محبة الناس ، وما الذي يوجب أن يحشر الحبيب مع حبيبه ؟
السؤال:
عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال : سمعت حبيبي رسول الله يقول: ( من أحب قوماً حشر معهم... الخ ) .
هل إذا قلت : إنني أحب جميع الناس ، هل هذا حلال أم حرام ؟ ما شروط هذا الحب ؟
السؤال الثاني :
عندما أقول لصديق مثلا : ازيك يا حبيبي ، أو : أنت حبيبي ، كنوع من المودة , هل كلمة حبيبي تعنى أنني سأحشر معه يوم القيامة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى الطبراني في " المعجم الأوسط " (6/293)
وفي " المعجم الصغير " (2/114)
عن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ : لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهَ عَبْدٌ فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ ، وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ ) .
قال المنذري : إسناده جيد .
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترغيب والترهيب " (3/96) .
أما حديث جابر رضي الله عنه ، المشار إليه في السؤال
فقد رواه ابن عدي في "الكامل" (1/ 492)
من طريق إِسْمَاعِيل بْن يَحْيى، عَنِ سُفْيَانَ الثَّوْريّ، عَنْ عَبد اللَّهِ بْنِ مُحَمد بْنِ عَقِيل، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنَ أَحَبَّ قَوْمًا عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَتِهِمْ فَحُوسِبَ بِحِسَابِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ أَعْمَالَهُمْ ) .
وهذا إسناد موضوع ، إسماعيل بن يحيى قال ابن عدي : " يحدث عن الثقات بالبواطيل "
. انتهى من "الكامل" (1/ 491)
وكذبه الدارقطني وغيره
انظر : "الضعيفة" (4536) .
ويغني عنه ما رواه البخاري (6169) ، ومسلم (2641)
عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ) .
وروى مسلم (722)
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: " أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ : ( بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلَاةِ الضُّحَى ، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ ) .
ثانيا :
لا يجوز للمسلم أن يقول : " أحب جميع الناس " ؛ لأن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ، والمسلم يحب المسلمين ويواليهم ، ويبغض الكافرين ويجاهدهم ويعاديهم
قال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) المجادلة/22 .
وصواب العبارة أن يقال : " أحب الخير لجميع الناس " ، فمن كان منهم كافرا ، فأفضل الخير له : هو الإيمان ، ومحبة الإيمان لجميع الكافرين : أمر مشروع محمود .
ثالثا :
مما يقوي العلاقة بين المسلمين ، ويربط بينهم برباط الوئام والألفة ، أن يصرح المسلم لأخيه المسلم بمحبته له ، ويتقرب بذلك إلى الله ؛ ففي الحديث الصحيح عنه
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يحبّه )
رواه البخاري في "الأدب المفرد" (542) وصححه الألباني .
لكن المحبة التي توجب لصاحبها أن يحشر مع من يحبه : فهي المحبة التي تقتضي تعظيم ما هو عليه من الدين والخلق والعمل والحال ، أو الرضا به ، ومن شأنها أن تحمل صاحبها على متابعة صاحبه ، والتشبه به ، والأخذ بعمله ، ودينه ، وخلقه .
سواء كان ذلك في جانب الخير المرضي ، أو الشر المسخوط المرذول .
ومن قال لصاحب له : " كيف حالك يا حبيبي " ونحو ذلك على سبيل المؤانسة والمباسطة فلا حرج عليه ، ولا يلزم بمجرد تصريحه له بذلك أن يكون معه يوم القيامة ، بل ربما أحبه على أمر من الدنيا
محبة طبيعية ، كمحبته للقريب منه ، أو لمن كان من بلده ، أو محبة من أحسن إليه ، أو أعانه على أمر من الدنيا ، ولا يوجب شيء من ذلك كله أن يحشر معه يوم القيامة .
والله أعلم .