بيان حال المفتري وطريق نجاة المهتدي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

بيان حال المفتري وطريق نجاة المهتدي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-08-08, 19:26   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابن باديس سنة
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي بيان حال المفتري وطريق نجاة المهتدي

بسم االله الرحمن الرحيم

كْتور عدنان إبراهيم (1)
الْقَولُ الْقَوِيم في نقْد منهج الد

الحمد الله ، والصلاة والسلام على رسول االله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه...وبعد ،
فقد كَثُر القيل والقال ، وكَثُر السؤال عن خطيبِ (النمسا) الدكتور عدنان إبراهيم ، وكان
ةً على آراء الدكتور

بِي أَنْ أكْتب ردودا علْمي

ن يحسِن الظَّن
قد سألني بعض الإخوة مم
 وأهله! ولَكن رأَيت أَنَّ الحديثَ عن
عدنان إبراهيم...نصحا للْمسلمين ، وانتصارا للْحق
حليل...أَولَى وأَقْوم ، لأَِنًَّ الأَثَر لا
أصيل ، ومسلَكه في الاستدلال والت
منهجِه في البحث والت
يزول إلا بِزوالِ الْمؤثِّرِ ، فَالالْتفات إلى مصدرِ الْحرارة أولَى من الالْتفَات إلى الْحرارة نفْسِها!
 في شيخهِم...ولَو كَانَ
ن يقُولُ الْحق
وأنا أعلَم أَنَّ أنصار الدكتور يسفِّهونَ ويسخرون مم
اس على الْخيرِ ، ومن
الْمنتقد أَوِ الْمتكَلِّم من أهلِ الأَدبِ والإِنصاف! ولكن حسبنا أَنْ ندلَّ الن
داد.
وفيق والس

 الْمعونةَ ، ونسأَلُه الت
االله نستمد
ة) تساهله في الحكم بالضعف أو الكذب على

إنَّ من أخطاء الدكتور عدنان إبراهيم (الْمنهجِي
طائفة من الأحاديث الصحيحة بدعوى أنَّ العقلَ لا يقْبلُها...أو بحجة أا متعارِضةٌ مع صريح
القرآن ، وقد سمعته يقول في إحدى خطبه: " كأنَّ من رد حديثا أو حديثين ومائة ومائتين
شكَّك في الدين ، التشكيك في الدين يكون بالتشكيك في أصول الإيمان والاعتقاد
 الدكتور عدنان كُلَّ حديث لا يقْبلُه عقْلُه ويقصر عنه فهمه؟
وأركان الإسلام..." ، فهل يردينتهي إليه! فإلى أي عقْلٍ نحتكم؟! وقد قال

ألاَ يعلَم الدكتور عدنان أَنَّ عقَلَ بنِي آدم لَه حد
ن يعملُونَ
المعتزلةُ من قبلُ إن العقلَ رأس الأدلة ، فَلَعلَّه متأثِّر بِمذْهبِ الْمعتزِلَة وغيرهم مم
الْعقْلَ في كُلِّ شيء.
ُّلُ باحترام العقل ، وإعمال الفكْرِ...رأينا ثماره
عل
ساهلُ في إطلاق الإحكام ، والت
وهذا الت
بأعينِنا ، فَصرنا نسمع أتباع الدكتور عدنان ومريديه يتهكَّمون على علماء الحديث وأئمة
الجرح والتعديل ، ويسخرون من أقوالهم وأحكامهم...ولو قرأ هؤلاء شيئا من كتب الأئمة
حديث ،
لعلموا أنَّ علماءَ الحديث أَعملُوا عقولهم في منهجهم النقدي عند السماع ، وعند الت
وعند الحكم على الرواة ، وعند الحكم على الحديث.
را ،

ا محر
ا علْمي
د على أخطاء الدكتور عدنان رد
وليس غرضي من هذه الإشارة السريعة الر
ن وأنصح للمسلمين أَنَّ هناك خلَلاً واضطرابا في

فهذا قد يأتي في حينه ، وإنما أردت أنْ أُبي
ع عن نقْد

مذْهبِ الدكتور وسننِه في تعامله مع الأحاديث الصحيحة ، فأنت تراه لا يتور
ها في دقيقة أو دقيقتين!

أحاديثَ صحيحة ثابِتة تلَقَّاها العلماءُ وأئمة الحديث بالقَبول...يرد
وكَأنَّ ما يريد تقْرِيره من قَبيل أنَّ الواحد نِصف الاثنين! أليس في هذا العرضِ ما يوحي للناسِ
أَنَّ علَماءَ الأمة بلْه لم يعملوا عقولهم في أحكامهم ، ولم يحترموا عقولَ غيرهم!
إنَّ الدكتور عدنان إبراهيم أراد أن ينكر مذهب (أطفئ مصباح عقلك واتبِعني)...فَنصح
لين والآخرِين ،
للْعقْلِ المسلمِ أنْ يعملَ عقْلَه – بِعلْمٍ أَو بِغيرِ علْمٍ - ، وأَنَْينسِف أقوالَ الأَو
بع أحدا! ولا أدري إن كان الدكتور عدنان يؤمن بنظريات الفلاسفة والمتكلمين

ولا يت
 كَلمته! والعاقلُ يعلَم أنَّ في كلاَ
قْلِ ، وأَنَّ الْعقْلَ حكَم لا ترد
ومذاهبهم في التعامل مع الن
فًا ، واونا واستهتارا بالعلْمِ وأهله. وقد صدق من قالَ (منِ استغنى بِرأيِه
ا وتطَر
المذهبين غُلُو
ذَلَّ ، ومنِ اكْتفَى بِعقْله زلَّ). لعلكم الآن تستمعون للدكتور عدنان إبراهيم وهو ينكر حديث سحرِ النبي صلى االله عليه
ا) :
د غريب جِد

ه كَذب ، وأَنَّ هذا الحديث (فيه تفَر

وسلم ، ويقول إِن
https://www.youtube.com/watch?v=7f68BoAT4n4
ته أنَّ الْقَولَ بِصحةِّ هذا الحديث يلْزم منه أن يكون تصديقًا لقول الكُفَّارِ في رسول االله

وحج
بِعونَ إِلا رجلا مسحورا ) [ الفرقان : 8 ] ، قال
صلى االله عليه وسلم بأنه مسحور: ( إِنْ تت
الدكتور عدنان: " والحديث يكفي بظاهره أنه تكذيب لكتاب االله تبارك وتعالى..." ، يعني
أنَّ القرآنَ ينفي السحر عنه ، والحديث يثْبِته.
وليس المراد من سوقِ هذا المثال كشف أخطائه ، وتتبع زلاَّته...وإنما بيان اعوجاج مسلكه
ومذهبه في النقد والتخطيء:
- حديث سحرِ النبي – صلى االله عليه وسلم – حديثٌ صحيح رواه البخاري ومسلم
وغيرهما ، وتتابع العلماءُ على قَبوله ، وأما الدكتور عدنان فيقول لنا إنَّ الخَطْب يسير
ن واضح ، وتوجيهات الأولين والآخرين لا وزن لها ولا قيمة ، ولا

، والأمر بي
تستحق الذِّكْر والشكْر..." والحديث يكفي بظاهره أنه تكذيب لكتاب االله تبارك
وتعالى..." ، هكذا يقولُ مستخفا بعقول الأئمة من رواة الحديث ومن تابعهم من
علماء الأُمة! وإذا كان هذا الحديثُ كَذبا واضحا – كما يقول الدكتور عدنان –
يدرِكُه الأعمى والبصير...فَيلْزم من ذلك أَنَّ كُلَّ من قَبِلَ هذا الحديث وصححه

! وهذا التشكيك في أصح
ن! فكيف بالْمشكلِ الْخفي

مجنونٌ أبله لا يعقلُ الواضح البي
اس في حيص بيص ، فماذا نقْبلُ؟
ة يوقع الن

ن
ة بإجماع العلماء من أهل الس

ن
كُتبِ الس
ي أتباعه علَى نقْد الأحاديث الصحيحة

وكَيف ، ومتى؟!! إنَّ الدكتور عدنان يربوتمحيصها ، وذلك بِعرضها على عقولهم! فَيأْخذُ منها ما واَفَق عقولهم ، وأَما ما
!
خالَفها فَيرمى في الْيم
- لَم يذكر الدكتور أنَّ ما يدعو إليه من تكذيب هذا الحديث هو مذهب المعتزلة ،
ولكنه ذَكَر من تأثر برأيهم من أهل السنة ، كأبي بكر الجصاص ، ومن المعاصرين:
! فأنت تراه بدأ كلامه بقوله " أبو بكر
دليسِ الْخفي

محمد عبده...وهذا من الت
الجصاص العلامة الحنفي الكبير ، مجتهد المذهب..." ، وكأنه يريد أن يقول إنَّ هذا
العلامة الكبير من أهل السنة يوافقنا في ما نقول ، ولعل الدكتور عدنان يعلَم أنَّ
الجصاص تأثر بالمعتزلة في بعض آرائه ، ولهذا قال فيه الذهبي [ سير أعلام النبلاء 341
16/ ]: " وقيل: وكان يميلُ إلى الاعتزال ، وفي تآليفه ما يدل على ذلك...نسأل االله
ع الدكتور عدنان بخطأ الإمام الجصاص وغيره في هذه المسألة
السلامة ". فلماذا يتذَر
ليدلِّلَ على صدقِ دعواه؟!
- لا أدري لم لَم يذكر الدكتور عدنان إبراهيم أَنَّ هذا الحديث لم يتفرد به هشام ،
ولعل الدكتور لا يخفى عليه رواية زيد بن أرقم قال: " سحر النبي صلى االله عليه
.
د لا تصح

فَر
وسلم رجلٌ من اليهود ، فاشتكى لذلك أياما...". فدعوى الت
- كان الأولى أن يذْكُر الدكتور عدنان إبراهيم جواب علماء أهل السنة على اعتراضات
دها – إِن استطَاع –

 يفَن
المعترِضين ، وردودهم على الطاعنين في هذا الحديث ، ثُم
بِأَدبٍ وعلْمٍ وإِنصاف...فالمقام مقام تعليم ونقْد وإنكار ، وتفْنِيد ودحضٍ لشبهات
مخالفيه! واجتهادات العلماء في الجمع بين الأدلة وجيهةٌ ، وهي من التأويل السائغ غير
الْمتكَلَّف.
على منع بعض التأثيرات العرضية التي لا
ُّ
- ذَكَر العلماءُ أنه ليس في هذه الآية ما يدل
تأثير لها في ما يتعلق بالتبليغ ، فالرسول - صلى االله عليه وسلم - لم يفْسد عقله ذاه ، ولكنه بشر

السحر ، وهو - صلى االله عليه وسلم - معصوم في ما يبلِّغه عن رب
يعتريه ما يعتري البشر من الأمراض والآلام ونحو ذلك...فالسحر المذكور في الحديث
كالْمرضِ حكْما وتأثيرا.
- ويلْزم من هذا الفهم الذي يدعو إليه الدكتور عدنان إبراهيم التكلف في تأويل قوله
ها تسعى ) [ طه : 66 ] ،

هم يخيلُ إِلَيه من سحرِهم أَن

تعالى : (فَإِذَا حبالُهم وعصي
ي لأَظُنك يا موسى مسحورا) [ الإسراء : 101 ] .

لأنَّ فرعون قال لموسى: (إِن
 كيف يكون هذا الحديث
والسحر الذي جاء به سحرةُ فرعون سحر تخييل. ثُم
هِمونَ الرسول – صلى االله عليه وسلم - بالسحر

تصديقا لقول الكافرين...وهؤلاء يت
الذي يورث اختلال العقل عندهم ، فهو عندهم كالْمجنون الذي يقول ما لا يقوله
العقلاء...؟ والمفهوم من الحديث أنَّ هذا السحر مرض خفيف ، وعارِض من الْعلَلِ لا
تأثير له في ما يتعلق بالشرع والوحي...وقد قام الدليل على عصمته من كل ما يقدح
في التبليغ والتشريع.
بعض المعترِضين على تكذيب هذا الحديث بدعوى أنَّ السحر

ولا أدري لماذا يصر
المذكور لم يكن مرضا ، أو سهوا ونسيانا ، وإنما كان مخالطا للعقل...لأنَّ الرسول –
ر
صلى االله عليه وسلم – كان يتوهم فعلَ ما لم يفعله! ولعلهم يعلَمونَ أَنَّ هذا مفَس
ما يروى من أنه – صلى االله
ُّ
برواية (حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) ، فَكُل
خيل

يء ولم يفعله...يمكن حملُه على الت

ه فَعلَ الش
عليه وسلم – كان يخيل إليه أن
بالبصر مثلما وقع لموسى – عليه السلام - ، لا لاختلال عقله بالسحرِ ، وهذا كان
في أمور الدنيا كما ترى.
- يظْهر لي أنَّ الْمنكرين لهذا الحديث يتمسكُون برواية (حتى كان يرى أنه يأتي النساء
ة ما يزعمون بدعوى أنَّ هذه الرواية صريحةٌ في تأثير
لِّلُوا على صح
ولا يأتيهن) ليدالسحرِ في عقْلِ الرسول – صلى االله عليه وسلم! وهذا باطلٌ ، لأنَّ هذا المسلك في
دليل يفْضي إلى الطعن في كتابِ االله تعالى ، وتكذيب طائفة من الأحاديث الثَّابِتة

الت
 القرآن
ةَ الرسول – صلى االله عليه وسلم – مثْبتةٌ بِنص

الصحيحة ، لأنَّ بشرِي
والحديث ، وإذا كان ذلك كذلك ، فالرسول – صلى االله عليه وسلم – بشر ينسى
حيحةُ ، وهذا لا يتعارض مع
كما ينسى البشر ، وقد جاءت بذلك الأحاديثُ الص
م فعلَ الشيءِ وأَنت لَم تفْعلْه

سيان أَنْ تتوه
عصمته في التبليغ عن ربه... ومن صورِ الن
هِم الناس في عقولهم إِنْ

هر ركْعتينِ يحسب أنه صلَّى أربعا! فهل نت
ُّ
، كَمن صلَّى الظ
وقَعوا في ذلك؟!!
وهذا يبطلُ قَولَ القائلين بتأثير السحرِ في عقْلِ الرسول – صلى االله عليه وسلم –
.
ه كان يخيلُ إليه أَنه يأتي نساءَه ولا يأتيهن

ة أَن

بِحج
- ويلزم من هذا الفهم أيضا تكذيب أحاديث أخرى صحيحة ، كالحديث الذي جاء
 لا كَذب ، أنا ابن عبد
بِي

فيه أنَّ الرسول - صلى االله عليه وسلم – قال الشعر (أنا الن
الْمطَّلب) ، فَلَعلَّ عقْلَ الدكتور عدنان يرفُضه أيضا بحجة أنه يتعارض مع قوله تعالى:
لُونَ) [
(بلْ قَالُوا أَضغاثُ أَحلامٍ بلِ افْتراه بلْ هو شاعر فَلْيأْتنا بِآية كَما أُرسلَ الأَو
الأنبياء : 5 ] ، وقوله تعالى (ويقُولُونَ أَئنا لَتارِكُو آلهتنا لشاعرٍ مجنون) [ الصافات :
36 ] فيكون الحديثُ تصديقا لقول الكفار! ولعله يزعم أيضا أنه يتعارض مع قوله
تعالى (وما علَّمناه الشعر وما ينبغي لَه) [ يس : 69] ، فهل إذا قال الرسول – صلى
ه

 الحديث بدعوى أَن
االله عليه وسلم – كلاما موزونا من غير معرِفَة أو قَصد منه...نرد
يكونُ تصديقا لقول الكفار؟ واالله إني أخشى أن يفضي هذا الْمسلَك في إنكار
حيحة إلى ارتفاع الوثوق عن كُلِّ الشرعِ!
الأحاديث الصبِعونَ إِلا رجلا
- لَم يذكر الدكتور عدنان أقوالَ علماء التفسير في آية الفرقان (إِنْ تت
مسحورا) ، فَمن أقوالهم أَنَّ مسحورا يعني: مخدوعا ، وقال بعضهم: أي أنَّ له سحرا
أي رئة ، فهو بشر مثلكم...لا يستغني عن الطعام والشراب ، وهذا القول له شواهد
هذه الأقوال – وإن كان يراها مرجوحة - لا علاقة لها
ُّ
في كلام العرب... وكل
بالسحرِ.
عاء؟! وكأنَّ علماءَ الأُمة أَثْبتوا هذه

- لماذا التهويل ، والصراخ ، والمبالغة في الاد
(الْخرافات – كما يصفُها الدكتور- !) لينتقصوا من رسول االله صلى االله عليه وسلم
، ويطعنوا فيه! وأما الدكتور عدنان فلم يقْبلْ منهم ذلك ، وانتفَض انتفاضة الأَسد ،
 على العلماء والأئمة بِصمصامه القاطع ، ينحر رِقَاب قواعدهم ، ويفْتك
وكَر
ا للرسول –
ه أَشد حب

بأصولهِم واجتهادام...فهل نفْهم من كلام الدكتور عدنان أَن
صلى االله عليه وسلم – من هؤلاء؟ أسأل االله تعالى لنا وله الهداية والصلاح.

واالله أعلم.

عمار الخطيب
2 ربيع الأول 1434 هـ









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-08-08, 19:28   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ابن باديس سنة
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

لجمعة, 03 ذو الحجة 1433
عبدالله بن عيسى الفيفي

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين، أمّا بعد؛

فقد سبق أن كتبتُ ردا على الدكتور عدنان إبراهيم بهذا العنوان ( إذا جاز تحكيم العقل في فروع الدين جاز في أصوله )، وفحواه بيانٌ لاضطراب منهج العقلانيين الذين يجعلون العقل حاكمًا على النص بلسان حالهم أو مقالهم، وفي هذه الأسطر أُكمل الفكرةَ التي طرحتُها في ذلك الرّد، لأنّي أزعم بأنّها متى فُهمت جيدا فإنّها كفيلة بتقويض المنهج الكلامي العقلاني من أساسه، وبالله التوفيق.

إنّ من التهرّب أن يشتغل المرء بمُعالجة قضايا هامشية، في الوقت الذي يوجد فيه قضايا أساسية تحتاج إلى مُعالجة، ومثّلُ من يفعل هذا كرجلٍ يُحاول إصلاح أجزاء صغيرة في إحدى زوايا منزله، ويدَعُ إصلاح قواعد المنزل التي هي على وشك الانهيار، ولو استمرّ ذلك الشخص في إصلاح تلك الزوايا دون الالتفات إلى القواعد؛فإنّه سيأتي اليوم الذي يخرُّ فيه المنزل، وينهدم بنيانه كلّه، بعُد ذلك اليوم أو قرُب.

ما أكثر من يُصدّع رؤوسنا اليوم بدعوات تحرير العقول، ونبذ التقليد، وإعمال الفِكر، واستشراف المُستقبل، وقطع الصّلة بالماضي... إلى آخر تلك العبارات التي يعرف العاقل اللبيب بأنّها مُجرّد حشو فارغ لا طائل من ورائه، في حين أنّ الحقيقة المفروضة التي تغيبُ عن كثيرٍ ممّن تأسرهم تلك الشّعارات هي أنّه لا انفكاك عن التّقليد والاتّباع مهما يكُن الحال، فدُعاة التحرّر والفِكر والتنوير – زعموا – هم في الحقيقة يطرحون راياً آخر، ووجهة نظرٍ أُخرى، ويمارسون في أثناء عرضها والدّعوة إليها أساليب إقصاء وتعصّب وتحزّب مهما تظاهروا بعدمِ التخندق والاصطفاف، وهم في نهاية المَطَاف يدعون الناس إلى تقليد آرائهم واتباع أقوالهم، فمن يُصدّقهم من البُسَطاء لم يصلوا إلى هذا المستوى من الوعي؛ فسلّموا لتلك الدعاوى على ظاهرها، وما علموا أنّهم في حقيقة الأمر إنما انتقلوا من تقليد إلى تقليد، بل إنّ دُعاة التّحرّر أولئك لا يعون بأنّ هذا هو واقعُهم، وأنهم قد نصبوا أنفسهم أئمةً ليُقلّدهم النّاس ويتبعوهم، ومع ذلك تجدهم يدّعون بأنّهم أهل ذكاء وعقْل وفكر، فاعجب من هذا الجهل المُركّب!

وبناءً على ما تقدّم فإنّ مانسمعه من جرحِ عدنان إبراهيم لأئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين يتضمّنُ بالضّرورةِ تعديلاً لنفسه، وتفضيلًا لها على أولئك الأبرار المُهتدين، وإن كان بمنطوق كلامه يردّ روايات الحُفّاظ المُحدّثين، فهو بمفهومه يُقرّر أنّ كلامه معصومٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن كان في الظّاهر يُردّد بأنْ ليس كلّ ما في البخاري ومسلم صحيح، فإنّه في الباطن يُقرّر بأنّ جميع ما في محاضراته وخُطَبه التي بثّها صحيح، والنتيحةُ هي انقلابُ جميع الأحكام التي يُصدرها عليه، لأنّه – في أحسن الأحوال - يؤدّي نفس الدور الذي ينتقده عليهم ولكنّه لا يعلم.

وإذا كان الأمر كذلك، فهل يرضى العاقل الحصيف أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير! وهل يرضى من له مسكة عقل أن يعتاض عن السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وأئمة الهدى والرشاد من علماء المُسلمين، بهؤلاء المُهرّجين الذين لا عقْل ولا نقْل؟ ما أظهر هذه المسألة وأبيَنَها لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيد! وهذا فضلٌ عن كون التّقليد والاتباع عبادةٌ جاء الأمر بها في صريح النّصوص، كما في قوله – تعالى – { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }، وقوله – صلى الله عليه وسلم – (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ )، وثناء النبي – صلى الله عليه وسلم – على أهل القرون المُفضلة المُقتضي أمرَه باتّباعهم وسلوك سبيلهم.

وليت شعري من أسعد بالصواب في فهم هذا الوحي: أهمُ الذين عايشوه، وتلقّوه ابتداءً من مصادره الأولى، وشهِدوا تأويله عِلما وعملاً ممّن اختارهم الله نقَلَةً لدينه؟ أم همُ الذين جاؤوا بعد عشرات القرون يستنبطون حسب عقولٍ مُنتكسة، وقواعد مُضطربة، وأصولٍ مُتناقضة؟

وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ *** إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

لقد نصَبَ عدنان إبراهيم العقلَ حكماً على كلّ شيء، فما قبله يُقبل وما رفضه يُرفض، وعندما رفع الفلاسفة هذا شعاراً لهم، كانوا في حقيقة الأمر صادقين مع أنفسهم، وقد بدَت كُفريّاتهم مُتفقة، وضلالاتهم مؤتلِفة، والضّلال المُنسجم مع بعضه، والمُطّرد في قواعده، أهدى من الضلال المُتعاكس. فعندما رضي الفلاسفةُ بالعقل حكماً؛ أنكروا وجود الرّب، وكفروا بالرّسل، وجحدوا البعث والنّشور، لأّنّ جميع تلك الحقائق لم تستسغها قواعدهم العقلية، كما أنّهم سلكوا منهجاً عِلميا في تناول القضايا، فبدؤوا بالقواعد والأصول، ثُمّ التفتوا إلى الفروع.

وأمّا عدنان إبراهيم فهو يذهب إلى جزئيّات فرعيّة، ثُمّ يُطبّق عليها قواعده المنطقية، فيردّ ما شاء ويقبل ما شاء. وإليك – أخي الكريم – منهجيّه مُحكمة للرد على هؤلاء المُتكلمين ومن هو على شاكلتهم من العقلانيين والتنويريين.

إنّ أصول أهل الكلام المُنتسبين للإسلام في النّظر والاستدلال هي نفسُ أصول أهل الفسلفة المُلحدين، وعليه فإنّ جميع ما يُقرره أهل الإلحاد يلزم أهل الكلام، فإن التزموه استبان كُفرهم، وإن لم يلتزموه تناقضت قواعدهم، وسأحاول توضيح ذلك في النقاط الآتية إن شاء الله، ليعرف من يناقشهم كيف يهدمُ بُنيانهم من قواعده.

يعتبرُ عدنان إبراهيم أخبار المسيح الدجّال، وما تضمّنته من مُعجزات وفِتن وعجائب، إنّما هي أخبار أسطوريّة وتصوّرات "كرتونية" طفولية، لا يمكن أن يقبلها العقل العصري، وقد كان الأولى به أن ينفي يوم القيامة، لأنّ ما ورَد عن ذلك اليوم من أهوال عجيبة، وأحداث عظيمة هي – بحسب تصوّره الذي أنكر به الدجّال – أكثر غرابة وإمعانا في الأسطورية من أخبار الدجّال، كما في قوله - تعالى - { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ }، فهذه الأمور العِظام، وجميع ما ورد من أخبار يوم القيامة والجنّة والنار والصّراط والحوض، الثابت في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة، هي أبعد عن تصور العقل "العصري" من جميع أحاديث المسيح الدجال، فلو كانت عقلانيّته مُطّرده لأنكر يوم القيامة قبل إنكاره للمسيح الدجّال.
من الدوافع التي جعلت عدنان إبراهيم يردّ الأخبار الصحيحة كونُها تشوّه سمعة – النبي صلى الله عليه وسلم – عند الغربيين، وقد سمعتُه يسخر بما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض الأحاديث من أنّ الأرض تُخرج ذهبا أو فضة، حيث يقول عدنان – بالمعنى -: إنّ هذه الفِكرة تُعارض بدهيّات الجيولوجيا الطبيعية، إذ أنّ تلك المعادن النفيسة لا تخرج مباشرة من الأرض بلا تكرير، وفي هذا تشويه لسُمعة النبي – صلى الله عليه وسلم – عند عُلماء الأرض والطبيعة، وتجعل نبيّنا – عليه الصلاة والسلام – موضعَ سُخرية وتهكّم عند أولئك العُلماء، وقد كان الأجدر بعدنان أن يردّ بعض الآيات التي هي – حسب أصوله – تشتمل على تشويه لكتاب الله، بل فيها طعنُ صريح وجرحٌ عظيم لكلّ من هو خارج دائرة المسلمين، فإمّا أن يطمسها أو يرفضها أو يحرّف لفظها ومعانيها لكي تستقيم قواعده، ومن تلك الآيات قوله تعالى: { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية }، فهذه الآية تُصرّح بأنّ عُلماء الجيولوجيا والفيزياء والانثروبولوجيا والطّب والهندسه وغيرهم، إن لم يكونوا مسلمين فهم حطبُ جهنّم، ولن تنفعهم علومهم من الله شيئا.
فإن قُلتَ: لماذا لا يطرُد عدنان قاعدته ويطمس هذه الآية من المًصحف؟

الجواب: هو بسبب هذا المنهج "الخُنثى" الذي يقع في برزخٍ ما بين أهل السُنّة وأهل الفلسفة، فعندما يأتي الحديثُ عن أصول الإيمان يخنس أولئك المُتكلمون ولا ينبسون ببنت شفه، مع أنّ كثيراً من تلك الأصول ليس لها إجابات شافية من جهة العقل، ومنهج أهل السُنّة نحوها الإيمانُ بحِكمة الله البالغة، والاستيقان بعجْز العقل عن معرفة تلك الحِكَم، وعدم إشغال العقل – اصلاً – بتلك الأمور، والاكتفاء بما في النصوص والتسليم للدليل، وهذا السّبيل السويّ هو ما يقتضيه العقل الصّحيح، لأنّ الحِكمة وضعُ الشّيء في موضعه، ومن الحِكمة أن تُردّ أمورُ الدّين إلا النّقل أولاً لا إلى العقل، ولا يجوز للعقل إلا أن يكون تبعاً للنّقل.

من جملة الأسباب التي جعلته يُنكر المسيح الدجّال هو أنّه يستحيل في رحمة الله وحكمته – حسب فهمه – أن يُسلّط على عباده رجلاً بتلك المُعجزات العظيمة، ثم يؤاخذهم إن اتّبعوه وصدّقوه، لأنّ حالهم قد أصبح كما يقول القائل:
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له***إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالمـــاء

وقد كان الأولى به إنكار وجود "الشيطان" لأنّ الله قد وهبه من القدُرَات على إغواء بني آدم ماهو أكثر بكثير مما عند الدجّال، بل إنّ الدجّال لن يستميل أتباعه إلا بعد إغواء الشيطان لهم، فوجود مخلوق بهذه الصّفات، ووظيفته في الوجود هي إغواءُ الناس فقط، هذا بحسب – عقل عدنان - يتنافى مع كون الله رؤوفٌ رحيمٌ لطيفٌ بالعباد، فعدنان الآن أمام خيارَين: إمّا إنكار وجود إبليس، أو إنكار رحمة الله لكي تسلَم أصوله.

يُعارض عدنان إبراهيم مبدأ الاستسلام للنص بدون تفكير، وفي نفس الوقت يريد من متابعيه الاستسلام لكلامه بدون تفكير، وهو يقصد من هذا المبدأ أنّ العقل البشري يجب أن يعرف حكمة النّص قبل الإيمان به، فنقول له أخبرنا أولاً ماهي الحكمة من وجود جهنم؟ وماهي الحكمة من تسليط الكفار على المسلمين؟ وما هي الحكمة من هذه الحروب التي تهلك الأخضر واليابس؟ فإن قال: إنّ لله حكمة عظيمة لا يُمكن أن نحيط بها من كلّ جانب... قُلنا له: هذه طريقة أهل السُنّة وليست طريقتك، ونحن إنما نريد تفسيراً منطقيّأً واضحاً يقبله العقل العصري "المُتفتّح". وستجد أنّه لن يتجاسر على إخضاع هذه الأمور لمنهجه العقلاني، ولو تجاسر لانتهى الأمر، ولكنّه سيلجأ إلى طريقة أهل السُنّة في التسليم للدليل والإيقان بوجود حكمة.
ولا يقفُ الأمر على مُجرّد قلْب حُجَجِهم عليهم، بل يُمكن ابتداءُهم بلوازم أهلِ الفلسفة طالما أنّهم مُتّفقون في الأصول، وستجد أنّهم يقعون في "حيص بيص"، فنحمد الله على نعمة الإسلام والسُنّة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ؛؛؛










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-19, 01:13   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
nadim3
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية nadim3
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك لله يك










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المفترى, المهتدى, بيان, وجات, وطريق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:32

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc