بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله معز الإسلام بنصره ومذل الشرك بقهره ومصرف الأمور بأمره ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولا بعدله وجعل العاقبة للمتقين بفضله.
والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه.
أما بعد :
تمر مئات السنين لا يوجد فيها أحداث , و تمر سنة فيها أحداث لا تحتويها مئات السنين , العقد الأخير فيها أحداث متسلسلة و كأنها كتبت كدراما لقصة أو رواية يموت فيها البطل في النهائية لتبدأ الدموع و الآهات , إلا أن الفارق بدرامتنا الجهادية أن لا بطل أوحد لها , إنما أبطال , و النهاية لا تكون بموت البطل , بل تبدأ بطولة جديدة مع بطل جديد , و يأبى أبطالنا إلا أن تكون الخاتمة بدمائهم .
لدي إيمان بأن كل مقطع بهذه " الرواية " الجهادية مخصصة لرجل بعينه , و لا يستطيع أن يقوم بالدور إلا هو , هناك مقطع يستلزم الشدة و البأس فكان الشهيد الزرقاوي , و مقطع يستلزم القدوة و الأب المربي فكان الشهيد البغدادي , و مقطع يستلزم الدهاء و الذكاء الحاد فكان الشهيد المهاجر .
لو سألتني من الشخصية الجهادية ذات أعلى حضور " كارزمي" !! ستكون الإجابة بلا تردد : إنه الأمير البغدادي , رجل يجبرك أن تستمع لكل كلمة من خطابه بكل تركيز و رغم أنفك , تشعر وقتها بدفئ و حنان الأب , تشعر أنك أمام معلم قادر على إيصال المعلومة ببساطة و لكافة العقول , تشعر أنك أمام رجل حريص عليك أكثر من حرصك على نفسك , فلا عجب أن ترفرف الراية التي إختارها لدولته بكل أنحاء الأرض شرقا و غربا .
كنت في رحلة قبل سنتين إلى قرية في بلدي , أهلها من البدو , لا أبالغ إن قلت أنها قرية خارج الحضارة , التقيت بأحد أبنائها و بدأت الثرثرة بكل المواضيع إلى أن وصلنا للجهاد , فسألني بشكل مفاجئ هل سمعت بأبي عمر البغدادي ؟ قلت : لا , ريبة وفضولا بمعرفة ما يعرفه هذا الرجل عن الأمير البغدادي , و يا ليتني قلت نعم , ساعة كاملة و هو يحدثني بحماسة و متعة و بأمور أعرفها , و أخبرني أن غيره بالقرية محب لهذا الرجل ,و أمه تدعو له ألخ , قلت سبحان الله حتى عجائز الصحراء عرفنا بالبغدادي رغم التكتيم الإعلامي الرهيب بعالمنا العربي .
إنه رجل خلقه الله ليؤدب به أقوام الكفر , رجل نقش بخصاله النادرة بأحرف من ذهب على صخرة تاريخ أمتنا,رجل و كأنه سقط علينا من القرن الهجري الأول, رجل تملك القلوب قبل العقول , رجل ختم حياته و هو يحاول جاهدا توحيد و لمّ صفوف المسلمين , رجل تعب كثيرا كثيرا و آن له أن يستريح .
أعترف أني أكتب و ما زلت بأجواء الصدمة , كلماتي مبعثرة , و مشاعري مختلطة , ما زلت بحاجة لكثيرا من الوقت لأبتلع ما جرى , لكن أدعو الله أن يتقبله و يجزل له الثواب و يسكنه فسيح جناته , و لا سامح الله من ظلمه و طعن في عرضه .
أما شيخنا المهاجر , فكلما أتى بذهني يأبى سؤال إلا و ينقدح , من أين يأتي بكل هذا العزم ؟ تسلم الراية بعد الشهيد الزرقاوي فكان نعم الحامل لها , إنه قمر الجهاد , رجل حاد الذكاء , يتعامل مع الملمات بهدوء و روية , و بذكاء قل نظيره , فكان مهندسا بارعا لعشرات و ربما مئات من العمليات , و ما أصعبها على النفس لا نسمع فيها شيخنا المهاجر .
و إن كان لي أمنية في هذا المقام, فهي معرفة الحوار الأخير بين الرجلين و هما يقاتلان و الأحزمة الناسفة تزين أجسادهم .
أخيرا
و كأن بناء دولة الإسلام لا يكتمل إلا بقائدين من خيرة القادة , و يعلم الله لا أن لا خوف في قلبي على دولة الإسلام , لأنهم تركوا من بعدهم رجال تربوا على أيديهم , و سيعلم أبناء المتعة و أبناء الماكدونلز ذلك قريبا .
أظن سيصدر بيان قريبا باسم الأمير الجديد و كذا وزير الحرب الجديد , لتبدأ بطولة جديدة , و لن تنتهي البطولات إلا كما قال الشهيد المهاجر : حتى يقاتل آخرنا مع المهدي .
عندما سمعت نبأ استشهاد الأميرين , تذكرت الشيخ الحبيب أبو عبد الرحمن العراقي .
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
: آل عمران169
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
: البقرة 156