رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم - الصفحة 5 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-02-20, 04:31   رقم المشاركة : 61
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

في علم الحديث النبوي الشريف ، هل ينظر إلى عدالة الرواة دون الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أم يبحث أيضا في عدالة الصحابي ، وتطبق عليه الشروط التي وضعها علماء الحديث للتأكد من الحديث النبوي الشريف .

الجواب:

الحمد لله

أولا:

إذا أردت البحث في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم – بمعنى توفر الدين والتقوى المانع من الكذب في الحديث - فما عليك إلا أن تفتح كتاب الله تعالى ، وتقرأ فيه العشرات من الآيات التي جاءت في تزكيتهم والثناء عليهم .

يقول سبحانه وتعالى:

( فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157

( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/88-89

( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100

( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29
( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/8-9

( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) النساء/95

( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح/18

وكذلك فإن كتب السنة مليئة بالأحاديث التي جاءت في فضائل أعيانهم تارة ، وفضائل مجموعهم تارة أخرى ، وأسانيدها من أصح الأسانيد على وجه الأرض ، ولا يخلو كتاب من كتب الجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم منها ، وقد جمع بعض أهل العلم ما روي في فضائلهم مجلدات كثيرة ، يمكن الرجوع إليها ، فإن المقام لا يتسع هنا لذكرها .

إذن فعدالة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسجلة من السماء ، في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانت عدالة الراوي تقبل بتزكية واحد من أهل الجرح والتعديل المعتدلين ، فمن باب أولى أن تقبل تزكية القرآن والسنة القطعية .

على أنا لو سلكنا في تقرير عدالة عامة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسلك النظر في صفاتهم وأحوالهم ، لوجدنا فيهم ما يستوجب الحكم بالعدالة والديانة ، بغض النظر عن الآيات التي جاءت في تزكيتهم ، فالقرآن الكريم إنما هو كاشف عن عدالتهم وثقتهم ، وليس منشئا لها ، والعدالة تقوم في النفس أولا ، ثم تظهر في شهادة المزكين .

يقول الخطيب البغدادي:

" على أنّه لو لم يَرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين ، هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى.

"الكفاية" (ص/49)

ثانيا :

إذا ثبت ما سبق تبين أن البحث في عدالة كل صحابي عند دراسة إسناد أي رواية إنما هو ضرب من العبث الذي لا طائل تحته ، فقد كفانا القرآن الكريم هذه المؤونة ، كما كفانا العلماء هذا العمل ، وأثبتوا بالدراسات الاستقرائية التامة عدالة جميع من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، وخاصة المكثرين منهم .

ونحن ننقل هنا مجموعة من نصوص أهل العلم ، من المحدثين والحفاظ والفقهاء في هذا الشأن :

يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :

" لا فرق بين أن يسمي التابعُ الصاحبَ الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه ؛ لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات ، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث " انتهى.

"التمهيد" (22/47)

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله :

" ( باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة ، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم )
كل حديث اتصل إسناده بين مَن رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم : لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم ، سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن " انتهى.

"الكفاية" (ص/46)

ويقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" الصحابة كلهم عدول ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه ، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله .

هذا مذهب أهل السنة ، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة .

وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم ، فيلزم البحث عن عدالتهم.

ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث. وهذا مردود " انتهى.

"الجامع لأحكام القرآن" (16/299)

ويقول الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :

" للصحابة بأسرهم خصيصة ، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق مُعَدَّلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة ، قال الله تبارك وتعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الآية . قيل : اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) . وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ . وقال سبحانه وتعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) الآية ، وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها : حديث أبي سعيد المتفق على صحته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )

ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة .

ومن لابس الفتن منهم : فكذلك ، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم ، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة . والله أعلم " انتهى.

"مقدمة ابن الصلاح" (ص/171)

ويقول الإمام النووي رحمه الله :

" اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ، ورواياتهم ، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين " انتهى.

"شرح مسلم" (15/149)

وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي بكر الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل : إذا قال رجل من التابعين : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح ؟ قال : نعم .

وروى أيضا رحمه الله بسنده إلى الحسين بن إدريس قال : وسألته ـ يعني محمد بن عبد الله بن عمار ـ : إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أيكون ذلك حجة ؟ قال : نعم ، وإن لم يسمه ؛ فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة " انتهى.
"الكفاية" (ص/415)

والله أعلم .


و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات


اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 05:36   رقم المشاركة : 62
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

متى اعتنق وائل بن حجر الإسلام ؟ أرجو ذكر المرجع .

الجواب :

الحمد لله

كان إسلام وائل بن حجر رضي الله عنه عام تسع من الهجرة ، وهو عام الوفود ، حيث قدمت وفود العرب من كافة الأنحاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلن إسلامها ومبايعتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من هذه الوفود وفد حضرموت من اليمن ، وعلى رأسه وائل بن حجر رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة تسع من الهجرة :

" فِيهَا كَانَ قَدُومُ عَامَّةِ وُفُودِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى سَنَةُ تِسْعٍ ، سَنَةَ الْوُفُودِ ، وَهَا نَحْنُ نَعْقِدُ لِذَلِكَ كِتَابًا بِرَأْسِهِ ، اقْتِدَاءً بِالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ .

ثم قال :

" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ ، ضَرَبَتْ إِلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ - "

ثم ذكر وفود العرب إليه ، ومن ذلك :

" وِفَادَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ يَعْمَرَ الْحَضْرَمِيِّ أَبِي هُنَيْدٍ ، أَحَدِ مُلُوكِ الْيَمَنِ ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

" انتهى من " البداية والنهاية " (7/231-330) .

وقال العظيم آبادي رحمه الله
:
" قُدُوم وَائِل بْن حُجْرٍ وَإِسْلَامه كَانَ فِي سنة تِسْع . قَالَ الْحَافِظ صَلَاح الدِّين الْعَلَائِيّ فِي كِتَابه تَحْقِيق مُنِيف الرُّتْبَة لِمَنْ ثَبَتَ لَهُ شَرِيف الصُّحْبَة : وَائِل بْن حُجْرٍ وَمُعَاوِيَة بْن الْحَكَم السُّلَمِيُّ وَخَلْق كَثِير مِمَّنْ أَسْلَمَ سَنَة تِسْع وَبَعْدهَا ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمه ، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيث

" انتهى من " عون المعبود " (13/238) .

وانظر : " الاستيعاب " (4/ 1562) ، " الطبقات الكبرى " (1/262) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 05:42   رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

روي في كتاب السنة لابن أبي عاصم أنّ الإمام عليا قال: " لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى" فإذا كان الإمام علي اعترف بنفسه بأنّ أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- أولى منه في الخلافة، فلماذا رفض مع بعض الصحابة مبايعة أبي بكر على الخلافة ؟ أما الحادثة الثانية فهي حادثة ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر -رضي الله عنهما- مرتين: مرة لمخالفة عثمان علناً في المسجد حول حق عثمان استخدام مال المسلمين وقد ضربه بحضور علي بن أبي طالب، والمرة الثانية عندما قام بتوصيل رسالة إلى عثمان من معارضيه تخبره بأنه فشل في أن يقتدي بخلافة أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما، فهل شاهد علي عمّار يُضرب دون أن يفعل أي شيء؟ فما مدى صحة مثل هذه الإدعاءات؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

الصحابة رضي الله عنهم - مع كونهم أفضل الناس - فهم بشر من البشر ، يحصل بينهم ما يحصل بين الناس عادة من الخلاف واختلاف وجهات النظر ، لكنهم أسرع الناس إلى الخير ، وأعظم علما بالحق ، وعملا به ، وأوبة عن الخطأ ، متى أخطأ الواحد منهم ، كغيره من البشر .

والواجب على المكلف : الكف عن كل ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ، وإحسان الظن بهم فيه .
وأين تجد قوما هم خير من قوم صحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا معه وجاهدوا معه وصلوا خلفه ؟
ثانيا :
روى عبد الله بن أحمد في " السنة " (1312) ، وابن أبي عاصم في " السنة " (1219) ، والبيهقي في " الاعتقاد " (ص: 358) عن علي رضي الله عنه قال : " لَا يُفَضِّلُنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أوتى بِرَجُلِ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : إلَّا جَلَدْته حَدَّ الْمُفْتَرِي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 479) .

وقال أيضا :

" رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةَ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 407) .

ثالثا :

بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر رضي الله عنهما ثابتة في الصحيحين ، وإن وقعت متأخرة بضعة أشهر .
ولم يُظهِر عليٌّ على أبي بكر رضي الله عنهما خلافاً ، ولا شقَّ العَصا ، ولكنه تأخر عن الحضور لبيعته ، وكان سبب ذلك أنه عتب عليه وعلى عمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم : أنهم قضوا في أمر الخلافة دونه ، مع فضله وشرفه ومنزلته ، وكان من حقه أن يحضر الأمر ويستشار فيه ، ولا يقطع برأيٍ دونه .

وعذر الصحابة في ذلك أنهم بادروا بالبيعة لأبي بكر درءا للفتنة ، وحسما لمادة الفساد ، وخافوا حصول الخلاف والنزاع بتأخيرها .

ومن أسباب تأخره أيضا : أن فاطمة رضي الله عنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها ، فيما سألته من الميراث : رأى عليٌّ أن يوافقها في الانقطاع عنه ، وخاصة مع ما هي فيه من الهم والغم والحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فعليّ رضي الله عنه لم يرفض بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، وإنما تأخر عنها لما تقدم ذكره ، ثم جاء فبايع من غير إكراه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" عُلِم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته – يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه - إلا سعد بن عبادة ، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس ، لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له ، لكن قيل : علي تأخرت بيعته ستة أشهر ، وقيل : بل بايعه ثاني يوم ، وبكل حال ، فقد بايعوه من غير إكراه

" انتهى من " منهاج السنة " (8/232) .

رابعا :

لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما ، فضلا عن أن يشهد ذلك عليّ فلا يُنكِره ، وكل ما روي في ذلك : لم يصح سندُه .

قال ابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/ 1098) :

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِمْ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ، أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ فِي يَدِي لَأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى يَدْخُلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّهُمْ ، وَلَأَسْتَعْمِلَنَّهُمْ ، عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَ . فَقَالَ عَمَّارٌ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِي؟ قَالَ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ . قَالَ: وَأَنْفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَغَضِبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَوَطِئَهُ وَطْأً شَدِيدًا، فَأَجْفَلَهُ النَّاسُ عَنْهُ .

وهذا إسناد ضعيف ، سالم بن أبي الجعد لم يسمع من عثمان ، قال الحافظ العلائي رحمه الله :

" سالم بن أبي الجعد الكوفي : مشهور ، كثير الإرسال عن كبار الصحابة ، كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم ، وقال أبو زرعة : سالم بن أبي الجعد ، عن عمر وعثمان وعلي : مرسل " انتهى من " جامع التحصيل " (ص 179) .

وقال ابن عبد ربه في " العقد الفريد " (5/ 57) :

" ومن حديث الأعمش يرويه أبو بكر بن أبي شيبة قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه ، في صحيفة، فقالوا : من يذهب بها إليه؟ قال عمار: أنا. فذهب بها إليه، فلما قرأها قال : أرغم الله أنفك، قال: وبأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه، ثم ندم عثمان، وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: اختر إحدى ثلاث : إما أن تعفو، وإما أن تأخذ الأرش ، وإما أن تقتص. فقال: والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله! قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح، فقال : ما كان على عثمان أكثر مما صنع .

وهذا إسناد ضعيف كسابقه ، فإن الأعمش عداده في صغار التابعين ، لم يدرك عثمان ولا عليا ولا عمارا ، راجع : "ميزان الاعتدال" (2 /224) ، "التهذيب" (4/196) .

بل إن ابن عبد ربه ، الذي ذكر ذلك في كتابه : لم يسق إسناده إلى الأعمش ، فكما يحتمل أن يكون الحمل في هذه الرواية على من هو فوق الأعمش ، فكذلك يحتمل أن يكون ممن هو دونه ، ممن أبهمه ابن عبد ربه ، بين ابن أبي شيبة ، والأعمش .

قال ابن أبي بكر المالقي : " فإن قيل : بأن عثمان (رضي الله عنه) ضرب عماراً، قيل: هذا لا يثبت ، ولو ثبت فإن للإمام أن يؤدب بعض رعيته بما يراه ، وإن كان خطأ.

ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه ، وأقاد ، وكذلك أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) أدّبا رعيتهما باللطم والدّرّة ، وأقادا من أنفسهما .

فإن قيل : عثمان (رضي الله عنه) لم يقد من نفسه ؟

قيل له : كيف ذلك ، وقد بذل من نفسه ما لم يبذله أحد ، خصوصاً يوم الدار، فإنه قال : يا قوم ، إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيد فضعوهما

" انتهى من " شبهات حول الصحابة " - ذو النورين عثمان (ص 144) .

وقد جاء ما هو أصح من ذلك مما يخالفه ؛ فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 521) : وابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/1101) من طريق حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جهيم ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ , قَالَ: أَنَا شَاهِدُ هَذَا الْأَمْرِ , قَالَ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ ائْتِنَا , فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ أَشْيَاءَ أَحْدَثْتَهَا ، أَوْ أَشْيَاءَ فَعَلْتَهَا , قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنِ انْصَرَفُوا الْيَوْمَ , فَإِنِّي مُشْتَغِلٌ ، وَمِيعَادُكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا .

قَالَ: فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ .

قَالَ: فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ عُثْمَانَ ، فَضَرَبَهُ .

قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمِيعَادِ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ مَا تَنْقِمُونَ مِنِّي؟

قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْكَ ضَرْبَكَ عَمَّارًا ؟!

قَالَ عُثْمَانُ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا , فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ , فَتَنَاوَلَهُ رَسُولٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي ; فَوَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ وَلَا رَضِيتُ , فَهَذِهِ يَدِي لِعَمَّارٍ فَيَصْطَبِرُ – يَعْنِي : يَقْتَصُّ .

وهذا إسناد لا بأس به ، رجاله ثقات ، وجهيم - ويقال : جهم - تابعي روى عنه ثقتان ووثقه ابن حبان ، فحديثه محتمل للتحسين .

فهذا الخبر أصح مما ورد من ضرب عثمان عمارا .

والخلاصة :

أنه لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما أصلا ، فضلا عن أن يقال ضربه بحضرة علي ، وعلي ساكت لم يدافع عنه ، والواجب حفظ حرمة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحبهم ، والدفاع عنهم
.
كما لا يجوز اعتماد كل ما ورد في كتب التاريخ إلا ما ثبتت صحته ، وما أحسن ما قال ابن خلدون رحمه الله :

" وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع ، لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل غثّا أو سمينا ، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة ، والوقوف على طبائع الكائنات ، وتحكيم النّظر ، والبصيرة في الأخبار ، فضلّوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط

" انتهى من " تاريخ ابن خلدون" (1/ 13) .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 05:44   رقم المشاركة : 64
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

هل صحيح أن علي بن أبي طالب وعثمان رضي عنهما قتلهما أشخاص مسلمون ؟

وهل يمكن توضيح ما المشكلة التي دارت بين الصحابة في تلك الحقبة وما هي الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع ؟


الجواب :

الحمد لله

اعلم يا أخي – وقانا الله وإياك الفتن ، ما ظهر منها وما بطن – أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب لأفضل نبي ، وخاصة الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين .

قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) التوبة/100 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (4/203) .

وقال الله تعالى عن المهاجرين : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحشر/8 ،

وقال سبحانه عن الأنصار : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر/9 .

وقال عن الذين جاءوا من بعدهم من المؤمنين : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

الحشر/10 .

أما ما حصل بين الصحابة من الاختلاف والاقتتال : فيجب علينا الكف عنه ، مع اعتقاد أنهم أفضل الأمة ، ومحبتهم والترضي عنهم ، وعلى هذا تتابعت كلمة أهل السنة والجماعة .

سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم ؟
فقال : ( تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها ) .

"الطبقات الكبرى" (5/394) .

وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل عما جرى بين علي ومعاوية ؟ فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ، فأقبل عليه فقال : اقرأ : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص126) .

وقال الإمام أحمد أيضا بعد أن قيل له : ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية ؟ قال : (

ما أقول فيهم إلا الحسنى ) .

"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص164) .

وقال الميموني : " قال لي أحمد بن حنبل : يا أبا الحسن ، إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام . وقال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي ؟ فقال إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء " انتهى .

"البداية والنهاية" (8/139) .

وقال أبو زرعة الرازي :

" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة " انتهى .

"الكفاية في علم الرواية" (ص 49) .

وقال القرطبي :

" لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم " انتهى .

"تفسير القرطبي" (16/321) .

وقال ابن أبي زيد القيرواني وهو بصدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يذكروا به قال : " وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب " انتهى .

"عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام" (2/734) .

وقال أبو عبد الله بن بطة - رحمه الله - أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة : " ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل ، فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم ، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون ، وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم ، وكل ما شجر بينهم مغفور لهم " .

"كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة" (ص/268) .

وقال أبو عثمان الصابوني وهو بصدد عرض عقيدة السلف وأصحاب الحديث :

" ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً ونقصاً فيهم ، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم " .

"عقيدة السلف وأصحاب الحديث - ضمن مجموعة الرسائل المنيرية" (1/129) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

" من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10 .

وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .

ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم .

ولا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .

ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور لهم ؟

ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح .

ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى " انتهى باختصار .

"مجموع الفتاوى" (3/152- 156) .

وقال الحافظ ابن حجر :

" اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى وُجُوب مَنْع الطَّعْن عَلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقّ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوب إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد ، وَقَدْ عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَاد , بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَر أَجْرًا وَاحِدًا وَأَنَّ الْمُصِيب يُؤْجَر أَجْرَيْنِ " انتهى .

"فتح الباري" (13/34) .

ومثل هذا كثير في كلام أهل العلم ، وهو المتعين الأخذ به ؛ لأن فيه العصمة من الزلل ، والتعريف بحق أفضل الناس بعد النبيين .

أما عن مقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما ، فلا شك أنهما قتلا مظلومين ، ونشهد لهما بالجنة ، ونشهد على من تلبس بهذا الأمر أو شارك فيه أو رضيه ، أو علمه ولم ينكره بأنه ضال مضل خبيث الطوية ، متبع غير سبيل المؤمنين ، والله يحاسبه يوم القيامة على صنيعه ، وسيحكم الله تعالى بينهم يوم القيامة . ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 05:47   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

: يدعي الكثير من الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبايع أبدا أبا بكر رضي الله عنه ، وهم يقولون بأن قبضة يده كانت مغلقة ، وبأنه لم يبايع مطلقا . وكنت أتساءل ما إذا كان بوسع الشيخ مساعدتي في فهم ما حدث بالفعل إن شاء الله . جزاكم الله خيرا


الجواب

الحمد لله

أولا :

بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثابتة في الصحيحين وإن وقعت متأخرة بضعة أشهر.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن أباها أبا بكر رضي الله عنه دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد أن دعاه :

( فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ : إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصيبًا .

حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي ، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ : فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ .

فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ : مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا ، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا ، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ ، وَقَالُوا : أَصَبْتَ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ ) رواه البخاري (3998) ومسلم (1759)

وفي رواية أخرى لمسلم في صحيحه :

( ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ فَكَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ )

قال النووي رحمه الله :

" أما تأخر علي رضي الله عنه عن البيعة : فقد ذكره علي في هذا الحديث ، واعتذر أبو بكر رضي الله عنه .

ومع هذا : فتأخره ليس بقادح في البيعة ، ولا فيه :

أما البيعة : فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ، ولا كل أهل الحل والعقد ، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء ، والرؤساء ، ووجوه الناس .

وأما عدم القدح فيه : فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده ويبايعه ، وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له ، وأن لا يظهر خلافاً ، ولا يشق لعصا .

وهكذا كان شأن علي رضي الله عنه في تلك المدة التي قبل بيعته ، فإنه لم يُظهر على أبي بكر خلافاً ، ولا شق العصا ، ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث ، ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفاً على حضوره ، فلم يَجب عليه الحضور لذلك ، ولا لغيره ، فلما لم يجب : لم يحضر .

وما نُقل عنه قدحٌ في البيعة ، ولا مخالفة ، ولكن بقي في نفسه عتب ، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب .

وكان سبب العتب : أنه مع وجاهته ، وفضيلته في نفسه في كل شيء ، وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك : رأى أنه لا يُستبد بأمر إلا بمشورته ، وحضوره ، وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحاً ؛ لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين ، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة ، ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة ؛ لكونها كانت أهم الأمور ، كيلا يقع نزاع في مدفنه ، أو كفنه ، أو غسله ، أو الصلاة عليه ، أو غير ذلك ، وليس لهم من يفصل الأمور ، فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء " انتهى.

" شرح مسلم " (12/77-78) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة ، لشغله بها وتمريضها ، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم ؛ ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث : رأى عليٌّ أن يوافقها في الانقطاع عنه " انتهى.

" فتح الباري " (7/494)

ثانيا :

قد ورد أيضا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أبا بكر في بداية الأمر ، ولم يتأخر عن البيعة ، ولكن الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في ثبوتها بعض التردد .

فقد رُوي الحديث من طريق وهيب بن خالد ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد .

وأخذ الحديثَ عن وهيب بن خالد أربعةٌ من أصحابه ، ثلاثة منهم يرويه بسياق مختصر لا يشتمل على ذكر بيعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم في بداية خلافته ، وهم :

عفان بن مسلم : كما سيأتي تخريج الرواية عنه ، وبيان أنَّ مَن ذَكر عن عفان بن مسلم أمرَ البيعة فقد وَهِمَ وأخطأ .

أبو داود الطيالسي في " المسند " (1/495، رقم/603) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19/314)

زهير بن إسحاق : وهو راو ضعيف – كما في " ميزان الاعتدال " (2/82) - يرويه من طريقه ابن عدي في " الكامل " (3/223) ويقول : " وهذا لا أعلم رواه عن داود غير زهير بن إسحاق ووهيب ، ولزهير أحاديث صالحة ، وأروى الناس عنه من البصريين محمد بن أبي بكر المقدمي ، وأرجو أنه لا بأس به ، فإن ابن معين إنما أنكر عليه حديثا مقطوعا كما ذكرته ، فأما حديثه المسند فعامته مستقيمة " انتهى.

وأما الراوي الرابع عن وهيب بن خالد فقد رواه بالسياق المطول المشتمل على ذكر بيعة علي بن أبي طالب والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم جميعا .

وهذا الراوي هو المغيرة بن سلمة أبو هشام المخزومي : ثقة ثبت – كما في " تهذيب التهذيب " (10/261) – يرويه عنه الإمام البيهقي في " السنن الكبرى " (8/143) فيقول :

" أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحافظ الإسفرائيني ، ثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ ، أنبأ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وإبراهيم بن أبي طالب ، قالا : ثنا بندار بن بشار ، ثنا أبو هشام المخزومي ، ثنا وهيب : فذكره بنحوه .

قال أبو علي الحافظ : سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول :

جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث ، فكتبته له في رقعة ، وقرأت عليه ، فقال : هذا حديث يسوى بدنة . فقلت : يسوى بدنة !؟ بل هو يسوى بدرة – تامة كالبدر -" انتهى.

وقوله : ( فذكره بنحوه ) يريد به السياق الذي فيه ذكر البيعة كما وقع ذلك صريحا في رواية ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (30/277) من طريق الإمام البيهقي نفسه .

وقد قال الإمام الذهبي رحمه الله بعد أن ساق الرواية التي فيها ذكر البيعة :

" مع جودة سنده فيه أشياء تنكر ، فتدبره " انتهى.

" المهذب " (6/3239)

وأما بيان الاختلاف على عفان بن مسلم فهذا تفصيله :

اختلف على عفان بن مسلم على وجهين :

الوجه الأول : يرويه كبار الأئمة الذين أخذوا عن عفان بسياق مختصر ، ليس فيه ذكر بيعة علي بن أبي طالب والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم جميعا ، ولفظه :

( لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا بَعَثَ رَجُلاً مِنْكُمْ قَرْنَهُ بِرَجُلٍ مِنَّا ، فَنَحْنُ نَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلاَنِ ، رَجُلٌ مِنْكُمْ وَرَجُلٌ مِنَّا .

فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَكُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّمَا يَكُونُ الإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، نَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ ، وَاللَّهِ لَوْ قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا مَا صَالَحْنَاكُمْ )

رواه عنه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/430).

والإمام أحمد في " المسند " (35/489) طبعة مؤسسة الرسالة .

وابن سعد في " الطبقات " (3/212) .

والبلاذري في " أنساب الأشراف " (3/318) ترقيم الشاملة .

أحمد بن القاسم بن المساور الجواهري : كما عند الطبراني في " المعجم الكبير " (5/114)

جعفر الصايغ : كما عند ابن عدي في " الكامل " (3/223) قال : ثناه علي بن أحمد بن مروان ثنا أبو الصقر الوراق وهو يحيى بن داود البغدادي وثنا محمد بن منير بن صغير ثنا جعفر الصايغ ثنا عفان .

وقال الذهبي في هذه الرواية :

" هذا إسناد صحيح " انتهى.

" سير أعلام النبلاء " (2/433)

وقال الهيثمي في هذه الرواية :

" رواه الطبراني وأحمد ورجاله رجال الصحيح " انتهى.

" مجمع الزوائد " (5/183)

الوجه الثاني : يرويه واحد من أصحاب عفان بن مسلم ، بسياق مطول ، وفيه ذكر بيعة علي بن أبي طالب والزبير لأبي بكر الصديق رضي الله عنهم جميعا ، وهذا لفظه :

( لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلاً مِنَّا ، فَنُرَى أَنْ يَلِىَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلاَنِ ، أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ ، وَالآخَرُ مِنَّا .

قَالَ : فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ .

فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ .

ثُمَّ قَالَ : أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ .

ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ : هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا .

فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِى وُجُوهِ الْقَوْمِ ، فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنَهُ ! أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟

فَقَالَ : لاَ تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ . فَبَايَعَهُ .

ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ : ابْنَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَوَارِيَّهُ ! أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ : لاَ تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ . فَبَايَعَاهُ )

رواه جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان على هذا الوجه المطول ، كذلك أخرجه الحاكم في " المستدرك " (3/80) ، وعنه وعن شيخه أبو محمد المقرئ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (8/143) قال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه " انتهى. وسكت عليه الذهبي في التلخيص .

وجعفر بن محمد بن شاكر - وإن وثقه الخطيب البغدادي وابن المنادي ومسلمة بن قاسم كما في " تهذيب التهذيب " (2/102) – إلا أنه خالف الأئمة الكبار الذين هم أحفظ لحديث عفان بن مسلم منه ، فالوجه الصحيح عن عفان بن مسلم هو اختصار الحديث ، وعدم ذكر بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر رضي الله عنه في ذلك الموقف .

هذا وقد تابع سعد بن إياس الجريري داود بن أبي هند في الرواية عن أبي نضرة ، وفي روايته ذكر بيعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهما ، كما في " تاريخ دمشق " (30/278) ، ولكن وفي سنده علي بن عاصم بن صهيب الواسطي ، وقد كان كثير الخطأ في الرواية ، قال فيه علي بن المديني : " كان على بن عاصم كثير الغلط ، وكان إذا غلط فرد عليه لم يرجع "، وهكذا كان حكم سائر النقاد فيه . انظر: " تهذيب التهذيب " (7/348)











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 05:48   رقم المشاركة : 66
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثا :

الحاصل أن بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابتة هي الواردة في صحيحي البخاري ومسلم ، وأما البيعة الأولى الواردة في حديث أبي سعيد الخدري ففي ثبوتها بعض التردد .

أما الدعوى بأن بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت إكراها فهي دعوى زائفة باطلة ، صادرة عن مكابرة ظاهرة ، وعماية بالغة عن الحقائق المروية بالأسانيد الصحيحة .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته – يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه - إلا سعد بن عبادة ، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس ، لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له ، لكن قيل : علي تأخرت بيعته ستة أشهر ، وقيل : بل بايعه ثاني يوم ، وبكل حال ، فقد بايعوه من غير إكراه " انتهى.

" منهاج السنة " (8/232)

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 05:56   رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

انتشر في الآونة الأخيرة هذا الحديث المروي الذي قاله كعب الأحبار رضي الله يقول فيه : ما رأيت أحدًا لم يقرأ التوراة أعلم ما في التوراة من أبي هريرة . - فهل هذا الحديث صحيح ؟ وأعطني بارك الله فيك ورفع من مقدارك جميع العلماء الذين حكموا بصحة الحديث أو ضعفه من كتبهم وأرقام صفحاتهم فأنا احتاج لهذا كثيراً . هذه الرواية ذكرها الذهبي في سيرة أعلام النبلاء ، وقيل أيضا : إن الذهبي نفسه ضعفها ، ونقل ذلك في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر ، لكن لم أجده ، وهل لو صح أن ابن عساكر نقله : كيف نتأكد من صحة النقل ؟ أضف إلى ذلك انتقاصهم في أبي هريرة رضي الله عنه في حديث ساعة الجمعة ، وأنه يخالف قول الله في كتابه بأنه خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ، فما قولكم في هذا ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

يجب على كل مسلم أن يحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويتولاهم ، ويبغض من يعاديهم ويشنؤهم ، ويتقرب إلى الله تعالى بذلك .

ولا يجوز لأحد أن يخوض بالباطل في أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأخص أهل العلم منهم ، الذين حملوا العلم ونشروه وعلموه الناس ، ولولا أن منّ الله بهم على الناس لبقي الناس في عماية الجهل .

ومن تطرق إليه الشك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فقد تطرق إليه الشك في دين الله ، وفي كتاب الله ، وفي شرع الله ، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه وعاء للعلم حافظاً ، لم تشغله الدنيا عن طلب العلم ، ومصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحفظ ما يقوله ويشرعه .

وهو أكثر الصحابة رواية ، وهو عدل إمام ، حجة في كل ما يرويه وينقله ، رضي الله تعالى عنه .

ثانيا :

روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (67/ 343) والطيالسي - كما في "سير أعلام النبلاء" (2/ 600) من طريق عمران القطان ، عن بكر بن عبد اللَّه ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أنه لقي كعبا فجعل يحدثه ويسائله ، فقال كعب : " ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة ، أعلم بما في التوراة : من أبي هريرة " .

وهذا إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة ، عمران القطان : ضعيف الحديث .

قال ابن معين : ليس بالقوي . وقال مرة : ليس بشيء . وقال أبو داود : هو من أصحاب الحسن وما سمعت إلا خيرا . وقال مرة : ضعيف . وقال النسائي : ضعيف . وقال ابن عدي : هو ممن يكتب حديثه . وقال البخاري : صدوق يهم .

وقال الدارقطني : كان كثير المخالفة والوهم .

"تهذيب التهذيب" (8/ 131-132)

وقال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله :

" عمران القطان ضعيف ، ولا يتحقق سماعه من بكر

" انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص 180).

وضعف هذا الأثر أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله في تعليقه على "السير" (2/600) وأعله بعمران هذا .
وعلى فرض ثبوته فيكون معناه : أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يروي لكعب الأحبار من قصص بني إسرائيل وأخبارهم وأحوالهم : ما يعلمه من كتاب الله تعالى ، وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيوافق ذلك ما عند كعب من العلم الصحيح الذي أخذه عن التوراة ، فيقول لذلك : " ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة ، أعلم بما في التوراة من أبي هريرة " .

قال الشيخ المعلمي :

" وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن ، فإذا تتبعها أبو هريرة ، وصار يذكرها لكعب : كان ذلك كافياً ؛ لأن يقول كعب تلك الكلمة ، ففيم التهويل الفارغ ؟

" انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص 180).

وأيضا : فإن قوله " لم يقرأ التوراة " دليل على أن هريرة رضي الله عنه ليس شغوفا بكتب أهل الكتاب وعلومهم ، وإلا لتعلم كتابهم ونقل عنه للناس ، ولكنه كان مشغولا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيه من الحافظين الصادقين .

ثالثا :

روى مسلم ( 2789 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .

وهذا الحديث صححه الإمام مسلم وغيره ، وأعله غير واحد من أهل العلم ، وجعله البخاري وغيره من كلام كعب الأحبار ، وأن أبا هريرة سمعه منه ، فاشتبه على بعض الرواة ، فجعله مرفوعا .

وعلى القول بأن أبا هريرة إنما سمعه من كعب ، فلا يعدو أن يكون شيئا رواه عنه ؛ لأن كعبا كان عنده علم من الكتاب ، وكان حبرا حافظا ، فترخص أبو هريرة رضي الله عنه وروى عنه ذلك ، كما ترخص غيره فروى عن كعب أشياء ؛ فما وجه الطعن بذلك على أبي هريرة رضي الله عنه ، إذا كان الخطأ فيه من غيره من الرواة .

وأما على قول من صحح الحديث ، كما هو مذهب الإمام مسلم ومن وافقه من أئمة الحديث ، قديما وحديثا ، فقد سقط هذا المطعن من أصله ، ولم يبق له وجه .

قال ابن كثير رحمه الله :

" لَمَّا أَسْلَمَ كَعْب الْأَحْبَار فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ ، جَعَلَ يُحَدِّثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كتبه قديما ، فَرُبَّمَا اسْتَمَعَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَتَرَخَّصَ النَّاسُ فِي اسْتِمَاعِ مَا عِنْدَهُ

" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 28).

أما خلق آدم عليه السلام : فقد تقدم ذكر الخلاف فيه ، والكلام على حديث أبي هريرة المتقدم ، وتوجيهه على فرض

وروى أبو داود (1046) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُهْبِطَ ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا ) ، قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ، فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، قَالَ : فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَع كَعْبٍ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ لَهُ

فَأَخْبِرْنِي بِهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقُلْتُ : كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ) ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ ) ، قَالَ : فَقُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هُوَ ذَاكَ .

وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

فقوله : " قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ، فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، قَال َ: فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ، فَقَالَ : صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " : هذا مما يدل دلالة قاطعة على أن أبا هريرة رضي الله عنه لا يأخذ بكل ما يقول كعب الأحبار ، فإنه لم يتابعه على قوله : " ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ " ، وإنما رده بما علمه من السنة أن هذه الساعة تكون كل جمعة .

والله تعالى أعلم .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:01   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

: في علم الحديث النبوي الشريف ، هل ينظر إلى عدالة الرواة دون الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أم يبحث أيضا في عدالة الصحابي ، وتطبق عليه الشروط التي وضعها علماء الحديث للتأكد من الحديث النبوي الشريف

الجواب:

الحمد لله

أولا:

إذا أردت البحث في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم – بمعنى توفر الدين والتقوى المانع من الكذب في الحديث - فما عليك إلا أن تفتح كتاب الله تعالى ، وتقرأ فيه العشرات من الآيات التي جاءت في تزكيتهم والثناء عليهم .
يقول سبحانه وتعالى:

( فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157

( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/88-89

( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100

( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29
( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/8-9

( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) النساء/95

( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح/18

وكذلك فإن كتب السنة مليئة بالأحاديث التي جاءت في فضائل أعيانهم تارة ، وفضائل مجموعهم تارة أخرى ، وأسانيدها من أصح الأسانيد على وجه الأرض ، ولا يخلو كتاب من كتب الجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم منها ، وقد جمع بعض أهل العلم ما روي في فضائلهم مجلدات كثيرة ، يمكن الرجوع إليها ، فإن المقام لا يتسع هنا لذكرها .
إذن فعدالة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسجلة من السماء ، في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانت عدالة الراوي تقبل بتزكية واحد من أهل الجرح والتعديل المعتدلين ، فمن باب أولى أن تقبل تزكية القرآن والسنة القطعية .

على أنا لو سلكنا في تقرير عدالة عامة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسلك النظر في صفاتهم وأحوالهم ، لوجدنا فيهم ما يستوجب الحكم بالعدالة والديانة ، بغض النظر عن الآيات التي جاءت في تزكيتهم ، فالقرآن الكريم إنما هو كاشف عن عدالتهم وثقتهم ، وليس منشئا لها ، والعدالة تقوم في النفس أولا ، ثم تظهر في شهادة المزكين .

يقول الخطيب البغدادي:

" على أنّه لو لم يَرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين ، هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى.

"الكفاية" (ص/49)

ثانيا
:
إذا ثبت ما سبق تبين أن البحث في عدالة كل صحابي عند دراسة إسناد أي رواية إنما هو ضرب من العبث الذي لا طائل تحته ، فقد كفانا القرآن الكريم هذه المؤونة ، كما كفانا العلماء هذا العمل ، وأثبتوا بالدراسات الاستقرائية التامة عدالة جميع من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، وخاصة المكثرين منهم .

ونحن ننقل هنا مجموعة من نصوص أهل العلم ، من المحدثين والحفاظ والفقهاء في هذا الشأن :

يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :

" لا فرق بين أن يسمي التابعُ الصاحبَ الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه ؛ لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات ، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث " انتهى.

"التمهيد" (22/47)

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله :

" ( باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة ، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم )
كل حديث اتصل إسناده بين مَن رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم : لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم ، سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن " انتهى.

"الكفاية" (ص/46)

ويقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" الصحابة كلهم عدول ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه ، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله .

هذا مذهب أهل السنة ، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة .

وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم ، فيلزم البحث عن عدالتهم.

ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث. وهذا مردود " انتهى.

"الجامع لأحكام القرآن" (16/299)

ويقول الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :

" للصحابة بأسرهم خصيصة ، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق مُعَدَّلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة ، قال الله تبارك وتعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الآية . قيل : اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) . وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ . وقال سبحانه وتعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) الآية ، وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها : حديث أبي سعيد المتفق على صحته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )

ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة .

ومن لابس الفتن منهم : فكذلك ، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم ، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة . والله أعلم " انتهى.

"مقدمة ابن الصلاح" (ص/171)

ويقول الإمام النووي رحمه الله :

" اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ، ورواياتهم ، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين " انتهى.

"شرح مسلم" (15/149)

وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي بكر الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل : إذا قال رجل من التابعين : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح ؟ قال : نعم .

وروى أيضا رحمه الله بسنده إلى الحسين بن إدريس قال : وسألته ـ يعني محمد بن عبد الله بن عمار ـ : إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أيكون ذلك حجة ؟ قال : نعم ، وإن لم يسمه ؛ فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة " انتهى.

"الكفاية" (ص/415)

والله أعلم .



.









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:06   رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هناك حديث يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوماً بعد الصلاة فقال للصحابة سلوني عن أي شيء وسأجيبكم.. فقام أحد الصحابة فسأل قائلاً: أين سأكون في الأخرة..؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: في النار.. سؤالي هو:من هو هذا الصحابي؟ وكيف يمكن لصحابي أن يدخل النار؟ أرجو توضيح هذا الحديث، وجزاكم الله خيراً.

الجواب :

الحمد لله


أولا :

روى البخاري (7294) – واللفظ له – ومسلم (2359) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا ) قَالَ أَنَسٌ : فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي فَقَالَ أَنَسٌ : فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ النَّارُ . فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ أَبُوكَ حُذَافَةُ . قَالَ ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي سَلُونِي ، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ : رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا . قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ )

أما اسم هذا الرجل الذي سأل عن مدخله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( في النار ) فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذَا الرَّجُل فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق ، كَأَنَّهُمْ أَبْهَمُوهُ عَمْدًا لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ . ولِلطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي فِرَاس الْأَسْلَمِيّ نَحْوه وَزَادَ " وَسَأَلَهُ رَجُل فِي الْجَنَّة أَنَا ؟ قَالَ فِي الْجَنَّة " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذَا الْآخَر " انتهى .

هذا مع أنه لا مصلحة للعبد في الوقوف على تعيين اسم هذا السائل ، ولا مضرة في دينه إذا جهله ، ولذلك لم يعن رواة الحديث بذلك التعيين .

ثانيا :

أما عن دخول هذا السائل النار، مع كونه من الصحابة ، فله ثلاثة أوجه :

أولا : يحتمل أنه من المنافقين ، فأعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بحاله .

وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عدة من المنافقين يصلون معه ويصومون ويعبدون الله في الظاهر وهم في الحقيقة من أهل النفاق ، قال تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) التوبة/ 101

ثانيا : يحتمل أن يدخل النار بسبب ذنب له ، ثم ينجيه الله منها فيدخل الجنة بفضل الله ورحمته .

ثالثا : يحتمل أن يكون المعنى : هو في النار إن لم يعف الله عنه ، فيدخل بذلك في المشيئة .

ولعل الاحتمالين الأخيرين أظهر ، وهذا جار على قاعدة أهل السنة في عصاة الموحدين .

وقد روى البخاري (3074) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثقل : ما يثقل حمله من الأمتعة) رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُوَ فِي النَّارِ ) فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا

ورواه مسلم (114) بمعناه من حديث عمر رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقَوْله " هُوَ فِي النَّار " أَيْ يُعَذَّب عَلَى مَعْصِيَته ، أَوْ الْمُرَاد هُوَ فِي النَّار إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّه عَنْهُ " انتهى .

ثالثا :

الصحابة رضي الله عنهم بشر من البشر ، منهم من يذنب ويخطئ ، ولكنهم في الجملة أفضل الخلق بعد الأنبياء

والمرسلين ، وهم خير القرون ، وكلهم ثقات عدول بإجماع المسلمين ، لكنهم ـ أيضا ـ غير معصومين من الذنب ، بالاتفاق ، وما ورد في حق بعض أفرادهم من فعل الذنب ، أو التوعد عليه ، فالواجب إحسان الظن به في ذلك ، ومعرفة أن ذلك لا يخرجه عن حد العدالة والرضى .

بل قال أبو محمد بن حزم رحمه الله :

" الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا ، قال الله تعالى : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) إلى قوله : ( وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) الحديد/ 10 ، وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) الأنبياء/ 101 . فثبت أن الجميع من أهل الجنة " انتهى

من نقله عنه الأمير الصنعاني في "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" (2 /245)

والذي ننصح به عدم الخوض في أمثال هذه المسائل ، بل نقر لأهل الفضل بالفضل ، ونشهد لهم بالخير والصلاح ، ونكف عن الخوض فيهم بغير علم ، وننشغل بأنفسنا .

والله تعالى أعلم .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:12   رقم المشاركة : 70
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ما الذى يجعلنا نثق فى صحة أحاديث فضائل الصحابة وهى كثير ؟

. منها يرويها الصحابى نفسه ، أى أن الصحابى يروى فضائل نفسه ألا يمكن أن -

واستغفر الله فى هذه اللفظة -يكذب ليضيف لنفسه فضائل ليست له ، ولا يحتج فى ذلك بقضية عدالة الصحابة ، وأنهم لا يكذبون لأن نفس الشبهة تنسحب أيضا على الاحاديث التى تخبر بذلك ، كما أن الأحاديث التى يرويها صحابى فى فضائل صحابى آخر ممكن أن تكون من قبيل المجاملة ، أو الخوف من سلطان ، أو طمعا فى مال ، أو سلطة ، فى حالة أن تكون هذه الأحاديث فى حق أحد الخلفاء ، ثم نفس هذا السؤال على آيات فضائل الصحابة فى القرآن لما لا يكون الصحابة قد تواطؤوا على وضعها ليبينوا فضيلة عامة لجيلهم .


الجواب :

الحمد لله


فالصحابة رضي الله عنهم قوم خصهم الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفضائلهم التي يشهد بها الكتاب وتشهد بها السنة الصحيحة ويشهد بها التاريخ ويشهد بها الموافق والمخالف أكثر من أن تحصي .

وعلى طريقة صاحب السؤال فكل موثوق به ومقطوع به تتطرق إليه هذه الأوهام الباطلة والاحتمالات الفاسدة التي لا يحتملها عقل أصلا .

ومن تطرق إلى نفسه الشك في عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فقد تطرق إليه الشك في دين الله وفي كتاب الله وفي شرع الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !!

فمن هم الذين أقرءوا الناس الكتاب وعلموهم فرائض الدين وواجبات الشريعة وأحكام الله وسنن رسوله ؟

كيف تعلم الناس الصلاة والصيام وأداء المناسك وأحكام المعاملات والنكاح والطلاق والقضاء ؟

ومن أين لهم وصف الجنة ونعيمها ووصف النار وعذابها ؟

ومن الذي أخبرهم عن توحيد الله وعلمهم سلامة الاعتقاد ؟

وكيف تعرفوا على أسماء الله وصفاته وانتهجوا في ذلك منهج الحق المخالف لأهل البدعة ؟

ومن الذي علم الناس مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ؟

أتُراك تظن أن الله تعالى يمكن أن يصطفي لسيد ولد آدم أصحابا كذبة ، يكذبون على الله ورسوله ؟!!

ولو جاز أن يؤلفوا قرآنا ويضعوا أحاديث في فضلهم ، فكيف نثق بهم في أي شيء مما يروونه ويذكرونه في دين الله ؟!

وهل من تكون هذه صفته يؤتمن على شرائع الله وأحكام دينه وسنة رسوله ؟! لقد ذهب الدين إذاً بالكلية ، فلا إسلام ! ولا إيمان ! ولا إحسان ! ولكن كذب ! وافتراء ! وأنانية !

سبحانك هذا بهتان عظيم !!

فلو تتبعنا هذه الوساوس الماحقة للدين المخرجة عن الملة لما صح شيء من أمر الدين ؛ حيث كان يمكن أن يختلقه الصحابة وينشروه في الناس !

وعلى طريقتك هذه : كيف تصح أنساب الناس ؟ ومن أين لفلان – كائنا من يكون – أنه ابن فلان حقا ؟

! وكيف نعرف في الخلائق من هم الأبناء الشرعيون ومن هم أبناء الزنا ؟!

أليس من الجائز على طريقتك أن يتواطأ الناس على الكذب فيدعي الزاني أن ولده ولد شرعي من نكاح لا من سفاح !!

إذا لم نقر بعدالة الصحابة وصدقهم وأمانتهم لانهدم الدين بالكلية ، ولما صار هناك من شرائعه وعقائده وأصوله وكلياته وحلاله وحرامه ما يوثق به ؛ لاحتمال تطرق الكذب فيه واختلاقه جملة وتفصيلا ، حيث كانت نَقَلَتُه ممن يتواطأ على الكذب على الله ورسوله !!

سبحانك هذا بهتان عظيم !

نبرأ إليك ربنا منه ، نكفره ونرده ولا نقبله ، ونعوذ بك أن يرد على أذهاننا ، أو تستسيغه خواطرنا ، ونشهدك من أنفسنا على إجلال صحابة نبينا ، وأنهم أصدق الخلق لسانا ، وأعظمهم أمانة وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم سجية ، وأفضلهم عملا ، وأقربهم إلى الله وسيلة ، وأعظمهم إيمانا واعتقادا .

ولذلك كان من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة حب الصحابة والولاء لهم والشهادة لهم بالإيمان والفضل والصدق والصيانة والعفة والأمانة ، وأن الوقوع فيهم أو في أحد منهم مهلكة وزيغ عن صراط الله المستقيم :

روى الإمام أحمد (3589) بسند جيد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ " .

وقال الميموني : " قال لي أحمد بن حنبل: يا أبا الحسن إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام

" انتهى من "البداية والنهاية" (8 /148) .

وقال أبو زرعة الرازي : " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة

" .انتهى من "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي (ص 49) .

وقال أبو نعيم الحافظ رحمه الله :

" أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَصْحَابِهِ وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَيَخْفِضَ لَهُمُ الْجَنَاحَ ، فَمَنْ سَبَّهُمْ وَأَبْغَضَهُمْ وَحَمَلَ مَا كَانَ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ وَحُرُوبِهِمْ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ الْحَسَنِ ، فَهُوَ الْعَادِلُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْدِيبِهِ وَوَصِيَّتِهِ فِيهِمْ ، وَلَا يَبْسُطُ لِسَانَهُ فِيهِمْ إِلَّا مِنْ سُوءِ طَوِيَّتِهِ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ

" انتهى من "تثبيت الإمامة" (ص: 375)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" فالله عز وجل أعلم حيث يجعل رسالاته أصلاً وميراثاً ، فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك . وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأُمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم "

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص: 97).

وقال الله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) الفتح/ 29 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ انْتَزَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِتَكْفِيرِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ ، قَالَ : لِأَنَّهُمْ يَغِيظُونَهُمْ ، وَمَنْ غَاظَ الصَّحَابَةُ فَهُوَ كَافِرٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِمَسَاءَةٍ كَثِيرَةٌ ، ويكفيهم ثناء الله عليهم ، ورضاه عنهم

" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 362) .

وقال القرطبي رحمه الله : " مَنْ نَقَّصَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَبْطَلَ شَرَائِعَ الْمُسْلِمِينَ

" انتهى من "تفسير القرطبي" (16/ 297) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ الَّذِينَ قَامُوا بِالدِّينِ، تَصْدِيقًا وَعِلْمًا وَعَمَلًا، وَتَبْلِيغًا، فَالطَّعْنُ فِيهِمْ طَعْنٌ فِي الدِّينِ، مُوجِبٌ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ النَّبِيِّينَ.

وَهَذَا كَانَ مَقْصُودَ أَوَّلِ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةَ التَّشَيُّعِ ، فَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِبْطَالَ مَا جاءت به الرسل عن الله تعالى ، وَلِهَذَا كَانُوا يُظْهِرُونَ ذَلِكَ بِحَسَبِ ضَعْفِ الْمِلَّةِ ، فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدع الْمُضِلَّةِ

" انتهى من "منهاج السنة" (1/18) .

والذي نريد أن نؤكد عليه أن تطرق الشك في عدالة الصحابة وصدقهم طعن في الدين جملة وتفصيلا ، وهذا هو الكفر – عياذا بالله - .

فاستعذ بالله ، يا عبد الله من هذه الوساوس ، فليست أكثر من نزغ الشيطان في قلبك ليفسد عليك دينك ، وأكثر من ذكر الله ، وتلاوة القرآن ، وقراءة كتب الحديث النبوي ، والكتب المصنفة في فضائل الصحابة ، مثل فضائل الصحابة للإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ، والكتب المصنفة في سيرهم وحياتهم .

وننصحك بقراءة كتاب مختصر نافع جدا ، وهو " صورتان متضادتان لجهود النبي الأعظم " للعلامة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله ، وقد نشر مؤخرا ملحقا بمجلة الأزهر ، ويمكن الحصول عليه مصورا على الشبكة .

والله أعلم .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:17   رقم المشاركة : 71
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

أسأل عن الصحابي أبي هريرة , وحسب ما أفهمه , فقد روى عددا كبيرا من الأحاديث التي جمعت الآن في صحيحي البخاري ومسلم , وغيرهما . وفي عدد من الأحاديث المنقولة , قيل إن أبا هريرة وُبخ من قبل عائشة وعمر رضي الله عنهما لنقله معلومات لم يفهمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك , في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن ثلاثة يقطعون القبلة : الكلاب والحمر والنساء .

ومن الواضح أن عائشة رضي الله عنها صححت له بعد فترة ، وقالت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال : (إننا لسنا مثل اليهود الذين يقولون بأن ثلاثة أشياء تقطع القبلة : الكلاب والحمير والنساء) . كما أني قرأت أن أبا هريرة عاش في آخر حياته حياة رفاهية في قصر مع حاكم مشهور, ولم يكن حاله كحال العديد من الصحابة الجليلين الذين عاشوا حياة بساطة وماتوا وهم فقراء. إن المواضيع التي قرأتها في هذا الشأن أشكلت علي كثيرا. أهو ثقة في نقل الأحاديث؟

وهل عاش حياة لم يكن لغيره أن يعيش فيها, وبعيدة عن إمكانية الفساد؟

إذا كان عمر وعائشة رضي الله عنهما لا يكنان له احتراما, فلماذا وضعت كل هذه الأحاديث التي رواها في كتب الحديث الصحيحة؟ أنا أعلم أن الأئمة الذين جمعوا الأحاديث وضعوا معايير صارمة جدا . فكيف تمكنت رواياته من المرور عبر تلك المعايير؟ أرجو أن تساعدني .


الجواب :

الحمد لله

يظهر أنك قرأت في كتب الملاحدة ، أو قرأت في كتب المغرضين الحاقدين على الصحابة رضي الله عنهم .

لا شك أن أبا هريرة رضي الله عنه صحابي جليل ، صحِب النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من أربع سنوات ولازمه ملازمة كاملة ، يلازمه على ملء بطنه فيحضر وهم غائبون ، ويحفظ إذا نسوا ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ما يساعده على حفظ الأحاديث ، فلأجل ذلك حفظ أحاديث لم يحفظها غيره من الصحابة ، وكان يقول : إنكم تقولون أكثر علينا أبو هريرة ، والله الموعد ، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار ليشغلهم العمل في أموالهم ، وكنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله عليه الصلاة والسلام على ملء بطني أحفظ إذا نسوا ، وأحضر إذا غابوا ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة : إن من بسط ثوبه حتى أفرغ من مقالتي وضمه إليه كان ذلك سببا في بقاء حفظه. يقول أبو هريرة : فعلت ذلك فلم أنْسَ شيئا بعد ذلك .

كان رضي الله عنه يبيت أول الليل يدرس الأحاديث ويتذكرها ويكررها حتى لا ينساها ، وحتى يحفظ منها ما قد يخاف أن ينساه ، فلذلك حفظ الحديث الكثير الذي ما حفظه غيره .

أما حديث قطع الصلاة فلم ينفرد به بل رواه أيضا عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله رضي الله عنه ، إلا أن عائشة رضي الله عنها أنكرته ولم تنكر على أبي هريرة فقط ، بل أنكرت على عمر وابنه عبد الله لأنهم رووا الحديث ، ولم تستدل إلا بأنها كانت على السرير أمام الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يصلي في البيت وهو مظلم ، وقال العلماء بأن هذا لا يعتبر مرورا ، وأن القطع إنما يكون مرورا ، فإذا كانت على السرير وكان البيت مظلما لم يُسَمَّ هذا مرورا ، وانسلالها من السرير لا يسمى أيضا مرورا . ثم قد يقال أيضا : إن القطع في هذا الحديث ليس إبطالا للصلاة بالكلية بل ينقصها ، وأنه لا يلزم إعادة ما تقدم منها ، وسبب ذلك : أن القلب ينشغل بمرور ما سبق في الحديث ، وهذا الانشغال يفوّت على القلب شيئا من الإقبال على الصلاة فلذلك ينقص الأجر وهذا معنى القطع . ولم يُنقل عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على أبي هريرة هذا الحديث بل وافقه على روايته ، وكذلك ابنه عبد الله ....

ثم إن أبا هريرة ما عاش عيشة المترفين ، بل كان متقشفا حتى مات ، وقد أمّره معاوية على المدينة في عهده وقيل في عهد علي رضي الله عنه كان أميرا على المدينة فكان متواضعا ، فيذهب إلى البرية ليحتطب حتى يسترزق منها ، وكان إذا وصل إلى المدينة قال للناس : (أخروا عن الأمير) أي أفسحوا له الطريق تواضعا منه .

ولقد دأب كثير من الرافضة وغيرهم في التشكيك في أبي هريرة فجمعوا بعض الأحاديث التي رواها والتي تخالف عقولهم ومألوفاتهم ، وزعموا أنها من كذب أبي هريرة كحديث : (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) ، ولكن هذا الحديث رواه أيضا أبو سعيد وصححه كثير من العلماء . فننصحك بقراءة الكتب التي تذبّ عن أبي هريرة رضي الله عنه ككتاب ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ) ، وكتاب ( الأنوار الكاشفة) وغيرها من الكتب حتى تجد الجواب والصواب في أن أبا هريرة من حفاظ الصحابة .

والله أعلم











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:19   رقم المشاركة : 72
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

: إحدى الأخوات المسلمات سألتني سؤالاً فلم أستطع أن أجيبها ، قالت : طالما أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث سنوات فقط ، فكيف روى جميع هذه الأحاديث ؟ أرجو التفصيل ، وتدعيم الإجابة بالأدلة ، حتى أتمكن من الشرح لها وتفهيمها .

الجواب :


الحمد لله

أولاً :

ليس هذا محل إشكال على الإطلاق ، وإذا قمنا بعملية حسابية سريعة يتبين لنا أن هذا الإشكال لا حقيقة له .

وبيان ذلك : أن ثلاث سنوات من صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم تعني أكثر من (1050) يوماً .

وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة ، يصاحبه أينما حل وارتحل ، ويقضي معه معظم يومه ، كما أخبر هو عن نفسه رضي الله عنه ، وأقر له الصحابة بذلك ، فكم حديثاً نتوقع أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم ؟

لا نريد أن نبالغ في العدد المفترض كي يتقبل القارئ الحجة ، بل نفترض عدداً يقبله كل منصف يريد معرفة الحق لاتباعه ، ولتكن خمسة أحاديث في اليوم فقط ، ونعني بالأحاديث هنا خمسة مواقف ، فالحديث قد يكون قولياً ، وقد يكون فعلياً ، وقد يكون إقرارا من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل أو قول فعل أمامه أو بلغه ، وقد يكون الحديث وصفا للنبي صلى الله عليه وسلم .

فلو نقل أبو هريرة رضي الله عنه لنا فعلاً فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو حدثاً معيناً - ولو كيفية الخروج للصلاة - فهذا يعد حديثا في عرف المحدثين .

فلو فرضنا أن أبا هريرة رضي الله عنه سيسمع عند كل صلاة من الصلوات الخمس كلمة من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يشاهد موقفاً معيناً ، فستكون حصيلة العلم الذي يجمعه أبو هريرة رضي الله عنه في اليوم الواحد خمسة أحاديث فقط .

ولا نظن أن أحداً يزعم أن هذا عدد كبير لحال أي صديق مع صديقه ، فكيف بحال أبي هريرة رضي الله عنه المتفرغ للعلم ، وهو يصاحب أعظم الرسل ، وسيد البشر ، محمداً صلى الله عليه وسلم ؟

وعليه ؛ ففي آخر صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ستكون حصيلة الأحاديث أكثر من خمسة آلاف حديث .

وهكذا هي فعلا الأحاديث التي تروى عن أبي هريرة في كتب السنة ، نحو (5374) بحسب عددها في " مسند بقي بن مخلد " أضخم موسوعة حديثية مؤلفة ، نقلاً عن الدكتور أكرم العمري في كتابه " بقي بن مخلد ومقدمة مسنده " (ص/19).

فأين هي المبالغة المنسوبة لأبي هريرة رضي الله عنه في روايته للأحاديث ؟

نظن أن أي منصف يتأمل عدد مرويات أبي هريرة رضي الله عنه مع مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم يستنتج أنه لا صحة لهذه الزوبعة التي يثيرها البعض على مرويات أبي هريرة رضي الله عنه .

فكيف إذا علم القارئ الكريم أن الخمسة آلاف حديث المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل الصحيح والضعيف والموضوع ؟ يعني أن بعض هذه الأحاديث التي تُنسب لأبي هريرة رضي الله عنه لم تصح عنه من الأصل .

وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل المكرر الذي جاء بمتن ونص واحد ولكن تعددت أسانيده وطرقه ؟ فبعض الأحاديث تروى من عشرة طرق ونصها واحد ، فهذه يعدها العلماء عشرة أحاديث وليست حديثا واحداً .

وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً : أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة لم يأخذها كلها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، بل أخذ كثيراً منها عن إخوانه السابقين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ثم كيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنوات ، وليس ثلاثة فقط .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مدة صحبة أبي هريرة رضي الله عنه :

" قدم في خيبر سنة سبع ، وكانت خيبر في صفر ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ، فتكون المدة أربع سنين وزيادة ، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري" انتهى .

" فتح الباري " (6/608).

وأما إخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن نفسه أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ، كما وقع في "صحيح البخاري" (حديث رقم/3591) أنه قال : (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ سِنِينَ ، لَمْ أَكُنْ فِى سِنِىَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِىَ الْحَدِيثَ مِنِّى فِيهِنَّ) .

فهذا محمول على تقديره رضي الله عنه للمدة التي لازم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة ، واستثنى الأيام التي ابتعد فيها حين ذهب إلى البحرين ، أو في بداية إسلامه ، أو في أيام الغزوات ، حيث قد لا يتيسر له ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة ، وذلك بعد قدومهم من خيبر ، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعُمَرِه ؛ لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة ، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص ، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور ، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى ، والله أعلم " انتهى.

" فتح الباري " (6/608) .

فإذا تبين أن صحبة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنين ، وأسقطنا من عدد الأحاديث المروية عن أبي هريرة الأحاديث المكررة والضعيفة ، فأي محل يبقى لدعوى مبالغة أبي هريرة رضي الله عنه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ثانياً :

ثم ننقل هنا بعض ما كتبه علماؤنا رحمهم الله في توضيح أسباب كثرة روايات أبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة عن غيره من الصحابة رض الله عنهم .

قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :

"لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أسباب ، استخرجناها من عدة روايات :

أحدها : أنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وضبط أحواله ؛ لأجل أن يستفيد منها ، ويفيد الناس ، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله ، وكان أكثر الصحابة لا يجترئون على سؤاله إلا عند الضرورة ، وقد ثبت أنهم كانوا يُسَرُّون إذا جاء بعض الأعراب من البدو وأسلموا ؛ لأنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الدلائل على هذا السبب ما رواه عنه البخاري قال : قلت : يا رسول الله ! من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : ( لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث) .

وما رواه أحمد عن أُبيّ بن كعب : أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره .

ثانيها : أنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتبعه حتى في زيارته لنسائه وأصحابه ليستفيد منه ، ولو في أثناء الطريق ، فكانت السنين القليلة من صحبته له كالسنين الكثيرة من صحبة كثير من الصحابة الذين لم يكونوا يَرَوْنه صلى الله عليه وسلم إلا في وقت الصلاة ، أو الاجتماع لمصلحة يدعوهم إليها ، أو حاجة يفزعون إليه فيها ، وقد صرح بذلك لمروان .

وأخرج البغويّ بسند جيد - كما قال الحافظ ابن حجر - عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة :

أنت كنت أَلَزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه .

وفي " الإصابة " عنه أنه قال : أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث .

وعن طلحة بن عُبيد الله : لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما لم نسمع .

ثالثها : أنه كان جيد الحفظ قوي الذاكرة ، وهذه مزية امتاز بها أفراد من الناس كانوا كثيرين في زمن البداوة ، وما يقرب منه ؛ إذ كانوا يعتمدون على حفظهم ، ومما نقله التاريخ لنا عن اليونان أن كثيرين منهم كرهوا بدعة الكتابة عندما ابتدءوا يأخذونها ، وقالوا : إن الإنسان يتكل على ما يكتب فيضعف حفظه ، وإننا نفاخر بحفاظ أمتنا جميع الأمم ، وتاريخهم ثابت محفوظ ، قال الإمام الشافعيّ : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ، وقال البخاري مثل ذلك ، إلا أنه قال : عصره . بدل دهره .

وأعظم من ذلك ما رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي هريرة : أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه .

رابعها : بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بعدم النسيان ، كما ثبت في حديث بسط الرداء المتقدم – وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة : (ابْسُطْ رِدَاءَكَ . فَبَسَطْهُ . فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ضُمّهُ . قال أبو هريرة : فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) رواه البخاري (119) - وهو مروي من طرق متعددة في الصحاح والسنن .

خامسها : دعاؤه له بذلك كما ثبت في حديث زيد بن ثابت عالم الصحابة الكبير رضي الله عنه عند النسائي ، وهو : ( أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله ، فقال له زيد : عليك بأبي هريرة ، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ، ندعو الله ونذكره ، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال : عودوا للذي كنتم فيه . قال زيد فدعوت أنا وصاحبي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا ، ودعا أبو هريرة فقال : إني أسألك

مثل ما سأل صاحباي ، وأسألك علمًا لا يُنسى , فقال : سبقكم بها الغلام الدوسي ) – قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (4/208) : إسناده جيد -.

سادسها : أنه تصدى للتحديث عن قصد ؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره ، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم أو فتوى أو استدلال ، والمتصدي للشيء يكون أشد تذكرًا له ، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة ؛ لأنه يقصد التعليم لذاته ، وهذا السبب لازم للسبب الأول من أسباب كثرة حديثه .

سابعها : أنه كان يحدث بما سمعه وبما رواه عن غيره من الصحابة كما تقدم ، فقد ثبت عنه أنه كان يتحرى رواية الحديث عن قدماء الصحابة ، فروى عن أبي بكر وعمر ، والفضل بن العباس وأُبيّ بن كعب ، وأسامة بن زيد وعائشة ، وأبي بصرة الغفاري ، أي : أنه صرح بالرواية عن هؤلاء، ومن المقطوع به أن بعض أحاديثه التي لم يصرح فيها باسم صحابي كانت مراسيل ؛ لأنها في وقائع كانت قبل إسلامه ، ومراسيل الصحابة حجة عند الجمهور .

فمن تدبر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة ، ولم ير استنكار أفراد من أهل عصره لها موجبًا للارتياب في عدالته وصدقه ؛ إذ علم أن سبب ذلك الاستنكار عدم الوقوف على هذه الأسباب .

على أن جميع ما أخرجه البخاري في صحيحه له (446) حديثًا ، بعضها من سماعه ، وبعضها من روايته عن بعض الصحابة ، وهي لو جمعت لأمكن قراءتها في مجلس واحد ؛ لأن أكثر الأحاديث النبوية جمل مختصرة .

فهل يستكثر عاقل هذا المقدار على مثل أبي هريرة أو من هو دونه حفظًا ، وحرصًا على تحمل الرواية وأدائها؟!" انتهى باختصار.

"مجلة المنار" (19/25) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:25   رقم المشاركة : 73
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

لماذا يُطلق على اسم فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لقب الزهراء؟ وهل من دليل عليه؟

الجواب :

الحمد لله

أطلق كثير من أهل العلماء لقب " الزهراء " على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنها ، منهم ابن حبان البستي ، والخطيب البغدادي ، وابن عبد البر ، وابن الأثير ، وابن حجر، وغيرهم . ومعناه عندهم : المشرقة البيضاء المستنيرة ، والرجل أزهر والمرأة زهراء .

وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ " .

رواه البخاري (3547) ، ومسلم (2330) .

قال النووي رحمه الله :

" قَوْله : ( أَزْهَر اللَّوْن ) هُوَ الْأَبْيَض الْمُسْتَنِير , وَهِيَ أَحْسَن الْأَلْوَان " انتهى .

وقال الحافظ رحمه الله :

" أي أبيض مشرب بحمرة " انتهى .

وهذا مجرد وصف ومدح ، فالذي أطلق على فاطمة رضي الله عنها هذا اللقب من العلماء أراد أنها كأبيها صلى الله عليه وسلم في الجمال وحسن الصورة .

ولا نعلم دليلا شرعيا على هذا اللقب ، كما لا نعلم أحدا من أصحاب القرون المفضلة أطلق هذا اللقب عليها رضي الله عنها .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله

" فاطمة الزهراء: الزهراء: المرأة المشرقة الوجه ، البيضاء المستنيرة ، ومنه جاء الحديث في سورة البقرة وآل عمران: (الزهراوان) أي: المنيرتان.
ولم أقف على تاريخ لهذا اللقب لدى أهل السنة " .

انتهى من "معجم المناهي اللفظية" (ص 401) .

وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

لماذا لقبت فاطمة رضي الله عنها بالزهراء ؟ وهل لهذا اللقب قصة ؟

فأجاب : " والله ما أعرف شيئا منها ، ولكن هذا مدح ، الزهراء يعني من النور وأن لها نورا " انتهى .

أما ما يذكره الشيعة في سبب ذلك أن وجهها كان يزهر لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه من أول النهار كالشمس الضاحية. وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري.

وكذا ما يذكرونه من كونها كانت لا تحيض : فباطل لا أصل له .

والخلاصة :

وهذا مجرد وصف ومدح ، ولا نعلم دليلا شرعيا على هذا اللقب ، كما لا نعلم أحدا من أصحاب القرون المفضلة أطلق هذا اللقب عليها رضي الله عنها .

والله تعالى أعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:28   رقم المشاركة : 74
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

أرجو أن تخبرنا عن شيء من أخبار فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وعن مكانتها وبعض مواقفها في التاريخ الإسلامي ...

الجواب

الحمد لله

فاطمة بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرشية الهاشمية ، وأم الحسنين .

مولدها قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل ، وتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موقعة بدر .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ، وكانت صابرة ديِّنة خيِّرة صيِّنة قانِعة شاكِرة لله .

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حزِنت عليه ، وبكت عليه ، وقالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه ! أجاب رباً دعاه ، يا أبتاه في جنة الخلد مثواه .

وكانت فاطمة أشبه الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها ، وكذلك كانت هي تصنع به .

وعاشت فاطمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ، ودفنت ليلاً . قال الواقدي : هذا أثبت الأقوال عندنا . قال : وصلى عليها العباس . ونزل في حفرتها هو وعليّ والفضل .

وكان لها من البنين ، الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ومن البنات ، أم كلثوم ، التي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب التي تزوجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .

عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْحَبًا بِابْنَتِي ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ . فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلا أُرَاهُ إِلا حَضَرَ أَجَلِي . وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي . فَبَكَيْتُ . فَقَالَ : أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ ) رواه البخاري( المناقب/3353) .

ومن المواقف التي ظهر فيها فضلها ما ثبت في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض : أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ . فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ . قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ ....) رواه البخاري(233)ومسلم(3349) ، ومن فضائلها ما ثبت أيضاً في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي ) رواه البخاري(3437) ومسلم(4483)

والله أعلم .

انظر نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء 1/116

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-21, 06:32   رقم المشاركة : 75
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

هناك قصة يتداولها العوام ، ولعلها من قصص الشيعة ، بأن عثمان رضي الله عنه كان يدعو الناس للطعام سوى فاطمة وعلي لأنهم كانوا فقراء . وينشد الناس الأناشيد والقصائد حول هذه القصة . سؤالي هو :

إذا صدّق المرء مثل هذه القصص فهل يكفر ، وهل يجب عليه التلفظ بالشهادة من جديد ؟ الشطر الثاني من السؤال : إذا كفر المرء بجميع الصحابة وتكلم ضدهم فماذا عنه ؟


الجواب :


الحمد لله

ما يتداوله الأفاكون من أن عثمان رضي الله عنه كان يدعو الناس إلى طعامه دون عليّ وفاطمة رضي الله عنهما من الكذب البيّن ، والباطل السمج الذي ينادي على صاحبه بالخذلان ؛ وبيان ذلك بما يلي :

أولا : هذا الباطل السمج لا يعرف له أصل ، لا بسند صحيح ولا ضعيف ، وإنما افتراه من اعتاد افتراء الكذب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : أن عثمان رضي الله عنه هو زوج أختَيْ فاطمة : رقية ثم أم كلثوم رضي الله عنهن ، وقد قال ابن كثير رحمه الله :
" تزوَّج عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُقَيَّةَ ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا . ثُمَّ رَجَعَا إِلَى مَكَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا وَهَاجَرَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَتُوُفِّيَتْ وَقَدِ انْتَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بِبَدْرٍ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ .
وَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ بِالنَّصْرِ إِلَى الْمَدِينَةِ - وَهُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - وَجَدَهُمْ قَدْ سَاوَوْا عَلَى قَبْرِهَا التُّرَابَ ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَقَامَ عَلَيْهَا يمرِّضها بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ، ولما رجع زوَّجه بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ أَيْضًا ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو النُّورَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَلَمْ تَلِدْ لَهُ شَيْئًا .

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم ( لَوْ كَانَتْ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لزوَّجتها عُثْمَانَ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم ( لَوْ كُنَّ عَشْرًا لزوَّجتهن عُثْمَانَ ) " انتهى من " البداية والنهاية " (5/330) .

فمن كان بهذه المثابة كيف يمكن أن يعامل ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي هي أحب بناته إليه - ويعامل زوجها هذه المعاملة ؟

ثالثا : أن ما كان معروفا عن عثمان رضي الله عنه من الكرم ومحبة الإنفاق في سبيل الله ، وحسن الخلق والحياء الذي تميز به : يقطع ببطلان هذا الكذب الذي لا أصل له .

رابعا : أن العلاقة التي كانت تربط عثمان بعليّ رضي الله عنهما كانت علاقة محبة في الله وأخوة إسلامية ، ولم يكن بينهما شيء يدفع ذلك ، وما وقع بينهما من خلاف فمعتاد بين الإخوة ، لم يعكر عليهما صفو محبتهما وأخوتهما .

ثانيا :

إذا سمع أحد مثل هذا الباطل فصدقه ، فإنه لا يكفر بمجرد ذلك ، فقد يكون جاهلا يظنه صحيحا ، وقد يكون غافلا عن تلك الأمور ، لا دراية له بمثلها .

وعلى كل : فالواجب على المسلم أن يراعي حرمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن في بغضهم الهلكة ، وفي الوقيعة فيهم أعظم الخسار ، وخاصة الكبار .

قال النسائي صاحب السنن رحمه الله :

" إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلا

م " انتهى من " تهذيب الكمال " (1/339) .

ثالثا :

إذا أبغض الشخص جميع الصحابة ، وتكلم فيهم ، وتنقصهم وعابهم ، فهو كافر ، فإن الصحابة رضي الله عنهم هم حملة الشريعة ، فمن عابهم جميعا فقد أسقط حرمة الشرع وتكاليفه ، ولا يبغضهم إلا من أبغض الدين جملة .

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

" ثمَّ الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي سبّ بَعضهم ، أما سبّ جَمِيعهم فَلَا شكّ أَنه كفر ، وَكَذَا سبّ وَاحِد مِنْهُم من حَيْثُ هُوَ صَحَابِيّ [ أي سبه وبغضه لأجل صحبته ] ؛ لِأَنَّهُ استخفاف بالصحبة ، فَيكون اسْتِخْفَافًا بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل قَول الطَّحَاوِيّ : " بغضهم كفر" ، فبغض الصَّحَابَة كلهم ، وبغض بَعضهم من حَيْثُ الصُّحْبَة : لَا شكّ أَنه كفر ، وَأما سبّ أَو بغض بَعضهم ، لأمر آخر : فَلَيْسَ بِكفْر

" انتهى من " الصواعق المحرقة " (1/ 135-136) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc