طريق الإهتداء إلى حكم الإئتمام والإقتداء - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

طريق الإهتداء إلى حكم الإئتمام والإقتداء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-03-03, 09:15   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










Hourse طريق الإهتداء إلى حكم الإئتمام والإقتداء

]"]بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أمّا بعد :
فهذه رسالة لطيفة في حكم إقتداء المأموم بالإمام لشيخنا الفقيه أبو عبد المعزّ فركوس أحببت نقلها لطلاّب العلم ذلك أنّه سبق وأن جمعني مجلس ببعض الإخوة من طلاّب العلم فتذاكرنا هذه المسالة فلم يكد المجلس ينقضي حتى ذكرت هذه الرسالة اللطيفة على بعد عهدي بها - عشر سنين - فبحثت عنها حتى وجدتها فعملت على نسخها وإهدائها لكم وقد نسختها على الجهاز في مجالس متفرّقة بعد صلاة الفجر عن سلسلة ( أجوبة فقهية ضمن سلسلة ليتفقهوا في الدين ) العدد الأوّل فالحمد لله ربّ العالمين :
[/size]


طريق الإهتداء إلى حكم الإئتمام والإقتداء

(السؤال)
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أمّا بعد :

فنحن إخوة من أهل الإيمان ، قد أحدثت مسألة متابعة المأموم للإمام تنازعا مشوّشا على جميل العلاقة الأخوية القائمة بيننا في المسجد الواحد ، لذلك نرجو من شيخنا أبي المعز –حفظه الله ونفع به- التفصيل في هذه المسألة وبيان الحق في مدى جواز موافقة المأموم لإمامه في الأمور التي يخالف فيها الإمام الهدي النبوي ، وهل يجب اتباعه والإقتداء به في كلّ أحواله أم تكفي متابعته فيما وافق فيه السّنة المطهّرة فقط ؟
سائلين الله لكم العون والتوفيق.

(الجواب)
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين ، أمّا بعد :
فاعلم أنّ مفاد الأحاديث الصحيحة الواردة في صلاة الجماعة صريحة في وجوب الإئتمام والإقتداء ومتابعة الإمام والنهي عن مسابقته ، وذلك بمراقبة أحواله والإتيان –على إثرها- بنحو فعله ، وعدم جواز مخالفته في شيء من تلك الأحوال التي فصّلتها الأحاديث ، وما لم يرد ذكره من أحوال يلحق بالمذكور إلحاقا قياسيا كالتشهّد وسجود السهو والتسليم والإنصراف ونحو ذلك ، ومن خالفه في شيء من مذكورات الأحاديث اللاحقة فقد أثم ولا تفسد صلاته بذلك إلاّ في تكبيرة الإحرام (1) ، فمن هذه الأحاديث ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه ، فإذا ركع فاركعواا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : اللّهم ربّنا لك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون ) (2) ، وفي لفظ رواه أحمد وأبو داود : (إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ، ولا تكبروا حتى يكبّر ، وإذا ركع فاركعوا ، ولا تركعوا حتى يركع ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللّهم ربّنا لك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد) (3) ، وفي حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( انفكّت قدمه فقعد في مشربة (4) له درجتها من جذوع ، وآلى من نسائه شهرا ، فأتاه أصحابه يعودونه فصلّى بهم قاعدا وهم قيام ، فلمّا حضرت الصلاة الأخرى قال لهم : ائتمّوا بإمامكم ، فإذا صلّى قائما فصلّوا قياما ، وإن صلّى قاعدا فصلّوا قعودا ) (5) ، وفي رواية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( قمنا خلفه فسكت عنّا ، ثمّ أتيناه مرّة أخرى نعوده فصلّى المكتوبة جالسا ، فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا ، فلمّا قضى الصّلاة قال : إذا صلّى الإمام جالسا فصلّوا جلوسا ، وإذا صلّى الإمام قائما فصلّوا قياما ، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها ) (6) .
والمراد بلفظ (إنّما) في الحديث هو حصر الفائدة في الإقتداء بالإمام واتباعه في الأفعال الظاهرة دون الباطنة لأنه لا اطّلاع له عليها فلا يضر الإختلاف فيها كالنيات (7) ، ولو قدرنا شمول الإختلاف المنهي عنه في الحديث لها بقوله صلى الله عليه وسلم فلا تختلفوا عليه ) لكان مخصّصا بقصّة معاذ أنّه ( كان يصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثمّ يرجع إلى قومه فيصلّي بهم تلك الصّلاة) (8) ، وبقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللّذين لم يصلّيا معه : ( إذا صلّليتما في رحالكما ثمّ أتيتما مسجد جماعة فصلّيا معهم فإنّها لكما نافلة ) (9) ، وبحديث : ( من يتصدّق على هذا فيصلّي معه ؟ ) (10) ، ومن ذلك أمره صلى الله عليه وسلم ( لمن أدرك الأئمة الذين يأتون ويؤخّرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلّوها في بيوتهم في الوقت ثمّ يجعلوها معهم نافلة ) (11) ، ومن ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أنّ الإمام يصلّي بكلّ طائفة ركعتين (12) ، وروى الإسماعيلي عن عائشة رضي الله عنها أنّه صلى الله عليه وسلم : ( كان يعود من المسجد فيؤمّ بأهله ) (13) ، ولا يخفى أنّ العموم يبقى حجّة بعد التخصيص على ما هو مقرّر في الأصول (13) .
لكن هل يصحّ الإقتداء بالإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه أو إستحبابه ؟
فالجواب أنّ الإقتداء والإئتمام ليس على إطلاقه ، وإنما يختلف باختلاف نوع الفعل وصفة الإمام المقتدي به . فإن كان الفعل ممّا يتفق عليه المأموم وإمامه حكما واحدا منصوصا عليه أو مجمعا عليه ، فلا يجوز للمأموم متابعته فيما خالف الحكم المتفق عليه إلاّ ما دلّ الدليل على وجزب متابعته كمن نسي التشهد الأول حتى انتصب قائما لم يرجع لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ... وإذا استتم قائما فلا يجلس ، ويسجد سجدتي السّهو ) (14) .
أمّا إذا كان الفعل ممّا يختلف حكمه بين الإمام والمؤتمّ به فينظر إلى صفة الإمام ، فإن كان الإمام مجتهدا – ولو جزئيا- في باب من أبواب الفقه أو على وجه التخصيص في باب الصلاة ولم يكن في المسالة المجتهد فيها ما يعارض حكما منصوصا عليه أو مجمعا عليه ، أو كانت صفة الإمام اتباع ما ظهر له حكم بدليله من الكتاب والسنة والإجماع حيث إنه لا يشترط في الإتباع والعمل بالوحي سوى العلم بما يعمل ، إذ لا يتوقف على تحصيله شروط الإجتهاد أو كان الإمام مقلّدا لغيره في صفة الصلاة ولم يتمكن من تعلّم دينه إلاّ إلاّ بالتزام مذهب معيّن ، أو قلّد من عرف بالعلم والإجتهاد من أهل الدين والصلاح إذ التقليد في حقّه جائز (15) ، أو لم يتبيّن للمقلّد في الحكم المختلف فيه من مسائل الصلاة أو لم يظهر له قول غير مقلّده أرجح من قول مقلّده ، فالواجب على المأموم – في هذه الحالات – أن يقتدي بإمامه في صفة الصلاة وأحوالها ، ويؤيّد ذلك جملة من الأدلة تظهر على ما يأتي :

- الأحاديث السابقة منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه ) ، والإئتمام بالإمام هو أن لا يخالفه في جميع عمله ، قال ابن حزم : ( ومن كبّر قائما والإمام غير قائم فلم يأتمّ به ، فقد صلّى بخلاف ما أمر ) (16) ، ولا يخفى أنّ العمل بأمره صلى الله عليه وسلم هو عمل بالوحي واتباع لسنّته وتأسّ بها ولزوم للطاعة .
ويؤخذ من الحديث – أيضا – تحتّم طاعة ولاة الأمر ومراعاة النظام ، وعدم المخالفة والانشقاق عليهم (17) .

- وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون ) ، وفي رواية : ( وإن صلّى قاعدا فصلّوا قعودا ) ، ففيه الأمر بترك فرض في الصلاة بل ركن وهو القيام لأجل موافقة الإمام في جلوسه وإن لم يكن المأموم معذورا ، فترك ما دونه في الحكم لموافقته أولى .

- وحديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه : ( أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم صلّى بهم الظّهر ، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس ، فقام الناس معه ، حتى إذا قضى الصلاة ، وانتظر النّاس تسليمه ، كبّر وهو جالس ، وسجد سجدتين قبل أن يسلّم ، ثمّ سلّم ) (18) ، وفي رواية البخاري ومسلم : ( يكبّر في كلّ سجدة وهو جالس قبل أن يسلّم وسجدهما النّاس معه مكان ما نسي من الجلوس ) (19) ، ففيه دلالة على وجوب متابعة الإمام وإن ترك واجبا فإنّه صلّى الله عليه وسلّم أقرّهم على متابعته مع تركهم للتشهّد أو الجلوس عمدا ، وفيه دلالة من جهة أخرى على أنّ المؤتمّ يسجد مع إمامه لسهو الإمام لقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( فلا تختلفوا عليه ) ، فهو تابع له في سهوه على أظهر الأقوال (20) .

- وما أخرجه أحمد من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه : ( أنّ موسى بن سلمة قال : إنّا كنّا معكم صلّينا أربعا ، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلّينا ركعتين ، قال : تلك سنّة أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم ) (21) ، وأصله في مسلم بلفظ : ( سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذ لم أصلّ مع الإمام ؟ فقال : ركعتين سنة أبي القاسم صلّى الله عليه وسلّم) (22) ، ووجه دلالة الحديث يفيد أنّ القصر إذا كان في حقّ المسافر واجبا على أرجح أقوال أهل العلم فهو مأمور بترك واجب القصر ويصلي الصلاة تامّة اتباعا لإمامه مالم يكن مسبوقا بركعتين أو ثلاث فهو مخيّر – كما سيأتي – وإذا ترك واجبا من أجل الموافقة فلأنّ يترك ما دونه أولى .
ولأنّ المقلّد تابع للمجتهد في اجتهاده ، فكما يلزم المجتهد العمل بما غلب على ظنّه الحكم إجماعا (23) ، فكذلك المقلّد ، فيلزمه الحكم الذي انتهى إليه المجتهد لأنّ موضع التقليد هو عين موضع الإجتهاد ، فالذي ساغ فيه الإجتهاد من المسائل ساغ التقليد فيه ، وما حرم فيه الإجتهاد حرم فيه التقليد ، وعليه فإن المجتهد إذا أخطأ بترك واجب اعتقد أنه ليس بواجب ، أو فعل محظورا اعتقد أنه ليس محظورا فما دلّت عليه النصوص وإجماع السلف أنّ ولي الأمر وإمام الصلاة والحاكم وأمير الحرب وعامل الصدقة يطاع في مواضع الإجتهاد ، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الإجتهاد بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه (24) ، كما لا يصحّ القطع – من جهة ثانية – بخطإ من خالفه إذا كانت المسألة محتملة ولا سبيل للإنكار عليه ، أو تأثيمه أو تفسيقه ؛ لأنّ كلّ اجتهاد كما يجوز أن يكون صوابا يجوز أن يكون خطأ جريا على قاعدة ( الإجتهاد لا ينقض بمثله ، ولا مساغ للإجتهاد في مورد النصّ ) ، وإنما سبيله الحجّة وبيان المحجّة (25) .
أمّا إذا كان الإمام قد تبيّن له الهدى وظهر له مرجوحية من قلّده وأعرض عن الحقّ بأقوال الإمام المتبوع تعصّبا وانتصارا للمذهب واستغناء عمّا ثبت من الأحاديث الصحيحة بالأحاديث الضعيفة والآراء الباطلة أو الإعتقاد بعصمة الأئمة وأنهم مطّلعون على جميع الأحكام ولم يغب عنهم شيء ، فإنّ التقليد – بعد وضوح الحقّ ومعرفة الدليل – تقليد مذموم شرعا ، قال سبحانه وتعالى : ( وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه ءابآءنآ أو لو كانالشيطن يدعوهم إلى عذاب السعير (61)) [لقمان] ، وغيرها منالآيات البيّنات التي تفيد هذا المعنى (26) ، ذلك لأنه لا يجوز الإجتهاد والتقليد في النصوص الشرعية الصحيحة الواضحة الدلالة السالمة من المعارض ، فمثل هذا لا يحل متابعته بعد قيام الحجّة فيما وقع فيه من محذور الإعراض عن سلوك سبيل الحقّ والتزام العمل بالوحي ، إذ الحقّ لا يترك للباطل ، ولا اتباع لابتداع ، بل إنّ مقتضى توحيد الله والإيمان به توحيد المرسل وتوحيد متابعة الرسول فلا نحاكم إلى غيره ولا نرضى بحكم غيره (27) ، هذا فيما إذا لم يخش بمخالفته للإمام الوقوع في محذور أشدّ كالتفرّق وحدوث فتنة أو الخروج عن وحدة المسلمين أو تشتيت صفّهم وشملهم ، فإنّ مصلحة الجماعة ةالإئتلاف والإعتصام بها أصل من أصول الدّين ، ومفسدة الفرقة والإختلاف أعظم من المسائل الجزئية والفروع الفقهية ، فلا ينبغي أن يقدح في الأصل بحفظ الفرع ، ولذلك كان عبد الله بن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهما يصلون خلف الحجّاج ابن يوسف الثقفي وكان ظالما فاسقا ، وكذلك عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وغيره كانوا يصلّون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان يشرب الخمر حتى إنّه صلّى بهم الصبح مرّة أربعا ثمّ قال : (أزيدكم ؟ فقال ابن مسعود : ما زلنا معك في زيادة) (28) ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال : ( يصلّون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم ) (29) ، وفي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم ) (30) ، ففيه دليل على أنّ الإمام إذا كان مسيئا كأن يدخل في الصلاة مخلاّ بركن أو شرط منها عمدا فهو آثم ولا شيء على المؤتمّين من إساءته ، وقد روى أبو داود : ( صلّ عثمان بمنى أربعا ، فقال عبد الله : صلّيت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ومع عثمان صدرا من إمارته ، ثمّ أتمّها ، ثمّ تفرّقت بكم الطرق ، فلوددت أنّ لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين .
ثمّ إنّ ابن مسعود صلّى أربعا فقيل له : عبت على عثمان ثمّ صليت أربعا ؟ قال : الخلاف شر
) (31) ، وروى أحمد عن أبي ذرّ رضي الله عنه نحوه (32) .
وإلى جانب التعبد لله تعالى بهذه النصوص التشريعية السالفة البيان ، فإنها بجملتها تربي النفس على السمع والطاعة وحسن الإتباع ، فما الخير إلاّ بالإجتماع و الإتلاف ، وما الشرّ إلاّ بالتفرّق والإختلاف والمراء الباطل والتشغيب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، قال تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصابرين (47)) [الأنفال] .
وجدير بالتنبيه أنه اعترض على حكم اتباع المأموم للإمام والإقتداء به في سائر أحواله ببعض الشبهات ، يمكن حصرها في النقاط التالية :

1 – إنّ حديث ( وإذا صلّى قاعدا فصلّوا قعودا أجمعون ) منسوخ بصلاته صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته قاعدا وأبوا بكر والناس وراءه قياما .

2 – والنبي صلى الله عليه وسلم علّل الحكم بعلة التشبّه بفعل الاعاجم تعظّم بعضها بعضا ونسخ القعود دلّ على فساد العلّة .

3 – إنّ (أل) في قوله صلّى الله عليه وسلّم : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ) للعهد الذهني وهي التي يكون ما دخلت عليه معلوما ، أي عهد بين المتكلّم والمخاطب في أنّ المراد بالإمام خصوص النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الائمة الملتزمين بالسنة ، ولا يجوز صرفه عن هذا الاصل إلاّ بقرينة دالّة على إستغراق الجنس ، وبناء عليه فلا يجوز متابعة الإمام فيما يخالف السنّة ولو كان في معتقده انّها السنّة .

4 - حديث ابي هريرة رضي الله عنه محمول على الإقتداء بالإمام في الأحوال التي فصّلتها الأحاديث الظاهرة في أفعاله المعدودة من أركان الصلاة وفرائضها دون الهيئات ؛ لأنّ معنى الحصر فيها هو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عمّا عداه .

5 - ولأنّ الإمام لو صلّى خمسا فغنّ المأموم يفارقه ولا يتابعه ، وكذا لو صلّى المغرب وراء غمام يصلّي العشاء - عند من يرى جواز إختلاف النيّة - فإنه يخالفه في الركعة الأخيرة .

6 - ولأنّ المسافر إذا إئتمّ بمقيم وفسدت صلاته فإنه يجب عليه قضاؤها تامة على الصّفة التي أفسدها ، في حين أنّ الملتزم بالإقتداء إن كان مسبوقا يخالفه في أحواله التي اتبعه عليها بعد الإنصراف من صلاته ، وإذا كان اللازم باطلا فالملزوم مثله .

7 - ولأنّ هذه الفتوى مضطربة وعلى خلاف السّنة المطهّرة ، وهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم المتمثّل في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه مرفوعا : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (33) ، والتمسّك بهديه إحياء للسنّة وإماتة للبدعة .

8 - ليس لهذا الحكم سلف من الأمّة تطمئنّ له النفس .

ويمكن تفنيد هذه الإعتراضات على الوجه التالي :

أوّلا - دعوى نسخ القعود بصلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته مخالفة للأصل ، إذ (الأصل الإحكام وعدم النسخ) ، ويلزم من القول بالنسخ وقوعه مرّتين وهو بعيد ، كما أنّه لا يصار إليه مع إمكان الجمع من غير تكلّف أو تعسّف ، ووجه الجمع تنزيل الحديثين على حالين :

الأولى : إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلّون قعودا .
والثانية : إذا ابتدأ الإمام الراتب صلاته قائما لزم على المأمومين أن يصلّوا خلفه قياما سواء طرا ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا ، ذلك لأنّ الحالة الأولى ابتدأ فيها الصلاة جالسا فلمّا صلّوا خلفه قياما أنكر عليهم ، بخلاف الحالة الثانية فإنّ أبا بكر رضي الله عنه ابتدأ الصلاة قائما وصلّوا معه قياما ، وبه قال أحمد بن حنبل رحمه الله (34) ، كما يمكن الجمع بين القصتين - من جهة أخرى - بأنّ الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره كان لبيان الجواز (35) ، ولا يخفى أنّ العمل بالجمع والتوفيق بين النصوص أولى من النسخ جريا على ما تقرّر في القواعد الأصولية .
ومن زاوية ثانية فإنّ الأحاديث الآمرة بالقعود قولية لم يختف في صحّتها ولا في سياقها ، وأمّا أحاديث صلاته صلى الله عليه وسلم ففعلية إختلف فيها هل كان إماما أم مأموما ، وقد أجمع المسلمون على أنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أولى من موافقة فعل لم يأمرنا بموافقته فيه . قال ابن تيمية في الإقتضاء : ( والصحيح أنّ هذا الحديث محكم ، قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونهم علموا صلاته في مرضه . وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخا له ، على ما هو مقرّر في غير هذا الموضع ، إمّا بجواز الأمرين إذ فعل القيام لا ينافي القعود ، وإمّا بالفرق بين المبتديء للصلاة قاعدا والصلاة التي ابتدأها الإمام قائما لعدم دخول هذه الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإذا صلّى قاعدا ) ، ولعدم المفسدة التي علّل بها ، ولأنّ بناء فعل آخر الصلاة على أوّلها أولى من بنائها على صلاة الإمام ، ونحو ذلك من الأمور المذكورة في غير هذا الموضع ) (36) اه .

ثانيا - أمّا القول بفساد العلّة فمبنيّ على القول بنسخ القعود ، وقد تقدّم أنّ الصحيح عدم النسخ ، ولو قدّر نسخ القعود لما صحّ الإستدلال بفساد تلك العلة ؛ لأنّ الحكم إذا علّل بعلّة ثمّ نسخ مع بقاء العلة فلا بد أن يكون غيرها ترجح عليها وقت النسخ أو ضعف تأثيرها . أمّا أن تكون في نفسها باطلة فهذا محال ، قال شيخ الإسلام : ( ثمّ هذا الحديث - سواء كان محكما في قعود الإمام أو منسوخا - فإنّ الحجّة منه قائمة ؛ لأنّ نسخ القعود لا يدلّ على فساد تلك العلّة ، وإنّما يقتضي أنّه عارضها ما ترجح عليها ، مثل كون القيام فرضا في الصلاة فلا يسقط الفرض بمجرّد المشابهة الصورية ، وهذا محلّ اجتهاد ، وأمّا المشابهة الصورية فإذا لم تسقط فرضا فإنّ تلك العلّة التي علّل بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم تكون سليمة عن معارض أو عن نسخ ، لأنّ القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة فلا يكون محذورا ) (37) .

ثالثا - أمّا المعرّف بالألف واللام فالأصل المقرّر فيه حمله على استغراق الجنس إلاّ أن يقوم دليل على العهد فيحمل عليه على اصحّ الاقوال ، وبه قال معظم العلماء وهو ظاهر كلام الأصوليين ، وحكىابن الصباغ عليه إجماع الصحابة ، ودليله قوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( الأئمّة من قريش ) (38) ، فقد احتجّ أبو بكر رضي الله عنه على الأنصار لما طلبوا الإمامة ، وسلموا تلك الحجّة ولم يخالف منهم أحد ، ولو لم يدل المعرف بلام الجنس على الاستغراق لما صحّت تلك الدلالة ، إذ لو كان معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الأئمّة من قريش ) بعض الأئمة من قريش لوجب أن لا ينافي وجود إمام من قوم آخرين ، ولأنّ المعرّف بالألف واللام ظاهر في تعريف الجنس لعموم فائدته من ناحية أنّ العهد يدخل في الجنس ولا يدخل الجنس في العهد ، لكون الجنس عمومه أكثر فهو بمثابة لفظ العام مع الخاص ، ولما لم يصحّ لفظ العموم إلى الخصوص إلاّ بدليل ، صدق على فرعه بعدم جواز صرف المعرف بالالف واللام عن الإستغراق إلاّ بدليل (39) .
وعلى فرض التسليم أنها للعهد فقد إقترن بها صوارف عدّة صرفتها عن العهد إلى إرادة استغراق الجنس ، كسياط لفظ الحديث وقرائن خارجية كقوله صلى الله عليه وسلم : ( الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم ، وإن أساء فعليه ) (40) ، وحديث : ( الأئمة من قريش ) ، وحديث : ( يصلّون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ) (41) ، ومن ذلك إجماع الأمة على أنه غير محصور بخصوص النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر أئمة الأمة ، ولم يفهم أحد من السلف ولا من الخلف ولا أهل الحديث والفقه الحصر المذكور .
هذا ، ويمكن صرف المعرّف بالألف واللام عن استغراق الجنس وحمله على العهد إذا كان الإمام معلوما ، وتعيّن بين المتكلم والمخاطب ، فيكون من قبيل العهد الحضوري ، لكون الإمام حاضرا بينهم ، وهذا ظاهره - كما لا يخفى - لا يخالف الإستغراق وعموم الجنس الذي تقدّم تقريره .

رابعا : والمراد بالإقتداء هو أن يفعل المأموم مثل فعل إمامه تشبّها به ، وقصره على الأركان دون غيرها قول مبنيّ على مفهوم الحصر وحجّيته مختلف فيها ، والمثبتون للمفهوم يختلفون في تحقّق مقتضاه ، هل يدلّ على نفي الحكم عمّا عدا المنطوق مطلقا سواء كان من جنس المثبت أو لم يكن أو تخصّ دلالته بما إذا كان من جنسه ؟
وفي كلا الأمرين فإنّه يترتّب على حصر الفائدة في الإقتداء بالإمام والإتباع له في الأحوال التي فصّلتها الأحاديث دون ما سواها جواز مخالفة الإمام في غيرها من المذكورات في الحديث كالتسليم والجلوس والتشهّد ونحوها ، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم سلفا ولا خلفا ، وإنّما العلماء يقرّرون إلحاق ما لم يذكر من أحواله في الحديث على ما ذكر إلحاقا قياسيّا كالتسليم مثلا ، لأنّ المأموم تابع لإمامه ، وشأن التابع أن لا يتقدّم على متبوعه في موقفه ولا يساويه ويراقب أحواله ويأتي على إثرها بنحو فعله ( 42) .
هذا ، ولا يخفى أنّ من شروط العمل بمفهوم المخالفة - عند المثبتين له - أن لا يعارضه ما هو أرجح منه ، ولا شكّ أنّ القياس المعمول به يخصّص عموم المفهوم كما يخصّص عموم المنطوق ، فكان العمل به أقوى وأرجح ، ثمّ إنّ استقراء وتفحّص جزئيات متابعة الصحابة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومتابعتهم لأئمتهم من بعده وعدم نقل مخالفتهم الظاهرة مطلقا لا فيما ذكر الحديث ولا فيما لم يذكره ، فإنّه يحصل فيه أمر كلّيّ عامّ ، فيجري في الحكم مجرى العموم ، ذلك أنّ العموم إذ ثبت فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط على ما قرّره الشّاطبي ، وإذا استفيد منه العموم كان ظاهرا في كلّ فرد من أفراده في المتابعة والاقتداء ، وقصره على بعض أجزائه مخالف لهذا الأصل وللإجماع وللقياس ولمقصود الشارع أيضا .

خامسا : أمّا عدم متابعة المأموم للإمام إذا ما وصلّى الرباعية خمسا والثلاثية أربعا فقد تقدّم أنّ الفعل إذا كان ممّا يتّفق عليه المأموم والإمام حكما واحدا منصوصا عليه أو مجمعا عليه فلا يصحّ له متابعته فيه إلاّ ما دلّ دليل على وجوب متابعته فيه ومسألتنا هذه من هذا القبيل .
غير أنّ هذه المسألة كغيرها تحتاج إلى نوع من التفصيل ، ذلك لأنّ مردّ المسألة إلى أنّ الإمام إذا كان متحقّقا من بطلان قول المأمومين فهل يرجع في عدد الصلاة وأفعالها إلى نفسه - وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي - أو إلى إخبار المؤتمين به - وهو قول مالك وأحمد - والراي يقتضي أنّ الإمام غذا كان جازما باكتمال صلاته غير شاكّ فلا يرجع إلاّ غلى نفسه وذكره ، ولا يكفي خبر الواحد من المؤتمين خلفه لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يبن صلاته على قول ذي اليدين وحده ولا على مجرّد إخبار الصحابة وإعلامهم بصدق قول ذي اليدين ؛ لأنّ الصحابة كلّهم عدول ، وإنّما تذكّر هو ولم يبن حتّى تيقّن من ذلك بإخبار الصحابة له ، ولأنّ ذكر المأموم ليس بأولى من ذكر إمامه ، وعلى الإمام اتّباع ما تبيّن له صوابه ، والمؤتمّون وراءه إن كانوا شاكّين في عدد الصلاة وأفعالها فالواجب متابعتهم له لأنّ الشكّ لا يرفع اليقين ويدلّ عليه حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا سلّم قيل له : يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : ( وما ذاك ؟ ) قالوا : صلّيت كذا وكذا ، فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثمّ سلّم ) (43) ، وظاهر الحديث يقتضي أنّ متابعة المأموم للإمام فيما يظنّه واجبا لا تفسد بها صلاته ، ولم يامرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، والمتابعة في حقّ الصحابة رضي الله عنهم كانت لطروء الشكّ فالواجب متابعة الإمام وإن أساء فإنّما هو عليه ، ولا شيء على المؤتمّين من إساءته (44) لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن أخطئوا فلكم وعليهم ) (45) ، أمّا خبر اكثر من الواحد من الواحد أو كون الإمام غير متحقق من بطلان قول المؤتمّين خلفه ، فوجب عندئذ رجوع الإمام إلى إخبارهم ؛ لأنّ قول الجماعة الكثيرة المفيدة للعلم راجح على ظنّ الإمام لوحده ، فنسيانه محتمل وخطؤهم كلية بعيد بل مستحيل .
وفي هذه الحال لا يحلّ للمؤتمّ أن يزيد في صلاته بموافقته للإمام لاتفاق كلّ من الإمام والماموم على عدم مشروعيتها إذ لا يجوّز الإمام في مذهبه هذه الزيادة من ركعة أو سجدة أو إنقاصها ، بل الواجب على المؤتمّ أن يسبّح له خلفه ، فإن لم يقعد انتظره قاعدا حتى يتشهّد بتشهّده ، ويسلّم بتسليمه ، ولا تفسد صلاة الإمام لأنه فعل ما هو واجب في حقّه (46) ، وإذا علم ذلك فلا تكون مخالفته له في هذه المسألة قادحة في أصل الإقتداء والمتابعة .
ومن جهة أخرى وإذا سلّمنا وجود الصور المخالفة لحال الإمام مع مشروعيتها فإنما تأسّست مشروعيتها بدليل منفصل متمثّل في الإجماع الذي أخرجها من عموم وجوب المتابعة ، وتخصيص العموم بمثل هذا وارد فلا تعارض بينهما ألبتة ، وقد ساق الإتفاق على هذه الصورة ابن حزم بقوله : ( فلا يجوز له أن يتبعه عليها بل يبقى على الحالة الجائزة ويسبّح بالإمام وهذا لا خلاف فيه ، وقد قال الله تعالى : ( لا تكلّف إلاّ نفسك )) (47) ، وبالإجابة السابقة يردّ على من صلّى الثلاثية وراء إمام يصلّي الرباعية عند المثبتين لتباين النية بين المأموم وإمامه .

سادسا : لا يلزم المأموم البقاء على الحال التي وافق فيها إمامه بعد انقضاء الصلاة لإنتفاء علة الإئتمام والإجماع معه ، ولخروجه عن معنى الإقتداء ، ومقدمة الإستدلال المستظهر بها غير مسلّمة ؛ لأنّ المسافر إذا ائتمّ بمقيم فإن أدركه في الركعتين الأخيرتين فهو مخيّر بين أن يسلّم مع إمامه أو يتمّ ما لم يدركه مع الإمام ولا يجب عليه قضاؤهما ، وإنما أوجب عليه قضاءها تامّة بعض الحنابلة ، حيث ذكر ابن رجب في القاعدة الحادية والثلاثين : ( أنّ المسافر إذا صلّى خلف المقيم وفسدت صلاته فإنه يجب عليه قضاؤها تامّة ؛ لأنّ من شرع في عبادته تلزم بالشروع ، فإنه يجب قضاؤها على الصفة التي أفسدها ) (48) .
والأصوليون يختلفون في العبادة هل تلزم بالشروع أو لا ؟ والأظهر من مذاهب العلماء من يرى : ( انّ كلّ ما تعيّن وجوب إتمامه بقيام الدليل عليه وجب إتمامه بالشروع فيه ، وما لم يتعيّن وجوب إتمامه بعدم قيام الدليل عليه فلا يجب إتمامه ) ، وبناء على هذه القاعدة فغنّ المسافر المؤتمّ بمقيم إذا تمّت الركعتان بسجداتها فقد تمّت له صلاته في الأصل ويصلي مع الإمام باقي صلاته وجوبا مراعاة لحديث ابي هريرة رضي الله عنه : ( إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه ) (49) ، ولحديث قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي المتقدم قال لابن عباس رضي الله عنهما : ( إذا كنّا معكم صلّينا أربعا ، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلّينا ركعتين قال : تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ) (50) ، أي : أنّ المسافر إذا اقتدى بمقيم يتمّ ولا يقصر ، وعلى هذا جرى عمل السلف وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم من جماهير العلماء (51) ، وقد صحّ عن ابن عمر أنه اقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة إلاّ أن يصلّيها مع الإمام فيصليها بصلاته (52) .
أمّا إذا أدرك معه الركعتين الاخيرتين فهو مخيّر بين أن يسلّم مع إمامه أو ينهض ليصلي ما لم يدركه معه ممّا لا يجب عليه في الاصل ؛ لأنه لم يقم دليل على وجوب إتمام ما شرع فيه وما وجب عليه فقد أتمه فلا يكون مطالبا بالزيادة على المطلوب وجوبا ، ويشهد لذلك بعض الآثار عن التابعين في أنّ المسافر إذا أدرك من صلاة المقيم ركعتين كفتاه ، وإن أدركهم جلوسا صلّى ركعتين ، فقد اخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة في مسافر يدرك من صلاة المقيمين ركعتين قالا : ( يصلّي بصلاتهم ، فإن أدركهم جلوسا صلّى ركعتين ) (53) ، وأخرج - أيضا - معمر عن منصور عن إبراهيم وعن عمرو عن الحسن قالا : ( سمعت طاوسا وسألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعتين قال : تجزئانه ) (54) ، وهو مروي عن عكرمة (55) والشعبي وتميم بن حذلم من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه (56) ، كما وردت آثار أخرى على أنه يتمّ صلاته (57) ن وبالنظر إلى المرأة تصلّي يوم الجمعة ظهرا بصلاة الإمام ركعتين ويجزيها ذلك ولا يجب عليها إتمام صلاتها ، ويدلّ عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن معدان عن جدته قالت : قال لنا عبد الله ابن مسعود : ( إذا صلّيتنّ يوم الجمعة مع الإمام فصلّين بصلاته ، وإذا صلّيتنّ ببيوتكن فصلّين أربعا ) (58) ، وكمن صلّى المغرب وراء إمام يصالعشاء عملا بمدا جواز إختلاف النيات .
فالحاصل أنّ في القول بتخيير المسافر بين الغعتداد بالركعتين اللتين أدركهما أو الإتمام انتفاء لتعارض الآثار وسعة العمل بالكل ، ولا تظهر فيه مخالفة لحديث ابن عباس أو اثر ابن عمر رضي الله عنهم إذا ما حملت على غير هذه الصورة . والله أعلم .

سابعا : الحكم الذي استقرّت عليه في وجوب متابعة الإمام والإقتداء به في سائر احواله حتّى في جلوسه إلاّ ما استثناه الدليل هو حكم ظاهر جليّ لا اضطراب فيه ولا اعوجاج ، والعمل به هو عمل بالوحي ومحض اتباع سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وله سلف من هذه الأمّة وفعله أربعة من الصحابة ، قال الترمذي : ( وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث منهم جابر بن عبد الله وأسيد بن حضير وابو هريرة وغيرهم ) ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنّفه عن هؤلاء الثلاثة وعن قيس ابن قهدة قال : ( كان لنا إمام فمرض فصلّينا بصلاته قعودا ) ، وهو مرويّ عن أنس ابن مالك وحكاه ابن حبّان عن الصحابة المذكورين سوى أنس ، وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد من التابعين وسليمان بن داود الهاشمي وابي خيثمة وابن أبي شيبة ومحمّد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمّد بن نصر المروزي ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء المذكورين بإسناد متّصل ولا منقطع ، وكلّهم يرى إمامة الجالس للأصحّاء ولم يرو عن أحد منهم خلاف ما افتى به ابو هريرة وغيره في أن يصلّي الأصحّاء وراءه جلوسا ، وعند عبد الرزّاق : ( ما رأيت الناس إلاّ على أنّ الإمام إذا صلّى قاعدا صلّى من خلفه قعودا ) ، وقال : ( وهي سنّة عن غير واحد ) ، وعن حمّاد بن زيد صلّى يوما الصبح فقال : ( إنّا أحيينا اليوم سنّة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم ) ، قلنا : ما هي يا أبا إسماعيل ؟ قال : ( كان إمامنا مريضا فصلّى بنا جالسا فصلّينا خلفه جلوسا ) (59) ، وفي ذلك ترك فرض في الصلاة فترك ما دونه في الحكم أولى عملا بفحوى الخطاب ، والنافي للأصل المقرّر مطالب بالدليل ، والتعارض المزعوم بين حديث أبي هريرة وحديث مالك بن الحويرث في قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) منتف لإمكان الجمع بينهما ويظهر بحمل حديث أبي هريرة على العمل بموافقة الإمام فيما يعتقده على أنه صفة الصلاة الشرعية المطلوبة وعدم الإختلاف عليها فيها ، فيصليّ جالسا إن صلّى الإمام جالسا ، ويرفع يديه عند كلّ رفع وخفض أو لا يرفع إن كان الإمام يفعله أو لا يفعله ، وهكذا ، ويعمل بمقتضى الحديث الثاني فيما إذا صلّى بالناس إماما وعليهم الإقتداء به في سائر أحواله أولا ، أو كان منفردا فيما يعتقده انه يصلّي على صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا ن وهذا الجمع والتوفيق أولى من القول بالنسخ - كما تقدّم - أو بالترجيح أو بالإسقاط ، ( فإعمال الدليلين أولى من غهمال أحدهما والعمل بالآخر ، وأولى من إسقاطهما جميعا ) على ما هو مقرّر في موضعه ، ذلك لأنّ الادلّة الشرعية يجب أن تحمل على ما لا يؤدّي إلى النقص ، والجمع والتوفيق خير ما ينزّهها عن النّقص ، ولأنّه بالجمع يتوافقان ويزال الإختلاف المؤدّي إلى النقص والعجز بخلاف النسخ والترجيح حيث يؤدّي إلى ترك أحدهما وإهداره ، وقد ذكر الحازمي أنّ الخطاب المنفصل المتعارض بعضه مع بعضه على قسمين فقال : ( وإن كان منفصلا نظرت : هل يمكن الجمع بينهما أم لا ؟ فإن أمكن الجمع جمع ، إذ لا عبرة بالإنفصال الزماني ، مع قطع النظر في التنافي ، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعمّ للفائدة كان أولى صونا لكلامه عن النقص ) (60) .
وبعد هذا التفصيل ، فإنّ الواجب عند الإختلاف الرجوع إلى الكتاب والسّنة ليظهر الحقّ ، والحقّ في لزوم أمره صلى الله عليه وسلم وطاعته عليه ، وهو أولى من موافقته في فعله وإقراره ؛ لأنّ الأمر هو الاصل - كما لا يخفى - قال ابن تيمية رحمه الله : ( وطاعة الرسول - فيما أمرنا به - هو الأصل الذي على كلّ مسلم أن يعتمده وهو سبب السعادة ، كما أنّ ترك ذلك سبب الشقاوة ، وطاعته في أمره أولى بنا من موافقته في فعل لم يأمرنا بفعله باتفاق المسلمين ، ولم يتنازع العلماء أنّ أمره أوكد من فعله ، فإنّ فعله قد يكون مختصّا به ، وقد يكون مستحبّا ، وأمّا أمره لنا فهو من دين الله الذي أمرنا به ) (61) .

وعليه فمن تبيّن له الحقّ اتبعه ، ولا يترك أحد الحقّ للباطل ، بل يؤخذ الحقّ لأنّه حقّ ، ويترك ما معه من الباطل إذا انكشف ، ولا ياخذ الباطل للحق ، بل يترك الباطل لأنّه باطل ن ومن لم يتبيّن له الهدى فعليه أن يستفتي قلبه لينشرح صدره ويرتاح خاطره ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( استفت قلبك ، واستفت نفسك ثلاث مرّات ، البرّ ما اطمأنّت إليه النّفس ، والإثم ما حاك في النفس وتردّد في الصدر ، وإن افتاك النّاس وأفتوك ) (62) .

هذا وحقيق بالتنبيه والتأكيد أنّه ينبغي أن لا تكون المسائل الفرعية المتنازع عليها بين المذاهب سببا مفضيا إلى إحداث فتنة أو الوقوع في التفرّق ، ذلك لأنّ مصلحة الجماعة والإئتلاف ومفسدة الفرقة والإختلاف اعظم من أمر المسائل الجزئية ، ومعلوم أنّ الإعتصام بالجماعة والإئتلاف أصل من اصول الدّين فلا يجوز أن يقدح في الاصل بحفظ الفرع ، ولهذا لم يجز للحكّام أن ينقض بعضهم حكم بعض قطعا لمفسدة المنازعة والفرقة .

وأخيرا - وبعد هذا البيان - فإن غمض عليكم منه شيء أو من غيره ممّا تظنّون أنّ لدينا به علما وقوّة ، فلتشاركونا فيه بالمكاتبة والوصال ، فإنّ المشاركة العملية خير مسعى وأهدى سبيلا إلى كماله الأخير وسعادته القصوى ، والله أسال أن يعصمنا من الخطأ والزلل ، ويوفّقنا وإيّاكم إلى ما يحبّ ويرضى ، غنّه وليّ ذلك والقادر عليه ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين ، وسلّم تسليما .

أبو عبد المعزّ محمّد علي فركوس
الجزائر في : 5 ذو الحجّة 1417 ه
الموافق ل : 12 افريل 1997 م









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الإهتداء, الإنتماء, والإقتداء, طريق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc