هو حالة خاصة في عالم الديكور تمزج بين الخشب والصدف في تناغم رائع بين عاشق ومعشوق، وليقدم لنا «الأزميل» بطل الحرفة، فناً رائعاً في النهاية يطلقون عليه «أرابيسك»، وهو الفن الذي ما زال على الرغم من انتشار أنماط الحداثة والمعاصرة في الديكور، ذا مكانة في العديد من تصاميم الأثاث بما له من سحر خاص يضفيه على المكان، حيث يحملنا إلى زمن جميل بكل بساطته وحميمية الأجواء التي تمنحها لنا.
وعلى الرغم من ارتباط الأرابيسك بفن العمارة الإسلامية، إلا أنه نشأ قبلها بسنوات طويلة، حيث أدركته العمارة القبطية في مصر قبل الفتح الإسلامي، فعرفه المصريون بسبب ندرة الأخشاب المتوافرة، مما اضطرهم إلى استخدام بقايا الخشب المتبقية من عملهم، وقاموا بتجميعها وتشكيلها، ومن هنا كانت بداية الأرابيسك، حتى أن أشهر أشكاله ما زالت تحمل أسماء قبطية.
وقد ازدهر فن الأرابيسك مع عهود الإسلام الأولى وبخاصة في العصر العباسي، الذي يعتبر العصر الذهبي للفنون والعلوم الإسلامية بوجه عام، كما شهد نهضة في ترجمة مؤلفات إقليدس عن الأشكال الهندسية وحساب المثلثات التي اعتمدوا عليها كأساس في فن الأرابيسك، وقد تميزت أعمال الأرابيسك التي أبدعها المسلمون في تلك الفترة بخلوها من الرسوم الحية للكائنات البشرية والحيوانات، وغلبت عليها الأشكال ذات الطابع الزخرفي والخطوط والحفر ورسوم النباتات.
وتنوعت استخدامات الأرابيسك بشكل كبير في البيوت الإسلامية القديمة ليس فقط في تصميم الأثاث ولكن أيضاً في المشربيات وكاسرات الإضاءة، حيث قاموا بعمل شبابيك من الأرابيسك بفتحات واسعة لإدخال الهواء، أما إذا أرادوا حجب الهواء والشمس عن دخول المكان فكانوا يصنعون شبابيك الأرابيسك بفتحات ضيقة. وتألق فن الأرابيسك في المساجد والقصور أيضا. ولا يقتصر فن الأرابيسك على شكل «المشربية» التي تعد الأكثر شهرة، ولكنه يمتد إلى العديد من التصميمات التي تبدأ بالمقعد العربي وتنتهي بالغرف المصممة بأكملها من الأرابيسك.
ولا تزال، رغم مرور السنوات عليها، صالحة لتزيين البيوت العربية تضفي عليها رونقا وطابعا دافئا. فرغم الثورة في عالم الديكور والأثاث، بما فيه الأساليب الحديثة والعصرية أو الكلاسيكية، يظل الديكور العربي محافظا على مكانته شأنه شأن الطراز الهندي والانجليزي والفرنسي حيث يمتلك القدرة على فرض نفسه في أي ركن من أركان المنزل حتى لو تم وضعه بين أثاث حديث فمن الممكن المزج بين الطراز الحديث وبعض قطع الأرابيسك.
إلا أن السائد في البيوت العربية هو تخصيص ركن مستقل بذاته أو غرفة تحتوي كلها على أثاث عربي متناسق التشكيل، بالإضافة إلى بعض قطع الديكور كالإطارات وحامل المصحف، ووحدات الإضاءة والمكتبات وغيرها من الإكسسوارات ومكملات الأثاث. المهندس عماد البطراوي خبير الديكور الإسلامي قدم للشرق الأوسط عدة أفكار ونصائح أهمها انه من الممكن تصميم قاعة شرقية كاملة من الأرابيسك بدءاً من الكراسي حيث يتم تزيين المساند والظهر بالأرابيسك، والمناضد والكنبات ومرورا بتزيين الحائط والسقف بالأرابيسك وحتى الإكسسوارات الصغيرة التي تستخدم كمكملات للقاعة مثل الإطارات والقناديل. ولا بأس ان تبدو هذه الغرفة وكأنها متحف صغير في المنزل، لأن الجلسة فيها ستكون حميمة للغاية. يمكن أيضا عمل بارافان من الأرابيسك للفصل بين حجرة وأخرى، ويمكننا أن نضيف للبارافان وحدات من الخشب العصري، ليتناسب مع باقي ديكور المنزل. وأضاف: يعود السر في استمرار فن الأرابيسك رغم مرور قرون عديدة إلى وجود من يقدرون هذا الفن ويتذوقونه حتى الآن وقد استفاد الأرابيسك من التقنيات الحديثة ودخلت في صناعته الماكينات بجانب العمل اليدوى. ومن الجدير بالذكر أنه لا ينافس الأرابيسك المصري، الذي يعتمد في تصنيعه على خشب الزان والنحاس والصدف والفضة، سوى الأرابيسك السوري على الرغم من انه لا يتمتع بالانتشار الذي يتمتع به الأرابيسك المصري، لأنه يعتمد على أخشاب اقل جودة.
ويؤكد خبير الديكور محمد الغتوري أنه من الممكن المزج بين الأرابيسك والأثاث الحديث المعاصر في ديكور المنازل، بإحداث توازن بينهما واستخدام وسائط تضفي عليهما المزيد من الجمال. مثل وضع كنبات عربية من الأرابيسك مع سجادة يدوية الصنع مصنوعة من ألوان دافئة ومتداخلة ورسوم هندسية أو نقوش لها نفس الطابع العربي، أو نستخدم مقاعد مصنوعة من الخشب الزان المطعم بأجود أنواع الصدف المقطع بشكل فني ويتم تجميع كل قطعة بشكل إبداعي مع خلق علاقة بينها وبين قطعة أخرى صغيرة مثل منضدة أو صندوق صغير أو قطعة صغيرة من السجاد.
الطاولات الخشبية ذات التصميم الشرقي سواء المنشورية الشكل أو المسدسة أو المثمنة الأضلاع والمطعمة بالعاج أو الصدف يمكن أيضاً استخدامها في أحد زوايا الغرف ذات الطرز الحديثة مع وضع أباجورات مناسبة للفرش والستائر. هناك أيضاً إمكانية استخدام كونسولات وأرفف من الخشب المعشق في مدخل المنزل واستغلالها في ترتيب الكتب أو تزيينها ببعض التحف الصغيرة. ويؤكد الغتوري أن غرف النوم المصنعة من الأرابيسك تضفي ثراء على أي مكان تستعمل فيه، سواء كانت الغرفة كلها من الأرابيسك أو تم مزجها مع بعض قطع الأثاث الحديث، فإذا كان الدولاب والفراش من الأرابيسك، من الممكن أن تكون الطاولات على جانبي الفراش من الطراز الحديث أو العكس.
وإذا أردنا إضفاء المزيد من ثراء الأرابيسك، يمكننا إضافة مشربية للنافذة، أو استخدام صندوق من الخشب المطعم بالصدف والنحاس وإضافته إلى الديكور المصنع من الأرابيسك سواء في غرف النوم أو غرف المعيشة والاستقبال.
وتلعب الإضاءة التي تستخدم مع الأرابيسك دورا هاما في إبراز جمال هذه القطعة الفنية، ويفضل الإضاءة الهادئة باستخدام اللون الأصفر لأنه سيبرز نقوشات الأرابيسك، وإن كان يفضل الابتعاد عن الإضاءة «الفلورسنت»، ومن الألوان المفضل استخدامها في الديكور مع الأرابيسك البيج بدرجاته وألوان قريبة من الابيض، إلى جانب الألوان الفاتحة لأنها ستتناسب مع اللون البني ـ لون الأرابيسك ـ المهم تجنب استخدام الألوان الغامقة أو الصريحة لأنها لن تظهر قيمته الجمالية. للحفاظ على الأرابيسك أطول فترة ممكنة، يفضل استخدام فرش خاصة لتنظيفه تختلف عن فرش تنظيف الخشب العادي كونه يحتوي على نتوءات ونقوشات بارزة. كما يفضل تلميعه باستخدام نوع من الدهان يطلق عليه «الاستر».