|
منتدى النّقد الأدبيّ يتناول إسهامات الأعضاء؛ من إبداعهم، في فــنّ الـنّــقــد الأدبـيّ. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
دراسة نقدية حول التجديد في الشعر العربي
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2011-02-06, 13:16 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
دراسة نقدية حول التجديد في الشعر العربي
هذا بحث حول التجديد في الشعر العربي، في الشكل والمضمون والوظيف، فيه حجج راسخات وبراهين واضحات على فساد مذهب الشعر الحر فهيت لكم. الطالب قلالة عمار قسم الأدب العربي جامعة بسكرة المبحث الأول: الشعر في العصر الجاهلي: إن الشعر الجاهلي هو أصل الشعر العربي، وهو له بمنزلة الأساس للبناء أو الصرح، والجذور الضاربة للنخلة الباسقة، والتجديد لا يكون تجديدا إلا بالنظر الى مرجع ما، الشعر الجاهلي هو ذلك المرجع، لذا جعلنا هذا المبحث يتكلم عن بعض خصائص الشعر في هذه الفترة، لنرصد مظاهر التجديد من ناحية الشكل والمضمون والوظيفة وأسباب ذلك كله . ولقد تضاربت الآراء في مبتدأه وفي أول من قرضه، فعاد به بعضهم الى آدم عليه السلام كـ "ابن داود" في كتابة "الزهرة" تحت باب "ما سمع من أشعار ولم يظهر قائله للأبصار" : قال آدم عليه السلام لما قتل هابيل: تبدلت البلاد ومن عليها ...... فوجه الأرض مغبر قبيح أهابل إن قتلت فإن قلبي ...... عليك اليوم مكتئب قريح وقد رد "ابن سلام" في طبقاته هذا الزعم بجملة من الحجج والبراهين. المطلب الأول : الشكل ذهب كثير من القدماء والمحدثين الى أن الشعر العربي ابتدأ بنتف ومقطوعات قصار على بحر الرجز ثم نما رويدا رويدا حتى اكتمل قبيل البعثة المحمدية، متجليا في المعلقات الشهيرة، وقيل إن مهلهل ربيعة هو أول من قال قصيدة تبلغ ثلاثين بيتا، وقيل غيره . يقول الدكتور جواد علي" ويعد الرجز من أقدم أنواع الشعر، ومن أبسطه وأيسره على الإنسان، ثم هو خفيف على النفس، فيه طرب وتأثير، وهو مطاوع يؤدي أغراضًا مختلفة"[3]. وكانت العرب في جاهليتها تنظم على منوال مخصوص، فيبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة: غزلية، أو طللية، أو خمرية ...الخ ببراعة استهلال ثم يلج صلب الموضوع والغرض الأساس منها، ثم يختتم بخاتمة جميلة يمكث حسنها في الآذان، والانتقال من فكرة الى فكرة يكون بحسن تخلص، وذلك على البحور الستة عشر التي جمعها الخليل فيما بعد والأخفش، وتكون القصيدة قائمة على الصدور والأعجاز والقافية الموحدة، ولم تحفل العرب في جاهليتها كثيرا باستخدام المشطور والمجزوء والمنهوك من بحورها، لعدم وجود الحاجة إلى ذلك، إلا في القليل النادر، فطول النفس مطلوب في المدح والفخر والهجاء وهي الرائجة آنذاك. المطلب الثاني: في المضمون كانت العرب تنظم الشعر في موضوعات عديدة، كانت الحاجة مسيسة أليها، منها المدح والهجاء والفخر والرثاء والعتاب والاعتذار وهلم جرا، اما الألفاظ فكانوا دقيقي الاستعمال لها، يلائمون بين الألفاظ والأغراض، فتجد اللفظ القوي الرصين المتين في الفخر والهجاء، واللفظ الرقيق اللطيف الظريف في الغزل والرثاء، وكثيرة هي الألفاظ الأليفة عندهم الغريبة عنا اليوم مثل: "العضرفوط"[4] والضفيط، المخذم والشيهم، ومثل قول الشماخ بن ضرار الكلبي : عفا نطن قو من سليمى فغالز ..... فذات الغضى فالمشرفات النوافز هذا الذي قد يحول –أحيانا- بيننا وبين إبداعاتهم الفذة، فقد كانت ألفاظهم تعكس البيئة العربية الصحراوية، وعورتها وقساوتها، فجاءت على تلك السحنة، صعبة، فخمة، طويلة، قريبة المخارج، ككلمتي قسورة وجعظري، وغشمشم، وغيرها، إلا إذا طرأ عارض على ذلك الأعرابي الجعظري من محبة أو حنين أحاله مخلوقا رقيقا، تهزه نسائم الصبا، إذا تذكر أيام الصبا، ويهفو قلبه إذا ما للحبيب رنا. أما الصورة الشعرية فكان الشاعر يستوحيها من البيئة العربية ومن رحابة فكره رحابة الصحراء الخلية، من سمائها ومائها، نسيمها وحرها، رملها وعنانها، إبلها وظبائها، كانوا ذوو طبيعة صافية وقريحة راقية، تتجلى في الصور التي كانوا يرسمونها على قصائدهم، وفي معلقتي الحارث بن حلزة اليشكري وعمرو بن كلثوم التغلبي، صورا عجيبة، وأخيلة غريبة، تنافي الدعوى القائلة بسذاجة الفكر العربي القديم، من ذلك قوله: كأن سيوفنا فينا وفيهم ....... مخاريق بأيدي لاعبينا فعمرو في هذا البيت يشبه قومه بمن يلعبون بالسيوف الخشبية، من جهة عدم مبالاتهم بالحرب، ولفرط سرعة طعناتهم من جهة أخرى، كأنهم حاملين لخشب خفيفة لا لسيوف كثيفة، ولا يكون ذلك إلا لمن عظمت زندتاه من الرجال، ونضج مراسه للحروب، فيتراءى للعيان وهو في سرعة البرق ولامبالات اللاعب، وكقول الآخر: أجمعوا أمرهم عشاء فلما ..... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء من مناد ومن مجيب ومن ..... تصهال خيل خلال ذاك رغاء فالقارئ لهذين البيتين يخال نفسه وسط القوم قبيل ظعنهم، لدقة تصوير الحارث لهم ولمطاياهم، فترى العجاج يعلو السماء، رجل يصيح بآخر من بعيد فيجيبه، الخيل تصهل وتضبح، والإبل ترغو وهي تقام و تناخ، وذلك كله ولما تبزغ الشمس، وهم في عتمة الغلس. والصور الشهيرة لامرئ القيس: قيد الأوابد، مقبل مدبر، قفا نبك، وغيرها لا تزال تستثير فضول النقاد حتى اليوم للوصول الى كنهها، وعلم اليقين فيها، ولا يعني هذا أن فيها غموضا يتجلى بالقراءات المختلفة، إذ لا يخفى على ذي لب أن لها معنى واحدا وحيدا هو الذي فهمه كل من سمعها من معاصريه، فالشاعر قد يأتي بصورة عصية الفهم على العقل ولكن غير مستحيلته، فإذا أحس أنها قد تخرج من الصورة الى الإلغاز عدل عن التلميح إلى التصريح، إلا في اللغز الصراح، فوضوح المعنى لا يقتل البيت البتة كما يدعي بعضهم، ودليل ذلك، شعر المهلهل أخي كليب الذي يصل عمره الى ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة ولا يزال غضا طريا مفهوما واضحا جليا لنا كما كان في عهده، كقوله: يبكي علينا ولا نبكي على أحد ...... فنحن أغلظ أكبادا من الإبل المطلب الثالث: الوظيفة لقد كان للشعر الجاهلي وظيفة جليلة وقيمة خطيرة، بالنسبة للقبيلة العربية، فإذا نبغ فيها شاعر، أقيمت الاحتفالات وسيرت الدعاوى، فرحا بمن سيخلد مآثرهم ويحفظ تاريخهم، وينافح عنهم، ويرد هجاء أعدائهم، وكان الشاعر يقدم على الخطيب لشدة حاجتهم له، خاصة في الحروب التي كانت تنشب صباح مساء، أما في أوقات السلم فيفخر بقومه ويمجد شانهم ويعلي قدرهم، ويحيطهم بهالة من القوة والبسالة والمنعة، مع بذل النوال، والجود بالمال، وقرى الضيف وحفظ الجوار وغيرها من مكارم الأخلاق التي كانوا يتسابقون عليها استباق الجياد، وما ذاك إلا لتأثير الكلمة في نفس الإنسان العربي، فاللسان عندهم يقوم مقام السنان، وتصدير المقال يضاهي مقارعة الأبطال، والشاعر آنذاك بمنزلة الآلة الحربية التي ترجح النصر حال القتال، فيحض الرجال على المضاء، ويثير فيهم جرثومة الحمية، ويحط من قيمة الجبان ويقبح الفرار، وبالمقابل يهجو الأعداء وينبزهم بالضعف والقلة والجبن، وبضئالة الشأن وأنهم غير أكفاء لهم، فتنخلع نفوسهم ويدب الوهن إلي قلوبهم، ويتشتت جمعهم فيولون الأدبار، ويتحقق الإنتصار، ومن ذلك قول خشرم: إني من قضاعة من يكدها ...... أكده وهي مني في أمان ولست بشاعر السفساف فيهم ..... ولكن مدره الحرب العوان قد يبدو مما سبق ان الشاعر الجاهلي جعل شعره وقفا على القبيلة، إن حربا وإن سلما، ولكن ليس الأمر كذلك دائما، فللجانب الفردي نصيب منه وإن قل، يتمثل في الغزل والرثاء خاصة، فتراه في الغزل يشبب بحبيبته فيذكر الخدود والقدود، ويصف بعاد البلاد، ولواعج الفؤاد، وعده للنجوم، وتقلبه في مضجعه تقلب المحموم، وسهره مع البدر يشكو إليه أشجانه، وكثرة أحزانه، ويقف طويلا بالآصال يمني النفس بالوصال، وإذا فقد أخا قريبا أو خلا حبيبا، راح يبكيه ويرثيه، فيصف قربه من القلب، وفجيعته بفقده، وكيف كانت شجاعته وبطولته، ومكانته وسيادته، وشهامته ووسامته، وكرمه وشرفه . هذان الجانبان؛ الجناب الجماعي والجناب الفردي، هما جناحا الشعر العربي، فإذا انكسر أحدها هوى الطير بلا رجعة . المبحث الثاني : التجديد في صدر الإسلام والدولة الأموية لقد تغيرت حياة العرب بمجيئ الإسلام تغيرا كليا، ومن البديهة أن يتغير الشعر مع ما له من مكانة جليلة فيهم، تجلى ذلك في لبه ومضمونه، معانيه وألفاظه، فاستبدلت تعاليم الإسلام بالكفر والطغيان، والدعوة الى الله بالدعوة الى الظلم، والفخر بالدين بالفخر بالقبيلة، وصار عيار الشعر مدى صلته بهذا الدين الجديد ومدى سريان روحه فيه، ولكن دون المساس بالشكل العام له، بل حض الإسلام على الإبقاء على سنن العرب الحميدة وهو منها. إلا أن الأمر انقلب على عقبيه في عصر الدولة الأموية، بسبب ظهور الأحزاب السياسية ومحاولت الانقلاب على الخلفاء الأمويين، فظهر الشعر السياسي، كما ظهر شعر النقائض، الذي حمل لواءه جرير والفرزدق، حيث الألفاظ تتشابه والمعاني تتناقض، من جراء ترك الخلفاء لهم العنان أن يسابوا ويتنابزا في مجالسهم، لهوا وعبثا، كما عاشت الأغراض القديمة مع تحور فيها. المطلب الأول: في الشكل لم يخرج الشعر في صدر الإسلام والعصر الأموي في مجمله عن الشعر الجاهلي، وذلك راجع لقرب العهد بهم، وقصر الأمد، فإن كان التغير، كان في المضمون دون الشكل وفي المعاني خاصة، حيث نجد قصيدة كعب بن زهير -رضي الله عنه- ، الملقبة بالبردة سارت مسار القصيدة الجاهلية، تغزل ثم ذكر الظعن والظعينة فالناقة ثم ولج الى الغرض الأساس مدح رسول الله ومدح المهاجرين، وظلت الشعراء تنظم بالمقدمات الطللية والغزلية وغيرهما برهة من الزمن، إذ كانوا يرونها تقليدا أصيلا ونظاما لا ينبغي الخروج عنه، إلا في المقطوعات القصار التي لا تحتمل مقدمات لقصرها، كما وجدوا في البحور الوفيرة وفي حذف بعض تفاعيلها مندوحة وسعة، لإفراغ إبداعهم فيها، فلم يبغوا عنها حولا. المطلب الثاني: في المضمون لا جرم أن مضمون الشعر العربي هو أكثر الأشياء تغيرا فيه، فيكتسي لبوسا جديدا تحت قبة عمود الشعر العربي الأصيل، فنجد الألفاظ في هذا العصر قد رقت ولطفت وتغيرت دلالاتها، بمخالطتها للحاضرة، وهجر حوشي اللفظ ووحشيه، وغريبه وسمجه، وما قصة علي بن الجهم عنا بمجهولة، أما المعاني والصور فتباعد عنها الرمل وكثيبه، وقرب منها الديباج ولميسه، ورقت روح المعاني لرقة جسم المباني، وتجلت فيها قرائح الشعراء، الذين ما فتؤوا يبارون أسلافهم ويجارونهم، فأجادوا وأحسنوا كقول أحدهم: أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا ... وأَندَى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ وصار المرء يمدح لورعه وتقواه، ويهجى لفجوره ومعاصيه، واكتسى الرثاء معاني الإسلام، من غفران الله ورجاء الجنة والرضاء بقضاء الله وقدره، أما الهجاء فقد انتشر، وأصبح هجوما لكل البشر، الفقهاء والعلماء وحتى الخلفاء، وذلك بتأثير العصبيات والأنساب، فتارة يقبح خلق المهجو وتارة يقبح خلقه، وهم بين هذا وذاك في إفحاش واقتصاد. المطلب الثالث: في الوظيفة لقد قدمنا ما كان للشعر من دور بليغ في العصر الجاهلي، وفي فجر الإسلام بقي كذلك، ففي حياة النبي كان حسان بن ثابت، الفارس المجلى والسيف اليماني المحلى، يناضل الكفار بحراب أشعاره، فيصيب منهم المقاتل بلسان قال في وصفه: لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه، فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعمل الشعر في الفتوحات الإسلامية للحث على الجهاد وشحذ الهمم، فلما قرت دولة الإسلام واطمأنت أركانها، ظهرت رؤوس الفتن وأينعت، فعاد الشعر لما كان عليه في الجاهلية، كل حزب بما لديهم من شعراء فرحون، إذ هم عنهم ينافحون، وينادون باستحقاقه للملك، ويذمون الحاكم وأحوال البلاد، وكان يزيد بن المهلب في حربه مع الخوارج -وهو من الفرسان المعدودين- إذا تلاقت الصفان، وكشفت الحرب عن ساقها وحمي الوطيس أنشد قول الشاعر: تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياةً مثل أن أتقدما فتشتد نفسه ويظهر بأسه، فيبلي البلاء الحسن. قال الزبير بن بكار: سمعت العمري يقول: رووا أولادكم الشعر؛ فإنه يحل عقدة اللسان، ويشجع قلب الجبان، ويطلق يد البخيل، ويحض على الخلق الجميل . كما نجد الشعر الفردي يصور مذاهب الشعراء وأطوار أوطارهم، فمن عاشق شفه البين إلى أب يرثي البنين، الى بائس يكابد المحن، الى ناقم يذم الزمن، فيصور لنا الشعر أحوال البلاد والعباد، والعطايا والرزايا، طائرا بجناحيه. المطلب الرابع: أسباب التجديد الإسلام هو السبب الرئيس للتجديد في هذا العصر، حيث صبغه بصبغة دينية، حتى الموضوعات البعيدة في ظاهرها عن الدين كالهجاء، كما كان للأحزاب السياسية التي ظهرت آنذاك أثر غير قليل في تغليب أغراض على أغراض، والغلو في بعضها، كما كان لدخول الأمم الأخرى في بيضة الإسلام بعض التأثير، من خلال تلطيف الألفاظ ودخول بعض الكلمات العجمية المعربة في الشعر العربي، كالحاجيات والآلات والأبنية والألبسة والأطعمة الوافدة، دخلت عنوة في الشعر صورا وألفاظا، غير أن توغل الحياة الجديدة لم يكن عميقا، وذلك راجع لعروبة الخلفاء ومعظم الشعراء الذين كانوا يعرفون حق الأول، فغيروا في المضمون بحسب مقتضى الظروف ومستجدات العصر محافظين على الشكل العام للقصيدة العربية، إذ هو والشعر صنوان، لا يذهب أحدها إلا ذهب الآخر. المبحث الثالث: التجديد في العصر العباسي لقد تغيرت مظاهر الحياة العربية في الدولة العباسية تغيرا عجيبا، إذ امتزجت فيها شعوب عديدة، عرب وفرس، روم وقبط، وغيرها من الشعوب، تلاقحت الأفكار فتركت آثارا في الأشعار، فتولدت بيئة جديدة بمسحة جديدة، تغيرت بسببها الدور والقصور، العادات والآداب، وحتى الأكلات والثياب، إلا أن اللغة العربية ظلت كما هي، لم تنازعها لغة أخرى في مكانتها، وبعد مرور برهة من الزمن، ظهرت طبقة جديدة من المولدين تقرض الشعر وتجيده، وتنافس حتى العرب الأقحاح فيه، محورين إياه على حسب خلفياتهم العرقية والدينية، وهذا ما سيتجلى في المطالب الآتية إن شاء الله تعالى. المطلب الأول: في الشكل يعد العصر العباسي أول عصر في تاريخ الإسلام وحضارة العرب، مس فيه عمود الشعر العربي بالتغيير والتحوير ونقصد بعمود الشعر نظام الشطور والقافية الموحدة، فلقد كان لانتشار الغناء الأثر البالغ في عدول الشعراء عن الأوزان الطويلة الثقيلة العسيرة الى الأوزان القصيرة الخفيفة اليسيرة، مثل قول أبي نُواس: حامل الهوى تعب ... يستلذه الطرب إن بكى يحق له ... ليس ما به لعب وإن استعملوا الأولى جزؤوها، وأكثروا فيها من الزحافات حتى ظهرت أوزان جديدة كالمجتث. وما ترك منها على حاله اقتصر على الشعر الرسمي من مديح ورثاء، رثاء الأعيان والأشراف، أما المقطوعات والمجزوءات فكثرت في الغزل والهجاء والمجون والحكم والزهد، واجتراء هؤلاء الشعراء على البحور القديمة، جعلهم يلتمسون أوزانا جديدة كانت عند الخليل في عداد المهملة، كالمضارع والمقتضب والخبب، كما ظهر وزن جديد هو المواليا نظم فيه الشعراء الشعبيون، وهو شعر عامي ولكن موزون، "ولعل ذلك ما يسمى بالموال"[5] أما بالنسبة للقافية، فابتدعوا أشكالا عديدة فيها، إذ ظهرت المزدوجات والمسمطات وهذه الأخيرة بنوعيها المربعة والمخمسة، أما المزدوجات فيتفق فيها شطرا البيت في القافية، ويفترقان مع باقي الأبيات، مثل ما هو معروف في النظم التعليمي، وغالبا ما تكون على بحر الرجز، كقول أبي العتاهية في أرجوزته ذات الأمثال: ماتطلع الشمس ولاتغيب ... إلا لأمر شأنه عجيب لكل شيء معدن وجوهر ... وأوسط وأصغر وأكبر أما المسمطات فهي قصائد تتألف من أدوار، وكل دور تتفق أشطاره في القافية، ويخالفها الشطر الأخير الذي يسمى عمود المسمط، والمربعة منها تتفق أشطرها الثلاثة وقافية الرابع تختلف مثل: إله الخلق معبودي ... وفي الحاجات مقصودي ودين الكفر مردودي ... وعصمة خالقي ذخري أما المخمسة فتتفق فيها الأشطر الأربعة ويختلف الخامس منها، مثل: قالت: فإن القصر عالي البنا ... قلت: ولو كان عظيم السنا أو كان بالجو بلغت المنى ... قالت: منيع في الورى قصرنا قلت وإني فوقه طائر ورغم هذا التغيير إلا أنهم بقوا محافظين على نظام الشطرين والبيت الشعري، الذي لم يجدوه عائقا أمام خيالهم الجامح، وفهموا -كما فهم من قبلهم- أن إبداع المبدعين لا بد له من قوانين، تكون له كالحصن الحصين من الطفيليين المفسدين، الذين يرون الجدود في تلاشي الحدود، حيث لا وزن رادع ولا نظام قامع، هذا ما فهمه الشعراء الألى ذهبوا، فعضوا على ذينك بالنواجد . المطلب الثاني: في المضمون لابد من التغيير في مضمون الشعر بحسب الزمن المعيش، وبحسب ما طرأ فيه من أمور لم تكن في السابق شيئا مذكورا، هذا الذي يبث الحياة في الشعر ويجعله ديارا على الألسنة والأفئدة، وفي هذا العصر ظهر التجديد في الموضوعات القديمة واختلقت موضوعات جديدة، أما التجديد في القديمة منها فصارت الأغراض تفرد بقصائد لوحدها كمدح الخلائف ورثائهم، وصار الهجاء فاحشا أيما إفحاش بسبب انتهاج الزعار له، كبشار بن برد وحماد عجرد ودعبل وغيرهم من الشعراء الفسقة، الذين عدلوا عن إصابة جانب الأخلاق من المهجو إلى إصابة الجانب الحسي منه، فينتشر ذلك الشعر بين السوقة انتشار النار في الهشيم لظرافته وبساطته وخفته فيكون وقعه على المهجو عميما، أما الموضوعات الجديدة فعديدة، منها رثاء المدن والحيوانات الأليفة، وحتى البساتين والسكاكين كقول احدهم يرثي سكيناً له سرقت خلسة فوقع في خلده أن كاتبا سرقها فقال يرثيها: يا قاتل اللّه كتابَ الدواوين ... ما يستحثُونَ من أخذِ السكاكينِ لقد دهاني لطيفٌ منهمُ خَتِلٌ ... في ذات حدٍّ كحدّ السيفِ مَسْنُونِ إلى آخر الأبيات. كما أسفر المجون عن وجهه في هذا العصر، فصار الفخر بشرب الخمر أمرا طبيعيا ممن ينتسبون إلى لإسلام والإسلام منهم براء كبشار بن برد، وارتقى الغزل من المؤنث المكشوف إلى المذكر، ومن الجواري والقيان إلى الولدان والغلمان، أما ألفاظهم فتساهلت حتى غدت سهلة لا عسر فيها، تفهمها الخاصة كما العامة، وهي عربية محضة إلا قليلا، حيث قال بعض الشعراء شعرا حوى بعض الكلمات الأعجمية، فارسية و نبطية، تظرفا منهم فقط، كقول أبي نواس: والمهرجان المدار ... لوقته الكرار والنوكروز الكبار ... وجشن جاهنبار وآبسال الوهار ... وخره إيران شار وكقول الآخر في صاحب حانة نبطي ودعه عند انصرافه : فقال "إزل بشين" حين ودعني ... وقد –لعمرك- زلنا عنه بالشين و"إزل بشين" بالنبطية تعني امض بسلام. واستبدلت ثلة منهم الوقوف على الأطلال بوصف القصور والديار، ولم يكن هذا مطردا في كامل شعرهم، حتى عند من ظهرت شعوبيتهم وعداؤهم لكل ما هو عربي لم يمنعهم ذلك من أن يصفوا الديار الطامسات والرسوم الدارسات، أما الصور الشعرية فاستمدت من التمدن الجديد المليء بالزخارف والألوان، ومن الحاضرة البراقة والصروح العالية، وظهرت في أشعارهم البرك والطواويس، والنساء الشقراوات من بنات الأصفر، وثياب السندس والحرير، وظهر أيضا في أشعارهم الأقحوان والنعمان، والنسرين والياسمين، وبالإجمال عكست مرآة الشعر العباسي كل مظاهر الحياة عند جميع الفئات، دون المساس بنظام الشطور والقافية . يقول الدكتور شوقي ضيف: " ظلت الموضوعات القديمة المألوفة من مدح وغير مدح وهجاء تسيطر على الشعر والشعراء، وكانما كان هناك إصرار قوي أن تظل للشعر العربي شخصيته وموضوعاته وأن يظل حيا على الألسنة مع حياة الأمة، فلا يضعف ولا يذوي عوده، بل يقوى ويزدهر، غير متحول عن أصوله، مهما غذته الثقافات الفلسفية وغير الفلسفية، ومهما عبر عن الحضارة العربية الحديثة، فهو موصول دائما بقديمه، شأنه في ذلك شأن الآداب الحية، التي لا تنقطع صلتها بماضيها، مهما وقع عليها وعلى أهلها من تاثيرات حضارته وثقافته، إذ تظل متصلة به اتصالا يمكن لها في التاريخ وفي الخلود، وحقا تنعكس على موضوعات الشعر حينئذ آثار حضارية وثقافية كثيرة، ولكنها لا تحدث تعديلا في جوهرها، فجوهرها ثابت، إنا تحدث بعض إضافات تكثر و تقل حسب ملكات الشعراء وحسب ما كانوا يغذون به من الثقافات وما كان يداخلهم من إعجاب إزاء مظاهر الحضارة الجديدة "[6] المطلب الثالث: في الوظيفة إن شعراء العصر العباسي شعراءُ يختلفون مذهبا ومشربا، ولهم أغراض وأهداف، فهم بين زنديق حقود، عربي غيور، سكير عربيد، زاهد كسير، عائل فقير وغيرهم، فخرج شعرهم على شاكلة أحوالهم، أما الزنديق الحقود فقد أخذ ينظم الأشعار في الفخر بعنصره والحط من قيمة الإنسان العربي، على نحو ما نجده عند بشار، فقد استخدم الشعر ليطفئ بعض ما يجده في صدره من اضطرام النار، والعربي الغيور كالمتنبي انبرى لرد كيد الكائدين، فنظم الكثير من الشعر في ذلك، فكان من المتفوقين الخالدين، أما السكير العربيد فكأبي نواس ومطيع بن إياس، اللذان نظما في وصف الخمور والدعوة إلى الفواحش والفجور فضلوا وأضلوا، أما الزاهد الكسير فكأبي العتاهية بعدما آب، الذي دعا الناس إلى الصد عن الدنيا وزهرتها، فاخرج لنا حكما ودررا غررا، ردت الكثيرين من الغافلين اللاهين ، وأما العائل الفقير فكأبي الشمقمق الذي نظم في الفقر وشكوى الزمان، وضعف الصبية وانقلاب الخلان، والتماس الدراهيم والدنانير بالمدح تارات وبالهجاء تارات أخر، كذلك الاعتذار والعتاب بين الأصحاب والأحباب، إخوان الصفاء وخلان الوفاء. وبالجملة فقد كان للشعر في هذا العصر وظيفة خطيرة، على المستوى الفردي والجماعي، غيرت من مجرى الأحداث الصغرى والكبرى في البيئة العباسية بالإصلاح أو الإفساد، ولو أن شعرهم كان فيه غموض، لما أثار روحا ولا هز نفسا ولا حرك فكرا ولا استثار عقلا، ولا شحذ همة، ولا أيقظ فضيلة، ولا قبح منكرا، ولا صنع شيئا، سوى ان يكون مما يتذاكره السمار تحت أنوار الأقمار. المطلب الرابع: أسباب التجديد للتجديد في هذا العصر أسباب عديدة، أهمها: - الاتصال بالآداب الاجنبية، من طريق وفود الأمم الأعجمية على الدولة العربية الإسلامية حاملة ثقافاتها وفلسفاتها وآدابها وعلومها، فاحتكت الثقافتان وتمازجتا، حتى خرج لنا الشعر العباسي بهذه الحلة. - انتشار الغناء في بعض مجالس الخلفاء والكثير من دور الفقراء والأغنياء على السواء، مما دفعهم لطلب المزيد والمزيد من أشكال الموسيقا وألوان النغمات التي تخلفها القوافي والأوزان الجديدة علها تشبع بعض نهمهم. - ظهور طبقة عريضة من الشعراء الأعاجم الذي حاول بعضهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا أن يدخلوا ثقافاتهم المستجلبة إلى الشعر العربي، وكان بعضهم من أحرص الناس على المساس بهذا الشعر إلا أنهم لم يمسوه في قوامه العام. - إدبار الدنيا عن جلة الناس فانصرف الشعراء منهم إلى شعر الزهد والتصوف، كما أقبلت الدنيا على طائفة أخرى حتى نظموا في وصف الدواب والهوام والجمادات. - تصارع المذاهب والأديان في هذا العصر، فدافع كل شاعر عن مذهبه مفندا المذاهب الأخرى، كالنصارى وفرق علم الكلام، وبشار بن برد والمتنبي. المبحث الرابع: التجديد في الأندلس لقد عرف الشعر في الأندلس تغيرا من ناحية الشكل بما لم يعرفه في أي صقع من أصقاع البلاد العربية الإسلامية طرا، وإن كان الشعر في الدولة العباسية طرأ عليه التغيير الآنف الذكر وهو في أرض عربية وفي جو غالبه عربي، فكيف يكون الحال في الأندلس والأرض غير عربية والعرب فيها زمرة من بين زمر كثيرة اجتمعت تحت ظل قرطبة والمذاهب والثقافات متلاحمة والعلوم والآداب متزاوجة وهم في جزيرة إفرنجية ؟ المطلب الأول: في الشكل لقد ظهرت في الأندلس ألوان جديدة من الشعر لم تعهدها العرب من قبل، تندرج في معظمها ضمن الشعر الغنائي، ارتسمت فيها مظاهر الحياة الأندلسية، من طيب الهواء ولطافت الأجواء، وجمال التلال، وخضرة الجبال، وصوت العصافير ولين النسيم، ورغد العيش، فجاء شعرهم نغمات موسيقية عذبة ترددها القيان، إذ فكروا ونظروا كي يستنبطوا ويستخرجوا أشكالا جديدة تلائم أمزجتهم وتشبع رغباتهم، فاستحدثوا تلك الصنوف وأهمها من بينها فن الموشحات وهو ما سنكتفي به هذا المقام، يقول محمود فاخوري في شأنها: " ويمكن أن نحدد الموشح بأنه قالب شعري عربي وشكل مستحدث للقصيدة شذ فيه الأندلسيون عن مأثور نظامها الموسيقي الموروث في الوزن الواحد، والقافية الواحدة، إلى نظام آخر يحمل خصائص معينة "[7]، ويعتمد الموشح على أركان أربع هي: القفل والبيت والغصن والخرجة، " كل موشح أندلسي يتركب من وحدتين تتكرران عددا من المرات، وحدة يبدأ بها الموشح في العادة وتسمى " قفلا " ، فإذا لم يبدأ بها وبدأ مباشرة بالوحدة الثانية سمي الموشح " أقرعا " ، وهذه الوحدة الثانية تسمى " غصنا " . ويتكون الموشح النموذجي في العادة من ستة أقفال، تنحصر بينها خمسة أغصان، ولكن الوشاح غير ملزم بذلك إن شاء أن يزيد أو ينقص. واجتماع القفل والغصن التالي له يسمى " دورا " ، وبعضهم يسميه " بيتا " ؛ فالموشح النموذجي – على هذا الأساس – يتكون من خمس أدوار أو أبيات، وقفل ختامي يدعونه " الخرجة " ، ولكن الأقرع يشذ عن ذلك لأن أحد أقفاله ساقط "، وللتمثيل نورد هذا الموشح التام وقد حذفنا منه شطورا اختصارا: " سلم الأمر للقضا (غصن) فهو للنفس أنفع (غصن) وهذان الغصنان هما (المطلع( **** أنا أفديه من رشا (سمط( أهيف القد والحشا (سمط( سقي الحسن فانتشى (سمط( وهذه الأسماط الثلاثة هي (الدور( مذ تولى وأعرضا (غصن) ففؤادي يقطع (غصن( وهذان الغصنان هما)القفل( والدور مع القفل هما)البيت( **** ما ترى حين أظعنا (سمط( وسرى الركب موهنا (سمط( واكتسى الليل بالسنا (سمط( وهذه الأسماط الثلاثة هي (الدور( نورهم ذا للذي اضا (غصن) أم مع الركب يوشع؟ (غصن( وهذان الغصنان هما (الخَرْجَة) لأنهما يشكلان آخر قفل في الموشحة والدور مع الخَرْجة هما (البيت)"[8] وغالبا ما تكون الخرجة عامية، وقد تكون فصيحة كما في مثالنا هذا، ووزن الأقفال في العادة يكون مخالفا لوزن الأدوار، وهي على قسمين: قسم يأتي على أوزان العرب الأثيرة وقسم خارج عنها، ويقسمها الدكتور محمد زكريا في كتابه الموشحات الأندلسية الى ثلاثة أقسام : قسم يأتي على الأوزان الخليلية وقسم تغير فيه هذه الأوزان تغييرا جزئيا وقسم لا يخضع لوزن ثابت وإنما يعول فيه على الأداء مع الموسيقا، وجل الموشحات تأتي على هذه الشاكلة. أما القافية فتتفق الأقفال فيها كما تتفق سموط الدور فيها أيضا، ويختلفان فيما بينهما، أي أن الوشاحين عمدوا إلى تعديد القافية بمراحل متوالية، لإحداث الموسيقا المرجوة منها . كما ظهر فنون شعرية غنائية أخرى كالزجل والقوما والكان وكان والدوبيت والحماق وغيرها من الشعر العامي الغنائي الخارج عن الشعر العربي الفصيح فلا يعد -على الصحيح- تجديدا فيه . والجدير بالذكر أن أهل صناعة الموشحات لا يسمون هذا اللون "شعر الموشحات" بل يكتفون بكلمة موشح للدلالة عليه، وكأنهم قصدوا بذلك أنه ليس بشعر وإنما هو كلمات أغان فقط. يقول الدكتور عدنان علي في مقالة بعنوان هل الموشّحـات نوع من أنواع التجديد في الشعر؟: وقد يحسب بعضهم أنَّ الموشحات هي صورة للتجديد في الشعر العربي ، ولكننا لا نعتبرها كذلك لأنها ظهرت واختفت في زمن قصير ، ولأنها رافقت حياة اللهو والعبث والغناء والرقص الذي كان من أهم الأسباب التي أدّتْ إلى زوال حكم الإسلام عن الأندلس ، وفي ذلك إثم كبير ! وفي بعض الموشحات التزام بالوزن والقافية على أشكال مختلفة . ومن الخطأ الكبير أن نعتبر ما ساهم في هدم الأمّة تجديداً !" المطلب الثاني: في المضمون تعددت أغراض الشعر الاندلسي وتباينت، شأنها شأن الشعر عند المشارقة، فنظموا في الأغراض الأصيلة، إلا أن غرضي الغزل ووصف الطبيعة كانا السائدين فيها، ولا غرو في ذلك إذ كانت الأندلس فلقة من الجنة جعلها الله لهم سخريا، فبهرت العقول والألباب بجمالها الفتان، وحرك نسيمها قلوب أهلها فأسكن فيها الهوى، فلطفت طباعهم وحسنت أمزجتهم ورقت أخلاقهم رقة الهواء العليل البليل الذي ينعش فؤاد الولهان الهيمان فينطلق لسانه مازجا بين جمال الحبيبة البارع ونور الأفق الناصع، فيمتع السامع، فينبعث غزل ووصف متلاشي الحدود، فيصفون الخد بالورد والقد بغصن البان المياد المترنم مع مداعبة الرياح الرقيقة، والوجه بالبدر والشعر بالليل، أما الألفاظ فعذبة صافية براقة رقراقة لا غرابة ولا غموض، مألوفة في الآذان خفيفة على اللسان، يلوكها الولدان وذوو الأسنان، أما معانيهم فواضحة بينة -في غالبها- لا تحتاج إلى إنعام فكر أو إمعان نظر، كقولهم: ضاحك عن جمانْ ... سافر عن بدر ضاق عنه الزمانْ ... وحواه صدري أما الصور الشعرية أو الخيال فتتباين من شاعر إلى شاعر إلا أن الفئة الغالبة لم تك تأتي بالصور الغريبة، وكيف لها ذلك والهدف منها إمتاع السامع في مجالس الطرب واللهو والغناء، أوتسريح النفس في مجالس العلم لدى الشيوخ الفضلاء، مثل قول يوسف بن هارون: قد وضَعَ الكفَّ علَى خدَّهِ ... مفكِّراً مِن غيرِ أشجانِ كأنَّما يسترُ عن ناظري ... بنانُهُ ورداً بسَوْسانِ كأنَّما أطرافُهُ فضَّةٌ ... صيغَ لها أظفارُ عِقيانِ كما كانت موضوعات الشعر الأخر حاضرة في تلك الجزيرة، وعليها مسحة البلاد، فنجد المدح قد انتشر وخاصة في مجالس الخلفاء الذين مكنوا للشعراء والتفتوا إليهم ورفعوا من قدرهم وحضوهم على الإقبال بالأعطيات والصلات والهدايا والهبات فاندفقت على أبوابهم جموعهم من كل حدب وصوب، كما كان الهجاء يقترب إلى العتاب والتعريض منه إلى الإقذاع والتشنيع. ونشير إلى أن ابن بسام في كتابه الضخم الذخيرة لا يذكر هذا الفن إلا في عبارات متناثرة وقد نص مؤلفه على أنه لن يتعرض لها في كتابه لأن أوزانها خارجة عن غرض الديوان، إذ أكثرها على غير أعاريض شعر العرب" كما لا يشير الفتح بن خاقان صاحب قلائد العقيان ومطمح الأنفس للموشحات أبدا، كذلك عبد الواحد المراكشي في كتابه "المعجب" فإنه يعتذر عن عدم ذكر الموشحات لأن العادة لم تجر بإيرادها في الكتب المخلدة. هذا الذي يعزز رأينا في أن الموشحات كلمات أغان وحسب. المطلب الثالث: في الوظيفة لقد طغت وظيفة الشعر الفردية في عصر سيادة قرطبة على وظيفته الجماعية في أوقات استقرار أحوال الناس وهدوء بالهم لاطمئنان أركان البلاد وفشو الأمن والدعة، مما جعلهم يلتفتون إلى حياتهم الضيقة، فطفقوا يتغزلون ويمدحون ويرثون ويهجون لأسباب فردية وأغراض شخصية، فكشف الشعر عن أحلامهم ورغباتهم وطموحاتهم وآلامهم وأشجانهم وغضبهم وفرحهم وأغوار نفسياتهم ودهاليز أحاسيسهم، فتجد شعرهم قطع جمر حامية، أو دموع عين باكية، أوراق غصن خضراء، أو دل فتاة شقراء، نغمة عود رخيم أو بسمة صبح وسيم، وهذا لا يعني أن وظيفته الجماعية خبت وهمدت، إذ نجد بعض الشعراء عبروا عن آرائهم تجاه الحكم الجائر أحيانا، هذا الذي يدخل ضمن الشعر السياسي، كذلك مدحهم للقواد والفرسان أصحاب الثغور والمعارك، من يصدون غارات الصليبيين من حين إلى حين، كذلك كان للشعراء في عصر ملوك الطوائف والمرابطين أثر جسيم في إثبات أحقية مملكة على مملكة وذم الممالك الأخرى وإبراز عورتها إلى الناس فينفضون عنها، لذا كان ملوك الطوائف يقربون الشعراء ويدنونهم ويغرونهم طمعا في أن يرضى الشعب بواسطتهم عنهم ويقبلوهم ملوكا عليهم وحكاما. المطلب الرابع: الأسباب ترجع أسباب التجديد في الشعر في هذا العصر إلى: - استقرار البلاد وفشو الأمن - الاتصال بالآداب الفرنجية والإسبانية القديمة على رأي بعض الباحثين - انتشار مجالس اللهو والطرب والشرب وامتلائها بالقيان الضاربة على العيدان - طبيعة الأندلس الغناء، وأصواتها الراقية التي تميل النفس الى سماع الألحان - تشتت الأندلس وصراع ملوك الطوائف على أرضيها - استعانة الخلفاء بالشعراء لإغراء الناس بالاتباع والنصرة المبحث الخامس: التجديد في العصر الحديث عرف الشعر الحديث ثورة عارمة على الشعر العربي القديم من ناحية الشكل والمضمون، لا سيما بعد أن هدأت البلاد العربية وانجلى الغزو عنها، وكان الشعر قبل ذلك ينظم في الدعوة إلى الجهاد ووحدة الأمة والعود إلى السراط القويم، ونبذ التغريب، واحتضان حضارتنا الرشيدة، والاستقامة، وحمل مشعل العلم ورفع الهمم، ولما كان الفتح المبين وكشف الله عن أمتنا الغزاة المفسدين، ظهرت شرذمة من الشعراء والنقاد دعت إلى الصد عن ذلك كله والالتفات إلى الشعر الذاتي الوجداني الذي يصف النفس ودواخلها بعيدا عن أحوال مجتمعاتهم ومشاكل بلدانهم فتجد الواحد منهم غارق في الأحلام، يبكي تباريح الهيام، وأهله وبنو جلدته يقتلون ويذبحون، ومنهم زمرة ساوت بين الذات والغير، فلا هي قصرت شعرها على نفسها ولا حصرت قرضها على غيرها، فقالت في هذا وهذا فأصابت الصواب. وقد جعل العلماء الشعر الحديث على مدارس، كل مدرسة أو جماعة احتوت مجموعة من المبادئ والأسس والمقاييس رأتها الأجدر والأجدى دون غيرها أن يعتقدها الشاعر والناقد ويتتبعها، منها مدرسة الإحياء، جماعة الديوان، الرابطة القلمية، وغيرها، بيد أن الشعراء المنتمون إلى المدرسة الواحدة لهم مذاهب شتى وإن اجتمعت في عمومها، مما يصعب علينا التحدث عن خصائص كل مدرسة دون أن تفوتنا خصيصة لأحد أعضائها لم تندرج ضمن المميزات العامة لها، لذا آثرنا أن نتكلم في هذا المبحث عن خصائص الشعر الحديث الجديدة التي لم تكن لها جذور قديمة في التراث العربي بشكل ظاهر دون مراعاة المدارس. المطلب الأول: في الشكل تمايز التجديد على مستوى الشكل في هذا العصر كثيرا وأهم مظاهره الآتية: - الشعر المرسل. - الوحدة الفنية. - الشعر الحر. - القصيدة النثرية. وإذا أمعنا النظر وجدنا أن الشعر المرسل والوحدة الفنية قد سبقا في تراثنا العربي ولو بشيء من الغيير، فالشعر المرسل هو صورة للمسمطات التي تقدم ذكرها وفيها نظر لأن المسمط منتظم القوافي فينتظر السامع القافية كما سمعها نظيرتها السابقة، فتيد من لذته، أما في الشعر المرسل فيطأ أذن السامع ما لم يحتسبه، حتى إذا استانسه عكرت مزاجه قافية أخرى فتنفر نفسه فتستقبحها، فيقعون بذلك فما كان منه يحذرون وهو ملالة السامع وسآمته. والوحدة الفنية ونعني بها وحدة الغرض وتلاحم الأبيات، فهي أثيرة أيضا في تراثنا الشعري من لدن العصر العباسي، وحتى وحدة البيت الشعري الذي عيب من طرف المحدثين ما هو بعيب قط، بل كان من بين أهم الأسباب التي مدت من حياته حتى هذا العصر إذ لو كانت القصيدة لا يفهم معناها إلا بتمامها، فإما أن تحفظ جملة أو تترك جملة، والثانية هي الغالبة في القصائد الطوال، بل في القصار أيضا مع ضعف ملكة الحفظ، وضيق الصدر عن حمل الأشعار. أما الشعر الحر والقصيدة النثرية، فسنقتصر على خصائصهما فقط فهي الغرض من هذا البحث ونعقب بنقدها. الشعر الحـــر اختلف العلماء في رائد هذا الشعر الحر على شخصين، بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وأيا كان الرائد فإنه قد سن سنة سيئة باء بوزرها وسيبوء بوزر من يقتفي أثرها إلى يوم القيامة، هذان الشاعران بل الشعروران مضت فيهما سنت الأولين إذ أصابهما الله بمرض عضال قضى عليهما الموت. وذهب بعضهم إلى أن شعر التفعيلة هو التسمية الصحيحة لهذا اللون، على أساس أنه ليس شعرا حرا تماما مثل قصيدة النثر وإنما هو موزون وإن اختلفت أوزانه أحيانا، ومقفى وإن تغايرت قوافيه أحيانا أخر، إلا أنه لا يعتمد نظام الأبيات الشعرية المكونة من شطور، وإنما أبياته سطور، فقد يحوي السطر على تفعيلة واحد أو على ثنتين أو على ثلاثة وقد يصل إلى ست تفاعيل، والسطر الثاني به عدد يخالف السابق واللاحق وهكذا، مثل هذا النسق: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتنفاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتنفاعلاتن على منوال الشعر الإنجليزي. تقول نازك الملائكة في كتابها "قضايا الشعر المعاصر": والذي أعتقده أن الشعر العربي، يقف اليوم على حافة تطور جارف عاصف لن يبقي من الأساليب القديمة شيئا فالأوزان والقوافي والأساليب والمذاهب ستتزعزع قواعدها جميعا، والألفاظ ستتسع حتى تشمل آفاقا جديدة واسعة من قوة التعبير، والتجارب الشعرية ستتجه أتجاها سريعا إلى داخل النفس بعد أن بقيت تحوم حولها من بعيد "[9] انتهى قولها، فهي تصرح هنا علنا أن تجديدها هذا سيزعزع قواعد الشعر العربي ولا يزال به التجديد المزعوم حتى يجتثه من فوق الأرض، وتقول في موضع آخر: "مؤدى القول في الشعر الحر أنه ينبغي إلا يطغي على شعرنا المعاصر كل الطغيان، لأن أوزانه لا تصلح للموضوعات كلها، بسبب القيود التي تفرضها عليه وحدة التفعيلة وانعدام الوقفات وقابلية التدفق والموسيقية، ولسنا ندعو بهذا إلى نكس الحركة، وإنما نحب أن نحذر من الاستسلام المطلق لها "، ثم تقول في مقدمة ديوانها "شجرة القمر" وفي قولها شيء من الندم على ما ابتدعته: " وأني لعلى يقين من أن تيار الشعر الحر سيتوقف في يوم غير بعيد وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية بعد أن خاضوا في الخروج عليها والاستهانة بها، وليس معنى هذا أن الشعر الحر سيموت وإنما سيبقى قائما يستعمله الشاعر لبعض أغراضه ومقاصده دون أن يتعصب له ويترك الأوزان العربية الجميلة " هذا الذي عبر عنه الأستاذ عبد الله باقازي بظاهرة النكوص فقال: عندما ظهرت حركة شعر التفعيلة كانت نازك الملائكة رائدة في مجال “شعر التفعيلة”، وسجّل لها التاريخ النقدي هذه الريادة ثم ما لبثت الأيام أن كشفت عن أمرين: أولهما ولع نازك بالعروض، والبحور الخليلية تختص بالشعر العمودي إلى درجة كبيرة، وجاء نظام التفعيلة كاسرا لهيمنته، وثانيهما: وهو الأهم، معارضتها للقصيدة النثرية وسخريتها منها، وكان الأحرى ان ترحب بها شكلا شعريا جديدا، والأنموذج الآخر يبدو في الأستاذ العقاد؛ الذي نادى بالتجديد الشعري من خلال مدرسة الديوان؛ حيث شن هجومه الصارخ على شوقي، ونادى بنظرية شعرية جديدة، ثم ما لبثت الأيام أن كشفت عن نكوصه التجديدي، عندما ظهرت قصيدة التفعيلة في مصر على يد صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، فإذا بالعقاد يهاجمهما، ويرمي شعريهما بالنثر ويحوله إلى لجنة النثر على أساس أنه نثر، فهذا أمر نكوصي عجيب، ترى لو عاش العقاد إلى زمن قصيدة النثر ماذا كان سيقول عنها " انتهى قوله. ويقول الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية في شأن الشعر الحر والقصيدة النثرية: ... بل الأمر أوسع من ذلك ، فقد حدث في عصرنا : (( الشعر الحر )) الذي خالف العرب في نظام شعرها الموزون المقفى . وهذا منكر ، يفسد اللسان ، والبيان ، والذوق السليم ، ثم هو تغيير لشعائر العرب المحمودة ، وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في إنكار الإخلال بالشعر العربي وتغيير شعائر العرب المحمودة ، كأنه شاهد عيان لما حدث في عصرنا ، وكلامه في مجموع الفتاوى، قال - رحمه الله تعالى - : (( الوجه الثالث )) : أن هذا الكلام الموزون كلام فاسد مفرداً أو مركباً ؛ لأنهم غيروا فيه كلام العرب ، وبدلوه بقولهم : فماعوا وبدلوا وعدوا. وأمثال ذلك مما تمجه القلوب والأسماع ، وتنفر عنه العقول والطباع . وأما (( مركباته )) فإنه ليس من أوزان العرب ؛ ولا هو من جنس الشعر ولا من أبحره الستة عشر ، ولا من جنس الأسجاع والرسائل والخطب . ومعلوم أن (( تعلم العربية ؛ وتعليم العربية )) فرض على الكفاية ؛ وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن . فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي ؛ ونصلح الألسن المائلة عنه ، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها. فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيباً ؛ فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة ، والأوزان القويمة : فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان الناقلة عن العربية العرباء إلى أنواع الهذيان؛ الذي لا يهذي به إلا قوم من الأعاجم الطماطم الصميان؟!!)اهـ ثم قال - رحمه الله تعالى - : وهؤلاء قوم تركوا المقامرة بالأيدي ، وعجزوا عنها : ففتحوا القمار بالألسنة ، والقمار بالألسنة أفسد للعقل والدِّين من القمار بالأيدي . والواجب على المسلمين المبالغة في عقوبة هؤلاء ، هجرهم ، واستتابتهم ؛ بل لو فرض أن الرجل نظم هذه الأزجال العربية من غير مبالغة لنهي عن ذلك ؛ بل لو نظمها في غير الغزل ، فإنَّهم تارة ينظمونها بالكفر بالله وبكتابه ورسوله ، كما نظمها (( أبو الحسن التستري )) في (( وحدة الوجود )) وأن الخالق هو المخلوق ، وتارة ينظمونها في الفسق : كنظم هؤلاء الغواة ، والسفهاء الفساق . ولو قدر أن ناظماً نظم هذه الأزجال في مكان حانوت : نهي ؛ فإنَّها تفسد اللسان العربي ، وتنقله إلى العجلة المنكرة .انتهى قوله، ونشير هنا إلى خطر الشعر الحر من ناحية الشكل أنه يقتل الابداع وقول الشعر عند الناشئة، فمن المعلوم أن من المستحيل أن يقول أحد شعرا ولم يك قد سمع شعرا قط، لأن سماعه للنماذج الشعرية الكثيرة يرسم في ذهنه نوطات موسيقية معينة للأبحر العربية فيقول الشعر على منوالها، وتذكر كتب الأدب أن الخليل بن أحمد قبل وضعه للعروض قال: مررت بالمدينة حاجا، فبينا أنا في بعض طرقاتها، إذ بصرت بشيخ على باب يعلم غلاما، ويقول له: قل : نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم = نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا قال الخليل: فدنوت منه فسلمت عليه، وقلت له : أيها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصبي؟ فذكر أن هذا العلم يتوارثه هؤلاء الصبية عن سلفهم، وهو علم عندهم يسمى التنعيم، لقولهم فيه نعم .وقد جاء في إعجاز القرآن للباقلاني قوله: حكى لى بعضهم عن أبى عمر غلام ثعلب عن ثعلب: أن العرب تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول، يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن: * قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * ويسمون ذلك الوضع " المتير " واشتقاقه من المتر، وهو الجذب أو القطع، يقال: مترت الحبل، أي قطعته أو جذبته. انتهى قوله، ولنقرب الفكرة إلى العقول نورد هذا المثال، لو قيل لأحد اقرأ قول الشاعر وكرره: أسلمني في هواه أسلم هذا الرشا أسلمني في هواه أسلم هذا الرشا أسلمني في هواه أسلم هذا الرشا أسلمني في هواه أسلم هذا الرشا ثم قيل له قل على هذا الوزن لقال على هذا الوزن، وإن كان فيه اضطراب، ولكنه بالدربة والمران يقول الشعر بيسر دون عسر وبطبع لا بصنعة، أما الشعر الحر فإنه بسبب تغيير التفاعيل من سطر إلى سطر وطولها تارة وقصرها تارات أخر فإنه لا يمكن أن يتعلم أحد الشعر منه أبد الآبدين. يقول الدكتور بكري شيخ أمين في مقالته الرائعة الرائعة "بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين" يقول: " والذي سدد الطعنة النجلاء لكل ما صدر عن العرب والمسلمين هو الفيلسـوف الألماني (أزوالد شبينجلر) في كتابه المشهور" انهيار الغرب" لقد أوصل نظرية التفريق بين العقليات إلى قمتها، من حيث البحث العلمي، وتلمس الدلائل الموضوعية، والاعتماد على فلسفة التاريخ وتطوره . كانت نظريته تقـوم على فكرة ( الظاهرة الأولية) وهو يعني أن لكل أمة من الأمم ( ظاهرة أولية ) هي التي تتحكم في سلوكها، وعقلها، ونتاجها . وفكرة ( الظاهرة الأولية) استقاها من علم البيولوجيا (...) ثم يقول حكاية عن ذلك المستشرق: فالإغريق مثلاُ تبدو ظاهرتهم الأولية في ( المكان ) ومن صفات المكان وجود الأعمدة علواً ، والمسافات امتداداً . لهذا فإنهم عنوا بالأعمدة ، والمعابد المختلفة ذات الأعمدة الجميلة ، وقالوا بتعدد الآلهة . والظاهرة الأولية عند الرومان تبدو في ( العمود ، أو الجبل ) وهو يرمز إلى الاستعلاء والقمة . وهذه الظاهرة هي التي جعلتهم يتفوقون حربياً على الشعوب الأخرى، ويتسلطون عليها. كذلك فإن مفهوم الدولة عندهم منسجم مع هذه الظاهرة ، إذ يرونها فوق المجتمع، أما العرب، ويعني بالعرب كل ما امتد من الجزيرة العربية إلى أن يشمل سورية، والعراق، والقسم العربي من فارس، فالظاهرة الأولية تتجلى في ) الكهف). و(الكهف) عند شبينجلر يمثل محدودية مظلمة، ذات ازورار غير منفتح، وإيحاؤه محدود، مكتنف باللاانفتاح ، وبالإغراق في الإبهام . وللتدليل على صحة ما ذهب إليه ضرب مثلاً بالهندسة العربية المولعة بالأقواس، والقباب، والمحاريب بل ببنائهم الأصلي الذي هو (الخيمة). وفي زعم شبينجلر فإن الخيمة توحي بالكهف، ولا سيما في مظهرها الخارجي، بل في مظهرها الداخلي كذلك . وإلحاحاً على هذه الظاهرة الأولية جاء إلى الشعر العربي وزعم أنه مظهر للخيمة . استدل على ذلك بعلم العروض الذي ابتكره الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وبالتسميات التي استخدمها في أكثر مصطلحاته، كالعروض، والسبب، والوتد، وغيرها، فإنها جميعاً تدل على الخيمة وأجزائها. والقصيدة العربية دليل آخر على هذه الخيمة، فالتزام الشاعر بقافية واحدة من أول القصيدة إلى آخرها يجعلها بمثابة العقدة التي تمثل رأس الخيمة، ويجعل الأبيات بمثابة الشعاع الذي ينطلق من هذه العقدة، أو يتجمع فيها. وهذا كله يوحي بصورة الخيمة . إذن ، فالخيمـة ، والأقواس ، والمحاريب ، والشعر العربي تقود إلى ظاهرة) الكهف) وهذا يفسر انغلاق التفكير، وتحجره، أو قل : يمثل ـ على الأقل ـ محدوديته وانطباقه .انتهى قوله حفظه الله، فكيف بعد هذا يصدق الشعراء العرب قول هذا الأفاك الأثيم بأفعالهم من طريق نبذهم لمظهر الشعر العربي الأصيل الذي يمثل هوية لنا لا عائقا أمامنا. يقول الدكتور عدنان علي: وتَتَّجه سهام الأعداء إلى اللغة العربية فَيغزونها بالحداثة، وشعر الحداثة وباللغة العامية ومحاولة تغيير الحروف والقواعد والعروض، وأسس البيان والبلاغة، وبالشعر الحرّ من نثر وتفعيلة، وما هو بحُرٍّ ولا هو تجديد، إنه محض التقليد المؤذي"، ويقول آخر: كيف يكون تقليد شعرنا القديم تقليدا وتقليد شعر الغرب تجديدا ؟، ويقول آخر: يظهر هذا المنهج الفذ في الشعر العربي الذي توهم كثير من الداخلين في جحر الضب أن معاييره تضيق عن الإبداع وتستلزم الجمود!! كلا، إن الإبداع تسابق وما من سباق إلا وله مسارات وحواجز وضوابط، وإلا كان كل ماشٍ في الشارع متسابقاً، ولنأخذ مثالاً: الالتزام بالبحور الشعرية المعروفة، أيّ ضيق أو جمود فيها؟ إنها سعة لا نظير لها مطلقاً في شعر أي أمة من الأمم، مع الالتزام في الوقت نفسه بمعايير جمالية لا نظير لها كذلك، فالعروض العربي يتألف من ستة عشر بحراً، والبحر الواحد -غالباً- يكون منه التام والمجزوء والمشطور، وهذا ما يمكن تصنيفه -حسب المعايير الأوروبية- بحوراً جديدة، هذا غير ما يلحق التفعيلة نفسها من تغييرات معروفة لأهل الفن ولا يستفيد غيرهم من ذكرها هنا، إنها سعة تسمح للموهبة أن تبدع كما تشاء فيما تشاء مع ضبط لا يسمح بتسرب الطفيليات وولوج من لا يملك المفتاح". ويقول ثالث: ينبغي ألا تكون الحداثة التي نسعى إليها على حساب أصالتنا ، فالحداثة لا تتنافى مطلقا مع أي مكون من مكونات هويتنا. بل إن العمل على إيجاد السبل العلمية الكفيلة بالحفاظ على أصالتنا هو في ذاته مظهر من مظاهر الحداثة، فلتكن الحداثة هي وعينا بذاتنا وبالآخر معا، وليكن الحافز المحرك لنا هو المستقبل . وننبه هنا على أمر بالغ الخطورة لمن تدبره ووعاه وألقى السمع وهو شهيد، وهو أن الشعر الأوروبي على طول مدة حضارة العرب وهم في عصور الظلام، ومع احتكاك الثقافتين، وعلى مدى ثمانية قرون في شبه الجزيرة الأندلسية لم يغير الأوروبيون في شكل قصائدهم أبدا، ولم يكتبوها على نظام الشطرين أبدا، إلا أنهم أدخلوا القوافي التي لم تكن معهودة عندهم في شعرهم فأعطاها جمالا فائقا، وذلك لأنهم فهموا ما لم يفهمه شعراؤنا اليوم من أن شكل القصيدة مرتبط بتاريخ الأمة وآدابها وثقافتها وهويتها وتراثها فمتى زال زالت، يقول الدكتور روحي الخالدي:"إن ما اقتبسه الغرب من قواعد الشعر العربي، عن طريق شعراء التروبادور، فتحسن شعرهم بإدخال القوافي فيه". ويقول أحد العلماء: ... ارتبط بكلمة "التجديد" من تاريخٍ أسود ارتبط بدعاةٍ أرادوا هدم كلِّ شيء، وطمس هويَّتنا التاريخيَّة وذاتيَّتنا الإسلاميَّة باسم "التجديد"، وكان حديثهم -في معظمه- مرتبطاً بالغرب والسعي إليه وتقليده، وفي هؤلاء قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: "إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة والشمس والقمر!!" انتهى كلامه، إذن فالشعر العربي هو الثور الأبيض الذي يجب أكله أولا. يقول الشاعر الألمعي والأديب اللوذعي مفدي زكريا في الشعر الحر وأصحابه يقول: دنياهمُ دنّس الأطمـاع حرمتَهــا *****والشعر كالوحي، أصفانا فزكّانــا وإننا الشعراء النــاس، ما فتئـت***** أرواحنـا تغمر الإنسان إيمانـــا رســالة الشعر في الدنيـا مقدسة***** لولا النبوة كان الشعر قرآنـــا فكم هتكنا بها الأستــار مغلقـة *****وكم غزونا بها في الغيب أكوانــا وكم جلونا بها الأسرار مبهمـــة *****وكم أقمنا بها للعدل ميــزانا وكم صرعنا بها في الأرض طاغيـة***** وكم رجمنا بها في الإنس شيطانـا وكم حصدنا بها الأصنام شاخصـة *****وكم بعثنا من الأصنام إنسانـــا وكم رفعنا بها أعلام نهضتنـــا *****فخلد الشعر في الدنيــا مزايانـا وعابثين أرادو الشعر مهزلـــة***** فأزعجوا برخيص القول آذانــا تنكروا للقوافي حين أعجزهــم *****صوغ القوافي، وضلوا عن ثنايانــا وقالوا: جمود على الأوضاع وزنكمُ***** فشعرنا الحر لا يحتاج ميزانــا فأين من جرس الإيقاع خلطكــم***** ما الشعر؟ إن لم يكن دوحًا وأغصانا وهل أعار رواة الشعر لغوكــم *****وزنا، وهل حشوكمُ بالحفظ أغرانا؟ وما الذي يصل الأرحام في غدكـم *****إن كان ماضيكمُ زورا وبهتانـــا "رجعى" العروبة لا "عدوى" الدخيل بنا***** شتان ما بين عدواكمُ ورُجعانــا ويقول: وقــالوا: التقـدم شِعـر لقيـط *****تطير الأصالة فيه شظـايـــا تفاعيلـه كضمير اليهــــود *****يصوغ مبـانيه خبث النــوايــا وقد أصبح الشعر كالجيل خنثــى***** تذيب الميـوعة فيه الخلايـــا ولا جرم أن كثيرا ممن ينتسبون إلى الشعر الحر حاولوا محاكاة شعر الغرب فلم يجيدوه، ونسوا شعرهم، فلم يصيبوا هذا ولا ذاك فكان مثلهم كالغراب في قول الشاعر: إن الغراب و كان يمشي مشيـة ... فيما مضى من سالف الأجيال حسد القطا و أراد يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقــال فـأضل مشيته و أخطأ مشيهـا ... فــلذلك كنوه "أبــا مرقال" وإن كانت نازك الملائكة هي من أحدث هذا الضرب، ووصفته بقصيدة الشطر الواحد، فلا ضير أن يكتب النساء على شطر واحد ويتركوا الشطرين للرجال، فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن بطرح كلمة شعر عن هذا اللون، وليسمونه ما شاؤوا إلا شعرا فما هو بشعر. ولقد قام نجيب حداد بنشر مقال عنوانه:" مقابلة بين الشعر العربي والشعر الإفرنجي"، في مجلة البيان، التي أنشأها خاله الشيخ إبراهيم اليازجي (1847 – 1906م)، ووضعها مصطفى المنفلوطي (1924م) ضمن " مختارات المنفلوطي" ط1 – 1912م، انتهت إلى أن العرب يتفقون في وصف الشيء والإفرنجة يتفوقون في وصف الحال، وأرجع المؤلف اعتمادهم على القوافي المتعددة إلى ضيق لغتهم وقلة ألفاظهم، كما أنهم لا يستعملون وزنا واحدا في القصيدة الواحدة، والوزن عندهم ليس حركات وسكنات بل هي نبرة صوتية توفرها حروف المد، فيبقى الوزن سليما حتى إذا قدموا أو أخروا في الكلمات على عكس شعرنا العربي، ونرى أن شعراء الحداثة، قد رضوا بضيق لغتهم وقلة ألفاظهم فنوعوا القوافي، ونسوا تراثهم فقلدوا تراث غيرهم. وقد اخرج الكاتب عبد الواحد لؤلؤة كتابه "مدائـن الوهم" شعر الحداثة والشتات، الذي وصف فيه شعراء الحداثة بالمنتحلين لشعر غيرهم، ويقول في الأخير: ترى هل استطاع شعراء الحداثة إدراك هذا المطلب؟ أم تُراهم سيبقون هائمين في مدائن الوهم؟ القصيدة النثرية تذهب "سوزان برنار" إلى أنَّ قصيدة النثر هي ( قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور... خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية ). وقال آخر: قصيدة النثر باختصار، هي نثر غايته الشعر. وهو ضرب من الشعر ظهر في أوروبا ثم تلقفه بعض التبابعة العرب ونسجوا على منواله، كقول أحدهم: آه أيتها القمم العالية كم أنت باردة و وحيدة وهي من ناحية الشكل، جمل قصار، تتخللها فواصل، تكتب أفقيا، فإذا انتهى السطر عيد إلى الذي يليه وهكذا. ليس لها وزن ولا قواف، وابتكر لها بعض النقاد أمورا تدخلها ضمن الأدب -في زعمهم- كقولهم: إن فيها جمالا موسيقيا هو جمال اللاإيقاع، كما تمحل كثير من الدارسين في إيجاد جذور لهذا النوع في تراثنا العربي، فراحوا يخبطون خبط عشواء، مع علمهم أنه مقتبس من الغرب، وذلك رغبة منهم، كعادتهم في ربط الصلة بين القديم والحديث، وأنه في زعمهم تطور طبيعي للشعر العربي، غير أن هذا العصيان والعقوق الصراح على نظام شعرنا الأصيل، يمهد لموت الشعر وقتله، لأنه لم يعد يحوي منه إلا على المضمون، وهل روح بلا جسد، وقائل هذا الضرب ما نسميه؟ لقد جعلت العرب للشعراء أسماء تعبر عن مكانتهم، فأعلاهم الشاعر الفحل، ثم الشاعر، ثم الشويعر، ثم الشعرور، وصاحب القصيدة النثرية شعرور لا جدال، إلا أن يسقط لفظة القصيدة منها فيصبح ناثرا، وكل ما أوردناه في شأن الشعر الحر هو في قصيدة النثر مع زيادة، ولو أطلقنا العنان لخيالنا قليلا، لنستشرف المستقبل، كيف ستكون حال الشعر آنذاك، الأكيد أن قصيدة النثر ستنال نصيب الأسد في مجتمعنا يليها الشعر الحر ثم القصيدة الأصيلة إن بقيت موجودة، ويصبح الشعب كله شعراء ويختفي القراء. إذن قصيدة النثر والشعر الحر متعاونان في حمل نعش الشعر العربي إلى جدثه. المطلب الثاني: في المضمون سنعرض في هذا المطلب للتجديد في مضمون الشعر العربي الحديث دون الالتفات لما سبقوا إليه في شعرنا القديم، وتكمن مظاهر التجديد عموما في الجانب الذاتي وفي الغموض، كذلك الألفاظ والمعاني وغيرها. ألفاظ الشعر الحديث في مجملها سهلة بسيطة لا غرابة فيها ولا تعقيد، فإذا فككنا القصيدة إلى كلمات منفردة، وجدناها متداولة لدى العام والخاص، ولكن رصف بعضها بجانب بعض يولد الغرابة أحيانا، أما المعاني، فحاول الشعراء المحدثون أن يبتكروا معان جديدة لا يسبقوا إليها، فكان عليهم ألا يأتوا بما أتى به من قبلهم على مر زهاء ألفي سنة وهذا الأمر صعب جدا، فجنحوا إلى الصور الغريبة علهم يأتون بجديد. أما الشعر الذاتي، فهو ضرب من شعر نادى به الرمنسيون خاصة، يقوم على قصر الشعر على الذات الشاعرة وصفا وتعبيرا، وينأى عن الآخر سواء أكان فردا أم مجتمعا، يجعله الشاعر لسان حاله ومرآة نفسه، وتنفيس مكنوناته، فيصف دواخله وما يعتلج في فؤاده، ويعبر عن آلامه وآماله، ويعزل نفسه به عن محيطه وعن الناس، وهذا الركن في هذا اللون هو الأساس، إذ يرى أن وظيفة الشعر هي التعبير عن صاحبها وحسب، ليس الوعظ والإصلاح أو الدعوة إلى الفلاح، أو الترغيب والترهيب، أو وصف المساء والصباح، وكونه حديثا لا يعني عدم وجود إرهاصات له وبدايات في الشعر العربي القديم ولكن لم يعرف بهذه الحدة والمغالاة والإغراق في الذاتية بهذا الشكل. وكانت جماعة الديوان من أكبر الدعاة إليها حتى ليموا في ذلك، وجعله بعض الدارسين أثرا سلبيا في مذهبهم، حيث يفصل المبدع نفسه عن مجتمعه ويمضي في أحلامه وخيالاته غير محس بما يحيط به من قضايا كبرى تهز أركان الأمم، فتجد شعره ينافي واقعه المعيش، على عكس ما كان عليه الشعر في العصور السالفة، بل في العصور القليلة القريبة، قبل أن تنجلي غمة العدو عن الأمة العربية، إذ نجد شعراء الرابطة القلمية الذين نادوا بالرمنسية واعتنقوها، لم يعزلوا أنفسهم عن أمتهم بل قالوا ونصحوا وألبوا ودعوا إلى طرد الوسن والاستيقاظ، فنجد إيليا أبي ماضي مثلا يحرض على الجهاد، وهو نصراني، ويأمل في نهوض العرب فيقول في قصيدته "الغد لنا": إذا الأمس لم يرجع فإن لنا غداً ... نضيء به الدنيا ونملأها حمدا وتلبسنا في الليل آفاقه سناً ... وتنشرنا في الفجر أنسامه ندا فإن نفوس العرب كالشهب تنطوي ... وتخفى، ولكن ليس تبلى ولا تصدا ومثل اللآلي لا يخيس جمالها وإن ... هي لم ترصف ولم تنتظم عقدا إذا اختلفت رأياً فما اختلفت هوى ... أو افترقت سعياً فما افترقت قصدا ومن بين التجديد أيضا هجر الوقوف على الأطلال وبكاء الديار، وقد لام النقاد البارودي على فعله ذلك، وما علموا أن للوقوف على الأطلال فلسفة أخرى تعدو كونها وصف لما يتراءى للعيان فقط، فصلتها بالغزل صلة وثقى، وورودها في العصر الحديث ذكر لما يجيش في الوجدان، لأن الإنسان إذا أحب، قامت أبنية وصروح للحب في قلبه، لبناتها صور الحبيبة، وملاطها كلماتها، فإذا ابتعدت عن المقلة، درست المنازل وعفا الرسم، فعادت أطلالا، يبكيها صاحبها، فالمتنبي اللماح، الأديب الأريب فهم ذلك فقال: لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أواهل أما الغموض، فهو سمة طاغية على الشعر الحر خاصة، هذا الغموض راجع لأمور عديدة أهمها استخدام الرمز، ويعرف النقاد الرمز بقولهم: إن الرمز كلمة, أو عبارة, أو صورة, أو شخصية, أو اسم مكان يحتوي في داخله على أكثر من دلالة, يربط بينها قطبان رئيسان، يتمثل الأول بالبعد الظاهر للرمز, وهو ما تتلقاه الحواس منه مباشرة, ويتمثل الثاني بالبعد الباطن أو البعد المراد إيصاله من خلال الرمز. وهناك علاقة وطيدة بين ظاهر الرمز وباطنه ." وهو أنواع منها: الرمز العلمي, والرمز اللغوي, والرمز الديني, والرمز الفني, والرمز الأسطوري, والرمز الخاص. وغالبا ما يكون الرمز خاصا بالشاعر فقط، لا يمكن الاهتداء إليه مطلقا، والمقصود به: كلمة معناها الذي يريده الشاعر غير معناها الظاهري، كذلك الصورة الشعرية التي تستلهم من الفكر ومن الحياة، وهي كل تعبير يثير في أذهاننا صورة ما تتراءى تتراقص في عقولنا فتستحسنها الطباع فتقبلها أو تستقبحها فتمجها، إلا أن الصورة الشعرية اليوم في الشعر الحديث عموما والشعر الحر خصوصا مغرقة في الغموض، تجمع الأضداد، وتألف بين المتناقضات، فتخفق في معظم الحالات، وتصيب في حالات قليلة، كقول القائل: "على أجفانك يمشي الصباح" ونشير إلى أن شعراء الحداثة هؤلاء، يوظفون الأسطورة الغربية الغريبة عنا، اليونانية واللاتينية القديمتين، وقد أثر توظيف الأسطورة العربية المحضة في شعرنا القديم من لدن الجاهلي وحتى الأندلسي، فمن الجاهلي زعمهم أن الإنسان إذا قتل ولم يطلب بثأثره خرج من رأسه طائر يسمى الهامة أو الصدى فلا يزال يصيح على قبره: اسقوني اسقوني، فإذا أخذ بثأره طار بلا رجعة، فضمنها أبو هذيل في شعر في ابن عم له مقتول: فإن تُمس في رمسٍ برهوةَ ثاوياً *** أَنيسُكَ أصداء القبورِ تَصيحُ على الكره مني ما أكفكف عبرةً *** ولكنْ أخلّي سَربَها فتسيحُ فما لك جبرانٌ ومالك ناصرٌ *** ولا لَطَفٌ يبكي عليك نصيح وفي التراث العربي القديم أساطير كثيرة عدتها، تغني عن أساطير الأمم الأخرى. ومن العجيب أن نجد أحدا ينشد قصيدة غامضة مبهمة على منصة ثم إذا أتمها صفق الحضور بحرارة وكأنهم فهموا ما قصده الشاعر، ويزعم الزاعمون أن إيحاء الكلمات ينير طريق المعنى إلى المستمع وإن جهل القصد المباشر للكلمات. وما هذه إلا حجة العاجز، بل تصدق فيهم صفة الحمقى والمغفلين، إذ يفرحون بما لا يفهمون، فلو سألت أحدهم ما يعني بقوله كيت وكيت لما وجد جوابا، يقول أحد الدعاة: "ديوان المتنبي مجلد لطيف خفيف، فيه لفظ منيف، ومعنى شريف، أنصت لشعره الدهر، وعبر البر والبحر، وسار غدوه شهر ورواحه شهر. وبعض الشعراء المولّدين، لكل منهم عشرة دواوين، كل ديوان ككيس الأسمنت، إذا قرأت منها قصيدة سكتّ وصمتّ، وبُهتّ وخُفتَ ثم مُتّ، تعبنا من ركاكة الكلام، ومن هذا الركام، إذا سألناهم عن المعنى أكثروا من الهمز والغمز، وقالوا هذا شعر الرمز، فيه إيجاز، وألغاز وإعجاز، والصحيح أنه هراء وطلسمة، وشعاب مظلمة، وتمتمة، وهمهمة، وغمغمة." ويقوا الأستاذ العلامة أنور الجندي: "ليست دعوة مرحلية من دعوات التغريب في مجال الأدب ، ومن حيث تدخل في إطار السريالية والوجودية أو مذاهب الكلاسيكية والرومانسية والواقعية ، وإنما هي شيء أكبر من ذلك : إنها ثورة على الثوابت الإسلامية الأساسية عن طريقٍ خافت الضوء هو ( الشعر ) حتى لا تحدث ضجيجاً أو صياحاً يفسد عليها هدفها الذي تسير فيه حتى تصـل إلى غايتها الخطيرة . وهي تقصد أساساً إلى محاربة القيم الإسلامية وإزاحة فكرة الأصول الثابتة ، بهدف تغليب طوابع التطور المطلق ، والتغيير المتوالى الذى لا يعترف أساساً بالضوابط والحدود، (...) فهي عند فحص كتابات الداعين لها يتبين أن وراء هــذه الدعوة خطة رسمت بدقة وذكاء ومكر في نفس الوقت، قام عليها الحاقدون على كل شيء طيب كريم في دنيا الإسلام والعرب، وقد تعاقدت مطامحهم إلى توجيه ضـربة للصـحـوة الإسلامية عن غير الطريق الذي يتوقع منه الضربات، بل عن طريق مدخل ضيق قـد لا يلتفت إليه الكثيرون وهو الشعر" ثم يقول: " وقد جاءت حركة الشعر الحر - شعر التفعيلة - وغيرها منذ ظهورها مقدمة ومدخلاً لهذا العمل الخطير ، قام على رأس هذه المؤامرة شاب علوي ، خدعه النصراني ( أنطون سعادة ) زعيم الحزب القومي السوري، وليحمل لواء الدعوة إلى ما أسماه ( فينـيقيا ) وتلقفته الجهات التي استثمرته لخطة عمل بعيدة المدى ( علي أحمد سعيد - أدونيـس ) وقد أتاحت له تلك الجهات أن يحصل على الدكتوراه في الأدب العربي من معهد الدراسات الشرقية في الجامعة اليسوعية في بيروت، برسالة عنوانها ( الثابت والمتحول : دراسة في الاتباع والإبداع عند العرب ) حاول فيها أن يهدم صرح العربية الشامخ، ويثـبت أن أصحابه غير مبتكرين أو مبتدعين، ويبرهن على أنهم لم يقدموا شيئاً للإنسـانية ، وفي وضع ( أيدلوجية ) دعوته إلى الحداثة التي خُدع بها عدد من الشباب العربي الذي عجــزت خلفياتهم عن أن تحميهم من السقوط في هذا المستنقع." ونورد قول الدكتور بكري شيخ أمين عضو الكتاب العرب وعضو اللجنة العالمية للغة العربية على طوله لأهميته البالغة يقول: " ... يتخذ هذا التيار مواقف عدائية من التراث تنصب على كل ما هو عربي، أو إسلامي منه، بشكل صريح، لا لَبس معه عند أدونيس ويوسف الخال، وبشكل معلن مرة، ومبطن مرة عند عبد الوهاب البياتي، ومواقفهم هذه المعادية للتراث تتجلى من خلال قناعات ثابتة نابعة من أفكار مسبقة، ومن هذه الأساليب طرح مشكلة " الحداثة " والإلحاح على ضرورة وجودها، مع إصرار أن تكون بعيدة عن أي صلة بالتراث، و ربطها بالتيارات الفنية والفكرية الأجنبية، ومحاربتها المباشرة لكل ما يتصل بالقومية أو بالدين، أو اللغة العربية الفصحى، بل سعيها لتحطيم اللغة الفصيحة التي هي الحصن الحصين لحماية الأدب والتراث بعامة، فالبياتي مثلاً نشأ في بيئة علمية تتصل بالتراث، يتنكر بسبب اعتناقه المذهب الماركسي لكل ما يتصل بالدين والتراث من قريب أو بعيد . يقول في إحدى قصائده شاتماً الكتب الصفراء، والتي هي تراث العرب والمسلمين يقول : شبابي ضاع في المقابر والكتب الصفراء والمحابر من بلد لبلد مهاجر آه من صمت القواميس المريب ومقامات الحريري على هامش مخطوط قديم ذكرتني بكلاب الزمهرير تنبح الموتى بصحراء الجليد وفي قصيدة أخرى أكثر غموضاً يقول: أدخل في عينيك تخرجين من فمي على جبينك الناصع أستيقظ في دمي تنامين على سرر أمطار صحارى التتر الحمراء مجنوناً أناديك بكل صرخات العالم الوحشية واللغات كل وجع العاشق في قاع جحيم المدن العاشق والولي والشهيد في دمي تنامين. هل فهم أحد ماذا يريد البياتي أن يقول، اللهم إلا كلاماً تأباه اللغة العربية الفصيحة والشريفة، ومن هذه المدرسة نظم الشاعر اللبناني عادل فاخوري الكلام التالي، وأخذته الإذاعة اللبنانية، ولحنته، ودعته بالقصيدة الإلكترونية، قال الفاخوري تلميذ أدونيس: هسهسات السنابل صليل في الهوا ينتهي رحيل سين . سين . سين . سرساب أسود عصفور يطير يتبعثر في الريح يولد عند تجمع الأثير ويهوى الصعود كلما هم به من النشوة همى النشوة ريش سين . سين . سين سرساب أسود أبجد . هوز . حطي . كلمن سعفص . قرشت سين . سين أبجد هوز . حطي الحرف يسري حيث الموت حاء فحيح عصفور عين . صاد عصفور عين . صاد النشوة ريش اشخط النشوة ريش اشخط خط . نقطة . خط خط . نقطة . خط خط. ترى ماذا يريد هذا الرجل أن يقول ، بل ماذا يريد بتلك الحروف المقطعة ، عين . سين . عين صاد … تراها معارضة لحا ميم عين سين قاف، أو ألف لام ميم ، أم لشيء آخر؟ وإذا كنا قد نسبنا هذه الأشعار إلى أدونيس وصحبه ، فمن هو هذا الرجل ، وماذا يريد ؟ أدونيس رجل سوري الأصل ، من جبال العلويين ، اسمه الحقيقي : أحمد سعيد علي، واتخذ لنفسه لقب إله الخصب عند القدماء وهو " أدونيس " . تقلب بين الشيوعية، والقومية السورية، والناصرية، ثم تنصر، وهجر الوطن العربي كله، واستوطن فرنسا، ولا يزال فيها. أدونيس صاحب رسالة في هدم التراث ، وهو الفيلسوف ، والمنظر لهذا الاتجاه . ففي كتابه " الثابت والمتحول " وبخاصة في الجزء المسمى بـ " صد مة الحداثة " حرب معلنة شعواء وصريحة على كل قيم التراث ، والدين ، والأدب ، والشعر ، ورفض لكل أدب فيه أثارة من دين وإسلام . وهو يرى أن المشكلة المصيرية والحضارية تتمثل بمشكلة الدين ويعني به الدين الإسلامي ليس غير . قال أدونيس عن الإسراء والمعراج من قصيدة طويلة ساخرة من كل القيم الدينية على لسان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: رأيت باباً كتبت عليه كتابة قرأتها فانفتح الباب ، رأيت خلفه جهنماً رأيت غابات من النسوان يغلين في القطران يُطرحن للأفاعي هذا جزاء نسوة يظهرن للغريب .. هذي امرأة صورتها صورة الخنزير ..جسمها حمار لأنها لم تغتسل من حيضها هذا عقاب امرأة تعشق غير زوجها هذا جزاء امرأة لا تحسن العشرة .. أو لا تحسن الوضوء لا تصلي أفليست هذه الشواهد دليلاً على تلمذة هؤلاء لأولئك الشعوبيين، ودعوة إلى إحباط كل شيء عربي، أو إسلامي، أو آسيوي ؟ يقول أنور الجندي: " وقد قام لويس عوض - بروح متعصبة - دون أي شاعر عمودي يبتغي طريقــه إلى وسائل الإعلام والنشر من إذاعة أو صحافة أو أي وسيلة أخرى إلى الجماهير، كما يقول الدكتور طاهر أحمد مكي في كتابه "الشعر العربي المعاصر - دوافعه ومداخل لقراءته " : ( وأفسح المجال واسعاً عريضاً لكل من يكتب الشعر الحر، وإذا نشر قصـيدة عمودية لشاعر عمودي مثل كامل الشناوي "مثلاً" نشرها موزعة الجمل على نحو يوحي بأنها من الشعر الحر، وفي ظل هذه الحركة تحول شبان كثيرون لا يزالون شاردين في عالم الشعر - وكان يمكن أن يصبحوا شعراء عموديين ممتازين - إلى شعراء يكتبون كلاماً تافهاً في الشكل الجديد ، وأصبحوا كما يقول الشاعر أدونيس وهو ليس متهماً في شهادته هذه؛ لأنه من دعاة الشعر الحر المتحمسين له "في الشعر الجديد اختلاط وفوضى وغرور تافه وشبـه أمية، ومن الشعراء الجدد من يجهل حتى أبسط ما يتطلب الشعر من إدراك لأسرار اللغـة والسيطرة عليها، ومن لا يعرف من فن الشعر غير ترتيب التفاعيل في سياق ما، إن الشعر الجديد مليء بالحواة والمهرجين، كان هناك بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وهما من أخلص دعاة الماركسية نشر السياب قصائده ( جل في علاه ) وكلها صيحات إنكار بل ثورة على الله، هذا أمر، أما الأمر الآخر الذي يهدف إليه هذا التيار فقد كان واضحاً في تلك الرغبة المحمومة في إظهار الأحتقار للتراث الإسلامي العربي والزراية على الشعراء العرب القدامى المجددين، ونعتهم بالصنعة والتكسب، وإعلاء التراث اليوناني والروماني على ما فيه من وثنية ويسخر أدونيس من حادثة الإسراء في قصيدة ( السماء الثامنة ). المبحث الثالث: وظيفة الشعر أسباب التجديد فيه إن الغموض في الشعر العربي يناقض الوظيفة تمام، فإذا كان الشعر مبهما فكيف تكون له وظيفة، فلا هو يصف حالة الشاعر النفسية، ولا هو يخدم مجتمعه، فإذا كان هذا يفهم القصيدة بمعنى وذاك يفهما بمعنى آخر فأي فائدة ترجى منه إذن؟ وإذا فقد وظيفته الفردية والجماعية مات، فالغموض على هذا موت للشعر، وقد ظهرت مذاهب نقدية عديدة تحاول إقامة مناهج لتحليل نصوص الإبداع وشرحها ولكن بنظرية القراءات، وتدعي هذه النظرية أن من حق المحلل أن يؤول النص من منظوره فيعطي شروح لما جاءت به، ولكن ليس خبط عشواء بل بمنهج موضعي. يقول الدكتور عبد المالك مرتاض: "ومن الواضح أن من حق القارئ- المحلِّل- أن يؤوّل النصّ المقروء على مقصديّة الناصّ، ولكن دون أن يدّعيّ أن تأويله يندرج ضمن حكم الصّحة؛ إذ لا يستطيع أن يبلغ تلك المرتبة من العلم إلا إذا لابس الناصّ، وألَمَّ إلماماً حقيقياً بأحداث التاريخ التي تلابس النص والناصّ معاً، وعايش لحظة إبداع النص، وتواجَدَ في مكانه، وساءل الناصّ شخصيّاً عمّا كان يقصد إليه من وراء نسج نصّه المطروح للقراءة... ولِمَ قال ذلك؟ ولِمَ وَصَفَ هذا؟ ولِمَ، لَمْ يَصِفْ هذا؟ ولم كثّف هنا، ولم يُسَطّحْ؟ ولِمَ أومأ ولمْ يصرّح؟ أو، لِمَ صرّح ولم يُلَمّح؟ وهذا أمر مستحيل التحقيق.. إنّ تأويل النص قراءة للتاريخ، لا بحثاً عن الحقيقة، ولا التماساً للواقع، كما تدّعي المدرسة الواقعيّة التي تزعم للناس باطلاً، أنّ الأدب يصف المجتمع كما هو؛ وأنها هي تستطيع أن تفسّره كما قَصَدَ إليه صاحُبه...، ولا طلباً للمَعيشِ بالفعل... ولكنه إنشاء لعالم جديد يُنْسَجُ انطلاقاً من عالم النصّ من حيث هو نصّ؛ لا من حيث مَقْصِدِيّةُ الناصّ من حَيْثُ هو ناصٌّ ولا سواءٌ تأويلٌ يكون منطلقُه من مَقْصِديَّة النصّ فيقرؤُه بحكم ما يرى مما توحي به القراءة؛ وتأويلٌ يكون منطلقه من مقصديّة الناصّ فيقرؤه على أساس أنّه يتناول حقيقة من الحقائق ." انتهى قوله. أما كلامه هذا فهراء وغثاء، إذ كيف تنبني المعرفة الإنسانية من اللاحقيقة، بل الحقيقة بنت البحث فكيف يلد البحث الموضوعي حسب زعمهم غير الحقيقة؟ إن الوصول إلى مقصدية الناص لا تحتاج إلى سؤاله، ماذا تقصد بهذا؟، لماذا وصفت هذا؟ ولم تصف هذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟، لأنه وبكل بساطة، كلامه هو الذي يخبرنا، حيث إن الهدف الرئيس من اللغة هو التواصل، ونقصد بالتواصل الفهم والإفهام، فإذا فقدا زال ذلك التواصل، واستنطاقنا لنص غامض، بكلام غامض، مثل شطحات ذي جنة مخبول. والسيميائية والأسلوبية وتحليل الخطاب ولسانيات النص وغيرها التي تزعم الموضوعية في تحليلاتها، واليقين في نتائجها تقع في التناقض من حيث لا تعلم، حيث أن التأويل يناقض الموضوعية، أي كيف تأول النص بذاتيتك، ثم تقول: هذا هو الحق، والآخر يفعل مثل فعلك فيتعدد الحق، وإنما الحق واحد، وهي تيارات بنوية، استجلبت من العلوم التجريبة كالفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، ثم أدخلت عنوة على الأدب فصار جامدا غثا صلبا، يخاطب العقول لا القلوب فأماتوه بذلك، هذه المناهج تدعو إلى جعل النص بنية مغلقة على نفسها، فلا يجوز للمحلل أن يعمد إلى ظروفها الخارجية ليأول تراكيبها، بل أكثر من ذلك حين اتجهوا إلى الشعر القديم، يطبقون عليه هذه الترهات، ويقولون للنص: اسكت، نحن نؤولك كما نريد، فيحملوه ما لا يحتمل، ويثقلون كاهله بالمعاني التي لم ترد في خاطر الشاعر قط ولم تنبس شفتاه ببنتها. وإنما تصلح هذه الأراجيف في أراجيف الشعر الغامض المدلهم، والطيور على أشكالها تقع. وأسباب التجديد في هذا العصر تكمن في شيئين اثنين رئيسين: الاتصال بالآداب الأجنبية، الثورة على الشعر القديم، وإذا أمررنا النظر في أسباب التجديد مذ كان الشعر العربي، لوجداه يتغير لسببين، أولهما: اقتباسه من الثقافات الأجنبية، وثانيهما اللهو والغناء والمجون، وكلا السببين لا خير فيهما. والحديث ذو شجون، ولكن تكفينا الإشارة لهذا التجديد المزعوم وأن وراءه أمر جلل على الأمة الإسلامية، دخلها المبشرون لها من باب الشعر تحت اسم الحداثة، وشر الأمور محدثاتها، ومآلها أن يبتلعها حوت النسيان الغائص في بحار الأزمان. : د.جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء 17، دار الساقي، الطبعة الرابعة، 2001م، ص 175 .[3] : العضرفوط: ذكر العظاء.[4] [6] : شوقي ضيف العصر العباسي الثاني ص 203 : التجديد العروضي الغنائي في شعر الموشحات الأندلسية ـــ محمود فاخوري(*)[7] : : أحمد بن المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج 2، إحسان عباس، دار صادر، - بيروت – لبنان، ط 1، ص 251.[8] : [9] : اتجاهات الشعر العربي المعاصر
آخر تعديل قلالة 2011-02-06 في 13:37.
|
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
التحديد, الشعر, العربي |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc