اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الأدلة العقلية على إثبات النبوة
أولا:
قد جاء الوحي مخاطبا عقول الناس وألبابهم، في اقامة الحجة عليهم فيما يلزمهم من أمور الاعتقاد ومنها عقيدة النبوة، وهذا أمر مجمع عليه بين كل من طالع نصوص الوحي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" جميع الطوائف - حتى أئمة الكلام والفلسفة - معترفون باشتمال ما جاءت به الرسل على الأدلة الدالة على معرفة الله وتصديق رسله "
انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (9 / 53).
والوحي في مخاطبته لعقول الناس، خاطبهم بأقرب الطرق إلى العقل وأسهلها؛ حيث يفهم حججه العامي قبل العالم، ويزداد الذكي والعالم يقينا، كلما ازداد مطالعة وتدبرا لها.
قال ابن القيم:
" والله سبحانه حاج عباده على ألسن رسله وأنبيائه ، فيما أراد تقريرهم به وإلزامهم إياه ، بأقرب الطرق إلى العقل ، وأسهلها تناولا، وأقلها تكلفا وأعظمها غناء ونفعا
وأجلها ثمرة وفائدة، فحججه سبحانه العقلية التي بينها في كتابه ، جمعت بين كونها عقلية سمعية ظاهرة ، واضحة، قليلة المقدمات، سهلة الفهم، قريبة التناول
قاطعة للشكوك والشبه، ملزمة للمعاند والجاحد، ولهذا كانت المعارف التي استنبطت منها في القلوب أرسخ ولعموم الخلق أنفع.
وإذا تتبع المتتبع ما في كتاب الله مما حاج به عباده في إقامة التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات الرسالة والنبوة، وإثبات المعاد وحشر الأجساد، وطرق إثبات علمه بكل خفي وظاهر
وعموم قدرته ومشيئته، وتفرده بالملك والتدبير، وأنه لا يستحق العبادة سواه: وجد الأمر في ذلك على ما ذكرناه ، من تصرف المخاطبة منه سبحانه في ذلك على أجلّ وجوه الحجاج
وأسبقها إلى القلوب، وأعظمها ملاءمة للعقول، وأبعدها من الشكوك والشبه، في أوجز لفظ وأبينه وأعذبه وأحسنه وأرشقه وأدله على المراد "
انتهى من "الصواعق المرسلة" (2 / 460).
فلذا على المسلم وغير المسلم إذا أراد أدلة عقلية على صحة النبوة؛ فعليه أن يطالع نصوص الوحي ويتدبرها؛ فلن يجد أدلة أقوى مما أرشد إليه الوحي.
ثانيا:
عند تدبر أدلة الوحي على عقيدة النبوة؛ نراها ترجع إلى أمرين؛ الأمر الأول: شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر الثاني: ماجاء به.
ويجمعهما قول الله تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ، أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ المؤمنون/68 - 70.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وقال في إثبات نبوة رسوله باعتبار التأمل لأحواله وتأمل دعوته وما جاء به: ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ... ) الآيات.
فدعاهم سبحانه إلى تدبر القول، وتأمل حال القائل، فإن كون القول للشيء كذبا وزورا
يعلم من نفس القول تارة، وتناقضه واضطرابه ، وظهور شواهد الكذب عليه، فالكذب باد على صفحاته، وباد على ظاهره وباطنه، ويعرف من حال القائل تارة
فإن المعروف بالكذب والفجور والمكر والخداع ، لا تكون أقواله إلا مناسبة لأفعاله، ولا يتأتى منه من القول والفعل ما يتأتى من البار الصادق
المبرأ من كل فاحشة وغدر ، وكذب وفجور، بل قلب هذا وقصده وقوله وعمله يشبه بعضه بعضا، وقلب ذلك وقوله وعمله وقصده ، يشبه بعضه بعضا.
فدعاهم سبحانه إلى تدبر القول وتأمل سيرة القائل وأحواله وحينئذ تتبين لهم حقيقة الأمر وأن ما جاء به في أعلى مراتب الصدق "
انتهى من "الصواعق المرسلة" (2 / 469 - 470).
الأمر الأول: تأمل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يمثل في شخصيته : أسمى مثال لكمال الإنسان الخَلقي والخُلقي والعقلي
ومجتمعه كان متفقا ومجمعا على الشهادة له بهذا، فكانوا لا يتصورون أن يصدر منه كذب أو اختلال عقلي أو نفسي أو خُلقي.
ولهذا كان كفر كفار قريش هو من باب العناد والمكابرة؛ وإلا فهم يعتقدون صدق النبي واستحالة كذبه، وأن الكذب لا يتوافق مع شخصيته.
قال الله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام /33.
ويجسد هذا المعنى حادثة جهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته أمام عشيرته؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ
صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ.
فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟
قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا.
قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ.
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَنَزَلَتْ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ "رواه البخاري (4770) ومسلم (208).
والنبي صلى الله عليه وسلم مع كمال عقله؛ إلا أنه ولد في مجتمع سمته الجاهلية والأميّة
وعاش بين أظهرهم أربعين سنة، لا يعرف علما ولا علماء ، ثم فجأة يأتيهم بأخبار ما مضى وما سيأتي ، والتشريعات التي يتحير فيها أكثر الناس حضارة؛ ولا يجد فيها أهل الكتاب ما ينتقد.
قال الله تعالى مبينا صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبل نبوته:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ الشورى /52 - 53.
وقال الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ العنكبوت /48.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" بين سبحانه من حاله ، ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه، متواتر عند من غاب عنه، وبلغته أخباره من جميع الناس: أنه كان أميا لا يقرأ كتابا، ولا يحفظ كتابا من الكتب
لا المنزلة ولا غيرها، ولا يقرأ شيئا مكتوبا، لا كتابا منزلا ولا غيره، ولا يكتب بيمينه كتابا، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها.
ومعلوم أن من يعلم من غيره :
إما أن يأخذ تلقينا وحفظا، وإما أن يأخذ من كتابه، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه
ولا يقرأ مكتوبا، والذي يأخذ من كتاب غيره ، إما أن يقرأه ، وإما أن ينسخه، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ "
انتهى من "الجواب الصحيح" (5 / 338 - 339).
وقال الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَيوسف/3.
وقال الله تعالى مقيما الحجة على أهل الكفر من قريش: قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ يونس /16.