هل خرج محمد بن عبد الوهاب عن الخلافة العثمانية ؟ [مجموعة من العلماء] - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

هل خرج محمد بن عبد الوهاب عن الخلافة العثمانية ؟ [مجموعة من العلماء]

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-10-21, 12:37   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (7):

هل خرج الوهابية على الخلافة العثمانية؟
https://azeytouna.net/index.php/2012-...53/item/5392-7

يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف (في دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص233-240): "ادعى بعض خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد خرج على دولة الخلافة العثمانية، ففارق بذلك الجماعة، وشق عصا السمع والطاعة… وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة، فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف. يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم: (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه). ويقول أيضاً: (الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبداً حبشياً فبين الله له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير من يدعي العلم، فكيف العمل به). وصرح الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله باعتقادهم في هذه المسألة فقال: (ونرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية). وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله فإننا نشير إلى مسألة مهمة جواباً عن تلك الشبهة، فهناك سؤال مهم هو: هل كانت نجد موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟ يجيب الدكتور صالح العبود على هذا السؤال فيقول: (لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان، الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها (قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان) يعني قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر (الديوان) ألفها – يمين علي أفندي – الذي كان أميناً للدفاتر الخاقاني سنة 1018هـ الموافقة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثون إيالة، منها أربع عشرة إيالة عربية، وبلاد نجد ليست معها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد..). ويقول الدكتور عبد الله العثيمين: (ومهما يكن فإن نجداً لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قوياً بفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت، فلا نفوذ بني جبر، أو بني خالد في بعض جهاتها، ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي، فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة، والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حاداً عنيفاً)... فإذا كانت نجد - محل ظهور وانطلاق هذه الدعوة - ليست تحت سيطرة العثمانيين، فكيف ترد هذه الشبهة ويظن أن الشيخ قد خرج على دولة الخلافة ؟. واستكمالاً لهذا المبحث نذكر بعض جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على ذلك الاعتراض، يقول الشيخ عبد العزيز: (لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …). ويجيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي على من ادعى أن هذه الدعوة حركة انقلابية المراد منها خلع الخليفة العثماني، وإعادة الخلافة إلى العرب، فكان مما قاله: (لم يكن ليخطر على بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن ينقلب على خليفة المسلمين ولا مرّ بخاطره ذلك.. ولكن الملتفين حول الخليفة إذ ذاك من الطرقيين المتصوفة قلبوا له الأخبار، وشوهوها، ليوغروا صدر الخليفة عليهم، وحرضوه عليهم بحجة أنهم أهل حركة انقلابية على الخليفة نفسه، تقصد إرجاع الخلافة إلى العرب.. مع أن من صميم عقيدة الشيخ رحمه الله التي هي العقيدة الإسلامية الحقة أنه لا تنقض الأيدي من طاعة الخليفة القائم إلا أن يروا فيه كفراً بواحاً صراحاً، ولم ير الشيخ شيئاً من هذا حتى يدعو الناس إلى خلع الخليفة، حتى ولو كان الخليفة فاسقاً في ذاته، إن لم يصل فسقه إلى درجة الكفر البواح الصراح، فلا يجوز الانقلاب عليه، ولا الانتقاض على حكمه، وأن الشرع يخالف القيام على السلطان إلا في حالات الكفر البواح الصراح، حتى وإن الحركة – من أولها إلى آخرها – لم يكن للخليفة والخلافة أي علاقة في الدعوة ألبتة، حتى ولما استتب لهم الأمر في نجد والحجاز، أنهم انتقضوا على الخليفة، ولم يكن للخليفة ذكر قط في مراحل الدعوة..). يتبين – من خلال النصّيْن السابقين – جانب من موقف الشيخ من دولة الخلافة فليس هناك عداء أو خصومة لدولة الخلافة. ولذا يقول الدكتور عجيل النشمي: (نستطيع القول باطمئنان أن كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها تصريح بموقف عدائي ضد دولة الخلافة. - ويقول أيضا: ولم نعثر على أي فتوى له تكفر الدولة العثمانية بل حصر افتاءاته في البوادي القريبة منه التي كان على علم بأنها على شرك..). بل – كما يقول النشمي – أن موقفه من دولة الخلافة هو موقف الناصح الآمر بالمعروف، المنكر لما يخالف الشرع دون أن يتعداه إلى الصدام المسلح، بل كان يتجنبه ويتحاشاه، كما هو واضح في موقفه من الأشراف الذين يحكمون الحجاز باسم دولة الخلافة. ويذكر النشمي بعض الأحداث التاريخية – في زمن الشيخ – التي تثبت ما كان عليه الشيخ الإمام من نبل الموقف، وتقدير الدولة العثمانية وإجلالها... وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة، وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته، كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون".

أقول: هذا الكلام الذي سماه صاحبه بالبراهين العلمية الواضحة والحقائق التاريخية ليس إلا مجموعة مغالطات لا تمتّ إلى البحث العلمي النزيه بصلة. وإليك الدليل:

1.الوهابية حركة دينية سياسية أسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب واستمرت بعده إلى يومنا هذا، فليست محصورة في شخص المؤسس حتى يستدلّ على موقفها من دولة الخلافة العثمانية من كتابات المؤسس فقط بل يجب أن ينظر إلى الثقافة الوهابية ككلّ وتاريخها من خلال مواقف رجالها كلّهم الذين ورثوا دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب وساروا على نهجه. فالكاتب يدافع عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويؤكّد لنا أنّه لم يكفّر الخلافة العثمانية ولم يكن عدوا لها، ولكنه نسي الحروب التي شنّها أمراء الوهابية على الخلافة ومنهم سعود الذي تحدّى "الدولة العثمانية تحديا صارخا وحاربها، وانتصر عليها خلال فترة من الزمن" (تاريخ البلاد العربية السعودية، للدكتور منير العجلاني، ج2 ص10)، ونسي علماء الوهابية الذين كفروا الخلافة العثمانية ومنهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف القائل (في الدرر السنية، ج9 ص429): "من لم يعرف كفر الدولة [أي الخلافة العثمانية]، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله، فإن اعتقد مع ذلك: أن الدولة مسلمون، فهو أشد وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله، وأشرك به، ومن جرهم وأعانهم على المسلمين بأي إعانة فهي ردة صريحة". فهل خالف هؤلاء الوهابية منهج شيخهم أم ساروا على نهجه؟
لقد حاول بعض العلماء من قبل الدفاع عن شخص الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونصرة الحركة الوهابية، إلا أنّهم اصطدموا بحقائق لا يستطيع باحث نزيه تجاهلها وإنكارها. ومن هؤلاء العلماء، الشيخ السيد محمود شكري الألوسي (ت1342هـ\1924م) الذي كان مناصرا لدعوة الشيخ ابن عبد الوهاب فأثنى عليه وعلى حركته في كتاب سماه "تاريخ نجد"، إلا أنه لم يستطع تجاهل بعض الحقائق فسلّم بها قائلا (ص94): "ثم خلف عبد العزيز (سعودا) وهو أيضا قد قاد الجيوش على الخيل العتاق والركائب النجب، وأذعنت له صناديد العرب، وذلت له رؤساؤهم، بيد أنه منع الناس عن الحج، وخرج على السلطان، وغالى في تكفير من خالفهم...". فإن سلمنا جدلا أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب لم يخرج على الخلافة، فهل يعني هذا أنّ غيره من أمراء آل سعود لم يخرجوا على الخلافة؟ والجواب: قطعا لا، لأنّ التاريخ يثبت لنا بيقين أنّ أمراء الدولة الأولى (عبد العزيز وسعود وعبد الله) حاربوا الدولة العثمانية وغزوا مناطق تابعة لها. فهل خالف هؤلاء منهج الشيخ ابن عبد الوهاب أم ساروا على نهجه؟ قال ابن غنّام (في تاريخ نجد، ص89-90): "وقد بقي الشيخ [أي ابن عبد الوهاب] بيده الحلّ والعقد، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير، ولا يركب جيش ولا يصدر رأي من محمد بن سعود ولا من ابنه عبد العزيز إلا عن قوله ورأيه. فلما فتح الله الرياض... واتسعت ناحية الإسلام، وأمنت السبل، وانقاد كل صعب من باد وحاضر، جعل الشيخ الأمر بيد عبد العزيز بن محمد بن سعود، وفوّض أمور المسلمين وبيت المال إليه، وانسلخ منها، ولزم العبادة وتعليم العلم، ولكنّ عبد العزيز لم يكن يقطع أمرا دونه، ولا ينفذّه إلا بإذنه". فقد كان الشيخ ابن عبد الوهاب على علم بسياسة الدولة وهو الذي حدّد أهدافها ومنهجها ونظامها.

2.يصوّر لنا الكاتب حركة الشيخ ابن عبد الوهاب كحركة علمية تثقيفية دعوية تعنى بنشر التوحيد والعلم الشرعي في مناطق سادها الجهل والشرك؛ ولهذا فإنّ الحركة الوهابية لم تهدد نفوذ دولة الخلافة ولم تساهم في هدمها. وهذا الكلام يخالف الحقيقية.

· قال لويس دو كورانسي (في: الوهابيون: تاريخ ما أهمله التاريخ، ص96): "... مات عبد العزيز [سنة1803م] في الوقت الذي دخل فيه مكة منتصرا فأصبح سيد الجزيرة العربية، وأصاب السلطنة العثمانية بأخطر الضربات. والوهابيون مدينون لهذا القائد بانتصاراتهم الأولى. فهو أول من زعزع بصورة علنية حكم السلطان [أي الخليفة] في آسيا، بعد أن انهار في أوروبا، حيث ما زالت بعض المصالح السياسية تسنده".

· وقال السفير السعودي محمد الفهد العيسى (في الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى، ص81-82): "... توحدت دولة عربية مسلمة بزعامة سعود بن عبد العزيز، مملكة موحدة من نجد والحجاز واليمن وعمان، دولة شاسعة الأطراف، شعارها التوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... اضطربت الدولة العثمانية اضطرابا شديدا لتوحيد جزيرة العرب تحت لواء الدرعية، والدعوة الحازمة، وشعرت بالخوف لا على مقامها في جزيرة العرب فحسب، بل خشيت تقلص سيادتها في مصر وسورية والعراق".

· وقالت الدكتورة مديحة أحمد درويش (في تاريخ الدولة السعودية، ص49): "... قامت الدولة السعودية بطرد القاضيين التركيين من مكة والمدينة وبذلك قضت على أي نفوذ روحي للخليفة العثماني على الحرمين، كما أمر الأمير سعود بإخراج من كان في مكة من الجنود والترك، وقد أثر كل هذا بدوره على مركز السلطان العثماني الديني وأحرج موقفه أمام العالم الإسلامي".

· وقال اليكسي فاسيلييف (في تاريخ العربية السعودية، ص110): "إن تمرد الوهابيين على الإسلام العثماني، كما بينت الأحداث، قد تجاوز كثيرا الإطار الديني واتسم بطابع سياسي عسكري. لقد كان ذلك صداما بين نظام الدولة العربي في الجزيرة وبين الإمبراطورية العثمانية. وصارت راية للحركة الوطنية العربية ضد النفوذ العثماني في الجزيرة".
· وقال الدكتور عبد الفتاح حسن أبو علية (في محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، ص43): "وتكون الدولة السعودية الأولى بعد دخولها الأحساء قد شكلت خطرا كبيرا يهدد النفوذ العثماني في المنطقة. وكان هذا مؤشرا لقيام صراع طويل ومرير بين الدولة السعودية والدولة العثمانية متمثلا لك في ولاية العراق ثم في الولايات العثمانية العربية الأخرى كولاية الشام وولاية مصر".

· وقال الدكتور فائق حمدي طهبوب (في بحث: الحملة العثمانية على شرقي الجزيرة العربية عام 1871م، ضمن كتاب: الصلات التاريخية بين الخليج العربي والدولة العثمانية، ص251): "وعندما ظهرت الحركة الوهابية في نجد أتت بمفاهيم جديدة تشكل خطرا على فكرة الخلافة العثمانية، ومما زاد الأمر إثارة أن السعوديين استطاعوا إدخال منطقة الأحساء التي تطل على الخليج العربي ضمن أقاليم دولتهم عام 1795 مما أثار حفيظة الدولة العثمانية، فحاولت استرجاعها من السعوديين أكثر من مرة ولكنها فشلت في ذلك".

· وقال آلويس موسيل (في آل سعود: دراسة في تاريخ الدولة السعودية، ص84): "أصبحت في عام 1810م (1225هـ) مناطق عسير والجزء الشمالي من اليمن، ونصف الجزء الغربي من عمان تابعة للدولة السعودية، كما تمكن في هذه الأثناء من إجبار شريف مكة والذي كان آنذاك يقيم في جدة على التبعية له. ونظرا لأن مكة والمدينة كانتا منذ عام 1806م (1220هـ) تابعتين لسعود بن عبد العزيز، فقد أصبح يلقب "خادم الحرمين الشريفين" وبذلك فهو إمام جميع المسلمين؛ إذ إن من تتبع له مكة والمدينة يكون قد حقق أول شروط استحقاق لقب الخليفة. وصل في هذه الأثناء سلطان سعود بن عبد العزيز إلى ذروته، لقد أصبحت جزيرة العرب كلها ليس اسميا فقط وإنما فعليا تحت حكمه....".

فالشيخ ابن عبد الوهاب لم يكن مجرّد عالم يدعو إلى العلم الشرعي بل أسّس دولة (ينظر المقال الأول والثاني) أصابت – وفق تعبير لويس دو كورانسي – " السلطنة العثمانية بأخطر الضربات".

3.ينقل الكاتب عن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز قوله: "والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى...". ومراد الكاتب أن يبيّن لنا أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان معترفا بالخلافة العثمانية ولم يخطر بباله "أن ينقلب على خليفة المسلمين ولا مرّ بخاطره ذلك"، ولم يفعل الشيخ سوى رفع لواء الجهاد لتطهير نجد وما حولها من الشرك والمشركين. ولكن، هل يجوز في فقه الشيخ ابن عبد الوهاب الجهاد دون إذن الإمام؟

· قال الشيخ الدكتور صالح الفوزان (في شرح عقيد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، ص121): " الشرط الثاني: أن يكون الجهاد تحت راية يعقدها ولي أمر المسلمين، وليس كلّ يجاهد، وكلّ يقاتل، وكلّ يكوّن له جماعة، هذا لا يجوز في الإسلام... ولهذا قال الشيخ: (وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام)، أي: إمام للمسلمين يقودهم وينظمهم، ويشرف عليهم، ويعدّ العدّة ويسلّحهم، لا بدّ أن يكون الجهاد تحت راية الإمام وبأمره حتى ينجح الجهاد، أما إذا كان بدون إمام وبدون راية فإنه يؤول إلى الفشل في النهاية، فقوله (مع كل إمام)، دل على أنه يشترط وجود الإمام الذي يقاتل تحت رايته".
· وقال عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وحسن بن حسين، وسعد بن حمد بن عتيق، ومحمد بن عبد اللطيف (في الدرر السنية، ج9 ص95-96): "ورأينا أمرا يوجب الخلل على أهل الإسلام، ودخول التفرق في دولتهم، وهو الاستبداد من دون إمامهم، بزعمهم أنه بنية الجهاد، ولم يعلموا أن حقيقة الجهاد ومصالحة العدو، وبذل الذمة للعامة، وإقامة الحدود، أنها مختصة بالإمام، ومتعلقة به، ولا لأحد من الرعية دخل في ذلك، إلا بولايته؛ وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الجهاد، فأخبر بشروطه بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق الكريمة، وأطاع الإمام، وياسر الشريك، فهو المجاهد في سبيل الله" والذي يعقد له راية، ويمضي في أمر من دون إذن الإمام ونيابته، فلا هو من أهل الجهاد في سبيل الله".

· وقال الدكتور حمد بن إبراهيم العثمان (في الجهاد أنواعه وأحكامه والحدّ الفاصل بينه وبين الفوضى، ص151-153): "وحاصل الأمر كما قال موفق الدين أبو محمد المقدسي رحمه الله: (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده)... قال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله... (إنّ الله يخاطب الإمام، إمام الأمة، لا أنه يخاطب كل واحد، ولهذا قال: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}، وهذا الرجل إذا خرج بدون إذن الإمام خارج عن الجماعة، ومخطئ على نفسه... ولهذا قال العلماء: يحرم الغزو بدون إذن الإمام)... وكذلك استدلّ بعضهم بقول العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله بأن الجهاد لا يشترط له إذن الإمام، وأذّكر أولا بأن أئمة الدعوة يستدل لهم لا يستدل بهم، ثم لا بدّ من معرفة المحامل التي خرج عليها كلام ذلك الإمام، ولا بدّ من تلمح أن الدولة السعودية اختطف إمامها إبراهيم باشا نائب الدولة العثمانية، وذهب به إلى مصر، فحينئذ لا يقال لرجال الدولة السعودية لا جهاد، لأن إمامكم غير موجود. كما أن سائر أئمة الدعوة جميعا يقولون باشتراط إذن الإمام للجهاد، وأئمة الدعوة يتوافقون لأن مصادر تلقيهم واحدة الكتاب والسنة بفهم السلف، فلماذا يعرض هذا البعض عن إجماع أئمة الدعوة، ويتعسّف لكلام إمام منهم مقطوعا عن المحامل التي خرج عليها؟!... وقد تلمح شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله مقاصد الداعين للقتال بدون إذن الإمام، فقال: (لو جاز للناس أن يغزو بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مُكّن الناس من ذلك لحصلت مفسدة عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضا لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام)".

إذن فنحن أمام "إجماع لأئمة الدعوة" (الوهابية\السلفية) بأنه لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام. وبناء عليه نسأل "أئمة الدعوة": قلتم إنّ من عقيدة الشيخ ابن عبد الوهاب "وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم"، وإنّه لم يخرج على الخلافة، فهل أخذ الشيخ إذن الإمام أو نائبه للجهاد؟

والجواب – كما يعلمه "أئمة الدعوة" - : لم يأخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذن الإمام بل كوّن دولة وعقد له راية ومضى في أمر القتال وفتوح البلدان وجمع الأنفال والفيء والزكاة وتوزيعها من دون إذن الإمام أي الخليفة. قال ابن بشر (في عنوان المجد في تاريخ نجد، ج1 ص45-46): "ثم أمر الشيخ [أي محمد بن عبد الوهاب] بالجهاد لمن عادى أهل التوحيد وسبه وسب أهله، وحضهم عليه فامتثلوا... فأغاروا أظنه على بعض الأعراب فغنموا ورجعوا... فكانت الأخماس والزكاة وما يجبى إلى الدرعية من دقيق الأشياء وجليلها، كلّها تدفع له يضعها حيث يشاء". فهل يصدق عليه قول الشيخ العثيمين: "وهذا الرجل إذا خرج بدون إذن الإمام خارج عن الجماعة"؟

4.هناك حقيقة تاريخية ثابتة بيقين لا ينكرها أحد، وهي وجود دولة في نجد وما حولها يسميها السعوديون بالدولة الأولى (ينظر المقال الأول والثاني) أسسها محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود سنة (1157هـ/1744م)، وهناك حقيقة تاريخية أخرى ثابتة أيضا بيقين لا ينكرها أحد، وهي وجود دولة عثمانية في ذلك الزمن تعرف لدى المسلمين بأنها خلافة إسلامية. فكيف نفسّر قيام دولة وهابية\سعودية بجانب دولة الخلافة؟

يجيبنا بعض علماء الوهابية بقولهم: لم تكن نجد تحت سيطرة الدولة العثمانية. هذا جوابهم، وهو جواب من يتهرّب من الحقيقة التاريخية والشرعية.

فالحقيقة التاريخية، أنّ الدولة الوهابية\السعودية لم تقتصر على نجد بل افتكّت مناطق تابعة للدولة العثمانية وخاضعة لسيطرتها في الحجاز والشام والعراق. قال محمد بن عمر الفاخري (في تاريخه، ص167-171): "وفي سنة 1222هـ... وفيها حج سعود بالناس وقدم المدينة وأخذ شيئا مما في الحجرة [النبوية]. وفيها حججت حجة الإسلام وحج أخي إبراهيم، ولم يحجّ أحد من أهل الأقطار الشاسعة. وفي سنة 1223ه غزا سعود مغزى كربلاء الثاني... ثم وصلوا أشثاثا [بالعراق] وأخذوها ثم رجعوا. وفيه حج سعود بالناس ولم يحج أحد من أهل الأقطار سوى شرذمة قليلة من أهل المغرب وشرذمة قليلة من العجم... وفي سنة 1225هـ... وفيها غزوة الشام، وصل سعود – رحمه الله – إلى قصر المزيريب ونزل في عين البجّة، ثم نزل عند بصرى وغنم ما شاء الله ثم رجع... وفيها حج سعود بالناس حجته السابعة وأوعب معه رعيته للحج، ولم يحج غيرهم أحد...". فالدولة الوهابية\السعودية لم تقتصر على نجد بل بسطت سيطرتها على مناطق تابعة للخلافة كمكة والمدينة، وتحدت سلطة الخلافة فمنعت الناس من الحج فلم يحج أحد سوى سعود ورعيته، ولم تكتف بذلك بل "غزت" العراق والشام. فهذه الأحداث التاريخية ليست من نسج الخيال ولم يختلقها أعداء الدعوة الوهابية بل هي حقيقة تاريخية ذكرها مؤرخو الدعوة الوهابية وأتباعها كالفاخري.

وأما الحقيقة الشرعية فتتمثّل في جواب سؤال: ما هو حكم الشرع في قيام دولة إسلامية بجانب دولة إسلامية أخرى؟
والجواب نأخذه من فقه الدعوة الوهابية: قال الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف في رسالة إلى جمع من المشايخ (في الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ج9 ص78-80): "... ومن شعارهم: أنّ مخالفة ولي الأمر، وعدم الانقياد له فضيلة، وبعضهم يجعله دينا، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأمر بالصبر على جور الولاة، والسمع والطاعة، والنصيحة لهم، وغلظ في ذلك، وأبدى وأعاد. وهذه: هي التي ورد فيها، ما في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنّ الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم"، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ولم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم، إلا من الإخلال بهذه الوصية، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بسمع وطاعة". فليتأمل: من أراد نجاة نفسه هذا الشرط، الذي لا يوجد الإسلام إلا به، ومع ذلك استحسن الواقع من استحسنه، وأجاز نصب إمامين، وأثبت البيعة لاثنين، كأنه لم يسمع في ذلك نص: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما؛ أوفوا ببيعة الأول فالأول؛ وما قاله الفاروق رضي الله عنه، في بيعة أبي بكر رضي الله عنه عنهما، لما قال الأنصار – أهل السقيفة – منا أمير ومنكم أمير؛ وما ذهب إليه الحكمان، في شأن علي ومعاوية رضي الله عنهما. فلو كان جائزا في دينهم نصب إمامين، لأقرا عليا على الحجاز والعراق، وأقرا معاوية على مصر والشام، ولكن لم يجدا مخرجا إلا بخلع أحدهما، مع أن عليا رضي الله عنه، لم يقاتل معاوية وأهل الشام، إلا لأجل الجماعة، والدخول في الطاعة، وكان محقا في ذلك رضي الله عنه. وما ذهب إليه الحسن، في خلع نفسه، فلو رأى ذلك جائزا له، لاقتصر على الحجاز والعراق، وترك معاوية وما بيده، لكن لما علم أن ذلك لا يستقيم إلا بخلع أحدهما، آثر الباقي وغض الطرف عن الفاني، وخلع نفسه. وكذلك ما قاله إمام هذه الدعوة النجدية، الشيخ محمد رحمه الله تعالى، لما أراد عبد العزيز: أن يجعل أخاه عبد الله، أميرا في الرياض بعد فتحها، أنكر ذلك وأعظمه، وقال هذا قدح وغيبة لإمام المسلمين، وعضده ونصيره؛ لأنه رأى ذلك وسيلة إلى الفرقة، مع أن عبد الله ما يظن به إلا خيرا، وحسبك به رحمه الله".

ويفسّر لنا الدكتور منير العجلاني (في تاريخ البلاد العربية السعودية، ج2 ص13) سبب عدم موافقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على تسمية عبد العزيز لأخيه عبد الله أميرا على الرياض "مع محبته هو أيضا لعبد الله"، فيقول: "وذلك حرصا على وحدة الدولة الناشئة وقوتها، فلو أن البلدان النجدية توزعت بين عدد من أمراء آل مقرن واستقلّ كل واحد منهم بمملكته الصغيرة لما قامت الدولة السعودية الكبرى". وهذا معنى عبارة الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف: "لأنه رأى ذلك وسيلة إلى الفرقة".

ونقول كما قال الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف: "وحسبك به رحمه الله"؛ فقد كان الشيخ المؤسس للدولة الوهابية حريصا على الجماعة عدوا للتفرقة والتجزئة. ولكن، لماذا استقلّ بدولة في الدرعية، ولم يقل "هذا قدح وغيبة لإمام المسلمين"؟

يتبع إن شاء الله تعالى...
01 محرّم 1435هـ








 


قديم 2014-10-21, 12:42   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (8):
هل خرج الوهابية على الخلافة العثمانية؟ (2)

قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (في فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله، ص77-81): "وأما ما زعمه الكاتب أيضا من أن محمد بن عبد الوهاب خرج على السلطان العثماني عبد الحميد خان الأول وسليم خان الثالث، فهذا كذب محض واختلاق، فمعلوم لكل من قرأ شيئا من التاريخ أن الأشراف في مكة كانوا هم نواب السلطان العثماني في بلاد الحجاز، وهؤلاء الأشراف ما كادوا يسمعون بدعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة حتى خافوا على أنفسهم منها، ورأوا أنها ستسلبهم الإتاوات والسحت الذي يأخذونه من القبور المقامة في بلاد الحجاز، وعلموا أن من دعوة بن عبد الوهاب هدم القبور وتحريم الذبح لها والصلاة عندها، ولذلك سيروا جيوشهم الجيش تلو الجيش يحارب ابن عبد الوهاب في نجد، ولم يقم الشيخ بأكثر من رد العدوان عن نفسه وعن دعوته‏.‏‏.‏ فأين كان في هذا خارجا على السلطان‏!‏‏؟‏ ومع ذلك أرسل الشيخ محمد عبد الوهاب بوفد إلى الشريف أحمد بن سعيد شريف مكة، وكان على رأس هذا الوفد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وكان مع هذا الوفد هدايا وتحف كثيرة، وكتب الشيخ ابن عبد الوهاب مع هذا الوفد كتابا للشريف أحمد قال فيه بالنص‏:‏

‏(‏المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين، وأعز به دين جده سيد الثقلين أن الكتاب لما وصل إلى الخادم ‏"‏يعني نفسه‏"‏، وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور‏)‏، ثم يقول في ختام رسالته ‏(‏فإذا كان الله سبحانه قد أخذ ميثاق الأنبياء إن أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم على الإيمان به ونصرته، فكيف بنا يا أمته‏؟‏ فلابد من الإيمان به، ولابد من نصرته، لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذي بعثه الله منهم، وشرفهم على أهل الأرض به، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله أن غلمانك من جملة الخدام، ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته‏]‏ ‏(‏انظر حياة محمد بن عبد الوهاب ص322‏)‏‏.

فإذا كان الشيخ يجعل نفسه من جملة خدام الأشراف، فكيف يكون خارجاً على السلطان‏؟‏‏!‏‏.‏..

هذا ومع أن الدولة العثمانية حاربت أتباع ابن عبد الوهاب بدعوى أنهم كفار عن طريق محمد علي باشا والي مصر، إلا أن أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب لم يرفعوا لهم يدا من طاعة فيما يطيعون فيه الله ورسوله، وقد كتب الأمير عبد الله بن سعود مجموعة من الرسائل إلى محمد علي باشا والي مصر والسلطان محمود الغازي العثماني، يعلن في كل واحدة منها أنه عبد من عبيدهم، وأنهم ما قاموا بدعوتهم في نجد إلا إصلاحا لأهلها، وإبعادا لهم عن الشرك والخرافة، وإقامة للصلاة والزكاة فيهم، وإنهم من جملة الأتباع والخدام للباب العالي العثماني ولواليه محمد علي باشا‏.

‏وهذه فصول من الرسالة التي أرسلها الأمير عبد الله بن سعود إلى السلطان محمود الغازي‏:‏(‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏‏.‏ الحمد لله الذي جعل للداء العضال دواء، وحسم وألفي نيات الأعداء السيئة بالصلح والصلاح، اللذين كانا أول مانع من الوقوع في المهالك المهلكة، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأصفيائه محمد خاتم أنبيائه الذي بلغ أحسن أنبائه وبعد‏:‏ فإني أطوف حول الكعبة آمال العبيد التي هي أعتاب دولة مولانا قطب دائرة الوجود، وروح جسد العالم الموجود، وملاذ الحاجز والبادي، ومحط رحال آمال الرائح والغادي، علم الأعلام ، إنسان عين أعيان الأنام، من نام في ظل عدله كل خائف، ولجأ إلى حماه كل عاقل عارف، ذي الأخلاق هي أرق من نسيم الصبا، مع الهيبة التي تحل من أجله الحبا، سلطان البرين، وخاقان البحرين، الذي برز بطلعته طالع السمو، السلطان ابن السلطان، سيدنا السلطان محمود الغازي، وأقدم عريضتي هذه المشتملة على الضراعة، وهي أنه لما كان عبدكم هذا من المسلمين الذين لا ينفكون عن أداء شروط الإسلام، التي هي إعلاء كلمة الشهادة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام، ومنع الظلمة من الإضرار بالناس كف أيديهم‏)‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ثم بعد ذلك سرد الأمير عبد الله بن سعود كيف أن أشراف مكة افتروا عليه عند السلطان العثماني لقتاله، وأنهم كتبوا عرائض مزورة إلى السلطات باسم الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد تعلن العصيان، ورفض الحجاج الذين يأتون من الآفاق، ويتابع الأمير رسالته قائلا‏:‏ ‏(‏وعلى العموم فإن كل ما نسب إلى عبدكم هذا من أمور الطغيان والخروج كلها ناشئ عن خدعة الشريف المشار إليه ‏"‏دسيسة‏"‏، ثم يقول في ختام رسالته‏:‏ ‏(‏قدمت عريضتي هذه التي هي أشهر من المثل السائر مصداقا لصداقتي على أن لا أنفك عن قيد الإطاعة، وأن أعد من عبيدكم القائمين بجميع خدمات الدولة العليا، فهي برهان قاطع يشهد بأني قائم بالدعوات في الأعياد والمحافل وعلى المنابر بدوام عمركم ودولتكم‏)‏‏.‏ ‏(‏انظر الدولة السعودية الأولى لعبد الرحيم عبد الرحيم ص392-393‏)‏‏.‏

وأما كتاب الأمير عبد الله بن سعود أيضا إلى محمد علي باشا والي مصر، فقد كان وافيا مظهرا أن أتباع ابن عبد الوهاب لم يكونوا خوارج، فقد قال في كتابه بعد ديباجة طويلة ومدح لمحمد علي‏.‏ (‏وبعد فغير خاف على جنابكم حقيقة ما نحن عليه، وما ندعو الناس إليه‏:‏ أننا جاهدنا الأعراب حتى أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وألزمناهم صيام رمضان وحج بيت الله الحرام‏:‏ ومنعناهم عن ظلم العباد، والسعي في الأرض بالفساد، وعن قطع السبيل والتعرض لحجاج بيت الله الحرام من الوافدين، فبعد ذلك شكوا إلى والي مكة غالب ورمونا بالكذب والبهتان، وخرجونا ‏(‏أي اتهمونا بأننا خوارج‏)‏، وبدعونا، وقالوا فينا ما نحن منه براء، فسير علينا بأجناد وعدد وعدة فأعجزه الله وله الحمد والمنة فقاتلناهم دفعا لشره، ومقابلة لفعله القبيح ومكره، فرده الله بغيظه لم ينل خيرا، واستولينا على الحرمين الشريفين وجدة وينبع، فلما تمكنا من أوطانه فعلنا معه كل جميل، وأقررناه على ما كان تحت يده من البلدان، ووجهنا مدخول البنادر إليه، وأكرمناه غاية الإكرام توقيرا للنسب الشريف، وتعظيما للبلد الحرام‏)‏‏.‏‏.‏ ثم يقول بعد أن بين مكر الشريف بهم وتزويره رسائل إلى السلطان العثماني باسمهم‏:‏ ‏(‏فعلمنا أنه مطلوب الدولة العلية صيانة الممالك الإسلامية، لاسيما الأقطار الحجازية، ومن أعظمها صيانة الحرمين الشريفين، والذود عن حماها الأحمى بلا ريب‏.‏‏.‏ ومنها الدعاء بحضرة سلطان السلاطين -نصره الله تعالى- على المنابر، وكف يد الأذى عن الوارد إلى الممالك المحروسة والصادر‏)‏‏.

‏فإذا كانت هذه هي صورة العلاقات القائمة بين أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب بين الدولة العثمانية والوالي محمد علي باشا فكيف يقال بعد ذلك أن ابن عبد الوهاب خارج على السلطان العثماني وأن هذه هي عقيدة السلف‏؟‏‏!".

أقول: ذكّرني كلام الكاتب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق بمشكلة من مشكلات كتابة التاريخ والتعامل معه - ذكرها الشيخ الطاهر ابن عاشور (في كتابه أليس الصبح بقريب)- وهي: "سوء المأخذ وفساد الاستنتاج". فالتاريخ – كما يقول ابن خلدون في مقدّمته ص36- "هو في ظاهره لا يزيد على إخبار... وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق". فعلى من كتب في التاريخ أن يتحلّى بعمق التحقيق ونزاهة التفكير، وأن يتجنّب الهوى والعصبية والانتقائية والمبالغة في التبرير التي قد تقود إلى التزييف والتزوير. وإليك البيان:

1. علاقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأشراف مكة:
يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: "فمعلوم لكل من قرأ شيئا من التاريخ أن الأشراف في مكة كانوا هم نواب السلطان العثماني في بلاد الحجاز، وهؤلاء الأشراف ما كادوا يسمعون بدعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة حتى خافوا على أنفسهم منها... ولذلك سيروا جيوشهم الجيش تلو الجيش يحارب ابن عبد الوهاب في نجد، ولم يقم الشيخ بأكثر من رد العدوان عن نفسه وعن دعوته‏.‏‏.‏ فأين كان في هذا خارجا على السلطان‏!‏‏؟‏".

وسنجيب عن سؤال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق من خلال بعض الأسئلة:

السؤال الأوّل: من هم أشراف مكّة وما صلتهم بنجد؟
الجواب: أشراف مكة هم حكّام الحجاز، وكما قال الشيخ عبد الرحمن نفسه: ""فمعلوم لكل من قرأ شيئا من التاريخ أن الأشراف في مكة كانوا هم نواب السلطان العثماني في بلاد الحجاز". وأما صلتهم بنجد، فكما قال حسين خلف الشيخ خزعل (في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص317): "... صلة قديمة، وروابطهما قوية ومتينة. والحدود بين القطرين لم تكن واضحة ولا مرسومة. وكان أشراف مكة يسيطرون على بوادي نجد المجاورة لهم ويجبون من قبائلها الزكاة ويتقبلون منهم الهدايا ويقومون بتأديب بعض المتمردين منهم، كما شملت سيطرتهم السراة وبعض أجزاء من تهامة".

نفهم من هذا، أنّ أشراف مكة نواب السلطان العثماني في الحجاز امتدت سيطرتهم باسم الدولة العثمانية على بعض المناطق في نجد، ولا شكّ أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يعلم هذا، وبناء عليه نسأل:

السؤال الثاني: هل اتصّل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأشراف مكة نواب السلطان العثماني في الحجاز وبعض المناطق في نجد ليعلن الطاعة والولاء للدولة العثمانية؟

الجواب: لم يتصل الشيخ ابن عبد الوهاب بأشراف مكة، ولم يعلن انضمامه للدولة العثمانية، بل أسّس في الدرعية إمارة\دولة تنفذ الحدود وترفع لواء الجهاد وتجبي الأموال دون إذن الخليفة العثماني أو نائبه. ولهذا، فقد حارب الأشراف الشيخ ابن عبد الوهاب بإذن الخليفة العثماني لإدخاله في طاعتهم التي تعني طاعة الخليفة. قال حسين خلف الشيخ خزعل (في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص318-319):"... تبدّل موقف أشراف مكة نحو الدعوة... وأعلنوا حربهم للدعوة القائمة وقرروا القضاء عليها... وأقرتهم الدولة العثمانية على هذا وشايعتهم...". وأما قول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: "ولم يقم الشيخ بأكثر من رد العدوان عن نفسه وعن دعوته‏"، فلا نفهم معناه، ولذلك نسأل:

السؤال الثالث: إذا "كان الشيخ يجعل نفسه من جملة خدام الأشراف" – كما يقول الكاتب – ويرى نفسه من أتباع الدولة العثمانية، فلماذا قاتل الأشراف الذين يقاتلون باسم الخليفة؟

الجواب: قد يقال: قاتل الشيخ الأشراف من باب دفع الصائل. وهذا القول غير دقيق؛ لأنّ من فقه الشيخ ابن عبد الوهاب وجوب السمع والطاعة للحاكم وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، فلا نتصوّر أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب يبيح ردّ عدوان الحاكم – الذي يجعل نفسه من جملة خدامه كما زعم الكاتب- ودفع صياله بقتاله.

وقد يقال: قاتل الشيخ الأشراف من باب قتال البغاة. وهذا أيضا غير دقيق؛ لأنّ الشيخ ابن عبد الوهاب – كما زعم الكاتب- كان معترفا بسلطة الأشراف عليه، فكيف يقاتلهم قتال البغاة وهم يمثلون السلطة الواجب طاعتها؟

والذي نراه، أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب قاتل الأشراف لأنّه لم يكن يعترف بسلطتهم عليه، ولو اعترف بسلطتهم وخضع لحكمهم – كما يزعم الكاتب – لما قاتلهم لحرمة هذا القتال عنده.

2. رسالة الشيخ ابن عبد الوهاب إلى الشريف:

وجد الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في كتاب "حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" لحسين خلف الشيخ خزعل ص322 رسالة أرسلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى شريف مكة أحمد بن سعيد (بعد حوالي 30 سنة من قيام دولة الدرعية) وفيها يقول: "يعلم الشريف أعزه الله أن غلمانك من جملة الخدام". وقد اعتبر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق هذا الكلام من أوضح الأدلة على تابعية الشيخ ابن عبد الوهاب لأشراف مكة مما يعني بالضرورة الاعتراف بسلطة الخلافة العثمانية.

والحقيقة، أنّ عبارة الشيخ ابن عبد الوهاب التي يصف فيها نفسه بالخادم لا تفيد معنى التابعية لسلطة الأشراف؛ لأنّ الشيخ أرسل رسالته إلى الشريف يخاطبه فيها باللين والحكمة طمعا في قبوله لدعوته وتبنيه لأفكاره. قال حسين خلف الشيخ خزعل (ص312-322): "ولما عادت شرافة مكة إلى الشريف أحمد بن سعيد مرة ثانية أراد هذا الشريف أن يحسّن علاقته بالدرعية ويكفّر عن أعمال أسلافه، فكتب كتابا إلى الشيخ محمد ابن عبد الوهاب والأمير عبد العزيز آل سعود عام 1184هـ\1770م يطلب إليهما أن يرسلا إليه عالما من علمائهم ليناظر علماء مكة ويبيّن لهم حقيقة الدعوة التي يدعون إليها، فأوفد إليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين وأرسلا معه إلى الشريف أحمد هدايا وتحفا كثيرة وزوداه بكتاب جوابا لكتابه هذا نصه". فسياق الرسالة يدلّ على أنّ الشيخ تلطّف في العبارة طمعا في قبول الشريف لدعوته.

وقد يقول قائل: لماذا سوء الظن بالشيخ ابن عبد الوهاب، ولماذا نبحث في سياق الرسالة لنتأوّلها إذا كانت عباراتها واضحة وتفيد الإقرار بتبعية الشيخ لسلطة الأشراف كما فهم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق؟

والجواب: أنّ كلامنا ليس مبناه على سوء ظنّ بالشيخ ابن عبد الوهاب، وإنما مبناه على أدلّة واضحة لم ينتبه إليها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. فالشيخ عبد الرحمن نقل رسالة الشيخ ابن عبد الوهاب إلى الشريف أحمد من كتاب "حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" (ص322) ولم ينتبه إلى رسالة أخرى وردت في الكتاب ذاته (ص328-329) أرسلها الشيخ ابن عبد الوهاب إلى الشريف غالب وعلماء مكة، وفيها يقول: "فلما طلب منا الشريف غالب أعزه الله ونصره، امتثلنا، وهو إليكم واصل. فإن كانت المسألة إجماعا، فلا كلام. وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عمل من محل ولايته، لا ينكر عليه". وفي تاريخ نجد لابن غنّام (ص174): "... فمن عمل بمذهبه في محلّ ولايته لا ينكر عليه". ومعنى هذا الكلام، أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب يصرّح بعدم خضوعه لسلطة الأشراف، ويرى نفسه مستقلا بولاية يعمل فيها بمذهبه. ولهذا قلنا إن رسالته إلى الشريف أحمد لا تدلّ على اعتراف بسلطته وخضوع لولايته بل هي من قبيل التلطّف في العبارة طمعا في قبول دعوته. فهل يجوز للشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يستقلّ بولاية يحكم فيها بجانب دولة الخلافة دون إذن الخليفة؟ أجبنا عن هذا السؤال من قبل.

3. رسائل عبد الله بن سعود إلى الخليفة العثماني ومحمد علي باشا:
وجد الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق بعض الرسائل الموجهة إلى السلطان محمود الغازي وإلى محمد علي باشا‏ منسوبة إلى عبد الله بن سعود، فنقلها ليثبت لنا "أنّ أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب لم يرفعوا لهم يدا من طاعة فيما يطيعون فيه الله ورسوله... وإنهم من جملة الأتباع والخدام للباب العالي العثماني ولواليه محمد علي باشا‏". وقد أخطأ الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في اعتماده الرسائل واستنتاجه منها بصيغة قاطعة ولاء "أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب" للدولة العثمانية وعدم خروجهم عليها؛ وإليك الدليل:

أولا: موقف "أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب" من الدولة العثمانية لا يؤخذ من رسالة – كتبت في ظرف معيّن كما ستراه بعد قليل – إنما يؤخذ من مجموع كتابات أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب عن العثمانيين، ومن مجموع الأحداث والوقائع التي حدثت ووقعت خلال عشرات السنين التي شهدت قيام الدولة الوهابية\السعودية وحركتها في منطقة الجزيرة العربية وما حولها. وإليك بعض الأمثلة:
- قال حسين خلف الشيخ خزعل (في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص386-387) – وهو الكتاب الذي اعتمده الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -: "بعد انسحاب الحملة التي قادها علي باشا على الأحساء استضعفت الدرعية قوات الدولة العثمانية التي في العراق فأرادت أن تهاجمها في عقر دارها فجهزت جيشا من أهالي نجد والجنوب والحجاز وتهامة وغيرهم وأسندت قيادته إلى الأمير سعود وأمرته بمهاجمة الحدود العراقية والتوغل فيها، فسار الأمير سعود على رأس ذلك الجيش في عام 1216هـ\1801م وهاجم به حدود العراق الجنوبية ثم توغل إلى الفرات الأوسط ثم اتجه إلى جهة شفاثة (عين النمر) في لواء كربلاء وعسكر هناك... فلما بلغ الأمير سعود أن الدولة العثمانية سائرة للقائه في مدينة كربلاء أراد أن يفاجئها بالقتال قبل أن تفاجئه، فزحف على مدينة كربلاء... فقتل منهم الكثير في الأسواق والبيوت وقدر عدد القتلى بألفي قتيل واستولت القوات المهاجمة على أموالهم كما استولت على ما كان في داخل القبة المقامة على مرقد الإمام حسين من التحف الثمينة والأحجار الكريمة وأخذت النصيبة الموضوعة على مرقد الإمام وكانت مرصوفة بالأحجار الكريمة التي لا تقدر بثمن". وقال (ص390): "... تم للإمام عبد العزيز بعد جهاد طويل متوال في إعلاء كلمة الله وإخلاص العبادة لله وتنفيذ أحكام شرع الله إخضاع أواسط الجزيرة العربية... وتحدى الدولة العثمانية وهاجمها من جهة العراق...". فهل يدلّ الهجوم على العراق وتحدي الدولة العثمانية على "أنّ أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب... من جملة الأتباع والخدام للباب العالي العثماني" أم يدلّ على خلاف ذلك؟
- وقال أمين الريحاني (في تاريخ نجد، ص58-59): "بعد فتح المدينة اتجهت أنظار أهل نجد إلى الشمال فوصلوا في غزواتهم إلى الجوف والبتراء، واجتازوهما إلى حوران والكرك، فوقفوا متنصرين عند أبواب الشام وفلسطين. وقد أرسل الإمام سعود كتبا إلى الولاة هناك يدعوهم فيها إلى دين الله... وفي السنة التالية منع الإمام سعود الحجاج غير الموحدين عن الحج وأخرج من مكة من كان فيها من الترك". فهل يدلّ غزو الشام ومنع "غير الموحدين" من الحج وطرد الترك من مكة على "أنّ أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب... من جملة الأتباع والخدام للباب العالي العثماني" أم يدلّ على خلاف ذلك؟

- وقال جون. ب. كيلي (في بريطانيا والخليج، ج1 ص217-218): "... غير أن عبد الله أبلغ المقيم البريطاني في رسالة بعث بها إليه في شهر أكتوبر سنة 1814 بأن هجمات القواسم على السفن غبر البريطانية سوف تستمر وقد ذكر له في تلك الرسالة بأننا نرجو أن تشعروننا من هم رعاياكم وما هي العلامة المميزة لهم لأن سفن المسلمين تجوب البحار باستمرار... والذي يمكن أن تستنتجه من ذلك هو أن حكومة بومباي قد اشترت سلامة مصالحها باعترافها الضمني بحق القواسم في العبث والنهب والسلب بسفن الدول الأخرى. ويؤيد هذا الرأي ما أوضحه الأمير عبد الله في عام 1815 عندما قام رحمة بن جابر... بالاعتداء على إحدى السفن التركية وكانت تحمل تصريحا من المقيم البريطاني في البصرة. وقد كتب عبد الله بعد ذلك إلى بروس في بوشهر يحتج بمنتهى القوة على إصدار تصريح لسفن غير بريطانية، وقال في احتجاجه: (أما هؤلاء الكلاب الأتراك فإنهم خصومي وهم يسعون إلى بذر بذور الشقاق فيما بيننا، أما الذين يمتون إليكم بصلة فإننا لن نسمح لرعايانا بالاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال...)". فهل يدلّ وصف الأتراك بالكلاب على "أنّ أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب... من جملة الأتباع والخدام للباب العالي العثماني" أم يدلّ على خلاف ذلك؟

- وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (في المقامات، ص110): "وأما الدول التركية المصرية [الدولة العثمانية وواليها على مصر] فابتلى الله بهم المسلمين لما ردوا حاج الشامي عن الحج، بسبب أمور كانوا يفعلونها في المشاعر، فطلبوا منهم أن يتركوها، وأن يقيموا الصلاة جماعة، فما حصل منهم ذلك، فردهم سعود رحمه الله تعالى تدينا، فغضبت تلك الدولة التركية، وجرى عندهم أمور يطول عدها، ولا فائدة في ذكرها". فهل هذا كلام من يرى الخلافة العثمانية دولة للمسلمين جميعا تجب طاعتها أم كلام من يرى الخلافة العثمانية دولة تركية غريبة عنه ولا علاقة له بها؟

- وقال أمين الريحاني (في تاريخ نجد، ص57-58): "دخل سعود مكة ظافرا، وكان الشريف غالب وعساكره وأتباعه قد رحلوا إلى جده، فأعطى أهلها الأمان. ثم شرع ورجاله يهدمون القباب التي بنيت فوق القبور. وقد كتب سعود كتابا إلى السلطان سليم الثالث هذا معناه: (من سعود إلى سليم: أما بعد فقد دخلت مكة في الرابع من محرم سنة 1281 وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية، وألغيت الضرائب إلا ما كان منها حقا...". قال محمد جلال كشك (في: السعوديون والحل الإسلامي، ص140): "وعبارة من سعود إلى سليم وضعت بوعي سياسي، لأن أية صيغة أخرى كانت مستحيلة، فهو لا يستطيع أن يصف نفسه بلقب يحدد سيادته، وإلا فماذا سيقول؟ أمير الدرعية؟ وماذا يفعل أمير الدرعية في مكة؟ ولماذا ذهب إلى العراق ومسقط، وسيذهب إلى الشام؟... أما قوله: "سليم" (حاف) فلتجنب التسليم له بأية صفة، فهو ليس السلطان، فلو سلم بذلك لأقر على نفسه بشق عصا الطاعة. وهو ليس أمير المؤمنين بكل تأكيد...". فكيف يمكن لشخص أن يزعم بعد هذه الحقائق: "أنّ أهل نجد والأمراء من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب... من جملة الأتباع والخدام للباب العالي العثماني"؟

ثانيا: قال الدكتور منير العجلاني (في تاريخ البلاد العربية السعودية: عهد الإمام عبد الله بن سعود، ج4 ص29): "أما ما نشرناه في كتابنا من الوثائق المصرية فقليل جدا، أخذناه عن كتاب الأستاذ عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم (الدولة السعودية الأولى)، وما زلنا في شك من صحة الرسائل التي ينسبها المؤلف الفاضل إلى الإمام عبد الله ابن سعود، فأسلوب كتابتها يختلف كثيرا عن الأسلوب المألوف في نجد في تلك الأيام، ويستبعد أن يصدر عن الإمام عبد الله بن سعود مثل الكلام الذي تضمنته...). وقال (ص266-267): "3 رسائل مشكوك في صحتها.. زعموا أن الإمام عبد الله بن سعود أرسلها إلى السلطان ومحمد علي... اكتفينا بهذا القدر اليسير من الرسالة المنسوبة إلى الإمام عبد الله بن سعود، ليشاركنا القارئ شكنا في صحتها بل تثبتنا من وضعها... ملاحظة قيّمة: وقد تلطّف معالي الشيخ حسن آل الشيخ، وزير المعارف في المملكة العربية السعودية، بعد النظر في هذه الرسالة، بكتابة الحاشية الآتية: (إن هذه الرسالة المزعوم صدورها عن الإمام عبد الله إلى السلطان العثماني مكذوبة عليه، وكلماتها لا يمكن أن تصدر عن الإمام عبد الله، لأن بعض ما جاء فيها يتنافى مع كمال العقيدة وعزّة المؤمن)". فهذه الرسائل لم تثبت نسبتها إلى عبد الله بن سعود بل أكّد مصر رسمي في المملكة السعودية من آل الشيخ عدم صحة الرسالة المرسلة إلى السلطان العثماني، فكيف يستدلّ بها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ويبني عليها استنتاجات بصيغة قاطعة؟

ثالثا: إذا افترضنا جدلا صحة الرسائل المنسوبة إلى عبد الله بن سعود، فعلينا أن ننظر في سياقها التاريخي الذي وردت فيه.
- قال لوريمر (في دليل الخليج، ج3 ص1617-1618): "ويبدو أن ضعف القوات المصرية لم يكن واضحا تمام الوضوح للوهابيين، وكان أميرهم لهذا يعتقد أن موارد مصر الكثيرة لا بد ستنتصر في النهاية على مصادره المحدودة.. وظن أن من المناسب أن يتراجع عن الاستمرار في هذا الصراع.. ومهما كان السبب فقد استجاب الأمير عبد الله لعقد تسوية اقترحها طوسون، وتمّ التوصل إلى اتفاقية تخلى فيها الأمير عن مطالبته بالأماكن المقدسة في الحجاز واحتفظ بحقه في زيارتها لهدف الحج فقط، كما اعترف أيضا بسيادة سلطان تركيا عليه".
- وقال جون. ب. كيلي (في بريطانيا والخليج، ج1 ص216):"... عقد طوسون معاهدة مع الأمير عبد الله تعهد فيها الأخير بالتنازل عن مطالبه في الحجاز والأماكن المقدسة وإعلان ولائه للسلطان العثماني بينما تعهد طوسون من جانبه بفتح أبواب الحجاز للوهابيين للأغراض التجارية والدينية كما اعترف بسلطة عبد الله على نجد وعلى جزء من القاسم وهي المقاطعة الواقعة بين نجد والحجاز".
- وقال أمين الريحاني (في تاريخ نجد، ص70): "ولكن عبد الله مثل طوسون من أولئك القواد الذين يضعفون ما عندهم من قوة بما ينقصهم من زعامة وإقدام. وقف الضعيفان في القصيم وقفة المنازل الراغب في الصلح المتظاهر بعكس رغبته، فتناوشت الجنود وتقهقرت، وتخاذلت، وتقاعست، حتى سئم أولو العزم في الجانبين الحالة وقام منهم من يطالب بشيء يشفع بتردد القائدين وتذبذبهما. قال أهل نجد لعبد الله: اخرج إلى طوسون أو اخرج عليه أي صالحه أو حاربه. وقد توفق الفريقان إلى عقد صلح...".

- وقال مانجان (كما في تاريخ البلاد العربية السعودية: عهد الإمام عبد الله بن سعود، للدكتور منير العجلاني، ج4 ص58-59): "إن المعارك هدأت قليلا، بعد استيلاء طوسون على بعض مدن القصيم، فأرسل عبد الله بن سعود إلى طوسون الشيخ أحمد الحنبلي، ليعلن باسمه ونيابة عنه أنه يخضع للسلطان ويعدّ نفسه من رعاياه...".

- وقال اليكسي فاسيلييف (في تاريخ العربية السعودية، ص197-198): "غدت حالة طوسون عصيبة للغاية، فإن ضغط الوهابيين الشديد كان يمكن أن يدمره. بيد أن قوى عبد الله لم تكن كافية على ما يبدو، ثم إنه كان يخشى تمرد أهل القصيم في مؤخرته. وتم توقيع الصلح بشروط تعكس توازن القوى المترجرج هذا... ويقول بوركهاردت كذلك أن عبد الله وافق على اعتبار نفسه من رعية السلطان العثماني. ويؤكد المؤرخ المصري المعاصر أ. عبد الرحيم هذه الحقيقة استنادا إلى وثائق من أرشيفات القاهرة".

وعليه، فالرسائل التي أرسلها عبد الله بن سعود إلى محمد علي باشا كانت بعد الصلح الذي تم بينه وبين طوسون. والدليل عليه قوله في رسالته الأولى (كما في تاريخ البلاد العربية السعودية: عهد الإمام عبد الله بن سعود، للدكتور منير العجلاني، ج4 ص269-271): "نحمدك اللهم على ما منّيت به من الإصلاح، بالصلح الحاقن لدماء المسلمين عن السفك بالسلاح... وفتحنا إلى الصلح طريقا، ولم نزل نجتهد في إبرامه حتى انعقد بين الفريقين..."، وقوله في رسالته الثانية (كما في تاريخ البلاد العربية السعودية: عهد الإمام عبد الله بن سعود، للدكتور منير العجلاني، ج4 ص272): "... وما ذكرتم من القبول لما انبرم من أمر الصلح... فلكم منا العهد والميثاق أننا لما جرى بيننا وبينكم ملتزمون...". وبما أنّ الصلح الذي تمّ بين طوسون وعبد الله قد تضمّن جملة من الشروط منها – وفق رواية بعض المؤرخين ووفق رسالة من طوسون إلى محمد علي- الدخول في طاعة الخليفة والخضوع لسلطانه، فهذا يعني بداهة أنّ عبد الله بن سعود لم يكن قبل الصلح خاضعا للخليفة. ولذا، فإنّ رسائل عبد الله بن سعود إلى الخليفة ومحمد علي حجة على من يقولون بعدم خروج الوهابية على الخلافة وليست حجة لهم؛ لأنها وإن أثبتت الخضوع للسلطان عن كره، فقد أثبتت أيضا الخروج عليه قبل الصلح.

يتبع إن شاء الله تعالى...
14 محرّم 1435هـ









قديم 2014-10-21, 12:48   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (9):

التكفير



سبب خروج الوهابية هو تكفير الدولة العثمانية
https://azeytouna.net/index.php/2012-...53/item/5452-9

تبيّن معنا فيما سبق أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب أسّس في الدرعية – بمعية الأمير محمد بن سعود – دولة\إمارة إسلامية تطبّق الشرع وتنفذ الحدود وترفع لواء الجهاد وتجبي الأموال وتوزعها. فما هي الأسس الشرعية التي اعتمد عليها الشيخ ابن عبد الوهاب لتأسيس دولته؟

يجيبنا الشيخ بقوله (كما في الدرر السنية، ج9 ص5): "الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلّب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام، لا يصح إلا بالإمام الأعظم". فقد اعتمد الشيخ على فكرة إمامة المتغلّب أو الإمامة القهرية التي قال بها جمع من الفقهاء. ولكن، قال الإمام بدر الدين بن جماعة (في تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، ص55): "وأما الطريق الثالث الذي تنعقد به [الإمامة] البيعة القهرية: فهو قهر صاحب الشوكة، فإذا خلا الوقت عن إمام فتصدى لها من هو من أهلها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته، ولزمت طاعته، لينتظم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم". فهل خلا وقت الشيخ ابن عبد الوهاب عن إمام؟

الجواب كما يعلمه الجميع، أنّ في زمن الشيخ ابن عبد الوهاب كانت هناك دولة تعرف باسم الخلافة العثمانية، وهذه الخلافة كانت قريبة من الشيخ ابن عبد الوهاب وامتدّ سلطانها عبر أشراف مكة في بعض مناطق الشيخ النجدية – إن لم نقل في المناطق كلها -. فهل كان الشيخ ابن عبد الوهاب وأتباعه على علم بوجود دولة الخلافة العثمانية أم لا؟

الجواب كما يعلمه الجميع، أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب الذي طلب العلم في مناطق الخلافة، كان على علم بوجود دولة تزعم أنها خلافة إسلامية تطبّق الشرع وتحمي دار الإسلام وتخدم الحرمين الشريفين. وكذلك كان أتباعه على علم بوجود هذه الدولة الإسلامية. "سئل الشيخ: عبد الله أبا بطين [ت1282هـ]، إذا قال بعض الجهال: إن من شرط الإمام أن يكون قرشيا، ولم يقل عارضيا، يشير إلى أنه قد ادّعاها من ليس من أهلها، يعني محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ومن قام معه وبعده بما دعا إليه...؟ فأجاب: إذا قال بعض الجهال ذلك، فقل له: ولم يقل: تركيا، فإذا زال هذا الأمر عن قريش، فلو رجع إلى الاختيار لكان العرب أولى به من الترك، لأنهم أفضل من الترك، ولهذا ليس التركي كفوا للعربية، ولو تزوج تركي عربية كان لمن لم يرض من الأولياء فسخ هذا النكاح، وهذا الذي يعظمه الناس تركي لا قرشي، وهم أخذوها بغيا على قريش...". (نقلا عن الدرر السنية، ج9 ص8-9). فقول الشيخ عبد الله أبا بطين: "وهذا الذي يعظمه الناس تركي لا قرشي" يعني به الخليفة العثماني. وقوله: "وهم أخذوها بغيا على قريش" يعني الخلافة. فلماذا إذن أقام الشيخ ابن عبد الوهاب – بمعية الأمير محمد بن سعود – دولة رغم عدم خلو وقته عن إمام يزعم أنه خليفة وتطيعه عامة المسلمين؟

فهل كان الشيخ ابن عبد الوهاب لا يعترف بسلطة الخلافة العثمانية لأن "الترك" كما قال الشيخ أبا بطين " أخذوها بغيا على قريش"؟
لا نظنّ هذا؛ لأنّ الشيخ ابن عبد الوهاب يقرّ بإمامة المتغلب، ويعلم قول الإمام أحمد بن حنبل في أصول السنة – كما في شرح أصول السنة لعبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، ص100-: "ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقرّوا له بالخلافة بأيّ وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شقّ هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحلّ قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنّة والطريق".

أم هل كان الشيخ ابن عبد الوهاب لا يعترف بسلطة الخلافة العثمانية لأنّ نجدا غير تابعة لها؟
لا نظنّ هذا؛ والدليل عليه أنّ ابن غنّام (في تاريخ نجد، ص270-273) ذكر رسالة "كتبها سليمان بن محمد بن سحيم، مطوع أهل الرياض، وأرسلها إلى أهل البصرة والأحساء يشنع فيها على الشيخ ويفتري عليه أشياء لم تحدث، وقصده من ذلك الاستنصار بكلامهم على إبطال ما أظهره الشيخ من بيان التوحيد وإخلاص الدعوة لله، وهدم أركان الشرك وإبطال مناهج الضلال". والشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن سحيم (1130هـ-1181هـ) هو عالم الرياض، وكان "مدرس أهل البلاد ومفتيهم وإمامهم وخطيبهم في زمن دهام بن دواس أمير الرياض" – كما في علماء نجد، ج2 ص381 -. وقد كتب رسالة -كما ذكر ابن غنام – بيّن فيها مآخذه على الشيخ ابن عبد الوهاب. ومما جاء في الرسالة، قوله: "ومنها: أنه [أي الشيخ ابن عبد الوهاب] ترك تمجيد السلطان في الخطبة، وقال: السلطان فاسق لا يجوز تمجيده". وقد أجاب الشيخ ابن عبد الوهاب على مجمل المؤاخذات الواردة في رسالة سليمان بن سحيم، إلا أنه أهمل التعرّض لمسألة "تمجيد السلطان"، فلم يردّ عليها. وقد تكفّل ابن غنّام بالردّ نيابة عن الشيخ فقال (كما في تاريخ البلاد العربية السعودية، للدكتور منير العجلاني، ج1 ص266): "وأما قوله إنه ترك تمجيد السلطان في الخطبة، فهو صادق في ذلك، وإنما تركه الشيخ رحمه الله لأنه من البدع المحدثة. وقد كره جمع من المالكية وغيرهم ذلك وقالوا إنه من البدع المنكرة ولم يستحب ذلك أحد من أئمة الدين".

فاعتبار الشيخ سليمان بن سحيم، وهو إمام الرياض وعالمها، "ترك تمجيد السلطان في الخطبة" مؤاخذة من المؤاخذات على الشيخ ابن عبد الوهاب، يدلّ على أنّ تمجيد السلطان في الخطبة (أي الدعاء له مع مدحه) كان من الأمور الشائعة المعلومة في نجد. وهذا يعني بداهة أنّ نجدا كانت تابعة اسميا لسلطة الخلافة العثمانية أو تربطها بها رابطة الخلافة الإسلامية؛ ذلك أنّ الدعاء للسلطان في الخطبة علامة من علامات الخضوع له أو الارتباط به. وقد أكّد هذا الأمر الشيخ ابن عبد الوهاب بسكوته وعدم ردّه، وأكّده أيضا ابن غنّام بتصديق الشيخ ابن سحيم. وعليه، فقد كان الشيخ ابن عبد الوهاب على علم بارتباط بعض مدن نجد ومناطقها بالخلافة العثمانية.

أم هل كان الشيخ ابن عبد الوهاب لا يعترف بسلطة الخلافة العثمانية لأنه يرى جواز تعدد الدول والأئمة؟

لا نظنّ هذا؛ لأنّ الشيخ ابن عبد الوهاب يعلم قول الإمام الماوردي (في الأحكام السلطانية، ص10): "وإذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد وإن شذّ قوم فجوزوه". وقول إمام الحرمين (في غياث الأمم، ص126-127): "إذا تيسر نصب إمام واحد يطبق خطة الإسلام، ويشمل الخليقة على تفاوت مراتبها في مشارق الأرض ومغاربها أثره، تعين نصبه ولم يسع والحالة هذه نصب إمامين. وهذا متفق عليه لا يلفى فيه خلاف... وقد تقرر من دين الأمة قاطبة، أن الغرض من الإمامة جمع الآراء المشتتة، وارتباط الأهواء المتفاوتة، وليس بالخافي على ذوي البصائر، أن الدول إنما تضطرب بتحزب الأمر، وتفرق الآراء وتجاذب الأهواء... فقد تقرر أن نصب إمامين مدعاة الفساد وسبب حسم الرشاد...".

فإن قال قائل: لا إجماع في المسألة، بدليل قول بعض العلماء بجواز التعدد؟

قلت: نعم، قال بعض العلماء بجواز التعدد، ولكن بشرطين:

الأوّل: أنهم جوزوا نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما بحيث لا يتأتى لإمام واحد النظر في مصالح المسلمين. قال القرطبي (في تفسيره، ج1 ص273): "وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول: "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه أن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوه عنق الآخر". رواه مسلم أيضا، ومن حديث عرفجة: "فاضربوه بالسيف كائنا من كان". وهذا أدل دليل على منع إقامة إمامين، ولأن ذلك يؤدي إلى النفاق والمخالفة والشقاق وحدوث الفتن وزوال النعم، لكن إن تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان جاز ذلك... فأما إقامة إمامين أو ثلاثة في عصر واحد وبلد واحد فلا يجوز إجماعا لما ذكرنا. قال الإمام أبو المعالي: ذهب أصحابنا إلى منع عقد الإمامة لشخصين في طرفي العالم، ثم قالوا: لو اتفق عقد الإمامة لشخصين نزل ذلك منزلة تزويج وليين امرأة واحدة من زوجين من غير أن يشعر أحدهما بعقد الآخر. قال: والذي عندي فيه أن عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمخاليف غير جائز وقد حصل الإجماع عليه. فأما إذا بعد المدى وتخلل بين الإمامين شسوع النوى فللاحتمال في ذلك مجال وهو خارج عن القواطع. وكان الأستاذ أبو إسحاق يجوز ذلك في إقليمين متباعدين غاية التباعد لئلا تتعطل حقوق الناس وأحكامهم...".

فهل تكون تونس (أو الجزائر) تابعة لدولة الخلافة العثمانية ولا تكون بعض نجد تابعة لها بتعلّة تباعد الأقطار؟

الثاني: أنّهم جوّزا ذلك لمانع طرأ على الأصل، فإن زال المانع، عاد المنع وبطل الجواز. قال إمام الحرمين (في غياث الأمم، ص129-130): "إن سبق عقد الإمامة لصالح لها، وكنا نراه عند العقد مستقلا بالنظر في جميع الأقطار، ثم ظهر ما يمنع من انبثاث نظره، أو طرأ، فلا وجه لترك الذين لا يبلغهم أمر الإمام مهملين ولكنهم ينصبون أميرا يرجعون إلى رأيه، ويصدرون عن أمره، ويلتزمون شرعة المصطفى فيما يأتون ويذرون، ولا يكون ذلك المنصوب إماما. ولو زالت الموانع، واستمكن الإمام من النظر لهم، أذعن الأمير والرعايا للإمام، وألقوا إليه السلم، والإمام يمهد عذرهم، ويسوس أمرهم. فإن رأى تقرير من نصبوه فعل. وإن رأى تغيير الأمر، فرأيه المتبوع، وإليه الرجوع". وقد طلبت الخلافة العثمانية – عبر الولاة والأشراف - من إمارة الدرعية الدخول في طاعة الخليفة وضمّ الإمارة للدولة، فكان الجواب الرفض.

والحاصل، فقد أسّس الشيخ ابن عبد الوهاب – بمعية الأمير محمد بن سعود – دولة\إمارة\ولاية لا حدود جغرافية لها، قابلة للتوسع ضمن المناطق المتاخمة لها، ولم يخطر بباله أن ينظمّ للدولة العثمانية لأنه لا يعترف بسلطانها وبشرعيتها؛ ولذا كان الصدام بين الدولة الوهابية والدولة العثمانية مسألة حتمية. قال محمد جلال كشك (في السعوديون والحل الإسلامي، ص135-136): "الصدام مع الترك أو "الروم" كما كان العرب يسمونهم، كان محتوما، وقد بدأ مبكرا، وفي عهد عبد العزيز، هذا إذا نظرنا إليه من الناحية العسكرية البارزة، أما من ناحية المفاهيم والمبادئ والشعارات، فدعوة محمد بن عبد الوهاب، وما اتفق عليه مع الأمير "محمد بن سعود"، كلها موجهة مباشرة ضد الترك والسلطنة والخلافة. والحرب التي دارت في الأحساء، والصدام مع الوالي التركي في بغداد، وإعلان ابن غنام أن الحملة التركية التي زحفت من العراق لانتزاع الأحساء من السعوديين كانت تريد تقسيم الإقليم بين "الروم" والبدو.. وإصرار السعوديين على أن بلادهم و"قرية" الأحساء ليست داخلة في بلاد "الروم" أو ملكهم، وتطور الصراع إلى غزو السعوديين للعراق، ثم تدبير والي بغداد لمقتل الإمام السعودي عبد العزيز بن محمد، ومصرعه هو بدوره على يد السعوديين أو بتدبيرهم. كل هذا يجعل الحرب سابقة على ولاية سعود ورسالته "الغليظة"، بل وسابقة على غزو الحجاز ووقف الحج. ورسائل والي بغداد تؤكد أن مقاتلة هذا "المبتدع" الوهابي "فرض عين" أي لازمة على كل مسلم، ولا بدّ من "تطويقه من كافة الجهات" لأن "حركته لا تشبه بوجه من الوجوه غيرها من التي سبق معالجتها، بحيث لا يمكن أن تقاس بها"...وهكذا فالصدام مع تركيا كان محتوما، والحركة الوهابية كلها تبدو ضربا من العبث والخسائر غير المبررة لجميع الأطراف، إن لم تكن تحمل هدف التحرر من السيطرة العثمانية...".

وإننا لا نجد سببا يبرّر قيام الدولة الوهابية وعدم اعترافها بالخلافة العثمانية، ودخولها في حرب مع من جاورها، سوى التكفير.
قال محمد جلال كشك (في السعوديون والحل الإسلامي، ص121): "وما نريد توضيحه هنا، أو بالأحرى تفنيده، هو الزعم الذي أثاره المعلقون الغربيون، وتابعهم بعض "الناقلين" العرب، أعني التركيز على أن الغزوة كانت موجهة ضد الشيعة، ولا يجوز التعلل بقول سعود: "إن أهل الأحساء رافضة أدخلناهم في الإسلام بالسيف" فهو نفسه اعتبر الأشراف في مكة مشركين، واشترط إسلامهم! وهو نفس رأيه في أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين السلطان السني".

وقال لويس دو كورانسي (في الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ، ص62): "وكان الوهابيون ينقضّون على حين غرة على القبيلة التي يريدون إخضاعها ويتقدّم رسول من عبد العزيز يحمل القرآن بيد والسيف باليد الأخرى، مع رسالة من سيده، تتضمن الشروط التي يجب العمل بموجبها. وما زالت النصوص الحرفية لهذه الرسائل محفوظة، وفيها لهجة الإيجاز والبساطة التي اعتمدها عادة جميع المصلحين في جميع الأديان وكافة الأزمان: (من عبد العزيز إلى قبيلة... سلام. واجبكم يدعوكم إلى الإيمان بالكتاب الذي أرسل لكم. لا تكونوا وثنيين كالأتراك الذين يشركون بالله. إذا آمنتم نجوتم، وإلا فسنقاتلكم حتى الموت)".

ومسألة التكفير مسألة شهيرة ذكرها كثير من المؤرخين والعلماء. قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف (في دعاوى المناوئين، ص159-160): "... فما أكثر من أثار هذه الشبهة على دعوة الشيخ، وسيتضح ذلك جلياً عند نقل أقوال المناوئين في ذلك. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى أن بعض العلماء المحققين ممن عرف عنهم سلامة المعتقد، قد تأثروا بتلك الشبهة وصدقوا تلك الدعوى - بكل ما فيها من حق أو باطل -. كما هو واضح من حال الإمام محمد بن علي الشوكاني، حيث يقول الشوكاني - عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه -. (ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلا تحت دولة صاحب نجد، وممتثلا لأوامره خارج عن الإسلام).كما أن الشيخ محمد بن ناصر الحازمي قد تأثر بتلك الدعاوى.. فذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأثنى عليه خيرا، ومدحه بحسن الإتباع …، ولكن أنكر عليه خصلتان, الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها..، والأخرى: التجاري في سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا برهان. وكذا الشيخ محمد صديق حسن، صدّق هذه الشبهات، فأعلن في كتابه (ترجمان الوهابية) براءة أهل الحديث من الوهابيين، لأن الوهابيين - كما يذكر محمد صديق حسن - يعرفون بإراقـة الدماء، وينص محمد صديق – عفا الله عنه – أن مصدره في هذه المعلومات هي كتب العلماء المسيحيين!. وممن تأثر وصدّق هذه الدعاوى، الشيخ أنور شاه كشميري، فزعم – عفا الله عنه – أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – يتسارع إلى الحكم بالتكفير".

ولن نتناول المسألة من زاوية تاريخية أو بالاعتماد على قول المؤرخين أو بعض العلماء بل سنركّز – بإذن الله تعالى - على ثقافة الدعوة الوهابية وأقوال علمائها لنثبت صدق دعوانا.









قديم 2014-10-21, 12:51   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (10)

معنى التكفير:

قد يقول قائل (كما في دعاوى المناوئين، ص169-171):"لقد بلغت هذه الفرية الخاطئة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -، فتعددت ردوده وأجوبته عليها، ولأن فرية تكفير المسلمين واستباحة دمائهم قد شاعت وذاعت في غالب بلاد المسلمين، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، فقد حرص الشيخ – رحمه الله – على تأكيد هذه الردود, وإعلان براءته مما ألحق به..، فأرسل هذه الردود إلى مختلف البلاد. فعلى النطاق المحلي في منطقة نجد، نلاحظ أن الشيخ قد بعث رسالة لأهل الرياض ومنفوحه، ينفي تلك الفرية، يقول الشيخ الإمام رحمه الله: (وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفّر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين). ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها: (وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله)... ويؤكد الشيخ الإمام - مرة أخرى - بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جواباً على سؤال الشريف..: (وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله..). ويبعث الشيخ رسالة لأحد علماء المدينة لدحض فرية تكفير الناس عموما، يقول الشيخ: (فإن قال قائلهم أنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد). ويكتب الشيخ الإمام إلى إسماعيل الجراعي صاحب اليمن تكذيباً لهذه الفرية، قال الشيخ: (وأما القول بأنّا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم)".

أقول:

ردود الشيخ ابن عبد الوهاب تتعلّق بأمرين: عدم تكفير المسلمين، والتكفير بالعموم.

أمّا التكفير بالعموم فمعناه – كما في جواب مسائل وردت على ولدي الشيخ ابن عبد الوهاب حسين وعبد الله -: "أن يكفّر الناس كلهم عالمهم وجاهلهم، ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم، وأما التكفير بالخصوص فهو أن لا يكفّر إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة التي يكفر من خالفها" (عن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1 ص44). فالشيخ لا يكفّر كل فرد بعينه، وهذا معنى نفيه التكفير بالعموم.
وأمّا عدم تكفير المسلمين، فالشيخ لا يكفّر إلا من ثبت كفره لديه؛ ولذا قال: "ما كفرنا إلا المشركين". ومراد الشيخ أنّ من كفّرهم لم يثبت إسلامهم حتى يقال إنّه كفّر المسلمين.

والملاحظ في هذه الردود أنّ الشيخ لا ينكر التكفير أي يقرّ بأنه كفّر، ولكنه ينفي التكفير بالعموم. فمن كفّر الشيخ؟

الحقيقة أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب لم يكفّر كلّ الناس أي حكم على كل فرد بعينه بأنه كافر، إنما كفّر أغلب الناس، وكفّر المجتمع والدار والدولة. وإليك الدليل من ثقافة الدعوة الوهابية:

- قال الشيخ ابن عبد الوهاب لمحمد بن سعود (كما في عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر ج1ص42): "وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف والقتال لبعضهم بعض".

- وقال في رسالة أرسلها إلى مطاوعة أهل سدير والوشم والقصيم (كما في تاريخ نجد، ص243-245): "وهذا معنى قول (لا إله إلا الله)... فمن عرف هذه المسألة عرف أن أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان، وزيّن لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب حبّ الصالحين وتعظيمهم... لكن المشركون في زماننا أضلّ من الكفار الذين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين: أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}، الآية. والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أناسا لا يوازنون عيسى والملائكة. إذا عرفتم هذا فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر، عبادة الأصنام، هذا يأتي إلى قبر نبي، وهذا إلى قبر صحابي كالزبير وطلحة، وهذا إلى قبر رجل صالح وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته، وهذا ينذر له، وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والآخرة، وهذا يسأله خير الدنيا والآخرة. فإن كنتم تعرفون أن هذا الشرك من جنس عبادة الأصنام الذي يخرج الرجل من الإسلام، وقد ملأ البر والبحر، وشاع وذاع، حتى إن كثيرا ممن يفعله يقوم الليل، ويصوم النهار، وينتسب إلى الصلاح والعبادة فما بالكم لم تفشوه في الناس؟ وتبينوا لهم أن هذا كفر بالله، مخرج عن الإسلام؟".
- وقال في رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن ربيعة مطوع أهل ثادق (كما في تاريخ نجد،ص342): "وهذا الشرك الذي ذكره قد طبق اليوم مشارق الأرض ومغاربها، إلا الغرباء المذكورين في الحديث {وقليل ما هم}...".

- وقال (كما في الدرر السنية، ج10 ص6-8): "فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم، من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم - في هذا الزمان - التي أكثر الناس منكر لها... وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم; وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله. وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم: أن هذا الذي يفعل في الحرمين، والبصرة، والعراق، واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم: أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك".

- وقال ابن غنّام (في تاريخ نجد، ص13-14): "كان أكثر المسلمين – في مطلع القرن الثاني عشر الهجري – قد ارتكسوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطفأ في نفوسهم نور الهدى، لغلبة الجهل عليهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال. فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة... فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين... وظلوا يعكفون على أوثانهم تلك حتى صدق فيهم قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. وأحدثوا من الكفر والفجور، والشرك بعبادة أهل القبور، وصرف النذور إليهم، والابتهال بالدعاء لهم ما زادوا به على أهل الجاهلية... عكف إذن أكثر الناس على دعوة الأولياء والصالحين: أمواتهم وأحيائهم وفتنوا بالاعتقاد بقدرتهم على تقديم النفع وصرف السوء من دون الله... ولقد انتشر هذا الضلال حتى عمّ ديار المسلمين كافّة...". وانظر تفصيله لمظاهر الشرك في بلاد المسلمين كافة (نجد، الحجاز، الشام، مصر، العراق...) من ص14 إلى ص22 من كتابه.

- وقال ابن بشر (كما في عنوان المجد في تاريخ نجد،ج1 ص33-34): "وكان الشرك إذ ذاك قد فشا في نجد وغيرها، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور والبناء عليها والتبرك بها والنذر لها، والاستعاذة بالجن والنذر لهم، ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم. والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر".

- وقال عبد العزيز بن سعود في رسالة إلى أهل المخلاف السليماني (كما في الدرر السنية، ج1 ص266-267): "... فلما منّ الله علينا بمعرفة ذلك، وعرفنا أنه دين الرسل، اتبعناه ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس، من الشرك بالله، من عبادة أهل القبور، والاستغاثة بهم، والتقرب إلى الله بالذبح لهم، وطلب الحاجات منهم، مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات، وارتكاب الأمور المحرمات، وترك الصلوات، وترك شعائر الإسلام، حتى أظهر الله تعالى الحق بعد خفائه، وأحي أثره بعد عفائه، على يد شيخ الإسلام، فهدى الله تعالى به من شاء من الأنام. وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أحسن الله له في آخرته المآب، فأبرز لنا ما هو الحق والصواب، من كتاب الله المجيد، الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].فبين لنا أن الذي نحن عليه، وهو دين غالب الناس، من الاعتقادات في الصالحين وغيرهم، ودعوتهم، والتقرب بالذبح لهم، والنذر لهم، والاستغاثة بهم في الشدائد، وطلب الحاجات منهم أنه الشرك الأكبر، الذي نهى الله عنه، وتهدد بالوعيد الشديد عليه، وأخبر في كتابه أنه لا يغفره إلا بالتوبة منه... فحين كشف لنا الأمر، وعرفنا ما نحن عليه من الشرك، والكفر بالنصوص القاطعة، والأدلة الساطعة، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الأئمة الأعلام الذين أجمعت الأمة على درايتهم، عرفنا أن ما نحن عليه، وما كنا ندين به أولا، أنه الشرك الأكبر، الذي نهى الله عنه وحذر...".

- وقال سعود بن عبد العزيز في رسالة إلى الكتخدا علي بك نائب والي بغداد من قبل الدولة العثمانية(كما في الدرر السنية، ج9 ص285): "... وما ذكرت من جهة الحرمين الشريفين، الحمد لله على فضله وكرمه، حمدا كثيرا كما ينبغي أن يحمد، وعز جلاله، لما كان أهل الحرمين آبين عن الإسلام، وممتنعين عن الانقياد لأمر الله ورسوله، ومقيمين على مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضلال والفساد، وجب علينا الجهاد بحمد الله فيما يزيل ذلك عن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم من غير استحلال لحرمتهما".

- وقال إبراهيم وعبد الله وعلي أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1 ص27): "... تعرفون ما من الله به علينا وعليكم من دين الإسلام وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على جميع المسلمين. وأكثر الناس اليوم على الشرك وعبادة غير الله".
- وفي جواب مسائل وردت على ولدي الشيخ ابن عبد الوهاب حسين وعبد الله قالا (كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1 ص44): "وقد يحكم بأنّ أهل هذه القرية كفار حكمهم حكم الكفار ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه؛ لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام معذور في ترك الهجرة أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون [أي أتباع الوهابية]...".

- وقال عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج4 ص48-49): "... الاختلاف الذي بيننا وبينكم ليس هذا سببه، وإنما سبب الاختلاف والعداوة والمقاتلة لمن قاتلناه هو الشرك بالله الذي قد انتشر وذاع في سائر البلاد، من يمن وشام ومغرب ومشرق، وهو الاستغاثة بالصالحين ودعوتهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد...".

- وسئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى (كما في الدرر السنية، ج9 ص252-253): "من لم تشمله دائرة إمامتكم، ويتسم بسمة دولتكم، هل داره دار كفر وحرب على العموم؟ فأجابوا: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام، وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما نهى عنه وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولم نكفر أحدا دان بدين الإسلام، لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفر الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده، فقد كذب وافترى. وأما من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله، والعمل بفرائض الله، وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام، فهذا نكفره ونقاتله، ونشن عليه الغارة، بل بداره; وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا، بل الذي نتحقق ونعتقده: أن أهل اليمن وتهامة، والحرمين والشام والعراق، قد بلغتهم دعوتنا، وتحققوا أنا نأمر بإخلاص العبادة لله. وننكر ما عليه أكثر الناس، من الإشراك بالله من دعاء غير الله، والاستغاثة بهم عند الشدائد، وسؤالهم قضاء الحاجات، وإغاثة اللهفات; وأنا نأمر بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وسائر أمور الإسلام; وننهى عن الفحشاء والمنكرات، وسائر الأمور المبتدعات; ومثل هؤلاء لا تجب دعوتهم قبل القتال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون، وغزا أهل مكة بلا إنذار ولا دعوة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم خيبر، لما أعطاه الراية، وقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام"، فهو عند أهل العلم على الاستحباب، وأما إذا قدرنا: أن أناسا لم تبلغهم دعوتنا، ولم يعلموا حقيقة أمرنا، فإن الواجب دعوتهم أولا قبل القتال، فيدعون إلى الإسلام، وتكشف شبهتهم إن كان لهم شبهة، فإن أجابوا فإنه يقبل منهم، ثم يكف عنهم، فإن أبوا حلت دماؤهم وأموالهم".

- وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين (كما في الدرر السنية، ج10 ص404-405): "وهذا الذي ذكر الشيخ أن من فعله كافر بإجماع المسلمين، هو الذي يفعل اليوم عند هذه المشاهد المشهورة في أكثر بلاد الإسلام، بل زادوا على ذلك أضعافه، وضموا إلى ذلك الذبح والنذر لهم، وبعضهم زاد السجود لهم في الأرض. فنقول: كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شك، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع؛ ونحن نعلم أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنه من الشرك الذي حرمه الله، لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال".

- ووصف الشيخ عبد اللّطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ما كان عليه الناس زمن الشيخ ابن عبد الوهاب فقال (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص661-672): " كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان، قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهان والطواغيت معبورة غير مردودة ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق على غير الله، من الأولياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين. وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ومن بحره الأجاج شاربون، وبه راضون... وهكذا سائر بلاد نجد، على ما وصفنا من الإعراض عن دين الله، والجحد لأحكام الشريعة والردّ. ومن العجب أن هذه الاعتقادات الباطلة، والمذاهب الضالة، والعوائد الجائرة، والطرائق الخاسرة قد فشت وظهرت، وعمّت وطمّت، حتى بلاد الحرمين الشريفين... كذلك ما يفعل بالمدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، هو من هذا القبيل، بالبعد عن منهاج الشريعة والسبيل... وأما بلاد مصر وصعيدها وفيومها وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية والعبادات الوثنية والدعاوى الفرعونية ما لا يتسع له كتاب، ولا يدنو له خطاب، لا سيما عند مشهد أحمد البدوي وأمثاله من المعتقدين المعبودين. فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتهم... كذلك ما يفعل في بلدان اليمن، جار على تلك الطريق والسنن، ففي صنعاء وبرع والمخا وغيرها من تلك البلاد ما يتنزّه العاقل عن ذكره ووصفه، ولا يمكن الوقوف على غايته وكشفه، ناهيك بقوم استخفهم الشيطان، وعدلوا عن عبادة الرحمن إلى عبادة القبور والشيطان. فسبحان من لا يعجل بالعقوبة على الجرائم، ولا يهمل الحقوق والمظالم. وفي حضرموت والشحر وعدن ويافع ما تصتك عن ذكره المسامع، يقول قائلهم: شيء لله يا عيدروس! شيء لله يا محيي النفوس. وفي أرض نجران من تلاعب الشيطان، وخلع ربقة الإيمان، ما لا يخفى على أهل العلم بهذا الشأن... وكذلك حلب ودمشق وسائر بلاد الشام، فيها من تلك المشاهد والنصب والأعلام ما لا يجامع عليه أهل الإيمان والإسلام من أتباع سيد الأنام، وهي تقارب ما ذكرنا من الكفريات المصرية، والتلطخ بتلك الأوحوال الوثنية الشركية. وكذلك الموصل وبلاد الأكراد، ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد. وفي العراق من ذلك بحره المحيط بسائر الخلجان... وكذلك جميع قرى الشط والمجرة على غاية من الجهل والمغرّة. وفي القطيف والبحرين من البدع الرافضية، والأحداث المجوسية، والمقامات الوثنية، ما يضاد ويصادم أصول الملة الحنيفية. فمن اطلع على هذه الأفاعيل، وهو عارف بالإيمان والإسلام، وما فيهما من التفريع والتأصيل، تيقن أن القوم قد ضلوا عن سواء السبيل، وخرجوا عن مقتضى القرآن والدليل، وتمسكوا بزخارف الشيطان، وأحوال الكهان، وما شابه هذا القبيل...".

- وقال الشيخ حمد بن علي بن عتيق (كما في هداية الطريق، ص137-138): "... بلغني عنك ما ساءني، عسى أن يكون كذبا، وهو أنك تنكر على من اشترى من أموال أهل الأحساء، التي تؤخذ منهم قهرا. فإن كان صدقا فلا أدري ما الذي عرض لك؛ والذي عندنا أنّ الذي ينكر مثل هذا الأمر يعتقد معتقد أهل الضلال القائلين: إن من قال (لا إله إلا الله) لا يكفر، وإن ما عليه أكثر الخلق من فعل الشرك وتوابعه، والرضاء بذلك، وعدم إنكاره، لا يخرج من الإسلام. وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أصل هذه الدعوة، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون قد اطلع على أن البلد إذا ظهر فيها الشرك وأعلنت فيها المحرمات، وعطلت فيها معالم الدين، تكون بلاد كفر، تغنم أموال أهلها وتستباح دماؤهم... هذا ونحن نقول: قد يوجد فيها من لا يحكم بكفره في الباطن من مستضعف ونحوه، وأما في الظاهر فالأمر - ولله الحمد - واضح، ويكفيك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة، مع أن فيهم مستضعفين، وكذلك ما فعله أصحابه بكثير ممن ارتد عن الإسلام من استباحة الدماء والمال والسبي، وكل عاقل وعالم يعلم أن ما أتى به هؤلاء من الكفر والردة أقبح وأفحش وأكثر مما فعله أولئك...".

- وقال أيضا (كما في هداية الطريق، ص207-209): "جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر أم بلد إسلام; فنقول وبالله التوفيق:... وأما إذا كان الشرك فاشيا، مثل دعاء الكعبة والمقام والحطيم، ودعاء الأنبياء والصالحين وإفشاء توابع الشرك مثل الزنا والربا وأنواع الظلم، ونبذ السنن وراء الظهر، وفشوّ البدع والضلالات، وصار التحاكم إلى الأئمة الظلمة ونواب المشركين، وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة، وصار هذا معلوما في أي بلد كان، فلا يشك من له أدنى علم أنّ هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، لا سيما إذا كانوا معادين أهل التوحيد... وجماع الأمر أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير الله وتوابع ذلك، واستمر أهلها عليه وقاتلوا عليه، وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد وأبوا عن الانقياد للدين، فكيف لا يحكم عليها بأنها بلد كفر؟ ولو كانوا لا ينتسبون لأهل الكفر، وأنهم منهم بريئون مع مسبتهم لهم، وتخطئتهم لمن دان به والحكم عليهم بأنهم خوارج أو كفار، فكيف إذا كانت هذه الأشياء كلها موجودة؟ فهذه مسألة عامة كلية".

- وقال الشيخ سليمان بن سحمان (كما في منهاج أهل الحق والإتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع، ص15-17): "قد كان أهل نجد قبل ظهور هذه الدعوة المحمدية [أي دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب] على غاية من الجهالة والضلالة, والفقر والعالة, لا يستريب في ذلك عاقل, ولا يجادل فيه عارف, كانوا على غاية من الجهالة في أمر دينهم, في جاهلية: يدعون الصالحين, ويعتقدون في الأشجار والأحجار والغيران, ويطوفون بقبور الأولياء, يرجون الخير والنصر من جهتها, وفيهم من كفر الاتحادية والحلولية, وجهالة الصوفية ما يرون أنه من الشعب الإيمانية والطريقة المحمدية, وفيهم من إضاعة الصلاة ومنع الزكاة وشرب المسكرات ما هو معروف مشهور, وغير ذلك من جميع الفواحش والمنكرات التي لا تحصى, ولا تستقصى, فهذه هي حال الحاضرة من أهل نجد قبل ظهور الدعوة الإسلامية والطريقة المحمدية. وأما حال الأعراب من أهل نجد وغيرهم فهم أغلظ كفرا ونفاقا, وأشد إعراضا عن الدين, مع ما هم عليه من قتل النفس ونهب الأموال وارتكاب المحرمات... ويصدق عليهم قول الأعرابي الذي وفد على الشيخ في الدرعية - لما تبين له الإسلام, وعرف أنّ ما هم عليه قبل ذلك هو الكفر والإشراك بالله - فقال: أشهد بالله أني وسائر البدو كفار, وأنّ المطوع الذي ما يكفر البدو كافر... فهذه هي حال أهل نجد حاضرتهم وباديتهم بعد ما دخلوا في دين الله وتركوا ما كانوا عليه قبل ذلك من الكفر بالله والإشراك به".

وقال (ص79): "... من في جزيرة العرب لا نعلم ما هم عليه جميعهم, بل الظاهر أن غالبهم وأكثرهم ليسوا على الإسلام, فلا نحكم على جميعهم بالكفر لاحتمال أن يكون فيهم مسلم. وأما من كان في ولاية إمام المسلمين [يعني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود] فالغالب على أكثرهم الإسلام, لقيامهم بشرائع الإسلام الظاهرة. ومن قام به من نواقض الإسلام ما يكونون به كفارا فلا نحكم على جميعهم بالإسلام ولا على جميعهم بالكفر, لما ذكرنا. وأما من لم يكن في ولاية إمام المسلمين فلا ندري بجميع أحوالهم وما هم عليه, لكن الغالب على أكثرهم ما ذكرناه أولا من عدم الإسلام".

وقال (ص84): "أهل نجد كانوا قبل دعوة الشيخ على الكفر, وبينا أن جميع باديتهم وحاضرتهم أسلموا بتلك الدعوة, وعمهم الإسلام بما أغنى عن إعادته ههنا".

يتبع إن شاء الله تعالى...
24 محرم 1435هـ









قديم 2014-10-21, 12:54   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (11):
تكفير الدولة العثمانية

تبيّن معنا فيما سبق أنّ الدعوة الوهابية كفّرت غالب الناس، وكفّرت المجتمع والدار والدولة؛ ولهذا أقامت دولة إسلامية رفعت لواء الجهاد، وقاتلت الناس، واعتبرت أموالهم غنيمة (وهي ما يؤخذ من مال الكافر على وجه القهر والغلبة). ومن علماء الوهابية من يعتبر الدولة الوهابية/السعودية خلافة راشدة. جاء في ترجمة محمد بن سعود (كما في الدرر السنية، ج16 ص355): "صار هو: الخليفة في نجد، من سنة 1158 إلى 1179 وتتابعت الخلافة في ذريته إلى الآن". وفي رسالة من عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن فيصل قال (كما في الدرر السنية، ج14 ص122): " تفهم أن أول ما قام به جدك محمد، وعبد الله، وعمك عبد العزيز أنها خلافة نبوة، يطلبون الحق ويعملون به، ويقومون ويغضبون له، ويرضون ويجاهدون، وكفاهم الله أعداءهم على قوتهم، إذا مشى العدو كسره الله، قبل أن يصل، لأنها خلافة نبوة". وقال في رسالة أخرى (كما في الدرر السنية، ج14 ص77): "من عبد الرحمن بن حسن، إلى إمام المسلمين، وخليفة سيد المرسلين، في إقامة العدل والدين، وهو سبيل المؤمنين، والخلفاء الراشدين، فيصل بن تركي، جعله الله في عدادهم، متبعا لسيرهم وآثارهم، آمين".

وأما الخلافة العثمانية، فقد اعتبرها دعاة الوهابية دولة شركية؛ لأنّ مظاهر الشرك السائدة في البلاد الخاضعة لسلطتهم كانت بعلم السلطان والولاة، وكانت برعايتهم وتشجيعهم. قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين (كما في الدرر السنية، ج10 ص397): "... عمارة هذه المشاهد الشركية، أكثرها من تحت أيدي ولاة الأمور، وأهل الدنيا، ووافقهم على ذلك، وزينه لهم بعض علماء السوء; وبسبب ذلك: استحكم الشر، وتزايد، والشر في زيادة، والخير في نقصان. وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلكت بنو إسرائيل على يدي قرائهم وفقهائهم، وستهلك هذه الأمة على يدي قرائها وفقهائها" فما أصدق قول عبد الله بن المبارك، رحمه الله تعالى: وهل أفسد الدين إلا الملوك، وأحبار سوء ورهبانها". وقال الشيخ عبد اللّطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بعدما وصف ما كان عليه الناس من الشرك في البلاد الإسلامية زمن الشيخ ابن عبد الوهاب (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص674-675): "وهذه الحوادث المذكورة، والكوارث المشهورة، والبدع المزبورة، قد أنكرها أهل العلم والإيمان، واشتد نكيرهم حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان. ولكن لما كانت الغلبة للجهال والطغام، انتقضت عرى الدين، وانثلمت أركانه وانطمست منه الأعلام، وساعدهم على ذلك من قلّ حظه ونصيبه من الرؤساء والحكام، والمنتسبين من الجهال إلى معرفة الحلال والحرام، فاتبعتهم العامة والجمهور من الأنام، ولم يشعروا بما هم عليه من المخالفة والمباينة لدين الله الذي اصطفاه لخاصته وأوليائه وصفوته الكرام. ومع عدم العلم، والإعراض عن النظر في آيات الله والفهم، لا مندوحة للعامة عن تقليد الرؤساء والسادة... وما أحسن ما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها".

ونذكر فيما يلي جملة من النقول تبيّن تكفير الوهابية للخلافة العثمانية والترك:

- قال سعود بن عبد العزيز في رسالة (بتاريخ 14 من ذي القعدة سنة 1225هـ) إلى سليمان باشا والي بغداد من قبل الدولة العثمانية (كما في الدرر السنية، ج1 ص293-312): "فشعائر الكفر بالله، والشرك به، هي الظاهرة عندكم، مثل بناء القباب على القبور، وإيقاد السرج عليها، وتعليق الستور عليها، وزيارتها بما لم يشرعه الله ورسوله، واتخاذها عيدا، وسؤال أصحابها قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، هذا مع تضييع فرائض الله التي أمر الله بإقامتها، من الصلوات الخمس، وغيرها، فمن أراد الصلاة صلى وحده، ومن تركها لم ينكر عليه، وكذلك الزكاة ; وهذا أمر، قد شاع، وذاع، وملأ الأسماع، في كثير من بلاد الشام، والعراق، ومصر، وغير ذلك من البلدان... فانظر إلى تصريح هؤلاء الأئمة، بأن هذه الأعمال الشركية، قد عمت بها البلوى، وشاعت في كثير من بلاد الشام وغيرها، وأن الإسلام قد اشتدت غربته، حتى صار المعروف منكرا، والمنكر معروفا; وأن هذه المشاهد، والأبنية التي على القبور، قد كثرت، وكثر الشرك عندها وبها، حتى صار كثير منها، بمنزلة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، بل أعظم شركا عندها وبها، وهذا مما يبطل قولكم: إنكم على الفطرة الإسلامية، والاعتقادات الصحيحة، ويبين أن أكثركم قد فارق ذلك، ونبذه وراء ظهره، وصار دينه الشرك بالله، ودعاء الأموات، والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتمسك بالبدع المحدثات. وأما قولكم: فنحن مسلمون حقا، وأجمع على ذلك أئمتنا أئمة المذاهب الأربعة، ومجتهدوا الدين والملة المحمدية. فنقول: قد بينا من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أتباع الأئمة الأربعة، ما يدحض حجتكم الواهية، ويبطل دعواكم الباطلة، وليس كل من ادعى دعوى، صدقها بفعله... وحالكم، وحال أئمتكم، وسلاطينكم، تشهد بكذبكم وافترائكم في ذلك. وقد رأينا لما فتحنا الحجرة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، عام اثنين وعشرين، رسالة لسلطانكم: سليم، أرسلها ابن عمه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغيث به، ويدعوه، ويسأله النصر على الأعداء، من النصارى وغيرهم; وفيها من الذل، والخضوع، والعبادة، والخشوع، ما يشهد بكذبكم. وأولها: من عبيدك السلطان سليم، وبعد: يا رسول الله، قد نالنا الضر، ونزل بنا من المكروه ما لا نقدر على دفعه، واستولى عباد الصلبان على عباد الرحمن، نسألك النصر عليهم، والعون عليهم، وأن تكسرهم عنا، وذكر كلاما كثيرا، هذا معناه وحاصله. فانظر إلى هذا الشرك العظيم، والكفر بالله الواحد العليم، فما سأله المشركون من آلهتهم، العزى واللات، فإنهم إذا نزلت بهم الشدائد، أخلصوا لخالق البريات. فإذا كان هذا حال خاصتكم، فما الظن بفعل عامتكم، وقد رأينا من جنس كلام سلطانكم، كتبا كثيرة في الحجرة للعامة والخاصة، فيها من سؤال الحاجات، وتفريج الكربات، ما لا نقدر على ضبطه... فإن كنتم صادقين في دعواكم أنكم على ملة الإسلام، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فاهدموا تلك الأوثان كلها، وسووها بالأرض، وتوبوا إلى الله من جميع الشرك والبدع، وحققوا قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. ومن صرف من أنواع العبادة شيئا لغير الله، من الأحياء والأموات، فانهوه عن ذلك، وعرفوه أن هذا مناقض لدين الإسلام، ومشابهة لدين عباد الأصنام؛ فإن لم ينته عن ذلك إلا بالمقاتلة، وجب قتاله، حتى يجعل الدين كله لله; وقوموا على رعاياكم بالتزام شعائر الإسلام وأركانه، من إقام الصلاة جماعة في المساجد، فإن تخلف أحد، فأدبوه، وكذلك الزكاة التي فرض الله، تؤخذ من الأغنياء، وترد على أهلها الذين أمر الله بصرفها إليهم. فإذا فعلتم ذلك فأنتم إخواننا، لكم ما لنا، وعليكم ما علينا، يحرم علينا دماؤكم وأموالكم. وأما إن دمتم على حالكم هذه، ولم تتوبوا من الشرك، الذي أنتم عليه، وتلتزموا دين الله الذي بعث الله به رسوله، وتتركوا الشرك والبدع والمحدثات، لم نزل نقاتلكم، حتى تراجعوا دين الله القويم، وتسلكوا صراطه المستقيم، كما أمرنا الله بذلك...".

- وكتب الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رسالة في بيان كفر الترك وحرمة موالاتهم عنوانها: "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك". قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري (كما في الدرر السنية، ج9 ص157): "سبب تصنيف "الدلائل"، فإن الشيخ سليمان، صنفها لما هجمت العساكر التركية على نجد في وقته، وأرادوا اجتثاث الدين من أصله، وساعدهم جماعة من أهل نجد، من البادية والحاضرة، وأحبوا ظهورهم". وعليه، فالألفاظ الواردة في الكتاب، كأهل الشرك والمشركين وعبّاد القبور والقباب وجنود الشرك وغيرها، إنما يراد بها الأتراك. ومما جاء في الدلائل (ص5) قول الشيخ سليمان: "اعلم، رحمك الله: أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفاً منهم ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين؛ هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم، ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل، وأعانهم عليه بالنصرة والمال ووالاهم، وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود الشرك والقباب وأهلها، بعد ما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله؟ فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر، من أشدّ الناس عداوة لله ورسوله". وقوله (ص8-9): "فكيف بأهل البلدان الذين كانوا على الإسلام، فخلعوا ربقته من أعناقهم، وأظهروا لأهل الشرك الموافقة على دينهم، ودخلوا في طاعتهم وآووهم ونصروهم، وخذلوا أهل التوحيد، وابتغوا غير سبيلهم وخطئوهم، وظهر فيهم سبهم وشتمهم وعيبهم والاستهزاء بهم، وتسفيه رأيهم في ثباتهم على التوحيد، والصبر عليه وعلى الجهاد فيه، وعاونوهم على أهل التوحيد طوعاً لا كرهاً، واختياراً لا اضطراراً. فهؤلاء أولى بالكفر والنار، من الذين تركوا الهجرة شحاً بالوطن، وخوفاً من الكفار، وخرجوا في جيشهم مكرهين خائفين". وقوله (ص15): "فهذه الآية مطابقة لحال المنقلبين عن دينهم في هذه الفتنة، يعبدون الله على حرف، أي على طرف، ليسوا ممن يعبد الله على يقين وثبات، فلما أصابتهم هذه الفتنة انقلبوا عن دينهم، وأظهروا موافقة المشركين، وأعطوهم الطاعة، وخرجوا من جماعة المسلمين إلى جماعة المشركين، فهم معهم في الآخرة كما هم معهم في الدنيا، فـخسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين". وقوله (19): "فأخبر تعالى خبرا بمعنى الأمر بولاية الله ورسوله والمؤمنين، وفي ضمنه النهي عن موالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين. ولا يخفى أي الحزبين أقرب إلى الله ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، أأهل الأوثان والقباب والقحاب واللواط والخمور والمنكرات، أم أهل الإخلاص وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة؟ فالمتولي لضدهم واضع للولاية في غير محلها، مستبدل بولاية الله ورسوله والمؤمنين المقيمين للصلاة المؤتين للزكاة ولاية أهل الشرك والأوثان والقباب".

- وقال الشيخ علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب في قصيدة يتحدث فيها عن سقوط الدرعية (كما في مجموعة القصائد الزهديات، لعبد العزيز المحمد السلمان، ج1 ص412):

بَدَّلَت النَّعْمَاءُ بُؤْسًا وَأَصْبَحَتْ ... طُغَاةٌ عُتَاةٌ مَلْجَئًا لِلأَرَاذِلِ
وَبَثَّ عُتَاةُ الدِّيْنِ في الأرَضِ بَغْيَهُم ... وَرِيْعَتْ قُلُوبُ المُؤْمِنِيْنَ الغَوَافِلِ
وَأَقْبَلَ قَادَاتُ الضَّلاَلَةِ وَالرَّدَى ... وَسَادَاتُهَا في عَسْكَرٍ وَجَحَافِلِ
وَشُتِّتَ شَمْلُ الدِّيْنِ وَانْبَتَّ أصْلُهُ ... فَأَضْحَى مُضَاعًا كَالبُدُوْرِ الأَوَافِلِ
وَفَرّ عَنِ الأَوْطَانِ مَنْ كَانَ قَاطِنًا ... تَرَاهُمْ فُرَادَى نَحْوَ قِطْرٍ وَسَاحِلِ
وَفُرِّقَ شَمْلٌ كَانَ لِلْخَيْرِ شَاملاً ... وَزَالَتْ وُلاَةُ المُسْلِمِيْنَ الأَعَادلِ
وَسَادَ شِرَارُ الخَلْقِ في الأَرْضِ بَعُدْهُمْ ... وَدَارَتْ رَحىً لِلأَرْذَلِيْنَ الأَسَافِلِ
- وقال الشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمّر في قصيدة يرثي فيها سقوط الدرعية (كما في مجموعة القصائد الزهديات، لعبد العزيز المحمد السلمان، ج1 ص234-235):

عسى وعسى أن ينصر الله دينه ... ويجبر منّا مأمنا قد تصدّعا
ويظهر نور الحقّ يعلو ضياؤه ... فيضحي ظلام الشرك والشكّ مقشعا
- وكتب الشيخ حمد بن علي بن عتيق رسالة في بيان كفر الترك وحرمة موالاتهم عنوانها: "سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك". قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري (كما في الدرر السنية، ج9 ص157-158): "وكذلك: سبب تصنيف الشيخ حمد بن عتيق "سبيل النجاة" هو لما هجمت العساكر التركية على بلاد المسلمين، وساعدهم من ساعدهم، حتى استولوا على كثير من بلاد نجد". ومما جاء في سبيل النجاة قول الشيخ حمد (كما في هداية الطريق، ص21): "ومما أخبر أنّ أمته تقاتل الترك... فكان من حكمة الله تعالى وعدله أن سلّطهم المسلمين، لما ظهرت فيهم الملة الحنيفية، ودعوا على الطريقة المحمدية. ولكن حصل من بعضهم ذنوب، بها تسلّطت هذه الدولة الكفرية [أي الدولة العثمانية]".

- وكتب أيضا رسالة عنوانها: "الدفاع عن أهل السنّة والإتباع"، ألفها لبيان حكم الهجرة عن بلد استولت عليه العساكر التركية "الذين قد شاع كفرهم وتنوع فسادهم". (ينظر هداية الطريق، ص73-99).

- وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله ابن طوق في قصيدة يصف فيها حال الأحساء بعد أن استولى عليها الأتراك أرسلها إلى الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (كما في مشاهير علماء نجد، ص1144-115):

وأعظم من ذا يا خليلي كتائب ... تهدم من ربع الهدى كل عامر
ويبدو بها التعطيل والكفر والزنا ... ويعلو من التأذين صوت المزامر
فقد سامنا الأعداء في كل خطة ... واصل من الإسلام سوم المقامر
أناخ لدينا للضلالة شيعة ... أباحوا حمى التوحيد من كل فاجر

- وفي الدرر السنية (ج9 ص209-210): "وسئل الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ: صالح بن عبد العزيز، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، وكافة علماء العارض، عن العجمان، والدويش، ومن تبعهم، حيث خرجوا من بلدان المسلمين، يدعون: أنهم مقتدون بجعفر بن أبي طالب وأصحابه، رضي الله عنهم، حيث خرجوا من مكة مهاجرين إلى الحبشة؟ فأجابوا: هؤلاء الذين ذكرهم السائل، وهم العجمان والدويش ومن تبعهم، لا شك في كفرهم وردتهم، لأنهم انحازوا إلى أعداء الله ورسوله، وطلبوا الدخول تحت ولايتهم، واستعانوا بهم، فجمعوا بين الخروج من ديار المسلمين، واللحوق بأعداء الملة والدين، وتكفيرهم لأهل الإسلام، واستحلال دمائهم وأموالهم... وأما قول السائل: إنهم يدعون أنهم رعية الأتراك، ومن الأتراك السابقين، وأنهم لم يدخلوا تحت أمر ابن سعود وطاعته، إلا مغصوبين، فهذا أيضا من أعظم الأدلة على ردتهم، وكفرهم".

- وفي الدرر السنية (ج9 ص289-291): "وقال بعضهم رحمهم الله تعالى [أي من علماء الدعوة الوهابية]... فمن لم يكفّر المشركين من الدولة التركية، وعباد القبور كأهل مكة وغيرهم، ممن عبد الصالحين، وعدل عن توحيد الله إلى الشرك، وبدل سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالبدع، فهو كافر مثلهم...".

- وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين (كما في الدرر السنية، ج6 ص398): "عن مسلم له ثمرة أخذها جيرانه، يدعون أنهم اشتروها من رجل آخر اشتراها من عدو تغلب عليهم، من أمراء الأتراك المتغلبين على البلاد، وأقام صاحب الثمرة بينة: أن هذا الرجل الذي باعها على جيرانه، استوهبها من العدو المتغلب فوهبها له، والبينة تشهد بإقرار البائع لها، وكذلك تشهد البينة على إقرار المشترين، الذين باشروا أخذها من رءوس النخل ... إلخ؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، لا بد من الكلام على أصل هذه المسألة، وهو ما حكم مال المسلم إذا استولى عليه الكفار، هل يملكونه بذلك أم لا؟...".

- وقال الشيخ سليمان بن سحمان (كما في منهاج أهل الحق والإتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع، ص78): "وكذلك قوله رحمه: وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسالة فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره. قلت: وهؤلاء كأمثال الذين حكموا بإسلام طائفة الترك وأشباههم...".

- وقال (ص101): "... السفر إلى بلد الأحساء بعد أن أخرج الإمام الدولة الكفار [أي الدولة العثمانية] منها مباح، فهذا لا شك فيه، لأنها صارت دار إسلام، بعد أن كانت دار كفر...".

- وأنظر أيضا ديوانه المسمى "ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان" وستجد فيه جملة كثيرة من القصائد يكفّر فيها الدولة العثمانية والترك ومن رضي بولايتهم.

- وقال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري (كما في الدرر السنية، ج9 ص157-158): "نبين لكم سبب تصنيف "الدلائل"، فإن الشيخ سليمان، صنفها لما هجمت العساكر التركية على نجد في وقته، وأرادوا اجتثاث الدين من أصله، وساعدهم جماعة من أهل نجد، من البادية والحاضرة، وأحبوا ظهورهم. وكذلك: سبب تصنيف الشيخ حمد بن عتيق "سبيل النجاة" هو لما هجمت العساكر التركية على بلاد المسلمين، وساعدهم من ساعدهم، حتى استولوا على كثير من بلاد نجد. فمعرفة سبب التصنيف مما يعين على فهم كلام العلماء، فإنه بحمد الله ظاهر المعنى؛ فإن المراد به موافقة الكفار على كفرهم، وإظهار مودتهم، ومعاونتهم على المسلمين، وتحسين أفعالهم، وإظهار الطاعة والانقياد لهم على كفرهم".

- وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن (كما في الدرر السنية، ج10 ص450-451): "... وأقاموا على ذلك مدة سنين، في أمن وعافية، وعز وتمكين، وبنودهم تخفق شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، حتى دهمهم ما دهمهم، من الحوادث العظام، التي أزعجت القلوب، وزلزلتهم من الأوطان، عقوبة قدرية، سببها ارتكاب الذنوب والمعاصي، لأن من عصى الله وهو يعرفه، سلط الله عليه من لا يعرفه. والفتنة التي حلت بهم، هي فتنة العساكر التركية، والمصرية، فانتثر نظام الإسلام، وشتت أنصاره وأعوانه، وارتحلت الدولة الإسلامية; وأعلن أهل النفاق بنفاقهم، فرجع من رجع إلى دين آبائه، وإلى ما كان عليه سابقا من الشرك والكفر; وثبت من ثبت على الإسلام; وقام بهم من أمور الجاهلية أشياء، لا تخرج من ثبت منهم عن الإسلام".

- وقال الشيخ عبد اللّطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص906-907): "... ثم بلغنا أن الدولة ومن والاهم من النصارى وأشباههم، نزلوا على القطيف، يزعمون نصرة عبد الله، وهم يريدون الإسلام وأهله، وحضّينا سعودا على جهادهم ورغّبناه في قتالهم، وكتبنا لبلاد المسلمين بذلك. قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}. والعاقل يدور مع الحق أينما دار، وقتال الدولة والأتراك، والإفرنج وسائر الكفار، من أعظم الذخائر المنجية من النار".

- وقال في رسالة إلى حمد بن عتيق (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص920): "وعبد الله له بيعة، وله ولاية شرعية في الجملة. ثم بعد ذلك بدا لي منه: أنه كاتب الدولة الكافرة الفاجرة [أي الدولة العثمانية]، واستنصرها، واستجلبها علي ديار المسلمين... فخاطبته شفاها بالإنكار والبراءة، وأغلظت له بالقول إنّ هذا هدم لأصول الإسلام، وقلع لقواعده، وفيه وفيه وفيه مما لا يحضرني تفصيله الآن، فأظهر التوبة والندم، وأكثر الاستغفار".

- وقال في رسالة إلى أهل الحوطة (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص940-941): "وبعد: فأوصيكم بتقوى الله وطاعته والاعتصام بحبله، وترك التفرق والاختلاف، ولزوم جماعة المسلمين، فقد قامت الحجة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعرفتم أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة. وقد أناخ بساحتكم من الفتن والمحن ما لا نشكوه إلاّ إلى الله. فمن ذلك الفتنة الكبرى والمصيبة العظمى؛ الفتنة بعساكر المشركين أعداء الملة والدين [أي عساكر الخلافة العثمانية]، وقد اتسعت وأضرت، ولا ينجو المؤمن منها إلا بالاعتصام بحبل الله، وتجريد التوحيد، والتحيز إلى أولياء الله وعباده المؤمنين، والبراءة كل البراءة ممن أشرك بالله، وعدل به غيره، ولم ينزّهه مما انتحله المشركون، وافتراه المكذبون; وأفضل القرب إلى الله: مقت أعدائه المشركين، وبغضهم وعداوتهم وجهادهم، وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك فله من ولايتهم بحسب ما أخلّ به وتركه من ذلك".

- وسئل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف (كما في الدرر السنية، ج10 ص429): "عمن لم يكفر الدولة [أي الدولة العثمانية]، ومن جرهم على المسلمين، واختار ولايتهم وأنه يلزمهم الجهاد معه; والآخر لا يرى ذلك كله، بل الدولة ومن جرهم بغاة، ولا يحل منهم إلا ما يحل من البغاة، وأن ما يغنم من الأعراب حرام؟ فأجاب: من لم يعرف كفر الدولة، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين، لم يعرف معنى لا إله إلا الله،؛ فإن اعتقد مع ذلك: أن الدولة مسلمون، فهو أشد وأعظم، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله، وأشرك به; ومن جرهم وأعانهم على المسلمين، بأي إعانة، فهي ردة صريحة".

- وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ (كما في مشاهير علماء نجد وغيرهم، هامش ص94): "ما ذكره الشيخ عبد الرزاق البيطار وفيه خطآن الأول حذفه اسم والد المترجم الشيخ عبد الله فانه كما ذكرنا الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. والخطأ الثاني ترحمه على السلطان محمود فما كان يستحق ذلك وليس هذا محل إبراز معائب السلطان محمود والعثمانيين الذين تسلطوا على أهل هذه الدعوة السلفية بغياً وعدواناً والحمد لله أن هذه الدعوة السلفية عادت أعظم مما كانت وأن أعداءها بادوا لا تحس منهم أحداً ولا تسمع لهم ركزاً أيد الله ولاة هذه الدعوة من ملوك آل سعود وجعلهم أنصارا لدينه انه سميع مجيب".
- وقال (هامش ص111): "وقوله: وأظهر الاستغفار والندم، يريد بذلك الإمام عبد الله بن فيصل وسبب استغفاره وندمه وتوبته أنه استعان بالدولة العثمانية على قتال أخيه سعود بن فيصل وهذا لا يجوز لأنه حرام في الشرع الاستعانة بالمشرك على قتال المسلم ومعلوم أن الدولة العثمانية كانت وثنية تدين بالشرك والبدع وتحميها وتقاتل من وحد الله ودعا إلى إفراده بالعبادة. كما جرى لأهل هذه الدعوة السلفية معهم من الوقائع والحروب وما نقم العثمانيون من أهل هذه الدعوة السلفية إلا أنهم آمنوا بالله ورسوله ودعوا إلى إفراد الله جل وعلا بالعبادة ودعوا إلى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر...".

أقول: والعجيب، أنّه لما وقعت الفتنة بين أبناء فيصل: عبد الله وسعود، وعزم عبد الله على الاستعانة بالدولة العثمانية، استفتى بعض العلماء الوهابية ومنهم محمد بن إبراهيم بن عجلان، فأفتوه بجواز ذلك من باب "جواز الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام". فردّ عليه بعض علماء الوهابية ومنهم الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن الذي قال في رسالة له (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص279-283): "وما ذكرت من استعانته بابن أريقط، فهذا اللفظ ظاهر في مشاقة قوله في حديث عائشة: "إنا لا نستعين بمشرك"، وابن أريقط أجير مستخدم، لا معين مكرم. وكذلك قولك: إن شيخ الإسلام ابن تيمية استعان بأهل مصر والشام، وهم حينئذ كفار، وهلة عظيمة، وزلة ذميمة... وأما إجازتك الاستنصار بهم، فالنزاع في غير هذه المسألة، بل في توليتهم وجلبهم، وتمكينهم من دار إسلامية، هدموا بها شعار الإسلام وقواعد الملة، وأصول الدين وفروعه. وعند رؤسائهم قانون وطاغوت، وضعوه للحكم بين الناس في الدماء والأموال وغيرها، مضاد ومخالف للنصوص، إذا وردت قضية نظروا فيه وحكموا به، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. وأما مسألة: الاستنصار بهم، فمسألة خلافية والصحيح الذي عليه المحققون: منع ذلك مطلقاً... ثم القائل به شرط: أن يكون فيه نصح للمسلمين، ونفع لهم، وهذه القضية فيها هلاكهم ودمارهم. وشرط أيضا أن لا يكون للمشرك صولة ودولة يخشى منها، وهذا مبطل لقولك في هذه القضية. واشترط مع ذلك أن لا يكون له دخل في رأي ولا مشورة، بخلاف ما هنا. كل هذا ذكره الفقهاء وشراح الحديث، ونقله في شرح المنتقى، وضعف مرسل الزهري جداً. وكل هذا في قتال المشرك للمشرك مع أهل الإسلام. وأما استنصار المسلم بالمشرك على الباغي، فلم يقل بهذا إلا من شذ واعتمد القياس، ولم ينظر إلى مناط الحكم، والجامع بين الأصل وفرعه. ومن هجم على مثل هذه الأقوال الشاذة، واعتمدها في نقله وفتواه، فقد تتبع الرخص، ونبذ الأصل المقرر عند سلف الأمة وأئمتها...".

والقول بجواز الاستعانة بالدولة العثمانية من باب "جواز الاستنصار بالكفار على البغاة من أهل الإسلام"، يدلّ على اتفاق علماء الوهابية على كفر الدولة العثمانية، وأنها دولة شركية وثنية يحرم الدخول في ولايتها.

يتبع إن شاء الله تعالى...
28 محرم 1435هـ









قديم 2014-10-21, 12:57   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (12)

هل كانت الدولة العثمانية دولة إسلامية؟

- قال الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي (في الدولة العثمانية: دولة إسلامية مفترى عليها، ج1 ص54): "والدولة العثمانية دولة دينية. ويقصد بهذه العبارة الطابع الديني الإسلامي الذي اتسمت به تشريعاتها ومعظم تصرفاتها".

وقال (ج1 ص65): "ووضح الطابع الديني وعمقه في الدولة من حرصها على تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية تطبيقا صارما من ناحية، وعلى المحافظة على التقاليد الإسلامية من ناحية أخرى".

- وقال الدكتور إسماعيل أحمد ياغي (في الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، ص7): "ويعتبر التاريخ العثماني مكملا لتاريخ الإسلام، وإن السلاطين (الخلفاء) العثمانيين كانت لهم الهيبة والمحبة في نفوس المسلمين أسوة بغيرهم من الخلفاء الأمويين والعباسيين، فقد عملوا على نشر الإسلام، وأجلّوا العلماء وأكرموا أهل القرآن، وانقادوا للشرع الشريف مع علو قدرهم، فهم دائما للشرع معظمون وبإتباعه آمرون. واهتموا بخدمة الحرمين الشريفين والاعتناء بمصالحهما، وقدموا الصدقات الجليلة والإحسانات إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة والقدس والخليل...".

وقال (ص256): "كانت الدولة العثمانية تمثل الأقطار الإسلامية، فهي مركز الخلافة، لذا كان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخلافة وإلى الخليفة نظرة احترام وتقدير، ويعدون أنفسهم من أتباعه ورعاياه، وبالتالي كانت نظرتهم إلى مركز الخلافة ومقرّها المحبة والعطف وكلما وجد المسلمون أنفسهم في ضائقة طلبوا الدعم من مركز الخلافة كما كان الخلفاء".

- وقال زياد أبو غنيمة (في جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك، ص21): "الدولة العثمانية دولة إسلامية المنطلق، والراية، والهدف".
وقال (ص24): "لهؤلاء المتشككين، إن وجدوا، أسوق دليلا آخر، يتمثل في نصوص الواجبات التي أناطها دستور الدولة العثمانية بسلاطين الدولة... هذه الواجبات هي: أولا: أن يخضع السلطان لأحكام الشريعة الإسلامية خضوعا كاملا. ثانيا: أن يجلّ الشريعة الإسلامية ويبجّل علماءها. ثالثا: أن يحمي مقدسات المسلمين، وينظم شؤون الحجّ بعناية. رابعا: أن يدافع عن تخوم المسلمين ضد أعدائهم".
وقال (ص26): "ويؤكد الأستاذ الدكتور عبد الكريم غرايبة في كتابه (العرب والترك) الهوية الإسلامية للدولة العثمانية بقوله: لقد تعلّق الناس بالسلطان الذي وحدهم، فجعل بلادهم سوقا واحدة، وحماهم من العدو الإفرنجي، ورفع راية الإسلام زمنا طويلا، وطبّق أحكام الشريعة".

- وجاء (في كتاب: صفحات من تاريخ الدولة العثمانية، لجمال عبد الهادي محمد مسعود ووفاء جمعة وعلي لبن، ص8): "إن الدولة العثمانية كانت دولة عقدية بمعنى أنها تؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا؛ ولذلك فإن الدولة كانت تدعو إلى الإسلام في الداخل والخارج وتربي النشء عليه، وتحميه من التيارات الفكرية المعارضة للإسلام، وترتب على ذلك أيضا جميع أنظمة الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتعليمية والثقافية والعسكرية كانت تنبثق من الإسلام... من عقيد توحيد الله رب العالمين، وكذلك سياستها تجاه الدول الخارجية وعلاقاتها الدولية والمحلية".

- وقال الشيخ تقي الدين النبهاني (في نظام الإسلام، ص44-45): "أما كون المسلمين طبقوا الإسلام عملياً فإن الذي يطبق النظام هو الدولة، والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما القاضي الذي يفصل الخصومات بين الناس، والثاني الحاكم الذي يحكم الناس. أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى نهاية الخلافة في استانبول، كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف في جميع أمور الحياة، سواء بين المسلمين وحدهم، وبين المسلمين وغيرهم. وقد كانت المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك، محكمة واحدة تحكم بالشرع الإسلامي وحده. ولم يرو أحد أن قضية واحدة فصلت على غير الأحكام الشرعية الإسلامية، أو أن محكمة ما في البلاد الإسلامية حكمت بغير الإسلام قبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير الاستعمار. وأقرب دليل على ذلك سجلات المحاكم الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع الإسلامي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة. حتى إن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه الإسلامي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة. وأما ما أدخل من القوانين فإنه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها لا تخالف أحكام الإسلام، وهكذا أدخل قانون الجزاء العثماني 1275هـ الموافق 1857م وأدخل قانون الحقوق والتجارة 1276هـ الموافق 1858م ثم في 1288هـ والموافق 1870م جعلت المحاكم قسمين: محاكم شرعية ومحاكم نظامية، ووضع لها نظام. ثم في 1295هـ الموافق 1877م وضعت لائحة تشكيل المحاكم النظامية. ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية 1296هـ. ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة قانوناً للمعاملات، واستبعد القانون المدني وذلك 1286هـ. فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها الإسلام، ولم توضع موضع العمل إلا بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها، وبعد أن أذن شيخ الإسلام بها، كما تبين من المراسيم التي صدرت بها".

- وقال الدكتور أحمد آق كوندوز (في الدولة العثمانية المجهولة، ص12-13): "... حتى في أحلك أيام الدولة العثمانية وأكثرها سوءا بذلوا ما بوسعهم لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فلم يخالفوا صراحة حكما شرعيا إسلاميا صريحا كحرمة الخمر مثلا، بل اتبعوا الشريعة حتى في الأمور الاجتهادية، وملايين الوثائق الموجودة حاليا في الأرشيف العثماني تبرهن على هذا...".

وقال (ص566): "... ويلزم أن نعيّن المصادر الأساسية للتشريع العثماني حتى نستجلي طبيعة العلاقة بين الدين والدولة العثمانية التي هي خير أنمودج للدول الإسلامية. وإننا نعلم عند الرجوع إلى هذه المصادر، أن الدولة العثمانية نفذت الشريعة الإسلامية، ولا يتناقض ذلك مع استثناءات قليلة من النقص أو الخلل في التطبيقات. وننقل هنا خلاصات من لائحة (مذكرة) قدمها إلى السلطان عبد الحميد الثاني حقوقي غير مسلم نسب نفسه إلى الفلمنك (هولندا) فيها مطالعة لمصادر التشريع الإسلامي وكنهه: الدولة العثمانية دولة إسلامية، والشريعة عند المسلمين أوامر إلهية تتفرع إلى فرعين: أوامر دينية وأوامر دنيوية (عبادات ومعاملات) وهما لا ينفصلان عن بعضهما...".

وقال (ص589): "إنّ مراجعة متون القوانين العثمانية تبطل المزاعم الخاوية بأنّ الدولة العثمانية، السابقة لكثير من دول العالم الحاضر في ميادين الحقوق والحريات، قد قامت على السيف والقوة والسطوة والظلم، أو أنها لم تعتمد على الشريعة الإسلامية في نظامها القانوني رغم أنف هذه الوثائق التي تبرهن التزامها بالشرع الشريف...".

- وقال يلماز أوزتونا (في تاريخ الدولة العثمانية، ج2 ص465): "يوجد نظامان حقوقيان: الشريعة، وهي في غنى عن الإيضاح، والنظام الذي يسميه العثماني "سلطاني" وعلى الأكثر "خاقاني" وهو نظام تركي قديم. يمكن به تشريع أحكام لا توجد في الشريعة ووضع قوانين باسم الخاقان لحماية مصالح الدولة وكذلك مصالح الدين العليا. بشرط ألاّ تكون متعارضة مع الشريعة... طبّق الفقه الحنفي بصورة كاملة تقريبا في القانون المدني. ولكن وضعت أحكام ونشرت قوانين جديدة في المجالات كالجزاء، والضريبة والسياسة. وأساسا كان مبدأ الاستحسان في المذهب الحنفي والاستصلاح في المذهب المالكي، يوفران تسهيلات وراحة وحرية لم بيدهم الصلاحيات التشريعية في الدولة، وأبدع الأمثلة لذلك هي القوانين التي أمر القانوني بوضعها، وأعدها شيخ الإسلام أبو السعود أفندي. أمكن بها، بدهاء قانوني خارق تلبية احتياجات الدولة العالمية العظمى لذلك العصر بشكل لطيف جدا دون معارضة أحكام الشريعة".

- وقال الدكتور خليل اينالجيك (في تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، ص112): "كان القانون العثماني يصدر على شكل فرمان، إذ إنّ "كل ما يرسمه السلطان هو قانون للسلطان"، ويتضمن سلسلة من الأنظمة التي يصدرها السلاطين شخصيا حسب مقتضى الأحوال. ولأجل ذلك فقد كان كل سلطان جديد يقوم بعد تنصيبه بتثبيت هذه القوانين. أمّا الشريعة فقد كانت القانون الأساسي والثابت، وبالتحديد القانون الديني الإسلامي. ولذلك فقد كانت الفرمانات السلطانية تتضمن دائما جملة تفيد أنّ هذه الفرمانات تنسجم مع الشريعة والقوانين الصادرة من قبل".

- وقال الشيخ محمد البشير النيفر (في فصل الدين عن الحكومة، ص24): "ثم جاءت الحرب العالمية الأولى فكان ممن صلي نارها الدولة العثمانية الدستورية وهي يومئذ دولة الخلافة ودينها الإسلام حسب المنصوص عليه في دستورها. ثم وضعت الحرب أوزارها وخرجت الدولة منها مغلوبة على أمرها فرأت دولة انكلترا أنه جاء الوقت الذي تتمكن فيه من القضاء على الخلافة الإسلامية الدينية وتقيم مكانها دولة تقطع الصلة بينها وبين من يعتصم بحبل الدين من الدول والأفراد في الشرق والغرب، وسخرت لهذا أحد قواد الأتراك ممن رضي أن يقوم بهذا ويقضي على الخلافة ويجردها عن الدين، وفي هذا ما فيه من الفوائد للدولة الانكليزية والخسارات الجمة على الإسلام ودولته".


فالدولة العثمانية دولة إسلامية، كانت تطبّق الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، إلا أنها وقعت في أخطاء فادحة مما أدى إلى ضعفها وانحلالها وسقوطها.

- قال أبو الحسن الندوي (في ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص215-220): "ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي، وشبه شلل فكري، قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس. ولعل القرن التاسع- إذا لم نقل القرن الثامن- آخر قرون النشاط والتوليد والابتكار في الدين والعلم، والأدب والشعر والحكمة، والقرن العاشر أول قرون الخمود والتقليد والمحاكاة، وترى هذا الخمود عاما شاملا للعلوم الدينية والفنون الأدبية والمعاني الشعرية والإنشاء والتاريخ ومناهج التعليم، فلا تجد في كتب التراجم التي ألفت للعصور الأخيرة من تطلق عليه لقب العبقري، أو النابغة أو المحقق على الأقل، أو من جاء في فن من الفنون بشيء طريف مبتكر، أو زاد في العلم زيادة حسنة إذا استثنينا بعض الأفراد في أطراف العالم الإسلامي... ولا نقرأ في شعر هذه العصور الأخيرة على كثرة ما نظم وقيل فيها شعرا مطبوعا يعلق بالذهن أو إنشاء مترسلا ينشرح له الصدر، ترى أدبا فاترا باردا قد أفسده التأنق في الحلية اللفظية والمبالغة والتهويل في الألفاظ والمعاني وكثرة التملق في المدح والغزل بالمذكر في الشعر، والتكلف حتى في الرسائل الإخوانية والأغراض الطبيعية والسجع البارد حتى في كتب التاريخ والتراجم. كذلك حلقات التعليم قد رحلت عنها كتب المتقدمين وحلت محلها كتب المتأخرين المتكلفين وغصت بالحواشي والتقريرات والتلخيصات والمتون التي ضن فيها مؤلفوها على القرطاس، وتعمدوا التعقيد والغموض، وكأنهم ألفوها في صناعة الاختزال، وكل ذلك ينبئ عن الانحطاط الفكري والعلمي الذي حل بالعالم الإسلامي وتغلغل في أحشائه... ولم يكن انحطاط المسلمين في العلوم النظرية والحكمية والمدنية فحسب، بل كان هذا الانحطاط عاما شاملا، حتى تخلفوا عن أوربا في صناعة الحرب التي كان التركي في الزمن الأخير ابن بجدتها وأبا عذرتها، قد أقر بفضلهم وتبريزهم فيها العالم، ولكن سبقتهم أوربا باختراعها وقوة إبداعها وحسن تنظيمها حتى هزمت جيوشها الجيوش العثمانية هزيمة منكرة...".

- وقال الشيخ تقي الدين النبهاني (في الدولة الإسلامية، ص177-179): "وما أن جاء القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي حتى كان ميزان التاريخ بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية في تأرجح، فأخذت كفة العالم الإسلامي تخف في الوزن، وكفة الدول الأوروبية ترجح شيئاً فشيئاً. فقد بدأت اليقظة في أوروبا، وبدأت تظهر نتائجها وبدأت تظهر على المسلمين نتائج الجمود الفكري وسوء التطبيق للإسلام. وذلك أن القرن التاسع عشر شاهد انقلاباً خطيراً في الأفكار الأوروبية على أثر المجهود العظيم الذي بذله الفلاسفة والكتاب والمفكرون، والتغيير الشامل الذي طرأ على الفكر الأوروبي لإحياء الشعوب، فنشأت الحركات المتعددة التي كان لها أثر في إحداث آراء جديدة في وجهة النظر في الحياة. وكان من أهم ما وقع تعديل الأنظمة السياسية والتشريعية وجميع أنظمة الحياة، فقد زال شبح الملكية المستبدة تدريجياً في أوروبا، وحلت محلها أنظمة حكومية جديدة قائمة على الحكم النيابي وسيادة الأمة، فكان لهذا أثر كبير في توجيه النهضة الأوروبية، كما كان للانقلاب الصناعي الذي ظهر في هذا القرن في أوروبا الأثر الفعال. كما ظهرت الاختراعات المتعددة. فكان لذلك في مجموعه الأثر الفعال في تقوية أوروبا وفي تقدمها الفكري والمادي. وكان من جراء هذه القوى المادية والتقدم العلمي أن رجحت كفة العالم الأوروبي على العالم الإسلامي في الموقف الدولي رجحاناً عظيماً فتغير مفهوم المسألة الشرقية، فلم تعد مسألة اتقاء الأخطار الإسلامية على أوروبا، وإنما صارت مسألة الإبقاء على الدولة العثمانية أو تقسيمها، حيث اختلفت عليها الدول تبعاً لاختلافها في المصلحة، وكان هذا الانقلاب في مفهوم المسألة الشرقية وما طرأ على أحوال أوروبا من الارتفاع الفكري، والتقدم العلمي، والثورة الصناعية؛ وما طرأ على العثمانيين من الضعف والتفكك، كل ذلك أدى إلى هذا الانقلاب السياسي بين الدولة الإسلامية ودول الكفر، فرجحت كفة الأوروبيين وخفت كفة المسلمين. وكان سبب هذا الانقلاب السياسي في حالة أوروبا محاولة المفكرين فيها الوصول إلى نظام للحياة. وقد كان اتخاذهم وجهة نظر معينة في الحياة، واعتناقهم عقيدة معينة، وبناء النظام على أساسها، هو الذي قلب مفاهيم الأشياء عندهم وقلب مراتب القيم لديهم، مما أدى إلى الانقلاب العام في الحياة، ومما ساعد على وجود الانقلاب الصناعي العظيم. بخلاف الحال في العالم الإسلامي أو في الدولة العثمانية التي كانت تتزعمه، فإنها بدل أن تنظر لأوضاعها النظرة الصحيحة، وتفكر في مبدئها التفكير العميق، وتثير الأفكار وتعمل على إيجاد الاجتهاد، وتعالج مشاكلها حسب الأحكام المنبثقة عن عقيدتها، وتقبل على العلم والصناعة، بدل أن تفعل كل ذلك أصابتها حيرة وقلق مما حصل في أوروبا، ووقفت جامدة من جراء هذه الحيرة، ونتج عن ذلك تخلف الدولة العثمانية من الناحية العلمية والصناعية، فتخلفت في الرقي المادي وتخلفت عن باقي الدول. والسر في ذلك هو أن الدولة العثمانية دولة إسلامية، والشعوب التي تحكمها شعوب مسلمة. والإسلام هو عقيدة الدولة وهو نظامها، وأفكاره أفكارها، ووجهة نظره في الحياة هي وجهة نظرها، فكان عليها أن تنظر إلى الأفكار الجديدة التي حصلت في أوروبا وتقيسها بقاعدتها الفكرية، وأن تنظر إلى المشاكل الحديثة من وجهة نظر إسلامية فتعطي حكمها على الأفكار والمشاكل باجتهاد صحيح حسب وجهة نظر الإسلام، فَتَبُتفي شأنها من حيث الصحة والفساد، ولكنها لم تفعل؛ لأن الأفكار الإسلامية لم تكن واضحة لديها، فلم تكن لها مفاهيم محددة. ولأن العقيدة الإسلامية لم تكن قاعدة فكرية تبنى عليها جميع الأفكار، وإنما كانت عقيدة تقليدية. فكان الأساس الذي تقوم عليه الدولة وهو العقيدة والأفكار غير واضح لدى الدولة العثمانية، وكان النظام جامداً لعدم وجود الاجتهاد، وكانت الحضارة التي هي مجموع المفاهيم عن الحياة غير مبلورة وغير مقترنة بأعمال الدولة، فسبب ذلك الانحطاط الفكري وعدم وجود نهضة، ولهذا وقفوا مبهوتين أمام ما شاهدوه في أوروبا من الانقلاب الفكري والصناعي، فلم يقطعوا بأخذه، ولم يقطعوا بتركه، ولم يميزوا بين ما يجوز أن يأخذوه من علوم وصناعات واختراعات، وبين ما لا يجوز أن يأخذوه من فلسفة تعين وجهة النظر في الحياة، وحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة. وبذلك جمدوا ولم يتحركوا، فكان هذا الجمود سبباً في وقوف عجلتهم في حين كانت عجلة الدول الأوروبية تسير، وما ذلك كله إلا بسبب عدم فهمهم الإسلام فهماً صحيحاً، وعدم إدراكهم التناقض بين الأفكار الأوروبية وأفكارهم، وعدم تمييزهم بين العلم والصناعات والاختراعات مما يحثهم الإسلام على أخذها، وبين الفلسفة والحضارة والفكر مما يمنعهم الإسلام من أخذها".

ورغم الأخطاء التي وقعت فيها الدولة العثمانية كسوء الفهم لبعض المسائل في العقيدة والشريعة ونظام الحكم، ورغم تكالب الأعداء عليها وسعيهم لتشويه صورتها، ورغم خيانة بعض الأمراء لها كالشريف حسين وآل سعود، رغم تكفير علماء الوهابية لها، إلا أنها ظلّت في نظر العالم الإسلامي وعند أغلب المسلمين خلافة إسلامية تمثّل وحدتهم ويجب الدفاع عنها. قال الدكتور محمد محمد حسين (في الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، ج1 ص27-28): "هذه النزعة الإسلامية التي رأيناها واضحة في كتّاب العصر وقادته ومفكريه نستطيع أن نتتبعها في الشعر فنجدها في مثل هذا الوضوح. فليس بين الشعراء المعاصرين وقتذاك، على اختلافهم وتباين نزعاتهم، من يخلو ديوانه من شعر في مدح الخليفة التركي، والإشادة بفضله على المسلمين، وحرصه على إعلاء كلمة الدين. وليس فيهم من تخلف عن المشاركة بشعره في حروب تركيا وأحداثها الجسام، مثل حرب اليونان وحرب طرابلس وحرب البلقان والدستور العثماني وسقوط عبد الحميد. وهم يرون أن الخليفة هو الجامع لشمل المسلمين، وأنه حين يحارب إنما يحارب دفاعا عن الإسلام وتمسكا بإعلاء كلمته بين الدول التي تتربص به. وهم يدعون إلى اتحاد كلمة المسلمين في ظل راية الخلافة، محذرين من الإصغاء إلى دعوة التفرقة التي لا تصيب الأمم الإسلامية جميعا إلا بالشرّ".

14صفر 1435هـ

انتهى









قديم 2014-10-21, 13:07   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مصدر الدراسة السابقة
https://azeytouna.net/index.php/2012-09-24-14-14-53










قديم 2014-10-21, 14:43   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
saqrarab
عضو محترف
 
الصورة الرمزية saqrarab
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لا يختلف اثنان ان الحركة الوهابية حاربت الخلافة العثمانية وكفرتها ومعروف انه جرت بينهما معارك كثيرة انتهت بانهاء الدولة السعودية الاولى وتدمير عاصمتها الدرعية ولم تقم للدولة السعودية قائمة بعدها الا لما تحالفت مع الانجليز واسقطت الخلافة العثمانية اخر خلافة اسلامية ...يتبع









قديم 2014-10-21, 14:51   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
saqrarab
عضو محترف
 
الصورة الرمزية saqrarab
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لو سلمنا جدلا بما ينقله صاحب الموضوع بان نجد لم تتبع الخلافة العثمانية
لنناقش الموضوع من زاوية اخرى
*******
الحركة الوهابية كفرت الخلافة العثمانية فهل الخلافة العثمانية كافرة ام لا
ان قلتم كافرة وسقتم نفس التبريرات فبماذا تختلفون عن الدواعش هم ايضا يكفرون الحكومات العربية ويستخدمون مبررات مختلفة لذالك ....
الاكيد انه مهما بلغت الخلافة العثمانية من مفاسد فلن تبلغ الحكومات العربية
وان قلتم انها ليست كافرة فالاكيد ان الخلافة العثمانية كانت اقوى امبراطورية في ذالك الوقت وكان الخليفة العثماني سلطان متغلب فلماذا لم تدخل الحركة الوهابية في طاعة السلطان المتغلب وفضلت محاربته ..










قديم 2014-10-21, 21:33   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
الياس محمد
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة، فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف.
يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم:
(وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه) .

ويقول أيضاً:
(الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبداً حبشياً فبين له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير من يدعي العلم، فكيف العمل به).
وصرح الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله باعتقادهم في هذه المسألة فقال:
(ونرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية) .

وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله.


فإننا نشير إلى مسألة مهمة جواباً عن تلك الشبهة، فهناك سؤال مهم هو: هل كانت نجد موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها
تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية ؟

يجيب الدكتور صالح العبود على هذا السؤال فيقول:

(لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان، الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها (قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان) يعني قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر (الديوان) ألفها – يمين علي أفندي – الذي كان أميناً للدفاتر الخاقاني سنة 1018هـ الموافقة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثون إيالة، منها أربع عشرة إيالة عربية، وبلاد نجد ليست معها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد..) .
ويقول الدكتور عبد الله العثيمين:

(ومهما يكن فإن نجداً لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قوياً بفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت، فلا نفوذ بني جبر، أو بني خالد في بعض جهاتها، ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي، فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة، والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حاداً عنيفاً).

يقول الدكتور عجيل النشمي:

ن نجداً وما جاورها لم تعرها دولة الخلافة أهمية تذكر، وربما كانت سياستها هذه تجاه بلاد نجد لسعة أراضيها، وترامي أطرافها، هذا من جانب، ولتمكن التوزيع القبلي والعشائري من جانب آخر..)
ويقول أمين سعيد في هذا الشأن:

(ولقد حاولنا كثيراً في خلال دراستنا لتاريخ الدولتين الأموية والعباسية، وتاريخ الأيوبيين، والمماليك في مصر، ثم تاريخ العثمانيين الذين جاءوا بعدهم وورثوهم، أن نعثر على اسم وال، أو حاكم أرسله هؤلاء، أو أولئك أو أحدهم إلى نجد أو إحدى مقاطعتها الوسطى، أو الشمالية أو الغربية أو الجنوبية، فلم نقع على شيء، مما يدل على مزيد من الإهمال تحمل تبعته هذه الدول..
على أن الذي استنتجناه في النهاية هو أنهم تركوا أمر مقاطعات نجد الوسطى والغربية إلى الأشراف الهاشميين حكام الحجاز الذين جروا على أن يشرفوا على قبائلها إشرافاً جزئياً) .

ويقول أيضا:
(وكان كل شيخ أو أمير في نجد مستقل استقلالاً تاماً في إدارة بلاده وما كان يعرف الترك، ولا الترك يعرفونه)

ويبين حسين خزعل حال نجد زمن العصر العثماني فيقول:

(ولما حلت سنة 923هـ، وظهرت الدولة العثمانية على المسرح السياسي في جزيرة العرب، - وإن كانت الجزيرة العربية لن تشتمل بالحكم العثماني المركزي المباشر، بل اكتفت الدولة العثمانية بالسلطة الأسمية عليها -، كان كل قطر من أقطار الجزيرة العربية مستقلا بذاته، ولا سيما نجد، فقد كانت العصبيات فيها قائمة على قدم وساق، لكل عشيرة دولة، ولكل حاكم من أولئك الحكام حوزته الخاصة يحكمها حكماً مطلقاً .

ويقول جاكلين بيرين في ذلك:
(ولكن شبه الجزيرة العربية ظلت ممتنعة على الفتح التركي بفضل صحرائها التي هلكت فيها عطشاً الجيوش التي وجهها السلطان سليمان سنة 1550 م)










قديم 2014-10-21, 21:46   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
الياس محمد
محظور
 
إحصائية العضو










B18

فإذا كانت نجد - محل ظهور وانطلاق هذه الدعوة - ليست تحت سيطرة العثمانيين، فكيف ترد هذه الشبهة ويظن أن الشيخ قد خرج على دولة الخلافة ؟.

يقول الشيخ عبد العزيز:
(لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …) ( ).

ويجيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي على من ادعى أن هذه الدعوة حركة انقلابية المراد منها خلع الخليفة العثماني، وإعادة الخلافة إلى العرب، فكان مما قاله:
(لم يكن ليخطر على بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن ينقلب على خليفة المسلمين ولا مرّ بخاطره ذلك.. ولكن الملتفين حول الخليفة إذ ذاك من الطرقيين المتصوفة قلبوا له الأخبار، وشوهوها، ليوغروا صدر الخليفة عليهم، وحرضوه عليهم بحجة أنهم أهل حركة انقلابية على الخليفة نفسه، تقصد إرجاع الخلافة إلى العرب.. مع أن من صميم عقيدة الشيخ رحمه الله التي هي العقيدة الإسلامية الحقة أنه لا تنقض الأيدي من طاعة الخليفة القائم إلا أن يروا فيه كفراً بواحاً صراحاً، ولم ير الشيخ شيئاً من هذا حتى يدعو الناس إلى خلع الخليفة، حتى ولو كان الخليفة فاسقاً في ذاته، إن لم يصل فسقه إلى درجة الكفر البواح الصراح، فلا يجوز الانقلاب عليه، ولا الانتقاض على حكمه، وأن الشرع يخالف القيام على السلطان إلا في حالات الكفر البواح الصراح، حتى وإن الحركة – من أولها إلى آخرها – لم يكن للخليفة والخلافة أي علاقة في الدعوة ألبتة، حتى ولما استتب لهم الأمر في نجد والحجاز، أنهم انتقضوا على الخليفة، ولم يكن للخليفة ذكر قط في مراحل الدعوة..)


يتبين – من خلال النصّيْن السابقين – جانب من موقف الشيخ من دولة الخلافة فليس هناك عداء أو خصومة لدولة الخلافة.
ولذا يقول الدكتور عجيل النشمي:
(نستطيع القول باطمئنان أن كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها تصريح بموقف عدائي ضد دولة الخلافة)
(فكانت سياسة الشيخ وموقفه تجاه الحجاز أنه لم يؤثر عنه طوال حياته تحريض أو استعداء أو دعوة لحربها، أو الاستيلاء عليها لشعوره أن ذلك الفعل قد يسفر على أنه خروج على دولة الخلافة.
لم تحرك دولة الخلافة ساكناً، ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض، أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ..)

















قديم 2014-10-21, 21:57   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
الياس محمد
محظور
 
إحصائية العضو










B18

يقول محمود مهدي الاستانبولي جواباً على هذه الدعوى العريضة:

(قد كان من واجب هذا الكاتب أن يدعم رأيه بأدلة وإثباتات، وقديماً قال الشاعر:
وإذا الدعاوى لم تقم بدليلها بالنص، فهي على السفاه دليل
مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الانكليز وقفوا ضد هذه الدعوة، منذ قيامها خشية يقظة العالم الإسلامي) .


ويقول الاستانبولي:
(والغريب المضحك والمبكي معاً أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية، مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811م، والخلافة هدمت حوالي 1922م) .

ومما يدل على أن الانكليز ضد الحركة الوهابية، أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنيء إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين – إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية -، وليؤكد له أيضاً مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض – ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي( ).
بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية، وبين إبراهيم باشا، بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل( ).

يقول الشيخ محمد بن منظور النعماني:
(لقد استغل الانجليز الوضع المعاكس في الهند للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم، ورأوه خطراً على كيانهم بالوهابية، ودعوهم وهابيين …، وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند – في الهند – بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للانجليز، وتضييقهم الخناق عليهم..) .

يقول الشيخ الدكتور: عبدالعزيز آل عبداللطيف

واجهت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – منذ بداية ظهورها حملةً ضارية وعداءً سافراً، سواءً من قبل أمراء وحكام، أو من قبل بعض المنتسبين إلى العلم، وقد تنوعّت أساليب هذه المعارضة وتعددت جوانبها من تأليف وترويج الكتب ضد هذه الدعوة السلفية التجديدية، وتحريض الحكام عليها، ورميها بالتشدد والتكفير وإراقة الدماء.
وقد تحدّث الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – عن هذه الهجمة قائلاً: "فلما أظهرت تصديق الرسول فيم جاء به سبّوني غاية المسبة، وزعموا أنّي أكفر أهل الإسلام وأستحل أموالهم" (مجموعة مؤلفات الشيخ 5/26).
ويصف الشيخ عداوة الخصوم وفتنتهم في رسالته للسويدي – أحد علماء العراق – فيقول _رحمه الله_: "ولبّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس، وكبرت الفتنة وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله" (مجموعة مؤلفات الشيخ 5/36).

ولاحظت من خلال استقراء كتب خصوم هذه الدعوةأن غالبهم إما من الروافض أو غلاة الصوفية، فالروافض ينافحون عن وثنيتهم وعبادتهم للأئمة، وكذلك الصوفية يفعلون.

وعمد العلمانيون في هذه البلاد – ومن تأثّر بهم من التنويريين والإصلاحيين – إلى الطعن في هذه الدعوة من أجل التوثّب على قواعد الشريعة والتفلّت منها، ومنهم من شغب على هذه الدعوة؛ لأن ثوابت هذه الدعوة كالجهاد في سبيل الله _تعالى_، وبُغْض الكافرين والبراءة منهم تعكِّر ما يصبوا إليه من ركون إلى الدنيا وإيثار للسلامة والسلام مع الكفار، فهدف أرباب العقول المعيشية أن يأكلوا ويقتاتوا بسلام ولو على حساب وأد الثوابت العقدية والقواطع الشرعية.
وأما عداوة الغرب لهذه الدعوة فقديمة قدم هذه الدعوة المباركة، فما إن سقطت الدرعية سنة 1234هـ على يد إبراهيم باشا حتى أرسلت الحكومة البريطانية مندوبَها مهنئاً على هذا النجاح، ومبدياً رغبة الإنجليز في سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل(2)! لا سيما وأن الإنجليز – وفي ذروة غطرستهم وهيمنتهم – قد كابدوا أنواعاً من الهجمات الموجعة من قبل "القواسم" أتباع الدعوة، وذلك في بحر الخليج العربي.



منقول من كتاب دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله للشيخ الدكتور
عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف


لتحميل الكتاب


https://saaid.net/monawein/k/6.zip

https://saaid.net/book/open.php?cat=7&book=980










قديم 2014-10-21, 23:47   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة saqrarab مشاهدة المشاركة
لو سلمنا جدلا بما ينقله صاحب الموضوع بان نجد لم تتبع الخلافة العثمانية
لنناقش الموضوع من زاوية اخرى
*******
الحركة الوهابية كفرت الخلافة العثمانية فهل الخلافة العثمانية كافرة ام لا
ان قلتم كافرة وسقتم نفس التبريرات فبماذا تختلفون عن الدواعش هم ايضا يكفرون الحكومات العربية ويستخدمون مبررات مختلفة لذالك ....
الاكيد انه مهما بلغت الخلافة العثمانية من مفاسد فلن تبلغ الحكومات العربية
وان قلتم انها ليست كافرة فالاكيد ان الخلافة العثمانية كانت اقوى امبراطورية في ذالك الوقت وكان الخليفة العثماني سلطان متغلب فلماذا لم تدخل الحركة الوهابية في طاعة السلطان المتغلب وفضلت محاربته ..

يا أخي صقر : الوهابية متخبطون ؛ وليس لديهم أجوبة مقنعة ؛ بل ليس لدى شيوخهم أجوبة مقنعة ؛ لذلك لا تجد من أتباع الجزائريين المتسعودين المتوهبنين إلا نسخ/لصق ؛ فإن كان شيوخهم في تخبط ؛ فماذا تنتظر من التبّع ؟
يقولون لك : محمد ابن عبد الوهاب لم يخرج على الخلافة لأن نجد لم تكن تحت وصاية دولة الخلافة الإسلامية ؛ هل من المعقول أن تكون الجزائر والمغرب وهي بعيدة آلاف الكيلومترات واقعة تحت وصاية الخلافة العثمانية ولا تكون نجد المجاورة للإمبراطورية العثمانية بمرمى سهم لا تكون واقعة تحت سلطان الخليفة ؟
ولماذا لم يكتف الوهابية بإقامة دولتهم في نجد بل غزوا الدولة العثمانية في مكة والمدينة والحجاز ؟

آل سعود ومن خلال تحالفهم مع الوهابية أباحوا الخروج والتكفير ؛وحين استتب الحكم لآل سعود حرّموا الخروج والتكفير. لأن الخروج والتكفير الذي امتطوه يزلزل عروش آل سعود.

وحتى نكوزن منصفين ؛ فإنه لدينا أكثر من وهابية :
الأولى - وهابية محمد ابن عبد الوهاب : وهي معتدلة ؛ فالشيخ لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله.

الثانية - وهابية شيوخ الدعوة النجدية من بعد عبد الوهاب ؛ وهي وهابية متطرفة مغالية في التكفير واشد من تطرف داعش.

الثالثة - الوهابية المعاصرة : وهابية الراقصين مع بوش بالسيوف ؛ علمانية بقناع سلفي ؛ تتاجر بقال الله وقال الرسول لخدمة أغراض آل سعود في البقاء في الحكم والعمالة للأجنبي : وهابية المخابرات السعودية التي يمثلها ربيع المدخلي

ومن يتأمل يجد ان الوهابية المعاصرة لا علاقة لها بدعوة محمد ابن عبد الوهاب ؛ وإنما تسختدم الشيخ للإستمرار في الحكم عند آل سلول واستعباد المواطن السعودي لا أكثر ؛ والإنحراف عن دعوة محمد ابن عبد الوهاب هو السبب في الزج بآلاف العلماء والدعاة وراء قضبان السجون وعلى رأسهم الشيخ العلوان وناصر الفهد وخضير الخضير والشيخ الراشد والشيخ الهاشمي وليس آخر ا الشيخ العريفي فك الله اسرهم جميعا












قديم 2014-10-22, 00:01   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الياس محمد مشاهدة المشاركة

يقول الشيخ عبد العزيز:
(لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …) ( ).

لدي سؤال ارجو أن تجيبنا عليه أنت ومن دون عادئتك السيئة نسخ/لصق

يقول ابن باز أن الشيخ خرج على أوضاع فاسدة ؛ وانه جاهد في الله حق جهاده.

ومن جهة أخرى يقول الفوزان في شرحه لعقيدة الإمام المجدد ابن عبد الوهاب "

( ولكن الجهاد له شروط:
الشرط الأول: أن يكون بالمسلمين قوة يقوون بها على جهاد الكفار، .............الخ ؛ ثم
الشرط الثاني: أن يكون الجهاد تحت راية يعقدها ولي أمر المسلمين، وليس كل يجاهد، وكل يقاتل، وكل يكون له جماعة، هذا لا يجوز في الإسلام، .......)
المصدر
https://shamela.ws/browse.php/book-86...e-107#page-107

الفوزان ؛ يقول لك لا يجوز أن يكون الجهاد إلا تحت راية ولي أمر المسلمين ؛ ولا يجوز ان يكون لكل مسلم حق تكوين جماعة جهادية.
لكن ابن باز يقول لك : إن ابن عبد الوهاب جاهد.

أسئلتي : تحت اي صنف نصنف جهاد محمد ابن عبد الوهاب ؟ هل هو جهاد الدفع أم جهاد الطلب ؟ والغزو ؟ أم صنف آخر ؟
وتحت أي لواء خليفة كان يجهاد محمد ابن عبد الوهاب ؟ ومن الذي اباح لابن عبد الوهاب تكوين جماعة جهادية إذا كان الفوزان يقول لك إن ذلك لا يجوز إلا بإذن الخليفة ؟










قديم 2014-10-22, 07:11   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
سلواان
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احكي مليح مشاهدة المشاركة

أسئلتي : تحت اي صنف نصنف جهاد محمد ابن عبد الوهاب ؟ هل هو جهاد الدفع أم جهاد الطلب ؟ والغزو ؟ أم صنف آخر ؟
وتحت أي لواء خليفة كان يجهاد محمد ابن عبد الوهاب ؟ ومن الذي اباح لابن عبد الوهاب تكوين جماعة جهادية إذا كان الفوزان يقول لك إن ذلك لا يجوز إلا بإذن الخليفة ؟


السلام عليكم ..
وهل تطمع حقا أن تظفر بجواب ؟
يا أخي لن يرد أحد على اسئلتك الا بمزيد من نسخ ولصق لما تم اجتراره آلاف المرات هنا ..وليته يكون جوابا عن أسئلتك إنما هي تكون تبريرات واهية لاأساس لها شرعا ولا عقلا ولاقانونا الهدف منها ملء الصفحة من قبيل الرد من أجل الرد..









موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
أحمد, الخلافة, العلماء], العثمانية, الوهاب, [مجموعة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc