللسانيات الحديثة تبدو وكأنها تستخدم معيار الماهية (فهي تسجل الحقائق الملحوظة للغة فقط دون محاولة شرحها. وإذا كان هناك شرح لساني فإنه عبارة عن الشرح الذي يتناول العلاقة بين الحقائق الملحوظة للغة وبين النظرية اللسانية العامة والتجريبية). الدراسات اللغوية القديمة خلطت بين مستويات التحليل اللغوي فهي لم تميز بشكل دقيق هذه المستويات وتفرزها عن بعضها بعضاً لكي يكون التحليل أكثر دقة وموضوعية. أما اللسانيات الحديثة فقد فصلت بين مستويات لسانية عديدة مكّنها من اكتشاف العملية اللغوية وكيفية عملها ووظيفتها.‏

إن حقيقة فهم الناس للدراسات اللغوية القديمة إنما يعود إلى التاريخ الثقافي الذي حمل التراث اللغوي القديم من جيل إلى جيل وعلى مدد زمنية طويلة وعريضة، ذلك التاريخ الذي صبغ الدراسات اللغوية القديمة بالتيارات الفلسفية والنفسية والدينية والبلاغية والنقدية والأدبية. ومن جهة أخرى فإن اللسانيات الحديثة هي وليدة العصر وليس لها تاريخ ثقافي طويل وعريض. أضف إلى ذلك أن اللسانيات حاولت جهدها أن تصرف النظر عن المناقشات الجدلية النفسية والمنطقية والميتافيزيقية العقيمة وأن تركز على الوصف والشرح اللغويين المبنيين على الوصف التجريبي للغة.‏

وبكلمة أخرى؛ إن اللسانيات الحديثة هي استمرار للخط الحضاري الحديث ذي الطابع العلمي التكنولوجي الذي يجعلها مرتبطة بالعلوم الطبيعية والتقنية الصارمة كالفيزياء والبيولوجيا والحاسبات الإلكترونية والرياضيات. أما الدراسات اللغوية القديمة فإنها استمرار للخط الحضاري القديم ذي الطابع الإنساني الذي يجعلها تدور في فلك العلوم الإنسانية كالأدب والنقد والفلسفة والتاريخ.‏

وهكذا فإن الفرق بين الدراسات اللغوية القديمة وبين الدراسات اللسانية الحديثة هو الفرق بين الهدف الإنساني والهدف العلمي.‏

المصدر: مجلة التراث العربي

تاريخ النشر:2010-02-21 14:38:30 الموافق:1431-03-07 14:38:30ـ | تمت قراءته: 387 مرة

Copyrights © moslimonline.com
المصدر: https://www.moslimonline.com/?page=artical&id=442










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 13:53   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ى البحث في الخطاب الأدبي وصلته بالنقد يستحوذ على اهتمامات دارسي اللغة والأدب منذ بداية القرن العشرين، بفضل ما تقدمه الحقول المعرفية الجديدة كاللسانيات والأسلوبية والسيميولوجية من مصطلحات وأدوات إجرائية، تسهم في مقاربة الأثر الأدبي، بعيدا عن المقولات النقدية التي كانت مستعارة من كل الحقول إلا حقل الأدب.‏

ولذلك ألفينا اليوم تراجعا عن القيم والخصائص الجمالية التي كان يطلقها النقد العربي الكلاسيكي على الخطاب الأدبي من منظور انطباعي سطحي، منذ عرفت مناهج الدراسات اللسانية والأسلوبية والسيميولوجية الانتشار في العالم العربي عن طريق الترجمات.‏

وللوقوف على تطور اتجاهات الخطاب من منظور المناهج النقدية الحديثة، لا بد أن نربط راهن هذا النقد بالخطاب النقدي الكلاسيكي الذي لم يلغ صلته بالبلاغة العربية القديمة، وما آل إليه بعد تراكم المعارف النقدية والعلمية والثقافية التي تربطه بها صلات التأثير والتأثّر، مهدت لظهور خطاب نقدي جديد.‏

1 ـ اتجاه الخطاب النقدي الكلاسيكي وخصائصه:‏

ركزت أكثر مناهج تحليل النصوص الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين في الوطن العربي عنايتها على دراسة محيط الخطاب وأسبابه الخارجية، وهي لم تقتصر على تحليل النصوص القديمة فحسب، وإنما كانت تسعى إلى تحليل النصوص الحديثة بالمنهجية الكلاسيكية نفسها، وما ذاك إلا لأن الموروث النقدي عبر مراحله المتعاقبة لم يرق إلى معالجة النص الأدبي معالجة كلية، وبقي في معظمه في حدود اللفظة والتراكيب، وطغت عليه النزعة الانطباعية، ولجأ أصحابه إلى احتذاء نماذج معينة، وأنماط تعبيرية جاهزة، يتخذونها مقاييس نقدية، قليلا ما يرضون بالخروج عنها.‏

ولعل هذا ما جعل الموروث النقدي حبيس معايير لم يستطع التخلص منها إلا في بداية القرن العشرين، وكانت نظرته بعيدة عن احتواء النص كاملا، لأنها (النظرة الكلاسيكية) لم تكن ترى في الأثر الأدبي سوى اللفظ أو الجملة أو الشطر أو الفقرة. وهو أسلوب النقد العربي القديم الذي كان يصدر أحكاما عامة من خلال معاينة الجزء.‏

وعلى الرغم من النتائج التي حققتها هذه الدراسات، والمناهج، في تفسير النصوص الأدبية، وتحليلها في ضوء سياقاتها المختلفة: الاجتماعية والتاريخية والدينية، فإنها لا تخرج عادة على التفسير التعليلي، ومحاولة البحث عن الأصول التي انبثقت عنها النصوص الإبداعية، دون مقاربة النص ذاته، ولذلك عجزت عن تحليل بنيات الأثر الأدبي ودلالاته العميقة، واكتفت في أغلب الأحيان بوصف المظهر النصي السطحي، وملابساته التاريخية والسياسية. (1)‏

ومما لا شك فيه أن صياغة الأثر الأدبي لا تنفصل عن عوامل المحيط كلها أو بعضها، وتطرح الخاصية الأدبية بعنف حين نعزل العوامل الفردية في تحديد العمل الأدبي عن العوامل التي تحدد إطاره الخارجي. (2) وهنا يبدو عجز هذا الاتجاه في مقاربة الخاصية الأدبية، وتفكيك عناصرها الداخلية الدالة على فرادتها، والتي لا تخضع ـ في كل الحالات ـ إلى الظروف الخارجية المحيطة بالعمل الأدبي.‏

وبحثا عن منهج ملائم ظل النقاد الكلاسيكيون يتوسلون بشتى أنواع الآليات في دراسة النص الأدبي، وينتقلون من منهج إلى آخر، وفق مرجعيات معينة، ولكن ـ في أغلب الأحيان ـ انطلاقا من المناهج المعيارية التذوقية، نحو: النظرية المدرسية التي تقسم الأدب العربي إلى عصور، ونظرية الفنون الأدبية، ونظرية خصائص الجنس، والنظرية الإقليمية، والنظرية النفسية، والنظرية الاجتماعية. (3)‏

كما سعت المناهج الخارجية التي اهتمت بدراسة النصوص الأدبية إلى تأسيس نوع من العلاقة السببية أو الحتمية، بين الأثر الأدبي وكاتبه وبيئته، وهي تأمل من ذلك كله الوصول إلى تحديد العلاقة بين الأثر الفني ومحيطه. (4)‏

وهكذا عرف النصف الأول من القرن العشرين نصوصا نقدية تعتبر الأدب صورة عاكسة لإنتاج الفرد، ومن ثم ركزت على سيرة الكاتب ونفسيته. (5) كما ظهرت دراسات للنصوص الإبداعية متأثرة بالعوامل الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية. كما حلل بعض النقاد النص الأدبي في ضوء علاقته بالابتكارات الجماعية للعقل البشري، كتاريخ الأفكار واللاهوت، والفنون. (6)‏

ويرجع ظهور المناهج الخارجية في تحليل النصوص الأدبية إلى العوامل والأسباب الآتية:‏

ـ تأثر النقد في تحليل النصوص الأدبية بالعلوم الطبيعية.‏

ـ ظهور تاريخ الأدب الحديث وعلاقته الوثيقة بالحركة الرومانسية التي لم تستطع أن تحطم الرؤية النقدية للكلاسيكية إلا بالحجة القائلة : "إن الأزمنة المختلفة تتطلب مقاييس نقدية مختلفة. "(7)‏

ـ انهيار النظريات الشعرية القديمة، وما رافق ذلك من تحول في الاهتمام بالذوق الفردي للقارئ، حيث أصبح الاعتقاد الراسخ لدى معظم الدارسين أن أساس الفن لا يخضع للعقل، ومن ثم فإن الذوق هو المقياس الوحيد للتقويم، والنقد.‏

ـ تطور الخطاب النقدي في أوربا في الخمسينيات من القرن العشرين بفضل المنهج البنيوي الذي اعتمد على مقاربات ( كلود ليفي ستروس) في تحليل النصوص، انطلاقا من وجود أبنية عقلية لا شعورية عامة، تشترك فيها كل الثقافات الإنسانية، على الرغم مما بينها من اختلاف وتباين، وكانت الوسيلة الوحيدة للكشف عن هذه الأبنية اللاشعورية هي اللغة. (8)‏

وقد تأثرت عدة حقول معرفية بهذا المنهج العلمي، الذي أحدث ثورة في مناهج تحليل الخطاب الأدبي وغير الأدبي.‏

2 ـ اتجاهات الخطاب النقدي الحديث وتطوره في ضوء المناهج الحداثية:‏

تقف اتجاهات الخطاب النقدي الحديث "عند الدوال الشكلية الأساس التي تلعب دور المنتج للنص الأدبي بين الاختبارات اللسانية، والمحددات السيميائية، بما يؤدي إلى وضع الكتابة في إطار الأدبية، ويساعد على استخلاص هذه القيمة بالدرجة الأولى. " (9) كما أنها تنظر إلى النص الأدبي لا كرجع انعكاسي لأدبية خارجية، ولكن كمجال يمتلك دواله القادرة وحدها على ربط العلاقة مع المدلولات، ثم مقدرة هذه الأخيرة انطلاقا من أسس لسانية باتت معروفة، على توظيف وصياغة الدوال. (10)‏

ومن شأن هذه النظرة النقدية الحداثية، تحويل مادة الأدب إلى حقل مستقل، لـه عناصر واقعه الذاتية؛ كاللغة والعلامة والوحدات الصغرى والكبرى، وبرصد هذه العناصر وتفكيكها، وتحديد البنيات التي تؤلف النص وتعيين السنن التي تقوم عليها في علاقاتها وتنظيمها، نكون قد وقفنا على أسباب تراجع الخطاب النقدي الكلاسيكي، لأنه لا يمتلك آليات، وأدوات إجرائية تمكنه من إعادة بناء النص، وتحديد مكوناته عبر تفكيكه. كما تتراجع النزعة التفسيرية القائمة على مبدأ المحاور والموضوعات التيمية، ذات الطبيعة التلقينية "Didactique". (11)‏

يلغي الخطاب النقدي الحديث من مجال اشتغاله كل تشريع مهما كانت طبيعته، ولا يبقي سوى على التشريع الذي يقدر عليه النص بوصفه صناعة كلام، ولكن أيضا بوصفه إنتاجا لخطاب هو خطابه. (12)‏

أ ـ الاتجاه اللساني في تحليل الخطاب الأدبي:‏

عرف مطلع القرن العشرين ثورة على المناهج التي ظهرت في الفترات السابقة، وكان من أهمها تلك التي ألحت على دراسة الأثر الأدبي من الداخل، وركزت على النص أولا، وسبب ذلك هو أن المناهج التي تأسس عليها الخطاب النقدي الكلاسيكي، غدت غير مجدية، لا تجيب عن الأسئلة الكثيرة التي يطرحها النقاد، فكان لا بد من إعادة النظر فيها في ضوء الاكتشافات وتأثير العلوم الحديثة، وخاصة علم اللغة العام أو كما يطلق عليه اللسانيات La Linguistique. (13)‏

ويوضح روجر فاولر (FOWLER R.)في بحثه (نظرية اللسانيات ودراسة الأدب) أن اللغة والأدب شهدا نمو دراسة علمية جديدة في القرن العشرين، بلغت مرحلة من النضج النسبي تجلت في علم اللسانيات، والتي تميز نموها بازدياد مطرد، في عدد البحوث المنشورة، وفي عدد الأشخاص المهتمين بها، فكان أن تبوأ هذا الحقل المعرفي الجديد من الموضوعات مكانته بامتياز بين الدراسات الإنسانية الراسخة. (14)‏

ويكشف البحث اللساني سلسلة الجهود التجريبية على المستوى العالمي، وفي اللغات الأوربية التي اهتمت بتحليل الخطاب، فظهرت مدارس لسانية، نذكر منها:‏

ـ المدرسة السلوكية، ورائدها بلوم فيلد (1887 ـ 1949)‏

ـ المدرسة التوزيعية لهاريس.‏

ـ المدرسة التحويلية والتوليدية ورائدها شو مسكي، وهو عالم لسانيات معاصر، متعدد الاهتمامات، أخضع اللسانيات للمنطق الرياضي والفلسفي، أحدثت كتاباته ثورة في اللسانيات، وتعرف مدرسته بالمدرسة التحويلية التوليدية. (15)‏

وكانت التوجهات اللسانية في تحليل النصوص الأدبية من اهتمامات الشكلانيين الروس (Formalistes Russes ) الذين رفضوا اعتبار الأدب صورة عاكسة لحياة الأدباء، وتصويرا للبيئات والعصور، وصدى للمقاربات الفلسفية، والدينية. ودعوا إلى البحث عن الخصائص التي تجعل من الأثر الأدبي أدبا؛ أي: ما يحصل نتيجة تفاعل البنى الحكائية، والأسلوبية، والإيقاعية في النص. (16)‏

ويثبت تراكم البحوث النقدية اللسانية التأثير الذي مارسه المنهج الشكلاني في دراسة النص الأدبي من الداخل، بحيث مكن النقد الأدبي من الانفصال في تحليل الخطاب الأدبي عن نظريات علم النفس، وعلم الاجتماع، والأيديولوجيات الدينية والسياسية حتى غدا الخطاب النقدي يتمتع باستقلال ذاتي، لأن المادة الأساسية في بناء الأدب هي اللغة، وأما اللسانيات فهي الدراسة العلمية لها، ولمظهرها الحسي الذي يتجلى من خلال الكلام. (17)‏

ومثلما هو الأمر شائع في مجالات التأثير والتأثر بين العلوم والاتجاهات الفكرية والأدبية، فقد استفاد الخطاب النقدي الحديث من الأدوات الإجرائية التي وفرتها مختلف مباحث وأطروحات اللسانيات على صعيد اللفظة، والجملة، وفي فترة حديثة: النص، وتجلى ذلك في ما أكدته الدراسات اللسانية الحديثة من تداخل وترابط بين المستويات (الصوتية، والتركيبية، والدلالية) والتي سعت إلى الكشف عن وظيفة كل مستوى ودلالته منفردا ومجتمعا مع غيره من المستويات على صعيد النص الأدبي. (18)‏

غير أن البحث المتقدم في العلاقات الداخلية التي تحكم الأثر الأدبي، وتحفظ توازنه وانسجامه، لم يكن ليمحو من برنامج البحث المشاكل المعقدة، والمتصلة أساسا بالعلاقة بين الفن الأدبي والقطاعات الثقافية الأخرى، والواقع الاجتماعي والنفسي.‏

ولا حاجة للتأكيد على أن واحدا من أبرز رواد الشكلانية الروسية، وهو: "ر. ياكبسون" قد أشار في مقال، عنوانه: "نحو علم للفن الشعري" أن الاتجاه الجديد للشكلانية في مقاربة الأثر الأدبي والبحث عن أدبيته، لم يحل الإشكال بعد، فما زالت نظريات تحليل النص الأدبي تؤكد ترابط الأدب بغيره من القطاعات الأخرى الثقافية والاجتماعية والفكرية والعقائدية. (19)‏

وفي قراءة تقويمية لحصيلة المدرسة الشكلانية، يميل ياكبسون إلى الاعتقاد أن باحثي هذه المدرسة كثيرا ما كانوا يخلطون بين الشعارات الطامحة، والساذجة أحيانا لمبشريها، والإجراءات النقدية الموجهة نحو النص أساسا. ولذلك نراه يحسم هذا الإشكال عندما يتبين لـه أن كل حركة أدبية أو علمية إنما تحاسب قبل كل شيء اعتمادا على العمل الذي أنتجته، وليس من خلال بلاغة بياناتها. (20)‏

وإذا كان الشكلانيون الروس قد فرضوا منهجهم في تحليل النصوص الأدبية ابتداء من النصف الأول من القرن العشرين، فإن التفكير في تلك الفترة كان قد تجاوز النظرية التي كانت تهتم بقضايا المضمون والمعنى انطلاقا من الصورة باعتبارها قوة ملازمة للأدب، وأصبح مفهوم الشكل منذئذ يعرف رواجا وامتزج شيئا فشيئا بمفهوم الأدب، ومفهوم الواقعية الأدبية. (21)‏

وتأسيسا على ما قدمنا، فإن ما أحدثته اللسانيات وما تفرع عنها من مناهج نقدية في تحليل الخطاب الأدبي تركت آثارا واضحة في مسار النقد الأدبي واتجاهاته.‏

ويلاحظ موريس أبو ناضر أن الفرق واضح بين الخطاب النقدي الكلاسيكي، والخطاب النقدي الحديث، لأن بؤرة التفكير آلت إلى التركيز على آليات وحدة هذا النسق البنياني أو ذاك من خلال مواد مختلفة. (22)‏

غير أن كثرة الأبحاث ورواج المفاهيم، وحيرة المختص والمبتدئ على حد سواء أمام هذا الركام المعرفي، شكلت تداخلا في المفاهيم والمصطلحات، أشار إلى جانب منها رابح بوحوش في مقاله الموسوم بـ: "الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلم النص"، حيث حدد الانتهاكات التي تحدث في التعامل مع المصطلحات الحديثة التي وفرتها علوم اللغة والأسلوبيات، والمناهج اللغوية والأدبية المعاصرة، ويبرز ذلك في مصطلحات مركزية تداخلت فيها المفاهيم، وحادت استخداماتها عن الصواب، منها: اللسانيات، الأسلوبيات، الخطاب، والنص. فهو يلاحظ مثلا أن مصطلح اللسانيات، وهو العلم الصارم الذي يدرس اللغة دراسة مخبرية، ما هو في الواقع سوى دراسة اللغة في مستوياتها النحوية والصرفية والعروضية. (23)‏

وأما مصطلح الأسلوبية فيوحي استخدامه باصطناع منهجية صارمة في دراسة الظاهرة الأدبية، وعدم خضوع النص الأدبي عموما، والخطاب خصوصا للأحكام المعيارية والذوقية، ويهدف إلى دراسة الظاهرة الأسلوبية دراسة علمية، واقتحام عالم الذوق، وكشف سر ضروب الانفعال التي يخلقها الأثر الأدبي في متلقيه.. غير أن القصد لا يعدو أن يكون سوى بلاغة، أو دراسة للأسلوب الفردي. (24)‏

إن ما قدمه رابح بوحوش في هذا الطرح ظل حبيس التخمين والتصور، فلا نكاد نعثر في تحليله على أية إشارة أو إحالة أو دراسة انحرفت عن المفاهيم الصحيحة، أو على الأقل التي يراها هو كذلك، ثم إنه لم يعلل مسألة ذكرها في صدر مقاله والمتعلقة بالخطر الذي تمثله الأبحاث الكثيرة في الموضوع نتيجة التراكم الكبير للمفاهيم، وسوء استخدامها أحيانا، ونراه اكتفى في هذا الصدد بالإشارة إلى الظاهرة دون عناء مناقشتها، وما يفترض أن تكون فيها من إيجابيات أو سلبيات.‏

ومما لاشك فيه أن كثرة الدراسات، وتعدد المفاهيم يغني الحقول المعرفية التي تساهم في توسيع دائرة البحث وتعدد الاختصاصات التي يمكن أن تشتق منها، وهذا ما يلاحظ في العلوم كلها التي استرعت اهتمام الدارسين، إذ توسع مجال اشتغالها، وعرفت مطردا، ورقيا بارزا.‏

إن ما يؤكد صلة النقد الأدبي باللسانيات هو أن النص الأدبي في جوهره وحدة متكاملة، تتضافر فيها عدة عناصر صوتية وصرفية ومفرداتية وتركيبية ودلالية، وهي الوحدات التي تشمل أي نص. ومن ثم فإن أي دراسة أدبية يفترض فيها أن تقف على الجزئيات المكونة للنص، والمتدرجة من أصغرها وهي اللفظ إلى أكبرها وهي الخطاب أو النص.‏

وما يلاحظ اليوم هو أن التوجهات الحديثة والمعاصرة لخطاب النقد الأدبي أصبحت تستخدم المنهج التكاملي الذي يستعير مجموعة من النظريات المتباينة من العلوم المختلفة، ولكن السمة البارزة لتلك التوجهات تبدو لسانية وأسلوبية أكثر من غيرهما، وقد تجلى هذا المظهر ابتداء من الخمسينيات من القرن العشرين في أعمال كثير من الباحثين، مثل دي سوسير الذي اعتبر اللغة نظاما من الإشارات التي تعبر عن الأفكار، وقوض بذلك أصول الدرس التقليدي للغة الذي كان يرى فيها وسيلة تعبير عن الأشياء. (25)‏

ومن أجل استقراء الظاهرة اللغوية لجأ دي سوسير إلى اشتقاق بضع ثنائيات، عُدت مرتكزات أساسية في البحث اللغوي الحديث، وأهمها: اللغة /الكلام، التزامن/التعاقب، الدال/المدلول، وعلاقات التتابع. (26)‏

وكان اهتمام دي سوسير في معالجته لمكونات العملية الكلامية باللغة دون الكلام، لأن الكلام في رأيه فعل فردي لا يمثل سوى بداية اللسان أو الجزء الفيزيائي، وهو مستوى خارج الواقعة الاجتماعية. (27) غير أنّ أتباع دي سوسير أولوا عناية خاصة للكلام باعتباره فعلا فرديا، وقد كان ذلك بدءاً من شارل بالي، فياكبسون، ثم تشومسكي إلى رولان بارت وغيرهم. الأمر الذي جعل النظرة إلى مفهوميْ:اللغة والكلام تتغيّر، وطبعت النظرة الجديدة باتجاهات مختلفة، بحيث تحول الثنائي (اللغة ـ الكلام) إلى (الجهاز ـ النص) عند يمسليف، و (الطاقة ـ الإنجاز) عند نوام شومسكي، و (السنن ـ الرسالة) عند ياكبسون، و (اللغة ـ الخطاب) ق. غيوم، و (اللغة ـ الأسلوب) عند رولان بارت. (28)‏

واتضح فيما بعد أن ما كان هامشيا عند دي سوسير تحوّل إلى موضوع رئيسي عند المتأخرين، وأضحى الكلام (Parole) نصّاً أو إنجازاً، أو رسالةً، أو خطاباً في الدراسات الأسلوبية.‏

كما طور هاريس المنهج التوزيعي من خلال البحث عن العلاقات بين الوحدات اللسانية، ونوام شومسكي رائد المنهج التوليدي التحويلي الذي ميز بين الكفاية اللغوية والأداء اللغوي. (29)‏

ب ـ الاتجاه الأسلوبي في تحليل الخطاب الأدبي:‏

تهتم الأسلوبية بدراسة الخطاب الأدبي باعتباره بناء على غير مثال مسبق، وهي لذلك تبحث في كيفية تشكيله حتى يصير خطابا لـه خصوصيته الأدبية والجمالية. فالخطاب الأدبي مفارق لمألوف القول، ومخالف للعادة، وبخروجه هذا يكتسب أدبيته، ويحقق خصوصيته.‏

فاختلاف الخطاب الأدبي عن صنوف "الأخطاب" الأخرى يكون بما يركبه فيه صاحبه من خصائص أسلوبية، تفعل في المتلقي فعلا يقرره الكاتب مسبقا ويحمله عليه، مستخدما ما تقتضيه الكتابة من وسائل تختلف عن مقتضيات المشافهة، ولذلك كان ريفاتير يرى أن الخطاب الأدبي لا يرقى إلى حكم الأدب إلا إذا كان كالطود الشامخ والمعلم الأثري المنيف يشد انتباهنا شكله، ويسلب لبنا هيكله. (30)‏

كما يعرف "مانقينو " الخطاب الأدبي، ويشير إلى تعدد دلالاته: فالخطاب عنده مرادف للكلام لدى دي سوسير، وهو المعنى الجاري في اللسانيات البنيوية، ولذلك يعتبره ملفوظا طويلا أو متتالية من الجمل تكون مجموعة منغلقة يمكن من خلالها معاينة بنية سلسلة العناصر بواسطة المنهجية التوزيعية. ويقيم في النهاية معارضة بين اللسان والخطاب ؛ فاللسان ينظر إليه ككل منته وثابت العناصر نسبيا، أما الخطاب فهو مفهوم باعتباره المآل الذي تمارس فيه الإنتاجية، وهذا المآل هو" الطابع السياقي" غير المتوقع الذي يحدد قيما جديدة لوحدات اللسان، فتعدد دلالات وحدة معجمية هو أثر للخطاب الذي يتحول باستمرار إلى أثر للسان يصبح الخطاب فيه خاصا بالاستعمال والمعنى مع زيادة مقام الواصل وخاصية الإنتاج والدلالية. (31)‏

لقد أحدث ظهور الأسلوبية في حقل العلوم الإنسانية واللسانية مشكلا قبل أن تتحول ـ الأسلوبية ـ إلى منهج نقدي لمقاربة الأثر الأدبي، فرضته التطورات والاكتشافات العلمية والثقافية والأدبية في القرن العشرين. ذلك أن مصطلح الأسلوبية استخدم في بداية القرن الماضي للدلالة على الحدود الموجودة بين الأدب واللسانيات، وهو المجال الذي كانت تحتله البلاغة القديمة، وبقي شاغرا بعد انحلالها"Effondrement "مما نتج عنه طرح عدة قضايا نقدية، اتجه بعضها إلى التشكيك أصلا في مدى جدوى هذا الحقل المعرفي الجديد. (32)‏

إن انشطار الأسلوبية بين المجالين: الأدبي واللسانيات، بقدر ما كان يمثل إشكالا عند طرحه، بقدر ما حفّز الدارسين على استجلاء خفايا هذا الحقل، وكشف أسرار النص الأدبي الذي ظل معناه العميق مجهولا، لم تستطع المقاربات النقدية، والبحوث البلاغية القديمة استكناه جوهره، ومعرفة السر الذي يحكم بناءه اللغوي، وعناصره الدلالية الأخرى، والوصول إلى معرفة ما يميز كل أسلوب، والبحث عما يربطه بالكتابات المعاصرة لـه والسابقة عليه أو اللاحقة به، وهو الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى المطالبة بضرورة إلحاق الأسلوبية بمختلف توجهاتها وفروعها بأحد المجالين: الأدب أو اللسانيات. (33)‏

غير أن هذا الحل لم يكن يعبّر عن طموح البحث الأسلوبي الذي لقي رواجا كبيرا بفضل ما ألف فيه من بحوث أكاديمية، قدمت للقراء رصيدا معرفيا كبيرا. وظهر بعد شارل بالي اتجاه نقدي جديد يدعو إلى ضرورة فصل الأسلوبية عن المجال الأدبي واللسانيات لغرض فسح المجال لها لتحقيق ذاتها واستقلالها. (34)‏

ونظرا لارتباط هذا المنهج بـ"شارل بالي"، فإنه يستحسن أن نعرف ما يصله بأستاذه دي سوسير، في رؤيته للغة، وقضايا اللسانيات بصفة عامة.‏

يعتبر "شارل بالي" اللغة نظاما من الرموز التعبيرية تؤدي محتوى فكريا تمتزج فيه العناصر العقلية والعناصر العاطفية، فتصبح حدثا اجتماعيا محضا. كما أن اللغة تكشف في كل مظاهرها وجها فكريا ووجها وجدانيا ويتفاوت الوجهان كثافة بحسب ما للمتكلم من استعداد فطري، وبحسب وسطه الاجتماعي، والحالة النفسية التي يكون عليها. (35)‏

والملاحظ أن هذا التعريف للغة لا يختلف كثيرا عن التعريف الذي جاء به دي سوسير حيث يعتبر اللغة منظومة من العلامات. (36) ولعل هذا من بين ما دفع إلى القول: إن أسلوبية شارل بالي امتداد لمجال اللسانيات التي بحثها دي سوسير في مؤلفه الشهير"Cours de linguistique générale " (دروس في اللسانيات العامة).‏

ولما كانت اللغة تعكس السمات الفكرية للمجتمع، لا سيما اللغة اليومية فإن (ش. بالي) كان يرى أنه لا ُيبحث عن هذه الأفكار في النصوص الأدبية القديمة، أو في اللغة العالمة، "لأن الكلام يترجم أفكار الإنسان ومشاعره، ولكنه يبقى حديثا اجتماعيا، فاللغة ليست منظومة من العلامات تحدد موقف الفرد من المجتمع فحسب، بل هي تحمل أثر الجهد الذي يكابده ليتلاءم اجتماعيا وبقية أفراد المجتمع. "(37) كما يؤكد في مؤلفه:‏

(Traité de Stylistique قضايا أسلوبية) أن تعبير الإنسان يتأرجح في مضمونه بين مدارين: مدار العاطفة الذاتية، ومدار الإحساس الاجتماعي، وهما عنصران متصارعان دوما يتوق كل عنصر إلى شحن الفكرة المعبر عنها، فيؤول الأمر إلى ضرب من التوازن غير المستقر. (38)‏

وينتهي الباحث ش. بالي في آخر حياته إلى تأكيد سلطان العاطفة في اللغة وأثرها البارز في التأثير على المتلقي وتراجع سلطان العقل إلى المستويات الخلفية، معللا ذلك بأن الإنسان في جوهره كائن عاطفي قبل كل شيء واللغة الكاشفة عن جوهر هذا الإنسان هي لغة التخاطب بتعبيراته المألوفة. (39)‏

والمتتبع لتعريف الأسلوب والأسلوبية لشارل بالي يلاحظ أنه يبعد "الخطاب الأدبي" من مجال الأسلوبية، إذ يعتبره خطابا ناتجا عن وعي وقصدية من قبل المؤلف، يفضي إلى اصطناع وتحوير لا يعبران عن طبيعة اللغة وعلاقتها بمستخدمها، ولذلك كانت لغة التخاطب اليومي هي العينة التي يصلح التعامل معها لاستخلاص حقائق موضوعية، بعيدا عن كل تأمل معقد. (40)‏

1 ـ الأسلوبية والنقد الأدبي من منظور شارل بالي:‏

يعتقد شارل بالي أن على الأسلوبية أن تشن حربا ضد المناهج القديمة في الدراسات النقدية واللغوية، حتى تزيل كل عمل آلي في دراسة الظواهر اللغوية والنصوص الأدبية انطلاقا من التحليل التاريخي، ويؤكد أن دراسة اللغة لا تقتصر على ملاحظة العلاقات القائمة بين الرموز اللسانية فقط، وإنما هي اكتشاف العلاقات الجامعة بين التفكير والتعبير، لذلك لا يمكن إدراك هذه الروابط إلا بالنظر في الفكرة وفي التعبير معا. (41)‏

ويستخلص مما سبق أننا لا نستطيع إبراز ما نفكر فيه أو ما نحس به إلا بواسطة أدوات تعبيرية يفهمها عنا الآخرون، وقد تكون الأفكار ذاتية لكن الرموز المستعملة في أدائها تبقى مشتركة بين مجموعة بشرية معينة. (42) لذلك فإن الأسلوبية تدرس ظواهر التعبير، وتأثيرها على المتلقي، فكل فكرة تتجسد كلاما؛ إنما تحل فيه من خلال وضع عاطفي، سواء كان ذلك من منظور من يبثها، أو من منظور من يتلقاها، فكلاهما ينزلها منزلا ذاتيا. (43)‏

فالعمل الأسلوبي في نظر بالي ينبغي أن يركز على تتبع الشحنات العاطفية في الكلام بثًّا واستقبالا، وعلى هذا الأساس يكون من الأجدى البحث عن الوسائل التعبيرية الحاملة لهذه الشحنات الوجدانية ودراسة خصائص أدائها.‏

وتقوم الأسلوبية كمنهاج في تحليل النص الأدبي عند بالي على مقاربتين:‏

المقاربة الأولى:مقاربة نفسية تبحث في ظروف البث النفسية، وظروف الاستقبال.‏

أما الثانية، فمقاربة لسانية لغوية بحتة، تدرس الجانب اللغوي للتعبير عن الفكرة وتلغي كلية الجانب الذهني، وتبعده من مجال درسها وبحثها. (44)‏

2 ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب الأدبي:‏

استفادت الدراسات الأسلوبية من إنجازات اللسانيين سواء على مستوى المناهج أو على مستوى الرصيد المصطلحاتي وتجلى معظم ذلك في الأبحاث الأسلوبية. وإذا كانت اللسانيات تحدد موضوعها انطلاقا من الجملة باعتبارها أكبر وحدة قابلة للوصف اللساني، وهو الحد الذي اتفق حوله أغلب الدارسين في اللسانيات، فإن موضوع الأسلوبية هو الخطاب الأدبي، وإن كان الخطاب يتضمن الجمل ووحدات أخرى يطالها الدرس الأسلوبي بالضرورة.‏

لذلك ألفينا بعض الأسلوبيين يؤكدون أن النص مزيج من الخطاب والنظام، أو مزيج من الخاص والعام، والخطاب هو الخاص، والنظام اللغوي هو العام، والنص في مجمله يقوم على ركيزتين أساسيتين تكونانه من الداخل، وهما:‏

أ ـ المعنى الاصطلاحي (Dénotation ):‏

عناصره لغوية، وأشكاله الصغرى لم يطرأ عليها تغيير دلالي، فهي مازالت تحتفظ بمعناها المعجمي ولا تعترف بالتغيرات اللسانية سلبا أو إيجابا.‏

ب ـ المعنى الإيحائي (Connotation):‏

عناصره الشكلية تحمل دلالات(45) متعارف عليها في مجموعة لسانية مهنية معينة، ويمكن أن يطلق على هذا المعنى "المعنى المجازي"، بينما يطلق على المعنى الأول "المعنى الحقيقي" للأشكال اللغوية. (46)‏

وبصفة عامة، فإن النص ينقلب في الآخر إلى ثنائية بين الشكل والمضمون، أو كما عبر عنها "يمسليف" (بثنائية رباعية)، حيث إن كل تعبير لـه شكل وجوهر، وعلى العالم اللغوي الأسلوبي أن يعرف هذه القضايا حتى تتأتى لـه إمكانية التحليل العلمي للأساليب. (47)‏

وقد أدرك منذر عياشي فضل هذا الاتجاه في مقاربة الأثر الأدبي، فقال: " إن الدارس المهتم بالخطاب الأدبي ولسانيات النص يدرك أن لهذا الاتجاه فضلا في بناء نظام نقدي ومعرفي لم تعرف الإنسانية مثيلا لـه إلا في أيامنا هذه على يد نقاد زاوجوا بين الدرس اللساني والأدبي، أمثال جاكبسون، غريماس، رولان بارث، تودوروف وغيرهم. "(48)‏

ولعل أهمية هذا الاتجاه تبدو أيضا في نظرة الأسلوبية للخطاب الأدبي، فهي تعتبره إنجازا لغويا يقوم من خلفه نظام حضاري، لأن الصلة بينهما هي الاشتراك في اللغة، ولذلك كان النقد الأسلوبي ينظر إلى موضوعه على أنه فكر دون إحالة النص على غير ذاته لتحديد معناه، وهذا ما يؤكده ميشال آدم‏

(Adam M.) في قولـه: " إن النقد اللغوي الجديد لا يهدف إلى تفضيل الشكل على المعنى، ولكنه يهدف إلى اعتبار المعنى شكلا. "(49)‏

وتعنى الأسلوبية بالمتغيرات اللسانية إزاء المعيار البلاغي، ولعل هذا ما جعل النقاد يضعون البلاغة في مواجهة القواعد، والقواعد هي اللغة عند اللسانيين المحدثين، يسمها بعضهم بالجمود والماضوية والسلطوية، لأنها تفرض سلطتها وهيمنتها بموجب النظام اللغوي الذي يسلط على المستخدم، فلا يدع لـه مجالا من الحرية والانعتاق من القواعد الصارمة. أما المتغيرات اللسانية، فهي الفوضى والحرية والتمرد على تلك السلطة وقوانينها، وهذا ما أكدته البحوث اللسانية لدى دراستها لمصطلح "الكلام". (50) أما الخطاب الأدبي فهو العلامة على انعدام السلطة، لأنه يحمل في طياته قوة الانفلات اللانهائي من الكلام الإيقاعي حتى ولو أراد هذا الكلام أن يعيد بناء ذاته. (51)‏

كما تركز الأسلوبية في تحليلها للخطاب على النص بذاته بمعزل عن المؤثرات الخارجية مهما كانت طبيعتها، والخطاب بهذا المعنى يصبح اختراقا لعنصري الزمان والمكان، فهو يحمل زمانه في ذاته، ويتجلى مكانه فيه، وهو ما يعبر عنه إنجازه الأسلوبي وتشكيله البنيوي الوظيفي.‏

ومما لاشك فيه أن التعرض لمفهوم الخطاب في الدراسات الأسلوبية سيساعدنا كثيرا على إحصاء الإجراءات التحليلية التي انتهجها أصحاب هذا المنهج في تحليل النصوص الأدبية، لأن تحديدهم للمفهوم هو الذي سيكشف طبيعة التعامل مع الشيء المحدد، ولا نعتقد أن عملية التحليل إجراء مبتور عن أية خلفية نظرية أو تصور سابق، وإلا فإن هذا المنهج غريب عن صفة العلمية التي تقتضي أن يكون التصور سابقا للحكم، كما يقر بذلك المناطقة.‏

3 ـ مفهوم الخطاب في الدراسات الأسلوبية :‏

يعتبر أنطوان مقدسي أن"الخطاب الأدبي جملة علائقية إحالية مكتفية بذاتها حتى تكاد تكون مغلقة، ومعنى كونها علائقية أنها مجموعة حدود لا قوام لكل منها بذاتها، وهي مكتفية بذاتها، أي أنها –مكانا وزمانا وجودا ومقاييس ـ لا تحتاج إلى غيرها فالروابط التي تقيمها مع غيرها تؤلف جملة أخرى وهكذا بلا نهاية…فالخطاب الأدبي بهذا المنظور لا تنطبق عليه الثنائيات التي أربكت الفكر الكلاسيكي كالذات والموضوع، والداخل والخارج، والشرط والمشروط، والصورة والمضمون، والروح والمادة، فهو إذن يؤخذ في حضوره، لذاته وبذاته. "(52)‏

ويقدم عبد السلام المسدي في كتابه " الأسلوبية والأسلوب" عدة تعاريف للخطاب الأدبي، وهي لا تكاد تختلف في جوهرها، فهو يشير ـ مثلا ـ في بعضها إلى انقطاع الوظيفة المرجعية للخطاب، " لأن ما يميز الخطاب الأدبي، هو انقطاع وظيفته المرجعية، لأنه لا يرجعنا إلى شيء، ولا يبلغنا أمرا خارجيا، وإنما هو يبلغ ذاته، وذاته هي المرجع المنقول في الوقت نفسه. ولما كف الخطاب الأدبي، عن أن يقول شيئا عن شيء إثباتا أو نفيا، فإنه غدا هو نفسه قائلا ومقولا، وأصبح الخطاب الأدبي من مقولات الحداثة التي تدك تبويب أرسطو للمقولات مطلقا. "(53)‏

وغير بعيد عن هذا المفهوم يقول نور الدين السد :"إن الخطاب الأدبي يأخذ استقراره بعد إنجازه لغة، ويأخذ انسجامه وفق النظام الذي يضبط كيانه، ويحقق أدبيته بتحقيق انزياحه، ولا يؤتى لـه عدوله عن مألوف القول دون صنعة فنية، وهذا ما يحقق للخطاب الأدبي تأثيره، ويمكنه من إبلاغ رسالته الدلالية، غير أن دلالة الخطاب الأدبي ليست دلالة عارية، يمكن القبض عليها دون عناء، بل الذي يميز الخطاب هو التلميح وعدم التصريح. "(54)‏

وإذا كان الخطاب عند نور الدين السد يقوم على محورين: محور الاستعمال النفعي، ومحور الاستعمال الفني. فإنه في عرف اللسانيين يتجاوز هذا التصنيف الثنائي، حيث أقيم تصنيف توليدي لا يتحدد عددا، وإنما ينحصر نوعا وكيفاً، وأضحى الخطاب الأدبي لا يمثل إلاّ نوعا من الخطابات والتي منها: الخطاب الديني والقضائي، والإشهاري، ومعنى هذا أن كل خطاب يحمل خصوصيات ثابتة تحدد هويته.‏

ويميز الخطاب بما ليس خطابا في عرف اللغويين أحد أمرين: إما أنه يشكل كلا موحدا، وإما أنه مجرد جمل غير مترابطة. وعندما استعار الأسلوبيون هذا التعريف نراهم اشترطوا صفة الاتساق والترابط للتعرف على ما هو خطاب وما ليس خطابا. (55)‏

وتبدو هذه العلاقة في الترسيمة الآتية:‏



ويتضح من الترسيمة المعروضة ـ أعلاه ـ أن الخطاب الأدبي: هو ما توافرت فيه خصائص مميزة؛ كالكلية والاتساق والترابط بين الأجزاء المشكلة له، دون اعتبار شرط الطول والقصر.‏

وتأسيسا على ما سبق فإن الخطاب ليس مرهونا بكم محدد؛ يطول ويقصر بحسب مقتضى الحال، وبحسب المقام، وكما يصدق أن يكون جملة، قد يكون كتابا في عدد من المجلدات، ولنا في روايات الغربيين الكلاسيكيين مثال على ذلك، فالحرب والسلام وآنا كاترينا وسواهما من الخطابات الروائية تقع في عدد من الأجزاء، وهذا يدل على أن الخطاب ليس لـه كم محدد تحديدا صارما. (56)‏

وأما الخطاب عند "سعد مصلوح" فهو رسالة موجهة من المنشئ إلى المتلقي، تستخدم فيها الشفرة اللغوية المشتركة بينهما، ولا يقتضي ذلك أن يكون كلاهما على علم بمجموع الأنماط والعلاقات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية التي تكون نظام اللغة، أي الشفرة المشتركة، وهذا النظام يلبي متطلبات عملية الاتصال بين آراء الجماعة اللغوية، وتتشكل علاقاته من خلال ممارستهم كافة ألوان النشاط الفردي والاجتماعي في حياتهم. (57)‏

ينتقد نور الدين السد هذا التعريف مشيرا إلى ما يطبعه من نقائص من بينها: أنه تعريف أحادي، ينظر إلى الخطاب كمنتوج لغايات عملية نفعية، تتمحور حول الوظيفة التواصلية. ويلاحظ أن هناك وظائف أخرى للخطاب الأدبي تتجاوز حدود التوصيل، وذلك نظرا لما يميز الخطاب الأدبي من نظام خاص به، ومن تمايزه من غيره من الخطابات، كما أن الاشتراك في معرفة الشفرة لا تؤهل عارفها استجلاء كنه الخطاب، لأن هناك خطابات مستغلقة عن الفهم، وإن كان المتلقي يعرف اللغة التي أنشئت فيها. (58)‏

(1) موريس أبو ناضر، الألسنية والنقد الأدبي، دار النهار، بيروت، 1989، ص. 89‏

(2) المرجع السابق، ص. 10‏

(3) شكري فيصل، مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي، دار العلم للملايين، بيروت، 1978، ص. 7‏

(4) الألسنية والنقد الأدبي، ص. 10‏

(5) المرجع السابق، ص. 11‏

(6) محمد عبد المطلب، البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985، ص. 7‏

(7) رولان بارت، درس السيميولوجيا، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، تقديم عبد الفتاح كيليطو، دار توبقال للنشر، ط. 2، الدار البيضاء، 1986ص. 12‏

(8) المرجع السابق، ص. 86‏

(9) ت. تودوروف، رولان بارت، أمبرتو أكسو، مارك أنجينو، في أصول الخطاب النقدي الجديد، ترجمة وتقديم: أحمد المدني، عيون المقالات، الدار البيضاء، ط. 2، 1989، ص. 5 من المقدمة.‏

(10) المرجع السابق، ص. 5‏

(11) المرجع السابق، ص. 6‏

(12) المرجع السابق، ص. 6‏

(13) J. Lyons , Linguistique générale, Tr. François Dubois, Larousse. Paris. 1970. P. 39‏

(14) روجر فاولر، نظرية اللسانيات ودراسة الأدب ، في: مجلة الآداب الأجنبية، العدد:2، بغداد1985، ص. 83‏

(15) المرجع السابق، ص. 92‏

(16) بوريس إيخنباوم، نظرية المنهج الشكلي، في:نظرية المنهج الشكلي ، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة: إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1982، ص. 3036‏

(17) المرجع السابق، ص. 3031‏

(18) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، الزمن السرد التبئير، المركز الثقافي العربي ، بيروت، 1989، ص. 1626‏

(19) ر. ياكبسون، نحو علم للفن الشعري، في: نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ص. 2627‏

(20) المرجع السابق، ص. 27‏

(21) تودوروف، نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ص. 44‏

(22) موريس أبو ناضر ، الألسنية والنقد الأدبي، ص. 13‏

(23) رابح بوحوش، الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلم النص/ مجلة معهد اللغة وآدابها ، جامعة الجزائر، العدد:12، السنة، 1997، ص. 107‏

(24) المرجع السابق، ص. 107‏

(25) F. De SAUSSURE,Cours de linguistique générale, PP. 2126.‏

(26) Ibid. PP. 179185.‏

(27) Ibid. P. 181.‏

(28) رابح بوحوش، الخطاب والخطاب الأدبي. . ، ص. 160.‏

(29) محمد يحي نون، وآخرون، اللسانيات العامة الميسرة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، [د. ت ]، ص. 86‏

(30) الأسلوبية في النقد العربي الحديث، ص. 211‏

(31) R. BARTHES , Introduction à l'analyse structurale des récits ,In: Communication n°8, Paris,1966,P. 612.‏

(32) Pierre GUIRAUD et Pierre KUENTZ, La stylistique, lecture, Klincksieck, Paris, 1970,P. 15‏

(33) Ibid. P. 13.‏

(34) Ibid. PP. 1415‏

(35) Charles BALLY , Traité de stylistique française, Klincksieck ,(2 vol) Paris, P. 17‏

(36) F. De SAUSSURE, Cours de linguistique générale, Op. Cit. P. 2125‏

(37) عبد السلام المسدي، الأسلوبية والنقد الأدبي، ص. 36‏

(38) C. BALLY, Traité de stylistique française, P. 19‏

(39) Ibid. P. 19‏

(40) C. Bally, Traité de stylistique française, P. 2126‏

(41) Ibid. 1926‏

(42) عبد السلام المسدي ، الأسلوبية والنقد الأدبي، ص. 37‏

(43) المرجع السابق، ص. 37‏

(44) الأسلوبية والنقد الأدبي، مرجع سابق، ص. 37.‏

(45) C. KerbratOrecchioni, La connotation, Presses Universitaires de Lyon,1977,P. 11 .‏

(46) نور الدين السد ، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 3638‏

(47) المرجع السابق، ص. 3638‏

(48) منذر عياشي، الخطاب الأدبي والنقد اللغوي الجديد، جريدة البعث رقم:7813، بتاريخ:21. 11. 1988، دمشق، ص. 5‏

(49) M. ADDAM, Linguistique et discours littéraire, P. U. F. Paris, 1970,P. 44‏

(50) بوحوش، الخطاب والخطاب الأدبي ، مرجع سابق، ص. 161‏

(51) المرجع السابق، ص. 162‏

(52) أنطوان مقدسي، الحداثة والأدب ، الموقف الأدبي، عدد: التاسع، جانفي 1975، دمشق ، ص. 225‏

(53) عبد السلام المسدي، الأسلوبية والأسلوب، ص. 116‏

(54) نور الدين السد، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 246‏

(55) المرجع السابق، ص. 249.‏

(56) عبد الملك مرتاض ، دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة " أين ليلاي" لمحمد العيد آل خليفة، مرجع سابق، ص. 16‏

(57) سعد مصلوح، الأسلوب، ص. 23‏

(58) نور الدين السد، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 252‏


موقع المستخذمhttps://178.238.232.238/~awu/book/06/...ok06-sd004.htm










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 13:55   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ى البحث في الخطاب الأدبي وصلته بالنقد يستحوذ على اهتمامات دارسي اللغة والأدب منذ بداية القرن العشرين، بفضل ما تقدمه الحقول المعرفية الجديدة كاللسانيات والأسلوبية والسيميولوجية من مصطلحات وأدوات إجرائية، تسهم في مقاربة الأثر الأدبي، بعيدا عن المقولات النقدية التي كانت مستعارة من كل الحقول إلا حقل الأدب.‏

ولذلك ألفينا اليوم تراجعا عن القيم والخصائص الجمالية التي كان يطلقها النقد العربي الكلاسيكي على الخطاب الأدبي من منظور انطباعي سطحي، منذ عرفت مناهج الدراسات اللسانية والأسلوبية والسيميولوجية الانتشار في العالم العربي عن طريق الترجمات.‏

وللوقوف على تطور اتجاهات الخطاب من منظور المناهج النقدية الحديثة، لا بد أن نربط راهن هذا النقد بالخطاب النقدي الكلاسيكي الذي لم يلغ صلته بالبلاغة العربية القديمة، وما آل إليه بعد تراكم المعارف النقدية والعلمية والثقافية التي تربطه بها صلات التأثير والتأثّر، مهدت لظهور خطاب نقدي جديد.‏

1 ـ اتجاه الخطاب النقدي الكلاسيكي وخصائصه:‏

ركزت أكثر مناهج تحليل النصوص الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين في الوطن العربي عنايتها على دراسة محيط الخطاب وأسبابه الخارجية، وهي لم تقتصر على تحليل النصوص القديمة فحسب، وإنما كانت تسعى إلى تحليل النصوص الحديثة بالمنهجية الكلاسيكية نفسها، وما ذاك إلا لأن الموروث النقدي عبر مراحله المتعاقبة لم يرق إلى معالجة النص الأدبي معالجة كلية، وبقي في معظمه في حدود اللفظة والتراكيب، وطغت عليه النزعة الانطباعية، ولجأ أصحابه إلى احتذاء نماذج معينة، وأنماط تعبيرية جاهزة، يتخذونها مقاييس نقدية، قليلا ما يرضون بالخروج عنها.‏

ولعل هذا ما جعل الموروث النقدي حبيس معايير لم يستطع التخلص منها إلا في بداية القرن العشرين، وكانت نظرته بعيدة عن احتواء النص كاملا، لأنها (النظرة الكلاسيكية) لم تكن ترى في الأثر الأدبي سوى اللفظ أو الجملة أو الشطر أو الفقرة. وهو أسلوب النقد العربي القديم الذي كان يصدر أحكاما عامة من خلال معاينة الجزء.‏

وعلى الرغم من النتائج التي حققتها هذه الدراسات، والمناهج، في تفسير النصوص الأدبية، وتحليلها في ضوء سياقاتها المختلفة: الاجتماعية والتاريخية والدينية، فإنها لا تخرج عادة على التفسير التعليلي، ومحاولة البحث عن الأصول التي انبثقت عنها النصوص الإبداعية، دون مقاربة النص ذاته، ولذلك عجزت عن تحليل بنيات الأثر الأدبي ودلالاته العميقة، واكتفت في أغلب الأحيان بوصف المظهر النصي السطحي، وملابساته التاريخية والسياسية. (1)‏

ومما لا شك فيه أن صياغة الأثر الأدبي لا تنفصل عن عوامل المحيط كلها أو بعضها، وتطرح الخاصية الأدبية بعنف حين نعزل العوامل الفردية في تحديد العمل الأدبي عن العوامل التي تحدد إطاره الخارجي. (2) وهنا يبدو عجز هذا الاتجاه في مقاربة الخاصية الأدبية، وتفكيك عناصرها الداخلية الدالة على فرادتها، والتي لا تخضع ـ في كل الحالات ـ إلى الظروف الخارجية المحيطة بالعمل الأدبي.‏

وبحثا عن منهج ملائم ظل النقاد الكلاسيكيون يتوسلون بشتى أنواع الآليات في دراسة النص الأدبي، وينتقلون من منهج إلى آخر، وفق مرجعيات معينة، ولكن ـ في أغلب الأحيان ـ انطلاقا من المناهج المعيارية التذوقية، نحو: النظرية المدرسية التي تقسم الأدب العربي إلى عصور، ونظرية الفنون الأدبية، ونظرية خصائص الجنس، والنظرية الإقليمية، والنظرية النفسية، والنظرية الاجتماعية. (3)‏

كما سعت المناهج الخارجية التي اهتمت بدراسة النصوص الأدبية إلى تأسيس نوع من العلاقة السببية أو الحتمية، بين الأثر الأدبي وكاتبه وبيئته، وهي تأمل من ذلك كله الوصول إلى تحديد العلاقة بين الأثر الفني ومحيطه. (4)‏

وهكذا عرف النصف الأول من القرن العشرين نصوصا نقدية تعتبر الأدب صورة عاكسة لإنتاج الفرد، ومن ثم ركزت على سيرة الكاتب ونفسيته. (5) كما ظهرت دراسات للنصوص الإبداعية متأثرة بالعوامل الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية. كما حلل بعض النقاد النص الأدبي في ضوء علاقته بالابتكارات الجماعية للعقل البشري، كتاريخ الأفكار واللاهوت، والفنون. (6)‏

ويرجع ظهور المناهج الخارجية في تحليل النصوص الأدبية إلى العوامل والأسباب الآتية:‏

ـ تأثر النقد في تحليل النصوص الأدبية بالعلوم الطبيعية.‏

ـ ظهور تاريخ الأدب الحديث وعلاقته الوثيقة بالحركة الرومانسية التي لم تستطع أن تحطم الرؤية النقدية للكلاسيكية إلا بالحجة القائلة : "إن الأزمنة المختلفة تتطلب مقاييس نقدية مختلفة. "(7)‏

ـ انهيار النظريات الشعرية القديمة، وما رافق ذلك من تحول في الاهتمام بالذوق الفردي للقارئ، حيث أصبح الاعتقاد الراسخ لدى معظم الدارسين أن أساس الفن لا يخضع للعقل، ومن ثم فإن الذوق هو المقياس الوحيد للتقويم، والنقد.‏

ـ تطور الخطاب النقدي في أوربا في الخمسينيات من القرن العشرين بفضل المنهج البنيوي الذي اعتمد على مقاربات ( كلود ليفي ستروس) في تحليل النصوص، انطلاقا من وجود أبنية عقلية لا شعورية عامة، تشترك فيها كل الثقافات الإنسانية، على الرغم مما بينها من اختلاف وتباين، وكانت الوسيلة الوحيدة للكشف عن هذه الأبنية اللاشعورية هي اللغة. (8)‏

وقد تأثرت عدة حقول معرفية بهذا المنهج العلمي، الذي أحدث ثورة في مناهج تحليل الخطاب الأدبي وغير الأدبي.‏

2 ـ اتجاهات الخطاب النقدي الحديث وتطوره في ضوء المناهج الحداثية:‏

تقف اتجاهات الخطاب النقدي الحديث "عند الدوال الشكلية الأساس التي تلعب دور المنتج للنص الأدبي بين الاختبارات اللسانية، والمحددات السيميائية، بما يؤدي إلى وضع الكتابة في إطار الأدبية، ويساعد على استخلاص هذه القيمة بالدرجة الأولى. " (9) كما أنها تنظر إلى النص الأدبي لا كرجع انعكاسي لأدبية خارجية، ولكن كمجال يمتلك دواله القادرة وحدها على ربط العلاقة مع المدلولات، ثم مقدرة هذه الأخيرة انطلاقا من أسس لسانية باتت معروفة، على توظيف وصياغة الدوال. (10)‏

ومن شأن هذه النظرة النقدية الحداثية، تحويل مادة الأدب إلى حقل مستقل، لـه عناصر واقعه الذاتية؛ كاللغة والعلامة والوحدات الصغرى والكبرى، وبرصد هذه العناصر وتفكيكها، وتحديد البنيات التي تؤلف النص وتعيين السنن التي تقوم عليها في علاقاتها وتنظيمها، نكون قد وقفنا على أسباب تراجع الخطاب النقدي الكلاسيكي، لأنه لا يمتلك آليات، وأدوات إجرائية تمكنه من إعادة بناء النص، وتحديد مكوناته عبر تفكيكه. كما تتراجع النزعة التفسيرية القائمة على مبدأ المحاور والموضوعات التيمية، ذات الطبيعة التلقينية "Didactique". (11)‏

يلغي الخطاب النقدي الحديث من مجال اشتغاله كل تشريع مهما كانت طبيعته، ولا يبقي سوى على التشريع الذي يقدر عليه النص بوصفه صناعة كلام، ولكن أيضا بوصفه إنتاجا لخطاب هو خطابه. (12)‏

أ ـ الاتجاه اللساني في تحليل الخطاب الأدبي:‏

عرف مطلع القرن العشرين ثورة على المناهج التي ظهرت في الفترات السابقة، وكان من أهمها تلك التي ألحت على دراسة الأثر الأدبي من الداخل، وركزت على النص أولا، وسبب ذلك هو أن المناهج التي تأسس عليها الخطاب النقدي الكلاسيكي، غدت غير مجدية، لا تجيب عن الأسئلة الكثيرة التي يطرحها النقاد، فكان لا بد من إعادة النظر فيها في ضوء الاكتشافات وتأثير العلوم الحديثة، وخاصة علم اللغة العام أو كما يطلق عليه اللسانيات La Linguistique. (13)‏

ويوضح روجر فاولر (FOWLER R.)في بحثه (نظرية اللسانيات ودراسة الأدب) أن اللغة والأدب شهدا نمو دراسة علمية جديدة في القرن العشرين، بلغت مرحلة من النضج النسبي تجلت في علم اللسانيات، والتي تميز نموها بازدياد مطرد، في عدد البحوث المنشورة، وفي عدد الأشخاص المهتمين بها، فكان أن تبوأ هذا الحقل المعرفي الجديد من الموضوعات مكانته بامتياز بين الدراسات الإنسانية الراسخة. (14)‏

ويكشف البحث اللساني سلسلة الجهود التجريبية على المستوى العالمي، وفي اللغات الأوربية التي اهتمت بتحليل الخطاب، فظهرت مدارس لسانية، نذكر منها:‏

ـ المدرسة السلوكية، ورائدها بلوم فيلد (1887 ـ 1949)‏

ـ المدرسة التوزيعية لهاريس.‏

ـ المدرسة التحويلية والتوليدية ورائدها شو مسكي، وهو عالم لسانيات معاصر، متعدد الاهتمامات، أخضع اللسانيات للمنطق الرياضي والفلسفي، أحدثت كتاباته ثورة في اللسانيات، وتعرف مدرسته بالمدرسة التحويلية التوليدية. (15)‏

وكانت التوجهات اللسانية في تحليل النصوص الأدبية من اهتمامات الشكلانيين الروس (Formalistes Russes ) الذين رفضوا اعتبار الأدب صورة عاكسة لحياة الأدباء، وتصويرا للبيئات والعصور، وصدى للمقاربات الفلسفية، والدينية. ودعوا إلى البحث عن الخصائص التي تجعل من الأثر الأدبي أدبا؛ أي: ما يحصل نتيجة تفاعل البنى الحكائية، والأسلوبية، والإيقاعية في النص. (16)‏

ويثبت تراكم البحوث النقدية اللسانية التأثير الذي مارسه المنهج الشكلاني في دراسة النص الأدبي من الداخل، بحيث مكن النقد الأدبي من الانفصال في تحليل الخطاب الأدبي عن نظريات علم النفس، وعلم الاجتماع، والأيديولوجيات الدينية والسياسية حتى غدا الخطاب النقدي يتمتع باستقلال ذاتي، لأن المادة الأساسية في بناء الأدب هي اللغة، وأما اللسانيات فهي الدراسة العلمية لها، ولمظهرها الحسي الذي يتجلى من خلال الكلام. (17)‏

ومثلما هو الأمر شائع في مجالات التأثير والتأثر بين العلوم والاتجاهات الفكرية والأدبية، فقد استفاد الخطاب النقدي الحديث من الأدوات الإجرائية التي وفرتها مختلف مباحث وأطروحات اللسانيات على صعيد اللفظة، والجملة، وفي فترة حديثة: النص، وتجلى ذلك في ما أكدته الدراسات اللسانية الحديثة من تداخل وترابط بين المستويات (الصوتية، والتركيبية، والدلالية) والتي سعت إلى الكشف عن وظيفة كل مستوى ودلالته منفردا ومجتمعا مع غيره من المستويات على صعيد النص الأدبي. (18)‏

غير أن البحث المتقدم في العلاقات الداخلية التي تحكم الأثر الأدبي، وتحفظ توازنه وانسجامه، لم يكن ليمحو من برنامج البحث المشاكل المعقدة، والمتصلة أساسا بالعلاقة بين الفن الأدبي والقطاعات الثقافية الأخرى، والواقع الاجتماعي والنفسي.‏

ولا حاجة للتأكيد على أن واحدا من أبرز رواد الشكلانية الروسية، وهو: "ر. ياكبسون" قد أشار في مقال، عنوانه: "نحو علم للفن الشعري" أن الاتجاه الجديد للشكلانية في مقاربة الأثر الأدبي والبحث عن أدبيته، لم يحل الإشكال بعد، فما زالت نظريات تحليل النص الأدبي تؤكد ترابط الأدب بغيره من القطاعات الأخرى الثقافية والاجتماعية والفكرية والعقائدية. (19)‏

وفي قراءة تقويمية لحصيلة المدرسة الشكلانية، يميل ياكبسون إلى الاعتقاد أن باحثي هذه المدرسة كثيرا ما كانوا يخلطون بين الشعارات الطامحة، والساذجة أحيانا لمبشريها، والإجراءات النقدية الموجهة نحو النص أساسا. ولذلك نراه يحسم هذا الإشكال عندما يتبين لـه أن كل حركة أدبية أو علمية إنما تحاسب قبل كل شيء اعتمادا على العمل الذي أنتجته، وليس من خلال بلاغة بياناتها. (20)‏

وإذا كان الشكلانيون الروس قد فرضوا منهجهم في تحليل النصوص الأدبية ابتداء من النصف الأول من القرن العشرين، فإن التفكير في تلك الفترة كان قد تجاوز النظرية التي كانت تهتم بقضايا المضمون والمعنى انطلاقا من الصورة باعتبارها قوة ملازمة للأدب، وأصبح مفهوم الشكل منذئذ يعرف رواجا وامتزج شيئا فشيئا بمفهوم الأدب، ومفهوم الواقعية الأدبية. (21)‏

وتأسيسا على ما قدمنا، فإن ما أحدثته اللسانيات وما تفرع عنها من مناهج نقدية في تحليل الخطاب الأدبي تركت آثارا واضحة في مسار النقد الأدبي واتجاهاته.‏

ويلاحظ موريس أبو ناضر أن الفرق واضح بين الخطاب النقدي الكلاسيكي، والخطاب النقدي الحديث، لأن بؤرة التفكير آلت إلى التركيز على آليات وحدة هذا النسق البنياني أو ذاك من خلال مواد مختلفة. (22)‏

غير أن كثرة الأبحاث ورواج المفاهيم، وحيرة المختص والمبتدئ على حد سواء أمام هذا الركام المعرفي، شكلت تداخلا في المفاهيم والمصطلحات، أشار إلى جانب منها رابح بوحوش في مقاله الموسوم بـ: "الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلم النص"، حيث حدد الانتهاكات التي تحدث في التعامل مع المصطلحات الحديثة التي وفرتها علوم اللغة والأسلوبيات، والمناهج اللغوية والأدبية المعاصرة، ويبرز ذلك في مصطلحات مركزية تداخلت فيها المفاهيم، وحادت استخداماتها عن الصواب، منها: اللسانيات، الأسلوبيات، الخطاب، والنص. فهو يلاحظ مثلا أن مصطلح اللسانيات، وهو العلم الصارم الذي يدرس اللغة دراسة مخبرية، ما هو في الواقع سوى دراسة اللغة في مستوياتها النحوية والصرفية والعروضية. (23)‏

وأما مصطلح الأسلوبية فيوحي استخدامه باصطناع منهجية صارمة في دراسة الظاهرة الأدبية، وعدم خضوع النص الأدبي عموما، والخطاب خصوصا للأحكام المعيارية والذوقية، ويهدف إلى دراسة الظاهرة الأسلوبية دراسة علمية، واقتحام عالم الذوق، وكشف سر ضروب الانفعال التي يخلقها الأثر الأدبي في متلقيه.. غير أن القصد لا يعدو أن يكون سوى بلاغة، أو دراسة للأسلوب الفردي. (24)‏

إن ما قدمه رابح بوحوش في هذا الطرح ظل حبيس التخمين والتصور، فلا نكاد نعثر في تحليله على أية إشارة أو إحالة أو دراسة انحرفت عن المفاهيم الصحيحة، أو على الأقل التي يراها هو كذلك، ثم إنه لم يعلل مسألة ذكرها في صدر مقاله والمتعلقة بالخطر الذي تمثله الأبحاث الكثيرة في الموضوع نتيجة التراكم الكبير للمفاهيم، وسوء استخدامها أحيانا، ونراه اكتفى في هذا الصدد بالإشارة إلى الظاهرة دون عناء مناقشتها، وما يفترض أن تكون فيها من إيجابيات أو سلبيات.‏

ومما لاشك فيه أن كثرة الدراسات، وتعدد المفاهيم يغني الحقول المعرفية التي تساهم في توسيع دائرة البحث وتعدد الاختصاصات التي يمكن أن تشتق منها، وهذا ما يلاحظ في العلوم كلها التي استرعت اهتمام الدارسين، إذ توسع مجال اشتغالها، وعرفت مطردا، ورقيا بارزا.‏

إن ما يؤكد صلة النقد الأدبي باللسانيات هو أن النص الأدبي في جوهره وحدة متكاملة، تتضافر فيها عدة عناصر صوتية وصرفية ومفرداتية وتركيبية ودلالية، وهي الوحدات التي تشمل أي نص. ومن ثم فإن أي دراسة أدبية يفترض فيها أن تقف على الجزئيات المكونة للنص، والمتدرجة من أصغرها وهي اللفظ إلى أكبرها وهي الخطاب أو النص.‏

وما يلاحظ اليوم هو أن التوجهات الحديثة والمعاصرة لخطاب النقد الأدبي أصبحت تستخدم المنهج التكاملي الذي يستعير مجموعة من النظريات المتباينة من العلوم المختلفة، ولكن السمة البارزة لتلك التوجهات تبدو لسانية وأسلوبية أكثر من غيرهما، وقد تجلى هذا المظهر ابتداء من الخمسينيات من القرن العشرين في أعمال كثير من الباحثين، مثل دي سوسير الذي اعتبر اللغة نظاما من الإشارات التي تعبر عن الأفكار، وقوض بذلك أصول الدرس التقليدي للغة الذي كان يرى فيها وسيلة تعبير عن الأشياء. (25)‏

ومن أجل استقراء الظاهرة اللغوية لجأ دي سوسير إلى اشتقاق بضع ثنائيات، عُدت مرتكزات أساسية في البحث اللغوي الحديث، وأهمها: اللغة /الكلام، التزامن/التعاقب، الدال/المدلول، وعلاقات التتابع. (26)‏

وكان اهتمام دي سوسير في معالجته لمكونات العملية الكلامية باللغة دون الكلام، لأن الكلام في رأيه فعل فردي لا يمثل سوى بداية اللسان أو الجزء الفيزيائي، وهو مستوى خارج الواقعة الاجتماعية. (27) غير أنّ أتباع دي سوسير أولوا عناية خاصة للكلام باعتباره فعلا فرديا، وقد كان ذلك بدءاً من شارل بالي، فياكبسون، ثم تشومسكي إلى رولان بارت وغيرهم. الأمر الذي جعل النظرة إلى مفهوميْ:اللغة والكلام تتغيّر، وطبعت النظرة الجديدة باتجاهات مختلفة، بحيث تحول الثنائي (اللغة ـ الكلام) إلى (الجهاز ـ النص) عند يمسليف، و (الطاقة ـ الإنجاز) عند نوام شومسكي، و (السنن ـ الرسالة) عند ياكبسون، و (اللغة ـ الخطاب) ق. غيوم، و (اللغة ـ الأسلوب) عند رولان بارت. (28)‏

واتضح فيما بعد أن ما كان هامشيا عند دي سوسير تحوّل إلى موضوع رئيسي عند المتأخرين، وأضحى الكلام (Parole) نصّاً أو إنجازاً، أو رسالةً، أو خطاباً في الدراسات الأسلوبية.‏

كما طور هاريس المنهج التوزيعي من خلال البحث عن العلاقات بين الوحدات اللسانية، ونوام شومسكي رائد المنهج التوليدي التحويلي الذي ميز بين الكفاية اللغوية والأداء اللغوي. (29)‏

ب ـ الاتجاه الأسلوبي في تحليل الخطاب الأدبي:‏

تهتم الأسلوبية بدراسة الخطاب الأدبي باعتباره بناء على غير مثال مسبق، وهي لذلك تبحث في كيفية تشكيله حتى يصير خطابا لـه خصوصيته الأدبية والجمالية. فالخطاب الأدبي مفارق لمألوف القول، ومخالف للعادة، وبخروجه هذا يكتسب أدبيته، ويحقق خصوصيته.‏

فاختلاف الخطاب الأدبي عن صنوف "الأخطاب" الأخرى يكون بما يركبه فيه صاحبه من خصائص أسلوبية، تفعل في المتلقي فعلا يقرره الكاتب مسبقا ويحمله عليه، مستخدما ما تقتضيه الكتابة من وسائل تختلف عن مقتضيات المشافهة، ولذلك كان ريفاتير يرى أن الخطاب الأدبي لا يرقى إلى حكم الأدب إلا إذا كان كالطود الشامخ والمعلم الأثري المنيف يشد انتباهنا شكله، ويسلب لبنا هيكله. (30)‏

كما يعرف "مانقينو " الخطاب الأدبي، ويشير إلى تعدد دلالاته: فالخطاب عنده مرادف للكلام لدى دي سوسير، وهو المعنى الجاري في اللسانيات البنيوية، ولذلك يعتبره ملفوظا طويلا أو متتالية من الجمل تكون مجموعة منغلقة يمكن من خلالها معاينة بنية سلسلة العناصر بواسطة المنهجية التوزيعية. ويقيم في النهاية معارضة بين اللسان والخطاب ؛ فاللسان ينظر إليه ككل منته وثابت العناصر نسبيا، أما الخطاب فهو مفهوم باعتباره المآل الذي تمارس فيه الإنتاجية، وهذا المآل هو" الطابع السياقي" غير المتوقع الذي يحدد قيما جديدة لوحدات اللسان، فتعدد دلالات وحدة معجمية هو أثر للخطاب الذي يتحول باستمرار إلى أثر للسان يصبح الخطاب فيه خاصا بالاستعمال والمعنى مع زيادة مقام الواصل وخاصية الإنتاج والدلالية. (31)‏

لقد أحدث ظهور الأسلوبية في حقل العلوم الإنسانية واللسانية مشكلا قبل أن تتحول ـ الأسلوبية ـ إلى منهج نقدي لمقاربة الأثر الأدبي، فرضته التطورات والاكتشافات العلمية والثقافية والأدبية في القرن العشرين. ذلك أن مصطلح الأسلوبية استخدم في بداية القرن الماضي للدلالة على الحدود الموجودة بين الأدب واللسانيات، وهو المجال الذي كانت تحتله البلاغة القديمة، وبقي شاغرا بعد انحلالها"Effondrement "مما نتج عنه طرح عدة قضايا نقدية، اتجه بعضها إلى التشكيك أصلا في مدى جدوى هذا الحقل المعرفي الجديد. (32)‏

إن انشطار الأسلوبية بين المجالين: الأدبي واللسانيات، بقدر ما كان يمثل إشكالا عند طرحه، بقدر ما حفّز الدارسين على استجلاء خفايا هذا الحقل، وكشف أسرار النص الأدبي الذي ظل معناه العميق مجهولا، لم تستطع المقاربات النقدية، والبحوث البلاغية القديمة استكناه جوهره، ومعرفة السر الذي يحكم بناءه اللغوي، وعناصره الدلالية الأخرى، والوصول إلى معرفة ما يميز كل أسلوب، والبحث عما يربطه بالكتابات المعاصرة لـه والسابقة عليه أو اللاحقة به، وهو الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى المطالبة بضرورة إلحاق الأسلوبية بمختلف توجهاتها وفروعها بأحد المجالين: الأدب أو اللسانيات. (33)‏

غير أن هذا الحل لم يكن يعبّر عن طموح البحث الأسلوبي الذي لقي رواجا كبيرا بفضل ما ألف فيه من بحوث أكاديمية، قدمت للقراء رصيدا معرفيا كبيرا. وظهر بعد شارل بالي اتجاه نقدي جديد يدعو إلى ضرورة فصل الأسلوبية عن المجال الأدبي واللسانيات لغرض فسح المجال لها لتحقيق ذاتها واستقلالها. (34)‏

ونظرا لارتباط هذا المنهج بـ"شارل بالي"، فإنه يستحسن أن نعرف ما يصله بأستاذه دي سوسير، في رؤيته للغة، وقضايا اللسانيات بصفة عامة.‏

يعتبر "شارل بالي" اللغة نظاما من الرموز التعبيرية تؤدي محتوى فكريا تمتزج فيه العناصر العقلية والعناصر العاطفية، فتصبح حدثا اجتماعيا محضا. كما أن اللغة تكشف في كل مظاهرها وجها فكريا ووجها وجدانيا ويتفاوت الوجهان كثافة بحسب ما للمتكلم من استعداد فطري، وبحسب وسطه الاجتماعي، والحالة النفسية التي يكون عليها. (35)‏

والملاحظ أن هذا التعريف للغة لا يختلف كثيرا عن التعريف الذي جاء به دي سوسير حيث يعتبر اللغة منظومة من العلامات. (36) ولعل هذا من بين ما دفع إلى القول: إن أسلوبية شارل بالي امتداد لمجال اللسانيات التي بحثها دي سوسير في مؤلفه الشهير"Cours de linguistique générale " (دروس في اللسانيات العامة).‏

ولما كانت اللغة تعكس السمات الفكرية للمجتمع، لا سيما اللغة اليومية فإن (ش. بالي) كان يرى أنه لا ُيبحث عن هذه الأفكار في النصوص الأدبية القديمة، أو في اللغة العالمة، "لأن الكلام يترجم أفكار الإنسان ومشاعره، ولكنه يبقى حديثا اجتماعيا، فاللغة ليست منظومة من العلامات تحدد موقف الفرد من المجتمع فحسب، بل هي تحمل أثر الجهد الذي يكابده ليتلاءم اجتماعيا وبقية أفراد المجتمع. "(37) كما يؤكد في مؤلفه:‏

(Traité de Stylistique قضايا أسلوبية) أن تعبير الإنسان يتأرجح في مضمونه بين مدارين: مدار العاطفة الذاتية، ومدار الإحساس الاجتماعي، وهما عنصران متصارعان دوما يتوق كل عنصر إلى شحن الفكرة المعبر عنها، فيؤول الأمر إلى ضرب من التوازن غير المستقر. (38)‏

وينتهي الباحث ش. بالي في آخر حياته إلى تأكيد سلطان العاطفة في اللغة وأثرها البارز في التأثير على المتلقي وتراجع سلطان العقل إلى المستويات الخلفية، معللا ذلك بأن الإنسان في جوهره كائن عاطفي قبل كل شيء واللغة الكاشفة عن جوهر هذا الإنسان هي لغة التخاطب بتعبيراته المألوفة. (39)‏

والمتتبع لتعريف الأسلوب والأسلوبية لشارل بالي يلاحظ أنه يبعد "الخطاب الأدبي" من مجال الأسلوبية، إذ يعتبره خطابا ناتجا عن وعي وقصدية من قبل المؤلف، يفضي إلى اصطناع وتحوير لا يعبران عن طبيعة اللغة وعلاقتها بمستخدمها، ولذلك كانت لغة التخاطب اليومي هي العينة التي يصلح التعامل معها لاستخلاص حقائق موضوعية، بعيدا عن كل تأمل معقد. (40)‏

1 ـ الأسلوبية والنقد الأدبي من منظور شارل بالي:‏

يعتقد شارل بالي أن على الأسلوبية أن تشن حربا ضد المناهج القديمة في الدراسات النقدية واللغوية، حتى تزيل كل عمل آلي في دراسة الظواهر اللغوية والنصوص الأدبية انطلاقا من التحليل التاريخي، ويؤكد أن دراسة اللغة لا تقتصر على ملاحظة العلاقات القائمة بين الرموز اللسانية فقط، وإنما هي اكتشاف العلاقات الجامعة بين التفكير والتعبير، لذلك لا يمكن إدراك هذه الروابط إلا بالنظر في الفكرة وفي التعبير معا. (41)‏

ويستخلص مما سبق أننا لا نستطيع إبراز ما نفكر فيه أو ما نحس به إلا بواسطة أدوات تعبيرية يفهمها عنا الآخرون، وقد تكون الأفكار ذاتية لكن الرموز المستعملة في أدائها تبقى مشتركة بين مجموعة بشرية معينة. (42) لذلك فإن الأسلوبية تدرس ظواهر التعبير، وتأثيرها على المتلقي، فكل فكرة تتجسد كلاما؛ إنما تحل فيه من خلال وضع عاطفي، سواء كان ذلك من منظور من يبثها، أو من منظور من يتلقاها، فكلاهما ينزلها منزلا ذاتيا. (43)‏

فالعمل الأسلوبي في نظر بالي ينبغي أن يركز على تتبع الشحنات العاطفية في الكلام بثًّا واستقبالا، وعلى هذا الأساس يكون من الأجدى البحث عن الوسائل التعبيرية الحاملة لهذه الشحنات الوجدانية ودراسة خصائص أدائها.‏

وتقوم الأسلوبية كمنهاج في تحليل النص الأدبي عند بالي على مقاربتين:‏

المقاربة الأولى:مقاربة نفسية تبحث في ظروف البث النفسية، وظروف الاستقبال.‏

أما الثانية، فمقاربة لسانية لغوية بحتة، تدرس الجانب اللغوي للتعبير عن الفكرة وتلغي كلية الجانب الذهني، وتبعده من مجال درسها وبحثها. (44)‏

2 ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب الأدبي:‏

استفادت الدراسات الأسلوبية من إنجازات اللسانيين سواء على مستوى المناهج أو على مستوى الرصيد المصطلحاتي وتجلى معظم ذلك في الأبحاث الأسلوبية. وإذا كانت اللسانيات تحدد موضوعها انطلاقا من الجملة باعتبارها أكبر وحدة قابلة للوصف اللساني، وهو الحد الذي اتفق حوله أغلب الدارسين في اللسانيات، فإن موضوع الأسلوبية هو الخطاب الأدبي، وإن كان الخطاب يتضمن الجمل ووحدات أخرى يطالها الدرس الأسلوبي بالضرورة.‏

لذلك ألفينا بعض الأسلوبيين يؤكدون أن النص مزيج من الخطاب والنظام، أو مزيج من الخاص والعام، والخطاب هو الخاص، والنظام اللغوي هو العام، والنص في مجمله يقوم على ركيزتين أساسيتين تكونانه من الداخل، وهما:‏

أ ـ المعنى الاصطلاحي (Dénotation ):‏

عناصره لغوية، وأشكاله الصغرى لم يطرأ عليها تغيير دلالي، فهي مازالت تحتفظ بمعناها المعجمي ولا تعترف بالتغيرات اللسانية سلبا أو إيجابا.‏

ب ـ المعنى الإيحائي (Connotation):‏

عناصره الشكلية تحمل دلالات(45) متعارف عليها في مجموعة لسانية مهنية معينة، ويمكن أن يطلق على هذا المعنى "المعنى المجازي"، بينما يطلق على المعنى الأول "المعنى الحقيقي" للأشكال اللغوية. (46)‏

وبصفة عامة، فإن النص ينقلب في الآخر إلى ثنائية بين الشكل والمضمون، أو كما عبر عنها "يمسليف" (بثنائية رباعية)، حيث إن كل تعبير لـه شكل وجوهر، وعلى العالم اللغوي الأسلوبي أن يعرف هذه القضايا حتى تتأتى لـه إمكانية التحليل العلمي للأساليب. (47)‏

وقد أدرك منذر عياشي فضل هذا الاتجاه في مقاربة الأثر الأدبي، فقال: " إن الدارس المهتم بالخطاب الأدبي ولسانيات النص يدرك أن لهذا الاتجاه فضلا في بناء نظام نقدي ومعرفي لم تعرف الإنسانية مثيلا لـه إلا في أيامنا هذه على يد نقاد زاوجوا بين الدرس اللساني والأدبي، أمثال جاكبسون، غريماس، رولان بارث، تودوروف وغيرهم. "(48)‏

ولعل أهمية هذا الاتجاه تبدو أيضا في نظرة الأسلوبية للخطاب الأدبي، فهي تعتبره إنجازا لغويا يقوم من خلفه نظام حضاري، لأن الصلة بينهما هي الاشتراك في اللغة، ولذلك كان النقد الأسلوبي ينظر إلى موضوعه على أنه فكر دون إحالة النص على غير ذاته لتحديد معناه، وهذا ما يؤكده ميشال آدم‏

(Adam M.) في قولـه: " إن النقد اللغوي الجديد لا يهدف إلى تفضيل الشكل على المعنى، ولكنه يهدف إلى اعتبار المعنى شكلا. "(49)‏

وتعنى الأسلوبية بالمتغيرات اللسانية إزاء المعيار البلاغي، ولعل هذا ما جعل النقاد يضعون البلاغة في مواجهة القواعد، والقواعد هي اللغة عند اللسانيين المحدثين، يسمها بعضهم بالجمود والماضوية والسلطوية، لأنها تفرض سلطتها وهيمنتها بموجب النظام اللغوي الذي يسلط على المستخدم، فلا يدع لـه مجالا من الحرية والانعتاق من القواعد الصارمة. أما المتغيرات اللسانية، فهي الفوضى والحرية والتمرد على تلك السلطة وقوانينها، وهذا ما أكدته البحوث اللسانية لدى دراستها لمصطلح "الكلام". (50) أما الخطاب الأدبي فهو العلامة على انعدام السلطة، لأنه يحمل في طياته قوة الانفلات اللانهائي من الكلام الإيقاعي حتى ولو أراد هذا الكلام أن يعيد بناء ذاته. (51)‏

كما تركز الأسلوبية في تحليلها للخطاب على النص بذاته بمعزل عن المؤثرات الخارجية مهما كانت طبيعتها، والخطاب بهذا المعنى يصبح اختراقا لعنصري الزمان والمكان، فهو يحمل زمانه في ذاته، ويتجلى مكانه فيه، وهو ما يعبر عنه إنجازه الأسلوبي وتشكيله البنيوي الوظيفي.‏

ومما لاشك فيه أن التعرض لمفهوم الخطاب في الدراسات الأسلوبية سيساعدنا كثيرا على إحصاء الإجراءات التحليلية التي انتهجها أصحاب هذا المنهج في تحليل النصوص الأدبية، لأن تحديدهم للمفهوم هو الذي سيكشف طبيعة التعامل مع الشيء المحدد، ولا نعتقد أن عملية التحليل إجراء مبتور عن أية خلفية نظرية أو تصور سابق، وإلا فإن هذا المنهج غريب عن صفة العلمية التي تقتضي أن يكون التصور سابقا للحكم، كما يقر بذلك المناطقة.‏

3 ـ مفهوم الخطاب في الدراسات الأسلوبية :‏

يعتبر أنطوان مقدسي أن"الخطاب الأدبي جملة علائقية إحالية مكتفية بذاتها حتى تكاد تكون مغلقة، ومعنى كونها علائقية أنها مجموعة حدود لا قوام لكل منها بذاتها، وهي مكتفية بذاتها، أي أنها –مكانا وزمانا وجودا ومقاييس ـ لا تحتاج إلى غيرها فالروابط التي تقيمها مع غيرها تؤلف جملة أخرى وهكذا بلا نهاية…فالخطاب الأدبي بهذا المنظور لا تنطبق عليه الثنائيات التي أربكت الفكر الكلاسيكي كالذات والموضوع، والداخل والخارج، والشرط والمشروط، والصورة والمضمون، والروح والمادة، فهو إذن يؤخذ في حضوره، لذاته وبذاته. "(52)‏

ويقدم عبد السلام المسدي في كتابه " الأسلوبية والأسلوب" عدة تعاريف للخطاب الأدبي، وهي لا تكاد تختلف في جوهرها، فهو يشير ـ مثلا ـ في بعضها إلى انقطاع الوظيفة المرجعية للخطاب، " لأن ما يميز الخطاب الأدبي، هو انقطاع وظيفته المرجعية، لأنه لا يرجعنا إلى شيء، ولا يبلغنا أمرا خارجيا، وإنما هو يبلغ ذاته، وذاته هي المرجع المنقول في الوقت نفسه. ولما كف الخطاب الأدبي، عن أن يقول شيئا عن شيء إثباتا أو نفيا، فإنه غدا هو نفسه قائلا ومقولا، وأصبح الخطاب الأدبي من مقولات الحداثة التي تدك تبويب أرسطو للمقولات مطلقا. "(53)‏

وغير بعيد عن هذا المفهوم يقول نور الدين السد :"إن الخطاب الأدبي يأخذ استقراره بعد إنجازه لغة، ويأخذ انسجامه وفق النظام الذي يضبط كيانه، ويحقق أدبيته بتحقيق انزياحه، ولا يؤتى لـه عدوله عن مألوف القول دون صنعة فنية، وهذا ما يحقق للخطاب الأدبي تأثيره، ويمكنه من إبلاغ رسالته الدلالية، غير أن دلالة الخطاب الأدبي ليست دلالة عارية، يمكن القبض عليها دون عناء، بل الذي يميز الخطاب هو التلميح وعدم التصريح. "(54)‏

وإذا كان الخطاب عند نور الدين السد يقوم على محورين: محور الاستعمال النفعي، ومحور الاستعمال الفني. فإنه في عرف اللسانيين يتجاوز هذا التصنيف الثنائي، حيث أقيم تصنيف توليدي لا يتحدد عددا، وإنما ينحصر نوعا وكيفاً، وأضحى الخطاب الأدبي لا يمثل إلاّ نوعا من الخطابات والتي منها: الخطاب الديني والقضائي، والإشهاري، ومعنى هذا أن كل خطاب يحمل خصوصيات ثابتة تحدد هويته.‏

ويميز الخطاب بما ليس خطابا في عرف اللغويين أحد أمرين: إما أنه يشكل كلا موحدا، وإما أنه مجرد جمل غير مترابطة. وعندما استعار الأسلوبيون هذا التعريف نراهم اشترطوا صفة الاتساق والترابط للتعرف على ما هو خطاب وما ليس خطابا. (55)‏

وتبدو هذه العلاقة في الترسيمة الآتية:‏



ويتضح من الترسيمة المعروضة ـ أعلاه ـ أن الخطاب الأدبي: هو ما توافرت فيه خصائص مميزة؛ كالكلية والاتساق والترابط بين الأجزاء المشكلة له، دون اعتبار شرط الطول والقصر.‏

وتأسيسا على ما سبق فإن الخطاب ليس مرهونا بكم محدد؛ يطول ويقصر بحسب مقتضى الحال، وبحسب المقام، وكما يصدق أن يكون جملة، قد يكون كتابا في عدد من المجلدات، ولنا في روايات الغربيين الكلاسيكيين مثال على ذلك، فالحرب والسلام وآنا كاترينا وسواهما من الخطابات الروائية تقع في عدد من الأجزاء، وهذا يدل على أن الخطاب ليس لـه كم محدد تحديدا صارما. (56)‏

وأما الخطاب عند "سعد مصلوح" فهو رسالة موجهة من المنشئ إلى المتلقي، تستخدم فيها الشفرة اللغوية المشتركة بينهما، ولا يقتضي ذلك أن يكون كلاهما على علم بمجموع الأنماط والعلاقات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية التي تكون نظام اللغة، أي الشفرة المشتركة، وهذا النظام يلبي متطلبات عملية الاتصال بين آراء الجماعة اللغوية، وتتشكل علاقاته من خلال ممارستهم كافة ألوان النشاط الفردي والاجتماعي في حياتهم. (57)‏

ينتقد نور الدين السد هذا التعريف مشيرا إلى ما يطبعه من نقائص من بينها: أنه تعريف أحادي، ينظر إلى الخطاب كمنتوج لغايات عملية نفعية، تتمحور حول الوظيفة التواصلية. ويلاحظ أن هناك وظائف أخرى للخطاب الأدبي تتجاوز حدود التوصيل، وذلك نظرا لما يميز الخطاب الأدبي من نظام خاص به، ومن تمايزه من غيره من الخطابات، كما أن الاشتراك في معرفة الشفرة لا تؤهل عارفها استجلاء كنه الخطاب، لأن هناك خطابات مستغلقة عن الفهم، وإن كان المتلقي يعرف اللغة التي أنشئت فيها. (58)‏

(1) موريس أبو ناضر، الألسنية والنقد الأدبي، دار النهار، بيروت، 1989، ص. 89‏

(2) المرجع السابق، ص. 10‏

(3) شكري فيصل، مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي، دار العلم للملايين، بيروت، 1978، ص. 7‏

(4) الألسنية والنقد الأدبي، ص. 10‏

(5) المرجع السابق، ص. 11‏

(6) محمد عبد المطلب، البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985، ص. 7‏

(7) رولان بارت، درس السيميولوجيا، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، تقديم عبد الفتاح كيليطو، دار توبقال للنشر، ط. 2، الدار البيضاء، 1986ص. 12‏

(8) المرجع السابق، ص. 86‏

(9) ت. تودوروف، رولان بارت، أمبرتو أكسو، مارك أنجينو، في أصول الخطاب النقدي الجديد، ترجمة وتقديم: أحمد المدني، عيون المقالات، الدار البيضاء، ط. 2، 1989، ص. 5 من المقدمة.‏

(10) المرجع السابق، ص. 5‏

(11) المرجع السابق، ص. 6‏

(12) المرجع السابق، ص. 6‏

(13) J. Lyons , Linguistique générale, Tr. François Dubois, Larousse. Paris. 1970. P. 39‏

(14) روجر فاولر، نظرية اللسانيات ودراسة الأدب ، في: مجلة الآداب الأجنبية، العدد:2، بغداد1985، ص. 83‏

(15) المرجع السابق، ص. 92‏

(16) بوريس إيخنباوم، نظرية المنهج الشكلي، في:نظرية المنهج الشكلي ، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة: إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1982، ص. 3036‏

(17) المرجع السابق، ص. 3031‏

(18) سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، الزمن السرد التبئير، المركز الثقافي العربي ، بيروت، 1989، ص. 1626‏

(19) ر. ياكبسون، نحو علم للفن الشعري، في: نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ص. 2627‏

(20) المرجع السابق، ص. 27‏

(21) تودوروف، نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ص. 44‏

(22) موريس أبو ناضر ، الألسنية والنقد الأدبي، ص. 13‏

(23) رابح بوحوش، الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلم النص/ مجلة معهد اللغة وآدابها ، جامعة الجزائر، العدد:12، السنة، 1997، ص. 107‏

(24) المرجع السابق، ص. 107‏

(25) F. De SAUSSURE,Cours de linguistique générale, PP. 2126.‏

(26) Ibid. PP. 179185.‏

(27) Ibid. P. 181.‏

(28) رابح بوحوش، الخطاب والخطاب الأدبي. . ، ص. 160.‏

(29) محمد يحي نون، وآخرون، اللسانيات العامة الميسرة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، [د. ت ]، ص. 86‏

(30) الأسلوبية في النقد العربي الحديث، ص. 211‏

(31) R. BARTHES , Introduction à l'analyse structurale des récits ,In: Communication n°8, Paris,1966,P. 612.‏

(32) Pierre GUIRAUD et Pierre KUENTZ, La stylistique, lecture, Klincksieck, Paris, 1970,P. 15‏

(33) Ibid. P. 13.‏

(34) Ibid. PP. 1415‏

(35) Charles BALLY , Traité de stylistique française, Klincksieck ,(2 vol) Paris, P. 17‏

(36) F. De SAUSSURE, Cours de linguistique générale, Op. Cit. P. 2125‏

(37) عبد السلام المسدي، الأسلوبية والنقد الأدبي، ص. 36‏

(38) C. BALLY, Traité de stylistique française, P. 19‏

(39) Ibid. P. 19‏

(40) C. Bally, Traité de stylistique française, P. 2126‏

(41) Ibid. 1926‏

(42) عبد السلام المسدي ، الأسلوبية والنقد الأدبي، ص. 37‏

(43) المرجع السابق، ص. 37‏

(44) الأسلوبية والنقد الأدبي، مرجع سابق، ص. 37.‏

(45) C. KerbratOrecchioni, La connotation, Presses Universitaires de Lyon,1977,P. 11 .‏

(46) نور الدين السد ، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 3638‏

(47) المرجع السابق، ص. 3638‏

(48) منذر عياشي، الخطاب الأدبي والنقد اللغوي الجديد، جريدة البعث رقم:7813، بتاريخ:21. 11. 1988، دمشق، ص. 5‏

(49) M. ADDAM, Linguistique et discours littéraire, P. U. F. Paris, 1970,P. 44‏

(50) بوحوش، الخطاب والخطاب الأدبي ، مرجع سابق، ص. 161‏

(51) المرجع السابق، ص. 162‏

(52) أنطوان مقدسي، الحداثة والأدب ، الموقف الأدبي، عدد: التاسع، جانفي 1975، دمشق ، ص. 225‏

(53) عبد السلام المسدي، الأسلوبية والأسلوب، ص. 116‏

(54) نور الدين السد، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 246‏

(55) المرجع السابق، ص. 249.‏

(56) عبد الملك مرتاض ، دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة " أين ليلاي" لمحمد العيد آل خليفة، مرجع سابق، ص. 16‏

(57) سعد مصلوح، الأسلوب، ص. 23‏

(58) نور الدين السد، الأسلوبية في النقد الأدبي الحديث، ص. 252‏


موقع المستخذمhttps://178.238.232.238/~awu/book/06/...ok06-sd004.htm










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 20:57   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zatar مشاهدة المشاركة
اريد مراجع في علم النفس و خاصة في موضوعي تصميم الذات و في موضوع صعوبات التعلم عند الأطفال


ماهي صعوبات التعل

الرئيسية

مواصفات اختيار مربية الاطفال
ماهي صعوبات التعلم
انواع(انماط)صعوبة التعلم

ما الفرق بين صعوبات التعلم ، بطيئو التعلم ، المتأخرون دراسياً ؟

المظاهر العامة لذوي الصعوبات التعلميّة





الرئيسية

مواصفات اختيار مربية الاطفال
ماهي صعوبات التعلم
انواع(انماط)صعوبة التعلم

ما الفرق بين صعوبات التعلم ، بطيئو التعلم ، المتأخرون دراسياً ؟

المظاهر العامة لذوي الصعوبات التعلميّة

كيف التعرف على من لدية صعوبات تعلم

DYSLEXIA
الديسلكسيا
طريقتي في معاملة التلاميذ الذين يعانون من الديسلكسيا( صعوبة القراءة )

الاسلوب الأمثل لمواجهة صعوبات التعلم لدي الاطفال
اضطراب القراءة النمائي

أساليب لتنمية مهارات القراءة ( المطالعة)

تطوير مهارات التصور في عملية التهجئة

مقترحات علاجية للضعف القرائي والكتابي

اضطراب مهارة الحساب النمائي
بعض الاستراتيجيات المستخدمة في جدول الضرب

القصور التعليمي و الفشل المدرسي

اللعب يحقق للطفل توازنه النفسي

التعلم باللعب

اللعب والنمو التطوري للطفل

طريقة تمثيل الأدوار Role .playing method

كيفية اختيار لعبة الطفل
كيف تقوي ذاكرتك

تنـمـية الذكاء عند الأطفال
للمختصين فقط

الاسلوب الأمثل لمواجهة صعوبات التعلم لدي الاطفال


إدراك الوالدين للصعوبات أو المشكلات التي تواجه الطفل منذ ولادته من الأهمية حيث يمكن علاجها والتقليل من الآثار السلبية الناتجة عنها‏.‏
وصعوبات التعلم لدي الأطفال من الأهمية اكتشافها والعمل علي علاجها فيقول د‏.‏ بطرس حافظ بطرس مدرس رياض الأطفال بجامعة القاهرة‏:‏ إن مجال صعوبات التعلم من المجالات الحديثة نسبيا في ميدان التربية الخاصة‏,‏ حيث يتعرض الاطفال لانواع مختلفة من الصعوبات تقف عقبة في طريق تقدمهم العملي مؤدية الي الفشل التعليمي أو التسرب من المدرسة في المراحل التعليمية المختلفة اذا لم يتم مواجهتها والتغلب عليها‏..‏ والاطفال ذوو صعوبات التعلم أصبح لهم برامج تربوية خاصة بهم تساعدهم علي مواجهة مشكلاتهم التعليمية والتي تختلف في طبيعتها عن مشكلات غيرهم من الأطفال‏.‏

وقد حددت الدراسة التي قام بها د‏.‏ بطرس حافظ مظاهر صعوبات التعلم لطفل ما قبل المدرسة في عدة نقاط‏:‏

من حيث الادراك الحسي‏:‏ فإنه مثلا قد لا يستطيع التمييز بين أصوات الكلمات مثل‏[‏ اشجار ــ اشجان‏,‏ سيف ــ صيف‏]‏ ولا يركز أثناء القراءة‏.‏

‏*‏ مشكلة اكمال الصور والاشكال الناقصة والعاب الفك والتركيب‏.‏
‏*‏ قد لا يستطيع تصنيف الاشكال وفقا للون أو الحجم أو الشكل أو الملمس‏.‏
‏*‏ قد لا يستطيع التركيز علي ما يقال له أثناء تشغيل المذياع أو التليفزيون وقد يكون غير قادر علي التركيز علي ما يقوله المعلم بالفصل‏.‏

من حيث القدرة علي التذكر‏:‏ يأخذ فترة أطول من غيره في حفظ المعلومات وتعلمها كحفظ الالوان وأيام الاسبوع‏:‏
‏*‏ لا يستطيع تقديم معلومات عن نفسه أو أسرته‏.‏
‏*‏ قد ينسي ادواته وكتبه أو ينسي أن يكمل واجباته
‏*‏ قد يقرأ قصة ومع نهايتها يكون قد نسي ما قرأه في البداية‏.‏

من حيث التنظيم‏:‏ تظهر غرفة نومه في فوضي
‏*‏ عندما يعطي تعليمات معينة لا يعرف من أين وكيف يبدأ‏.‏
‏*‏ وقد يصعب عليه تعلم وفهم اليمين واليسار‏,‏ فوق وتحت وقبل وبعد‏,‏ الأول والآخر‏,‏ الأمس واليوم‏.‏
‏*‏ عدم ادراكه مدي مساحة المنضدة وحدودها فيضع الاشياء علي الطرف مما يسبب وقوعها كذلك اصطدامه بالاشياء واثناء الحركة‏.‏ وقد يكون اكثر حركة أو أقل حركة من غيره من الأطفال أما من حيث اللغة فقد يكون بطيئا في تعلم الكلام أو النطق بطريقة غير صحيحة‏[‏ ابدال حروف الكلمة‏]‏
‏*‏ وقد يكون متقلب المزاج ورد فعله عنيفا غير متوافق مع الموقف فمثلا يصيح بشكل مفاجئ وعنيف عندما يصاب بالاحباط‏.‏
‏*‏ قد يقوم بكتابة واجباته بسرعة ولكن بشكل غير صحيح أو يكتبها ببطء بدون إكمالها‏.‏

بالنسبة لحل المشكلات‏:‏

قد يصعب عليه تعلم المراحل المتتابعة التي يحتاجها لحل المشكلات الرياضية مثل الضرب والقسمة الطويلة والمعادلات الجبرية وقد لا يجد طرقا مختلفة لحل المشكلة فلا يجد غير طريقة واحدة لحلها‏.‏
‏*‏ وقد يصعب عليه النقل من السبورة أو من الكتاب فيحذف الكلمات أو الحروف‏.‏
‏*‏ قد يتميز خطه بالرداءة وقد يقوم بعمل أخطاء إملائية بسيطة لا تتناسب مع مرحلته العمرية‏.‏

من حيث القدرة علي التذكر‏:‏
‏*‏ تأكد من أن أجهزة السمع لدي طفلك تعمل بشكل جيد
‏*‏ أعطه بعض الرسائل الشفهية ليوصلها لغيره كتدريب لذاكرته ثم زودها تدريجيا‏.‏
‏*‏ دع الطفل يلعب ألعابا تحتاج الي تركيز وبها عدد قليل من النماذج ثم زود عدد النماذج تدريجيا‏.‏
‏*‏ أعط الطفل مجموعة من الكلمات‏[‏ كاشياء‏,‏ أماكن‏,‏ اشخاص‏.‏
‏*‏ دعه يذكر لك كلمات تحمل نفس المعني

‏*‏ في نهاية اليوم أو نهاية رحلة أو بعد قراءة قصة دع الطفل يذكر ما مر به من أحداث‏.‏
‏*‏ تأكد أنه ينظر الي مصدر المعلومة المعطاة ويكون قريبا منها أثناء إعطاء التوجيهات
‏[‏ كالنظر الي عينيه وقت اعطائه المعلومة‏]‏
‏*‏ تكلم بصوت واضح ومرتفع بشكل كاف يمكنه من سماعك بوضوح ولا تسرع في الحديث‏.‏

‏*‏ علم الطفل مهارات الاستماع الجيد والانتباه‏,‏ كأن تقول له‏(‏ اوقف ما يشغلك‏,‏ انظر الي الشخص الذي يحدثك‏,‏ حاول أن تدون بعض الملاحظات‏,‏ اسأل عن أي شيء لا تفهمه‏)‏
‏*‏ استخدم مصطلحات الاتجاهات بشكل دائم في الحديث مع الطفل امثال فوق‏,‏ تحت‏,‏ ادخل في الصندوق‏.‏

من حيث الادراك البصري‏:‏ تحقق من قوة إبصار الطفل بشكل مستمر بعرضه علي طبيب عيون لقياس قدرته البصرية‏.‏
‏*‏ دعه يميز بين احجام الاشياء وأشكالها والوانها مثال الباب مستطيل والساعة مستديرة

القدرة علي القراءة‏:‏
التأكد من أن ما يقرؤه الطفل مناسبا لعمره وامكانياته وقدراته واذا لم يحدث يجب مناقشة معلمه لتعديل المطلوب قراءته‏,‏ أطلب من المعلم أن يخبرك بالاعمال التي يجب أن يقوم بها في المواد المختلفة مثل العلوم والتاريخ و الجغرافيا قبل أعطائه اياها في الفصل حتي يتسني لك مراجعتها معه‏.‏

الممارسات الاجتماعية‏:‏ قد لا يستطيع تقويم نفسه علي حقيقتها فيظن انه قد أجاب بشكل جيد في الامتحان ويصاب بعد ذلك بخيبة أمل‏..‏ وهناك صفات مشتركة بين هؤلاء الأطفال فقد يكون تحصيله ومستواه في بعض المواد جيدا ويكون البعض الآخر ضعيفا‏..‏ وقد يكون قادرا علي التعلم من خلال طريقة واحدة مثلا باستخدام الطريقة المرئية وليست السمعية وقد يتذكر ما قرأه وليس ما سمعه.


ويضيف د‏.‏ بطرس حافظ بطرس ــ مدرس رياض الأطفال أن صعوبات التعلم تعد من الإعاقة التي تؤثر في مجالات الحياة المختلفة وتلازم الإنسان مدي الحياة وعدم القدرة علي تكوين صداقات وحياة اجتماعية ناجحة وهذا ما يجب أن يدركه الوالدان والمعلم والاخصائي وجميع من يتعامل مع الطفل‏,‏ فمعلم الطفل عليه أن يعرف نقاط الضعف والقوة لديه من أجل اعداد برنامج تعلميي خاص به الي جانب ذلك علي الوالدين التعرف علي القدرات والصعوبات التعليمية لدي طفلهما ليعرفا أنواع الأنشطة التي تقوي لديه جوانب الضعف وتدعم القوة وبالتالي تعزز نمو الطفل وتقلل من الضغط وحالات الفشل التي قد يقع فيها‏.‏

‏‏ دور الوالدين تجاه طفلهما ذي صعوبات التعلم‏:‏

‏*‏ القراءة المستمرة عن صعوبات التعلم والتعرف علي أسس التدريب والتعامل المتبعة للوقوف علي الاسلوب الامثل لفهم المشكلة‏.‏
‏*‏ التعرف علي نقاط القوة والضعف لدي الطفل بالتشخيص من خلال الاخصائيين أو معلم صعوبات التعلم ولا يخجلان من أن يسألا عن أي مصطلحات أو أسماء لا يعرفانها‏.‏

‏*‏ إيجاد علاقة قوية بينهما وبين معلم الطفل أو أي اخصائي له علاقة به‏.‏
‏*‏ الاتصال الدائم بالمدرسة لمعرفة مستوي الطفل ويقول د‏.‏ بطرس حافظ‏:‏إن الوالدين لهما تأثير مهم علي تقدم الطفل من خلال القدرة والتنظيم مثلا‏:‏
‏*‏ لا تعط الطفل العديد من الأعمال في وقت واحد واعطه وقتا كافيا لإنهاء العمل ولا تتوقع منه الكمال

‏*‏ وضح له طريقة القيام بالعمل بأن تقوم به أمامه واشرح له ما تريد منه وكرر العمل عدة مرات قبل أن تطلب منه القيام به‏.‏
‏*‏ ضع قوانين وأنظمة في البيت بأن كل شيء يجب أن يرد الي مكانه بعد استخدامه وعلي جميع أفراد الاسرة اتباع تلك القوانين حيث إن الطفل يتعلم من القدوة
‏*‏ تنبه لعمر الطفل عندما تطلب منه مهمة معينة حتي تكون مناسبة لقدراته‏.‏

‏*‏ احرم طفلك من الاشياء التي لم يعدها الي مكانها مدة معينة اذا لم يلتزم بإعادتها أو لا تشتر له شيئا جديدا أو دعه يدفع قيمة ما أضاعه‏.‏
‏*‏ كافئه اذا أعاد ما استخدمه واذا انتهي من العمل المطلوب منه

‏*‏ لا تقارن الطفل بإخوانه أو أصدقائه خاصة أمامهم
‏*‏ دعه يقرأ بصوت مرتفع كل يوم لتصحح له أخطاءه وأخيرا يضيف د‏.‏ بطرس حافظ بطرس أن الدراسات والابحاث المختلفة قد أوضحت أن العديد من ذوي صعوبات التعلم الذين حصلوا علي تعليم اكاديمي فقط خلال حياتهم المدرسية وتخرجوا في المرحلة الثانوية لن يكونوا مؤهلين بشكل كاف لدخول الجامعة ولا دخول المدارس التأهيلية المختلفة أو التفاعل مع الحياة العملية‏,‏ ولهذا يجب التخطيط مسبقا لعملية الانتقال التي سوف يتعرض لها ذوو صعوبات التعلم عند الخروج من الحياة المدرسية الي العالم الخارجي
الخيارات المتعددة لتوجيه الطالب واتخاذ القرار الذي يساعد علي إلحاقه بالجامعة أو حصوله علي عمل وانخراطه في الحياة العملية أو توجيه نحو التعليم المهني‏,‏ وعند اتخاذ مثل هذا القرار يجب أن يوضع في الاعتبار ميول الطالب ليكون مشاركا في قرار كهذا‏.‏

اعدتها للانترنت:الاتاذة طوق الياسمين .المرجع كتبت ـ ميرفت عثمان من جريدة الاهرام المصرية.المصدر

https://www.werathah.com/special/scho...ifficulty1.htm


كيف التعرف على من لدية صعوبات تعلم

DYSLEXIA
الديسلكسيا
طريقتي في معاملة التلاميذ الذين يعانون من الديسلكسيا( صعوبة القراءة )

الاسلوب الأمثل لمواجهة صعوبات التعلم لدي الاطفال
اضطراب القراءة النمائي

أساليب لتنمية مهارات القراءة ( المطالعة)

تطوير مهارات التصور في عملية التهجئة

مقترحات علاجية للضعف القرائي والكتابي

اضطراب مهارة الحساب النمائي
بعض الاستراتيجيات المستخدمة في جدول الضرب

القصور التعليمي و الفشل المدرسي

اللعب يحقق للطفل توازنه النفسي

التعلم باللعب

اللعب والنمو التطوري للطفل

طريقة تمثيل الأدوار Role .playing method

كيفية اختيار لعبة الطفل
كيف تقوي ذاكرتك

تنـمـية الذكاء عند الأطفال
للمختصين فقط


ماهي صعوبات التعلم


الواقع أن هناك العديد من التعاريف لصعوبات التعلم، ومن أشهرها أنها الحالة التي يظهر صاحبها مشكلة أو أكثر في الجوانب التالية:
القدرة على استخدام اللغة أو فهمها، أو القدرة على الإصغاء والتفكير والكلام أو القراءة أو الكتابة أو العمليات الحسابية البسيطة، وقد تظهر هذه المظاهر مجتمعة وقد تظهر منفردة. أو قد يكون لدى الطفل مشكلة في اثنتين أو ثلاث مما ذكر.

فصعوبات التعلم تعني وجود مشكلة في التحصيل الأكاديمي (الدراسي) في مواد القراءة / أو الكتابة / أو الحساب، وغالبًا يسبق ذلك مؤشرات، مثل صعوبات في تعلم اللغة الشفهية (المحكية)، فيظهر الطفل تأخرًا في اكتساب اللغة، وغالبًا يكون ذلك متصاحبًا بمشاكل نطقية، وينتج ذلك عن صعوبات في التعامل مع الرموز، حيث إن اللغة هي مجموعة من الرموز (من أصوات كلامية وبعد ذلك الحروف الهجائية) المتفق عليها بين متحدثي هذه اللغة والتي يستخدمها المتحدث أو الكاتب لنقل رسالة (معلومة أو شعور أو حاجة) إلى المستقبل، فيحلل هذا المستقبل هذه الرموز، ويفهم المراد مما سمعه أو قرأه. فإذا حدث خلل أو صعوبة في فهم الرسالة بدون وجود سبب لذلك (مثل مشاكل سمعية أو انخفاض في القدرات الذهنية)، فإن ذلك يتم إرجاعه إلى كونه صعوبة في تعلم هذه الرموز، وهو ما نطلق عليه صعوبات التعلم.

إذن الشرط الأساسي لتشخيص صعوبة التعلم هو وجود تأخر ملاحظ، مثل الحصول على معدل أقل عن المعدل الطبيعي المتوقع مقارنة بمن هم في سن الطفل، وعدم وجود سبب عضوي أو ذهني لهذا التأخر (فذوي صعوبات التعلم تكون قدراتهم الذهنية طبيعية)، وطالما أن الطفلة لا يوجد لديها مشاكل في القراءة والكتابة، فقد يكون السبب أنها بحاجة لتدريب أكثر منكم حتى تصبح قدرتها أفضل، وربما يعود ذلك إلى مشكلة مدرسية، وربما (وهذا ما أميل إليه) أن يكون هذا جزء من الفروق الفردية في القدرات الشخصية، فقد يكون الشخص أفضل في الرياضيات منه في القراءة أو العكس. ثم إن الدرجة التي ذكرتها ليست سيئة، بل هي في حدود الممتاز.

ويعتقد أن ذلك يرجع إلى صعوبات في عمليات الإدراك نتيجة خلل بسيط في أداء الدماغ لوظيفته، أي أن الصعوبات في التعلم لا تعود إلى إعاقة في القدرة السمعية أو البصرية أو الحركية أو الذهنية أو الانفعالية لدى الفرد الذي لديه صعوبة في التعلم، ولكنها تظهر في صعوبة أداء هذه الوظائف كما هو متوقع.

ورغم أن ذوي الإعاقات السابق ذكرها يظهرون صعوبات في التعلم، ولكننا هنا نتحدث عن صعوبات التعلم المنفردة أو الجماعية، وهي الأغلب التي يعاني منها طفلك.

و تشخيص صعوبات التعلم قد لا يظهر إلا بعد دخول الطفل المدرسة، وإظهار الطفل تحصيلاً متأخرًا عن متوسط ما هو متوقع من أقرانه -ممن هم في نفس العمر والظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية- حيث يظهر الطفل تأخرًا ملحوظًا في المهارات الدراسية من قراءة أو كتابة أو حساب.

وتأخر الطفل في هذه المهارات هو أساس صعوبات التعلم، وما يظهر بعد ذلك لدى الطفل من صعوبات في المواد الدراسية الأخرى يكون عائدًا إلى أن الطفل ليست لديه قدرة على قراءة أو كتابة نصوص المواد الأخرى، وليس إلى عدم قدرته على فهم أو استيعاب معلومات تلك المواد تحديدًا.

والمتعارف عليه هو أن الطفل يخضع لفحص صعوبات تعلم إذا تجاوز الصف الثاني الابتدائي واستمر وجود مشاكل دراسية لديه. ولكن هناك بعض المؤشرات التي تمكن اختصاصي النطق واللغة أو اختصاصي صعوبات التعلم من توقع وجود مشكلة مستقبلية، ومن أبرزها ما يلي:

- التأخر في الكلام أي التأخر اللغوي.
- وجود مشاكل عند الطفل في اكتساب الأصوات الكلامية أو إنقاص أو زيادة أحرف أثناء الكلام.
-ضعف التركيز أو ضعف الذاكرة.
-صعوبة الحفظ.
-صعوبة التعبير باستخدام صيغ لغوية مناسبة.
-صعوبة في مهارات الرواية.
-استخدام الطفل لمستوى لغوي أقل من عمره الزمني مقارنة بأقرانه.
-وجود صعوبات عند الطفل في مسك القلم واستخدام اليدين في أداء مهارات مثل: التمزيق، والقص، والتلوين، والرسم.

وغالبًا تكون القدرات العقلية للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم طبيعية أو أقرب للطبيعية وقد يكونون من الموهوبين.

- أما بعض مظاهر ضعف التركيز، فهي::

-صعوبة إتمام نشاط معين وإكماله حتى النهاية.
-صعوبة المثابرة والتحمل لوقت مستمر (غير متقطع).
-سهولة التشتت أو الشرود، أي ما نسميه السرحان.
-صعوبة تذكر ما يُطلب منه (ذاكرته قصيرة المدى).
-تضييع الأشياء ونسيانها.
-قلة التنظيم.
-الانتقال من نشاط لآخر دون إكمال الأول.
-عند تعلم الكتابة يميل الطفل للمسح (الإمحاء) باستمرار.
-أن تظهر معظم هذه الأعراض في أكثر من موضع، مثل: البيت، والمدرسة، ولفترة تزيد عن ثلاثة أشهر.
-عدم وجود أسباب طارئة مثل ولادة طفل جديد أو الانتقال من المنزل؛ إذ إن هذه الظروف من الممكن أن تسبب للطفل انتكاسة وقتية إذا لم يهيأ الطفل لها.

وقد تظهر أعراض ضعف التركيز مصاحبة مع فرط النشاط أو الخمول الزائد، وتؤثر مشكلة ضعف التركيز بشكل واضح على التعلم، حتى وإن كانت منفردة، وذلك للصعوبة الكبيرة التي يجدها الطفل في الاستفادة من المعلومات؛ بسبب عدم قدرته على التركيز للفترة المناسبة لاكتساب المعلومات. ويتم التعامل مع هذه المشكلة بعمل برنامج تعديل سلوك.

ورغم أن هذه المشكلة تزعج الأهل أو المعلمين في المدرسة العادية، فإن التعامل معها بأسلوب العقاب قد يفاقم المشكلة؛ لأن إرغام الطفل على أداء شيء لا يستطيع عمله يضع عليه عبئًا سيحاول بأي شكل التخلص منه، وهذا ما يؤدي ببعض الأطفال الذين لا يتم اكتشافهم أو تشخيصهم بشكل صحيح للهروب من المدرسة (وهذا ما يحدث غالبًا مع ذوي صعوبات التعلم أيضًا إذا لم يتم تشخيصهم في الوقت المناسب).

وليست المشاكل الدراسية هي المشكلة الوحيدة، بل إن العديد من المظاهر السلوكية أيضًا تظهر لدى هؤلاء الأطفال؛ بسبب عدم التعامل معهم بشكل صحيح مثل العدوان اللفظي والجسدي، الانسحاب والانطواء، مصاحبة رفاق السوء والانحراف، نعم سيدي.. فرغم أن المشكلة تبدو بسيطة، فإن عدم النجاح في تداركها وحلِّها مبكرًا قد ينذر بمشاكل حقيقية. ولكن ولله الحمد فإن توفر الاهتمام بهذه المشاكل، والوعي بها، وتوفر الخدمات المناسبة والاختصاصيين المناسبين والمؤهلين يبشر بحال أفضل سواء للطفل أو لأهله.
مع أصدق دعواتي، ورجاء موافاتنا بالتطورات.

اعدها للانترنت:د.عبدالرحمن السويد.منقول من اسلام اونلين.

https://www.werathah.com/special/scho...ifficulty2.htm









رد مع اقتباس
قديم 2011-09-25, 21:02   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

صعوبات التعلم في القراءة



إعداد:د. جميل البابلى



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zatar
اريد مراجع في علم النفس و خاص




أثر برنامج تدريبي معرفي في تنمية مهارات الوعي الصوتي على سرعة القراءة والاستيعاب القرائي لدى طلبة صعوبات التعلم في المرحلة الأساسية بدولة قطر



إعداد: جميل شريف أحمد بابلي



إشراف: الأستاذ الدكتور أحمد أحمد عـواد



نوقشت بجامعة عمان العربية للدراسات العليا، الأردن، 2009م



مقدمة :نوقشت بجامعة عمان العربية للدراسات العليا، الأردن، 2009م



مقدمة :



تشير التقديرات إلى أن الضعف في القراءة ينتشر بنسبة 20 % تقريبا لدى أطفال المدارس الابتدائية، وأن نسبة انتشار هذا الاضطراب لدى البنين أكثر من نسبة انتشاره لدى البنات، وبنسبة تصل إلى الضعف تقريبا ً، وتبلغ نسبة انتشار هذه المشكلة ذروتها في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية ( الخطيب وأخرون ، 2009 ) وهو ما يمثل خطورة بالغة ومشكلة تستدعي الانتباه والاهتمام، ولأن هذه الصفوف الثلاثة تتسم بالنمو السريع في القراءة مقارنة ببقية الصفوف الأخرى مما يجعل من هذا الاضطراب معطلاً لطاقات فطرية متفجرة لدى هؤلاء الأطفال .



وقد يرجع تزايد نسبة الصعوبات في القراءة والضعف فيها إلى طبيعة عملية القراءة وما تتطلبه من عمليات ومهارات . بحيث يعد من المتعارف عليه في التراث النفسي أن القراءة عملية معرفية مركبة حيث تتطلب كفاءة ذهنية عامة وحدة إدراكية Perceptual Acuity )) وتناسقا حركيا وذاكرة وتركيزا ودافعية وثقافة، وقدرة تعبيرية، ودعما أسريا كما تعد القراءة متطلبا رئيسيا للتحصيل الدراسي، ولذلك فإن الأطفال الضعاف في القراءة عادة ما يكونون ضعافا في التحصيل .



وتعتمد القدرة على القراءة على عمليتين أساسيتين لكي يكون الطفل قارئا جيدا ،وهاتان العمليتان هما القدرة على التمييز الصوتي والقدرة على التمييز الشكلي ( Phonological & Form Discrimination) وقد لوحظ أن الأطفال ذوي صعوبات تعلم القراءة غالبا ما يعانون من صعوبة في تمييز الأصوات رغم سلامة السمع لديهم، مثل هؤلاء ما من شك سوف يعانون من عدم القدرة على التركيز فيما يخص المثيرات السمعية ، وهو ما يشير إلى اضطراب سمعي فيما يخص المثيرات السمعية و فيما يخص الشكل والأرضية ، الأمر الذي ينتج عنه صعوبة لدى هؤلاء الأطفال في التمييز بين الكلمات المتشابهة صوتيا ً، حتى ولو كان هذا التشابه يخص التشابه في الوحدات الصوتية الصغرى (الفونيم ) بين الكلمات المتشابهة كصعوبة التمييز بين كلمتين مثل سيف صيف ).







ومن هنا فإننا نجد أن من نتائج العديد من الدراسات والبحوث أن الأطفال الجيدين في القراءة يتسمون بالكفاءة والسرعة في التمييز بين أصوات الحروف والكلمات وبخاصة المتشابهة منها وإذا كانت القدرة على القراءة تتوقف على الكفاءة في سرعة التمييز بين الحروف والكلمات المتشابهة في بعضها أو معظمها، فإننا نود الإشارة إلى أن القدرة على التمييز يوجد بينها وبين عمليتي التحليل والتركيب الصوتي علاقة ارتباطية عالية وموجبة، وهما من العمليات اللازمة للقدرة على القراءة، ولذلك تجد الأطفال ذوي صعوبات القراءة يعانون من قصور واضح في هذه العمليات .( Samuels , 2001 )



ومن الأدلة الأخرى على أن عملية القراءة عملية مركبة نجد حركة العين و النشاط العقلي بنفس الوقت فبالرغم من أن العين تتحرك من اليمين إلى اليسار في النصوص العربية أو من اليسار إلى اليمين في النصوص الإنجليزية ، حيث لا تكتمل الأفكار ولا يتم التمكن من الكلمات إلا بعد أن يتم استكمال أفكار ما تم قراءته Lerner , 2003 ) ) وأن هذه الأفكار وما يتوصل إليها من معان واستنتاجات إنما يتوقف على الوفرة اللغوية لهاديات أوالإطناب في النص المقروء Redundancies ) ( والتي تعني التعبير عن نفس ما في الرسالة من مضمون في صور وأشكال متنوعة، حيث تساهم مثل هذه الاستطرادات في تعزيز وإثراء الرسالة التي يتم التفكير فيها أثناء القراءة، أي أن هذه الوفرة اللغوية هي في حقيقة الأمر هاديات وإلماحات تساعد القارئ في بناء المعنى، ولعل هذا الذي يمكن أن يفسر في ضوئه – في بعض الأحيان – لماذا بعض الأطفال ذوي صعوبات التعلم يقرأون ولايستوعبون ؟



إنهم ببساطة لا يستفيدون مما يوفره سياق النص المقروء من هاديات و إلماحات (Cues) كاشفة للمعنى أو موضحة له، وهذا الأمر يمكن قبوله في مجال صعوبات القراءة إذ غالبا ما يشار إلى أن هؤلاء الأطفال الذين يعانون من اضطراب في واحد أو أكثر من العمليات الأساسية والتي تظهر أثرها في العديد من المجالات ومنها فهم المادة المقروءة والمسموعة .



ومن هنا لا غرو إذا قلنا أن القراءة هي الفهم، وسيلة وغرضا ً ، إذ عادة ما يُعبـَّر عن القراءة بالفهم ، ويعبر عن الفهم القرائي أوالاستيعاب القرائي بالقدرة على الوصول إلى المعنى أو الوصول إلى استنتاج .



وقد وجد من خلال تحليل الأدب النفسي ونتائج البحوث أن الأطفال ذوي صعوبات التعلم في القراءة يعانون من قصور في فهم المادة المقروءة وكذا المسموعة، ولعل ذلك يفسر في ضوء مشكلات العمليات اللغوية لديهم Carlisle , 1990 ) ) حيث يعاني هؤلاء الأطفال من قصور في عمليات :



أولها: التشفير لنظام الرموز الكتابي، أي حساسية ودقة وسرعة الوعي الشعوري بالخصائص الفارقة المميزة بين الأشكال الكتابية أو الإملائية المتشابهة سواء كان ذلك على مستوى الحرف أو الكلمـة .



وثانيها: التشفير الفونيمي ( الصوتي ) أي حساسية ودقة وسرعة الوعي الشعوري بالخصائص الفارقة والمميزة بين الأصوات المتشابهة على مستوى الحرف أو الحرفين أو المقطع الصوتي أو الكلمة،أو التحليل الصوتي، أي الدقة والسرعة في تجزئ الوحدات الصوتية إلى أجزاء صغيرة يمكن التجميع والمزج بينها بسهولة وسرعة، والتوليف الصوتي، وتجهيز السمانتي أو الدلالي أو التجهيز السينتاكتي أي النحوي أو التراكيب اللغوية ( سليمان ، 1996).



( Lerner ,2003 ).



ويشير ستانوفيتش ( Stanovich , 1982 ) إلى أن تشخيص أسباب قصور الفهم لدى الأطفال ذوي صعوبات التعلم في القراءة لا يقف عند حد ما ذكر، بل إن من أسباب قصور الفهم لدى هؤلاء الأطفال إنما يرجع إلى القصور في عمليات ما وراء المعرفة **** Cognitive Process ويبدو أن مهارات التجهيز غير المناسبة التي يعتمد عليها الأطفال ذوو صعوبات التعلم في القراءة تؤثر تأثيرا ً سلبيا ًومطردا ً في تطور ونمو الاستراتيجيات الأساسية في تجهيز اللغة .



وهو ما يفسر أيضا ً لماذا مثل هؤلاء الطلاب يعانون من قصور واضح في فهم المادة المقروءة ، ( Carlisle , 1990 ) ؛ لأنه من المعروف أن فهم المادة المقروءة إنما يعتمد على مكونين رئيسيين : المكون الأول هو القيام بعمل تمثيلات عقلية لقضايا النص، وهو ما يمثل الجانب التطبيقي لعمليات فهم اللغة، أما المكون الثاني: فهو مكون المعالجة العقلية Cognitive Procees وهو المكون الذي يتمثل في تفعيل الاستراتيجيات المناسبة لفهم النص ، وذلك كما يتم تمثل معلوماته في الذاكرة ( Talada , 2007 ) وهو ما يشير إلى أن عملية القراءة عملية نشطة يكون القارئ خلالها مشاركا ً فاعلا ً، بحيث يتفاعل ما هو موجود في النص ومخزون لديه من معلومات ومعرفة سابقة حول ما يقرأه ومن هنا تشير ليرنر (Lerner , 1997 ) إلى أن فهم النص يتضمن تفاعلا نشطا مع النص .



ويرى العديد من الباحثين أنه توجد عمليتان تستخدمان في القراءة وأن اتباع الفرد لأي من العمليتين إنما يتوقف على طبيعة وخصائص ما يتم قراءته، وما إذا كان المقروء بسيطا ومألوفا ً أم مركبا وغريبا ، وهاتان العمليتان تتمثلان في :







أولا ً: التعرف المباشر على الكلمة ككل ( Direct Recognition ) :



وفي هذه الطريقة فإن القارئ عادةً ما يلجأ إليها في القراءة عندما تكون الكلمة المطلوب قراءتها كلمة مألوفة، هنالك فإن القارئ يتعرف عليها من خلال السرعة الفائقة للإدراك الكلي لشكلها ونطقها وذلك من خلال قراءة الكلمة ككل .



ثانيا ً: القراءة الصوتية أو الفونيمية للكلمة Phonetic Reading ) ):



وهي طريقة القراءة الصوتية أو الفونيمية حيث عادة ما يلجأ القارئ إلى هذه الطريقة عندما تواجهه كلمة غير شائعة، هنالك يعمد القارئ إلى التعرف على حروف هذه الكلمة حرفاً حرفاَ ، ورد هذه الرموز الحرفية إلى مقابلها الصوتي ، ثم محاولة القارئ تجميع الفونيمات ، أي أصوات الحروف في وحدات صوتية ، ثم التوليف بين هذه الوحدات الصوتية تمهيدا ً للنطق النهائي للكلمة .



ولعل خير مثال كي نفرّق بين الطريقة الأولى والثانية هو أن تقارن بنفسك كيفية قراءتك لكلمة مألوفة مثل : سيارة وكلمة غير مألوفة مثل : أنلزمكموها.



2010-11-24 22:16:06
اضيف بواسطة : الاستاذ الدكتور احمد احمد عواد - الاردن


https://www.spjou.com/newslist.php?id=86










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:43

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc