المساجد اليوم ولله الحمد مملوءة بالمصليين خاصة منهم الشباب الذي هو عماد الأمة، والمكتبات تزخر بأمهات الكتب في شتى المجالات، ووسائل الإعلام الإسلامية سواء المكتوبة منها أو المسموعة أو المرئية تزودنا يوميا بما يجعلنا خير أمة أخرجت للناس، لكن وللأسف الشديد رغم هذا كله نفتقر إلى الأخلاق التي فتح بها أسلافنا الأمصار.
نحن قوم نسمع ولا نعمل، نتكلم كثيرا ونعمل القليل، الكل اليوم يتكلم في الإسلام، العارف يتكلم وغير العارف يتكلم، العالم يتكلم وغير العالم يتكلم، المتعلم يتكلم وغير المتعلم يتكلم، وهكذا صار الإسلام أسهل وأبسط المواضع على الإطلاق، الكل يتكلم فيه من حيث يدري أو لا يدري، وإن ناقشته أفحمك بجهله، وبهذا فقد أفرغنا الدين الإسلامي من محتواه الحقيقي وجعلناه شكلا بلا مضمون وجسدا بلا روح، وكل منا يريد أن يخضع الإسلام لهواه، يفتي بما يحلو له ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المسجد مؤسسة تعليمية يتعلم فيها المسلمون شؤون دينهم ودنياهم، بعد أن تقضى فيه الصلاة تعطى فيه الدروس والمواعظ من طرف من هو قادر على ذلك، من هو أهل لذلك علما وخلقا، تعطى من طرف الأئمة الذين يعتبرون زبدة المجتمع وصانعوه والمقتدى بهم، فهناك منهم من هو في مستوى الرسالة من حيث الأخلاق الفاضلة والعلم الواسع، يقول الكلمة وينتظر ثمرتها، ويقدم النصيحة ويستبطئ تطبيقها، فهؤلاء هو القدوة الحسنة، فالإمام هو أورع القوم وأتقاهم، وأعظمهم خلقا وأحسنهم أدبا، وأشفقهم على الكبير وأرحمهم للصغير، سمته الوقار لا العظمة والاستكبار، فهو النموذج.
يعتاد الشباب اليوم المساجد بكثرة ولله الحمد، يقبلون عليها بكرة وأصيلا وكلهم حماس فياض إلى درجة رفضهم كل ما يأتيهم من غير أنفسهم؛ حتى وإن كان ممن له علم وهو رزين، لا يؤمنون إلا بما علموا وإن كانوا قُصَّرا في شؤون الدين والدنيا نتيجة حداثة سنهم، فهم بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ويوجههم الوجهة التي تليق بالإسلام والمسلمين، الوجهة التي تنبذ التعصب والفرقة، الوجهة التي تؤاخي بين كل أفراد المجتمع، الوجهة التي لا إفراط فيها ولا تفريط، الوجهة التي تعود على المجتمع الإسلامي وعلى الأمة الإسلامية بالخير والنفع، هذا الشباب الذي يمتاز عن شباب الأمس بغيرتهم على الدين والتمسك به والإقبال على بيوت الله بمنقطع النظير، إلا أن شباب الأمس كان يعمل كل ما يعلم، كان مطيع الوالدين، يتأدب مع الكبار ويوقر الجار ويشفق على الصغار ويخشى العار، كان يتخلق بأخلاق الإسلام التي ورثها عن أبائه وأجداده، كان يسمع القول فيتبعه، لم يكن يشير إلى أبائه باستهزاء واستحقار، لم يكن يسمي أبويه بـ " الشوابين " هذا الاسم الشائع اليوم الذي يشم من خلاله رائحة الاحتقار، وقد نرى اليوم مسجدا للشباب وآخر لشوابين كما يقولون، فيا لها من فتنة تضاف إلى الفتن التي نحن في غناء عنها، والأدهى والأمر أن بعض الأئمة الشباب يعلنونها حربا على الشيوخ ناسين بأن من أوصلهم إلى هذه المكانة هم الشيوخ، فلنتق الله ولنقل قولا سديدا.