فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-09, 16:21   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، الحمد لله علم القران ، خلق الإنسان ، علمه البيان ، الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل القرآن هداية للناس ، ونبراساً يضيء لهم الطريق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، علم القرآن فكان خير معلم ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين . . أما بعد :

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته








القرآن هو كلام الله منزل غير مخلوق ، الذي أنزله على نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى ، القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد ، ومعجزته الكبرى ، وهداية للناس أجمعين ، قال تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ "، ولقد تعبدنا الله بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ "

فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً ، ولقد أعجز الله الخلق عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه ، قال تعالى : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة ممن مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين "

القرآن مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ، مسموع بالآذان ، فالاشتغال بالقرآن من أفضل العبادات ، ومن أعظم القربات ، كيف لا يكون ذلك ، وفي كل حرف منه عشر حسنات ، وسواء أكان بتلاوته أم بتدبر معانيه ، وقد أودع الله فيه علم كل شىء ، ففيه الأحكام والشرائع ، والأمثال والحكم ، والمواعظ والتأريخ ، والقصص ونظام الأفلاك ، فما ترك شيئا من الأمور إلا وبينها

وما أغفل من نظام في الحياة إلا أوضحه ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ،

وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) ، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [ أخرجه الدارمي ]


اخوة الاسلام


هذا هو كتابنا ، هذا هو دستورنا ، هذا هو نبراسنا ، إن لم نقرأه نحن معاشر المسلمين ، فهل ننتظر من اليهود والنصارى أن يقرؤوه ، قال تعالى : " وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " ، فما أعظمه من أجر لمن قرأ كتاب الله ، وعكف على حفظه ، فله بكل حرف عشر حسنات ، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم .


اخوة الاسلام


هذه الموسوعه الشامله ليست ك مثيلتها
الغرض النشر فقط

بل وارحب بكل من لاديه استفسار او سؤال وسوف ابذل قصاري

جهدي لتوضيحه او احضاره من كبار العلماء والائمة


.....
خيركم من تعلم القرآن وعلمه


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133075

أحكام المصاحف

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133487

فضائل القرآن

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133636

تفسير القرآن

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133238
.


واخيرا

أسألكم الدعاء بظهر الغيب








 


آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-10-16 في 15:30.
قديم 2018-03-09, 16:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين
فئتين)، وبيان سبب نزولها .


السؤال :

برجاء تفسير بعض الآيات من سورة النساء بداية من قوله تعالى : ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ) الآية إلى قوله تعالى : ( وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) ، وهل هناك سبب نزول لهذه الآيات؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

سياق الآيات، وسبب نزولها:

يقول تعالى: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا *

إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) [سورة: النساء/88-91].

أورد جمهور المفسرين عدة أسباب لهذه الآيات، وأصحها، ما قال مجاهد - رحمه الله -: (نزلت في قوم خرجوا من أهل مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا واستأذنوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجوع إلى مكة ليأتوا ببضائع، فاختلف فيهم المؤمنون، ففرقة تقول إنهم منافقون وفرقة تقول هم مؤمنون فبين الله - عَزَّ وَجَلَّ - نفاقهم)، وانظر لمزيد من التحرير حول أسباب نزول الآيات، المحرر في أسباب النزول، للدكتور خالد المزيني: (1/ 414).

ثانيًا:

معنى الآيات الكريمة:

جاء في المختصر في تفسير القرآن، في تفسير هذه الآيات: " 88 - ما شأنكم -أيها المؤمنون- صرتم فريقيْن مختلفيْن في شأن التعامل مع المنافقين: فريق يقول بقتالهم لكفرهم، وفريق يقول بترك قتالهم لإيمانهم؟! فما كان لكم أن تختلفوا بشأنهم، والله ردهم إلى الكفر والضلال بسبب أعمالهم، أتريدون أن تهدوا من لم يوفقه الله إلى الحق؟! ومن يضلل الله فلن تجد له طريقًا إلى الهداية.

89- تمنَّى المنافقون لو تكفرون بما أنزل عليكم ، كما كفروا ، فتكونون مستوين معهم في الكفر، فلا تتخذوا منهم أولياء ، لعداوتهم ، حتى يهاجروا في سبيل الله من دار الشرك ، إلى بلاد الإسلام ، دلالة على إيمانهم، فإن أعرضوا واستمروا على حالهم ، فخذوهم واقتلوهم أينما وجدتموهم، ولا تتخذوا منهم وليًّا يواليكم على أموركم، ولا نصيرًا يعينكم على أعدائكم.

90- إلا من وصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم عقد مؤكد على ترك القتال، أو من جاؤوكم وقد ضاقت صدورهم ، فلا يريدون قتالكم ، ولا قتال قومهم، ولو شاء الله لمكنهم منكم فقاتلوكم، فاقبلوا من الله عافيته، ولا تتعرضوا لهم بقتل ولا أسر، فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم، وانقادوا إليكم مصالحين تاركين قتالكم، فما جعل الله لكم عليهم طريقًا بقتلهم أو أسرهم.

91 - ستجدون -أيها المؤمنون- فريقًا آخر من المنافقين يظهرون لكم الإيمان ليأمنوا على أنفسهم، ويظهرون لقومهم من الكفار الكفر ، إذا رجعوا إليهم ، ليأمنوهم، كلما دُعُوا إلى الكفر بالله والشرك به : وقعوا فيه أشد الوقوع، فهؤلاء إذا لم يتركوا قتالكم، وينقادوا إليكم مصالحين، ويكفوا أيديهم عنكم؛ فخذوهم واقتلوهم أينما وجدتموهم، وأولئك الذين هذه صفتهم جعلنا لكم على أخذهم وقتلهم حجة واضحة؛ لغدرهم ومكرهم ".

يقول الشيخ السعدي: " المراد بالمنافقين المذكورين في هذه الآيات: المنافقون المظهرون إسلامهم، ولم يهاجروا مع كفرهم، وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه، فبعضهم تحرج عن قتالهم، وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن أفعالهم فحكم بكفرهم.

فأخبرهم الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ، ولا تشكوا، بل أمرهم واضح غير مشكل، إنهم منافقون قد تكرر كفرهم، وودوا مع ذلك كفركم ، وأن تكونوا مثلهم.

فإذا تحققتم ذلك منهم (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ) وهذا يستلزم عدم محبتهم لأن الولاية فرع المحبة.

ويستلزم أيضا بغضهم وعداوتهم ، لأن النهي عن الشيء أمر بضده، وهذا الأمر موقت بهجرتهم فإذا هاجروا : جرى عليهم ما جرى على المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه ، وهاجر إليه، وسواء كان مؤمنا حقيقة أو ظاهر الإيمان.

وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أي: في أي وقت وأي محل كان، وهذا من جملة الأدلة الدالة على نسخ القتال في الأشهر الحرم، كما هو قول جمهور العلماء، والمنازعون يقولون: هذه نصوص مطلقة، محمولة على تقييد التحريم في الأشهر الحرم.

ثم إن الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق:

فرقتين أمر بتركهم ، وحتم على ذلك، إحداهما : من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال ، فينضم إليهم، فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال.

والفرقة الثانية: قوم (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ) أي: بقوا، لا تسمح أنفسهم بقتالكم، ولا بقتال قومهم، وأحبوا ترك قتال الفريقين، فهؤلاء أيضا أمر بتركهم، وذكر الحكمة في ذلك في قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) .

فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام:

إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم، وهذا متعذر من هؤلاء .

فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم ، وبين ترك قتال الفريقين، وهو أهون الأمرين عليكم .

والله قادر على تسليطهم عليكم، فاقبلوا العافية، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك.

(فَـ) هؤلاء : (إن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا).

الفرقة الثالثة: قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) أي: من هؤلاء المنافقين. (يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) أي: خوفا منكم (وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا) أي: لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم، وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن أعماهم ونكسهم على رءوسهم، وازداد كفرهم ونفاقهم، وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة مخالفة لها.

فإن الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احترامًا لهم ، لا خوفا على أنفسهم، وأما هذه الفرقة فتركوه خوفا لا احتراما، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين، فإنهم مستعدون لانتهازها، فهؤلاء إن لم يتبين منهم ويتضح اتضاحًا عظيمًا اعتزال المؤمنين ، وترك قتالهم، فإنهم يقاتَلون، ولهذا قال: (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي: المسالمة والموادعة (وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) أي: حجة بينة واضحة، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة، فلا يلوموا إلا أنفسهم"

تفسير السعدي: (191).

الخلاصة :

أن هذه الآيات نزلت في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة.

وقد نهى الله أهل الإيمان أن يوالوهم إلا بعد أن يهاجروا من دار الكفر إلى دار الإسلام، (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا) [النساء: 89]، والهجرة لا بد أن تكون في سبيل الله !

والله أعلم .









قديم 2018-03-09, 16:30   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اختلاف القراءات، وأثرها في اختلاف المعاني

السؤال :

في علم القراءات تقرأ كلمة "ملكين" في الآية رقم 102 من سورة البقرة بفتح اللام ، وفي قراءة أخرى بكسر حرف اللام ، مما يؤدي إلى اختلاف المعنى ، فكيف يمكن التوفيق بينهما؟

وكيف يمكن أن يكون هناك اختلاف في كتاب الله تعالى ؟


الجواب :

الحمد لله

أولًا:

اختلاف الألفاظ يقع على ثلاثة أنواع :

" أحدها: اختلاف اللفظ ، والمعنى واحد .

والثاني: اختلاف اللفظ والمعنى جميعا ، مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضادّ اجتماعهما فيه.

والثالث: اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه "

انتهى من "جامع البيان " للداني (1/ 120).

والاختلاف بين القراءات القرآنية، هو من اختلاف التنوع والتغاير، لا اختلاف التضاد والتناقض، فهذا لا يكون في نصوص الوحي المنزل ، بعضها مع بعض أبدا ؛ فضلا عن أن يكون بين قراءتين ، للفظ واحد ، أو آية واحدة .

وقد قال الله عز وجل : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82 .

قال الإمام الطبري رحمه الله : " يعني جل ثناؤه بقوله : (أفلا يتدبرون القرآن) : أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم، يا محمد كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق .

فإن ذلك لو كان من عند غير الله ، لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض "

انتهى من "تفسير الطبري" (8/567) .

وهذا شأن القراءات القرآنية ، كما ذكرنا .

يقول ابن تيمية: " ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده؛ بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا .

.... فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ؛ يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنته من المعنى ، علما وعملا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ، ظنا أن ذلك تعارض"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/ 393).

وتعدد القراءات يستفاد منه تعدد المعاني، إذ كل قراءة زادت معنى جديدًا لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية .

والاختلاف والتنوع في القراءات القرآنية ، يشبه إلى حدٍ كبير ظاهرة تكرار القصص القرآني، فكل آية أو واقعة تبين معنى جديدًا لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة .

ثانيًا:

تفسير القرآن منه ما هو مجمع عليه، ومنه ما اختلف فيه، وهذا الاختلاف راجع لحكمة الله سبحانه في ابتلاء الإنسان، وبحمد الله تعالى، فإن أكثر اختلاف الأئمة في التفسير راجع لاختلاف التنوع، واختلاف التضاد فيه قليل، وهناك قواعد يحتكم إليها العلماء في فهم كتاب الله سبحانه وتعالى .

يقول ابن تيمية: " الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد " انتهى من "مقدمة في أصول التفسير" (11).

واختلاف "فهم" الآية من كتاب الله تعالى ، والاختلاف في تفسيرها ، بالغا ما بلغ ، ليس هو اختلافا في نفس "كتاب الله" ، بل هو راجع إلى أحوال المختلفين ، وفهومهم ، وما أصابوه من معنى كتاب الله ، والمراد بكلامه سبحانه .

وفي صحيح مسلم (1731) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ : " قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ:

( .... وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا ) .

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله :

" إن قيل: كيف قال: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، وما من كلام لعل فيه من الاختلاف ما في القرآن، فما من آية إلا وقد اختلف فيها الناس؟

قيل: لم يعن بالاختلاف ما يرجع إلى أحوال المختلفين، لاختلاف تصورهم لمعناه، أو اختلاف نظرتهم .

ولا الاختلاف الذي يرجع إلى تباين الألفاظ ، والمعنى ، والإِيجاز ، والبسط .

وإنما قصد إلى معنى التناقض، وهو إثبات ما نفى ، أو نفيُ ما أثبت .

نحو أن يقال: زيد خارج، زيد ليس بخارج ، والمخبر عنه ، والخبر ، والزمان ، والمكان = فيهما واحد.

[ وما ] ادعت الملحدة - لعنهم الله - فيه التناقض، من نحو قوله: (لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، وقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) ؛ فذلك خبران قد اختلفا، إما في الزمان ، أو في المكان ، أو في المخبر عنه، أو في الخبر .

وهذا ظاهر " انتهى من "تفسير الراغب الأصفهاني" (3/1348) .

ثالثًا:

أما قوله تعالى: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) البقرة/ 102.

فإن القراءة الصحيحة ، المتواترة ، للآية الكريمة أن يكون (الملكين) من الملائكة، بفتح الميم واللام والكاف، وتسكين الياء .

وأما القراءة التي ذكرتها، فإنها قراءة شاذة، فقد قرأ الضحاك بن مزاحم: «وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ» - بكسر اللام - أي: داود وسليمان - عليهما السلام – .

وسبب الحكم على هذه القراءة الشذوذ : أنها غير متواترة، والقراءة المتواترة هي قوله تعالى: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) البقرة/ 102.

انظر: "المحتسب " لابن جني (1/ 101).

ويكون معنى الآية على هذه القراءة، أن " ما " بمعنى: النفي، فيكون نفي من الله تعالى أن يكون قد أنزل السحر على داود وسليمان عليهما السلام .

وإن قيل إن الملكين، غير داود وسليمان، فتكون " ما " غير نافية .

قال ابن عطية: " وقرأ ابن عباس والحسن والضحاك وابن أبزى «الملكين» بكسر اللام، وقال ابن أبزى: هما داود وسليمان، وعلى هذا القول أيضا فـ (ما) نافية.

وقال الحسن: هما عِلجان كانا ببابل ملكين، فـ (ما) على هذا القول غير نافية.

وقرأها كذلك أبو الأسود الدؤلي، وقال: هما هاروت وماروت، فهذا كقول الحسن" انتهى من"المحرر الوجيز"(1/ 186).

وقال ابن عاشور: " وفي قراءة ابن عباس والحسن (الملكين) بكسر اللام ، وهي قراءة صحيحة المعنى ؛ فمعنى ذلك : أن ملكين كانا يملكان ببابل قد علما علم السحر "

انتهى من "التحرير والتنوير" (1/ 641).

ويمكن اجتماع القراءتين فيكون المقصود بالملكين بفتح اللام وكسرها، هاروت وماروت، كما جاء في بعض الآثار .

فوصفهما الله بصفتهما الأصلية، التي هي الملائكية .

ووصفهما بصفتهما التي كانا عليها ، حين أنزلا إلى الرض ، وهي أنهما صارا ملكين عل أهل بابل، كما في رواية عند الطبري: (2/ 344) ، وأشار إليه ابن عاشور في كلامه السابق .

وينظر ، لزيادة الفائدة "آثار الشيخ المعلمي اليماني" (2/ 369 - 382).

والله أعلم









قديم 2018-03-09, 16:33   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: ( وجاعل الذين اتبعوك
فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة )


السؤال :

لديّ سؤالٌ من نصرانيٍّ عن الآية 55 من سورة آل عمران ، حيث يسأل لماذا أتباع عيسى ليسوا فوق الكافرين عندما وَعَدَ الله ؟

الجواب :

الحمد لله

قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) آل عمران/ 55.

وعدٌ من الله تعالى لأتباع عيسى عليه السلام أن يجعلهم فوق أهل الكفر إلى يوم القيامة .

وقد اختلف أهل العلم فيمن عناهم الله تعالى بالذين اتبعوا عيسى عليه السلام ، في هذه الآية:

1- فقال بعضهم : إن أتباعه هم أهل الإيمان في زمانه، وأهل الإسلام بعد بعثة رسول الله. وبيان ذلك : أن اتباع عيسى عليه السلام يقتضي الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الفوقية بحسبها .

يقول ابن عطية : " قال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين ، فيدخل في ذلك أمة محمد لأنها متبعة لعيسى ... ، وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين .

فمقتضى الآية : إعلام عيسى عليه السلام أن أهل الإيمان به - كما يجب - هم فوق الذين كفروا ، بالحجة والبرهان، وبالعزة والغلبة " .

2- وقال بعضهم، وجاعل النصارى فوق اليهود، وهو ظاهر .

فتكون الآية مخبرة عن: " إذلال اليهود وعقوبتهم ، بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة " .

وقال بعض أهل التفسير: " إن المراد : المتبعون له في وقت استنصاره ، وهم الحواريون جعلهم الله فوق الكافرين ، لأنه شرفهم وأبقى لهم في الصالحين ذكرا، فهم فوقهم بالحجة والبرهان، وما ظهر عليهم من أمارات رضوان الله ".

انظر: "تفسير الطبري" (5/ 453 - 455) ، و"تفسير ابن عطية" (1/ 444 - 445).

ثم اختلف العلماء أيضًا في المراد بالفوقية هنا :

1- فقال بعضهم: أنها فوقية دينية، وهي فضلهم عليهم في حسن الأخلاق، وكمال الآداب، والقرب من الحق، والبعد من الباطل.

2- وقال بعضهم: إنها فوقية دنيوية: وهي كونهم أصحاب السيادة عليهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمة: " وأما قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) آل عمران/ 55 ، فهذا حق كما أخبر الله به ؛ فمن اتبع المسيح - عليه السلام - جعله الله فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، وكان الذين اتبعوه على دينه الذي لم يبدل ، قد جعلهم الله فوق اليهود .

وأيضا : فالنصارى فوق اليهود الذين كفروا به إلى يوم القيامة.

وأما المسلمون فهم مؤمنون به ، ليسوا كافرين به ، بل لما بدل النصارى دينه ، وبعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بدين الله الذي بعث به المسيح وغيره من الأنبياء ، جعل الله محمدا وأمته فوق النصارى إلى يوم القيامة ...

فكل من كان أتم إيمانا بالله ورسله كان أحق بنصر الله تعالى" انتهى من "الجواب الصحيح"(2/ 178).

ويقول الإمام ابن كثير: " ( وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ):

وهكذا وقع؛ فإن المسيح، عليه السلام، لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده؛ فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا: هو الله. وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة. وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن، ورد على كل فريق .

فاستمروا كذلك قريبا من ثلاثمائة سنة، ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان، يقال له: قسطنطين، فدخل في دين النصرانية، قيل: حيلة ليفسده، فإنه كان فيلسوفا، وقيل: جهلا منه، إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه، وزاد فيه ونقص منه . ووضعت له القوانين والأمانة الكبيرة -التي هي الخيانة الحقيرة-وأحل في زمانه لحم الخنزير، وصلوا له إلى المشرق ، وصوروا له الكنائس، وزادوا في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه، فيما يزعمون.

وصار دين المسيح ، دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد، وبنى المدينة المنسوبة إليه، واتبعه الطائفة الملكية منهم.

وهم في هذا كله قاهرون لليهود، أيدهم الله عليهم لأنهم أقرب إلى الحق منهم، وإن كان الجميع كفارا، عليهم لعائن الله.

فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق ، كانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض ؛ إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي، خاتم الرسل، وسيد ولد آدم، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق، فكانوا أولى بكل نبي من أمته، الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته، مع ما قد حرفوا وبدلوا.

ثم لو لم يكن شيء من ذلك ، لكان قد نسخ الله بشريعته شريعة جميع الرسل ، بما بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم من الدين الحق، الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائما منصورا ظاهرا على كل دين.

فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول، وكسروا كسرى، وقصروا قيصر، وسلبوهما كنوزهما، وأنفقت في سبيل الله، كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم، عز وجل، في قوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} الآية [النور: 65] .

ولهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا ، سلبوا النصارى بلاد الشام ، وأجلوهم إلى الروم، فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة.

وقد أخبر الصادق المصدوق أمته : بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية، ويستفيؤون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدا، لم ير الناس مثلها ، ولا يرون بعدها نظيرها"

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 48). وينظر : "هداية الحيارى" (1/ 340).

والحاصل :

أن الله أخبر أن من اتبع عيسى عليه السلام حق الاتباع، وهم من آمن به في حياته، وآمن برسول الله محمد بعد بعثته، أنهم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان إلى يوم القيام ؛ فحجتهم أتم، وغلبتهم ظاهرة .

وأنهم ، إن اتبعوا الرسول حقًا، فإن الله سينصرهم ويؤيدهم بالعزة والغلبة على الذين كفروا .

والله أعلم .









قديم 2018-03-09, 16:37   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الموالاة بين أهل الإيمان، وهل يفهم
منها جواز الصداقة بين الجنسين ؟


السؤال :

قرأت في سورة التوبة ، آية رقم 71، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، ولكني لم أفهم معناها؟ هل تعني أنه يجوز في الإسلام الصداقة بين الجنسين!؟ وبهذا وبناءً على هذه الآية هل نستطيع القول بجواز إضافة الأصدقاء من الجنس الآخر (من غير المحارم) على موقع "الفيس بوك" ونحوه؟

الجواب :

الحمد لله


أولًا:

أما قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[التوبة: 71] ، فإن معناها:

وأما المؤمنون والمؤمنات، وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه، فإن صفتهم :

أن بعضهم أنصار بعض وأعوانهم.

(يأمرون بالمعروف) يقول: يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسوله، وبما جاء به من عند الله.

(ويقيمون الصلاة} ، يقول: ويؤدون الصلاة المفروضة .

(ويؤتون الزكاة) يقول: ويعطون الزكاة المفروضة أهلها.

(يطيعون الله ورسوله) : فيأتمرون لأمر الله ورسوله ، وينتهون عما نهيناهم عنه.

(أولئك سيرحمهم الله) يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم : الذين سيرحمهم الله، فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته .

لا أهلُ النفاق والتكذيب بالله ورسوله، الناهون عن المعروف، الآمرون بالمنكر، القابضون أيديهم عن أداء حق الله من أموالهم.

(إن الله عزيز حكيم) يقول: إن الله ذو عزة في انتقامه ، ممن انتقم منه ، من خلقه ، على معصيته ، وكفره به ؛ لا يمنعه من الانتقام منه مانع ، ولا ينصره منه ناصر .

حكيم في انتقامه منهم في جميع أفعاله.

انظر: " تفسير الطبري" (11/ 556).

ويقول الشيخ السعدي: " لما ذكر أن المنافقين بعضهم أولياء بعض ، ذكر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين .
فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ} أي: ذكورهم وإناثهم {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة.

{يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} وهو: اسم جامع، لكل ما عرف حسنه، من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم .

{وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهو: كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة "

انتهى من " تفسير السعدي" (343).

فمعنى ولاية أهل الإيمان بعضهم لبعض:

1- أن بعضهم ينصر بعضًا .

2- أنهم يتعاونون فيما بينهم على الخير، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤدون الزكاة، ويفعلون الطاعات .

3- محبة الخير لبعضهم البعض .

4- التراحم فيما بينهم .

5- احترام حقوقهم فيما بينهم .

إلى غير هذه المعاني التي تشملها هذه الآية .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالواجب على أهل الإسلام التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر والبر، واتباع شرائع الإسلام، وكبت هذه الطرق الجاهلية ، والضلالات الخارجية، ورد ما تنازع الناس فيه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وهو الطريق المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وتجنب طريق المغضوب عليهم اليهود ومن شابههم في بعض أمورهم من غواة المنتسبين إلى الفقه والحكمة، ومن طريق الغالين المنتسبين إلى التعبد والتصوف والفقر.

وعلى أهل الإسلام أن ينصح بعضهم لبعض كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة"، قالوا: [لمن؟، قال:] "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

وقد قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).

فهؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر : أطباء الأديان، الذين تشفى بهم القلوب المريضة، وتهتدي بهم القلوب الضالة، وترشد بهم القلوب الغاوية، وتستقيم بهم القلوب الزائغة، وهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى.

والهدى والمعروف : اسم لكل ما أمر به من الإيمان ودعائمه وشعبه، كالتوبة والصبر والشكر والرجاء والخوف والمحبة والإخلاص والرضا والإنابة وذكر الله تعالى ودعائه والصدق والوفاء وصلة الأرحام وحسن الجوار وأداء الأمانة والعدل والإحسان والشجاعة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغير ذلك.

والمنكر : اسم لكل ما نهى الله عنه من الكفر والكذب والخيانة والفواحش والظلم والجور والبخل والجبن والكبر والرياء والقطيعة وسوء المسألة واتباع الهوى وغير ذلك " انتهى من " جامع المسائل- المجموعة الخامسة" (238).

والحاصل :

أن الموالاة بين المؤمنين : قوامها الحب في الله ، والموالاة عليه ، وعلى دين ، وتحقق الأخوة الإيمانية في القلوب ، ومقتضياتها في النفوس والأقوال والأفعال .

ولا يشترط في ذلك : أن يكونوا عربا ، أو عجما ، يسكنون بلدا واحدا ، أو بلدانا شتى .. ، التقوا في الدنيا ، أو لا يعلم أحدهم عن أخيه شيئا ...

فالأخوة الإيمانية ثابتة على تلك الحالات جميعا ، لا يشترط لها : لون ، ولا جنس ، ولا سن ، ولا عرب ، ولا عجم ، وشرق ، ولا غرب ...

ولا علاقة لذلك كله : بالعلاقات بين الجنسين ، سواء كان ذلك في عالم الفضاء والإنترنت ، أو كان في عالم الواقع ؛ فإن الأخوة الإيمانية بمعزل عن ذلك كله .









قديم 2018-03-09, 16:40   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سبب نزول قوله تعالى:
( طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )، ومعناها .


السؤال :

أريد التأكد من صحة هذه الرواية : أسند القاضي عياض في كتابه " الشفاء" من طريق عبد بن حميد في تفسيره : حدثنا هاشم بن القاسم عن ابن جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَرَفَعَ الْأُخْرَى، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {طه} ، يَعْنِي: طَأِ الْأَرْضَ يَا مُحَمَّدُ، {مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} " ، ثم قال : ولا خفاء بما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة "


الجواب :

الحمد لله

أولًا:

أسند القاضي عياض في كتابه "الشفا" من طريق عبد بن حميد ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَرَفَعَ الْأُخْرَى، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {طه} ، يَعْنِي: طَأِ الْأَرْضَ يَا مُحَمَّدُ، (مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) ".

"الشفا بحاشية الشمني" (1/42) ، وينظر : "تفسير ابن كثير" (5/271) .

وهذا ، مع ضعف إسناده : منقطع ، لا تقوم به حجة ، الربيع بن أنس روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلة ، والسند إليه أيضا : ضعيف .

وينظر: "الاستيعاب في بيان الأسباب" (2/ 485) ، "موسوعة التفسير بالمأثور" (14/234-237) .

لكن المعنى الإجمالي مما يمكن قبوله، وهو أن الآيات نزلت بسبب ما كان يلقى من النصب والعناء والسهر في قيام الليل ، انظر: "تفسير الطبري" (16/ 7).

ثانيًا:

أما معنى قوله تعالى ( طه )، فمما اختلف فيه أهل العلم . فاختار الإمام الطبري أن معناه ( يا رجل )، قال: " والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه: قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني، وأن معناها فيهم: يا رجل ..

فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين.

فتأويل الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، ما أنزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل.

وذكر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النصب والعناء والسهر في قيام الليل . " تفسير الطبري"(16/ 7).

وينظر : "أضواء البيان" (4/3) .

وأصح ما قيل فيها، أن ( طه ) : من الحروف المقطعة، وعليه: فقد ذكر أهل العلم ما يناسب هذه الحروف .

قال ابن عاشور رحمه الله :

" وهذان الحرفان من حروف فواتح بعض السور مثل الم، ويس.

ورسما في خط المصحف بصورة حروف التهجي التي هي مسمى (طا) و (ها) كما رسم جميع الفواتح التي بالحروف المقطعة.

وقرئا لجميع القراء كما قرئت بقية فواتح السور.

فالقول فيهما كالقول المختار في فواتح تلك السور ...

وقيل مقتضبان من فعل (طأ) أمرا من الوطء، ومن (ها) ضمير المؤنثة الغائبة ، عائد إلى الأرض.

وفسر بأن النبيء صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره إذا قام في صلاة الليل قام على رجل واحدة ، فأمره الله بهذه الآية أن يطأ الأرض برجله الأخرى ؛ ولم يصح "

انتهى من"التحرير والتنوير" (16/ 183).

والله أعلم









قديم 2018-03-09, 16:46   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل الصدقة على المسكين بشيء لا يستخدمه
الإنسان يعتبر من التصدق بالرديء؟


السؤال:

قرأت تفسير الآية الكريمة : (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بضب فلم يأكله ولم ينه عنه . قلت : يا رسول الله ، نطعمه المساكين ؟

قال : ( لا تطعموهم مما لا تأكلون ) " . فالرجل إذا لم يستخدم شيئا كيف يفعل ، وهو يعرف أنه إذا أعطاه مسكينا سيتفيد منه ؟


الجواب :

الحمد لله


روى الإمام أحمد (24736) ، والبيهقي (19426) ، والطيالسي (1487) من طريق حَمَّاد بْن سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ - وهو ابن أبي سليمان- عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : " أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: (لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ) ".

وهذا إسناد ضعيف ، منقطع .

قال محققو مسند الإمام أحمد :

" حديث صحيح دون قوله: (لا تطعموهم مما لا تأكلون)، وهذا إسناد اختلف فيه على حماد بن أبي سليمان وهو الراوي عن إبراهيم النخعي:

فرواه حماد بن سلمة - كما في هذه الرواية - عنه، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.

ورواه سفيان الثوري - فيما أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (2 / 11) والبيهقي في "السنن" (9 / 325 - 326 ) عنه ، عن إبراهيم ، عن عائشة به ، فلم يذكر الأسود في الإسناد، وهو الصحيح فيما ذكره أبو زرعة الرازي والدارقطني في "العلل" (5/63) .

قلنا: وإبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة.

وأخرجه ابن أبي شيبة (8 / 267 - 268) - ومن طريقه أبو يعلى (4461) عن عبيد الله بن سعيد - وهو الأموي -، عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.

قال أبو زرعة الرازي - كما في "العلل" لابن أبي حاتم (2 / 11)-: هذا خطأ أخطأ فيه عبيد، قال: عن منصور وإنما هو: عن حماد، والصحيح حديث الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة.

وأخرجه إسحاق (1621) عن يحيى بن آدم، عن قيس، عن منصور، عن عمرو بن عبد الله، عن عمرو بن حرملة السلمي، عن عائشة، بنحوه.

وهذا إسناد ضعيف لضعف قيس وهو ابن الربيع، وعمرو بن عبد الله وشيخه لم نقف على ترجمتهما
.
وقوله : " أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضب فلم يأكله ولم ينه عنه " ، له شاهد من حديث ابن عباس، سلف برقم (2299) ، وآخر من حديث خالد بن الوليد ، سلف برقم (16812) ، وإسنادهما صحيحان " انتهى .

وقد أشار البيهقي إلى الاختلاف في رواية الحديث بقوله : " تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مَوْصُولًا ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا "

فبان بهذا : أن قوله : ( لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ ) لا يصح ، لأن الحديث معلول بالانقطاع ؛ لأن الراجح في روايته : أنه من رواية إبراهيم النخعي عن عائشة ، وهو لم يسمع منها.

وعلى فرض القول بثبوت الحديث ، فهو محمول على استحباب إطعام المساكين والخدم ونحوهم مما يأكل الإنسان ، وأنه لا يطعمهم مما لا يأكل ، وهذا على وجه الاستحباب ، وهو من طيب النفس وكرمها .

وقد روى البيهقي هذا الحديث في سننه (19427) بلفظ : أُهْدِيَ لَنَا ضَبٌّ فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تُطْعِمُهُ السُّؤَّالَ؟ فَقَالَ: ( إِنَّا لَا نُطْعِمُهُمْ مِمَّا لَا نَأْكُلُ ) وقال :

" وَهُوَ -إِنْ ثَبَتَ - فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ، مِنَ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهِ ، ثُمَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ مِمَّا لَا يَأْكُلُ ".
فيكون هذا على سبيل الاستحباب والكمال في الكرم أن المتصدق ينزل الفقير منزلة نفسه ، فيطعمه من طعامه الذي يأكله .

ويشبه هذا : أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بأن يطعم عبده مما يأكل ، وذلك هو الأكمل والأحسن ولكنه غير واجب .

روى مسلم (1661) عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن العبيد : (هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) .

قال النووي رحمه الله :

"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ إِخْوَانكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّه تَحْت أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) الضَّمِير فِي ( هُمْ إِخْوَانكُمْ ) يَعُود إِلَى الْمَمَالِيك ، وَالْأَمْر بِإِطْعَامِهِمْ مِمَّا يَأْكُل السَّيِّد ، وَإِلْبَاسهمْ مِمَّا يَلْبَس مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب لَا عَلَى الْإِيجَاب ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ...

وَإِنَّمَا يَجِب عَلَى السَّيِّد نَفَقَة الْمَمْلُوك وَكِسْوَته بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْبُلْدَان وَالْأَشْخَاص ، سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْس نَفَقَة السَّيِّد وَلِبَاسه ، أَوْ دُونه ، أَوْ فَوْقه ، حَتَّى لَوْ قَتَّرَ السَّيِّد عَلَى نَفْسه تَقْتِيرًا خَارِجًا عَنْ عَادَة أَمْثَاله ، إِمَّا زُهْدًا ، وَإِمَّا شُحًّا ، لَا يَحِلّ لَهُ التَّقْتِير عَلَى الْمَمْلُوك ، وَإِلْزَامه وَمُوَافَقَته إِلَّا بِرِضَاهُ" انتهى .

ومن الأدلة ـ أيضا ـ على أن ذلك الأمر إنما هو من باب الندب والإرشاد ، وليس على سبيل الوجوب : ما رواه مسلم في صحيحه (2004) عن ابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما ، قال : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ "

قال الملا علي القاري رحمه الله :

" (سَقَاهُ الْخَادِمَ) : لِكَوْنِهِ دُرْدِيًّا لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا (أَوْ أَمَرَ بِهِ) : أَيْ بِالْمَنْبُوذِ الْبَاقِي (فَصُبَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: كُبَّ لِمَخَافَةِ التَّغَيُّرِ، أَوْ إِذَا بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ. قَالَ الْمُظْهِرُ: إِنَّمَا لَمْ يَشْرَبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ دُرْدِيًّا وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَإِذَا بَلَغَ صَبَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شُرْبِ الْمَنْبُوذِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا، وَعَلَى جَوَازِ أَنْ يُطْعِمَ السَّيِّدُ مَمْلُوكَهُ طَعَامًا أَسْفَلَ وَيَطْعَمَ هُوَ طَعَامًا أَعْلَى" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/2756) .

وأما قوله تعالى : ( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) البقرة/ 267 .

فمعناه : " لَا تَقْصِدُوا الْمَالَ الْخَبِيثَ مُخَصِّصِينَ الْإِنْفَاقَ بِهِ، قَاصِرِينَ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّكُمْ لَا تَأْخُذُونَهُ فِي مُعَامَلَاتِكُمْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، وهُوَ مِنْ أَغْمَضَ الرَّجُلُ فِي أَمْرِ كَذَا: إِذَا تَسَاهَلَ وَرَضِيَ بِبَعْضِ حَقِّهِ وَتَجَاوَزَ وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْهُ ".

انتهى من "فتح القدير" (1/ 332)

وروى الحاكم (1461) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ: الْجُعْرُورِ، وَلَوْنِ الْحُبَيْقِ " قَالَ:

" وَكَانَ نَاسٌ يَتَيَمَّمُونَ شَرَّ ثِمَارِهِمْ ، فَيُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ فَنُهُوا عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ، فَنَزَلَتْ: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وقال الحاكم : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ".

فنهى الله عباده المؤمنين عن قصد الرديء في الزكاة ، وتعمد إخراجها منه ، مع أن عنده من الطيب ما يمكن أن يخرجه .

قال ابن عطية رحمه الله :

" هذا الخطاب هو لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه صيغة أمر من الإنفاق، واختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق، الزكاة المفروضة أو التطوع ؟

فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين: هي في الزكاة المفروضة ؛ نهى الناسَ عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بقليل ، فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم زائف خير من تمرة .

فالأمر على هذا القول للوجوب .

والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن بن أبي الحسن وقتادة، أن الآية في التطوع .

وروى البراء بن عازب، وعطاء بن أبي رباح ما معناه : أن الأنصار كانوا أيام الجداد يعلقون أقناء التمر في حبل بين أسطوانتين في المسجد ، فيأكل من ذلك فقراء المهاجرين ، فعلق رجل حشفا ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئسما علق هذا، فنزلت الآية.

قال القاضي أبو محمد [ هو : ابن عطية ] : والأمر على هذا القول على الندب، وكذلك ندبوا إلى أن لا يتطوعوا إلا بجيد مختار .

والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب ، وصاحب التطوع يتلقاها على الندب .

وهؤلاء كلهم ، وجمهور المتأولين ، قالوا : معنى ( مِنْ طَيِّباتِ ) : من جيد ومختار ما كَسَبْتُمْ، وجعلوا الْخَبِيثَ بمعنى الرديء والرذالة .

وقال ابن زيد معناه: من حلال ما كسبتم، قال: وقوله: ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) : أي الحرام.

قال القاضي أبو محمد: وقول ابن زيد ليس بالقوي من جهة نسق الآية لا من معناه في نفسه"

انتهى من "تفسير ابن عطية" (1/361) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" فنهى سبحانه عن قصد إخراج الرديء كما هو عادة أكثر النفوس ، تمسك الجيد لها ، وتخرج الرديء للفقير، ونهيه سبحانه عن قصد ذلك وتيممه فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمم بل إما عن اتفاق، إذا كان هو الحاضر إذ ذاك أو كان ماله من جنسه، فإن هذا لم يتيمم الخبيث بل تيمم إخراج بعض ما منَّ الله عليه"

انتهى من "طريق الهجرتين" (374) .

والحاصل :

أن النهي عن إخراج الخبيث الرديء في هذه الآية : إما أن يكون في الزكاة المفروضة ، يتعمد رديء المال ، ولا يخرج الزكاة من الطيب ، والواجب عليه أن يخرج زكاة المال من جنسه . وهو أظهر القولين في الآية .

أو يكون ذلك في صدقة النافلة ، لكن على وجه الندب ، أو يتقصد المرء ألا يخرج من ماله إلا الخبيث منه ، ويبخل بالطيب ، ويدخره لنفسه .

وقد سئل ابن عثيمين رحمه الله:

" ذكرت التصدق بالثوب الخلق، فهل يعارض قول الله عز وجل: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون)؟

فأجاب :

" لا يعارض؛ لأن الآية في الزكاة، لا يجوز للإنسان أن يقصد الرديء من ماله ويخرجه في الزكاة، وأما ما ليس واجباً عليه إخراجه فليخرج ما شاء، ولا شك أن التصدق بهذا خير من إتلافه " انتهى .

والله أعلم .









قديم 2018-03-09, 16:51   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قبول توبة من تكررت منه الردة

السؤال :

ذكرت الآية 90 من سورة آل عمران أن توبة المرتد لن تقبل ، ولكن ذكر المفسرون أن عدم قبول التوبة يكون إن مات على كفره ، ولكن هذه الآيات جاءت في مجموعة من الأشخاص ارتدوا أكثر من مرة ، فقد جاء في " تفسير ابن كثير" ما يلي: " قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا ابن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس

أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ، ثم أسلموا ثم ارتدوا ، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : ( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ) هكذا رواه ، وإسناده جيد" ، ولكن لم يذكر ما إن كانت توبتهم قد قبلت أم لا ، فكما أعلم فالمفسرون يفسرون القرآن باجتهاداتهم الشخصية ، وإلا فما هو سبب اختلافهم ؟

وعندي سؤال آخر : بخصوص إجماع العلماء على قبول توبة المرتد من كل المعاصي وإن ارتد 50 مرة إن أخلص التوبة ، فهل هناك أثر أو حديث في رجل ارتد أكثر من 3 مرات وقبلت توبته؟ وسؤالي الآخير هو هل لو كان في قلب الرجل نفاق ، وسأل الله أن يشفيه منه فهل سيزيله الله تعالى من قلبه؟


الجواب :


الحمد لله

أولا :

من ارتد ثم تاب، قبل الله تعالى توبته، فقد فتح الله باب التوبة لكل من تاب .

وأما من تكررت منه الردة، فإنه إن أخلص في توبته بينه وبين الله، فإن الله يقبل توبته، ويقيل عثرته .

وأما في أحكام الظاهر، فإن الفقهاء اختلفوا، هل تقبل توبة من تكررت منه الردة في الظاهر أم لا ؟ على قولين .

والصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته : مقبولة في أحكام الظاهر أيضا ، وتجري عليه أحكام الإسلام .

وهذا هو قول جماهير أهل العلم : الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية ، وآخر قولي أحمد بن حنبل .

ثانيا :

وأما الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ )آل عمران/ 90، ومثلها قوله تعالى في سورة النساء: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ) النساء/ 137 .

فإن عدم قبول التوبة قد ذكر العلماء مواطنه، وهي:

1- عند الموت، فإن التوبة لا تقبل عند الموت .

2- عند استمراره على الكفر، فإن الله لا يقبل التوبة بعد الموت، فالمراد بالازدياد هنا : الاستمرار ، وعدم الإقلاع .

3- وقال الطبري في آية: النساء: " وأما قوله: {لم يكن الله ليغفر لهم} [النساء: 137] : فإنه يعني: لم يكن الله ليستر عليهم كفرهم وذنوبهم ، بعفوه عن العقوبة لهم عليه , ولكنه يفضحهم على رءوس الأشهاد ".

انظر في هذه الأوجه: " تفسير الطبري" (5/ 563)، " تفسير ابن كثير" (2/ 71)، " التحرير والتنوير" (3/ 304 - 305).

قال ابن كثير: " يقول تعالى ، متوعدا ومتهددا لمن كفر بعد إيمانه ، ثم ازداد كفرا، أي: استمر عليه إلى الممات، ومخبرا بأنه لا يقبل لهم توبة عند مماتهم "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 71).

وقال: " يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه ، ثم رجع، واستمر على ضلاله ، وازداد حتى مات = فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا، ولا طريقا إلى الهدى؛ ولهذا قال: {لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 434).

ويقول القاسمي: " وقد أشكل على كثير قوله تعالى: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} ، مع أن التوبة عند الجمهور مقبولة كما في الآية قبلها، وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} [الشورى: 25] . وغير ذلك.

فأجابوا: بأن المراد عند حضور الموت. قال الواحديّ في (الوجيز): لن تقبل توبتهم لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت، وتلك التوبة لا تقبل - انتهى -، أي كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 18] ، الآية.

وقيل : عدم قبول توبتهم : كناية عن عدم توبتهم، أي: لا يتوبون" انتهى من "تفسير القاسمي" (2/ 348).

وقال في آية النساء: " في الآية وجوه:

الأول: أن المراد الذين تكرر منهم الارتداد، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه : يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ، ويستوجبون اللطف، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله. لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم : قلوب قد ضريت بالكفر ، ومرنت على الردّة. وكان الإيمان أهون شيء عندهم ، وأدونه ، حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى.

وليس المعنى : أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة، ونصحت توبتهم : لم يقبل منهم ، ولم يغفر لهم ؛ لأن ذلك مقبول ، حيث هو بذل للطاقة واستفراغ الوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وإنه أمر لا يكاد يكون.

وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع، ثم يتوب ثم يرجع، فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات. والغالب أنه يموت على الفسق. فكذا هنا

"انتهى من "تفسير القاسمي" (3/ 370).

ثالثا :

وأما الأثر المروي عن ابن عباس ، فقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيع، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} . هَكَذَا رَوَاهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/72) .

فقد ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله ، كما في "العجاب" (2/ 709) ، قال : "والبزار كان يحدث من حفظه فَيَهِمُ، والمحفوظ ما رواه ابن جرير ومن وافقه " .

وتبعه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 258): "هذا خطأ من البزار" .

وانظر: ا"لاستيعاب في بيان الأسباب": (1/ 270) ، وحاشية محقق "العجاب في بيان الأسباب" .

والمراد بالمحفوظ ، ما وراه ابن جرير عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ قال: فنزلت:"كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم" إلى قوله:"وجاءَهم البيناتُ والله لا يهدي القوم الظالمين إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم"، فأرسل إليه قومه فأسلم.

"تفسير ابن جرير" (6/572) ، وينظر : "العجاب" الموضع السابق .

وحمله الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله على اليهود الذين كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واستمروا على كفرهم ذلك ؛ ثم ازدادوا كفرا على كفرهم الأول . قال :

" وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال: عنى بها اليهود، وأن يكون تأويله : إن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرا ، بما أصابوا من الذنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم .

لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي أصابوها في كفرهم، حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديق ما جاء به من عند الله..." ، ثم أطال في تقرير ما اختاره رحمه الله

. ينظر : "تفسير الطبري: (5/ 567).

والله أعلم









قديم 2018-03-09, 16:57   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

لماذا ذكر الله المجادله بالفعل بقوله (وجادلهم)، وعن الحكمه والموعظة (بالاسم) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

فإن معنى الآية الكريمة: " أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح (بِالْحِكْمَةِ) أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.

ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.

إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به.

وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل ، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل .

فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.

ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.

وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) علم السبب الذي أداه إلى الضلال، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها.

(وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) علم أنهم يصلحون للهداية ، فهداهم ، ثم منَّ عليهم فاجتباهم "

انتهى من "تفسير السعدي" (452.

وقال ابن القيم رحمه الله : " والعظة يراد بها أمران: الأمر والنهي المقرونان بالرغبة والرهبة .

ونفس الرغبة والرهبة.

فالمنيب المتذكر : شديد الحاجة إلى الأمر والنهي .

والمعرض الغافل : شديد الحاجة إلى الترغيب والترهيب .

والمعارض المتكبر : شديد الحاجة إلى المجادلة .

فجاءت هذه الثلاثة ، في حق هؤلاء الثلاثة ، في قوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] .

أطلق الحكمة ، ولم يقيدها بوصف الحسنة، إذ كلها حسنة، ووصف الحسن لها ذاتي.

وأما الموعظة : فقيدها بوصف الإحسان، إذ ليس كل موعظة حسنة.

وكذلك الجدل : قد يكون بالتي هي أحسن، وقد يكون بغير ذلك . وهذا يحتمل أن يرجع إلى حال المجادل وغلظته، ولينه وحدته ورفقه، فيكون مأمورا بمجادلتهم بالحال التي هي أحسن.

ويحتمل أن يكون صفة لما يجادل به من الحجج والبراهين، والكلمات التي هي أحسن شيء وأبينه، وأدله على المقصود، وأوصله إلى المطلوب.

والتحقيق: أن الآية تتناول النوعين.

وأما ما ذكره بعض المتأخرين : أن هذا إشارة إلى أنواع القياسات ؛ فالحكمة هي طريقة البرهان، والموعظة الحسنة هي طريقة الخطابة، والمجادلة بالتي هي أحسن طريقة الجدل . فالأول: بذكر المقدمات البرهانية لمن لا يرضى إلا بالبرهان، ولا ينقاد إلا له، وهم خواص الناس. والثاني: بذكر المقدمات الخطابية التي تثير رغبة ورهبة لمن يقنع بالخطابة ، وهم الجمهور. والثالث: بذكر المقدمات الجدلية للمعارض الذي يندفع بالجدل، وهم المخالفون =

فتنزيل القرآن على قوانين أهل المنطق اليوناني واصطلاحهم، وذلك باطل قطعا من وجوه عديدة ليس هذا موضع ذكرها "

انتهى من "مدارج السالكين" (1/444)

ثانيًا:

عبر بالفعل في قوله " وجادلهم " ولم يعبر بالمصدر، لينبه على أن المجادلة مقيدة بأن تكون بالتي هي أحسن .

قال ابن عاشور: " لم يعطف مصدر المجادلة على الحكمة والموعظة بأن يقال: والمجادلة بالتي هي أحسن، بل جيء بفعلها، تنبيها على أن المقصود تقييد الإذن فيها ، بأن تكون بالتي هي أحسن، كما قال: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) [سورة العنكبوت: 46].

والمجادلة: الاحتجاج لتصويب رأي وإبطال ما يخالفه أو عمل كذلك.

ولما كان ما لقيه النبيء صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين قد يبعثه على الغلظة عليهم في المجادلة ، أمره الله بأن يجادلهم بالتي هي أحسن "

انتهى من "التحرير والتنوير" (14/ 328(.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فالقرآن ليس فيه أنه قال: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل !!

وذلك لأن الإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يعرف الحق ويعمل به ، وأما أن يعرفه ولا يعمل به ، وإما أن يجحده .

فأفضلها : أن يعرف الحق ويعمل به .

والثاني: أن يعرفه ، لكن نفسه تخالفه ؛ فلا توافقه على العمل به .

والثالث: من لا يعرفه ، بل يعارضه .

فصاحب الحال الأول : هو الذي يدعى بالحكمة ؛ فإن الحكمة هي العلم بالحق ، والعمل به ؛ فالنوع الأكمل من الناس : من يعرف الحق ، ويعمل به ؛ فيدعون بالحكمة .

والثاني: من يعرف الحق ، لكن تخالفه نفسه ؛ فهذا يوعظ الموعظة الحسنة .

فهاتان هما الطريقان : الحكمة ، والموعظة .

وعامة الناس يحتاجون إلى هذا وهذا ؛ فإن النفس لها أهواء تدعوها إلى خلاف الحق وإن عرفته؛ فالناس يحتاجون إلى الموعظة الحسنة ، وإلى الحكمة ؛ فلا بد من الدعوة بهذا وهذا.

وأما الجدل : فلا يدعى به ، بل هو من باب دفع الصائل ؛ فإذا عارض الحق معارض : جودل بالتي هي أحسن .

ولهذا قال : ( وجادلهم ) ؛ فجعله "فعلا" مأمورا به ، مع قوله : ( ادعهم ) .

فأمره : بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأمره : أن يجادل بالتي هي أحسن ؛ وقال ، في الجدال : ( بالتي هي أحسن ) ، ولم يقل بالحسنة ، كما قال في الموعظة ؛ لأن الجدال فيه مدافعة ، ومغاضبة ؛ فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن ، حتى يُصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة . والموعظةُ : لا تُدَافَع ، كما يُدافَع المجادِل .

فما دام الرجل قابلا للحكمة ، أو الموعظة الحسنة ، أو لهما جميعا : لم يحتج إلى مجادلة ؛ فإذا مانع جودل بالتي هي أحسن.

والمجادلة بعلم ، كما أن الحكمة بعلم .

وقد ذم الله من يجادل بغير علم ، فقال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) .

والله لا يأمر المؤمنين أن يجادلوا بمقدمة يسلمها الخصم ، إن لم تكن علما . فلو قدر أنه قال باطلا ، لم يأمر الله أن يحتج عليهم بالباطل "

انتهى من "الرد على المنطقيين"(468) .

والله أعلم .









قديم 2018-03-09, 17:02   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير البهتان المفترى بين الأيدي والأرجل

السؤال :


في بيعة العقبة الأولي قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ( ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ) ما معني هذه الجملة؟ جزاكم الله كل خير

الجواب :

الحمد لله

روى عُبَادَةُ بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:

«بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» .

فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ .

رواه البخاري (18) ومسلم (1709) ، واللفظ للبخاري .

وأما الإتيان ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، فقد ورد أيضًا في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الممتحنة: 12] .

وعن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ» وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» كَلَامًا .

رواه البخاري (4891) ومسلم (1866) .

فبالجمع بين الآية والحديثين يتبين أن هذا البهتان ليس مما يختص به النساء .

والصحيح أن "البهتان" : اسم عام ، يدخل فيه كل ما بهت صاحبه ، وحيره ، وأدهشه ، من قول أو فعل لم يكن في حسابه فهو بهتان .

وبعضه أشد من بعض، فيدخل فيه:

1- الزنا - عياذًا بالله - .

2- الغيبة، والنميمة .

3- قذف المحصنات .

4- قول الزور أو شهادة الزور .

وغيرها من أنواع البهتان .

قال الراغب الأصفهاني ، رحمه الله : " قال عزّ وجل: ( هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ) [النور/ 16] . أي: كذب يبهت سامعه لفظاعته . قال تعالى: ( وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ) [الممتحنة/ 12] ، كناية عن الزنا .

وقيل: بل ذلك لكل فعل مستبشع ، يتعاطينه باليد والرّجل ، من تناول ما لا يجوز ، والمشي إلى ما يقبح، ويقال: جاء بالبَهِيتَةِ، أي: بالكذب " . انتهى، من "المفردات" (148) .

وقال ابن عطية في تفسير الآية: "قال أكثر المفسرين معناه: أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس هو له .
واللفظ أعم من هذا التخصيص" .

انتهى، من المحرر الوجيز: (5/ 299) .

وقال الطاهر: " وهذا من الكلام الجامع لمعان كثيرة ، باختلاف محامله"

انتهى، من التحرير والتنوير: (28/ 167).

وقال ابن رجب: " وقد اختلف المفسرون في البهتان المذكور في آية بيعة النساء:

فأكثرهم فسروه بإلحاق المرأة بزوجها ولدا من غيره ... .

واختلفوا في معنى قوله: "بين أيديهن وأرجلهن": فقيل لأن الولد إذا ولدته أمه سقط بين يديها ورجليها.

وقيل: بل أراد بما تفتريه بين يديها: أن تأخذ لقيطا فتلحقه بزوجها، وبما تفتريه بين رجليها: أن تلده من زنا ثم تلحقه بزوجها.

ومن المفسرين من فسر البهتان المفترى : بالسحر .

ومنهم من فسره بالمشي بالنميمة ، والسعي في الفساد .

ومنهم من فسره بالقذف والرمي بالباطل.

وقيل: البهتان المفترى يشمل ذلك كله ، وما كان في معناه . ورجحه ابن عطية وغيره. وهو الأظهر، فيدخل فيه كذب المرأة فيما اؤتمنت عليه من حمل وحيض وغير ذلك.

ومن هؤلاء من قال: أراد بما بين يديها: حفظ لسانها وفمها ووجهها عما لا يحل لها .

وبما بين رجليها: حفظ فرجها، فيحرم عليها الافتراء ببهتان في ذلك كله.

ولو قيل: إن من الافتراء ببهتان بين يديها خيانة الزوج في ماله الذي في بيتها : لم يبعد ذلك.

وقد دل مبايعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجال على أن لا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم: أن ذلك لا يختص بالنساء .

وجميع ما فسر به البهتان في حق النساء يدخل فيه الرجال - أيضًا -، فيدخل فيه استلحاق الرجل ولد غيره ، سواء كان لاحقًا غيره أو غير لاحق ، كولد الزنا .

ويدخل فيه الكذب والغيبة ....

ولكن ذكر مما فسر به البهتان المذكور في القرآن عدة خصال: السحر، والمشي ببريء على السلطان، وقذف المحصنات.

وهذا يشعر بدخول ذلك كله في اسم البهتان.

وكذلك الأحاديث التي ذكر فيها عدد الكبائر ، ذكر في بعضها القذف، وفي بعضها قول الزور أو شهادة الزور، وفي بعضها اليمين الغموس والسحر .

وهذا كله من البهتان المفترى" .

وانظر: فتح الباري، لابن رجب: (1/ 73 - 76)، بتصرف.

والخلاصة :

أن الصحيح أن البهتان اسم عام يدخل فيه كل ما بهت صاحبه وحيره وأدهشه من قول أو فعل لم يكن في حسابه فهو بهتان .

والله أعلم









قديم 2018-03-09, 17:06   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في ذكر اسم "الرحمن" في سورة مريم، ويس، والزخرف

السؤال

: اقترن نفي الولد وتوحيد الله في القرآن بالرحمن في آيات كثيرة ، كسورة الزخرف/45 ، والأنبياء /26 ، ومريم/ 88،91،92 ، ويس /23 ، والزخرف/81 . فما الحكمة في هذا ؟ ولماذا لم يتم استخدام مثل لفظ جبار أو القوي ؛ ليخيف الكفار ، أرجو الإجابة ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

أما آيات سورة مريم، فإن الاسم الكريم "الرحمن" ذكر في السورة الكريمة، في عدة مواضع، منها:

1- قال تعالى: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) [مريم: 88، 89].

يخبر تعالى عن زعم المشركين ، العظيم البطلان: أنه اتخذ من عباده ولدًا!!

وهم بهذه المقالة الشنيعة جاءوا منكراً عظيمًا ؛ فناسب أن يذكر هنا اسم (الرحمن) دون سواه من الأسماء الحسنى ؛ إغاظة لهم بذكر اسمٍ جحدوه.

قال ابن عاشور: " وذكر ( الرَّحْمَنُ ) [مريم: 88] هنا حكاية لقولهم بالمعنى، وهم لا يذكرون اسم الرحمن ، ولا يقرون به، وقد أنكروه كما حكى الله عنهم ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ) [الفرقان: من الآية60].

فهم إنما يقولون: ( اتخذ الله ولدا ) ، كما حكي عنهم في آيات كثيرة منها آية سورة الكهف.

فذكرُ ( الرَّحْمَنُ ) هنا : وضع للمرادف ، في موضع مرادفه. فذكر اسم ( الرَّحْمَنُ ) لقصد إغاظتهم بذكر اسم أنكروه.

وفيه أيضا إيماء إلى اختلال قولهم ، لمنافاة وصف الرحمن ، اتخاذَ الولد ، كما سيأتي في قوله: ( وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ) [مريم: 92] " التحرير والتنوير (16/ 84).

2- قال تعالى: ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ) [مريم: 90 - 92].

يعني: تقرب السماوات أن تتشقق، والأرض أن تتصدع، والجبال أن تسقط سقوطًا عظيمًا من فظاعة هذه المقالة الزاعمة اتخاذَ الله ولداً تعالى الله .

وهنا أيضا لطيفة أخرى ، ذكرها بعض المفسرين ، وهي ما فيه من التنبيه على سعة رحمة الله في إمهال المشركين إذ لم يعاجلهم بالعقوبة على هذه الفرية، بل حلم عليهم.

قال النيسابوري:" من فوائد ذكر اسم الرحمن ههنا: أن الرحمانية أمهلتهم ، حتى قالوا ما قالوا، وإلا فالألوهية مقتضية لإعدامهم في الحال

" تفسير النيسابوري (5/ 260).

وقال أبو السعود: " والمعنى: أن هول تلك الشنعاء وعِظَمها ، بحيث لو تصورت بصورة محسوسة : لم تطق بها هاتيك الأجرام العظام وتفتت من شدتها .

أو أن فظاعتها ، في استجلاب الغضب واستيجاب السخط : بحيث ، لولا حلمه تعالى ، لخرب العالم ، وبددت قوائمه؛ غضبًا على من تفوه بها "

تفسير أبي السعود (5/ 282)، وينظر: البحر المديد (4/ 367).

3- قال تعالى: ( وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ) [مريم: 92].

ومعنى هذا: لا يصح لله تعالى أن يتخذ لنفسه ولداً؛ لكمال غناه وحمده سبحانه وتعالى، وقد أفرد الرحمن بالذكر في هذه القضية ، لكون رحمته تأبى ما نسبوه إليه؛ لعدم حاجته، ولتنزهه عن النقص، وللعدل بين عباده كلهم.

قال أبو السعود: " ووضع الرحمن موضع الضمير : للإشعار بعِلَّة الحكم ، بالتنبيه على أن كل ما سواه تعالى ، إما نعمة ، أو منعم عليه، فكيف يتسنَّى أن يجانس من هو مبدأ النعم ، ومُولِي أصولها وفروعها ، حتى يتوهم أن يتخذه ولدا؟!" تفسير أبي السعود (5/ 283)، وينظر: روح المعاني (16/ 142).

4- قال تعالى: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [مريم: 93].

والمراد: أن كل من في السماوات ومن في الأرض سيلاقي الله تعالى يوم القيامة عبداً ذليلاً ، ليس بينه وبين الله تعالى قرابة، فكلهم لديه سواء في العبودية له.

وناسب هنا الإتيان باسم (الرحمن) ؛ لكون البعث مظهراً من مظاهر رحمته، وأن رحمته اقتضت أن يحشروا إليه عبيداً خاضعين، ليس بينه وبينهم نسب ولا سبب.

ينظر : " زهرة التفاسير" ، لمحمد أبو زهرة (ص: 4692).

قال ابن عاشور رحمه الله : "وتكرير اسم ( الرَّحْمَنِ ) [مريم: 93] في هذه الآية أربع مرات إيماء إلى أن وصف الرحمن الثابت لله، والذي لا ينكر المشركون ثبوت حقيقته لله ، وإن أنكروا لفظه = ينافي ادعاء الولد له؛ لأن الرحمن وصف يدل على عموم الرحمة ، وتكثرها . ومعنى ذلك : أنها شاملة لكل موجود ، فذلك يقتضي أن كل موجود مفتقر إلى رحمة الله تعالى .

ولا يتقوم ذلك إلا بتحقيق العبودية فيه؛ لأنه لو كان بعض الموجودات ابنًا لله تعالى ، لاستغنى عن رحمته؛ لأنه يكون بالبنوة مساويًا له في الإلهية ، المقتضية الغنى المطلق .

ولأن اتخاذ الابن يتطلب به متخذه بر الابن به ورحمته له، وذلك ينافي كون الله مفيض كل رحمة.

فذكر هذا الوصف عند قوله: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ) [مريم: 88] وقوله: ( أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ) [مريم: 91] : تسجيل لغباوتهم.

وذكره عند قوله: ( وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ) [مريم: 92] : إيماء إلى دليل عدم لياقة اتخاذ الابن بالله.

وذكره عند قوله: ( إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [مريم: 93] : استدلال على احتياج جميع الموجودات إليه ، وإقرارها له بملكه إياها" التحرير والتنوير (16/ 173).

وهذه النكات ، يمكن إجراؤها أيضا ، على ما يناسب سياقاتها من الآيات والسور الأخرى .

ثانيًا:

أما موضع سورة "يس"، وهو قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)}.

فقد أورد الرازي سؤاله فيه ، فقال : " قال هاهنا: إن يردن الرحمن ، وقال في الزمر: {إن أرادني الله} [الزمر: 38] فما الحكمة في اختيار ذكر المريد باسم الرحمن هنا وذكر المريد باسم الله هناك؟ " .

ثم قال في جوابه :

" وأما قوله هناك: {إن أرادني الله} [الزمر: 38] فنقول : قد ذكرنا أن الاسمين المختصين بواجب الوجود : (الله) و(الرحمن) ، كما قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] . و(الله) : للهيبة والعظمة ، و(الرحمن) : للرأفة والرحمة .

وهناك وصف الله بالعزة ، والانتقام ، في قوله: {أليس الله بعزيز ذي انتقام} [الزمر: 37] ، وذكر ما يدل على العظمة ... فذكر الاسم الدال على العظمة .

وقال هاهنا ما يدل على الرحمة بقوله: {الذي فطرني} [يس: 22] ؛ فإنه نعمة، والرحمة هي شرط سائر النعم ، فقال: {إن يردن الرحمن بضر} "، تفسير الرازي: (26/ 266).

وينظر : "التحرير والتنوير" (22/ 361).

ثالثًا:

أما الموضع الأخير من سورة الزخرف، وهو: قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} [الزخرف: 45] ، فيقول الدكتور الخطيب :

" كثر في هذه السورة ذكر الاسم الكريم «الرَّحْمنِ» الذي تكرر في سبعة مواضع من السورة ..

ولذكر «الرَّحْمنِ» موقعه في الآية التي ذكر فيها، كما له حكمته التي تلتمس من هذا الذكر في هذا الموضع..

فحيث ذكر «الرحمن» جلّ وعلا، كانت تجليات الرحمة، ورحمات الرحمن، مبسوطة لكل طالب، طالبة لكل معرض ، فمن فاته حظه من رحمة الله في هذا المقام فهو الشقي المحروم من كل خير..

ولكن الذي نريد أن نقف بين يديه موقف النظر والاعتبار، هو هذا الإكثار من ذكر هذا الاسم الكريم في تلك السورة..

وبادئ ذي بدء، فإن تكرار هذا الذكر للاسم الكريم «الرَّحْمنِ» : هو تأكيد لتلك الدعوة التي يدعو إليها الرحمن عباده، ويبسط بها يده تبارك وتعالى إليهم بالرحمة، يلقاهم بها على كل طريق من طرق الغواية والضلال التي يركبونها..

فهذا الذكر نداءات متتابعة، إلى موارد هذه الرحمة الواسعة..

وهذا التكرار في ذاته، هو رحمة من رحمة الله..

ثم إنه- من جهة أخرى- كانت السورة كلها معرضا لمواجهة المشركين بعبادتهم الملائكة، على أنهم أبناء الله، وأنهم كانوا يعرفون الله تعالى، ويعترفون بأنه خالق السموات والأرض- كما أنه كان من أكثر أسماء الله عندهم هو اسم «الرَّحْمنِ» ، ولهذا كان الحديث إليهم عن الله باسم (الرحمن) : إشارة إلى أنه هو الإله لذى يدعون إلى عبادته، وأن اسمه «الرَّحْمنِ» ، وأنه ليس له ولد..

ومن جهة ثالثة، فإن موقف هذه السورة من المشركين، هو موقف ملاطفة، وموادعة، على مسيرة الدعوة التي كثرت فيها القوارع التي يقرع بها القرآن عناد المشركين، ويسفّه أحلامهم، ويفضح جهلهم.. فكانت هذه السورة أشبه بالهدنة التي يراجع فيها المتحاربون موقفهم، وقد ينتهى الأمر إلى الصلح، والسلام.

ومن أجل هذا كثر في السورة ذكر الرحمن الذي يذكّر بالرحمة التي ينبغي أن تكون بين النبي وأهله.. ولهذا دعي النبي إلى أن يصفح عنهم، وأن يلقاهم بالموادعة والسلام، وقد وعد بأنهم سيعلمون بعد الجهل، ويؤمنون بعد الكفر، فكان ختام السورة قوله تعالى: «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ.. فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» "، التفسير القرآني: (13/ 178).

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2018-03-10, 16:21   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



شبهة حول الحجاب وأنه إنما شرع لدفع الأذى وقد زال

السؤال :

قال تعالى ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما * لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) واجهتني بعض الشبه ، ولم أستطع الإجابة بجواب وافي وشافي

. 1 : أن هذه الآيات تختص في المدينة فقط أي لعلة وجود المنافقون ، ويقولون قول الله تعالى ( في المدينة ) أي فقط نساء المدينة ، وأن هذا التشريع لزمان معين لغرض معين انتهى وزال ؛ لأن المنافقين آذوا المسلمات في المدينة ، وليس في مكان آخر

2 : أن هناك علة أخرى هي وجود الأذية ، ويقولون في أوربا لا يوجد أذية مثلا ، فيحق لهن لبس مايردن من لباس أهل البلد ، فمثلا في أوربا يرتدين لباس أهل أوربا ، وفي مكة لباس أهل مكة . أرجو الرد على الشبه ، والتي يتداولها الكثير من الناس ، وتلقى قبولا واسعا لدى من في نفسه مرض ، ومن يحبون أن تشيع الفاحشة .


الجواب :

الحمد لله

أولا:

أمر الله النساء بالحجاب في آية الأحزاب، وآية النور، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 59

وقال سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/31

وقد امتثل المسلمون لذلك الأمر الشرعي، وسارعت نساء المؤمنين إلى تطبيقه.

قال البخاري رحمه الله في صحيحه :" بَاب ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ).

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 489): " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي صَنَعَ ذَلِكَ نِسَاء الْمُهَاجِرَات ، لَكِنْ فِي رِوَايَة صَفِيَّة بِنْت شَيْبَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ ذَلِكَ فِي نِسَاء الْأَنْصَار كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ . قَوْله : ( مُرُوطهنَّ ) جَمْع مِرْط وَهُوَ الْإِزَار ، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة " أُزُرهنَّ " وَزَادَ : " شَقَقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي " . قَوْله : ( فَاخْتَمَرْنَ ) أَيْ غَطَّيْنَ وُجُوهَهُنَّ ; وَصِفَة ذَلِكَ أَنْ تَضَع الْخِمَار عَلَى رَأْسهَا وَتَرْمِيه مِنْ الْجَانِب الْأَيْمَن عَلَى الْعَاتِق الْأَيْسَر وَهُوَ التَّقَنُّع ، قَالَ الْفَرَّاء : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة تُسْدِل الْمَرْأَة خِمَارهَا مِنْ وَرَائِهَا وَتَكْشِف مَا قُدَّامهَا ، فَأُمِرْنَ بِالِاسْتِتَارِ " انتهى .

ثانيا:

قوله تعالى : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) معناه أن لبسهن للحجاب أقرب إلى أن يعرفن أنهن حرائر لا إماء، وكان بعض الفجار في المدينة يتعرضون للمؤمنات يظنون أنهن من الإماء.

قال القرطبي رحمه الله: "لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف فيقع الفرق بينهن وبين الإماء، فتعرف الحرائر بسترهن، فيكف عن معارضتهن من كان عزبًا أو شابا. وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ونزلت الآية بسبب ذلك. قال معناه الحسن وغيره"

انتهى من تفسير القرطبي (14/ 243).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: "قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الآية. سبب نزولها:

أن الفُسَّاق كانوا يؤذون النساء إِذا خرجن بالليل، فاذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حُرَّة، وإِذا رأوها بغير قناع قالوا: أَمَة، فآذَوها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.

قوله تعالى: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) قال ابن قتيبة: يَلْبَسْنَ الأردية. وقال غيره: يغطين رؤوسهنّ ووجوههنّ ليُعلَم أنهنَّ حرائر (ذلِكَ أَدْنى) أي: أحرى وأقرب (أَنْ يُعْرَفْنَ) أنهنَّ حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) "

انتهى من زاد المسير (3/ 484).

فهذا هو سبب نزول الآية، وأن الحجاب شرع لحماية المؤمنات وصيانتهن وإظهار عفافهن ومنع الفساق من التعرض لهن.

ولا يعني هذا انتهاء الحكم بانتهاء السبب الذي شرع ابتداء له، فإن من القواعد المقررة عند أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

والمراد بذلك أن الآية إذا كانت عامة بلفظها ، فلا يقصر حكمها على السبب الخاص الذي شرعت ابتداء لأجله.

فقوله تعالى: (ونساء المؤمنين) لفظ عام يشمل كل مؤمنة إلى قيام الساعة ، فلا يجوز قصره على النساء الموجودات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم اعتمادا على سبب نزول الآية السابق.

ولو قيل بقصر الآيات العامة على أسبابها الخاصة لأدى ذلك إلى تعطيل كثير من الأحكام ، ولما كان القرآن عاما لجميع الخلق صالحا لكل زمان ومكان . فآيات الظهار - مثلا- سبب نزولها هو ظهار أوس بن الصامت من زوجته ، فلا يقال إن حكمها مختص به وبزوجته . وهكذا آيات المواريث والجهاد واللعان والقذف والمحاربة نزلت على أسباب معينة، وقد اتفقت الأمة على أن حكمها عام باق إلى قيام الساعة.

ينظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (31/ 28)، وشرح الأصول من علم الأصول للشيخ ابن عثيمين ص 262).

ولو قيل بقصر هذه الآيات على سببها، لما كان الحجاب واجبا على المؤمنات بعد تمكن الإسلام في المدينة، وانتفاء الأذى للنساء، وهذا لا قائل به، ولا شاهد عليه، فلم ينقل عن مؤمنة أنها تركت الحجاب في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في عهد أبي أو عمر بحجة انتفاء الأذى!

مع أننا لا نسلم بزوال السبب الذي شرع الحجاب له ابتداء، وهو تعرض الفجار للنساء الكاشفات، وانكفافهن عن النساء المستورات، فإن هذا باق إلى اليوم، فمن أبدت زينتها وكشفت عن مفاتنها، فقد أغرت بها الفساق، ودعتهم إلى النظر إليها والافتتان بها. ومن كانت محتجبة بجلبابها الساتر كانت أبعد عن الأذى والملاحقة بالنظر وغيره.

ثم إن آية الأحزاب ليست هي الأمر الوحيد بالحجاب، فثمة آية النور، وليس فيها ذكر سبب الحكم، وكذلك ما جاء في السنة، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم (2128).

وفيه تحريم التبرج، ووجوب الستر، والوعيد الشديد على تركه.

والحاصل أن هذه الشبهة يمكن إيردها على عشرات الأحكام التي شرعت ابتداء لسبب معين، فيدعى انتهاؤها بانتهاء السبب، فتكون الشريعة قاصرة خاصة بزمن معين أو مكان معين، وهذا

باطل قطعا.

ثالثا:

الأدلة على وجوب الحجاب للنساء كثيرة ، من الكتاب ، والسنة ، وإجماع أهل العلم ، وأقوال السلف والعلماء ، قديما وحديثا .

والذي يعنينا أن نقرره هنا : أن فريضة الحجاب على النساء : ثابتة ، بمختلف الأدلة الشرعية ، وهي فريضة محكمة ، لم تنسخ ، ولم تُغير ، بإجماع المسلمين .

قال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله ، في "الروض الباسم" ( 1/ 202) : " وأجمعوا على وجوب الحجاب للنساء" . انتهى .

وقد توارد عمل المسلمين قاطبة ، في الأمصار كلها ، وعلى مر الأزمان بالحجاب ، يرونه فريضة شرعية لازمة للمرأة .

وتوارد تأكيده على التزام الحجاب الكامل ، بتغطية الوجه والكفين ، عند خوف الفتنة ، مع وجود الخلاف المعتبر في أصل المسألة ؛ دون نظر إلى حال دون حال ، أو شخص دون شخص .

قال الإمام أبو المعالي الجويني رحمه الله :

" والنظر إلى الوجه والكفين : يحرم عند خوف الفتنة ، إجماعاً .

فإن لم يظهر خوف الفتنة : فالجمهور يرفعون التحريم، لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال أكثر المفسرين: الوجه والكفان، لأن المعتبر الإفضاء في الصلاة، ولا يلزمهن ستره، فيلحق بما يظهر من الرجال.

وذهب العراقيون وغيرهم إلى تحريمه من غير حاجة.

قال : وهو قوي عندي، مع اتفاق المسلمين على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب . ولو جاز النظر إلى وجوههنّ لكُنَّ كالمُرد ، ولأنهنّ حبائل الشيطان، واللائق بمحاسن الشريعة حسم الباب وترك تفصيل الأحوال، كتحريم الخلوة تعمّ الأشخاص والأحوال ، إذا لم تكن محرميّة. وهو حسن "

انتهى ، من "نهاية المطلب" (12/31) .

وقال تلميذه ، أبو حامد الغزالي : ".. لم يزل الرجال على ممر الأزمان مكشوفي الوجوه ، والنساء يخرجن متنقبات "

انتهى ، من "إحياء علوم الدين" ( 2/53 ) .

وقال الموزعي الشافعي ، اليماني : " ولم يزلْ عملُ الناسِ على ذلك قديماً وحديثاً في جميعِ الأمصارِ والأقطارِ : فيتسامحون للعجوزِ في كَشْفِ وَجْهِها، ولا يتسامَحون للشابَّةِ، ويرونَهُ عورة مُنْكَراً. " . انتهى ، من "تيسير البيان لأحكام القرآن" (4/77) .

وقال الإمام أبو حيان الأندلسي : " .. وكذا عادة بلاد الأندلس ؛ لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة " .

انتهى ، من البحر المحيط ( 7/ 240 ) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب " .

انتهى، من "فتح الباري" (4/324) .

فانظر إلى توارد العلماء ، من مختلف الأقطار ، من العراق ، وخراسان ، واليمن ، ومصر والأندلس ، وغيرها من بلاد الإسلام ، على حكاية التزام نساء الملسمين بالحجاب التام .

وهذا وحده كاف في رد هذه الشبهة الباطلة .

وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/115

وينظر حول حجية الإجماع في تلقي الدين ، وفهمه : جواب السؤال رقم (197937) ورقم (220616).

والله أعلم.









قديم 2018-03-10, 16:25   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لماذا ذكر في سورة مريم لفظ "يوم يموت" في صيغه الماضي؟

السؤال
:

لماذا ذكر الله تعالى في سوره مريم (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) يوم ولد في الماضي ، ويوم يموت ويوم يبعث حيا في المستقبل ، هل سيدنا يحيى لم يمت حين أنزلت هذه الآية ؟


الجواب :


الحمد لله


أولا :

ثبوت قتل يحيى في كلام كثير من السلف :

ذكر ابن كثير رحمه الله في كتابه "البداية والنهاية" (2/411) تحت عنوان : "بيان سبب قتل يحيى عليه السلام " قصة مقتله واختلاف السلف في مكان قتله، وذكر بعض الآثار عن السلف في ذلك. وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (6/284) :

"وأما قوله: (ويقتلون النبيين بغير حقّ)، فإنه يعني بذلك - أنهم كانوا يقتلون رُسل الله الذين كانوا يُرسَلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم بالزجر عنها، نحو زكريا وابنه يحيى، وما أشبههما من أنبياء الله" انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله:

"فهذه الأمة الغضبية معروفة بعداوة الأنبياء قديما ، وأسلافهم وأحبارهم قد أخبر الله سبحانه وتعالى عن أذاهم لموسى ، ونهانا عن التشبه بهم في ذلك .. وأما خلفهم فهم قتلة الأنبياء اليهود : قتلوا زكريا وابنه يحيى ، وخلقا كثيرا من الأنبياء ، حتى قتلوا في يوم سبعين نبيا ، وأقاموا السوق في آخر النهار كأنهم لم يصنعوا شيئا . واجتمعوا على قتل المسيح وصلبه فصانه الله تعالى وأكرمه أن يهينه على أيديهم ، وألقى شبهه على غيره فقتلوه وصلبوه . وراموا قتل خاتم النبيين مرارا عديدة ، والله يعصمه منهم" انتهى من "هداية الحيارى" (251).

ثانيا:

معنى السلام المذكور في الآية :

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:

"وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) قال ابن جرير: وسلام عليه، أي: أمان له .

وقال ابن عطية : والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة ، فهي أشرف من الأمان ; لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه ، وهو أقل درجاته ، وإنما الشرف في أن سلم الله عليه وحياه ، في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة ، والفقر إلى الله تعالى عظيم الحول . انتهى كلام ابن عطية بواسطة نقل القرطبي في تفسير هذه الآية .

ومرجع القولين إلى شيء واحد" انتهى من "أضواء البيان" (3/381).

وقال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله:

" فالمعنى: أن إكرام الله متمكن من أحواله الثلاثة المذكورة .

وهذه الأحوال الثلاثة المذكورة هنا أحوال ابتداء أطوار : طور الورود على الدنيا ، وطور الارتحال عنها ، وطور الورود على الآخرة . وهذا كناية على أنه بمحل العناية الإلهية في هذه الأحوال .

والمراد باليوم : مطلق الزمان الواقع فيه تلك الأحوال .

وجيء بالفعل المضارع في ( ويوم يموت ) لاستحضار الحالة التي مات فيها ، ولم تذكر قصة قتله في القرآن إلا إجمالا " انتهى من "التحرير والتنوير" (16/78).

وقد استدل بعض العلماء أن في هذه الآية إشارة وتنبيها على قتل يحي عليه السلام .

قال أبو حيان :

" (ويوم يبعث حيا) فيه تنبيه على كونه من الشهداء ؛ لقوله تعالى فيهم: (بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران/169]" انتهى من"البحر المحيط" (7/246).

قال الشيخ الأمين الشنقيطي:

"وجه هذا الاستنباط أن الحال قيدٌ لعاملها ، وصفٌ لصاحبها ، وعليه فبعثه مقيدٌ بكونه حيًّا ، وتلك حياة الشهداء .

وليس بظاهرٍ كل الظهور "

انتهى من"أضواء البيان" (3/383).

ثالثا:

الانتقال في الخطاب القرآني من صيغة الماضي (يوم ولد) إلى صيغة المضارع (ويوم يموت) لا يدل – بحال – على ما ورد في السؤال ، من حياة يحي عليه السلام عند نزول هذه الآية ؛ فإن "من شأن العرب أن تبتدئ الكلام أحيانًا على وجه الخبر عن غائب ، ثم تعود إلى الخبر عن المخاطب ، والعكس . وتارةً تبتدئ الكلام على وجه الخبر عن المتكلم ، ثم تنتقل إلى الخبر عن الغائب ، والعكس . وأحيانًا تبتدئ الكلام على وجه الخبر عن المتكلم ، ثم تنتقل إلى الخبر عن المخاطب . كما تنتقل من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع إلى خطاب الآخر . وتنتقل من الإخبار بالفعل المستقبل إلى الأمر، ومن الماضي إلى المضارع , والعكس".

"قواعد التفسير" (1/271).

فهذا أسلوب عظيم من أساليب البلاغة يسمى بـ "الالتفات" .

قال السيوطي رحمه الله :

"وحقيقته : نقل الكلام من أسلوب إلى آخر ، أعني : من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها بعد التعبير بالأول ، وهذا هو المشهور .

وقال السكاكي: إما ذلك ، أو : التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره .

وله فوائد ؛ منها: تطرية الكلام ، وصيانة السمع عن الضجر والملال ؛ لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات ، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد ، وهذه فائدته العامة ، ويختص كل موضعٍ بنكتٍ ولطائف باختلاف محله"

انتهى من "الإتقان" (3/289).

وقال الضياء ابن الأثير:

"واعلم أيها المتوشح لمعرفة علم البيان أن العدول عن صيغة من الألفاظ إلى صيغة أخرى لا يكون إلا لنوع خصوصيةٍ اقتضت ذلك ، وهو لا يتوخاه في كلامه إلا العارف برموز الفصاحة والبلاغة ، الذي اطلع على أسرارها ، وفتش عن دفائنها ، ولا تجد ذلك في كل كلامٍ ؛ فإنه من أشكل ضروب علم البيان وأدقها فهمًا ، وأغمضها طريقًا" انتهى من "المثل السائر" (2/12).

ثم قال: "القسم الثالث: في الإخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل ، وعن المستقبل بالماضي ، فالأول الإخبار بالفعل المستقبل عن الماضي:

اعلم أن الفعل المستقبل إذا أُتي به في حالة الإخبار عن وجود الفعل ، كان ذلك أبلغ من الإخبار بالفعل الماضي ؛ وذاك لأن الفعل المستقبل يوضح الحال التي يقع فيها ، ويستحضر تلك الصورة حتى كأن السامع يشاهدها ، وليس كذلك الفعل الماضي ...

كقوله تعالى: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور) فإنه إنما قال: (فتثير) مستقبلا ، وما قبله وما بعده ماض ؛ لذلك المعنى الذي أشرنا إليه ، وهو حكاية الحال التي يقع فيها إثارة الريح السحاب ، واستحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة .

وهكذا يفعل بكل فعل فيه نوع تمييزٍ وخصوصيةٍ ، كحال تستغرب ، أو تهمّ المخاطب ، أو غير ذلك.

وعلى هذا الأسلوب ما ورد من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه في غزوة بدر ؛ فإنه قال: (لقيت عبيدة بن سعيد بن العاص ، وهو على فرس وعليه لَأْمَةٌ كاملةٌ ، لا يُرَى منه إلا عيناه ، وهو يقول: أنا أبو ذات الكؤوس! وفي يدي عنزة ، فَأَطْعُنُ بها في عينه ، فوقع ، وأطأ برجلي على خده ، حتى خرجت العنزة متعقّفة) .

فقوله: «فأطعن بها في عينه، وأطأ برجلي» : معدول به عن لفظ الماضي إلى المستقبل ؛ ليمثل للسامع الصورة التي فعل فيها ما فعل ، من الإقدام والجراءة على قتل ذلك الفارس المستلئم !

ألا ترى أنه قال أولا: (لقيت عبيدة) بلفظ الماضي، ثم قال بعد ذلك: (فأطعن بها في عينه) ؟!

ولو عطف كلامه على أوله لقال: فطعنت بها في عينه.

وعلى هذا ورد قول تأبّط شرّا :

بأنِّي قَدْ لَقِيتُ الغُولَ تَهْوي ... بسَهْبٍ كالصَّحِيفةِ صَحْصَحان

فَأَضْرِبها بلا دهَشٍ فَخرَّتْ ... صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وللجِرانِ

فإنه قصد أن يصوّر لقومه الحال التي تشجّع فيها على ضرب الغول ، كأنه يبصرهم إياها مشاهدةً ؛ للتعجب من جراءته على ذلك الهول، ولو قال: (فضربتها) عطفا على الأول ، لزالت هذه الفائدة المذكورة.

فإن قيل: إن الفعل الماضي أيضا يتخيّل منه السامع ما يتخيله من المستقبل ؟

قلت في الجواب: إن التخيل يقع في الفعلين معًا ، لكنه في أحدهما -وهو المستقبل- أوكد وأشد تَخَيُّلا ؛ لأنه يستحضر صورة الفعل، حتى كأن السامع ينظر إلى فاعلها في حال وجود الفعل منه؛ ألا ترى أنه لما قال تأبط شرا : «فأضربها»، تخيل السامع أنه مباشرٌ للفعل، وأنه قائمٌ بإزاء الغول ، وقد رفع سيفه ليضربها ؟! وهذا لا يوجد في الفعل الماضي ؛ لأنه لا يتخيل السامع منه إلا فعلا قد مضى ، من غير إحضارٍ للصورة في حالة سماع الكلام الدال عليه . وهذا لا خلاف فيه .

وهكذا يجري الحكم في جميع الآيات المذكورة ، وفي الأثر عن الزبير رضي الله عنه ، وفي الأبيات الشعرية.

وعليه ورد قوله تعالى أيضًا وهو: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)

فقال أولا: (خرّ من السّماء) بلفظ الماضي ، ثم عطف عليه المستقبل الذي هو (فتخطفه) و (تهوي) ، وإنما عدل في ذلك إلى المستقبل لاستحضار صورة خطف الطير إياه وهويّ الريح به ، والفائدة في ذلك ما أشرت إليه فيما تقدم ، وكثيرا ما يراعى أمثال هذا في القرآن "

انتهى، باختصار، من "المثل السائر" (2/12).

وقال الطوفي :

"موضعه : ما إذا كان في بعض أحوال القضية الخبرية مشتملا على نوع تميزٍ وخصوصيةٍ ، لاستغرابٍ أو أهميةٍ ، فَيُعْدَلُ فيها إلى المضارع المستعمل للحال ؛ إيهامًا للسامع حضورَها حال الإخبار ومشاهدتَها ؛ ليكون أبلغ في تحققها له" انتهى من "الإكسير" (145).

وقال الشيخ خالد السبت ، حفظه الله :

"والفعل المضارع يدل على الحال أي على وقوع الحدث الآن، وهذه دلالته الأصيلة، ومن هنا كانت صيغته أقدر الصيغ على تصوير الأحداث؛ لأنها تحضر مشهد حدوثها، وكأن العين تراها وهي تقع، ولهذا الفعل مواقع جاذبة في كثير من الأساليب حين يقصد به إلى ذلك، وترى المتكلمين من ذوي الخبرة بأسرار الكلمات يعبرون به عن الأحداث الهامة التي يريدون إبرازها، وتقريرها في خيال السامع ...

وهذا كثير جدا، ومما يبلغ فيه الغاية قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} ، قال: يسبحن والسياق أن يقول: مسبحات؛ لأن التسبيح قد وقع في زمن داود عليه السلام، ولكن لما كان تسبيح الجبال من أعجب الأحداث، وأدلها على قدرة العزيز الرحيم عبر عنها بصيغة المضارع التي نقلت الحدث من الماضي السحيق، وأحضرته في مقام المشاهدة، وكأنه يقع الآن، وكأنك ترى هذا المشهد الجليل من مشاهد القدرة الباهرة.

قال الزمخشري: "فإن قلت: هل من فرق بين يسبحن ومسحبات؟ قلت: نعم وما اختير يسبحن على مسبحات إلا لذلك، وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء، وحالا بعد حال، وكأن السامع حاضر تلك الحال يراها تسبح".

فـ "من شأن العرب التعبير عن الماضي بالمضارع؛ لإفادة تصوير الحال الواقع عند حدوث الحدث" انتهى من "قواعد التفسير" (1/290).

وبذلك يتبين الجواب ، لمن جهل أساليب العرب في بيانها ، ومجاري البلاغة في لسانها ، فأنكر أن يعبر عن موت يحي عليه السلام بـ : ( يوم يموت ) ؛ وظن أن التعبير بالفعل المضارع "يموت" ، يقتضي أنه لم يمت بعد ؟!

والله أعلم .









قديم 2018-03-10, 16:28   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أسلوب التعظيم في كلام الله تعالى

السؤال :

عند قراءة سورة مريم برواية خلف عن حمزه هناك اختلاف في كلمة قد تغيرت ، كقوله تعالى وقد خلقناك من قبل ولم تك شيا ، وفي رواية حفص عن عاصم تصبح وقد خلقتك من قبل ، فهل يجوز التغيير في حروف الكلمات القرآنيه ، أرجو التوضيح مع ذكر السبب ؟


الجواب :

الحمد لله

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: (خلقتك) بالتاء من غير ألف. وقرأ: حمزة، والكسائي: (خلقناك) بالنون والألف.

انظر: "السبعة" ص 408، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 195، "التبصرة" ص 255، "النشر" 2/ 317.

وكلاهما يدلان على " الله " تبارك وتعالى .

فأما الأولى فلا خلاف عليها .

وأما الثانية فهو أسلوب من أساليب العرب، والمراد منه التعظيم، والتعظيم للرب سبحانه وتعالى لأنه المستحق للعظمة التامة الكاملة .

فمجيء النون والألف : لأن فيه الفخامة والتعظيم لاسم الله - عز وجل - وله المثل الأعلى.

قال البغوي: " قرأ حمزة والكسائي "خلقناك" بالنون والألف على التعظيم "، تفسير البغوي: (5/ 220) .

وقال ابن تيمية: " وأما قوله: {نتلوا}، و {نقص} ونحوه؛ فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم؛ الذي له أعوان يطيعونه ، فإذا فعل أعوانه فعلا بأمره، قال: نحن فعلنا. كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد. وهو منا هذا الجيش ، ونحو ذلك "

مجموع الفتاوى: (5/ 128)، وانظر: مجموع الفتاوى: (5/ 233) .

قال العكبري: " النون من حروف الزيادة، لشبهها بالواو، وقد زيدت أولًا للمضارعة نحو نذهب .

وتدل على المتكلم ومن معه اثنين كانوا أو جماعة .

وتكون للواحد العظيم، لأن الآمر إذا كان مطاعا توبع على الفعل " .

انتهى، من "اللباب في علل البناء والإعراب" (2/ 260).

ثانيا :

ليس في قراءة الكلمة ، على أي من الوجهين : مخالفة لما كتب به المصحف العثماني ، بل الكتابة واحدة ، وإن اختلفت طريقة الأداء .

وليس هناك ، إشكال أيضا في هذا اللون من الخلاف في قراءة الآية .

قال الإمام الواحدي رحمه الله :

" {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ} يحيى. قرئ: خلقناك ، لكثرة ما جاء من لفظ الخلق ، مضافا إلى لفظ الجمع ، كقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} [الحجر: 26]، في مواضع ، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] .

ولغة الجمع : قد جاء بعد لفظ الإفراد ، كقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]، ثم قال: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الإسراء: 2].

واختار أبو عبيد التاء؛ لأنها تشاكل الياء في: {عَلَيَّ هَيِّنُ} .

وقال أحمد بن يحيى [ ثعلب ] : الاختيار : النون والألف؛ لأن فيه زيادة حرف ، وبكل حرف عشر حسنات .

والقراءة غير مخالفة خط المصحف؛ لأنهم يسقطون الألف من الهجاء في مثل هذا البناء .

ولأن فيه الفخامة والتعظيم لاسم الله -عز وجل- ، وله المثل الأعلى. "

انتهى، من "التفسير البسيط" (14/203) .

والله أعلم









قديم 2018-03-10, 16:31   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أسباب النزول في سورة الحجرات

السؤال :

لماذا نزلت سورة الحجرات ؟


الجواب :


الحمد لله

في سورة الحجرات، عدة آيات نزلت لأسباب مختلفة، وإليك بيانها:

1- فأما أول السورة الكريمة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ). الحجرات/1-5

فنزل في قصة أبي بكر وعمر .

فعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: " كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ - قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلاَفِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) [الحجرات: 2] " الآيَةَ .

قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: «فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ» . رواه البخاري: (4845).

2- قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)).

عن البراء بن عازب، في قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) [الحجرات: 4] قال: قام رجل فقال: يا رسول الله إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذاك الله عز وجل»، رواه الترمذي: (5/ 387)، وقال: «هذا حديث حسن غريب».

وفي مسند الروياني (307) : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) ) . فصرح بأنها سبب النزول .

وينظر : "موسوعة : التفسير بالمأثور" (20/376-381) .

3- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الحجرات/ 6-8.

روى الإمام أحمد في مسنده (18459) عن الْحَارِث بْن أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ:

قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ، فَدَخَلْتُ فِيهِ، وَأَقْرَرْتُ بِهِ، فَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ، فَأَقْرَرْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي، فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَمَنْ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا لِإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا ، لِيَأْتِيَكَ مَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ .

فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لَهُ، وَبَلَغَ الْإِبَّانَ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ، احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ، فَلَمْ يَأْتِهِ، فَظَنَّ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ !!

فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتًا يُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُلْفُ، وَلَا أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلَّا مِنْ سَخْطَةٍ كَانَتْ، فَانْطَلِقُوا، فَنَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ، فَرِقَ، فَرَجَعَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ، وَأَرَادَ قَتْلِي !!

فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ، فَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ ، إِذْ اسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ ، وَفَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ، لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ، فَقَالُوا: هَذَا الْحَارِثُ !!

فَلَمَّا غَشِيَهُمْ، قَالَ لَهُمْ: إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا: إِلَيْكَ، قَالَ: وَلِمَ؟

قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ، وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ !! قَالَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً، وَلَا أَتَانِي .

فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنَعْتَ الزَّكَاةَ، وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي؟ " قَالَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ، وَلَا أَتَانِي، وَمَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ سَخْطَةً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولِهِ.

قَالَ: فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6] إِلَى هَذَا الْمَكَانِ: (فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحجرات: 8] .

والحديث المذكور وإن كان في إسناده مقال، إلا أنه مشهور سائر بين أهل العلم .

قال محققو المسند (30/405) : " حسن بشواهده، دون قصة إسلام الحارث" .

4- قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)).

عن أنس رضي الله عنه، قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أتيت عبد الله بن أبي، «فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارا، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة»، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، فشتمه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها أنزلت: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) [الحجرات: 9]، رواه البخاري: (3/ 183).

5- قول اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)).

عن أبي جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلِمَةَ (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) [الحجرات: 11] قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا وَلَهُ اسْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَكَانَ إِذَا دَعَا أَحَدًا مِنْهُمْ بِاسْمٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا: قَالَ: فَنَزَلَتْ: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) رواه أحمد: (18288)، وأبو داود: (4962) ، وصححه الألباني .

6- قول اللَّه تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)).

عن ابن عباس، قال: قدم وفد بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلموا ، فقالوا: قاتلتك مضر ، ولسنا بأقلهم عددا، ولا أكلهم شوكة، وصلنا رحمك، فقال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «تكلموا هكذا»، قالوا: لا، قال: «إن فقه هؤلاء قليل، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم»، قال عطاء في حديثه: فأنزل الله جل وعز (يمنون عليك أن أسلموا) [الحجرات: 17] الآية، رواه النسائي في الكبرى: (11455).

وانظر في كلام المفسرين حول هذه الأسباب: المحرر في أسباب النزول، د. خالد المزيني: (2/ 911 - 930).

والله أعلم









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:35

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc