أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) مناقبه وخلافته - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) مناقبه وخلافته

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-18, 13:05   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
islem310
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااااااااااا









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-01-19, 01:28   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
حسين3033
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

رضي الله عنه وأرضاه اللهم احشرنا مع الصحابة










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-21, 20:27   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

تنبيه:



قد شاع في بعض الكتب نسبة قول لبعض المحدثين بعدم صحة الحديث في فضائل معاوية، فهذا غير دقيق؛ لأن لعلماء الحديث اصطلاحًا قديمًا في تقسيم الحديث إلى صحيح وضعيف فقط، فالصحيح عندهم هو ما ثبت عدالة رواته وتمام ضبطهم واتصال السند، فلا يدخل فيه إلا قسم الصحيح لذاته عند المتأخرين، وما سوى ذلك يسمونه ضعيفًا باعتبار السند، فيدخل فيه الصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره، فهذه من قسم الضعيف المنجبر بعضها أقوى من بعض، ويدخل فيه الضعيف غير المنجبر([1]).



ولهذا أمثلة كثيرة لأحاديث ضعفها الحفاظ ويعملون بها من باب القبول، ومن هذا الباب قول الإمام البخاري أنه لم يجد في فضائل معاوية شيئًا، فقد أجاب عنها ابن حجر بقوله: إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه – أي شرط البخاري – فأكثر الصحابة كذلك، ولكنه أخرج في صحيحه وتاريخه أحاديث صحيحة في فضائل معاوية رضي الله عنه.



إذا تقرر هذا ففضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة مما صح فيه خاصة وما ورد من نصوص في فضل عموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى:]وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[[الحديد: 10].


قال ابن كثير: أي: لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله، وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدًا، فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون، وأما بعد الفتح فإنه قد ظهر الإسلام ظهورًا عظيمًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا؛ ولهذا قال:]أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[ والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة، وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا: صلح الحديبية، وقوله:]وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[يعني المنفقين قبل الفتح وبعده، كلهم لهم ثواب على ما عملوا، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء، كما قال:]لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلًا وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا[[النساء: 95]. وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه؛ فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه، مع تفضيل الأول عليه؛ ولهذا قال: ]وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[ أي: فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذلك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق، وفي الحديث: «سبق درهم مائة ألف»([2]) ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر، رضي الله عنه، له الحظ الأوفر من هذه الآية، فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها. اهـ.


قال القرطبي: «قوله تعالى: ]وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[أي المتقدمون المتناهون السابقة، والمتأخرون اللاحقون، وعدهم الله جميعًا الجنة مع تفاوت الدرجات» ا.هـ.


وقال الطاهر بن عاشور: «وقوله:]وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[ احتراس من أن يتوهم متوهم أن اسم التفضيل مسلوب المفاضلة للمبالغة مثل ما في قول:]قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ[ [يوسف: 33]، أي حبيب إلي دون ما يدعونني إليه من المعصية، وعبر بالحسنى لبيان أن الدرجة هي درجة الحسنى ليكون للاحتراس معنى زائد على التأكيد وهو ما فيه من البيان» ا.هـ.


وقال تعالى: ]وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {74} وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ [الأنفال: 74-75]. وقال تعالى: ]لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {88} أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[ [التوبة: 88-89].


قال الإمام الطحاوي في (عقيدة أهل السنة والجماعة): «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان» ا.هـ.


قال شارحها الشيخ علي بن أبي العز الحنفي رحمه الله([3]): «يشير الشيخ – رحمه الله – إلى الرد على الروافض والنواصب، وقد أثنى الله تعالى على الصحابة هو ورسوله، ورضي عنهم، ووعدهم الحسنى، كما قال تعالى: ]وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[[التوبة: 100]. وقال تعالى: ]مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا[[الفتح: 29]، إلى آخر السورة، وقال تعالى:]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[ [الفتح: 18]. وقال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ[ [الأنفال: 72]، إلى آخر السورة. وقال تعالى ]لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[[الحديد: 10]، وقال تعالى: ]لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9}‏ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[[الحشر: 8-10]، وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم، يستغفرون لهم، ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم، وتتضمن أن هؤلاء هم المستحقون للفيء، فمن كان في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم لا يستحق في الفيء نصيبًا، بنص القرآن، وفي الصحيحين([4]) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحدٍ ذهبًا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»، انفرد مسلم بذكر سب خالد لعبد الرحمن، دون البخاري، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لخالد ونحوه: «لا تسبوا أصحابي»، يعني عبد الرحمن وأمثاله، لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان، فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ومنهم خالد ابن الوليد، وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامهم إلى فتح مكة، وسموا الطلقاء، منهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية، والمقصود أنه نهى من له صحبة آخرًا أن يسب من له صحبة أولًا، لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه، حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية، وإن كان قبل فتح مكة فكيف حال من ليس من الصحابة بحال من الصحابة؟! رضي الله عنهم أجمعين.



والسابقون الأولون – من المهاجرين والأنصار – هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وفي صحيح مسلم عن جابر، قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن ناسًا يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر! فقالت: وما تعجبون من هذا! انقطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر، وروى ابن بطة بإسناد صحيح، عن ابن عباس، أنه قال: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم، خير من عمل أحدكم أربعين سنة، وفي رواية وكيع: خير من عبادة أحدكم عمره، وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»([5]).قال عمران: فلا أدري: أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، الحديث، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة»([6])، وقال تعالى: ]لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ[[التوبة: 117] الآيات، ولقد صدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في وصفهم، حيث قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند الله سيء، وفي رواية: وقد رأى أصحاب محمد جميعًا أن يستخلفوا أبا بكر فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المؤمنين، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين؟ بل قد فضلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد!! لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة.



وقوله: «ولا نفرط في حب أحد منهم»، أي لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم، كما تفعل الشيعة، فنكون من المعتدين، قال تعالى:]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ[ [النساء: 171].


وقوله: «ولا نتبرأ من أحد منهم»، كما فعلت الرافضة! فعندهم لا ولاء إلا ببراء، أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!! وأهل السنة يوالونهم كلهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها، بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصب، فإن ذلك كله من البغي الذي هو مجاوزة الحد، كما قال تعالى:]فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ[ [الجاثية: 17]، وهذا معنى قول من قال من السلف: الشهادة بدعة، والبراءة بدعة، يُروى ذلك عن جماعة من السلف، من الصحابة والتابعين، منهم: أبو سعيد الخدري، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وغيرهم، ومعنى الشهادة: أن يشهد على معين من المسلمين أنه من أهل النار، أو أنه كافر، بدون العلم بما ختم الله له به.



وقوله: وحبهم دين وإيمان وإحسان؛ لأنه امتثال لأمر الله فيما تقدم من النصوص، وروى الترمذي عن عبد الله بن مغفل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي([7]فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه»([8]) ا.هـ.

([1]) قال الحافظ ابن القيم – في كتاب إعلام الموقعين (1/31) في سياق ذكر أصول الإمام أحد التي بنى عليها مذهبه -: «الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته تهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، والعمل به؛ بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرًا يدفعه ولا قول صاحب ولا إجماعًا على خلافه كان العمل به عنده أولى من القياس، وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقة على هذا الأصل من حيث الجملة فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس» ا.هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (18/23 و25): «وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي، ولم تعرف هذه القسمة عن أحدٍ قبله، وقد بين أبو عيسى مراده بذلك. فذكر: أن الحسن قد تعددت طرقه ولم يكن فيهم متهم بالكذب ولم يكن شاذًا وهو دون الصحيح الذي عرفت عدالة ناقليه وضبطهم... وأما من قبل الترمذي من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان: ضعيف ضعفًا لا يمتنع العمل به وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي. وضعيف ضعفًا يوجب تركه وهو الواهي وهذا بمنزلة مرض المريض قد يكون قاطعًا بصاحبه فيجعل التبرع من الثلث، وقد لا يكون قاطعًا بصاحبه وهذا موجود في كلام الإمام أحمد وغيره؛ ولهذا يقولون: هذا فيه لين، فيه ضعف، وهذا عندهم موجود في الحديث» ا.هـ.
وقال العلامة التعانوي في كتابه قواعد في علوم الحديث (ص: 99-100): «قال الحافظ ابن تيمية: إثبات الحسن اصطلاح الترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح، ثم قد يكون متروكًا وهو أن يكون متهمًا بالكذب أو كثير الغلط، وقد يكون حسنًا بأن لا يتهم بالكذب، وهذا معنى قول أحمد: والعمل بالضعيف أولى من القياس» ا.هـ.
فالمشهور أن أول من عرف الحديث الحسن وشهره هو الإمام أبو عيسى الترمذي – رحمه الله – وتعريفه له ينطبق على الحسن لغيره، قال رحمه الله في العلل الصغير له الذي ختم به جامعه: «وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًا، وُيروى من غير وجه» ا.هـ. انظر: العلل في آخر جامع الترمذي (5/758).

([2]) رواه النسائي في السنن (2528)، وصححه ابن خزيمة (2443)، وابن حبان (838 موارد)، والحاكم (1519) من حديث أبي هريرة. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ا.هـ.

([3]) شرح الطحاوية (1/467).

([4]) أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2540).

([5]) أخرجه البخاري (6429)، ومسلم (2533).

([6]) ينظر البخاري (4155)، ومسلم (1857).

([7]) الغرض: الهدف، أي: لا تجعلوهم هدفًا ومرمى ترمونهم بأقوالكم وطعنكم وسبابكم.

([8]) أخرجه أحمد في المسند (20549) وفي فضائل الصحابة (3)، والترمذي (3862)، وابن أبي عاصم في السنة (992)، والروياني في مسنده (882) والبيهقي في الاعتقاد (ص: 207)، والبغوي في شرح السنة (3860)، وصححه ابن حبان (7256)، وحسنه الترمذي، وضعفه غيرهما.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-21, 20:34   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل التاسع: صلاحه وإصلاحاته ورأفته بالرعية



عن قيس بن أبي حازم قال: أخرج معاوية ذراعيه كأنهما عسيبا نخل، فقال: ما الدنيا إلا ما رأينا وجربنا، والله لوددت أني لا أغبر فيكم إلا ثلاث حتى ألحق بالله – تعالى -! قالوا: يا أمير المؤمنين إلى رحمة الله – تعالى – ورضانه، وإلى ما شاء، قد علم الله تعالى إني لم آلو، وما أراد الله – تعالى – أن يغير غيره([1]).


وعن المسور بن مخرمة قال قال معاوية رضي الله عنه: «ما كنت لأخير ما بين الله تعالى وبين ما سواه إلا اخترت الله سبحانه وتعالى على ما سواه»([2]).



وعن ابن أبي حملة، عن أبيه، قال: رأيت معاوية على المنبر، وعليه قباء مرقوع([3]).


وعن أبي هريرة المكتب حباب، قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه، قال: لا والله، ألا بل في عدله([4]).


وعن قتادة، قال: لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي([5]).



وعن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق: ما رأيت بعده مثله – يعني معاوية -([6]).

([1]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/422).

([2]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/423).

([3]) الآحاد والمثاني (1/423).

([4]) السنة، للخلال (667).

([5]) السنة، للخلال (668، 669).

([6]) السنة، للخلال (670).










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-27, 21:28   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل العاشر: في كرمه وجوه وسؤدده



كان رضي الله عنه معدودًا من كرماء الرجال، وأجواد الخلفاء، فعن عبد الله بن بريدة أن الحسن بن علي رضي الله عنه دخل على معاوية رضي الله عنه فقال: لأجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدًا قبلك، ولا أجيز بها أحدًا من العرب بعدك، فأجازه بأربع مائة ألف ألف فقبلها([1]).



وعن عطاء أن عائشة رضي الله عنها بعث إليها معاوية رضي الله عنه بقلادة قومت مائة ألف درهم، فقسمتها بين أمهات المؤمنين لا أدري دنانير أو دراهم([2]).



وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: لا مدينة بعد عثمان، ولا رخاء بعد معاوية رضي الله عنهما([3]).



وعن معمر عن همام بن منبه، قال: سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت رجلًا كان أخلق للملك من معاوية، إن كان الناس ليردون منه على وادي الرحب، ولم يكن كالضيق الحصيص الضجر المتغضب([4]).


قال الخلال: سألت أحمد بن يحيى ثعلب عن حديث ابن عباس: لم يكن معاوية كالضيق الحصيص، فقال: الذي يضبط الأمور. قلت لثعلب: يكون أنه يعني لم يكن ضيق الخلق، قال: يكون في الخلق وغيره، إلا أنه في المال أكثر.



عن أبي إسحاق، قال: لما قدم معاوية عرض الناس على عطية آبائهم حتى انتهى إلي فأعطاني ثلاثمائة درهم([5]).

([1]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/415).

([2]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/418).

([3]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/430).

([4]) رواه الخلال في السنة (677).

([5]) رواه الخلال (676) بسند صحيح.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-28, 07:58   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا على هذا النقل الطيب

فاليوم أصبحنا نسمع من يطعن فيه و على رؤوس المنابر وممن يدعي أنه من اهل السنة والجماعة و الله المستعان

سُئل أبوعبد الرحمن النسائي عن معاويةَ بن أبي سفيان -صاحبِ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ، فقال: «إنما الإسلام كدارٍ لها بابٌ، فبابُ الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابةَ إنما أرادَ الإسلام، كمن نَقرَ البابَ إنما يريدُ دخولَ الدار؛ فمن أراد معاويةَ فإنما أراد الصحابة».
ذكره الحافظ المزي في تهذيب الكمال (1/ 45)

وعن العرباض بن سارية –رضي الله عنه- قال سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ" ،
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (4/127)، وفي "فضائل الصحابة" حديث (1748)، والبزار حديث (2723)، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/251)، وأورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" حديث رقم (3227) وذكر أن جماعة من الصحابة رووا هذا الحديث وهم عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أبي عميرة المزني،ومسلمة بن مُخلَّد، ثم ذكر مع روايات هؤلاء مرسل شُريح بن عُبيد، ومرسل حَرِيز بن عثمان.










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-15, 22:01   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الحادي عشر: في شجاعته




روى ابن أبي عاصم([1]) عن عبد الله بن العلاء، قال: ثغر المسلمون من حائط قيسارية فلسطين ثغرة فتحاماها الناس، فكتب عمر إلى معاوية رضي الله عنه بتوليه قتالها، فتناول اللواء وأنهضه الناس، وتبعوه، فركز لواءه في الثغرة، فقال: أنا بن عنبسة – يريد الأسد -.



ذكر ابن كثير في تاريخه: في وقعة صفين أن عبد الله بن بديل أراد أن يتقدم إلى أهل الشام، فأمره الأشتر أن يثبت مكانه فإنه خير لي، فأبى عليه ابن بديل، وحمل نحو معاوية، فلما انتهى إليه وجده واقفًا أمام أصحابه وفي يده سيفان، وحوله كتائب أمثال الجبال، فلما اقترب ابن بديل تقدم إليه جماعة منهم فقتلوه، وألقوه إلى الأرض قتيلًا، وفرَّ أصحابه منهزمين، وأكثرهم مجروح، فلما انهزم أصحابه قال معاوية لأصحابه: انظروا إلى أميرهم، فجاؤوا إليه فلم يعرفوه فتقدم معاوية إليه، فإذا هو عبد الله بن بديل، فقال معاوية: هذا والله كما قال الشاعر – وهو حاتم الطائي-:



أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها



وإن شمَّرت يومًا به الحرب شمرًا


ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه



قدى الشبر يحمى الأنف أن يتأخرا


كليث هزبر كان يحمي ذماره



رمته المنايا سهمها فتقطرا


ثم حمل الأشتر النخعي بمن رجع معه من المنهزمين، فصدق الحملة حتى خالط الصفوف الخمسة الذين تعاقدوا أن لا يفروا وهم حول معاوية، فخرق منهم أربعة وبقي بينه وبين معاوية صف، قال الأشتر: فرأيت هولًا عظيمًا، وكدت أن أفر فما ثبتني إلا قول ابن الأطنابة وهي أمه من بلقين وكان هو من الأنصار، وهو جاهلي:



أبت لي عفتي وأبى بلائي



وإقدامي على البطل المشيح


وإعطائي على المكروه مالي



وضربي هامة الرجل السميح


وقولي كلما جشأت وجاشت



مكانك تحمدي أو تستريحي


قال: فهذا الذي ثبتني في ذلك الموقف.



والعجب أن ابن ديزيل روى في كتابه أن أهل العراق حملوا حملة واحدة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه، حتى أفضوا إلى معاوية فدعا بفرسه لينجو عليه، قال معاوية: فلما وضعت رجلي في الركاب تمثلت بأبيات عمرو بن الاطنابة:



أبت لي عفتي وأبى بلائي



وأخذي الحمل بالثمن الربيح


وإعطائي على المكروه مالي



وضربي هامة البطل المشيح


وقولي كلما جشأت وجاشت



مكانك تحمدي أو تستريحي


قال: فثبت، ونظر معاوية إلى عمرو بن العاص، فقال: اليوم صبر وغدًا فخر، فقال له عمرو: صدقت، قال معاوية: فأصبت خير الدنيا، وأنا أرجو أن أُصيب خير الآخرة.



وذكر الذهبي عن أبان بن عثمان: كان معاوية رضي الله عنه وهو غلام يمشي مع أمه هند، فعثر، فقالت: قم، لا رفعك الله، وأعرابي ينظر، فقال: لم تقولين له: فوالله إني لأظنه سيسود قومه، قالت: لا رفعه إن لم يسد إلا قومه.



وعن نافع عن بن عمر رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدًا بعد رسول الله أسود من معاوية، قيل: ولا أبو بكر؟ قال: ولا أبو بكر، قد كان أبو بكر خيرًا منه، وكان أسود منه، قيل: ولا عمر؟ قال: والله لقد كان عمر خيرًا منه، ولكنه كان أسود منه، قيل: ولا عثمان؟ قال: والله إن كان عثمان لسيدًا، ولكنه كان أسود منه([2]).



قال الخلال أخبرنا عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول في حديث ابن عمر ما رأيت أحدًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود من معاوية، قال تفسيره: أسخى منه.



قال الخلال: «أخبرني محمد بن مخلد بن حفص العطار، قال: سألت أحمد بن حنبل: فقلت: يا أبا عبد الله أيش معنى السيد؟ قال: السيد الحليم، والسيد المعطي، أعطى معاوية أهل المدينة عطايا ما أعطاها خليفة كان قبله» ا.هـ([3]).


وأما حلمه رضي الله عنه فهذا هو البحر في صفاته رضي الله عنه قال السيوطي: كان يضرب بحلمه المثل، وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفًا في حلم معاوية.



وقال ابن كثير: وكان حليما وقورا رئيسا سيدا في الناس، كريما عادلا شهما. وقال المدائني عن صالح بن كيسان قال: رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير، فقال: إني لا أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه([4]).


قال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنك فيقول: بماذا؟ فيقول: بالخشب، فيقول: إذن نستقيم([5]).


وقال قبيصة بن جابر: صحبت معاوية، فما رأيت رجلًا أثقل حلمًا ولا أبطأ جهلًا ولا أبعد أناةً منه([6]).

([1]) الآحاد والمثاني (1/429).

([2]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/425)، والخلال في السنة (678).

([3]) السنة، للخلال (679).

([4]) البداية والنهاية (8/126).

([5]) في تاريخ الخلفاء (ص: 172).

([6]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/421).









رد مع اقتباس
قديم 2016-02-27, 20:14   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني عشر

في خلافته وجهاده والفتوحات على يديه وفي عهده



وأما خلافته رضي الله عنه فنذكرها ونمهد قبلها بتمهيد في خلافة النبوة وخلافة الملك:



نظرًا لكثرة الخوض في عرض أمير المؤمنين معاوية لهذا الأمر، وهو خلافته، حتى زعم بعضهم أن سبب هلاك الأمة هو خلافته، وكونها من بعده وراثة لابنه يزيد، نمهد بشيء من أحكام الإمامة، فنقول وبالله التوفيق:



تنازع العلماء في خلافة الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هل يجب أن تكون خلافة نبوة على نهج النبوة، أم يستحب ذلك ويجوز أن تكون ملكًا يجب فيه العدل، كما كان في ملك آل داود وسليمان عليهما السلام.



للعلماء قولان في هذا: فمنهم من قال: الواجب خلافة النبوة، ومنهم من قال: بل الواجب العدل، وتوفر شروط الإمامة، ولو كان ملكًا متوارثًا، وخلافة النبوة مستحبة، وقد قرر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية تقريرًا محررًا لا مزيد عليه في «قاعدة في الخلافة والملك»([1]) وخلاصته:



قال النبي صلى الله عليه وسلم «خلافة النبوة ثلاثون سنة؛ ثم يؤتي الله ملكه – أو الملك – من يشاء»([2]) وهو حديث مشهور عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أهل السنن – كأبي داود وغيره – واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد؛ واستدل به على من توقف في خلافة علي رضي الله عنه؛ من أجل افتراق الناس عليه؛ حتى قال أحمد: من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله؛ ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة وأهل المعرفة والتصوف وهو مذهب العامة.



وإنما يخالفهم في ذلك بعض أهل الأهواء من أهل الكلام ونحوهم: كالرافضة الطاعنين في خلافة الثلاثة أو الخوارج الطاعنين في خلافة الصهرين عثمان وعلى رضي الله عنهما أو بعض الناصبة النافين لخلافة علي أو بعض الجهال من المتسننة الواقفين في خلافته.



ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته وإلى عام ثلاثين سنة([3])، كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام إحدى وأربعين في شهر جمادى الأولى وسمي (عام الجماعة)؛ لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول الملوك.



وفي الحديث: «ستكون خلافة نبوة ورحمة ثم يكون ملك ورحمة ثم يكون ملك وجبرية ثم يكون ملك عضوض»([4])، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور في «السنن»، وهو صحيح: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة»([5]).


ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكًا؛ ولم يكونوا خلفاء الأنبياء، بدليل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر»؛ قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول؛ ثم أعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم»([6]).


فقوله: «فتكثر» دليل على من سوى الراشدين، فإنهم لم يكونوا كثيرًا، وأيضًا قوله: «فوا ببيعة الأول فالأول» دل على أنهم يختلفون؛ والراشدون لم يختلفوا، وقوله: «فأعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم» دليل على مذهب أهل السنة؛ في إعطاء الأمراء حقهم؛ من المال والمغنم...والغرض هنا بيان جماع الحسنات والسيئات الواقعة بعد خلافة النبوة في الإمارة وفي تركها؛ فإنه مقام خطر؛ وذلك أن خبره بانقضاء خلافة النبوة فيه الذم للملك والعيب له؛ لاسيما وفي حديث أبي بكرة: أنه استاء للرؤيا، وقال: خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء([7]).


ثم النصوص الموجبة لنصب الأئمة والأمراء، وما في الأعمال الصالحة التي يتولونها من الثواب حمد لذلك، وترغيب فيه؛ فيجب تخليص محمود ذلك من مذمومه، وفي حكم اجتماع الأمرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خيرني بين أن أكون عبدًا رسولًا وبين أن أكون نبيًا ملكًا فاخترت أن أكون عبدًا رسولًا»([8]) فإذا كان الأصل في ذلك شوب الولاية؛ من الإمارة والقضاء والملك، هل هو جائز في الأصل والخلافة مستحبة؟ أم ليس بجائز إلا لحاجة من نقص علم، أو نقص قدرة بدونه؟



فنحتج بأنه ليس بجائز في الأصل بل الواجب خلافة النبوة لقوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها؛ وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فكل بدعة ضلالة»([9]) بعد قوله: «من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا» فهذا أمر وتحضيض على لزوم سنة الخلفاء، وأمر بالاستمساك بها، وتحذير من المحدثات المخالفة لها، وهذا الأمر منه والنهي: دليل بين في الوجوب.



وأيضًا فكون النبي صلى الله عليه وسلم استاء للملك بعد خلافة النبوة دليل على أنه متضمن ترك بعض الدين الواجب، وقد يحتج من يجوز الملك بالنصوص التي منها قوله لمعاوية: «إن ملكت فأحسن»([10]) ونحو ذلك، وفيه نظر! ويحتج بأن عمر أقر معاوية لما قدم الشام على ما رآه من أبهة الملك، لما ذكر له المصلحة فيه فإن عمر قال: لا آمرك ولا أنهاك، ويقال في هذا: إن عمر لم ينهه؛ لا أنه أذن له في ذلك؛ لأن معاوية ذكر وجه الحاجة إلى ذلك، ولم يثق عمر بالحاجة، فصار محل اجتهاد في الجملة.



فهذان القولان متوسطان، أن يقال: الخلافة واجبة، وإنما يجوز الخروج عنها بقدر الحاجة، أو أن يقال: يجوز قبولها من الملك بما ييسر فعل المقصود بالولاية ولا يعسره؛ إذ ما يبعد المقصود بدون لابد من إجازته، وأما ملك فإيجابه أو استحبابه محل اجتهاد، وهنا طرفان:

([1]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (35/18، وما بعدها).

([2]) أخرجه أبو داود (4648)، والترمذي (4649)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (3341).

([3]) أي من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تمام الثلاثين سنة الواردة في الحديث.

([4]) رواه الدارمي (2/2114)، والطبراني في المعجم الكبير (1/157)، ح(368). والعضوض الذي فغيه ظلم وعسف.

([5]) سيأتي.

([6]) أخرجه البخاري (3455)، ومسلم (1842).

([7]) أخرجه أحمد (20445) وفي فضائل الصحابة (573) وأبو داود (4635)، والترمذي (2287)، والنسائي في فضائل الصحابة (33)، وسنده حسن وله شواهد.

([8]) أخرجه أحمد (7160) وأبو يعلى (6105) وعن ابن حبان في «صحيحه» (6365) والطبراني في الكبير (13309) بسند صحيح عن أبي هريرة قال: «جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك قال: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا قال جبريل: تواضع لربك يا محمد قال: «بل عبدا رسولا».

([9]) أخرجه أحمد (17145)، وأبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجة (43) والدارمي (96) وابن حبان (5) والحاكم (1/95-97) بسند صحيح من حديث العرباض بن سارية ت. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الهروي: وهذا من أجود حديث في أهل الشام. وقال البزار: حديث ثابت صحيح. وقال ابن عبد البر: حديث ثابت. وقال الحاكم: صحيح ليس له علة. وصححه الضياء المقدسي في جزء إتباع السنن واجتناب البدع.

([10]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (31358)، والطبراني في المعجم الكبير (19/361) ح(850)، والأوسط (5500)، والبيهقي في دلائل النبوة (2761) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عبد الملك بن عمير، قال: «قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لي: «يا معاوية، إن ملكت فأحسن». قال البيهقي: إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف عند أهل المعرفة بالحديث» ا.هـ.










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-05, 17:33   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أحدهما: من يوجب ذلك في كل حال وزمان وعلى كل أحد ويذم من خرج عن ذلك مطلقا أو لحاجة كما هو حال أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وطوائف من المتسننة والمتزهدة.



والثاني: من يبيح الملك مطلقًا؛ من غير تقيد بسنة الخلفاء؛ كما هو فعل الظلمة والإباحية وأفراد المرجئة، وتحقيق الأمر أن يقال:



انتقال الأمر عن خلافة النبوة إلى الملك، إما أن يكون لعجز العباد عن خلافة النبوة، أو اجتهاد سائغ، أو مع القدرة على ذلك علمًا وعملًا؛ فإن كان مع العجز علمًا أو عملًا كان ذو الملك معذورًا في ذلك، وإن كانت خلافة النبوة واجبة مع القدرة؛ كما تسقط سائر الواجبات مع العجز كحال النجاشي لما أسلم، وعجز عن إظهار ذلك في قومه؛ بل حال يوسف الصديق تشبه ذلك مع بعض الوجوه؛ لكن الملك كان جائزًا لبعض الأنبياء كداود وسليمان ويوسف([1])، وإن كان مع القدرة علمًا وعملًا، وقدر أن خلافة النبوة مستحبة ليست واجبة، وأن اختيار الملك جائز في شريعتنا كجوازه في غير شريعتنا: فهذا التقدير إذا فرض أنه حق فلا إثم على الملك العادل أيضًا، وهذا الوجه قد ذكره القاضي أبو يعلى في «المعتمد» لما تكلم في تثبيت خلافة معاوية، وبنى ذلك على ظهور إسلامه، وعدالته، وحسن سيرته، وأنه ثبتت إمامته بعد موت علي رضي الله عنه لما عقدها الحسن له، وسمي ذلك (عام الجماعة)، وذكر حديث عبد الله بن مسعود: «تدور رحا الإسلام على رأس خمس وثلاثين»([2]) قال: قال أحمد في رواية ابن الحكم: يروي عن الزهري أن معاوية كان أمره خمس سنين لا ينكر عليه شيء؛ فكان هذا على حديث نبي صلى الله عليه وسلم خمس وثلاثين سنة: قال ابن الحكم: قلت لأحمد: من قال حديث ابن مسعود «تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين» إنها من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لقد أخبر هذا، وما عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يصف الإسلام بسير هو بالجناية إنما يصف ما يكون بعده من السنين، قال: وظاهر هذا من كلام أحمد أنه أخذ بظاهر الحديث؛ وأن خلافة معاوية كانت من جملة الخمس والثلاثين، وذكر أن رجلا سأل أحمد عن الخلافة، فقال: كل بيعة كانت بالمدينة فهي خلافة نبوة لنا، قال القاضي: وظاهر هذا: أن ما كان بغير المدينة لم يكن خلافة نبوة.



قلت: نصوص أحمد على أن الخلافة تمت بعلي كثيرة جدًا، ثم عارض القاضي ذلك بقوله: «الخلافة ثلاثون سنةً، ثم تصير ملكًا» قال السائل: فلما خص الخلافة بعده بثلاثين سنة، كان آخرها آخر أيام علي، وأن بعد ذلك يكون ملكًا، دل على أن ذلك ليس بخلافة فأجاب القاضي: بأنه يحتمل أن يكون المراد به الخلافة التي لا يشوبها ملك بعده ثلاثون سنة، وهكذا كانت خلافة الخلفاء الاربعة و[خلافة] معاوية، قد شابها الملك.



وليس هذا قادحًا في خلافته، كما أن ملك سليمان لم يقدح في نبوته، وإن كان غيره من الأنبياء فقيرًا.



قلت: فهذا يقتضي أن شوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا وأن ذلك لا ينافي العدالة وإن كانت الخلافة المحضة أفضل، وكل من انتصر لمعاوية وجعله مجتهدًا في أموره ولم ينسبه إلى معصية: فعليه أن يقول بأحد القولين: إما جواز شوبها بالملك، أو عدم اللوم على ذلك، فيتجه إذًا... ([3]) قال: إن خلافة النبوة واجبة، فلو قدر فإن عمل سيئة فكبيرة، وإن كان دينًا، أو لأن الفاسق من غلبت سيئاته حسناته، وليس [معاوية] كذلك، وهذا رحمة بالملوك العادلين، إذ لهم في الصحابة من يقتدى به.



وأما أهل البدع كالمعتزلة: فيفسقون معاوية لحرب علي وغير ذلك، بناء على أنه فعل كبيرة وهي توجب التفسيق فلابد من منع إحدى المقدمتين، ثم إذا ساغ هذا للملوك، ساغ للقضاة والأمراء ونحوهم، وأما إذا كانت خلافة النبوة واجبة وهي مقدورة، وقد تركت: فترك الواجب سبب للذم والعقاب، ثم هل تركها كبيرة أو صغيرة؟ إن كان صغيرة لم يقدح في العدالة، وإن كان كبيرة ففيه القولان.



لكن يقال هنا: إذا كان القائم بالملك والإمارة يفعل من الحسنات المأمور بها ويترك من السيئات المنهي عنها ما يزيد به ثوابه على عقوبة ما يتركه من واجب أو يفعله من محظور، فهذا قد ترجحت حسناته على سيئاته، فإذا كان غيره مقصرًا في هذه الطاعة التي فعلها مع سلامته عن سيئاته، فله ثلاثة أحوال إما أن يكون الفاضل من حسنات الأمير أكثر من مجموع حسنات هذا أو أقل، فإن كان فاضله أكثر، كان أفضل، وإن كان أقل، كان مفضولًا، وإن تساويا تكافآ، هذا موجب العدل، ومقتضى نصوص الكتاب والسنة في الثواب والعقاب، وهو مبني على قول من يعتبر الموازنة والمقابلة في الجزاء، وفي العدالة أيضًا، وأما من يقول: إنه بالكبيرة الواحدة يستحق الوعيد، ولو كان له حسنات كثيرة عظيمة: فلا يجيء هذا، وهو قول طائفة من العلماء في العدالة([4])، والأول أصح على ما تدل عليه النصوص. انتهى المقصود من كلام ابن تيمية باختصار.



قال أبو بكر بن العربي([5]): فإن قيل: ألم يكن في الصحابة أقعد بالأمر من معاوية؟
قلنا: كثير، ولكن معاوية اجتمعت فيه خصال، وهي أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند والظهور على العدو وسياسة الخلق. وقد شهد له في صحيح الحديث بالفقه، وشهد بخلافته في حديث أم حرام أن ناسا من أمته يركبون ثبج البحر الأخضر ملوكًا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، وكان ذلك في ولايته، ويحتمل أن تكون مراتب في الولاية خلافة ثم ملك. فتكون ولاية الخلافة للأربعة، وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية. وقد قال الله في داود – وهو خير من معاوية -: ]وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ[[البقرة: 251] فجعل النبوة ملكا. فلا تلتفتوا إلى أحاديث ضعف سندها ومعناها. ولو اقتضت الحال النظر في الأمور لكان – والله أعلم – رأى آخر للجمهور، ولكن انعقدت البيعة لمعاوية بالصفة التي شاءها الله، على الوجه الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحًا له، راضيًا عنه، راجيًا هدنة الحال فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([6]). وقد تكلم العلماء في إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه، فليست المسألة في الحد الذي تجعله فيه العامة، وقد بيناها في موضعها. اهـ.



أما عن خلافة معاوية رضي الله عنه، فإنه بعد تلك الحروب والفتن التي جرت بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وتنازع أهل العراق وأهل الشام، ومقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ثم اجتماع الناس على معاوية رضي الله عنه، في (عام الجماعة) عندما تنازل السبط الصالح الحسن بن علي لمعاوية عن الخلافة، اجتمع الناس عليه بالمبايعة، واجتماع المسلمين.



وذلك أنه لما قتل الخوارج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ بايع أهل العراق ابنه الحسن رضي الله عنه، وتجهزوا لقصد الشام في كتائب أمثال الجبال، وكان الحسن سيدًا، كبير القدر، يرى حقن الدماء، ويكره الفتن، ورأى من العراقيين ما يكره.



قال جرير بن حازم: بايع أهل الكوفة الحسن بعد أبيه، وأحبوه أكثر من أبيه.
وقال ابن شوذب: سار الحسن يطلب الشام، وأقبل معاوية في أهل الشام، فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن جعل له العهد بالخلافة من بعده، فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين! فيقول: العار خير من النار، وصدقت فيه نبوءة جده صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحسن: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([7]).


وعن الحسن البصري رحمه الله قال: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها! فقال له معاوية – وكان الله خير الرجلين -: أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من ولي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش، من بني عبد شمس، عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما وقالا له، فطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها! قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك، ويسألك، قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئًا إلا قالا نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن البصري: ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».



ثم إن معاوية لما أجابه الحسن إلى الصلح، وسر بذلك، دخل هو والحسن الكوفة راكبين، وتسلم معاوية الخلافة في آخر ربيع الآخر، وسمي (عام الجماعة)؛ لاجتماعهم على إمام، وهو عام أحد وأربعين.



وذكر الذهبي([8]) عن علي رضي الله عنه، أنه قال: «لا تكرهوا إمرة معاوية، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر([9]) عن كواهلها».


قال ابن حجر: وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في (الدلائل) من طريقه، ومن طريق غيره، بسندهما إلى الشعبي، قال: لما صالح الحسن بن علي معاوية، قال له معاوية: قم فتكلم، فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقى وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني، أو حق لي تركته، لإرادة إصلاح المسلمين، وحقن دمائهم، وإن أدري لعله فتنة لكم، ومتاع إلى حين، ثم استغفر ونزل.

([1]) يعني أن الملك جائز في شريعتهم، ولا تجب خلافة النبوة، كما قال تعالى عنهم: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[ وقوله: ]وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا[ الآية ثم قال: ]فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[ [البقرة: 251]، وكان الملك قبل ذلك وبعده في ذرية الملوك منهم.

([2]) أخرجه الإمام أحمد (3730)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (383)، وأبو داود السجستاني في السنن (4254)، وأبو يعلى الموصلي (5281)، والحاكم (8589)، وأبو جعفر الطحاوي في المشكل (1609) بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عامًا» فقال عمر: يا رسول الله بما مضى أو بما بقي؟ قال: «بما بقي».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي والألباني.
قال أبو جعفر الطحاوي: فتأملنا هذه الآثار لنقف على المراد بها إن شاء الله فكان قوله صلى الله عليه وسلم: تدور أو تزول رحى الإسلام يريد بذلك الأمور التي عليها يدور الإسلام، وشبه ذلك بالرحى فسماه باسمها، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: بعد خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين ليس على الشك، ولكن على أن يكون ذلك فيما يشاؤه الله لأ من تلك السنين، فشأ لأ أن كان في سنة خمسة وثلاثين، فتهيأ فيها على المسلمين حصر إمامهم، وقبض يده عما يتولاه عليهم مع جلالة مقداره؛ لأنه من الخلفاء الراشدين المهديين حتى كان ذلك سببًا لسفك دمه رضوان الله عليه، وحتى كان ذلك سببًا لوقوع الاختلاف وتفرق الكلمة، واختلاف الآراء، فكان ذلك مما لو هلكوا عليه لكان سبيل مهلك لعظمه، ولما حل بالإسلام منه، ولكن الله ستر وتلافى، وخلف نبيه في أمته من يحفظ دينهم عليهم، ويبقي ذلك لهم» ا.هـ.

([3]) بياض في المخطوطة. كذا في الفتاوى لابن تيمية.

([4]) وهو مذهب الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم!

([5]) العواصم من القواصم (ص: 209).

([6]) سبق تخريجه.

([7]) أخرجه البخاري (2557، 3430، 3536، 6692).

([8]) السير (3/145)، وانظر: البداية (8/131)، وتاريخ الإسلام (2/302).

([9]) أي تسقط وتقع.










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-05, 17:38   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

وأخرج يعقوب بن سفيان، ومن طريقه أيضًا البيهقي في (الدلائل) من طريق الزهري، فذكر القصة وفيها: فخطب معاوية، ثم قال: قم يا حسن، فكلم الناس، فتشهد ثم قال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول وذكر بقية الحديث([1]).



وقال ابن إسحاق: بويع معاوية بالخلافة في ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين، لما دخل الكوفة.



وقال أبو معشر: بايعه الحسن بأذرح، في جمادى الأولى، وهو عام الجماعة.



وعن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، قالت: قدم معاوية، فأرسل إلى عائشة: أن أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره، فأرسلت به معي أحمله، حتى دخلت عليه، فأخذ الأنبجانية، فلبسها، ودعا بماء فغسل الشعر، فشربه، وأفاض على جلده.



وعن الشعبي، قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة، تلتقه قريش، فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك، وأعلى أمرك، فسكت حتى دخل المدينة، وعلا المنبر، فحمد الله، وقال: أما بعد، فإني – والله – وليت أمركم حين وليته، وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي، ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم، ولكن خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد أردت نفسي على عمل أبي بكر وعمر، فلم أجدها تقوم بذلك، ووجدتها عن عمل عمر أشد نفورًا، وحاولتها على مثل سنيات عثمان، فأبت علي، وأين مثل هؤلاء؛ هيهات أن يدرك فضلهم، غير أني سلكت طريقًا لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مواكلة حسنة، ومشاربة جميلة، ما استقامت السيرة، فإن لم تجدوني خيركم، فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قدم علمتموه، فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله، فارضوا ببعضه، فإنها ليست بقائبة قوبها([2])، وإن السيل إن جاء تترى، وإن قل أغنى، إياكم والفتنة، فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال، واستغفر الله لي ولكم، ثم نزل([3]).



وعن ثابت – مولى سفيان بن أبي مريم -، قال: سمعت معاوية رضي الله عنه يقول: «يا أيها الناس، والله ما أنا بخيركم وإن بينكم من هو خير مني، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكن عسى أن أكون أنفعكم لكم ولاية، وأنكاكم في عدوكم، وأدركم حلبًا»([4]).


وعن همام بن منبه، قال سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: ويح ابن أبي سفيان ما رأيت أحدًا كان أخلق لملك منه!، وإن كان الناس ليرجون منه رجاء إلا وجدوه، ولم يكن بالضيق المتغضب ولا الحصر الحصوص([5]).


مسألة: قال أبو بكر بن العربي: فإن قيل: ألم يكن في الصحابة أقعد بالأمر من معاوية؟



قلنا: كثير، ولكن معاوية اجتمعت فيه خصال: وهي أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند والظهور على العدو وسياسة الخلق. وقد شهد له في صحيح الحديث بالفقه، وشهد بخلافته في حديث أم حرام أن ناسا من أمته يركبون ثبج البحر الأخضر ملوكًا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، وكان ذلك في ولايته، ويحتمل أن تكون مراتب في الولاية: خلافة ثم ملك. فتكون ولاية الخلافة للأربعة، وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية. وقد قال الله في داود – وهو خير من معاوية -: ]وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ[[البقرة: 251] فجعل النبوة ملكا. فلا تلتفتوا إلى أحاديث ضعف سندها ومعناها. ولو اقتضت الحال النظر في الأمور لكان – والله أعلم – رأى آخر للجمهور، ولكن انعقدت البيعة لمعاوية بالصفة التي شاءها الله، على الوجه الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحًا له، راضيًا عنه، راجيًا هدنة الحال فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([6]). وقد تكلم العلماء في إمامة المفضول مع وجود من هو أفضل منه، فليست المسألة في الحد الذي تجعله فيه العامة، وقد بيناها في موضعها. اهـ.



قال الحافظ ابن كثير: لم يزل معاوية نائبا على الشام في الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان، وافتتح في سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص وسكنها المسلمون قريبًا من ستين سنة في أيامه ومن بعده، ولم تزل الفتوحات والجهاد قائمًا على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج وغيرها، فلما كان من أمره وأمر أمير المؤمنين على ما كان، لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية، لا على يديه ولا على يدي علي، وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله، وقهر جنده ودحاهم، فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي تداني إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه، فكتب معاوية إليه: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لاصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولا ضيقن عليك الأرض بما رحبت.



فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة.



ثم كان من أمر التحكيم ما كان، وكذلك ما بعده إلى وقت اصطلاحه مع الحسن بن علي كما تقدم، فانعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين كما قدمنا، فلم يزل مستقلًا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو.
قال الإمام أحمد بن حنبل: فتحت قياسرية سنة تسع عشرة، وأميرها معاوية.



وقال يزيد بن عبيدة: غزا معاوية قبرص سنة خمس وعشرين.
وقال سعيد بن عبد العزيز: لما قتل عثمان، ووقع الاختلاف، لم يكن للناس غزو حتى اجتمعوا على معاوية، فأغزاهم مرات. ثم أغزى ابنه يزيد في جماعة من الصحابة برًا وبحرًا، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.



وروى أبو بكر بن أبي مريم: عن ثابت مولى سفيان؛ سمعت معاوية وهو يقول: إني لست بخيركم، وإن فيكم من هو خير مني: ابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما، ولكني عسيت أن أكون أنكاكم في عدوكم، وأنعمكم لكم ولاية، وأحسنكم خلقًا([7]).



وعن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة أخبره: أنه وفد على معاوية، فقضى حاجته، ثم خلا به، فقال: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة؟ قال: دعنا من هذا وأحسن. قال: لا والله، لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي. قال مسور: فلم أترك شيئا أعيبه عليه إلا بينت له. فقال: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا يا مسور ما نلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب، وتترك الإحسان؟ قال: ما تُذكر إلا الذنوب. قال معاوية: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم تُغفر؟ قال: نعم. قال: فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني، فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن – والله – لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره، إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها. قال: فخصمني. قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه. يعني ترحم عليه.



ولكن الذهبي عن ابن شهاب: قدم عمر الجابية، فبقى على الشام أميرين؛ أبا عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، ثم توفي يزيد، فنعاه عمر إلى أبي سفيان، فقال: ومن أمرت مكانه؟ قال: معاوية، فقال: وصلتك – يا أمير المؤمنين – رحم.



وقال خليفة بن خياط: ثم جمع عمر الشام كلها لمعاوية، وأقره عثمان – رضي الله عنهم أجمعين -.



قال الذهبي معلقًا: «حسبك بمن يؤمره عمر، ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويرضي الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرةً منه، وكذلك فليكن الملك، وساد وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه، وسعة نفسه، وقوة دهائه، ورأيه، وكان محببًا إلى رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجه أحد في دولته([8])، بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وفارس، والجزيرة، واليمن، والمغرب، وغير ذلك» ا.هـ.



وعن إسماعيل بن أمية: أن عمر رضي الله عنه أفرد معاوية رضي الله عنه بالشام، ورزقه في الشهر ثمانين دينارًا.



والمحفوظ: أن الذي أفرد معاوية بالشام عثمان رضي الله عنه.



ولما قدم عمر الشام رضي الله عنه، تلقاه معاوية في موكب عظيم، وهيئة، فلما دنا منه، قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: نعم. قال: ولم تفعل ذلك؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يرهبهم، فإن نهيتني، انتهيت. قال: يا معاوية! ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلت حقًا، إنه لرأي أريب، وإن كان باطلًا، فإنه لخدعة أديب. قال: فمرني. قال: لا آمرك، ولا أنهاك. فقيل: يا أمير المؤمنين! ما أحسن ما صدر عما أوردته. قال: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه. وقال المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية، قال: هذا كسرى العرب.



وعن المقبري؛ قال عمر: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى، وتدعون معاوية؟([9]).


وعن عمر بن يحيى بن سعيد الأموي، عن جده، قال: دخل معاوية على عمر، وعليه حلة خضراء، فنظر إليها الصحابة قال: فوثب إليه عمر بالدرة، وجعل يقول: الله الله يا أمير المؤمنين! فيم فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع. فقالوا: لم ضربته، وما في قومك مثله؟ قال: ما رأيت وما بلغني إلا خيرًا، ولكن رأيته – وأشار بيده([10]) – فأحببت أن أضع منه.

([1]) فتح الباري (13/63).

([2]) القائبة: البيضة، والقوب: الفرخ، يقال: قابت البيضة: إذا انفلقت عن الفرخ.

([3]) السير (3/149).

([4]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/420).

([5]) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/422).

([6]) سبق تخريجه.

([7]) السير (3/151).

([8]) أي لم يثر عليه أحد ويفسد عليه دولته.

([9]) السير (3/135).

([10]) يعني مرتفعًا بلباسه.










رد مع اقتباس
قديم 2016-04-30, 12:43   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

مسألة: فإن قيل: فقد عهد إلى يزيد وليس بأهل للخلافة؟


فالجواب كما قال الإمام القاضي عبد الرحمن بن خلدون المالكي: والذي دعا معاوية رضي الله عنه لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع واتفاق أهوائهم، باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم. فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها. وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهوال الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا لعدالته. وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا مما يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجل من ذلك، وعدالتهم مانعة منه.



ثم قال ابن خلدون بعد كلام طويل: «أفلا ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق، وسماه الرضا، كيف أنكرت العباسية ذلك، ونقضوا بيعته وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي، وظهر من الهرج والخلاف، وانقطاع السبل، وتعدد الثوار والخوارج، ما كاد يصطلم الأمر حتى بادر المأمون من خراسان إلى بغداد، ورد أمرهم لمعاهده»([1]) ا.هـ.


وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ولم يختلفوا في أن عقد الإمامة تصح بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمة عند موته ولم يقصد بذلك هوى. ا.هـ([2]).


وقال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله([3]): لسنا ننكر، ولا تبلغ بنا الجهالة، ولا لنا في الحق حمية جاهلية، ولا تنطوي على غل لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل نقول: ]رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[ إلا أن نقول: إن معاوية تلك الأفضل في أن يجعلها شورى، وألا يخص بها أحد من قرابته فكيف ولدًا، وأن يقتدي بما أشار به عبد الله بن الزبير في الترك أو الفعل، فعدل إلى ولاية ابنه وعقد له البيعة([4])، وبايعه الناس، وتخلف عنها من تخلف، فانعقدت البيعة شرعًا، لأنها تنعقد بواحد، وقيل باثنين.



فإن قيل: ليس فيه شروط الإمامة. قلنا: ليس السن في شروطها، ولم يثبت أنه يقصر يزيد عنها.



فإن قيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلًا ولا عالمًا. قلنا: وبأي شيء نعلم عدم علمه، أو عدم عدالته([5])؟ ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء الذين أشاروا عليه بأن لا يفعل([6])، وإنما رموا إلى الأمر بعيب التحكم، وأرادوا أن تكون شورى.



فإن قيل: كان هناك من هو أحق منه عدالةً وعلمًا، منهم مائة وربما ألف.
قلنا: إمامة المفضول، مسألة خلاف بين العلماء، ذكرها العلماء في موضعها([7]).
وقد حسم البخاري الباب، ونهج جادة الصواب، فروى في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقدم، وهو أن معاوية خطب وابن عمر حاضر في خطبته، فيما رواه البخاري عن عكرمة بن خالد أن ابن عمر قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف([8]). قلت: قد كان من الأمر ما ترين، قلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت: «الحق، فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة». فلم تدعه حتى ذهب. فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة: فلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدماء، وتحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان، فقال حبيب: حفظت وعصمت([9]).

([1]) تاريخ ابن خلدون (1/211).

([2]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/129).

([3]) في العواصم من القواصم (ص: 228، وما بعدها).

([4]) عدل عن الوجه الأفضل لما كان يتوجس من الفتن والمجازر إذا جعلها شورى، وقد رأى القوة والطاعة والنظام والاستقرار في الجانب الذي فيه ابنه.

([5]) أما عن العدالة فقد شهد له محمد بن علي بن أبي طالب في مناقشته لابن مطيع عند قيام الثورة على يزيد في المدينة فقال عن يزيد: ما رأيت منه ما تذكرون. وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبًا على الصلاة، متحريًا للخير، يسأل عن الفقه، ملازمًا للسنة. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (8/233).

([6]) وهم ابن عمر والحسين وابن الزبير.

([7]) قال أبو محمد ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/126): ذهبت طوائف من الخوارج وطوائف من المعتزلة وطوائف من المرجئة منهم محمد بن الطيب الباقلاني ومن اتبعه وجميع الرافضة من الشيعة إلى: أنه لا يجوز إمامة من يوجد في الناس أفضل منه، وذهبت طائفة من الخوارج وطائفة من المعتزلة وطائفة من المرجئة وجميع الزيدية من الشيعة وجميع أهل السنة إلى أن الإمامة جائزة لمن غيره أفضل منه، قال أبو محمد: وما نعلم – لمن قال إن الإمامة لا تجوز إلا لأفضل من يوجد – حجة أصلًا لا من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من صحة عقل ولا من قياس ولا قول صاحب! وما كان هكذا فهو أحق قول بالاطراح…إلخ.

([8]) أي: وذوائبها تقطر ماءًا.

([9]) رواه البخاري (4108).









رد مع اقتباس
قديم 2016-04-30, 12:47   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

وروى البخاري أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة» وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن نبايع رجلًا على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال. وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه([1]).



فانظروا معشر المسلمين إلى ما روى البخاري في الصحيح، وإلى رواية بعضهم أن عبد الله بن عمر لم يبايع! وأن معاوية كذب! وقال: قد بايع، وتقدم إلى حرسه يأمره بضرب عنقه إن كذبه. وهو قد قال في رواية البخاري: «قد بايعناه على بيع الله ورسوله»، وما بينهما من التعارض، وخذوا لأنفسكم بالأرجح في طلب السلامة، والخلاص بين الصحابة والتابعين، فلا تكونوا ولم تشاهدوهم – وقد عصمكم الله من فتنتهم – ممن دخل بلسانه في دمائهم، فيلغ فيها ولوغ الكلب بقية الدم على الأرض بعد رفع الفريسة بلحمها، ولم يلحق الكلب منها إلا بقية دم سقط على الأرض.



وروى الثبت العدل عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان شرًا صبرنا.



وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استخلف يزيد بن معاوية فقال: تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، ولا أفقهها فيها فقهًا، ولا أعظمها فيها شرفًا، وأنا أقول ذلك، ولكن والله، لأن تجتمع أمة محمد أحب إلى من أن تفترق، أرأيتم بابًا دخل فيه أمة محمد ووسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو كان دخل فيه؟ قلنا: لا، قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم لا أريق دم أخي ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتيك من الحياء إلا خير»([2]).


فهذه الأخبار الصحاح كلها تعطيك أن ابن عمر كان مسلمًا في أمرة يزيد، وأنه بايع وعقد له والتزم ما التزم الناس، ودخل فيما دخل فيه المسلمون، وحرم على نفسه ومن إليه بعد ذلك أن يخرج على هذا أو ينقضه.



وظهر لك أن أقول من قال: إن معاوية كذب في قوله: «بايع ابن عمر»، ولم يبايع، وأن ابن عمر وأصحابه سئلوا فقالوا: «لم نبايع» فقد كذب.



وقد صدق البخاري في روايته قول معاوية على المنبر: «إن ابن عمر قد بايع»، بإقرار ابن عمر ذلك، وتسليمه له، وتماديه عليه.
فأي الفريقين أحق بالصدق إن كنتم تعلمون؟ الفريق الذي فيه البخاري، أم الذي فيه غيره؟ فخذوا لأنفسكم بالأحزم والأصح، أو اسكتوا عن الكل، والله يتولى توفيقكم وحفظكم.



والصاحب الذي كنى عنه (حميد بن عبد الرحمن) هو ابن عمر، والله أعلم. وإن كان غيره فقد أجمع رجلان عظيمان على هذه المقالة وهي تعضد ما أصلنا لكم من أن ولاية المفضول نافذة وإن كان هنالك من هو أفضل منه إذا عقدت له. ولما في حلها – أو طلب الأفضل – من استباحة ما لا يباح، وتشتيت الكلمة، وتفريق أمر الأمة.



فإن قيل: كان يزيد خمارًا. قلنا: لا يحل إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه بل شهد العدول بعدالته، فروى يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد، قال الليث: توفى أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا! فسماه الليث أمير المؤمنين بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم، ولولا كونه عنده كذلك ما قال إلا توفى يزيد. انتهى كلام ابن العربي([3]).



قال ابن كثير: ولما رجع أهل المدينة من عند يزيد، مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية([4])، فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته، وأقمت عنده، فرأيته مواظبًا على الصلاة، متحريًا للخير، يسأل عن الفقه، ملازمًا للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعًا لك، فقال: وما الذي خاف منى أو رجا، حتى يظهر إلي الخشوع أفأطلعكم على ما تكرون من شرب الخمر؟ فئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا، قالوا: إنه عندنا لحق، وإن لم يكن رأيناه، فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: ]إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[، ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا، قال: ما أستحل القتال على ما تريدونني عليه تابعًا ولا متبوعًا، قالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت، قالوا: فقم معنا مقاما تحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله آمر الناس بما لا أفعله، ولا أرضاه، إذًا ما نصحت لله في عباده، قالوا: إذًا نكرهك، قال: إذًا آمر الناس بتقوى الله، ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة» ا.هـ([5]).

([1]) أخرجه البخاري (11/7).

([2]) أخرجه البخاري بلفظ: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، رقم (6117)، ومسلم (37).

([3]) العواصم (ص: 228-232).

([4]) هو محمد بن علي بن أبي طالب، والحنفية أمه، كانت من بني حنيفة.

([5]) البداية والنهاية (8/233).










رد مع اقتباس
قديم 2016-04-30, 17:32   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
AZEZKADI
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااا رائع










رد مع اقتباس
قديم 2016-05-07, 10:39   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثالث عشر

في موقف المسلم من الفتنة التي جرت بين الصحابة



تمهيد:



الواجب على المسلم أن يكون عفيف اللسان، سليم القلب للمسلمين عامةً ولأصحاب رسول الله خاصة، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك في حقهم، وأكد عليه في سياق ذكر من يستحق الفيء من المسلمين، وأنهم ثلاثة أصناف، المهاجرون والأنصار ومن جاء بعدهم ممن تبعهم وترحم عليهم، فقال:]مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7} لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9}‏ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[ [الحشر: 7-10].


قال القرطبي في تفسريه: «قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ[ يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة، قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاث منازل: المهاجرون، والذين تبوءوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد ألا تخرج من هذه المنازل. وروى مصعب بن سعيد قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت منزلة، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. وعن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه، أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول في عثمان؟ فقال له: يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم: ]لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ[الآية قال: لا! قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنت من قوم قال الله فيهم: ]وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ[ الآية قال: لا! قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام! وهي قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ[ الآية وقد قيل: إن محمد بن علي بن الحسن رضي الله عنهما روي عن أبيه: أن نفرًا من أهل العراق جاءوا إليه فسبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم عثمان رضي الله عنه، فأكثروا فقال لهم: أمن المهاجرون الأولين أنتم؟ قالوا: لا، فقال: أفمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم؟ فقالوا: لا، فقال: قد تبرأتم من هذين الفريقين! أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله سبحانه وتعالى: ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[، قوموا، فعل الله بكم وفعل!! ذكره النحاس.



هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة؛ لأنه جعل لمن بعدهم حظًا في الفيء ما أقاموا على محبتهم، ومولاتهم، والاستغفار لهم، وأن من سبهم، أو واحدًا منهم، أو اعتقد فيه شرًا، إنه لا حق له في الفيء، رُوي ذلك عن مالك وغيره.



قال مالك: من كان يبغض أحدًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ[ الآية. أُمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.



قال ابن عباس رضي الله عنه: أمر الله تعالى بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أنهم سيفتنون.



وقال عائشة رضي الله عنها: أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد، فسببتموهم، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها»([1]).



وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعن الله أشركم»([2]) وقال العوام بن حوشب: أدركت صدر هذه الأمة يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب، ولا تذكروا ما شجر بينهم، فتجسروا الناس عليهم.



وقال الشعبي: تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ فقالوا أصحاب موسى، وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب عيسى، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا تثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله بسيف دمائهم، وإدحاض حجتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة([3]). انتهى كلام القرطبي رحمه الله([4]).



وقال الحافظ ابن كثير([5]): وقوله:]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ[هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم المهاجرون ثم الأنصار، ثم التابعون بإحسان، كما قال في آية براءة:]وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ[ [التوبة: 100] فالتابعون لهم بإحسان هم: المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريم: ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ[أي القائلين: ]رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا[أي بغضًا وحسدًا ]لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة: أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب؛ لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: ]رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[.



وقال ابن أبي حاتم: حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أُمروا أن يستغفروا لهم، فسبوهم! ثم قرأت هذه الآية: ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ[ الآية: وقال إسماعيل بن علية، عن عبد الملك بن عمير، عم مسروق، عن عائشة قالت: أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها» رواه البغوي([6]). اهـ.


وقال البغوي: قوله سبحانه وتعالى ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ[يعني التابعين، وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان والمغفرة، ]وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا[ غشًا وحسدًا وبغضًا، ]لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[من كان في قلبه غل على أحدٍ من الصحابة، ولم يترحم على جميعهم، فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية؛ لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاث منازل: المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله، فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجًا من أقسام المؤمنين. قال ابن أبي ليلى: «الناس على ثلاثة منازل: الفقراء المهاجرين، والذين تبوءوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد أن لا تكون خارجًا من هذه المنازل» ا.هـ.
قال الإمام أبو بكر الحميدي في كتاب (أصول السنة) ([7]): «والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم، فإن الله سبحانه وتعالى قال: ]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ[فلن يؤمن إلا بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو تنقصهم، أو أحدًا منهم، فليس على السنة، وليس له في الفيء حق. أخبرنا بذلك غير واحدٍ عن مالك بن أنس، أنه قال: قسم الله – تعالى – الفيء، فقال: ]لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ[، ثم قال:]وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا[ الآية، فمن لم يقل هذا لهم فليس ممن جعل له الفيء» ا.هـ.


قال الإمام أحمد بن حنبل في رسالته في (أصول السنة) رواية عبدوس العطار: «ومن الحجة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساويهم، والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدًا منهم، أو تنقصه، أو طعن عليهم، أو عرض بعيبهم، أو عاب أحدًا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث، مخالف لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا؛ بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة» ا.هـ([8]).


وقال تعالى:]مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[ [الفتح: 29].



يخبر – تعالى – عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم ]أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ[أي جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، ]رُحَمَاء بَيْنَهُمْ[ أي متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك ]تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا[أي وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.



]يَبْتَغُونَ[ بتلك العبادة]فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا[أي هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.



]سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ[ أي قد أثرت العبادة – من كثرتها وحسنها – في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم.



]ذَلِكَ[ المذكور ]مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ[ أي هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.



وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم ]كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ[ أي أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.



]فَاسْتَغْلَظَ[ ذلك الزرع، أي قوي وغلظ، ]فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ[ جمع ساق،]يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ[ من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهما، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال:]لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال. ثم قال:]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[ فالصحابة رضي الله عنهما، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة.

([1]) سيأتي تخريجه.

([2]) أخرجه الطبراني في الأوسط (8362).

([3]) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (8/1461-1462) وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: (1/23-26) عن ابن شاهين في كتاب اللطيف من السنة، وخشيش بن أصرم في كتابه، ومن طريقه أبو عمرو الطلمنكي في كتابه الأصول.

([4]) الجامع في أحكام القرآن للقرطبي (20/372-375).

([5]) تفسير القرآن العظيم (8/73).

([6]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (15/125)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/21): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف. ويشهد له ما أخرجه مسلم في التفسير [من صحيحه] عن عروة قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي! أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم.

([7]) المطبوع في ذيل مسنده.

([8]) انظر: طبقات الحنابلة (1/29) ط. الفقي.










رد مع اقتباس
قديم 2016-05-10, 18:31   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

قال ابن كثير: «قال مالك – رحمه الله -: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نوه الله بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال هاهنا:]ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ[، ثم قال: ]وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ[: ]أَخْرَجَ شَطْأَهُ[أي فراخه،]فَآزَرَهُ[ أي شده ]فَاسْتَغْلَظَ[أي شب وطال، ]فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ[أي فكذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم آزروه، وأيدوه، ونصروه، فهم معه كالشطء مع الزرع، ]لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[.



ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك – رحمه الله، في رواية عنه – بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك. والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم. ثم قال: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم[ «من» هذه لبيان الجنس([1])، ]مَّغْفِرَةً[ أي: لذنوبهم. ]وَأَجْرًا عَظِيمًا[ أي ثوابًا جزيلًا ورزقًا كريمًا، ووعد الله حق وصدق، لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل.


والواجب على المسلم

السكوت عما شجر بينهم، وعدم سبهم



عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»([2]).


وهذا هو دأب الصالحين من هذه الأمة، فقد كان عمر بن عبد العزيز إذا سئل عن صفين والجمل، قال: أمر أخرج الله يدي منه، لا أدخل لساني فيه([3]).



وعن أحمد بن الحسن الترمذي، قال: سألت أبا عبد الله [يعني أحمد بن حنبل]، قلت: ما تقول فيما كان من أمر طلحة والزبير وعلي وعائشة، وذكر معاوية، فقال: من أنا؟ أقول في أصحاب رسول الله كان بينهم شيئًا! الله أعلم([4]).



وعن حنبل بن عم الإمام أحمد قال: أردت أن أكتب كتاب صفين والجمل عن خلف بن سالم، فأتيت أبا عبد الله أكلمه في ذاك، وأسأله، فقال: وما تصنع بذاك، وليس فيه حلال ولا حرام، قال حنبل: فأتيت خلف فكتبتها، فبلغ أبا عبد الله فقال لأبي: خذ الكتاب فاحبسه عنه، ولا تدعه ينظر فيه([5]).



وعن أبي الحارث قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قال: «خير الناس قرني» فلا يُقاس بأصحابه أحد من التابعين. وقال أبو عبد الله: من تنقص أحدًا من أصحاب رسول الله فا ينطوي إلا على بلية، وله خبيئة سوء إذا قصد إلى خير الناس، وهم أصحاب رسول الله، حسبك([6]).



أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: حدثني عبد الصمد، قال: قال بشر: قال عبد الله بن إدريس: لو أن الروم سبوا من المسلمين من الروم إلى الحيلة، ثم ردهم رجل في قلبه شيء على أصحاب محمد، ما قبل الله منه ذلك([7]).



عن أبي عروة الزبيري، قال: ذُكر عند مالك بن أنس رجل ينتقص [يعني ينتقص الصحابة] فقرأ:]مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[ [الفتح: 29]، فقال مالك: «من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد عليه السلام فقد أصابته الآية»([8]).


وعن أبي يعقوب بن العباس، قال: كنا عند أبي عبد الله سنة سبع وعشرين، أنا وأبو جعفر بن إبراهيم، فقال له أبو جعفر: أليس نترحم على أصحاب رسول الله كلهم معاوية وعمرو بن العاص وعلى أبي موسى الأشعري والمغيرة، قال: نعم كلهم، وصفهم الله في كتابه، فقال:]سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ[([9]).


وقال الخلال([10]): أخبرنا أبو بكر المروذي قال: قيل لأبي عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – ونحن بالعسكر وقد جاء بعض رسل الخليفة – وهو يعقوب – فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيما كان من علي ومعاوية رحمهما الله؟ فقال أبو عبد الله: ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين.



وقال: بشر بن الحارث الحافي: خطأ أصحاب محمد عليه السلام موضوع عنهم([11]).



قال أبو بكر المروذي سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل: إن قومًا يكتبون هذه الأحاديث الرديئة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حكوا عنك أنك قلت أنا لا أنكر أن يكون صاحب حديث يكتب هذه الأحاديث يعرفها فغضب، وأنكره إنكارًا شديدًا! وقال: باطل معاذ الله! أنا لا أنكر هذا؟ لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته! فكيف في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! وقال: أنا لم أكتب هذه الأحاديث! قلت لأبي عبد الله: فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الديئة ويجمعها أيهجر؟ قال: نعم، يستاهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم! وقال أبو عبد الله: جاءني عبد الرحمن بن صالح، فقلت له: تحدث بهذه الأحاديث! فجعل يقول: قد حدث بها فلان، وحدث بها فلان! وأنا أرفق به، وهو يحتج، فرأيته بعد فأعرضت عنه ولم أكلمه([12]).


وقال أبو بكر المروذي سمعت ابن نمير يقول سمعت أبي يقول سمعت الأعمش يقول وذكر حديثه الذي ينكرونه، فقال كنت أحدثهم بأحاديث يقولها الرجل لأخيه في الغضب([13]) فاتخذوها دينًا([14])، لا جرم لا أعود لها([15]).



وقال أبو بكر المروذي: قلت لأبي عبد الله استعرت من صاحب حديث كتابًا يعني فيه الأحاديث الرديئة، ترى أن أحرقه أو أخرقه! قال: نعم لقد استعار سلام بن أبي مطيع من أبي عوانة كتابًا فيه هذه الأحاديث فأحرق سلام الكتاب! قلت: فأحرقه؟ قال: نعم([16]).


قلت: هذا – والله – الفقه، لأن هذه الكتب كتب بدعة محرمة، والمحرم لا يعد مالًا محترمًا، ولا يحل بيعه، كما قال الفقهاء في كتب المجون والبدع، فقد ذهب الفقهاء إلى أن الكتب المحرمة يجوز إتلافها([17])، قال فقهاء المالكية: كتب العلم المحرم كالتوراة والإنجيل يجوز إحراقها وإتلافها إذا كانا محرفين. وقال فقهاء الشافعية: يجب إتلاف كتب الكفر والسحر والتنجيم والشعبذة والفلسفة لتحريم الاشتغال بها. ونقل الشيخ عميرة عن «شرح المهذب»: وكتب الكفر والسحر ونحوها يحرم بيعها ويجب إتلافها([18]).


قال الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي في «الإقناع»: ويصح شراء كتب زندقة ليتلفها([19])، يعني أنه لا يجوز ولا يصح إلا بهذا القصد، وهو إتلافها. وفي كتاب «الأسئلة والأجوبة الفقهية»: «يجب إتلاف كتبهم المبدلة دفعًا لضررها، وقياسه كتب نحو رفض واعتزال» ا.هـ([20]).

([1]) أي ليست هنا للتبعيض قال ابن هشام في مغني اللبيب (ص: 421): في ذكر معاني «من»: بيان الجنس وكثيرًا ما تقع بعد «ما» و«مهما» وهما بها أولى لإفراط إبهامهما نحو ]مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا[، وهي مخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال ومن وقوعها بعد غيرهما ]يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ[، الشاهد في غير الأولى فإن تلك للابتداء وقيل زائدة ونحو ]فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ[ وأنكر مجيء من لبيان الجنس قوم وقالوا هي في ]مِن ذَهَبٍ[ و]مِّن سُندُسٍ[ للتبعيض وفي ]مِنَ الْأَوْثَانِ[ للابتداء والمعنى فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو عبادتها وهذا تكلف وفي كتاب (المصاحف) لابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم[، في الطعن على بعض الصحابة! والحق أن «من» فيها «للتبيين» ولا «للتبعيض»، أي الذين آمنوا هم هؤلاء ومثله: ]الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ[ وكلهم محسن ومتق، ]وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[، فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار» ا.هـ.

([2]) أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2540).

([3]) رواه الخلال في السنة (2/461) ح(717).

([4]) السنة، للخلال (2/460) ح(714).

([5]) السنة، للخلال (2/464) ح(723).

([6]) السنة، للخلال (2/477) ح(758).

([7]) السنة، للخلال (2/478) ح(759).

([8]) السنة (2/478) ح(760).

([9]) السنة (2/477) ح(755).

([10]) في كتاب السنة (2/460).

([11]) السنة، للخلال (2/480).

([12]) السنة، للخلال (3/501).

([13]) يعني ما يروى من سباب بعض الصحابة لبعضهم.

([14]) يعني يستدلون بها في التنقص لهم أو بالاقتداء بها. وهي مما لا يقتدى به، لأنه على خلاف الأصل، بل جاءت بمقتضى البشرية وأنهم غير معصومين.

([15]) السنة، للخلال (3/508).

([16]) السنة، للخلال (3/510).

([17]) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (34/192)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل، للشيخ محمد الرعيني الحطاب المالكي (1/287)، ومغني المحتاج، للشيخ محمد الشربيني الشافعي (2/12)، وكشاف القناع، للشيخ منصور البهوتي الحنبلي (3/155).

([18]) حاشية عميرة على شرح المنهاج (2/15).

([19]) انظر: كشاف القناع، للشيخ منصور البهوتي (3/155).

([20]) انظر: كتاب الأسئلة والأجوبة الفقهية، للشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله (3/109).










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أمير, معاوية, المؤمنين, سفيان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:30

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc