تعرّض الأدب العربي المعاصر للتغير، فظهرت الخواطر التي تشبه أسفار أهل الكتاب، كسفر نشيد الأناشيد، وهلم جرا... وعُلِّمنا في مدارسنا وجامعاتنا بأن هذا التغيير يسمى "تطور"، و" التأثر"، وبكلمة فضفاضة "المتغير الحضاري"، وبـ "عولمة الثقافة"، لكن لم يبيّن لنا أحد ساعتها كيف تم ذلك، وأبسط إشارة عرِّفت بـ"الإحتكاك"، ولكن لم يُبَيَّن لنا بمن أحتك، وما جدواه، وما علاقته بتراثنا الثقافي العربي الاسلامي المنفصل عن غيره، وملابسات ذلك التغيّر، استغفالا لبراءتنا، وقصور فكرنا، وضحالة نقاشنا وسطحيته، حتى ترسّخ لدينا ما لا يرسُخ، إلاّ التسليم الناتج عن غياب البديل، وتوفر إجابات ـ لا برهان عليها ولا دليل ـ ملأت فراغ التساؤل والنقد. ولم يبقى إلا التقليد حذو التجديد، والقياس الذي لم يستطع النفوذ عن إطاره الخارجي... فمهما أبدع الشاعر أو الاديب المعاصر فانه لا يخرج عن قواعد وضعت في لا شعوره من غير وعي لصناعة ما يُراد له أن يصنع، فالفكرة الجوهرية موجودة رغماً عن الأديب، ولم يبقى له غير الأسلوب والبلاغة والألفاظ وبعض المعاني الهامشية فقط ليتصرف فيها... ويبقى الأديب يخدم الأدب من حيث الدال والمدلول دون صورة لذلك الدال... وهكذا يضيع المتلقي في دوامة من المنامات التي لا يشعر فيها الا بالمتعة لكن لِما؟ لا يدري، لأنه لم يركب صورة عما يراه... أليس هذا جنونا؟