الأدب مع الله في القرآن - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الأدب مع الله في القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-04-25, 22:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
moh140
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي الأدب مع الله في القرآن

قال تعالى في سورة الكهف
{ أماالسفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ْ73ْ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ْ74ْ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما( ْ75ْ ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } ( ْ76ْ)الكهف

قول الخضر عليه السلام عن السفينة : ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) هو من التأدب مع الله تعالى ، حيث نسب إرادة العيب إلى نفسه ، ولم ينسبه إلى الله مع أنه هو الذي قدَّره ، تأدباً مع ربه سبحانه .

وأما قوله : ( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) فالإرادة هنا تخصه هو ، وهو نبي ، يفعل عن أمر الله ، كما قال : ( وما فعلته عن أمري ) فناسب ضمير الجمع .

قال القرطبي رحمه الله:

" وقال في الغلام : ( فأردنا ) فكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله تعالى " انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (11 / 40) .

وأما قوله : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )

فهو جار على الأصل من نسبة الخير إلى الله تعالى .

وقد كان من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى قوله : (وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) رواه مسلم (771) .

قال النووي :

" قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى الْأَدَب فِي الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَمَدْحه بِأَنْ يُضَاف إِلَيْهِ مَحَاسِن الْأُمُور دُون مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَة الْأَدَب " انتهى .

قال ابن القيم :

" الطريقة المعهودة في القرآن الكريم هي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى ، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول ، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها للمفعول أدبا في الخطاب ، وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله .

فمنه قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .

[يعني أنه في الإنعام قال : (أنعمت) وفي الغضب قال : (المغضوب عليهم) ولم يقل : غضبت عليهم] .

ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) الشعراء/78-80 . فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى ، ولما جاء إلى ذكر المرض قال : ( وإذا مرضت ) ولم يقل : ( أمرضني ) وقال : ( فهو يشفين ) .

ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) الجن/10 . فنسبوا إرادة الرشد إلى الرب ، وحذفوا فاعل إرادة الشر ، وبنوا الفعل للمفعول .

ومنه قول الخضر عليه الصلاة والسلام في السفينة ( فأردت أن أعيبها ) فأضاف العيب إلى نفسه . وقال في الغلامين : ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) الكهف/82 "

انتهى مختصرا .

"بدائع الفوائد" (2/256) .

" ومثله قوله : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) الحجرات/7 . فنسب هذا التزيين المحبوب إليه ، وقال : ( زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين ... ) آل عمران/14 ، فحذف الفاعل المُزَيِّن "

"بدائع الفوائد" (2/440) .



وقال القرطبي رحمه الله :

" أضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب ؛ لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نقصى ومصيبة ، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح ، وهذا كما

قال تعالى : ( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير " انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (11 / 39-40) .

وقال ابن كثير في "تفسيره" (6 / 146) :

" وقوله : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) أسند المرض إلى نفسه ، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلَقْه ، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا " انتهى .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام ، في قوله تعالى: ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) إلى قوله تعالى: ( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )

لاحظت أنه عند السفينة قال: ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) وعند ذكر الأبوين المؤمنين: ( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) فما الفرق بين التعابير الثلاثة ؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله ؟

فأجاب :

" الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه نبي ، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي ، ولهذا قال: ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) أي : بل عن أمر الله سبحانه وتعالى .

وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: ( إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا ، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ) .

فدل ذلك على أنه من الأنبياء ، ولهذا قال: ( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا )

وقال : ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك .

وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب ، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب ، فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك ; لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه ، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال : ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا )

وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال : ( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه ؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل ( أردنا ) ، وذكر نون الجمع ؛ لأنه نبي ، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول : ( أردنا ) ، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه : ( أردنا ) ، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة .

ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما ، ومنفعة لهما قال : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى ، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن ، حيث قال سبحانه عن الجن : ( وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) الجن/10 ، فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: ( أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى ، لأن الرشد خير فنسبوه إلى الله ، وأما الشر فلا ينسب إليه ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( والشر ليس إليك ) ، وهذا من الأدب الصالح ، من أدب الجن المؤمنين ، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" (1 /109-111) .









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-08-12, 10:31   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
binache
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-12, 11:00   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
قَاسِمٌ.قَاسِم
عضو فضي
 
الصورة الرمزية قَاسِمٌ.قَاسِم
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء المواضيع المميزة 2014 وسام المرتبة الثالثة الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

سلام عليكم طبتم،..
موضوع طيب وممتاز أخي محمد
والأدب مع الله في القرآن يحتاج مؤلفا مستقلا لكثرة المواقف من الأنبياء والصالحين في التأدب مع الله سبحانه..
وقد كتبت يوما عن قصة الخضر مع موسى عليها السلام
ما يقرب من هذا الطرح وللفائدة أنقله-بعد إذن-هنا لمزيد الفائدة بحول الله
تأدب مع الله كأدب هؤلاء(الخضر عليه السلام).

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أردتُ أن أذكر إخواني -من باب وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين-بتأدُّب الخضر عليه السلام مع الله تعالى وذلك من خلال إخباره موسى بما لم يصبر عليه من أمور
الآية الأولى
"أما السفينةُ فكانتْ لمساكينَ يعملونَ في البحرِ فأردتُ أن أَعِيبها وكانَ وراءَهُم ملكٌ يأخذ كل سفينةٍ غصباً"
فنسبَ عليه السلام خرقَ السفينةِ وجَعْلَ العيب فيها لنفسه - مع العلم بأن المريد لذلك هو الله- تأدُّبا مع الله .

الآية الثانية
"وأمَّا الغلامُ فكانَ أبواهُ مُؤمنينِ فخشينَا أن يُرهقهمَا طغيانًا وكفرًا فأردناَ أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رُحما"
في هذه الآية جاء كلامُه بنون الجماعةِ بمعنى أن هناك فعلَ القتل وقد نَسَبَهُ الخضر لنفسه ونسبَ إرادة التبديل لله تعالى تأدُّبًا منه مع الله جل في علاه

الآية الثالثة
"وأما الجدارُ فكان لغلامينِ يتيمينِ في المدينةِ وكان تحتَهُ كنزٌ لهما وكان أبوهما صالحًا فأرادَ ربُّك أن يبلغَا أشدَّهُما ويستخرجَا كنزَهُما رحمةً من ربّك وما فعلتُه عن أمري ذلك تأويلُ ما لم تسطِع عليه صبرًا"
في هذه الآية نسب الإرادة لله وحده لأنها تتعلق ببناءالجدار وهو محمودٌ في نظر الناس بخلاف القتلِ وخرق السفينة وهذا من عظيمِ تأدُّبِه مع الله تعالى
الآيات من سورة الكهف.
دعواتكم الصالحة جزاكم الله كل خير
قاسم.قاسم


سلا..م









رد مع اقتباس
قديم 2014-08-12, 12:43   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
العوفي العوفي
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moh140 مشاهدة المشاركة
قال تعالى في سورة الكهف
{ أماالسفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( ْ73ْ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ( ْ74ْ ) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما( ْ75ْ ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا } ( ْ76ْ)الكهف

قول الخضر عليه السلام عن السفينة : ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) هو من التأدب مع الله تعالى ، حيث نسب إرادة العيب إلى نفسه ، ولم ينسبه إلى الله مع أنه هو الذي قدَّره ، تأدباً مع ربه سبحانه .

وأما قوله : ( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) فالإرادة هنا تخصه هو ، وهو نبي ، يفعل عن أمر الله ، كما قال : ( وما فعلته عن أمري ) فناسب ضمير الجمع .

قال القرطبي رحمه الله:

" وقال في الغلام : ( فأردنا ) فكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله تعالى " انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (11 / 40) .

وأما قوله : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )

فهو جار على الأصل من نسبة الخير إلى الله تعالى .

وقد كان من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى قوله : (وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) رواه مسلم (771) .

قال النووي :

" قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى الْأَدَب فِي الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَمَدْحه بِأَنْ يُضَاف إِلَيْهِ مَحَاسِن الْأُمُور دُون مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَة الْأَدَب " انتهى .

قال ابن القيم :

" الطريقة المعهودة في القرآن الكريم هي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى ، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول ، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها للمفعول أدبا في الخطاب ، وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله .

فمنه قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .

[يعني أنه في الإنعام قال : (أنعمت) وفي الغضب قال : (المغضوب عليهم) ولم يقل : غضبت عليهم] .

ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) الشعراء/78-80 . فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى ، ولما جاء إلى ذكر المرض قال : ( وإذا مرضت ) ولم يقل : ( أمرضني ) وقال : ( فهو يشفين ) .

ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) الجن/10 . فنسبوا إرادة الرشد إلى الرب ، وحذفوا فاعل إرادة الشر ، وبنوا الفعل للمفعول .

ومنه قول الخضر عليه الصلاة والسلام في السفينة ( فأردت أن أعيبها ) فأضاف العيب إلى نفسه . وقال في الغلامين : ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) الكهف/82 "

انتهى مختصرا .

"بدائع الفوائد" (2/256) .

" ومثله قوله : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ) الحجرات/7 . فنسب هذا التزيين المحبوب إليه ، وقال : ( زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين ... ) آل عمران/14 ، فحذف الفاعل المُزَيِّن "

"بدائع الفوائد" (2/440) .



وقال القرطبي رحمه الله :

" أضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب ؛ لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نقصى ومصيبة ، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح ، وهذا كما

قال تعالى : ( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير " انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (11 / 39-40) .

وقال ابن كثير في "تفسيره" (6 / 146) :

" وقوله : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) أسند المرض إلى نفسه ، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلَقْه ، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا " انتهى .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام ، في قوله تعالى: ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) إلى قوله تعالى: ( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )

لاحظت أنه عند السفينة قال: ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) وعند ذكر الأبوين المؤمنين: ( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) فما الفرق بين التعابير الثلاثة ؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله ؟

فأجاب :

" الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه نبي ، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي ، ولهذا قال: ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) أي : بل عن أمر الله سبحانه وتعالى .

وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: ( إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا ، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ) .

فدل ذلك على أنه من الأنبياء ، ولهذا قال: ( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا )

وقال : ( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك .

وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب ، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب ، فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك ; لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه ، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال : ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا )

وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال : ( فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ) كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه ؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل ( أردنا ) ، وذكر نون الجمع ؛ لأنه نبي ، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول : ( أردنا ) ، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه : ( أردنا ) ، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة .

ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما ، ومنفعة لهما قال : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ ) فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى ، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن ، حيث قال سبحانه عن الجن : ( وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) الجن/10 ، فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: ( أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى ، لأن الرشد خير فنسبوه إلى الله ، وأما الشر فلا ينسب إليه ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( والشر ليس إليك ) ، وهذا من الأدب الصالح ، من أدب الجن المؤمنين ، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" (1 /109-111) .













رد مع اقتباس
قديم 2014-08-12, 17:47   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
al3orwa
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك على الموضوع القيم وجازاك كل خير إن شاء الله

غير أنه لم يرد في القرآن الكريم أن الخضر كان نبيا فالله جل وعلا قال :

(( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا))










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأدب, الله, القرآن


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:38

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc