السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لطالما كان القانون هو السلطة التي تحكم بين البشر في المجتمعات المعاصرة ولهذا كان من الواجب على من يضع هذا القانون ويصيغه في مجتمعنا المسلم أن يتمتّع : بالدين والخلق ، بالعدل ، بروح المسؤولية ، بعدم إتباع الهوى والركون إلى العواطف ........ إلخ
ولطالما كان للقانون تأثير كبير في صياغة العلاقات الإجتماعية والإنسانية والعائلية مماّ يلزمه أن يكون محافظا على هذه العلاقات لا هادما لها ولا أن يكون سببا في بثّ الأحقاد بين الناس وبين أبناء المجتمع وبين العشائر والأنساب فضلا عن أن يتسبّب في جرائم قتل كما شاهدنا والله المستعان .
يا أهل القانون فلتعلموا أنّ القانون ليس ملكا لأحد ولا يجب أن يصاغ وفق الأهواء الشخصية ولا الضغوطات الدولية ولا شهوات الجمعياّت العلمانيّة بل يجب أن يصاغ وفقا لمبدأ العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حقّ حقّه مع عدم الخروج عن أحكام الشرع والعرف .
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) - النساء -
موضوعنا هذا يشمل قانون من أهمّ القوانين المؤثرة في بناء المجتمع والأمّة ألا وهو قانون الأسرة ، وسنذكر الأخطاء الموجودة في هذا القانون المخالفة للشريعة الإسلامية و المخالفة لمبدأ العدل .
أ : الأخطاء المخالفة للشريعة الإسلامية : وهنا لن أقدّم القانون بصيغته الكاملة فأنتم أعلم به بل سأقدّم مضمونه فقط .
1- عدم وقوع الطلاق خارج المحكمة :معلوم أن هذا القانون مخالف للكتاب والسنة والإجماع ، فالطلاق بيد الرجل متى تلفّظ به وقع ولو كان بالمزاح والهزل وبالتالي فإن المحكمة ما عليها إلا توثيق هذا الطلاق لأنه واقع والعدّة تحتسب منذ أن تلفّظ الزوج لا منذ حكم المحكمة ، فإذا انقضت عدّة الزوجة من الطلاق الرجعي فإنه تخرج من عصمة زوجها نهائيا ولو لم تحكم المحكمة بذلك فلا هو له حقّ فيها إلا بعقد جديد ولا هي لها حقّ عليه لأنّها أجنبيّة عنه .
2- التعويض عن الطلاق التعسفي : لم يوجد هذا الإسم في ثراثنا الفقهي ولا في تاريخنا الإسلامي طيلة 14 قرن ، كما لم يعرف التعويض عن الضرر المعنوي في الطلاق عند فقهاء الإسلام قديما وحديثا ولا يوجد ما يشير إليه في الكتاب و السنة وعمل الصحابة و لا يوجد ولو إشارة بسيطة أو تلميح مما يدل دلالة قاطعة على أن هذا الأمر مبتدع من طرف أقوام معاصرين ، ولا يوجد أصلا في الإسلام تقسيم الطلاق إلى طلاق بالتراضي ، طلاق تعسفي ، طلاق للشقاق ...... إلخ
فالطلاق واحد وآثاره واحدة ، فيوجد طلاق وهو الذي يوقعه الزوج بإرادته وحده ، ويوجد خلع وهو طلب الزوجة الطلاق من زوجها بمقابل تفتدي به ، ويوجد التطليق وهذا في حالات محدودة كعدم إنفاق الزوج أو وجود عيوب مانعة من الإستمتاع أو إسلام أو ردّة أحد الزوجين و أيّ تطليق يقع من القاضي بغير سبب فلا يعتدّ به شرعا ولا يخرج الزوجة من عصمة زوجها لأنّ التطليق له أسبابه الخاصّة ولا يحكم به القاضي كما يريد ، كما أن الطلاق بيد الزوج وحده لا بيد القاضي ولا غيره .
والمطلقة في كل الأحوال لها حق : المهر ، نفقة العدّة إن كان الطلاق رجعيّا ، حقّ المتعة على خلاف بين أهل العلم في وجوبه أو استحبابه ويكون بحسب حالة الزوج المادّية
لقوله تعالى : لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
فلا يفرض حق المتعة على الفقير كما يفرض على الغنيّ فكلّ على حسبه .
وذلك لأن الاضرار المعنوية هي أمر باطن لا يعلمه إلا ّ الله ولا يحق لأي بشر أن يزايد على بشر فيه ولا يحق أن يتسلط بشر على آخر ويزعم أنه تضرر معنويا ، ومن قال لكم أن الزوج لا يتضرر معنويا !!!!!!!!! فهذه الأمور لا يد للبشر فيها ولا يحقّ للقانون معاقبة الزوج إذا طلّق زوجته ، لأن الطلاق لا يكون لأسباب مادية فقط بل يكون لأسباب نفسيّة لا يستطيع القاضي ادراكها و لا الإحاطة بها
ولمراجعة حق المطلقة : https://islamqa.info/ar/answers/2903...84%D9%87%D8%A7
3- تعدّد الزوجات : حكم القانون في هذه المسألة غريب جدّا ومتناقض وليست الغرابة في التناقض لأنّ هذا الأمر لابدّ من وقوعه في كل ما يخالف شرع الله سبحانه ، فشرع الله سبحانه هو الوحيد الذي لا تناقض فيه ولا إعوجاج ولكن الغرابة هو إستساغة هذا التناقض من طرف النخبة .
يلزم القانون الزوج بأخذ قبول زوجته من أجل الزواج بأخرى ويلزمه بأن يتعهّد بالعدل وهذا في قمّة التناقض حينما أخلّ القانون نفسه بمبدأ العدل حيث أعطى للزوجة الأولى الحق في تقرير مصير الزوجة الثانية هل تتزوّج أم لا ، فالقانون نفسه لم يعدل بين الزوجتين ويطالب الزوج بالتعهّد بالعدل !! إن هذا لشيء عجاب .
وسمعت أيضا والله أعلم إن كان هذا حقّا أم مجرّد كلام أنّ القاضي يطلب من الزوج الذي يريد أن يعدّد أن يعطيه مبرّرا وسببا مقنعا لرغبته في التعدّد ، فإن كان هذا الكلام غير صحيح فالحمد لله وإن كان صحيحا فلا يستحقّ التعليق بل يستحقّ أن نكبّر على أنفسنا أربع لأنّه كارثة بكل معنى الكلمة والله المستعان .
فالزوجة الأولى لا دخل لها شرعا في تعدّد زوجها ، فهذا إعتداء منها على حقّ غيرها .
4 : الخلع : للأسف الشديد يوجد الكثير من يرى الخلع على غير حقيقته الشرعية فيتصور أن الخلع للمرأة مقابل الطلاق للرجل فتسمع العجب العجاب ومن أمثلة الأعاجيب التي سمعتها :
1 : زوج ارادت أن تخلعه زوجته فبادر هو إلى الطلاق وخسر كل حقوقه ، لماذا ؟؟
لأنه بجهله إعتقد أن الخلع بيد المرأة و إعتقد أنه من الإهانة أن تخلعه زوجته فبادر هو بالطلاق لحفظ ماء وجهه على حسب فهمه
2: الأعجوبة الثانية هي فتاة تسأل هل يقع خلعها الذي تلفّظت به حيث قالت لزوجها خلعتك ، فاعتقدت المسكينة أن الخلع في يدها مثل الطلاق في يد الزوج ينخلع بمجرد تلفّظها به ، ويا للحسرة ، فكما قيل يفعل الجهل بصاحبه ما لا يفعل العدوّ بعدوّه .
الخلع هو طلاق بمقابل تفتدي به المرأة ، يعني عندما تكون المرأة هي التي ترغب في الطلاق والطلاق بيد زوجها وحده فتطلب منه أن يطلقها بمقابل تفتدي به هي .
الخلع عقد يكون بين طرفين ، وهما الزوجان , قال الحدادي الحنفي في توصيفه : عبارة عن عقد بين الزوجين ؛ المال فيه من المرأة ، تبذله ، فيخلعها ، أو يطلقها .
انتهى من " الجوهرة النيرة على مختصر القدوري " (2 / 59).
وإذا ثبت هذا فيلزم فيه ما يلزم في سائر العقود من الإيجاب والقبول بين الزوجين
قال ملا خسرو الحنفي في " درر الحكام شرح غرر الأحكام " (1 / 389) : " ويفتقر - أي الخلع - إلى إيجاب وقبول كسائر العقود" انتهى.
وعلى ذلك فيشترط في الخلع ، ليس فقط علم الزوج ؛ بل رضاه به ، ومباشرته ، هو أو وكيله ، لهذا العقد .
ولكن القانون يحكم بالخلع بدون رضا الزوج رغم أنّه الطرف المهمّ في القضيّة .
وبعدما تكلّمنا عن الأحكام المخالفة للشريعة الإسلامية في قانون الأسرة ، سنتكلم عن الأحكام المخالفة لمبدأ العدل .
يتبع .................