الحديث وعلومه - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحديث وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-07-01, 17:24   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل لا يزال إلى الآن هناك أحاديث مكذوبة وضعيفة إلى الآن لم يكتشف صحتها ؟

السؤال :

هل لا يزال هناك أحاديث مكذوبة وضعيفة إلي الآن لم يُكتشف صحتها؟

الجواب :

الحمد لله


فبداية يجب أن نعتقد أن الله قد تكفل بحفظ دينه ، وحفظ كتابه ، حيث قال سبحانه :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9.

ومن تمام حفظ الله لكتابه حفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حيث قال الله تعالى :( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44.

ففي الآية وصف الله السنة بأنها من الذكر الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تبيانا للقرآن الكريم ، ولذا فإن حفظ السنة من حفظ القرآن .

وقد هيأ الله الأسباب التي بها حفظت السنة من الكذب والغلط ، وأقام الأدلة على ذلك ، وغرس في الأمة الحفاظ والمحدثين الذين نذروا حياتهم لذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (3/38) :

" وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ حَفِظَ اللَّهُ لَهَا مَا أَنْزَلَهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .

فَمَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، أَوْ نَقْلِ الْحَدِيثِ ، أَوْ تَفْسِيرِهِ ، مِنْ غَلَطٍ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُقِيمُ لَهُ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ يُبَيِّنُهُ ، وَيَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَى غَلَطِ الْغَالِطِ وَكَذِبِ الْكَاذِبِ .

فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَلَا يَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، إِذْ كَانُوا آخِرَ الْأُمَمِ ، فَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ بَعْدَهُمْ ، وَلَا كِتَابَ بَعْدَ كِتَابِهِمْ.

وَكَانَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ إِذَا بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا : بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا يُبَيِّنُ لَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَبِيٌّ ، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ أَنْ يَحْفَظَ مَا أَنْزَلَهُ مِنَ الذِّكْرِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، بَلْ أَقَامَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مَنْ يَحْفَظُ بِهِ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ ، وَيَنْفِي بِهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُضِلِّينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ ". انتهى

وقال ابن القيم كما في "مختصر الصواعق المرسلة" (581) :

" كل مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَهُوَ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ ، وَقَدْ تَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ ، فَلَوْ جَازَ عَلَى حُكْمِهِ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ وَالسَّهْوُ مِنَ الرُّوَاةِ ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى غَلَطِهِ وَسَهْوِ نَاقِلِهِ : لَسَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ لِحِفْظِهِ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ! وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي عِصْمَةَ الرُّوَاةِ ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الرَّاوِيَ إِذَا كَذَبَ أَوْ غَلِطَ أَوْ سَهَا ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْرِفُ كَذِبَهُ وَغَلَطَهُ ، لِيَتِمَّ حِفْظُهُ لِحُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ ، وَلَا تَلْتَبِسَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ ". انتهى

ولذا فمن القواعد المقررة : أنه ما من حديث ، قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه حكم للشريعة تحتاجه الأمة في دينها : إلا وقد نقل صحيحا مقبولا ، وتلقته الأمة جيلا بعد جيل ، ولم يلتبس على الأمة بأسرها ، قط ، في أي زمان أمر دينها لأجل كذب الكاذبين ، وغلط الغالطين .

قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله في "الإحكام في أصول الأحكام" (8/137)

:" وقد علمنا أنه لا يمكن أن يخفى الحق في الدين على جميع المسلمين ، بل لا بد أن تقع طائفة من العلماء على صحة حكمه بيقين ، لما قدمنا في كتابنا هذا من أن الدين مضمون بيانه ورفع الإشكال عنه ، بقول الله تعال :" تبيانا لكل شيء " ، وبقوله تعالى :" لتبين للناس ما نزل إليهم ". انتهى .

وقد قيض الله أهل العلم يكشفون كذب الكاذبين ، وغلط الرواة المخطئين ، حتى عرف الصحيح من الضعيف ، والباطل والمكذوب ، فلم يلتبس الحق بالباطل بفضل الله عز وجل .

وفي "الكفاية في علم الرواية" (ص36) للخطيب البغدادي :" قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصْنُوعَةُ؟ قَالَ: « يَعِيشُ لَهَا الْجَهَابِذَةُ ». انتهى

هذا ولم يخل زمان قط من حراس الدين والسنة ، ممن يكشفون كذب الكاذبين ، وغلط الغالطين ، وهم أهل الحديث المتحققون به .

قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/31) :

" ولما لم يمكن أحدا أن يُدخل في القرآن شيئا ليس منه ، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقصون ، ويبدلون ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل ، ويوضحون الصحيح ، ويفضحون القبيح ، وما يخلي الله عز وجل منهم عصرا من العصور ... ". انتهى

وحينئذ ، فلم ينسب حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعرف في الأمة نسبته : إلا وعلم هذا الحديث ثابت في هذه الأمة ، علم هل هو صحيح النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو باطل النسبة ؟ صحيح ، أو ضعيف ؟ مقبول أو مردود ؟

كل ذلك معلوم في الأمة ، محفوظ فيها .

ومعلوم أيضا : ما لهذا الحديث من معنى ، وما تضمنه من حكم تحتاجه الأمة ، لم يذهب علم ذلك عن الأمة ، قط .

وإن كان قد يخفى على بعض الناس منهم ، دون بعض ، وفي بعض الأماكن دون بعض ؛ لكن علمه موجود في عموم الأمة ، يبلغه من طلبه من بابه ، بإذن الله .

وأما إن كان مراد السائل أنه هل هناك أحاديث لا يمكن معرفة صحتها من ضعفها أو بيان كذبها من صدقها ؟

فجواب ذلك :

أنه لا يوجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أثر عن صحابي أو غيره ، إلا ويمكن معرفة صحته من ضعفه ، فإن علماء الحديث وضعوا القواعد والضوابط التي يتمكن المحدث العالم بها من التمييز بين الأحاديث والآثار الصحيحة من الضعيفة والمكذوبة ، ومتى ما استعمل طالب العلم بالحديث المتمكن من قواعده ، ومعرفة علله ، هذه القواعد إلا وتمكن من الحكم على أي حديث كان .

والله أعلم .








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:30   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة صيغة الاستغفار المنقولة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأنها مجربة في إزالة الكروب

السؤال


: هل هذا الدعاء صحيح ؟

" اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك ، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك ، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك ، أو اتكلت فيه عند خوفي منك على أناتك أو وثقت بحلمك ، أو عولت فيه على كرم عفوك ، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب خنت فيه أمانتي ، أو بخست فيه نفسي

أو قدمت فيه لذاتي ،أو آثرت فيه شهواتي ، أو سعيت فيه لغيري ، أو استغريت فيه من تبعني ، أو غلبت فيه بفضل حيلتي إذا حلت ـ أي إذا احتلت ، كأنه ينزل نفسه بوقوعه في المعصية منزلة المحتال على إنسان بالباطل ـ فيه عليك مولاي فلم تغلبني ـ فلم تغلبني أي لم تنتقم مني ، مع أنك تبغض معصيتي

وقادر على الانتقام مني ـ على فعلي إذا كنت سبحانك كارها لمعصيتي، لكن سبقك علمك في اختياري ، واستعمالي مرادي ، وإيثاري ، فحلمت عني فلم تدخلني فيه جبرا ، ولم تحملني عليه قهرا، ولم تظلمني شيئا ، يا أرحم الراحمين ، ياصاحبي عند شدتي ، يامؤنسي في وحدتي ، ياحافظي في نعمتي

ياوليي في نفسي ، يا كاشف كربتي ، يا مستمع دعوتي ، ياراحم عبرتي ، يامقيل عثرتي ، ياإلهي بالتحقيق ، ياركني الوثيق ، يارجاري اللصيق ، يامولاي الشفيق ، يارب البيت العتيق

أخرجني من حلق المضيق إلى سعة الطريق ، وفرج من عندك قريب وثيق ، واكشف عني كل شدة وضيق ، واكفني ما أطيق وما لا أطيق ، اللهم فرج عني كل هم وغم ، وأخرجني من كل حزن وكرب ، يا فارج الهم ، وكاشف الغم ، ويا منزل القطر ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما

فرج عني ما قد ضاق به صدري ، وعيل منه صبري ، وقلت فيه حيلتي ، وضعفت له قوتي ، يا كاشف كل ضر وبلية ، ويا عالم كل سر وخفية ، يا أرحم الراحمين ، أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ، وما توفيقي الإبالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "
.

الجواب :


الحمد لله

فإن هذا الدعاء الذي ذكره السائل الكريم ، ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بإسناد غير صحيح . وفيه معنى لا يصح أيضا .

فأما من ناحية الإسناد :

فالأثر أخرجه التنوخي في "الفرج بعد الشدة" (1/143)

فقال حَدثنِي أَيُّوب بن الْعَبَّاس بن الْحسن ، الَّذِي كَانَ وَزِير المكتفي ، وَلَقِيت أَيُّوب بالأهواز فِي حُدُود سنة خمسين وَثَلَاث مائَة ، من حفظه ، قَالَ: حَدثنِي عَليّ بن همام ، بِإِسْنَاد لست أحفظه: أَن أَعْرَابِيًا شكى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام شدَّة لحقته ، وضيقا فِي الْحَال ، وَكَثْرَة من الْعِيَال. فَقَالَ لَهُ: عَلَيْك بالاستغفار ، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: اسْتَغْفرُوا ربكُم ، إِنَّه كَانَ غفارًا. . . الْآيَات.

فَعَاد إِلَيْهِ ، وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد استغفرت كثيرا ، وَمَا أرى فرجا مِمَّا أَنا فِيهِ.

قَالَ: لَعَلَّك لَا تحسن أَن تستغفر.

قَالَ: عَلمنِي.

قَالَ: أخْلص نيتك ، وأطع رَبك ، وَقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك من كل ذَنْب ، قوي عَلَيْهِ بدني بعافيتك ، أَو نالته يَدي بِفضل نِعْمَتك ، أَو بسطت إِلَيْهِ يَدي بسابغ رزقك ، أَو اتكلت فِيهِ ، عِنْد خوفي مِنْهُ ، على أناتك ، أَو وثقت فِيهِ بِحِلْمِك ، أَو عولت فِيهِ على كرم عفوك ، اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك من كل ذَنْب خُنْت فِيهِ أمانتي ، أَو بخست فِيهِ نَفسِي ، أَو قدمت فِيهِ لذتي ، أَو آثرت فِيهِ شهوتي ، أَو سعيت فِيهِ لغيري

أَو استغويت فِيهِ من تَبِعنِي ، أَو غلبت فِيهِ بِفضل حيلتي ، أَو أحلّت فِيهِ عَلَيْك يَا مولَايَ ، فَلم تؤاخذني على فعلي ، إِذْ كنت، سُبْحَانَكَ ، كَارِهًا لمعصيتي ، لَكِن سبق علمك فِي باختياري ، واستعمالي مرادي وإيثاري ، فَحملت عني ، لم تدخلني فِيهِ جبرا ، وَلم تحملنِي عَلَيْهِ قهرا ، وَلم تظلمني شَيْئا ، يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ

يَا صَاحِبي عِنْد شدتي ، يَا مؤنسي فِي وَحْدَتي ، وَيَا حافظي عِنْد غربتي ، يَا وليي فِي نعمتي ، وَيَا كاشف كربتي ، وَيَا سامع دَعْوَتِي ، وَيَا رَاحِم عبرتي ، وَيَا مقيل عثرتي ، يَا إلهي بالتحقيق ، يَا ركني الوثيق ، يَا رجائي فِي الضّيق ، يَا مولَايَ الشفيق ، وَيَا رب الْبَيْت الْعَتِيق

أخرجني من حلق الْمضيق ، إِلَى سَعَة الطَّرِيق ، وَفرج من عنْدك قريب وثيق ، واكشف عني كل شدَّة وضيق ، واكفني مَا أُطِيق وَمَا لَا أُطِيق ، اللَّهُمَّ فرج عني كل هم وكرب ، وأخرجني من كل غم وحزن ، يَا فارج الْهم ، وَيَا كاشف الْغم ، وَيَا منزل الْقطر ، وَيَا مُجيب دَعْوَة الْمُضْطَر ، يَا رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ورحيمها

صل على خيرتك مُحَمَّد النَّبِي ، وعَلى آله الطيبين الطاهرين ، وَفرج عني مَا ضَاقَ بِهِ صَدْرِي ، وَعيلَ مَعَه صبري ، وَقلت فِيهِ حيلتي ، وضعفت لَهُ قوتي ، يَا كاشف كل ضرّ وبلية ، وَيَا عَالم كل سر وخفية ، يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ، وأفوض أَمْرِي إِلَى الله ، إِن الله بَصِير بالعباد ، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه ، عَلَيْهِ توكلت ، وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم.

قَالَ: الْأَعرَابِي: فاستغفرت بذلك مرَارًا ، فكشف الله عز وَجل عني الْغم والضيق ، ووسع عَليّ فِي الرزق ، وأزال عني المحنة ".

وقد عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (32301)

والمتقي الهندي في "كنز العمال" (3966)

إلى التنوخي في "الفرج بعد الشدة" ، كما أسلفنا .

وإسناده لا يصح ، فيه أكثر من علة :

الأولى : الإعضال ، فبين علي بن همام وعلي بن أبي طالب مفاوز ، والإسناد بينهما نسيه التنوخي أو شيخه أيوب .

الثانية : جهالة كل من أيوب بن العباس بن الحسن وشيخه علي بن همام .

فأما أيوب بن العباس بن الحسن فترجم له الصفدي في "الوافي بالوفيات" (3/349) وقال :" كان والده وزيراً للمكتفي، ثم للمقتدر. وروى أيوب عن أبي علي بن همام أثراً رواه عنه أبو علي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة ". اهـ ، ومن هذا حاله فهو مجهول ، لا تقبل روايته .

وأما شيخه علي بن همام فلم أجد من ترجمه ، فهو مجهول أيضا .

وعلى كل فالإسناد معضل لا يصح ، والله أعلم .

وأما من جهة المعنى :

فإن قبول الاستغفار ، وحصول أثره ، لا يشترط له صيغة ، بل متى استغفر العبد مستحضرا ذنبه ، نادما على تفريطه ، فإن الله الغفور يقبل استغفاره ، ويوفيه وعده ، بأي صيغة كان الاستغفار ، وإذا تخلف الوعد دل على خلل في الاستغفار ، كأن يكون بلسانه لا بقلبه ، أو يكون العبد مصرا على ذنبه مع استغفاره بلسانه .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (11/100) في شرحه لحديث سيد الاستغفار :" قال ابن أبي جمرة : مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِغْفَارِ صِحَّةُ النِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ وَالْأَدَبُ ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا حَصَّلَ الشُّرُوطَ وَاسْتَغْفَرَ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ ، وَاسْتَغْفَرَ آخَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ ، لَكِنْ أَخَلَّ بِالشُّرُوطِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَكُونُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ إِذَا جَمَعَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَة ". اهـ

وأما الاستغفار بهذه الصيغة، أحيانا ، من غير اعتقاد كونه سنة أو مأثورا عن الصحابة ، فلا شيء فيه .

وقد روى الدينوري في "المجالسة" (675) بإسناد حسن عن سفيان الثوري أنه قال :" سَمِعْتُ بَعْضَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَدْعُو فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَيَنْتَحِبُ:

اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَوِيَ عَلَيْهِ بَدَنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَنَالَتْهُ يَدِي بِفَضْلِ نِعْمَتِكَ ، وَانْبَسَطْتُ إِلَيْهِ بسِعَةِ رِزْقِكَ ، وَاحْتَجَبْتُ فِيهِ عَنِ النَّاسِ بِسِتْرِكَ عَلَيَّ ، وَاتَّكَلْتُ فِيهِ عَلَى أَنَاتِكَ وَحِلْمِكَ ، وَعَوَّلْتُ فِيهِ عَلَى كَرِيمِ عَفْوِكَ ".

وأجل صيغ الاستغفار ، التي ينبغي على العبد حفظها ، والمداومة على استغفار به بها ، وهي "سيد الاستغفار"

كما سماها نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ هي أخرجه البخاري (6306)

من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ

أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ: « وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ » .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:35   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول شبهة ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة عندما هجر زوجاته

السؤال :

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : " أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ ، أوْ كَتِفُهُ ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: ( إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإنْ صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً ) ، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَارَسُولَ الله، إنَّكَ آلَيْتَ شَهْراً؟

، فَقَال: ( إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ) متفق عليه ، وحديث آخر يروي قصة هجر الرسول عليه أفضل الصلوات و التسليم لزوجاته وإسناده : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا جارية بن أبي عمران ، قال : سمعت أبا سلمة الحضرمي يقول : " جلست مع أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ، وهما يتحدثان ، وقد ذهب بصر جابر، فجاء رجل فسلم ثم جلس فقال

: يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ؟

فقال جابر : تركنا رسول الله يوما وليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر ، فاجتمعنا ببابه نتكلم ليسمع كلامنا ، ويعلم مكاننا ، فأطلنا الوقوف فلم يأذن لنا ، ولم يخرج إلينا ، قال : فقلنا قد علم رسول الله مكانكم ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرق الناس غير عمر بن الخطاب يتنحنح

ويتكلم ، ويستأذن حتى أذن له رسول الله " هل كان الرسول صلى الله عليه و سلم مصابا ولذلك لم يصلي بالمسلمين لمدة يوم وليلة ؟

أم أن هناك سبب آخر؟ وهل صلى الرسول صلى الله عليه وسلم في جماعة لكن مع أناس آخرين في ذلك اليوم ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

لا يخفى على أحد من المسلمين فضل صلاة الجماعة ، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، حتى إنه في مرض موته صلى الله عليه وسلم لم يستطع لشدة المرض أن يخرج لصلاة الجماعة ، وأمر أن يصلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالصحابة إماما ، فلما شعر في نفسه بخفة ، خرج صلى الله عليه وسلم لصلاة الجماعة يهادَى بين رجلين من أصحابه .

وفي ذلك يقول الأسود بن يزيد : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ

فَأُذِّنَ فَقَالَ:" مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ:" إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى ، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ مَكَانَكَ ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ ".

أخرجه البخاري (664) ، ومسلم (418) .

ولقد تربى الصحابة رضوان الله عليهم على ذاك الحرص ، فيقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى ، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ

لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ » .

أخرجه مسلم (654).

ثانيا :

أما الحديث الأول الوارد في السؤال فهو حديث صحيح ، أخرجه البخاري (378) ، ومسلم (411) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ - أَوْ كَتِفُهُ - وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:" إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا " .

وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا ، فَقَالَ:" إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ". وفي لفظ عند البخاري (2469) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، وَكَانَتْ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ ، فَجَلَسَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ:" لاَ ، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا ، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَزَلَ ، فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ» .

وروايات الحديث تدل على أنه توافق أمران :

الأول : مرض النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة سقوطه من على فرسه، فجُحِشت ساقه أو كتفه ، وانفكت قدمه ، فأصبح لا يقدر على القيام .

والثاني : أنه آلى من نسائه شهرا ، أي حلف ألا يدخل عليهن شهرا . واختلف في سبب ذلك ، وليس هذا محل بيانه ، فمكث صلى الله عليه وسلم يبيت في المشربة ، وهي غرفة يُصعد إليها ، ولا يدخل على نسائه .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/301)

:" اتَّفَقَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ". اهـ

ونظرا لمرضه صلى الله عليه وسلم لم يستطع الخروج إلى صلاة الجماعة في المسجد ، فزاره بعض الصحابة في تلك الغرفة ، فلما حضرت الصلاة صلى بهم جماعة في غرفته .

كما في رواية عند البخاري (1114)

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ - أَوْ فَجُحِشَ - شِقُّهُ الأَيْمَنُ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّى قَاعِدًا ، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا ، وَقَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ " .

وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على أن المرض عذر في ترك صلاة الجماعة .

وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمن جاءه زائرا جماعة في بيته ، نظرا لمرضه .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (2/315)

:" وفى هذا الحديث إمامته بهم - عليه السلام - في بيته كما تقدم ، وجواز صلاة الفرض في جماعة في المنازل ، وذلك أنه لم يستطع الخروج لعذر " .انتهى.

وقال ابن رجب في "فتح الباري" (2/459)

وفي الحديث: دليل على أن المريض الذي يشق عليه حضور المسجد : له الصلاة في بيته ، مع قرب بيته من المسجد ، وفيه: أن المريض يصلي بمن دخل عليه للعيادة جماعة ؛ لتحصيل فضل الجماعة ". انتهى .

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (2/177) :

" قَوْلُهُ " فِي بَيْتِهِ " أَيْ : فِي الْمَشْرُبَةِ الَّتِي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ ، كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَزَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ بِمَنْ حَضَرَ ". انتهى

وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله : "باب إذا عاد مريضا ، فحضرت الصلاة، فصلى بهم " انتهى .

فتبين مما سبق أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمن زاره من أصحابه جماعة في بيته ، وتركه الجماعة في المسجد ، كان لأجل مرضه ، وتوافق أنه كان حينئذ قد هجر نساءه ، وأقسم ألا يدخل عليهن شهرا ، فيكون تركه للجماعة في المسجد لأجل المرض ، لا لأجل أنه هجر نساءه صلى الله عليه وسلم .

ومن أحسن ما قيل في ذلك قول ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/311)

:" وأما انفكاك قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس لذلك ، موليًا عن نسائه ؛ جامعًا في ذلك بين معالجة الكريمة بالراحة ، وبين معالجة ، أخلاق النساء بالإيلاء ". انتهى

وأما الرواية الأخرى الواردة في السؤال فلا تصح ، فقد أخرجها ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/179) ، وإسنادها لا يصح لأجل الواقدي فإنه متروك .

إلا أنه ورد معناها إجمالا عند البخاري (2468)

ومسلم (1479)

بسياق مقارب لهذا السياق.

والله أعلم .

ملخص الجواب :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت بسبب إصابته ، وكان يصلي جماعة بمن حضر من المسلمين يعوده









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:41   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول شرح الحديث الذي جاء فيه أن رجلا سبّ أبا بكر الصديق فصمت عنه مرارا ثم ردّ عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس

السؤال

: ما معنى هذا الحديث: سَبَّ رَجُلٌ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا سَكَتَ الرَّجُلُ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَبَّنِي وَسَكَتُّ فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ قُمْتَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَلَكَ كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِ عَنْكَ حِينَ سَكَتَّ ، فَلَمَّا تَكَلَّمْتَ ذَهَبَ الْمَلَكُ وَقَعَدَ الشَّيْطَانُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْعُدَ فِي مَقْعَدٍ مَعَ الشَّيْطَانِ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ ، قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ " .

ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً ، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً ، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً " .

والحديث : أخرجه أحمد في "مسنده" (9624)

وأبو داود في "سننه" (4879)

والبزار في "مسنده" (8495)

والبغوي في "شرح السنة" (3586)

والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/236)

والقضاعي في "مسند الشهاب" (820)

جميعا من طريق محمد بن عجلان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه به .

وخالف الليثُ بن سعد محمدَ بن عجلان فرواه عن سعيد المقبري ، عن بشير بن المحرر ، عن سعيد بن المسيب به مرسلا ، أخرجه من طريق الليث أبو داود في "سننه" (4896) .

فمن أهل العلم من رجح المرسل ، كالإمام البخاري في "التاريخ الكبير" (2/102) .

وقال الدارقطني في "العلل" (8/153) :

" ويشبه أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ ابْنِ عَجْلَانَ ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ رِوَايَتَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - فِيمَا ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - : أَصَحُّ النَّاسِ رِوَايَةً عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، وَعَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْهُ يُقَالُ: إِنَّهُ أَخَذَهَا عنه قديما ". اهـ

وبذلك جزم ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/11) .

ومن أهل العلم من لم يعل الموصول بالمرسل ، وقَبِل الحديث ، ومن هؤلاء البوصيري

كما في "إتحاف الخيرة" (5/478)

حيث قال :" ورواته ثقات " . اهـ ، وصححه العامري في "الجد الحثيث" (ص44)

وصحح العجلوني إسناده في "كشف الخفاء" (1/101)

والصنعاني في "سبل السلام" (2/676)

وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2376) .

ثانيا :

أما معنى الحديث ، على تقدير صحته ، وهو ما سأل عنه الأخ الكريم ، فجوابه ما يلي :

كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فسب رجلٌ أبا بكر رضي الله عنه مرتين ، كما في رواية أبي داود (4896)

وفي كل مرة يصمت أبو بكر ولا يرد عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعجب ويبتسم ، ثم سبه الرجل مرة ثالثة ، وحينئذ ردّ عليه أبو بكر وانتصر ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس ، فتبعه أبو بكر ، وسأله عن سبب غضبه وذهابه من المجلس ، فأخبره أنه ما من مرة سبَّه فيها الرجل وسكت ، إلا ردّ عليه مَلَك ، فلما انتصر أبو بكر ، وردّ بنفسه ، ذهب الملك وحضر الشيطان ، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر مجلسا فيه الشيطان .

وردُّ أبي بكر على الرجل ليس حراماً ، بل هو أخذ بالرخصة في الانتصار لمن ظُلم ، قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (18/639) :"فانتصر منه أبو بكر بعد ظلمه له ثلاث مرات ، وأخذ بحقه ، وجاوبه بمثل ما قال ، ولم يجاوز مثل ما قال له ، فالمنتصر مطيع لله بما أباحه له ، وقد ذكر الله حد الانتصار فقال :" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " الشورى/40 .....

ثم قال :

" وأما هذا الحديث فمن وقع في عرضه إنسان فله حالتان : حالة جواز وإباحة ، وهو الانتصار ممن وقع فيه دون عدوان ، وحالة فضيلة وحصول ثواب على صبره ، فأبو بكر استعمل فضيلة الجواز بعد ثالثة ، فانتصر ، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد له حالة الفضيلة وحصول الثواب ". اهـ

وقال القاري في "مرقاة المفاتيح"(8/3185)

في سبب ردّ أبي بكر على الرجل :" عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْعَوَامِّ ، وَتَرْكًا لِلْعَزِيمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَرْتَبَةِ الْخَوَاصِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]". اهـ

وأما قيام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس ، فلأمرين :

الأول : أنه أراد من أبي بكر رضي الله عنه أن يأخذ بالكمال المناسب لمنزلته وفضله ، قال القاري في "مرقاة المفاتيح"(8/3185) :" وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ الِانْتِقَامِ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ ، وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَنْ بَعْضِهِ، لَكِنَّ لَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْكَمَالَ الْمُنَاسِبَ لِمَرْتَبَتِهِ مِنَ الصِّدِّيقِيَّةِ ؛ مَا اسْتَحْسَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ". اهـ

و قال الصنعاني في "التحبير لإيضاح معاني التيسير" (3/176) :

" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أحبّ للصديق الصبر والمغفرة لقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} ". اهـ

الثاني : أنه مجلس حضر فيه الشيطان ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر مجلسا حضر فيه الشيطان ، قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (18/639) :" فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر في مكان حضر فيه الشيطان ، بل ينتقل منه كما في قضية الوادي ، إذ قال : إن به شيطانا حضر لما فاتتهم الصلاة فارتحلوا عنه ". اهـ

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:52   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول مفهوم عدالة الصحابة ، وهل يقدح فيها وجود المنافقين ، ومن أتى بمفسق كالوليد بن عقبة ؟

السؤال :

أنا أقر إقرارا تاما بعدالة جميع الصحابة ، وأعلم أن الصحابي هو من لقي النبي مؤمنا به ، ومات على الإسلام ، وأعرف أن الله تعالى مدح الصحابة في كتابه ، وكذالك الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث تقبل رواية الصحابي ولو كان مجهولا ، كأن يقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا لأن الصحابة كلهم عدول ، ولكن حصل عندي بعض الإشكال في الفهم ، فأحببت أن يطمأن قلبي ؛ لاعتقادي بجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهو أنه كان في زمن النبي منافقون لا يعلمهم إلا الله تعالى ، وأعلم رسوله بذلك ، وأظن أن الرسو أخبر حذيفة بن اليمان ، وأن الله تعالى أنزل قوله : ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ )

وهذه الأية كما وصلني أنها نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فهل الوليد فاسق ؟

وهل الوليد لقي النبي مؤمنا به ، يعني هل هو صحابي عدل ؟


الجواب :


الحمد لله


أولاً :

أصح ما قيل في تعريف الصحابي ، هو ما اختاره الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/158) حيث قال :" وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابيّ: من لقي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام "انتهى .

وبناءً على هذا ؛ فالمنافقون نفاقا أكبر، في حقيقة الأمر : ليسوا من الصحابة ، لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم .

والصحابة جميعا عدول لتعديل الله لهم ، وتعديل النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، حيث قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100 ، وقال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) البقرة/143.

وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران/110 .

وأول من يدخل من ذلك هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه خير الأمة ، وخير الناس ، كما تواتر الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك .

قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص171) :" إن الأمة مجمعة علي تعديل جميع الصحابة. ومن لابس الفتن منهم : فكذلك ؛ بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة " انتهى .

وقال ابن عبد البر رحمه الله : "فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منها" انتهى من "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (1/3) .

وقال النووي رحمه الله :

"الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتنة وغيرهم، بإجماع من يعتد به" .

"التقريب والتيسير" (ص92) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله

: "اتفق أهل السنة على أن الجميع – أي الصحابة- عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة"

انتهى من "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/10).

ثانيا :

ليس المقصود بعدالة الصحابة أنهم معصومون من الذنوب ، فهذا لم يقل به أحد من العلماء ، فقد تقع من بعضهم الهفوات والزلات ، الصغائر أو الكبائر ، ولكن المقصود بعدالتهم هو تمام الثقة بأقوالهم وأخبارهم ، فلا يتعمدون الكذب في شهادتهم ، ولا في أخبارهم ، ولا يتعمدون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال المرداوي في "التحبير شرح التحرير" (4/1994)

:" لَيْسَ المُرَاد بكونهم عُدُولًا الْعِصْمَة لَهُم ، واستحالة الْمعْصِيَة عَلَيْهِم ، إِنَّمَا المُرَاد أَن لَا نتكلف الْبَحْث عَن عدالتهم ، وَلَا طلب التَّزْكِيَة فيهم "انتهى .

وقال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص46)

:" عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك ..."

ثم ساق عددا من الأدلة ثم قال : " والأخبار في هذا المعنى تتسع ، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ، وجميع ذلك يقتضى طهارة الصحابة ، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم ، مع تعديل الله تعالى لهم ، المطلع على بواطنهم : إلى تعديل أحد من الخلق له ؛ فهو على هذه الصفة

إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يَحتمل إلا قصد المعصية ، والخروج من باب التأويل ، فيحكم بسقوط العدالة ؛ وقد برأهم الله من ذلك ، ورفع أقدارهم عنه .

على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها ، من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين = القطعَ على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم ، أبد الآبدين .

هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنة " ( 1/306-307):

"الصحابة يقع من أحدهم هنات، ولهم ذنوب، وليسوا معصومين .

لكنهم : لا يتعمدون الكذب، ولم يتعمد أحد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هتك الله ستره" انتهى .

وقال الدكتور عماد الشربيني في كتابه "عدالـة الصحابـة رضى الله عنهم في ضوء القرآن الكريم السنة النبوية ودفع الشبهات" :

"ومعنى عدالة الصحابة : " أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة، وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور0

وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي ، أو من السهو أو الغلط ؛ فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم .

ومما ينبغى أن يعلم أن الذين قارفوا إثماً ، ثم حُدُّوا - كان ذلك كفارة لهم - وتابوا ، وحسنت توبتهم .

ويؤكد ما سبق الإمام الأبيارى المالكي (توفي سنة 618ه ) بقوله : وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية عليهم ، وإنما المراد : قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا أن يثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد !

فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح " انتهى .

وينظر: فتح المغيث للسخاوى3/96، والبحر المحيط للزركشى 4/300

وإرشاد الفحول 1/278.

ثالثا :

أما ذكره السائل من وجود بعض المنافقين حول النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقدح ذلك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، لما يلي :

1- أن المنافقين غير معدودين في الصحابة – كما سبق- . قال ابن حزم في "الإحكام" (5/89) :" أما الصحابة رضي الله عنهم فهو كل من جالس النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة ، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها ، أو شاهد منه عليه السلام أمرا يعيه ، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر ، حتى ماتوا على ذلك ... " انتهى .

2- أن المنافقين كانوا قلة ذليلة معروفة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يوجد منافق واحد منهم عدّه أهل العلم في الصحابة ، ويدل على ذلك قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن صلاة الجماعة :" وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ". أخرجه مسلم في "صحيحه" (654) ،

وقد عُرفوا أكثر وافتضحوا بعد تخلفهم عن غزوة تبوك ، ونزول سورة التوبة في شأنهم ، ولذلك قال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ ".

أخرجه البخاري (4418) ، ومسلم (2769) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (8/474) :

" ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ .

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ

وَأَكْثَرُهُمُ انْكَشَفَ حَالُهُ لَمَّا نَزَلْ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يعْرِفُ كُلًّا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ، فَالَّذِينَ بَاشَرُوا ذَلِكَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ.

وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ ، أَوْ يَهُودِيًّا ، أَوْ نَصْرَانِيًّا ، أَوْ مُشْرِكًا : أَمْرٌ لَا يَخْفَى مَعَ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ ، فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ ، وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، وَقَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] .

فَالْمُضْمِرُ لِلْكُفْرِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ، وَأَمَّا بِالسِّيمَا فَقَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 10] " انتهى .

وقال المعلمي اليماني في "الأنوار الكاشفة" (ص278)

:" وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا:" فكنت إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم: أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء". وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك ، ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم توبتهم ، ثم نزلت سورة براءة فقشقشتهم .

وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشارًا إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى .

3- أنه لم يرو منافق قط حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال المرداوي في "التحبير شرح التحرير" (4/1995) :

" قَالَ الْحَافِظ الْمزي: من الْفَوَائِد أَنه لم يُوجد قطّ رِوَايَة عَمَّن لمز بالنفاق من الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (8/474)

:" وَالصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِينَ يُعَظِّمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدِّينِ : كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ ، وَلَمْ يُعَظِّمِ الْمُسْلِمُونَ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -عَلَى الدِّينِ مُنَافِقًا " انتهى .

رابعا :

أما الوليد بن عقبة فهو صحابي ، بلا خلاف بين أهل العلم ، وهو داخل في عموم الآيات والأحاديث التي تثني على الصحابة رضي الله عنهم وتحكم لهم بالعدالة .

وأما نزول الآية الكريمة فيه ، ووصفه بأنه "فاسق" : فلم يثبت ذلك ثبوتا بينا :

فمن أهل العلم من يقول بنزولها فيه كابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/1553) ، وغيره .

ومنهم من ينفي ثبوت ذلك ، ومن هؤلاء الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (28/98) ، وابن عاشور في "التحرير والتنوير" (26/269)

ومحب الدين الخطيب في تعليقه على " العواصم من القواصم" لابن العربي (ص102) ،

خاصة وأن الآثار الواردة في ذلك لا تخلو من مقال من ناحية الإسناد ، وابن كثير رحمه الله ذكر الأثر في سبب نزول الآية في تفسيره (7/370)

ولم يعلق عليه بشيء ، غير أنه ذكره في "البداية والنهاية" (11/604) وعلق عليه بقوله : "ذكر ذلك غير واحد من المفسرين ، والله أعلم بصحة ذلك " انتهى .

وفي هذا إشارة إلى أن مثل ذلك الأثر مما لم تعلم صحته ، ولم تشتهر لدى أهل العلم .

والشيخ أحمد شاكر رحمه الله حذف هذا الأثر في اختصاره لتفسير ابن كثير (3/355)

وفي هذا إشارة منه إلى ضعفه وعدم صحته

فإنه ذكر في المقدمة (1/11)

أنه "حذف كل حديث ضعيف أو معلول" انتهى .

وأما نفس القصة المروية: فليس فيها عند التأمل ما يقتضي وصف الوليد بالفسق !!

وبيان ذلك : أن في الأثر : أنه خرج له بنو المصطلق يتلقونه ، فظن أنهم إنما خرجوا لقتاله فخاف ، ورجع وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وليس في ذلك ما يقتضي وصفه بالفسق ، وإن كان قد أخطأ في ظنه ذلك ، غير أنه لم يتعمد الكذب .

قال الرازي في تفسيره (14/271) :

"ويتأكد بما ذكرنا أن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد شيء بعيد ، لأنه توهم وظن ، فأخطأ ، والمخطئ لا يسمى فاسقًا" انتهى .

ولو افترضنا أن الآية الكريمة نزلت فيه ، وأنه استحق هذا الوصف – وهذا غير مُسَلَّم كما سبق – فيجاب عنه بأنه قد تاب من ذلك ، وحسنت توبته ، كما هو شأن من وقع في شيء من المعاصي من الصحابة رضي الله عنهم ، كما تاب ماعز والغامدية وحسنت توبتهما

وكما تابت المرأة المخزومية التي سرقت فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها ، وحسنت توبتها ، وكما تاب أبو لبابة مما فعله مع بني قريظة وحسنت توبته ، وكما تاب كعب بن مالك وصاحباه من تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر وحسنت توبتهم .

فعلى فرض صحة ما قيل ، فيكون الوليد بن عقبة قد تاب من ذلك وحسنت توبته ، ولذلك استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صدقات بن تغلب ، وولاه عثمان بن عفان رضي الله عنه الكوفة .

انظر : "البداية والنهاية" (11/604) .

فلم يكونا رضي الله عنهما يستعملانه ، إلا وهو عندهما قوي أمين عدل غير فاسق .

قال أبو بكر بن العربي رحمه الله في سياق حديثه عن عدالة الصحابة ، ونفي صفة الفسق عنهم : "وليست الذنوب مسقطةً للعدالة إذا وقعت منها التوبة" انتهى من "العواصم من القواصم" (ص 94).

وقال السخاوي في "فتح المغيث" (3/112) :

" وأما الوليد وغيره ممن ذكر بما أشار إليه فقد كف النبي صلى الله عليه وسلم من لعن بعضهم بقوله : (لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) ، كما كف عمر عن حاطب رضي الله عنهما قائلا له : ( إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر

فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، لا سيما وهم مخلصون في التوبة فيما لعله صدر منهم ، والحدود كفارات ، بل قيل في الوليد بخصوصه : إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق ، وبالجملة فترك الخوض في هذا ونحوه متعين" انتهى .

والتوبة ترفع وصف الفسق عمن فعل ما هو أعظم مما نسب إلى الوليد بن عقبة.

قال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه "منهج النقد عند المحدثين، نشأته وتاريخه" :

"ولكنه تعالى قال إلى جانب ذلك: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4، 5.

ورغم أن العلماء اختلفوا في أن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فلا ترفع التوبة إلا الفسق، ويبقى القاذف مردود الشهادة أبداً مهما تاب، أو يعود إلى الجملة الأخيرة وإلى التي قبلها، فترفع التوبة الفسق، ويعود هو مقبول الشهادة..

لكن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى قبول شهادة القاذف بعد ما يتوب، ويؤيد ذلك تصرفات المحدثين، حيث إنهم قبلوا رواية حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري شاعر رسول صلى الله عليه وسلم . وحمنة بنت جحش الأسدية أخت زينب أم المؤمنين" انتهى .

وحتى واقعة شرب الوليد للخمر ؛ فالثابت في الصحيحين عند البخاري (3696)

ومسلم (1707) هو واقعة جلده بشهادة اثنين عليه ، أما كونه شرب أم لا فهذه قضية أخرى .

وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن بعضا من أهل الكوفة قد افتروا عليه كذبا أنه شرب الخمر وشهدوا عليه زورا .

ومعلوم أن أهل الكوفة طعنوا حتى في سعد بن أبي وقاص حتى قالوا : لا يحسن الصلاة فكيف بالوليد ؟!

قال ابن خلدون في تاريخه "ديوان المبتدأ والخبر" (1/269)

:" فلم ينقطع الطّعن من أهل الأمصار ، وما زالت الشّناعات تنمو ، ورمي الوليد بن عقبة وهو على الكوفة بشرب الخمر وشهد عليه جماعة منهم وحدّه عثمان "انتهى .

وعلى هذا ؛ فذلك أيضا غير مقطوع به .

وعلى فرض ثبوت ذلك منه ، فالمقصود بالعدالة كما سبق قبول شهادة الصحابة وروايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث إنهم عندهم من الخوف من الله ما يمنعهم من تعمد الكذب .

والوليد بن عقبة لم يتعمد الكذب في شيء من الروايات ، بل ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا ، رواه الإمام أحمد في مسنده ، والإسناد إلى الوليد ضعيف لا يصح ، أي : يصح أن يقال : لم يرو الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم أي حديث ، وذلك كافٍ في الجزم بأنه لم يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو معنى العدالة كما سبق .

قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/1556)

:" لم يرو الوليد بْن عُقْبَةَ سنة يحتاج فِيهَا إليه " انتهى .

ونختم بهذا الكلام الجيد للعلامة المعلمي

قال في "الأنوار الكاشفة" (ص 271) عن الوليد بن عقبة :

"هذا الرجل أشدّ ما يشنِّع به المعترضون على إطلاق القول بعدالة الصحابة، فإذا نظرنا إلى روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى كم حديثًا روى في فضل أخيه، ووليِّ نعمته ؛ عثمان؟ ...

وكم حديثًا روى في فضل نفسه ليدافع ، ما لحقه من الشهرة بشرب الخمر؟

هالنا أننا لا نجد له روايةً البتة، اللهم إلا أنه رُوِيَ عنه حديث في غير ذلك لا يصح عنه، وهو ما رواه أحمد وأبو داود من طريق رجل يقال له: أبو موسى عبد الله الهَمْداني عن الوليد بن عقبة قال: "لما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم، فجيء بي إليه وأنا مطيَّب بالخَلُوق فلم يمسح رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلَّقتني بالخَلُوق، فلم يمسني من أجل الخَلُوق" .

هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وأنت إذا تفقَّدْتَ السند وجدتَه غير صحيح لجهالة الهَمْداني .

وإذا تأملت المتن لم تجده منكرًا ، ولا فيه ما يمكن أن يُتّهم فيه الوليد، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه...

أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم حِجْرٌ محجور؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "رده على الإخنائي" (ص 163) :

"فلا يعرف مِن الصحابة مَنْ كان يتعمَّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان فيهم من له ذنوب، لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه".

ثم قال المعلمي :

إن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكّك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدَّثوا به عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو عن صحابيّ آخر عنه، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم، مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له" انتهى .

وبهذا يتبين أن ثبوت عدالة الصحابة أمر مقطوع به .

وأنه لا يطعن فيها ما نسب للوليد بن عقبة ، لأن في ثبوت ذلك شكا .

ولأن العدالة لا يشترط لها العصمة .

ولأن المقصود من العدالة عدم تعمدهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصحابة كلهم كذلك ، حتى من وقع في بعض الذنوب منهم .

فرضي الله عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعا ، ووفقنا لمحبتهم واتباعهم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:59   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل ثبت أن رقيب و عتيد ملكان حقا ؟

ام يقصد بهما الفص الأيمن و الأيسر من العقل ؟؟

السؤال :

قد قرأت تلك الرسالة في موقع من مواقع فتوى، وقد أصابني الشك في أنها خرافات ، فكاتبة تلك الفتوى تقول : إن الملكين اللذين يلزمان الإنسان ليس إلا العقل ، وأنه يقصد به الفص الأيمن والأيسر للعقل

فقلت لنفسي : إنها قد ادعت هذا الكلام ، وأنكرت وجود الملكين اللذين يكتبان أعمال الإنسان ويلازمانه ، اعتذر عن طول الموضوع .

فسؤالي هو : هل هذا الكلام صحيح ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

من اعتقاد أهل السنة والجماعة الإيمان بالملائكة الكرام الكاتبين ، الموكلين بكتابة أعمال العباد ، وقد دلَ الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك .

قال الإمام الطحاوي في "العقيدة الطحاوية" (ص187) :" ونؤمن بالكرام الكاتبين ، فإن الله قد جعلهم علينا حافظين ". اهـ

وقال اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/181) :" ونؤمن بالمساءلة في القبر

وبالكرام الكاتبين ". اهـ

وقال ابن حزم في "الفصل في الملل والنحل" (4/55

) وَأما كتاب الْمَلَائِكَة لأعمالنا فَحق ، قَالَ الله تَعَالَى (وَإن عَلَيْكُم لحافظين كراماً كاتبين) ، وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) ، وَقَالَ تَعَالَى (وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشوراً اقْرَأ كتابك) ، وَقَالَ تَعَالَى (إِذْ يتلَقَّى المتلقيان عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد) .

قَالَ أَبُو مُحَمَّد : وكل هَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ بَين أحد مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام ؛ إِلَّا أَنه لَا يعلم أحد من النَّاس كَيْفيَّة ذَلِك الْكتاب ". اهـ

وقال ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (ص145) :" وَأَهْلُ اَلسُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ بِالْحَفَظَةِ اَلَّذِينَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ اَلْعِبَادِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ ) ، وَقَالَ: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) . اهـ

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ( ص134) :" وقد أجمع السلف الصالح على أن الذي عن يمينه يكتب الحسنات ، والذي عن شماله يكتب السيئات ". اهـ

ثانيا :

ادعاء صاحبة الفتوى أن المراد بقوله تعالى :" إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ " سورة ق /17 . العقل البشري المعجز بفصيه الأيمن والأيسر : كلام باطل ، وفيه قول على الله بلا علم ، ومخالف لإجماع المفسرين من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا .

وما ذكرته السائلة الكريمة عن تلك السيدة التي كتبت هذا الكلام اعتراضا على وجود الكرام الكاتبين ، فهو كلام باطل شرعا وعقلا ، لما يلي :

أولا : اعتراضها على الاستدلال بقوله تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) سورة الانفطار /10 ، 11 ، 12 . اعتراض باطل من وجوه :

1- أن الله تعالى أثبت كونهم يكتبون بقوله :" كاتبين ".

2- تتابع المفسرين وأهل العلم قاطبة على الاحتجاج بهذه الآية في إثبات الكرام الكاتبين.

ثانيا : قولها أن الأحاديث الواردة في إثبات ذلك أحاديث ضعيفة ، وظنية الثبوت ، قول باطل لما يلي :

1- أنه قد صح في إثبات الكرام الكاتبين ، وأنهم يكتبون أفعال العباد أحاديث بلغت حدّ التواتر المعنوي ، وهذه بعضها :

· ما أخرجه البخاري (7501) ، ومسلم (128)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ : إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً ، فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا ، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ " .

· ما أخرجه مسلم في صحيحه (2969) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ، فَقَالَ: « هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ » قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي

قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا ، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي ، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " .

وموضع الشاهد فيه : قوله :" وبالكرام الكاتبين شهودا " .

· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (7424) ، والترمذي في "سننه" (3600) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ ، فُضُلًا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ ؛ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى بُغْيَتِكُمْ فَيَجِيئُونَ فَيَحُفُّونَ بِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ... ثم ساق الحديث " . والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة ) (3540)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :" فضلا عن كتاب الناس " ، أي هؤلاء الملائكة السياحين في الأرض : هم زائدون على الملائكة الذين يكتبون أعمال العباد

قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (4/1548) :

" قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ ، عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ : أَنَّهُمْ زَائِدُونَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَغَيْرِهِمْ ، لَا وَظِيفَةَ لَهُمْ إِلَّا حِلَقُ الذِّكْرِ ". اهـ

· ما أخرجه الترمذي في "سننه" (2639)

من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟

فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ ، فَقَالَ: إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ ، فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ ). والحديث صححه الشيخ ألباني في

"السلسلة الصحيحة" (135)

وموضع الشاهد في الحديث قوله :" أظلمك كتبتي الحافظون ".

· ما أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (122) من حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا قام أحدكم - أو قال : الرجل - في صلاته ، يقبل الله عليه بوجهه ، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ، ولا يبزقن عن يمينه ، فإن كاتب الحسنات عن يمينه ، ولكن ليبزق عن يساره ). والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1062)

وموضع الشاهد في الحديث قوله :" فإن كاتب الحسنات عن يمينه " .

· ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7765) من حديث أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا ، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً )» . والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1209)

وموضع الشاهد من الحديث واضح بين .

· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (13712) من حديث أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا ابْتَلَى اللهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ ، قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ ، فَإِنْ شَفَاهُ ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ ، غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ ) . والحديث حسنه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (2/346)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :" قَالَ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ ".

· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (6482) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَابُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ ، مَا كَانَ فِي وِثَاقِي ) .

والحديث جود سنده ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/407) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1232)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :" إِلَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ".

· ما أخرجه أحمد في "مسنده" (6895) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ مَرِضَ قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ إِذَا كَانَ طَلِيقًا حَتَّى أُطْلِقَهُ أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ ).

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3/233)

وموضع الشاهد من الحديث قوله :" قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ ".

فهذه تسعة أحاديث منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، كافية لمن أراد الحق .

وأما قولها أنها " ظنية الثبوت " ، فهذا باطل من وجهين :

الأول : أنها فضلا عن ثبوت الكرام الكاتبين بنص القرآن ، وهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، إلا أن الأحاديث الواردة في ثبوت الملائكة الكرام الكاتبين أحاديث متواترة تواترا معنويا ، والمتواتر المعنوي هو ما تواتر معناه دون لفظه ، أي أن تُروى أحاديث مختلفة إلا أنه يتكرر في جميعها معنى معين ، فيكون حينئذٍ من قبيل التواتر المعنوي ، وهذا معلوم عند أهل العلم بلا خلاف

قال السخاوي في "فتح المغيث" (3/43) :

" والشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال بعد ذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه و سلم في غسل الرجلين : لا يقال إنها أخبار آحاد ، لأن مجموعها تواتر معناه ، وكذا ذكر غيره في التواتر المعنوي كشجاعة علي وجود حاتم وأخبار الدجال ". اهـ

وقد تبين أن الأحاديث السابق ذكرها تكرر فيها ذكر الملائكة الكتبة الحفظة .

الثاني : أن دعوى أن الحديث " ظني الثبوت " لأجل ترك العمل به طريقة لأهل البدع كالمعتزلة وغيرهم ، وأهل السنة قاطبة يحتجون بالحديث إذا صح إسناده ، في العقائد والأحكام دون فرق .

يقول الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص 453)

:" ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديما وحديثاً على تثبيت خبر الواحد ، والانتهاء إليه ، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد ، إلا وقد ثبَّته ؛ جاز لي.

ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ". اهـ

وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/385)

:" انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد ، وبطل قول من خرج عن ذلك من أهل البدع ". اهـ .

وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/2)

:" وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ ، وَإِيجَابِ الْعَمَلِ بِهِ : إِذَا ثَبَتَ ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَثَرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ ، عَلَى هَذَا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ إِلَّا الْخَوَارِجَ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ شِرْذِمَةٌ لَا تُعَدُّ خِلَافًا ". اهـ

ومن أراد التوسع فليرجع إلى رسالة الشيخ الألباني " الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ".

ثالثا : ما نقلته السائلة الكريمة عن صاحبة الفتوى : أن الأحاديث تخالف المعني اللغوي للآيات، حيث إن الآيات تقول : ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ). سورة ق/17 ، 18

ومعنى القعيد : هو المداوم الذي لا يفارق بحال ، وأن الأحاديث فيها أن الحفظة يفارقون العبد عند الغائط والجنابة والغسل = فهو أيضا فهم خاطئ، لما يلي :

1- أن الأحاديث الواردة في أن الكرام الكاتبين يفارقون العبد عند ثلاث ( الغائط والجنابة والغسل ) أحاديث ضعيفة لا تثبت ، وقد رويت عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .

أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار في "مسنده" (4799) من حديث ابنِ عباس ، رَضِي الله عنه ، قال : قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا
يفارقونكم إلاَّ عند إحدى ثلاث حالات : الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه ، أو بخذمة حائط ، أو ببعيره ".

فهذا حديث ضعيف ، ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2243) .

وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7345) من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنِ التَّعَرِّي ، إِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ فِي نَوْمٍ وَلَا يَقَظَةٍ ، إِلَّا حِينَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ أَوْ حِينَ يَأْتِي خَلَاءَهُ ، أَلَا فَاسْتَحْيُوهَا ، أَلَا فَأَكْرِمُوهَا " .

وهو حديث ضعيف جدا أيضا ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2300) .

2- أن أهل العلم منهم من يقول أن الحفظة لا تفارق العبد بحال ، قال ابن حمدان في "نهاية المبتدئين" (ص 53):" الرَّقِيبُ وَالْعَتِيدُ : مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِالْعَبْدِ ، نُؤْمِنَ بِهِمَا ، وَنُصَدِّقَ بِأَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ أَفْعَالَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى -: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، وقوله تعالى :" وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين " ، ولا يفارقانه بحال ، وقيل عند الخلاء ". اهـ .

ولو ثبت حديث المفارقة فيكون معناه الابتعاد شيئا قليلا ، وليس المفارقة التامة ، قال ابن حجر الهيتمي في "فتاويه" (ص25) :" علم مِمَّا قدمْنَاهُ : أَن مَلَائِكَة الْحِفْظ الموكلين بالإنسان : ينقسمون إِلَى أَن مِنْهُم من هُوَ مُوكل بِالْحِفْظِ لَا غير ، وَمِنْهُم ، وهما الكاتبان الكريمان : من هُوَ مُوكل بِالْحِفْظِ وَالْكِتَابَة .

وَورد فِي هذَيْن أَنهم يفارقون الْإِنْسَان. فقد أخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:" إِن الله يَنْهَاكُم عَن التعري فاستحيوا من مَلَائكَته الَّذين مَعكُمْ الْكِرَام الْكَاتِبين الَّذين لَا يفارقونكم إِلَّا عِنْد أحد ثَلَاث الْجَنَابَة وَالْغَائِط وَالْغسْل" . وَظَاهر : أَنه لَيْسَ المُرَاد هُنَا الْمُفَارقَة بِالْكُلِّيَّةِ بل يبعدون عَنهُ حينئذٍ نوع بعد ". اهـ

3- أن غاية ما يقال في معنى : "رقيب عتيد" أن هذا وصف للملكين ، وليس هذا هو اسمهما الذي هو علم عليهما ، وهذا لا إشكال فيه ، ما دام قد ثبت أن هنا ملكين يحصيان على العباد أعمالهم ، ويكتبانها ، عن اليمين وعن الشمال .

ومما سبق يتبين بطلان ما اعترضت به صاحبة الفتوى ، وأن كلامها مخالف للقرآن والسنة وإجماع الأمة ، ونوصي الأخت السائلة الكريمة أن تتجنب أمثال هذه الفتاوى المغلوطة ، وأن تأخذ العلم عن أهله المتحققين به

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 18:01   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟

السؤال:

متى يتجنب الكرام الكاتبين العبد ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

اتفق العلماء على أن أعمال العباد محصاةٌ عليهم ، سواء عملوها في الأماكن الكريمة ، أم في الأماكن المهينة كالخلاء ، وسواء عملوها في أحوال الطاعات أم في أحوال المعاصي والآثام ، فكل ما عمله العبد في حياته ، سوف يلقاه يوم القيامة مثبتا في كتاب أعماله ، من صغير أو كبير ، من جليل أو حقير . قال الله تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف /49 .

ثانيا :

اختلف العلماء فيما إذا كانت الملائكة الموكلة بتسجيل الأعمال قد تفارق العبد في بعض الأماكن والأحوال ، أم لا ، وذلك على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أن الملائكة الموكلة بكتابة الأعمال لا تفارق العبد في أي حال من الأحوال .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هذان الاثنان – يعني الملكين - هل هما دائماً مع الإنسان ؟ نعم لقوله : ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء ، وإذا كان عند الجماع ، فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ، وإن لم يصح فالأصل العموم ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 " انتهى.

" شرح العقيدة السفارينية " (3) .

القول الثاني : أن الملائكة تفارق العبد في مواضع : في الخلاء ، وعند الجماع ، وأضاف بعضهم عند الاغتسال .

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" الحفظة لا يفارقوننا ، إلا عند الخلاء والجماع والغسل ، كما في حديث " انتهى.

" الفتاوى الحديثية " (ص/47)

ويقول السفاريني رحمه الله :

" لا يفارقان العبد بحال ، وقيل : بل عند الخلاء ، وقال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه ، ومفارقتهما للمكلف حينئذ لا تمنع من كتبهما ما يصدر منه في تلك الحال ، كالاعتقاد القلبي ، يجعل الله لهما أمارة على ذلك " انتهى.

" لوامع الأنوار البهية " (1/448)

واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :

الدليل الأول : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ )

رواه الترمذي (رقم/2800)

لكن هذا الحديث ضعيف ، قال الترمذي بعد إخراجه له : "هذا حديث غريب " انتهى. وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2300)

قال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فإن قيل : قد رُوِيَ عنه عليه السلام أن الكرام الكاتبين لا يُفارقان العَبد إلا عند الخلاء والجماع.

قلت : هذا حديث ضعيف لا يحتج به " انتهى.

" شرح سنن أبي داود " (2/397)

الدليل الثاني : روى عبد الرزاق في " المصنف " (1/285) عن ابن جريج ، عن صاحب له ، عن مجاهد قال :

( لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية - وعليه ثوب مستور عليه - هبت الريح ، فكشفت الثوب عنه ، فإذا هو برجل يغتسل عريانا بالبراز ، فتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا أيها الناس ! اتقوا الله واستحيوا من الكرام ، فإن الملائكة لا تفارقكم إلا عند إحدى ثلاث ، إذا كان الرجل يجامع امرأته ، وإذا كان في الخلاء ، قال : ونسيت الثالثة .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا اغتسل أحدكم فليتوار بالاغتسال إلى جدار ، أو إلى جنب بعير ، أو يستر عليه أخوه )

لكن هذا الحديث مرسل ، وفي سنده مبهم . فلا يصح الاستدلال به ، لضعفه .

الدليل الثالث : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :

( إن الله ينهاكم عن التعري ، فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند الغائط والجنابة والغسل ، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحائط )

قال ابن تيمية رحمه الله :

" رواه ابراهيم الحربي ، ورواه ابن بطة من حديث ابن عمر ، وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد " انتهى.

" شرح العمدة " (1/401)

لكن لم يتم الوقوف على إسناد الحديث إلى ابن عباس ، والمعروف أنه من حديث ابن عمر كما سبق تخريجه عند الترمذي ، وبيان ضعفه .

القول الثالث : أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، سواء كان في محل كريم أو مكان مهين .

ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه .

والذي ينبغي في ذلك ألا يتكلم المرء في مثل تلك الأمور الغيبية ، من غير دليل من كتاب الله ، أو سنة رسوله ، وإسناد العلم في ذلك إلى الله عز وجل ، والإيمان بأن كل ما يصدر من العبد محصي عليه ، وهو كاف للعبد في هذا الباب ، وهو الأمر الذي ينفعه ويعنيه ؛ يقول الله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18. وقال سبحانه وتعالى : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية/29.

قال السيوطي رحمه الله :

" وأما السؤال عن دخول الكاتبين الخلاء ، فجوابه : أنَّا لا نعلم ، ولا يقدح عدم علمنا بذلك في ديننا ، وجملة القول فيه : أنهما إن كانا مأمورين بالدخول دخلا ، وإن أكرمهما الله عن ذلك وأطلعهما على ما يكون من الداخل ، مما سبيلهما أن يكتبا ، فهما على ما يؤمران به " انتهى.

" الحبائك في أخبار الملائك " (ص/90) .

ولعل القول الثالث هو القول الأقرب ، والأوفق لجانب الأدب في مثل ذلك ؛ لما فيه من الوقوف عند النصوص ، وعدم تجاوزها من غير دليل قوي ولا برهان صحيح . والله أعلم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 18:04   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

الرقيب والعتيد وصفان لكل من الملكين الذين يحفظان أعمال العباد

السؤال:

هل الرقيب والعتيد ملكان ، وما وظيفتهما ، وهل إذا دخل الإنسان المرحاض يدخلان معه ؟

جزاكم الله خيرا .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

هذان الوصفان للملائكة التي وُكِّلت بكتابة كل ما يعمله ابن آدم من خير أو شر ، وهما وصفان صادقان على كل منهما ، فالملك الذي عن اليمين صفته أنه رقيب وعتيد ، والملك الذي عن الشمال صفته أنه رقيب وعتيد .

يقول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق/16-18.

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" في الرقيب ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه المتتبع للأمور .

الثاني : أنه الحافظ ، قاله السدي .

الثالث : أنه الشاهد ، قاله الضحاك .

وفي العتيد وجهان :

أحدهما : أنه الحاضر الذي لا يغيب .

الثاني : أنه الحافظ المُعَد ، إما للحفظ ، وإما للشهادة " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (17/11)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان ، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أي : مترصد . ( مَا يَلْفِظُ ) أي : ابن آدم ( مِنْ قَوْلٍ ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار/10-12 " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (7/398)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ( رقيب ) مراقب ليلاً ونهاراً ، لا ينفك عن الإنسان .

( عتيد ) حاضر ، لا يمكن أن يغيب ويوكل غيره ، فهو قاعد مراقب حاضر ، لا يفوته شيء " انتهى.

" تفسير سورة ق "

وأما القول بأن أحد الملكين اسمه رقيب ، والآخر اسمه عتيد : فهو مخالف لظاهر الآية الكريمة.

يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر حفظه الله :

" يذكر بعض العلماء أن من الملائكة من اسمه رقيب وعتيد ، استدلالاً بقوله تعالى : ( ما يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيدٌ ) وما ذكروه غير صحيح ، فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد ، ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي : ملكان حاضران شاهدان ، لا يغيبان عن العبد ، وليس المراد أنهما اسمان للملكين " انتهى.

" عالم الملائكة الأبرار " (ص/12)

ثانيا :

وأما هل يدخل الملائكة الحفظة مع الإنسان إلى الخلاء ، فقد سبق التوسع في شرح هذه المسألة في جواب السؤال رقم : (147161) ، وتبين فيه أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان ، يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، وسواء كان في محل كريم أو مكان مهين .

ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه ، والواجب هو الوقوف عند الوارد ، وتفويض علم ما لم يرد إلى الله عز وجل ، وكما قال سعيد بن جبير رحمه الله : " قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ".

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:18   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



حول القصة المشهورة عن علي بن أبي طالب وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم له :" البائع جبريل والمشتري ميكائيل

السؤال :

هل يصح هذا فقال له الرسول الكريم: يا علي، البائع جبريل و المشتري ميكائيل، حكى أن عليا كرم الله وجهه مكث هو وزوجته السيدة فاطمة رضي الله عنها وأولادها ׃ الحسن و الحسين و الحارث ثلاثة أيام لم يتذوقوا فيها طعام. وكان للسيدة فاطمة إزار (شال) فأعطته عليا ليبيعه

ويشتري بثمنه طعاما. فأخذه سيدنا علي. وباعه بستة دراهم. وحينما كان علي ذاهبا ليشتري طعاما قابله بعض الفقراء، فتألم لحالهم، وتصدق عليهم بالدراهم الستة التي معه، وهى ثمن الإزار(الشال) الذي باعه وفي أثناء ذهابه إلي بيته، لقيه جبريل عليه السلام في صورة إنسان ومعه ناقة من الجنة، فقال له: يا أبا الحسن اشتر منى هده الناقة. فقال له علي: ليس معي ثمنها، ولا يمكنني شراؤها. قال البائع: يمكنك أن تشتريه

وتدفع ثمنها فيما بعد. فسأله علي: بكم تبيعها ؟

قال البائع: بمائة درهم فرضي علي، وقبل شراءها منه بدلك الثمن المؤجل ، و اخدها، ودهب . فقابله ميكائيل علي صورة رجل أعرابي وسأله: هل تبيع هده الناقة يا أبا الحسين ؟

قال علي: نعم، أبيعها؟ قال: بكم اشتريتها أجاب علي: اشتريتها بمائة درهم. قال ميكائيل: أنا اقبل شراؤها منك بمائة وستين درهما، فيكون ربحك ستين درهما. فباعها علي له بدلك الثمن، ودفع له المشتري مائة وستين درهما. فأخذها علي، ومشي إلى بيته، فلقيه في الطريق البائع الأول وهو جبريل، فسأله هل بعت الناقة يا أبا الحسن ؟

أجاب علي: نعم، بعتها. قال جبريل: أعطني حقي. فدفع له المائة درهم، وبقي معه ستون درهما. فدهب بها إلى بيته، ووضعها بين يدي السيدة فاطمة رضي الله عنها. فسألته من أين لك هدا المال ! أجاب علي تصدقت بستة دراهم على قوم الفقراء، فأعطاني الله ستين درهما، فكان ربح كل درهم عشرة دراهم. ثم قابل علي الرسول صلى الله عليه و سلم..


الجواب :

الحمد لله


هذه القصة التي ذكرها السائل الكريم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا أصل لها ، وليس لها إسناد أصلا .

وقد ذكرها الصفوري في "نزهة المجالس" (2/6)

بدون إسناد فقال :" حكاية : ثم ساقها .

ونقل الحلبي في "السيرة الحلبية" (2/282)

أن السيوطي سئل عن هذه القصة فأجاب بأنها من الكذب الموضوع .

وأغلب الظن أنها من وضع القصاص ، أو من أكاذيب الروافض .

وأما فضائل علي رضي الله عنه فكثيرة جدا ، وثابتة ، ولا نحتاج لإثباتها مثل هذه الحكايات المكذوبة .

وأما ثواب المتصدق ، وإخلاف الله عليه ، فهو ثابت أيضا بالقرآن وصحيح السنة .

قال الله تعالى :" وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " سبأ/39 ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " . أخرجه البخاري (1442) ، ومسلم (1010) .

فلا نحتاج لتقرير ذلك هذه القصص المكذوبة ، وفي الصحيح غنى

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:26   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ما صحة الحديث القدسي في قصة هلاك فرعون" يا جبريل لو استغاثني لأغثته "

السؤال


: ما صحة هذا الحديث القدسي عندما غرق فرعون وجاء جبريل لدس الطين في فمه كي لا تدركه الرحمة ، قال الله عز وجل لجبريل : ( يا جبريل وعزتي وجلالي لو استغاثني واستغفرني لغفرت له ) هل لهذا النص أصل صحيح ؟

وليس المقصود قصة جبريل ودس الطين في فم فرعون التي أخرجها الترمذي وغيره ، إنما سؤالي عن أصل الحديث القدسي ، وقد نشر في بعض المقاطع والمنتديات .


الجواب :

الحمد لله

فإن الحديث الذي أورده السائل في دس جبريل الطين في فم فرعون حديث ثابت

أخرجه الترمذي في "سننه" (3107)

وأحمد في "مسنده" (2144) ، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ البَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ ".

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2015) .

وفي تخريج المسند ، ط الرسالة (4/45-47) :

أن الصحيح وقفه على ابن عباس ، وكأنه أشبه.

أما ما ذكره السائل من صحة ما يذكر من أن الله قال لجبريل حينئذ :" يا جبريل : وعزتي وجلالي لو استغاثني واستغفرني لغفرت له " .

فهذا لا يصح ، ولم يرد بإسناد أصلا

وإنما ذكره السيوطي في "معترك الأقران في إعجاز القرآن" (2/369)

فقال :" وقيل: إن فرعون لما عاين العذاب أراد الإيمان في حال الغرق ، فرفع جبريل الطين وجعله في فِيه ، حتى استغاث بجبريل سبعين مرة ، فلم يُغِثه ، فعاتبه الله ، وقال لجبريل: استغاث بك فرعون سبعين مرة فلم تغثه ، وعِزَّتي وجلالي لو استغاث بي لأَغثته ". اهـ

و ما دام ليس له إسناد : فإنه لا حجة فيه ، ولا عبرة به .

ثم إنه منكر من حيث المعنى ، فإن فرعون آمن حيث لا ينفع الإيمان ، فإن الله تعالى قال : ( حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/90 .

ومثل هذا الإيمان لا ينفع صاحبه ، وقد قال الله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) . غافر/ 84 ، 85

ولما قال فرعون ذلك قال الله : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) يونس/91 .

فقد يتبين أن غرقه لا علاقه له بموسى عليه السلام ، ولا جبريل عليه السلام ، بل لكونه مات كافرا ، ولم يؤمن الإيمان النافع .

إلا أنه قد ورد نحو ذلك ، ولكن في شأن قارون ، وليس في شأن فرعون .

وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه (31843)

والطبري في "تفسيره" (18/334)

وابن أبي حاتم في "تفسيره" (17156)

والحاكم في "المستدرك" (3536) ، جميعا من طريق الْأَعْمَشِ ، عَنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، زاد بعضهم " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ " ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " لَمَّا أَتَى مُوسَى قَوْمَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالزَّكَاةِ ، فَجَمَعَهُمْ قَارُونُ فَقَالَ: هَذَا قَدْ جَاءَكُمْ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَبِأَشْيَاءَ تُطِيقُونَهَا ، تَحْتَمِلُونَ أَنْ تُعْطُوهُ أَمْوَالَكُمْ؟ قَالُوا: مَا نَحْتَمِلُ أَنْ نُعْطِيَهُ أَمْوَالَنَا فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نُرْسِلَ إِلَى بَغِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَأْمُرَهَا أَنْ تَرْمِيَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَجْنَادِ وَالنَّاسِ بِأَنَّهُ أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا ، فَفَعَلُوا ، فَرَمَتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ ، فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْأَرْضِ أَنْ أَطِيعِيهِ

فَقَالَ لَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى قَالَ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى حُجَزِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى فَقَالَ: خُذِيهِمْ ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى يَا مُوسَى ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ فَغَيَّبتْهُمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُوسَى، سَأَلَكَ عِبَادِي وَتَضَرَّعُوا إِلَيْكَ فَأَبَيْتَ أَنْ تُجِيبَهُمْ ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ أَنَّهُمْ دَعَوْنِي لَأَجَبْتُهُمْ ".

وفي لفظ عند الطبري في "تفسيره" :" فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى: اسْتَغَاثَ بِكَ فَلَمْ تُغِثْهُ ، أَمَا لَوِ اسْتَغَاثَ بِي لَأَجَبْتُهُ وَلَأَغَثْتُهُ " . يقصد قارون .

وهذا إسناد ضعيف إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، حيث فيه الأعمش ، وهو مدلس ، وقد عنعن الحديث ، بل تدليسه من أسوء أنواع التدليس ، وهو تدليس التسوية حيث يحذف الراوي الضعيف في الإسناد كله ، وليس شيخه فقط . وقد نصَّ الخطيب البغدادي على أن الأعمش كان ممن يفعل ذلك فقال كما في "الكفاية" (364)

:" وَرُبَّمَا لَمْ يُسْقِطِ الْمُدَلِّسُ اسْمَ شَيْخِهِ الَّذِي حَدَّثَهُ ،لَكِنَّهُ يُسْقِطُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا يَكُونُ ضَعِيفًا فِي الرِّوَايَةِ ، أَوْ صَغِيرَ السِّنِّ وَيَحْسُنُ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا ". اهـ

ولو صح إسناده لما جاز الاحتجاج به ، لأنه وإن كان مما لا مجال فيه للرأي ، إلا أن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار ، ولذا يتوقف في مثل ذلك لأنه احتمال أن يكون مما أخذه عن بني إسرائيل .

قال العراقي في "شرح التبصرة والتذكرة" (1/200) في حديثه عما قاله الصحابي مما لا مجال فيه للرأي ، قال :" فإنَّهُ وإنْ كان لا يقالُ مثلُهُ من جهةِ الرأي ، فلعلَّ بعضَ ذلك سمعَهُ ذلك الصحابيُّ من أهل الكتابِ ، وقد سمعَ جماعةٌ من الصحابةِ من كعب الأحبارِ ، ورَوَوا عنه كما سيأتي ، منهم العبادلةُ ". اهـ ، والعبادلة هم :" عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ".

ومما يجب التنبيه عليه أنه هذا الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله ، قد روي من طريقين غير طريق ابن عباس في قصة هلاك قارون بألفاظ منكرة جدا ، ومن ذلك ما يلي :

الطريق الأول :

أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (17157)

والطبري في "تاريخه" (1/447) من طريق جَعْفَر بْن سُلَيْمَانَ الضبعي ، ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيَّ ، وساقه بنحوه ، وذكر فيه :" فَلَمَّا خُسِفَ بِهِ قِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى مَا أَفَظَّكَ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ إِيَّايَ دَعَا لَرَحِمْتُهُ ".

وهذا إسناد لا يصح ، فيه علي بن زيد بن جدعان ، قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/344) :" وهو ضعيف عند المحدثين ". اهـ ، ثم هو مرسل لأنه من رواية عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال العلائي في "جامع التحصيل" (344) :" ولا صحبة له ، بل ولا رؤية ؛ وحديثه مرسل قطعا ". اهـ

ثم فيه معنى منكر ، حيث فيه اتهام لنبي الله موسى عليه السلام بالفظاظة ، وهذا لا يليق بنبي من أولي العزم من الرسل؛ لا سيما والمقام مقام عداوة وانتقام من قارون ، عدو الله ، العاتي عليه ، الكافر به !!

الطريق الثاني :

أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/402) ، والواحدي في (3/409) ، من طريق اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قال أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الْقَارِي عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى دِيوَانِ فِلَسْطِين أَنَّهُ بَلَغَهُ .. ثم ساقه بنحوه ، وفيه :" فأوحى الله إليه: يا موسى ، ما أغلظ قلبك ، أما وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته ".

وهو منقطع كما ترى ، فهو عن عبد الله بن عوف القاري أنه بلغه ، وعبد الله بن عوف من التابعين ، قال ابن منده :" وهو من تابعي أهل الشام في الطبقة الثالثة وكان عامل عمر بن عبد العزيز ". اهـ ،

كذا نقله عنه ابن حجر في "الإصابة" (5/156) .

والحاصل : أن الأثر لم يرد أصلا في فرعون ، وإنما ورد نحوه في قصة هلاك قارون ، ولا تصح أيضا ، فنرجو من إخواننا المسلمين عموما ومن الدعاة خصوصا التثبت قبل النقل أو النشر .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:30   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة حديث وصية خديجة رضي الله عنها عند الموت

السؤال


: أرغب بمعرفة صحة هذا الحديث من عدمه ؛ لأنه تم نشره على الناس . وفاة السيدة خديجة رضي الله عنه وأرضاه الله عنها تُوفّيت (رضي الله عنها) في 10 رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة في شعب أبي طالب بمكّة المكرّمة، ودُفنت في مقبرة الحجون بمكّة المكرّمة. وصيّتها لرسول الله صلى الله عليه وآله لمّا اشتدّ مرضها رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله‏ اسمع وصاياي: أوّلاً: إنّي قاصرة في حقّك فاعفني يا رسول الله. قال‏ صلى الله عليه وآله :

حاشا وكلّا، ما رأيت منكِ تقصيراً، فقد بلغتِ بجهدك، وتعبت في داري غاية التعب، ولقد بذلت أموالكِ وصرفت في سبيل الله مالَكِ. ثانياً: أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى فاطمة ـ فإنّها يتيمة غريبة من بعدي، فلا يؤذينها أحد من نساء قريش، ولا يلطمنّ خدّها، ولا يصيحنّ في وجهها، ولا يرينّها مكروهاً. ثالثاً: إنّي خائفة من القبر

أُريد منك رداءك الذي تلبسه حين ‏نزول الوحي تكفّنني فيه. فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الرداء إليها، فسرّت به سروراً عظيماً، فلمّا تُوفّيت خديجة أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله في تجهيزها وغسّلها وحنّطها، فلمّا أراد أن يكفّنها هبط الأمين جبرائيل وقال: يا رسول الله، إنّ الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمّد إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلت مالها في سبيلنا. فجاء جبرائيل بكفن وقال: يا رسول الله

هذا كفن خديجة، وهو من أكفان الجنّة أهداه الله إليها. فكفّنها رسول الله‏ صلى الله عليه وآله بردائه الشريف أوّلاً، وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان: كفن من الله، وكفن من رسوله».


الجواب
:

الحمد لله

فإن هذه الحديث الذي ذكره السائل الكريم لا أصل له ، ولم يرو بإسناد مطلقا .

وإنما ذكره محمد مهدي الحائري في "شجرة طوبى" (1/223) بدون إسناد

وهذا الكتاب من كتب الشيعة ، وهو مليء بالأكاذيب ، ومؤلفه توفي في القرن الماضي ، وليس له إسناد أصلا .

ثم إنه فضلا عن ركاكة الألفاظ ففي متن الحديث بعض المعاني المنكرة الباطلة ، وذلك لما يلي:

أولا : وصية خديجة رضي الله عنها بفاطمة فقط ، فكيف يكون هذا ومعلوم أن خديجة رضي الله عنها أنجبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن ، فهل يصح أن توصي خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاطمة فقط دون أخواتها !

ثانيا : قولها أنها تريد الرداء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسه عند نزول الوحي ، فهذا أيضا منكر ، فإنه لم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له رداء خاص يلبسه عند نزول الوحي ، بل إن الوحي كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا .

وأما وقت وفاتها فقد اختلف أهل العلم في تعيينه ، وأشهر هذه الأقوال أنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات ، قبل المعراج ، وقيل : أنها توفيت في رمضان ، انظر "الإصابة في تمييز الصحابة" (8/103) لابن حجر رحمه الله .

وأما كون أنها دفنت بالحجون ، فهذا مشهور عند أهل السير ، ذكر ذلك ابن إسحاق

كما في "المستدرك للحاكم" (4837)

والطبري في "تاريخه" (11/493)

والذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/152) .

وختاما : فإن منزلة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة جليلة ، ولا نحتاج لإثباتها هذه الأحاديث المكذوبة المنكرة .

والله أعلم ​.









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:35   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة وجود نبي اسمه "أشعياء"

السؤال :

هل هناك نبي من عند الله اسمه أشعياء ؟

أم هذا من محرفات الكتب المقدسة ؟


الجواب :

الحمد لله

فإن أنبياء الله ورسله لا يعلم أسماءهم جميعا إلا الله تبارك وتعالى ، ومنهم من ذكر الله اسمه في القرآن ، ومنهم من لم يذكر الله اسمه ، كما في قوله سبحانه : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) النساء/164 .

وأنبياء بني إسرائيل كُثر ، وأحيانا يكون في الزمان الواحد أكثر من نبي .

وأما ما ذكره السائل من هل هناك نبي يدعى " أشعياء " ؟

فهذا الاسم ورد ذكره كثيرا في كتب التفسير مرة باسم " أشعياء " ، ومرة باسم " أشعيا " ، ومرة باسم " شعياء " ، ومرة باسم " شعيا " . وفي كل مرة يذكره المفسرون على أنه من أنبياء بني إسرائيل .

بل نقل كثير منهم أنه من الأنبياء الذين قتلهم بنو إسرائيل

كما في "تفسير الطبري" (17/362)

نقلا عن محمد بن إسحاق ، وتفسير ابن عطية "المحرر الوجيز" (3/439)

و "تفسير السمعاني" (3/218)

و "التحرير والتنوير" (1/530) لابن عاشور ، وغيرهم .

ومجرد الورود لا يدل على الثبوت ، وكتب التفسير يكثر فيها النقل عن بني إسرائيل ، ولذا فالذي ينبغي في مثل ذلك التوقف ، دون تصديق أو تكذيب ، لما يلي :

أولا : لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية ذكر لنبي بهذا الاسم مطلقا .

ثانيا : ورد في بعض الآثار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ذكر لنبي بهذا الاسم ، ولا يصح عنه .

ومن ذلك ما أخرجه الخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (1717)

ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (8/32)

من طريق جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله تعالى :"{ولقد آتينا موسى الكتاب} ، يعني به التوراة ، جملة واحدة مفصلة محكمة ، {وقفينا من بعده بالرسل} ؛ يعني رسولا يدعي إشمويل بن نابل ، ورسولا يدعى ميشآيل ، ورسولا يدعى شعيا بن أمصيا ، ورسولا يدعى حزقيل

ورسولا يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر، ورسولا يدعى داود بن إيشا وهو أبو سليمان ، وهو من المرسلين ورأس العابدين ، ورسولا مرسلا يدعى المسيح عيسى بن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمة بعد موسى بن عمران ، وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته ".

وإسناده ضعيف جداً ، لما يلي :

1- فيه الضحاك بن مزاحم ، حسن الحديث

كما قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (1984)

إلا أنه لم يلق ابن عباس ، وحديثه عنه منقطع ، كان شعبة ويونس بن عبيد والإمام أحمد ينكرون أن يكون لقي ابن عباس

نقل ذلك عنهم العلائي في "جامع التحصيل" (304).

2- فيه جويبر بن سعيد ، متروك الحديث ، قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/124)

:" قال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك وقال النسائي في موضع آخر ليس بثقة ... وقال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث . وقال الحاكم أبو عبد الله : أنا أبرأ إلى الله من عهدته ". اهـ .

ثم ولو صح سنده لم يكن – بمجرده – حجة ؛ لأن عبد الله بن عباس كان يأخذ عن كعب الأحبار

كما قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص182)

فيحتمل أن يكون ذلك مما تلقاه عنهم .

3- قد ورد ذكره عن وهب بن منبه ، كما عند ابن أبي حاتم في تفسيره (14758) أنه

قال :" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ أَشْعِيَا ، أَنْ قُمْ فِي قَوْمِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنِّي مُطْلِقٌ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ ... " . فذكر حديثا مطولا ، وفيه وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، والبشارة بمبعثه .

ووهب بن منبه من التابعين ، وكان ممن ينقل عن أهل الكتاب

قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/334)

:" وكان صدوقاً عالماً ، قد قرأ كتب الأولين ، وعرف قصص الأنبياء عليهم السلام ، وكان يُشبَّه بكعب الأحبار فِي زمانه ، وكلاهما تابعيّ ". اهـ

وأشعياء مشهور ذكره عند أهل الكتاب كنبي من أنبياء بني إسرائيل ، بل له سفر باسمه فيما يدعى بالعهد القديم يسمى " سفر أشعياء " .

والحاصل :

أنه ليس عندنا دليل على "إثبات" نبوة "أشعياء" ، أو نفيها .

ووروده في كتب التفسير عندنا مأخوذ عن بني إسرائيل ، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن بالتحديث عن بني إسرائيل ، دون تصديق أو تكذيب ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :" « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » . أخرجه البخاري (3461) ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم :" إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ ".

أخرجه أبو داود في "سننه" (3644)

وقد حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2800) .

قال الخطابي في "معالم السنن" (4/187) :

" ليس معناه إباحة الكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب ، ولكن معناه الرخصة في الحديث عنهم ، على معنى البلاغ، وإن لم يتحقق صحة ذلك بنقل الإسناد ، وذلك لأنه أمر قد تعذر في اخبارهم لبعد المسافة ، وطول المدة ، ووقوع الفترة بين زماني النبوة ". اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (13/366)

:" وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ ؛ فَإِنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا : مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ : فَذَاكَ صَحِيحٌ. و"الثَّانِي" : مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ ، بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ. و" الثَّالِثُ ": مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ ، لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ؛ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ ، وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ". اهـ

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:44   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة أثر [ كل مصيبة بعدك جلل]

السؤال


: ما صحة هذه القصة ؟

روى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه. أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وزوجها وأخوها وابنها في غزوة أحد فقالت ما فعل رسول الله قالوا أمامك..[فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب] وفي السيرة النبوية لابن هشام والبداية والنهاية لابن كثير عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

أنها امرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها في أحد.. قالت، ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين ،قالت أرونيه حتى انظر إليه. فأشير لها حتى إذا رأته قالت [ كل مصيبة بعدك جلل] هل لهذا الأثر إسناد متصل صحيح ؟


الجواب :


الحمد لله


هذا الحديث ضعيف لأنه مرسل .

أخرجه الطبري في "تاريخه" (2/532)

وابن المنذر في "تفسيره" (907)

والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/301)

جميعا من طريق محمد بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْن ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ ".

والحديث بهذا الإسناد مرسلٌ حسنٌ إلى إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص .

وذلك لأن فيه محمد بن إسحاق بن يسار ، وحديثه حسن إذا صرح بالتحديث كما هو معلوم ، وقد صرّح هنا بالتحديث .

وفيه عبد الواحد بن أبي عون : وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، والبزار ، والدارقطني ، وقال النسائي : " لا بأس به "

وقال ابن حبان يخطئ .

كذا في "تهذيب التهذيب" (6/438).

وأما إسماعيل بن محمد بن سعد فثقة ثبت ، قال ابن معين : " ثقة حجة " .

كذا في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (1/329)

إلا أن حديثه مرسل ، فإنه من طبقة التابعين .

وقد ورد الحديث منقولا في عدة مصادر وفي إسناده تصحيف وجب التنبيه عليه .

حيث جاء الحديث في المطبوع من "تفسير ابن المنذر" (907)

هكذا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص به .

وهو تصحيف ، حيث تمت مراجعة المخطوط (84/ب)

فإذا هو على الجادة كما ذكرنا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص به .

وكذلك ذكره ابن هشام في "السيرة" (2/99)

فقال :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ .. ثم ساق الحديث

فجعله من رواية إسماعيل بن محمد عن جده سعد بن أبي وقاص .

وأورده ابن كثير كما في المطبوع من "السيرة النبوية" (3/93)

فقال : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبى عون ، عَن إِسْمَاعِيل ، عَن مُحَمَّد ، عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ به .

فجعله هكذا : عن إسماعيل بن محمد بن أبي وقاص ، عن أبيه محمد ، عن جده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .

والراجح - والله أعلم

- أن ما جاء في سيرة ابن هشام ، وسيرة ابن كثير تصحيف

وأن الصواب أنه من رواية عبد الواحد بن أبي عون ،

عن إسماعيل بن محمد به مرسلا

وذلك لما يلي :

أولا : أن كتاب "السيرة النبوية لابن كثير" مأخوذ من البداية والنهاية

وعند مراجعة "البداية والنهاية" (4/225)

التي راجعها الدكتور بشار عواد والشيخ عبد القادر الأرناؤوط وجدنا إسناد الحديث

كما هو عند الطبري والبيهقي ،

وليس كما هو منقول في "سيرة ابن كثير ".

ثانيا : أن الإمام الذهبي نقله في "تاريخ الإسلام" (2/217)

عن ابن إسحاق عن عبد الواحد عن إسماعيل به مرسلا

كما هو عند الطبري والبيهقي

فهذا يؤكد أن ما سوى ذلك تصحيف من النساخ .

وعلى هذا فيبقى الحديث على ما تقدم من أنه مرسل حسن .

وللحديث شاهد لا يُفرح به

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7499)

من طريق محمد بن شعيب عن عبد الرحمن بن سلمة الرازي

وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/71)

من طريق محمد بن حميد الرازي ، كلاهما عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَا

قال أَخْبَرَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَثُرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخَيهَا وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَبِيهَا لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلًا فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: « مَنْ هَذَا؟ » قَالُوا: أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ قَالَتْ:

مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » فَيَقُولُونَ: أَمَامَكَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ ثُمَّ جَعَلَتْ تَقُولُ:« بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ ».

وإسناده ضعيف جدا ، لما يلي :

أما طريق الطبراني ففيه : محمد بن شعيب التاجر

ترجم له أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" (2/222)

وقال :" يَرْوِي عَنِ الرَّازِيِّينَ بِغَرَائِبَ ". اهـ .

وحديث هذا من روايته عن الرازيين .

وفيه عبد الرحمن بن سلمة الرازي وهو " مجهول الحال "

حيث ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/241)

ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ولذا لم يعرفه الذهبي

كما في "تاريخ الإسلام" (438) .

وأما طريق أبي نعيم الأصبهاني ففيه محمد بن حميد الرازي ، وهو كذاب

كذبه أبو زرعة الرازي

كما في "المجروحين" لابن حبان (2/304)

وهو به أعلم فهو رازي مثله .

وختاما : فالحديث مع شهرته مرسل .

هذا مع التنبيه إلى أن العلم يتساهلون في أمر الأسانيد ، في أبواب السير والمغازي والتواريخ : ما لا يتساهلون في غيرها . فتذكر المراسيل ونحوها في هذه الأبواب للاعتبار ، لا سيما إذا اشتهرت عند أهل الفن – السير والمغازي – وتواردوا على ذكرها في كتبهم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:52   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة حديث دعاء يعقوب فقال الله له "لو كان يوسف ميتا لأحييته لك "

السؤال :


ما صحة قصة بكاء نبي الله يعقوب أربعين سنة (بقيَ يعقوب اربعين سنة يبكي وهو رجل أعمي ، سجد في ليلة من الليالي وهو يبكي ، وهو يقول في السجود

: يا رب أما ترحم ضعفي ، أما ترحم شيبتي ، أما ترحم كبر سني ، أما ترحم ذلتي ، أما ترحم فقري ، فأوحى الله له في ليلة وهو نبي مكلم قال : يا يعقوب ، وعزتي ، وجلالي ، وارتفاعي على خلقِ ، لو كان يوسف ميتاً لأحييته لك !!! فجاءته البشرى في اليوم الثاني )


الجواب :


الحمد لله

فقد ورد حديث في هذا المعنى ، لكنه حديث موضوع مكذوب .

وهذا الحديث يروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ لِيَعْقُوبَ أَخٌ مُؤَاخٍ فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا يَعْقُوبُ مَا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرَكَ؟ وَمَا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرَكَ؟ قَالَ: أَمَّا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرِي فَالْبُكَاءُ عَلَى يُوسُفَ ، وَأَمَّا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرِي فَالْحُزْنُ عَلَى بِنْيَامِينَ

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَمَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَشْكُوَ إِلَى غَيْرِي؟ فَقَالَ يَعْقُوبُ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ

فَقَالَ جِبْرِيلُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَشْكُو يَا يَعْقُوبُ ، ثُمَّ قَالَ يَعْقُوبُ: أَيْ رَبِّ أَمَا تَرْحَمُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ؟ أَذْهَبْتَ بَصَرِي وَقَوَّسْتَ ظَهْرِي فَارْدُدْ عَلَيَّ رَيْحَانَتِي أَشُمُّهُ شَمَّةً قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ اصْنَعْ بِي يَا رَبِّ مَا شِئْتَ ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ وَلْيَفْرَحْ قَلْبُكَ فَوَعِزَّتِي لَوْ كَانَا مَيِّتَيْنِ لَنَشَرْتُهُمَا لَكَ

اصْنَعْ طَعَامًا لِلْمَسَاكِينِ ، فَإِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ الْمَسَاكِينُ ، وَتَدْرِي لِمَ أَذْهَبْتُ بَصَرَكَ وَقَوَّسْتُ ظَهْرَكَ وَصَنَعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِيُوسُفَ مَا صَنَعُوا؟ لأَنَّكُمْ ذَبَحْتُمْ شَاةً فَأَتَاكُمْ فُلانٌ الْمِسْكِينُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمْ تُطْعِمُوهُ مِنْهَا ، فَكَانَ يَعْقُوبُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الْغَدَاءَ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا مَنْ أَرَادَ الْغَدَاءَ مِنَ الْمَسَاكِينِ فَلْيَتَغَدَّ مَعَ يَعْقُوبَ ، وَإِذَا كَانَ صَائِمًا أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ مَعَ يَعْقُوبَ ".

والحديث له عن أنس طريقان :

الطريق الأول : مداره على يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، واختلف عليه ، وبيان ذلك كما يلي :

الحديث أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 11901)

من طريق الحسن بن عرفة ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ، عن أنس به .

وخالفه وهب بن بقية كما عند الطبراني في "المعجم الكبير" (2/103)

وابن أبي شيبة كما عند الحاكم في "المستدرك" (3328)

فروياه عن يحيى بن عبد الملك ، عن حصين بن عمر الأحمسي ، عن أبي الزبير ، عن أنس به .

وهنا احتمالان :

أن يكون هذا اختلاف على يحيى بن عبد الملك أو تصحيف في اسم الراوي وأنه راو واحد

ولو فرضنا أنه اختلاف

فكلا الطريقين تالف

فالأول فيه حفص بن عمر بن أبي الزبير

قَالَ فيه الْأَزْدِيّ :" مُنكر الحَدِيث ضَعِيف مَجْهُول ".

كذا في "الضعفاء والمتروكون" (943)

لابن الجوزي ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2156) :

" لا يعرف من ذا ". اهـ .

والثاني فيه حصين بن عمر الأحمسي : متروك

قال البخاري في "الضعفاء الصغير" (83)

:" منكر الحديث " . اهـ

وقال أحمد بن حنبل :" كان يكذب "

وقال ابن معين :" ليس بشيء "

وقال أبو حاتم :" متروك الحديث " .

انظر "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/194)

وقال ابن حبان في "المجروحين" (281) :

يَرْوِي الموضوعات عَن الْأَثْبَات ". اهـ

وهناك وجه آخر من طريق يحيى بن عبد الملك ، رواه عمرو بن محمد ، عن زافر بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، واختلف عليه :

فرواه إسحاق بن راهويه كما في "المستدرك" للحاكم (3329)

عن عمرو بن محمد ، عن زافر بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن أنس به .

وخالف الحسينُ بن عمرو بن محمد ، والحسينُ بن علي العجلي

فروياه كما "العقوبات" (154)

لابن أبي الدنيا عن عمرو بن محمد ، عن زافر بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن رجل عن أنس به .

وهذا الطريق تالف أيضا ، فلو رجحنا طريق إسحاق بن راهويه : فالحديث منقطع ، حيث لم يدرك يحيى بن عبد الملك أنس بن مالك فبينهما مفاوز .

ولو رجحنا الطريق الثاني : فطريق ساقط ، حيث إن الحسين بن عمرو بن محمد ، قال فيه أبو زرعة :" كان لا يصدق ".

اهـ ، كذا في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/62) .

وأما الحسين بن علي بن الأسود العجلي فقال فيه ابن عدي في "الكامل" (499) :

" يسرق الحديث ". اهـ ، ثم فيه راو لم يسم .

الطريق الثاني :

أخرجه ابن أبي عمر في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة" (6522)

من طريق يحيى بن حميد ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس به .

وإسناده تالف أيضا ، فيه أبان بن أبي عياش متروك الحديث ، قال ابن معين :" كان يكذب ".

كذا في "تاريخ ابن معين" رواية ابن محرز (1/64)

وقال النسائي :" متروك " .

كذا في "الضعفاء والمتروكون" (21) للنسائي

وقال أحمد :" منكر الحديث" ، وقال أبو زرعة :" متروك حديثه "

كذا في "الجرح والتعديل" (2/296) لابن أبي حاتم .

والحديث ضعفه ابن كثير ، فقال في "تفسيره" (4/406) :" هذا حديث غريب ، فيه نكارة ". اهـ ،

وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1859) :" منكر " .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-06, 04:58   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل أحيا عيسى عليه السلام بإذن الله سام بن نوح ؟

السؤال :


أنا اقرأ في أحد من المواقع أن عيسى عليه السلام أحيا سام بن نوح عليه السلام. أنا بحث لكن لا أجد شيء عن هذا. هل هذه القصة صحيح؟

بارك الله فيك


الجواب :

الحمد لله

فإن من المعلوم أن عيسى عليه السلام قد أيده الله بكثير من الآيات

ومنها إحياء الموتى بإذن الله

كما في قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) المائدة/110.

وأما محل السؤال في كون سام بن نوح ممن أحياه عيسى عليه السلام - بإذن الله - أم لا ؟

فالجواب : أنه لم يُرو في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يُروى عن بعض الصحابة ولا يثبت من ذلك شيء عنهم ، ويُروى كذلك عن بعض التابعين ولا حجة فيه ، وبين الآثار المروية خلاف هل هو سام بن نوح أم حام بن نوح ، وبيان ذلك كما يلي :

المروي عن الصحابة :

روي ذلك عن ابن عباس ، وسلمان الفارسي رضي الله عنهما .

أما حديث ابن عباس – وفيه أن الذي أحياه هو "حام بن نوح" وليس "سام"- :

فقد أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/395)

من طريق الحسين بن داود ، عن الحجاج بن محمد ، عن مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ ، عن عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

" قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟

قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا كَعْبُ حَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ: فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ ، قَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شَابَ. قَالَ لَهُ عِيسَى: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لَا ، وَلَكِنْ مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ. قَالَ: حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ .. " . فذكر الخبر بطوله .

وإسناده ضعيف جدا ، فيه أكثر من علة ، منها :

الأولى : يوسف بن مهران : قال فيه الإمام أحمد :" لا يُعرف، ولا أعرف أحداً روى عنه سوى علي بن زيد ".. "

انظر تهذيب الكمال" (32/463) ، ولينه ابن حجر في "التقريب" (7886) .

الثانية : علي بن زيد بن جدعان ، ضعفه مطلقا أكثر المحدثين كالإمام أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وابن خزيمة ،

انظر "تهذيب الكمال" (20/437)

ولذا قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/344) :

" وهو ضعيف عند المحدثين ". اهـ ، ومجمل القول فيه أنه سيء الحفظ ، ويخطئ كثيرا ، حتى إنه كان يرفع الموقوفات ، إلا أنه لا يصل إلى حد الترك

ولذا قال فيه فيه قول الدارقطني حيث قال :" أنا أقف فيه لا يترك عندي. فيه لين ". كذا في "سؤالات البرقاني" (361) ، وهذا معناه أنه لين لا يترك ، وحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات ، ولا يصلح حديثه منفردا .

وهناك سياق آخر منسوب لابن عباس ، وفيه ذكر "سام"

ذكره البغوي في "شرح السنة" (2/40)

ولم يذكر له سندا ، فقال :" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أَحْيَا أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ ، عَازِرَ وَابْنَ الْعَجُوزِ ، وَابْنَةَ الْعَاشِرِ ، وَسَامَ بْنَ نُوحٍ .. " .

فذكر قصة مطولة ، من غير إسناد لها أصلا .

وأما حديث سلمان الفارسي :

فقد أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" (2/22) من طريق أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْديِّ ، عن سلمان الفارسيّ ، قال: لَمْ يَبْقَ فِي مَدِينَتِهِمْ زَمِنٌ وَلا مُبْتَلًى وَلا مَرِيضٌ إِلا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَدَعَا لَهُمْ فَشَفَاهُمُ اللَّهُ ، فَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوهُ ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ابْعَثْ لَنَا مِنَ الآخِرَةِ ، قَالَ: مَنْ تُرِيدُونَ؟

قَالُوا: سَامَ بْنَ نُوحٍ ، فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أَلْفِ سَنَةٍ ، قَالَ: تَعْلَمُونَ أَيْنَ قَبْرُهُ؟ قَالُوا: فِي وَادِي كَذَا وَكَذَا.

فَانْطَلَقُوا إِلَى الْوَادِي ، فصلى عِيسَى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ ، إِنَّهُمْ سَأَلُونِي مَا قَدْ عَلِمْتَ فَابْعَثْ لِي سَامَ بْنَ نُوحٍ ، فَقَالَ: يَا سَامُ بْنَ نُوحٍ ، قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ، ثُمَّ نَادَى مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ ، فَأَجَابَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى الأَرْضِ قَدِ انْشَقَّتْ عَنْهُ ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، هَا أَنَا ذَا قَدْ جِئْتُكَ.

فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، هَذَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ ، ابْنُ الْعَذْرَاءِ الْمُبَارَكَةِ ، رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، فَآمِنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ .

ثُمَّ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَمَّا دَعَوْتَنِي جَمَعَ اللَّهُ مَفَاصِلِي وَعِظَامِي ، ثُمَّ سَوَّانِي خَلْقًا ، فَلَمَّا دَعَوْتَنِي الثَّانِيَةَ ، رَجَعَتْ إِلَيَّ رُوحِي ، فَلَمَّا دَعَوْتَنِي الثَّالِثَةَ ، خِفْتُ أَنْ تَكُونَ الْقِيَامَةَ ، فَشَابَ رَأْسِي وَأَتَانِي مَلَكٌ ، فَقَالَ: هَذَا عِيسَى يَدْعُوكَ لِتُصَدِّقَ مَقَالَتَهُ ، يَا رُوحَ اللَّهِ ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنِي إِلَى الآخِرَةِ ، فَلا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنْيَا.

قَالَ عِيسَى: فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَكُونَ مَعِي ، قَالَ: يَا عِيسَى ، أَكْرَهُ كَرْبَ الْمَوْتِ ، مَا ذَاقَ الذَّائِقُونَ مِثْلَهُ. فَدَعَا رَبَّهُ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ الأْرَضُ ، وَقَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، فَبَلَغَ عِدَّةُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى سَبْعَةُ آلافٍ".

وإسناده تالف ، فيه أبان بن أبي عياش " متروك الحديث " ، وكذبه بعضهم .

وأما الآثار عن التابعين ، فلا حجة فيها أصلا ، وممن روي عنه ذلك :

معاوية بن قرة :

أخرجه ابن أبي الدنيا في "من عاش بعد الموت" (59) من طريق خَلَفِ بْن هِشَامٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ مُوسَى ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ ، قَالَ: " سَأَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا: يَا رَوْحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ إِنَّ سَامَ بْنَ نُوحٍ دُفِنَ هَاهُنَا قَرِيبًا ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَهُ لَنَا

قَالَ: فَهَتَفَ نَبِيُّ اللَّهِ بِهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا وَهَتَفَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَقَالُوا: لَقَدْ دُفِنَ هَاهُنَا قَرِيبًا ، فَهَتَفَ نَبِيُّ اللَّهِ ، فَخَرَجَ أَشْمَطُ ، قَالُوا: يَا رَوْحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ، نُبِّئْنَا أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ شَابٌّ ، فَمَا هَذَا الْبَيَاضُ؟ فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا هَذَا الْبَيَاضُ؟ قَالَ: « ظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنَ الصَّيْحَةِ فَفَزِعْتُ » .

وإسناده صحيح عن معاوية بن قرة .

الزهري :

أخرجه ابن الجوزي في "المنتظم" (2/22)

من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة ، عَنِ ابْنِ الهاد ، عَنِ ابْنِ شهاب

،قَالَ: قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: أحي حام بْن نوح ، فَقَالَ: أروني قبره ، فأروه فقام فقال: يا حام بن نوح احي بإذن اللَّه ، فلم يخرج ، ثم قالها الثانية ، فإذا شق رأسه ولحيته أبيض. فَقَالَ: ما هَذَا ؟ ، قَالَ: سمعت الدعاء الأول فظننت أنه من اللَّه عز وجل ، فشاب له شقي ، ثم سمعت الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجت. قَالَ: منذ كم مت؟

قَالَ: منذ أربعة آلاف سنة ما ذهبت عني سكرة الموت " .

وإسناده حسن عن الزهري ، وأما ابن لهيعة فقد رواه عنه عبد الله بن وهب ، وهو من قدماء أصحابه ، وقد روى عنه قبل احتراق كتبه ، ولذا فحديثه عنه حسن

قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/174) في ترجمة عبد الله بن لهيعة

:" حدث عنه ابن المبارك وابن وهب وأبو عبد الرحمن المقرئ وطائفة ، قبل أن يكثر الوهم في حديثه وقبل احتراق كتبه فحديث هؤلاء عنه أقوى وبعضهم يصححه ولا يرتقي إلى هذا ". اهـ

ومما سبق يتبين أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون سام بن نوح ممن أحياه عيسى عليه السلام ، وإنما يروى ذلك عن بعض الصحابة ولا يثبت عنهم أيضا ، وإنما صح عن بعض التابعين من قولهم ، والغالب أن هذا مما أخذوه عن أهل الكتاب ، وكتب تواريخ السابقين .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سلسله الحديث و علومه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc