العلمانيون العرب ...ازلام ورجالات الكفار واليهود بثوب عربي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

العلمانيون العرب ...ازلام ورجالات الكفار واليهود بثوب عربي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-08-28, 13:19   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18 العلمانيون العرب ...ازلام ورجالات الكفار واليهود بثوب عربي

العلمانية ومحاربة التدين:


يلجأ العلمانيون إلى تأسيس خطاب خداعي تمويهي مخاتل ومراوغ لموقفه من الدين، فيخفى ذئبيته تحت ستار الحمل الوديع، وقد يتمسح بعضهم بالدين، وربما يعلن أنه مسلم (1) يسره ما يسرنا ويحزنه ما يحزننا، ويتظاهر بالحرص على إبعاد الدين عن مجال السياسة، لكي لا يتلوث -وهو الطاهر النقي- بحممها الملتهبة وتقلباتها المتناقضة، محاولا تجميل صورته وتلميعها، ويناور لعله يرضى قارئه المسلم.
فهذا سعيد لكحل تأسف لاعتبار الإفطار في رمضان جنحة وعدم فتح حانة قرب مسجد، ثم في رمشة عين أخذ يتمسح بالدين ويثرثر، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشرح الآيات والأحاديث (2).
ورغم محاولة بعض العلمانيين إظهار أنفسهم أنهم ليسوا ضد الدين وأنهم يقفون منه موقفا محايدا، إلا أنه بالتأمل في تصرفاتهم وأطروحاتهم يتبين أنهم يقفون منه موقف المعاند والمحارب له، ولا يعدو الأمر أن يكون مرحلة من مراحل التحذير والمواجهة.
بل لا يعدو الأمر أن يكون شراكا خداعيا يتمترس به الخطاب العلماني بقصد التمويه والمخاتلة من باب ذر الرماد في العيون.
_________
(1) وقد يطلق بعضهم كونه مسلما وهو لا يقصد إلا أنه يعيش في مجتمع مسلم نشأ فيه وترعرع، كما صرح أركون نفسه. الأنسنة والإسلام (146).
أي: مسلم باعتبار النشأة لا باعتبار العقيدة، أي: أو بعبارة أخرى: الإسلام الجغرافي لا الإسلام العقا
(2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (275).

وسنثبت بحمد الله في هذا الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أن العلمانية مناقضة للدين باعتراف العلمانيين أنفسهم، وسنبين أن العلمانية كنظرية وتصرفات العلمانيين في كتبهم ومؤلفاتهم تناقض أصول الدين وفروعه.
وقد يتستر بعض العلمانيين خلف مناهضة الدولة الدينية، ومرادهم الدين نفسه.
ومع أن الإسلاميين كرروا آلاف المرات أنهم ضد الدولة الدينية التي تحكم بالحق الإلهي إلا أن العلمانيين أصروا على اتهامهم بها.
والعقل يقتضي أن سبب هذا الإصرار العلماني:
- إما أن الإسلاميين يدعون لدولة دينية.
- وإما أن دولة الخلافة الإسلامية كانت دولة دينية تحكم بالحق الإلهي.
ولكن لا هذا كان ولا ذاك.
والذي حصل هو أنه كان في أوربا دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين ويحكمون فيها بالحق الإلهي، فعارضت فلسفة الأنوار هذه الدولة الدينية، فردد العلمانيون عندنا كالببغاوات ما قالوا، وحاولوا إسقاط التاريخ الغربي برمته وتفاصيله وأبعاده، فوقعوا في مغالطة مفضوحة ومهزلة مضحكة.
وقد بينت في الكتاب الأول وسأبين إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب أن العلمانية ليس فقط ضد الدين، ولكنها أسوأ من ذلك، إنها تسعى إلى أن تحل محله وتعمل على إقصائه عن واقع الحياة، وتحويله إلى نوع من الفولكلور.
وسيأتي معنا قريبا تصريح العلمانيين بأن هدفهم الحقيقي هو إقصاء الدين والإجهاز عليه، أو لنقل بعبارة مهذبة حسب أركون: تهدف إلى التخلص من البعد

الديني عن طريق امتصاصه داخل النموذج العلماني المهيمن (1).
وقال عن مشروعه النقدي ومشروع المستشرقين: فإنه يمكننا أن نعتقد بأن الطفرات الذهنية العميقة الجارية حاليا سوف تتكفل بجعل كل تلك الصراعات الدائرة حول المسألة الدينية بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، شيئا باليا ولا معنى له. إن كل هذا سوف يتبخر ويذهب مع الريح، ولن يبقى إلا الدين من أجل الذاكرة (2).
إلى أن قال: هذا هو المشروع الذي أريد أن أقوم به بشكل استباقي انطلاقا من المثال الإسلامي (61).
بهذه الصراحة يتحدث أركون.
وهكذا فعل كثيرون كالقمني والمؤدب وآخرون.
بينما يكتب آخرون وخاصة الجابري بحذر شديد ولف ودوران.
وعند التحقيق فمشروعهم واحد، أو كما قال أركون عن الجابري نفسه: لأن العقل العربي نفسه هو عقل ديني. قضايا في نقد العقل الديني (331).
يتفقان في ضرورة نقد التراث لتجاوزه، ويختلفان في الأسلوب، يقول أركون حاثا صديقه الجابري على توجيه لكمات قوية للتراث: باختصار ينبغي الدخول في صلب المشاكل الحقيقية وعدم تحاشيها بحجة مراعاة الشعب أو الجماهير أو العامة ... الخ ينبغي أن يصل النقد إلى جذور الأشياء لا أن يكتفي بدغدغتها أو مسها مسا خفيفا (3).
_________
(1) قضايا في نقد العقل الديني (209).
(2) قضايا في نقد العقل الديني (60).
(3) قضايا في نقد العقل الديني (331).

وإمعانا في ذر الرماد في العيون كتب العلماني المغربي أحمد عصيد: لأنه لم يوجد قط مثقف علماني واحد كتب ليمس بالدين الإسلامي في جوهره أو بالحق في الإيمان والتدين، وإنما التوجه العام هو نقد أشكال القراءة والفهم المنحرفة للدين وأنواع توظيفه السياسية المغرضة (1).
وكل جملة في هذه الفقرة تمارس تزييفا ومغالطة مكشوفين.
وسنبين له في هذا الكتاب أن أكثر العلمانيين كتبوا يطعنون في الدين الإسلامي عشرات النصوص التي سوف نريحك من تتبعها في مظانها، وهي كافية لإقناع حمار جدك إن شاء الله.
بل عصيد نفسه نقض كلامه كله، بل ومن الأصل، فصرح قبل هذا بقليل (338) تقليدا لعلماء الاجتماع الغربيين أن الدين مرحلة من مراحل التطور العقلي للبشرية، بدأت بالأسطورة ثم بتعدد الآلهة، ثم التوحيد، ثم العقل العلماني المعاصر (2).
فالدين تشكل عبر التطور البشري للعقل البشري، وليس إلا مرحلة خرافية من مراحل التطور، وتسمح العلمانية لمن شاء أن يؤمن بمثل هذه الخرافات، لأن له الحق في أن يؤمن بما شاء.
وسيأتي معنا مزيد بسط لهذه القضية.
وأما أن العلمانية تنتقد أشكال القراءة لا الدين نفسه، فهذا ما سنخصص له فصلا خاصا لنبين فيه تهافته وتفاهته.
ويكفينا الآن قول رفيقي دربه هشام جعيط وعلي حرب، وأولياء نعمته الفرنسيين.
_________
(1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (3
(2) وكرر نحوه في قدر العلمانية في العالم العربي (149).

قال هشام جعيط: إن كل أصناف النخب في العالم العربي بعيدة كل البعد ليس فقط عن التيارات الإسلامية، بل عن الإسلام ذاته (1).
وقال علي حرب في الممنوع والممتنع (222): فالنقد ينبغي أن يتجه إلى تفكيك تلك الترسانة التراثية التي فقدت فاعليتها في الفكر والعمل، ولهذا ينبغي للنقد أن يشمل كل شيء الأصول والفروع، أنظمة المعارف ومنظومات العقائد، الشروحات والتفاسير. انتهى.
وورد في توجيهات وزارة التعليم الفرنسية في إطار قانون تعميم التعليم الصادر يوم 28 مارس سنة 1882 ما يلي: يجب ألا نذكر للطفل البالغ من العمر سبع سنوات شيئا عن الله، ليشعر هذا الطفل من تلقاء نفسه على امتداد ساعات الست التي يتلقاها يوميا أن الله غير موجود أصلا، أو أننا في أحسن الأحوال لم نعد بحاجة إليه (2).
فهذا ثلاثة نقول نزفها لعصيد، فلعلها تكفيه.
وأما أنها تعطي اعتبارا للدين بسماحها بالتدين، فلا، لأن الدين واللادين والكفر والشرك والانحلال الخلقي كلها تصير مسائل شخصية لا دخل للمجتمع ولا الأديان فيها، وعليه فلم تعط العلمانية للدين أيّ امتياز، بل خنقته وألغته من المجتمع ومنعته من ممارسة نشاطه ومهامه داخل المجتمع، وسوته بالكفر والضلال وعبادة الأوثان والانحلال الخلقي والدعارة واللواط، وجعلتهم مسائل شخصية ترجع للضمير.
_________
(1) مجلة اليوم السابع، باريس عدد 11 يناير 1988. نقلا عن المفترون (18).
(2) في العلمانية والدين والديمقراطية (186).

ولنأخذ نموذجا علمانيا آخر يمارس تزييف الوعي والمغالطة.
حاول العلماني السوداني عبد الله أحمد النعيم أن يستغفل عقولنا فألف كتابا ضخما ليبين لنا أنه يدعو إلى علمانية الدولة فقط لا علمانية الإنسان والمجتمع (19)، أي: يدعو إلى العلمانية في شقها السياسي والقانوني. محاولا الاستدلال بأن الأنظمة العلمانية الغربية لا تزال تحتفظ للدين بمجموعة من المواقع وتُؤَمن له دورا ما في المجتمع.
مع أن كل ما أورده بنفسه هناك ليس إلا فتاتا بسيطا جدا جدا حول المائدة التي تتفضل العلمانية بالإبقاء عليها للدين، بل العجيب أن كل النصوص التي أوردها شاهدة عليه لا له.
فذكر مثلا (13) أن الديانة البروتستانية واليهودية تتمتع في فرنسا بحق تنظيم علاقتها بالدولة في حين لا يتمتع المسلمون بأي شيء باعترافه. بل يقابلون بالتهميش والتمييز والإقصاء ومحاربة الشعائر (لا الرموز) الدينية كالحجاب ونحوه.
أليست علمانيته هي السبب في هذا التمييز والعنصرية؟
وذكر كذلك (14) نفس التمييز العنصري ضد المسلمين ونحوهم في إيطاليا، وذكر أن الجماعات الدينية في إيطاليا لها نظام هرمي طبقي، يتكون من ثلاث طبقات، أعلى الهرم تقف الكنيسة الكاثوليكية تعامل البروتستانتية واليهود، وتتمتع بامتيازات مالية وتعليمية.
ثم قال: وهذه الامتيازات غير متوفرة للجماعات الدينية في الطابق الأدنى من الهرم. وذكر منها المسلمين.
والعجيب كذلك أنه ذكر أن القانون الإيطالي يحظر على رجال الدين تولي مناصب عامة مثل القضاء والمحاماة والخدمة المدنية في جباية الضرائب وغيرها (15).

وأين حقوق الإنسان؟ وأين المساواة؟ أليست العلمانية هي السبب في كل ذلك؟.
ثم زاد العلماني السوداني فأكد أن الدولة ملزمة بتدريس الديانة الكاثوليكية، وأما البروتستانت واليهود فيمكنهم توفير معلمين لدينهم في المدارس، وأما المسلمون فاسمع إلى عبارة النعيم: فلا يحق لهم توفير أساتذة لدينهم في المدارس إطلاقا (15). وزاد (16) أن المسلمين محرومون خلافا لغيرهم من تمويل منظماتهم من خلال الضريبة.
وذكر أن في أمريكا (18) يمنع طلاب المدارس التي تمولها الدولة من الصلاة الجماعية.
فأين كفل العلمانية للحرية الشخصية وحرية التدين؟.
وقد كان أركون أكثر صراحة، فاعتبر في كتابه تاريخية الفكر العربي (292) مفهوم الدين متضادا مع مفهوم العلمانية.
وقد كرر هذا أركون في كافة كتبه، حيث ميز بين النظرة الدينية القائمة على الأساطير والتعالي والتقديس، والنظرة العلمانية القائمة على العقلانية والنقد وإبعاد كل مفاهيم غيبية ماورائية.
وهذا تمييز واضح بين المذهبين، لكن بعض العلمانيين لأهداف إيديولوجية وخاصة بعض المغاربة يتمسحون بالدين نزولا عند رغبة الجماهير.
وهذا الموقف الانتهازي الرجعي يهدف إلى التراجع خطوة إلى الخلف من أجل خطوتين إلى الأمام.
وفضل علمانيون آخرون الوضوح والصراحة، ولهذا يتحاشى أركون مجرد التمظهر ومجرد الانتساب للدين أو الاعتراف بوجود الله، كما يفعل بعض

المنافقين عندنا (1).
وهذا شبلي شميل -أحد كبار الرواد العلمانيين العرب الأوائل- ذكر أنه نفى الأديان لا لغرض في النفس ولا غيره، بل لأنه التزم جانب العلم. آراء الدكتور شبلي شميل (19).
وقال عن الأديان: وهي في اعتقادي نفعت كثيرا وأضرت كذلك (19).
ثم ذكر أنها لم تعد تصلح الآن (19).
وأنها أضرت كثيرا بجمودها وجمود أتباعها بها (20).



العلمانيون العرب وموقفهم من الاسلام









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-08-28, 13:24   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

مواقف العلمانيين العرب من الإسلام


يجب نقد الإسلام في حد ذاته، وهو واجب مقدس.
لأن الإسلام كما قال خليل عبد الكريم في الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (8 - 9) بدأت تظهر على وجهه علامات الشيخوخة كتجاعيد وتشققات وجفاف.
والسبيل الوحيد عنده لتجاوز هذه الشيخوخة هو الانعتاق من قيود المسلمات والمقدسات الزائفة.
وحقيقة نقد الفكر الديني عند العلمانيين هو نقض له وإدانة، وهذا خلاف ما يوجبه البحث العلمي النزيه والمحايد.
وجل تلك الكتابات تنطلق من مواقف أيديولوجية مسبقة. أغلبها ماركسي مشبع بموقف ماركس العدائي ضد الدين.


_________
(1) وأركون حسب معرفتي به من خلال كتبه المنشورة أجزم بأنه لم يكن يؤمن بإله ولا دين ولا نبي ولا إسلام ولا أي شيء إلا العقل الغربي المحض.

ويوضح لنا سيد القمني في هذه الفقرة أنه لا دليل على صدق الإسلام، وبالتالي فلا يجوز استثناء شيء من النقد، قال: إن شرط العلمانية هو السماح بالنقد الموضوعي دون حدود ولا سقوف حمراء، لذلك أفهم أن تكون مسلما أو مسيحيا وأن تكون أيضا علمانيا، أي أنك لا تفرض دينك على غيرك، وتقبل نقد دينك لأنه لا دليل على صدقه. لذلك لا نصدقه إنما نؤمن به، والفرق عظيم في آليات الموقفين. فكل دين يزعم المؤمنون به أنه الصدق المطلق، وهو ما يعني عدم الصدق بالمرة، لتناقض الأديان تناقضا تاما والمصدر واحد إذا سلمنا بالإيمان. انتكاسة القمني، عفوا انتكاسة المسلمين (315).
وزاد في انتكاسته (315): إن من يزعم العلمانية وينزعج من نقد دينه هو منافق يرتد عند أول ناصية ويبيعنا جميعا عند أول موقف.
وكل العقائد والمسلمات هي تحت مطرقة نقد العلمانيين، فأركون مثلا يهدف إلى إعادة التفكير الجذري بالرؤيا الأخلاقية والسياسة في الإسلام عن طريق وضع القيم العقائدية والإيمانية التكرارية على محك التاريخ وجعلها إشكالية ( Problematique) لا مطلقة أو نهائية تتجاوز التاريخ. ويتأسف على عدم ظهور هذا المشروع الكبير الواسع في العالم الإسلامي (1).
وأكد على مشروعه حول ما سماه تحرير الفكر الإسلامي من سياجاته العقائدية الخاصة به (2).
وكيف سيتم ذلك؟ أجاب أركون على الفور: لا يمكن أن ينجح ما دامت
_________
(1) الإسلام الأخلاق والسياسة (17).
(2) الأنسنة والإسلام (34).

الأطر والأسس التاريخية القصصية للإيمان غير مهدمة، كما هدمت أسس الإيمان المسيحي منذ القرن الثامن عشر (1).
وبعبارة أكثر صراحة حسب أركون: تهدف العلمانية إلى بناء مجتمع بدون إله، كما عبر «جيل فيري» (2).
وفي كتاب آخر له يقول أركون: وهكذا نلمح تلك الاستمرارية المحزنة إن لم تكن المحبطة للآمال والتي ارتكبتها الأديان عن طريق تشكيل امبراطوريات مرتكزة على الكيل بمكيالين (3).
واتهم الأديان بالتعصب وأنها أقوى من المحبة والتسامح والإخاء. وأنها تتميز بالنظرة الاحتقارية للآخر وأنها فعلت مجازر في حق الأقليات (4). إلى آخر كلامه.
وفي كتاب آخر له اسمه «العلمنة والدين» (72) بين أركون أن العلمانية تحذف كليا الموقف الديني وتعتبره شيئا قديما باليا.
لكن عند أركون فالعلمانية لا تهمل الدين كعامل مؤثر في الدراسة لا لصدقه في نفسه، يقول عن العلمانية: وهي تحاول أن تعيد دمج العامل الديني في الدراسة وليس استبعاده وإهماله. قلت العامل الديني وليس الأديان أو العقائد بحد ذاتها أو بمضامينها التفصيلية (81).
بمعنى أن العامل الديني مُعطى أثر في الظاهرة الإنسانية فلا يهمل كعامل
_________
(1) نفس المرجع
(2) نفس المرجع (61).
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (178).
(4) نفس المرجع.

مؤثر في الدراسات التاريخية والسوسيولوجية، وليس لأن له قيمة في حد ذاته، أي: هو مادة للدراسة العلمية كما قال مترجمه وظله هاشم صالح (109).
فالدين مادة للدراسة لا شرع يُتبع ويتدين به وليست له أية قيمة معيارية.
وفي كتاب ثالث «الإسلام الأخلاق والسياسة» تحدث أركون عن الحاجة والضرورة الملحة لإعادة التفكير بتراث الإسلام بدءا من أسسه وجذوره (171).
وفي كتاب رابع يرى أركون أنه لا بد من النقد التاريخي الصارم الذي لا هوادة فيه لكل المنظومة الإسلامية، وأنه لا بد من الحل الجذري الراديكالي أي: المتطرف، كما بين مترجمه وتلميذه هاشم صالح. نحو نقد العقل الإسلامي (12 - 19).
وزاد مجنون أركون: وذلك لأن الفلسفة العقلانية التنويرية الحديثة (أي: العلمانية) تخترق كل الأديان والمذاهب وتتعالى عليها (14).
فالعلمانية فوق الأديان وتتعالى عليها كما قال هاشم صالح. الذي تساءل في كتابه الإسلام والانغلاق اللاهوتي (30): لماذا لا يحق لنا أن ننقد الدين ونصول ونجول في كل القضايا الدينية من دون أن يزعجك أحد.
ويطمئننا هاشم صالح أن علمانيته لا تريد بتفكيك الدين عملا سلبيا ولا تخريبيا، بل هو عمل إبداعي خلاق لا يمكن لأي ثقافة أن تنهض بدونه (43).
هكذا بهذه الكلمات الثعلبية المعسولة يخاطب عواطفنا لعل تمائمنا تستسلم لسحره، ويزيد مضغضغا تلك العواطف مبينا أنه لا يريد تدمير الإسلام، وإنما من أجل التوصل إلى فهم عقلاني حر لدين الإسلام (44).

يقصد فهما عقلانيا يتم فيه تجاوز وإقصاء كل المفاهيم الدينية ذات البنية الغيبية: الله، الملائكة، الجن، إبليس، الجنة، والنار ... إلخ، وتجاوز كل التشريعات الإسلامية المختلفة تحريم الربا والميسر والخنزير وإيجاب الحجاب والحدود وغير ذلك. لأن كل هذه العقائد والتشريعات كانت استجابة لظروف تجاوز التطور الطبيعي للعقل البشري لها.
وفي مقابل طعن أركون في القرآن والسنة وعلوم الإسلام دافع أركون عن عقائد منحرفة عديدة عن الدين، بل عدها العلماء خارج إطار الإسلام، فقال عن البهائية والإسماعيلية: إنها حققت مكانة عالمية محترمة بفضل جهود الآغاخان وانفتاحه الإنساني المعروف (1).
وقال عن رجال الكنيسة: وهكذا تغير وجهها من رجعي ظلامي ومحاكم تفتيش إلى تقدمي عقلاني مستنير نسبيا (2).
بعد أن سردنا ما يكفي من النصوص العلمانية المؤكدة على ضرورة نقد الإسلام نقدا لا هوداة فيه كما قال هاشم صالح نخصص الفقرات التالية لذكر نماذج موثقة لهذا النقد، بل النقض والطعن والسخرية والاستهزاء بالدين وأحكامه، عسى أن نبين لعصيد أن (عصيدته) طعمها مُر حنظل لا يستساغ إلا من أمثاله.
_________
(1) نحو نقد العقل الاسلامي (323).
(2) نفس المرجع (324).
ودافع كذلك من العلمانيين عن التبشير المسيحي: العفيف الأخضر اعتبر أن صدور قانون يمنع التبشير في الجزائر وفي المغرب يمثل انتهاكا مرفوضا لحرية التدين المقدسة. الحوار المتمدن العدد: - 2006/ 3

نقض أصول الإسلام وطعن في الدين:
نبدأ هذه الفقرات بعلماني قمامي من الدرجة الممتازة، حيث اعتبر سيد القمامة القمني أن سبب نكبتنا وتخلفنا هو رجوعنا واعتمادنا على كتاب واحد (أي: القرآن) أو كتابان (أي القرآن والسنة). شكرا ابن لادن (159).
وصرح اللعين أن عجز الإسلام كمشروع ومعه النبي والقرآن والبخاري وجبريل والملائكة ورب الأكوان والمؤمنون في المشارق والمغارب عن إقامة دولته المنشودة عبر تجربة ألف وأربعمائة عام. شكرا ابن لادن (159).
وعرَّى عاشق القمامة عن سوأته مباشرة وبغير حياء ولا خجل، وأكد أن المشكلة ليست في الخطاب الديني كما مر في (عصيدة) عصيد وغيره، بل في الدين نفسه.
وهذه عبارته بحروفها: هذا رغم أن المشكلة في الخطاب الديني لا يمكن ألا تكون إلا بمشكلة أعظم في الدين نفسه. خاصة أن في تكوين الإسلام مفردات تكوينية يتفرد بها عن معظم الأديان الأخرى، كانت سببا مباشرا في احتواء الدين على كثير من التناقضات الداخلية، سواء في المفاهيم أو في الأحكام ... شكرا ابن لادن (160).
وصرح أن كتابه أهل الدين والديمقراطية مع الوطن والتاريخ والجغرافيا وليس مع وطن هلامي اسمه الإسلام (9).
وأنه رد وتفنيد لكثير من المسلمات ونقد للثوابت وخروج عن الخطوط الحمراء (9).
وقال: وسنفرض وجودنا وشروطنا على خريطة مستقبل سنشارك في رسمه وتخطيطه بأيدينا، ولن يرسمه لنا بعد ذلك أحد كان في الأرض كان أو في السماء (10).

وللقمني طعون أخرى في الإسلام وأحكامه وتشريعاته ستأتي معنا في هذا الفصل قريبا وفي الفصول التالية عبر تسلسلها وتتابعها. علما أن القمني يلجأ أحيانا للمناورة، فقد كثرت عليه الضغوط والتحدي من قبل المسلمين في بلاده، فأعلن الشهادتين في التلفزيون المصري، كما ذكر في كتابه انتكاسة المسلمين (316).
وزاد أن بعض العلمانيين أخذوا عليه هذه التصريحات الإيمانية، بل حاربوه في موقع الحوار المتمدن. لكنه سارع إلى طمأنتهم وتبديد مخاوفهم (1) فقال: ومن ثم تتغير مواقفي أحيانا بدرجة أو بأخرى حسب طبيعة الضغوط ونوع المعركة، فأمارس أحيانا التقية المشهورة لديهم لأتقي شرهم، وأحيانا آخذ خطوة إلى الخلف لآخذ بعدها خطوتين إلى الأمام (315).
هذه الكلمات تلخص في نظري استراتيجية العلمانيين العرب في موقفهم من الدين.
ولقد أحسن صديق القمني نادر قريط العلماني في «محنتي مع سيد القمني» حيث قال: القمني كما أراه الآن تحول من مفكر إلى مفكر بأمره، ومن صاحب مشروع إلى سجال بدون موضوع (2).
وقال: لغة سجال القمني ليست أكاديمية كثيفة دالة، ترضي المثقف اللماح، ولا ميسرة أنيقة تبهر الذواق، إنها للأسف لغة عربية متثائبة تتحرك ببطء على إيقاع سيارات وسط البلد في القاهرة، وتنفث عوادمها في وجوه الناس، ولا تصل إلى
_________
(1) كما قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} البقرة 14.
(2) انتكاسة المسلمين (307).

مبتغاها إلا بشق الأنفس (1).
لنتابع حديثنا وننتقل لعلماني آخر اسمه عزيز العظمة، قال: وليس الدين والتراث أفيونا للشعوب لأنه مخدر لها بأفكار أخروية ووعود سماوية فحسب، بل أيضا وأساسا لأنه اغتصاب للواقع وتغييب للآن (2).
واعتبر أن ما سماه «منطق تاريخي أدبي» كفيل بإيصالنا اليوم إلى نقض أساطير القرآن والحديث والتراث بعمومه (3).
فالدين أفيون للشعوب ومخدر واغتصاب للواقع وتغييب للحاضر وأساطير.
فما رأي أحمد عصيد في كل هذا؟
لنتابع مع عزيز العظمة، قال عن الله سبحانه: والذي يرد كل ما يلتحق به مباشرة إلى اللاشكل واللامعنى والفوضى التامة (74).
وقال عن ما يتفرع عن فكرة الألوهية التي تشكل الإسلام: يولد مواضيع خاصة ذات مرتبة أدنى: من لاهوت متجمد مهووس وتشريع شعائري غير متميز مهووس وتشريع شعائري غير متميز نموذجيا عن اللاهوت وعن العبادات عامة (74).
وقال: أضحى الإسلام وأضحت رموزه فولكلورا يعتاش في ثنايا المجتمع المدني (59).
يؤكد العظمة على ضرورة قطع أيّ اتصال مع التراث، بل يرى أن التواصل العضوي مع الماضي أو ماتبقى منه سر وهن الحاضر (13).
_________
(1) انتكاسة المسلمين (312).
(2) التراث بين السلطان والتاريخ (25).
(3) نفس المرجع (31).

بل يرى أن مفهوم الأصالة الذي ينادي بعضهم به مستعار من مجال العشائرية ومجال تربية البهائم (13).
والأصالة عنده تعني إلغاء التاريخ، بل والمجتمع (14).
والواجب هو تجاوز ما يسمى أصالة.
واعتبر أن القول بأن الأمة ذات هوية قومية وكينونة ذاتية مستقلة استبدادي المآل أسطوري المحتوى في اعتماده على التراث والإرادة (15).
فحسب العظمة لا ينبغي التمسك بهوية الأمة، أو اعتبار الإسلام هويتها، فكلها عقائد بالية يجب تجاوزها بل يدعو العظمة إلى قطيعة تامة مع الدين، فهو ينتقد العلمانيين الذي يحاولون العمل من داخل التراث أو الربط بين الأصالة والمعاصرة كالجابري وحسن حنفي، ولو كان في هذا الربط طبعا إفراغ للأصالة (التراث) من محتواها. (18 - 19 - 20). واعتبر هو أنه إما الأصالة وإما المعاصرة ولا واسطة بينهما، وسمى أصحاب هذا الاتجاه بالمنهج التلفيقي (21).
أما أركون فينهج سياسة تدريجية في نقد الدين، مع أن المتتبع لكتبه يقتنع بما لا يدع مجالا للشك أن الرجل ملحد لا يؤمن بدين أصلا، لكنه يراوغ في الكلام ولا يفصح، ولهذا فهو ينصح بعدم مهاجمة العقائد الدينية مباشرة إلا بعد التمهيد الطويل وتحضير الأذهان والعقول لاستقبال الدين الجديد، قال: لا ينبغي أن نفكك هذه العقائد وتلك اليقينيات إلا أن نكون قد قمنا بعمل تمهيدي طويل يحضر الأذهان والعقول لاستقبال الفكر الحديث عن الدين. نحو نقد العقل الإسلامي (315).
فالمشكلة عنده ليست في نقد العقائد من أجل تجاوزها، وإنما في التدرج للوصول لهذا الهدف.
ولهذا فهو يتحفظ في كلامه كثيرا ويغلف أفكاره الأساسية بالكثير من أساليب

الحذر والاحتياط (1)، واعتبر أنه نظرا للضغوط التي تلاحقه فهو مضطر لممارسة الرقابة الذاتية على نفسه وعلى كتاباته لتقديم تنازلات عن خطه النقدي. قضايا في نقد العقل الديني (25).
واستمر في حديث طويل (من 22 إلى 32) عن معاناته مع الغرب ومفكريه وعلمائه، وكيف أنهم لا يقبلون منه إلا الكفر الصريح والإلحاد الصريح عوض اللف والدوران.
وليست العقائد الإسلامية هي التي تستحق الاحترام، وإنما مشكلة التواصل من أجل نشر أفكاره هي التي تحتم عليه الحذر والاحتياط في اختيار العبارات المناسبة، قال: وأعترف بأني أنا شخصيا أمارس الرقابة الذاتية على نفسي. وذلك في كتاباتي ومحاضراتي ليس من أجل حماية قناعاتي الشخصية أو إخفائها، وإنما من أجل الحفاظ على خيط التواصل مع الآخرين (2).
واعتبر أن لحظة الغربلة النهائية وإقامة الحساب الختامي التاريخي والمحصلة النهائية للأديان التوحيدية لم تحن بعد (3).
وأنا أقرأ في هذه المراوغات قوة الإسلام التي لا تقاوم، فإن له جبروتا عظيما حتى على أعدائه والحاقدين عليه ومن يريد كسر قوته وإضعاف شوكته تحت ستار النقد التاريخي.
ولما أصدر أركون كتابه من أجل نقد العقل الإسلامي بالفرنسية سنة
_________
(1) قضايا في نقد العقل الديني (313).
(2) نفس المرجع (58).
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (2

1984، وترجمه إلى العربية سنة 1986 غيَّر اسمه: إلى تاريخية الفكر العربي الإسلامي.
قال المعجب به وبفكره علي حرب في نقد النص (61): وقد عمد أركون إلى هذا التغيير تخفيفا لوطأة المصطلح النقدي على القارئ المسلم الذي لا يتقبل عقله بعد نقد ما يندرج تحت اسم الإسلام من الصفات والمحمولات.
ثم بين حرب أن خشية أركون هذه قد زالت بعد فأصدر كتيبا باسم: من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي.
وليس هذا خاصا بأركون فأغلب العلمانيين يحاولون انتقاء الألفاظ المناسبة لعدم إثارة المشاعر الإسلامية، ولكي لا يفتضحوا من أول وهلة.
لكن الحقيقة مهما حاولنا حجبها والتستر عليها فهي واضحة بين الأسطر، وأحيانا في داخل الأسطر نفسها، كما هو واضح من خلال هذا الكتاب.



الإسلام عند أركون سلسلة من التلاعبات والاستخدامات الاستغلالية

قال: ونحن نعلم أن كلمة إسلام هي كليا وبدون أيّ تردد أو حصر عبارة عن سلسلة من التركيبات المصطنعة والتلاعبات والاستخدامات الاستغلالية التي يقوم بها البشر (الإنسان) بصفتهم فاعلين حاسمين وشبه حصريين للتاريخ الأرضي المحسوس (1).
فالإسلام عنده ليس إلا تلاعبات للفاعلين، أي: اختراع بشري محض.
والله في نظره في حاجة بذاته إلى شهادة الإنسان له (2).
_________
(1) نحو نقد العقل الإسلامي (214).
(2) الإسلام الأمس والغد (183).

والإسلام متعصب ويحتكر الحقيقة.
قال أركون: ثم يزداد الطين بلة فيما يخص الإسلام، فهو يزيد إلى هذه العاهة المشتركة مع الدينين الآخرين، أقصد عاهة التعصب واحتكار الحقيقة الإلهية المطلقة، عاهة أخرى إذ يرفض مناهج ونتائج علوم الإنسان والمجتمع بحجة أنها ولدت في الغرب ومن أجل الغرب فقط ... ثم إن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك في نسيان العقل والتشكيك به ثم رفضه في نهاية المطاف (1).
واعتبر أن مفهوم الإسلام في قوقعة انغلاقية، هي مدعاة الإشكال وسوء الفهم، ولذلك حاول هو أن يزيل عنه طابع التناقض والغموض الشديد الذي يلفه ويحيط به، كما قال (2).
وقال في صدد حديثه عما تعانيه الشعوب العربية والإسلامية من مآس: ... واجترار مقدس متفكك ومدنس بألف طريقة وطريقة في نفس اللحظة (3). يقصد الإسلام.
وأكد أن هدفه في أبحاثه هو نزع الأسطرة عن الأديان التوحيدية الغارقة في ضباب التقديس الأسطوري بسبب قدمها وغوصها في أعماق الزمن السحيق (4).
وبسبب مواقف أركون هذه وغيرها كثير مما سنقرأه في هذا الكتاب كان الطلبة المسلمون في السربون وغيره يرفضون أفكاره في نقد الدين، كما صرح
_________
(1) نحو نقد العقل الإسلامي (252).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (250).
(3) نفس المرجع (242).
(4) نفس المرجع (317).

بنفسه (1)، بل بعضهم كانوا يخرجون من قاعة المحاضرات في الجامعة احتجاجا على ما سماه هو نقدا تاريخيا للدين، وحكى أنه كان كثيرا ما يهاجم مباشرة ويشتم في بعض المحاضرات العامة (2).
وزاد أركون أنه إلى جانب ما تعرض له في الأوساط الإسلامية، فقد تعرض للإعراض واللامبالاة في الأوساط العلمانية العربية والغربية (3).
وهكذا لم يجن أركون من نقده للإسلام إلا الحسرة والندم، فالأوساط الإسلامية لفظته ورفضته، كما صرح بنفسه، والأوساط الغربية لم تهتم به ولم تعبأ به. كما تقدم في الكتاب الأول.
وهي طبعا لم تفعل ذلك اعتباطا، بل لأسباب عقلانية وجيهة في نظرها: إما لأن أبحاثه لا ترقى إلى مستوى البحث الأكاديمي الجيد في نظرها.
وإما أن هذه الأبحاث لا تقدم شيئا سوى جعجعة من غير طحن.
فمع أنه ركع للغرب وانبطح إلى الأرض مُقبِّلا أعتابه إلا أنه همشه ولم يعترف به.
وذلك جزاء من يجعل القرآن تحت مطرقة نقده، عوض أن يكرس جهوده لنقد الغرب وفكره وفلسفته، وبالأخص فرنسا التي دفعتها هذه الفلسفة إلى استعمار بلده الجزائر وقتل أبناء وطنه واستغلال خيراته، ولا تزال إلى الآن تتحكم في مصائره وتغذي الطغم الفاسدة فيه.
وليت منهج النقد التاريخي الذي عاش حياته من أجله قاده إلى إدراك أنه لا
_________
(1) نفس المرجع (343).
(2) نفس المرجع (3
(3) نحو نقد العقل الإسلامي (252).

يعدو هو نفسه أن يكون من مخلفات الاستعمار الفكرية، وأنه ليس أكثر من جندي مجند خلف السياسة التغريبية المحاربة لحضارته وإرثه الثقافي والديني. {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة120.
وأغلب العلمانيين يتهمون الإسلام بالتعصب والعنف، وقد تقدم كلام أركون، وكذا فعل علي حرب قال: إن الإسلام في حد ذاته يؤول إلى التعصب والضيق والإلغاء والإرهاب (1).
وعند الشرفي ليس الإسلام فقط، وإنما جميع الأديان تشترك في عدم التسامح والركون إلى العنف (2).
وسيأتي معنا كلام القمني وآخرين.
أما العلماني السوري طيب تيزيني فهو أحد أكثر العلمانيين الماركسيين تطرفا، ولنترك تركي علي الربيعو يشرح لنا حقيقة الدين عند طيب تيزيني، قال: حيث يظهر لنا مشروع الدكتور تيزيني أن الدين في النهاية هو نسق معرفي بسيط، لنقل لعبة معرفية جاء بها كبار الكهنة، وهذا ما حذر منه ماركس (3). والدين وهم إيديولوجي كبير ابتدعه كبار الكهنة (4). والدين في المفهوم الماركسي العربي انعكاس لعلاقات اجتماعية اقتصادية إنتاجية (5)، وهو تعبير حي عن علاقات طبقية (6).
ومن بني بلده علماني آخر ذو أصل شيعي، لكنه ملحد لا يؤمن بدين ويهاجم
_________
(1) الممنوع والممتنع (178).
(2) الإسلام والحرية (194).
(3) أزمة الخطاب التقدمي العربي (86).
(4) نفس المرجع (91).
(5) نفس المرجع (87 - 91).
(6) نفس المرجع (87).

جميع الأديان ويسخر منها في كل تعليقاته على كتب أركون، وكذا في كتبه التي ألف. قال معلقا على كتاب أركون نحو نقد العقل الإسلامي (6) بعد تأكيده على ضرورة إجراء عملية جراحية خطيرة للإسلام كي يوافق الحداثة.
قال عن المسلمين: وصلوا إلى مفترق طرق: فإما أن ينخرطوا في هذه العملية الجراحية الخطيرة الضرورية لمصالحة الإسلام مع الحداثة، وإما أن يستسلموا للمقادير وينقطعوا عن حركة التاريخ كليا في عصر العولمة الكونية ويصبحوا مهمشين ومرميين في مؤخرة كل الأمم.
ومقصوده بالعملية الجراحية الخطيرة طبعا تطويع أحكام الإسلام لترضى عنها العلمانية الغربية أو بالأحرى بترها والبراءة منها وجعلها شيئا من الماضي فقط تدرس تاريخيا ومعرفيا كما تدرس باقي الثقافات.
وتأمل كيف يستعمل لغة دينية لا يؤمن بها: يستسلموا للمقادير.
مع أن الذي يستحق البتر والقطع هو علمانيته الغربية.
وزاد مجنون أركون فكرته الإستئصالية وضوحا وتأكيدا فقال (6): لو لم تخض أوروبا معركتها مع نفسها، لو لم تُصَفِّ حساباتها مع ذاتها التاريخية- أي: مع تراثها المسيحي القديم بكل رواسبه- لما استطاعت أن تقلع حضاريا وأن تسيطر على العالم.
هنا يكون هاشم صالح واضحا وصريحا، إنها تصفية حسابات مع الإسلام، الذي يخيف أوروبا وفي طليعتها عملاؤها وروادها العرب.
وزاد (7 - 6) فأكد أن الوعي الإسلامي وصل إلى درجة خطيرة من التفاقم حتى ظهر للأمة المهدي والمنقذ من الضلال محمد أركون.

وأركون وحده عند هاشم صالح من يستطيع فعل ذلك، بل حتى الجابري في نظره لا يملك التكوين المنهجي ولا العدة المفهومية والمصطلحية للقيام بذلك (7).
وهكذا فلتكن عبادة الأشخاص.
يرفض هاشم صالح أن يُحكَم بالإسلام وفقهه، قال في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (44): نحن لسنا محكومين بالماضي وقيمه ومعاييره إلى أبد الآبدين، إذا كان الماضي محكوما بفقه القرون الوسطى وتقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار بحسب أماكن ولادتهم وغصبا عنهم، فإنا نرفضه.
وبيَّن أن الهدف هو الإطاحة بكل العقائد الدوغمائية التي تفرض نفسها عن طريق الهيبة الفوقية للنصوص التراثية أو لرجال الدين لا عن طريق المحاجة والإقناع (44).

يجب تفكيك كل العقائد والثوابت الإسلامية والإطاحة بها.
هكذا يقول هاشم صالح قال: هذا ما فككه ديكارت وأطاح به، يمكن أن نقول الشيء ذاته عن العقائد اللاهوتية الإسلامية التي لم تتعرض لأي تفكيك حتى الآن والتي تفرض نفسها كحقائق مطلقة لا تقبل النقاش. الإسلام والانغلاق اللاهوتي (45).
وزاد: هناك ركام هائل من اليقينيات المطلقة المعصومة التي تنتظر أن تفكك ويطاح بها، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: كل التصورات المثالية العذبة ولكن اللاتاريخية التي يحملها عامة المسلمين عن بدايات الإسلام الأولى وعن كيفية تشكل المصحف وكتب الحديث والسيرة النبوية وشخصيات الأئمة والصحابة والسلف والتابعين وتابعي التابعين .. إلخ إن كل هذا ينبغي أن يغربل غربلة شديدة على ضوء منهج الشك الديكارتي أو المنهجية التاريخية النقدية التي طبقت على التراث المسيحي من قبل، وأثبتت فعاليتها،

وأدت إلى تحرير الوعي المسيحي الأوروبي من كل تلك التصورات التبجيلية والأسطورية الموروثة عن العصور القديمة (45).
فكل الدين بجميع أصوله وفروعه وعلومه ورجاله يجب تفكيكه من أجل تجاوزه كما فعل الغرب مع مسيحيته.
واعتبر أنه لا فرق بين المذاهب، بل والأديان، وزاد: فالمنظور القروسطي الظلامي للدين يهيمن على كل فرق السنة والشيعة دونما استثناء: التخويف من النار وعذاب القبر ومنكر ونكير وكره الحياة الدنيا والشعور بالإثم والخطيئة والذنب وكل الرعب الذي يلف الدين موجود لدى كل الطوائف والمذاهب، نحن جميعا غاطسون في غياهب العصور الوسطى (22).
بل الدين كله مرعب، قال: إن التدين القروسطي مرعب فعلا، وقد تربيت عليه منذ نعومة أظفاري، قارن بينه وبين التدين المسيحي في أوروبا، هذا التدين المبتسم المتفائل الحر الخالي من كل الإكراهات القمعية والصور الإرهابية التي لا يمكن أن يعلموها للأطفال (24).
ومواقف هاشم صالح هذه تنم عن كونه يعاني أزمة نفسية أكثر من موقف فكري تحرري.
وقد تحدث عن هذه الأزمة في مستهل كتابه هذا، حيث تحدث عن الرعب والخوف الذي انتابه وهو صغير من تربية والده وتحدث عن الكوابيس بسبب ملك الموت ومنكر ونكير وأفكار الخوف والرعب التي لقنها له والده الشيعي، بل هاجم والده مهاجمة شديد وتحدث عن «موقفه اللامسؤول الذي لا أستطيع أن أغفره له مهما حاولت»، هكذا قال: (22 - 23 - 24 - 26).
وقال قبل هذا: وكنت طفلا صغيرا تملؤه هذه الحكايات (منكر ونكير)

بالوسواس والرعب واليقين المطلق بصحتها في ذات الوقت، وكنت أتساؤل متحيرا: كيف يمكن أن يستجوبناني وأنا في القبر تحت الأرض، ألا تكفيني ملاحقات في حياتي حتى ألاحق بعد موتي؟ وهل سأنتقل من كابوس إلى كابوس؟ وما هذا التدين المظلم البائس؟ وكنت أشعر برعب لا يوصف، وحتى الاسم منكر ونكير أرعبني فعلا، وحتى عزرائيل كنت أخاف منه خوفا شديدا بعد أن وصفوه لي (23).
إذن المسألة أزمة نفسية حادة نتيجة تربية منحرفة أكثر منها قناعة فكرية، ويزيدها قوله بعد أن حكى قصة حكاها له والده أن رجلا دفن وهو حي بعد أن ظنوا أنه ميت، فاستيقظ في القبر محاولا رفع التراب فوقه. وقال: هذه القصة الكابوسية انغرست في ذهني إلى درجة أنني لا أستطيع التخلص منها حتى الآن، إنها تشكل أكبر رعب في حياتي (23).
الرجل مكانه مستشفى الأمراض النفسية، فيريحنا ويريح نفسه.
والدين في نظره رمز للقتل والإبادة، فزعم أن الفلسفة ما قتلت شخصا واحدا في حين قتل الملايين باسم الاهوت الديني. (356)
هكذا بكل صفاقة وجه!! ومن قتل ملايين المسلمين والغجر والسلاف في سيبيريا وألبانيا؟ أليست الفلسفة الماركسية، وباسم من قتل النازيون الملايين والفرنسيون في البلدان المستعمرة؟
ولا يَقِل صادق جلال العظيم في التطرف عمن سبقه، فعنده: الإسلام يتعارض مع العلم ومع المعرفة العلمية قلبا وقالبا، روحا ونصا. وهما على طرفي نقيض (1)
_________
(1) نقد الفكر الديني (15).

و «الدين بديل خيالي عن العلم» (1).
وجعل الإسلام الإيديولوجية الرسمية للقوى الرجعية المتخلفة في الوطن العربي (2).
والإسلام المصدر الرئيس لتبرير الأنظمة الرجعية وأنه مؤهل لأن يلعب هذا الدور، وقد لعبه في جميع العصور بنجاح (3).

تجاوز الدين والمفاهيم الدينية وإقصاؤها.
قال أركون مبينا موقف العلمانية من الدين: أما الموقف العلماني فيتميز بإحداث القطيعة الجذرية مع كل ما يشرط الموقف الديني ويتحكم به. وهو يفترض - متسرعا- أن فرضية الله أو وجود الله ليست ضرورية من أجل العيش، وبالتالي فالوحي يشكل بالنسبة له ظاهرة أو معطى، مثله في ذلك مثل أيّ معطى آخر، ويمكننا أن ندرسه كمؤرخين وكعلماء اجتماع. ولكن لا يمكننا التقيد به وقبول ما يدعوه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: بالاختيار المُسْتَعْبَد، المقصود بهذا المصطلح خضوع العقل لمعطى خارجي عليه، إن الموقف العلماني يذهب في توجهه حتى هذه النقطة ... وإذن فيوجد بالفعل هنا قطيعة أساسية وجذرية مع الوحي أو معطى الوحي، لكي ينتقل المرء إلى تحقيق الاستقلالية الكلية للعقل. العلمنة والدين (71 - 72).
وهذا كلام في غاية الوضوح أن مراد العلمانية إهمال الدين ومفاهيمه كالله ونحوه من المفاهيم الدينية وإحداث قطيعة نهائية معها.
ويزيد أركون هذا المعنى وضوحا في كتاب آخر له عن الأنسنة والإسلام (160):
_________
(1) نفس المرجع (17).
(2) نفس المرجع (16).
(3) نفس المرجع (17).

إن السلوك الأنسني (1) الذي أدافع عنه في كتابي هذا لا يهدف إلى إصلاح ما هو داخل في إطار الانغلاق العقائدي فحسب، بل إلى الخروج من هذا الإطار بالمعنى الذي يقصده مارسيل جوشيه وغيره من المفكرين كجياني فاتيمو عندما يتحدثون عن الخروج من الدين أو عن مسيحية غير دينية.
وهذا كلام واضح كذلك، ويزيده تأكيدا قوله في نفس الكتاب (144): ذلك لأن المواضيع المطروحة في هذا الكتاب وخاصة في هذا الفصل تهدف إلى فتح الطرق وإلى اقتراح أدوات تفكير تقود إلى الخروج نهائيا وبغير رجعة من التكراريات العقائدية والمنتجات الفكرية للعصور الوسطى.
وتحدث قبل هذا (71) عن فهم الخلاص ومعايشته، وتحدث عن ما بعد الغيبية، وما بعد اللاهوت، بل تحدث عن ما بعد الإسلام وإسلام غير ديني.
مراده بما بعد الغيبية نهاية الغيبية، وما بعد الإسلام: نهاية الإسلام.
وإسلام غير ديني يقصد إسلام يتحدث عن بعض الروحانيات وبعض الأخلاق الفاضلة التي ترضى عنها العلمانية، لا إسلام طقوسي شعائري كما يعبر أركون في بعض كتبه.
وإذا كان مشروع أركون وكذا غيره من العلمانيين يهدف إلى تجاوز الدين، فلابد عنده من تطبيق العمليات التفكيكية التالية: الانتهاك، فالزحزحة، فالتجاوز والتخطي.
قال: هذه العمليات ينبغي تطبيقها بالطبع على التراث الديني (2).
وقال:
_________
(1) أي: العلماني. والأنسنة هي العلمانية نسبة إلى الإنسان. إذ مرجع العلمانية هو العقل الإنساني فحسب، وتبعد كل ما هو خارج عنه كالغيب والماورائيات التي هي عمدة الدين.
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (321).

نحن نهدف من خلال هذه الدراسة كلها إلى زحزحة مفهوم الوحي وتجاوزه (1).
بهذا الوضوح رغم الرقابة الذاتية التي يمارس على نفسه على حد تعبيره السابق لكي لا يثير حفيظة الجماهير المسلمة.
بل ذهب أركون إلى وجوب تخطي الحوار بين الأديان وبين الثقافات إلى تجاوز هذه الأديان نفسها، قال: ينبغي الانطلاق من الحوار بين الأديان وبين الثقافات أو من تحالف الحضارات بصفته أسطورة معاصرة، لكي نصل إلى تجاوز كل المواريث أو التراتاث العتيقة البالية التي عفى عليها الزمن من أجل الإعلاء من شأن التراث العام المشترك للبشرية (2).
فحوار الأديان أو الحضارات أسطورة في نظر أركون، بل المطلوب هو تجاوز هذه الأديان من أجل ما سماه التراث العام المشترك للبشرية.
أي: سيقوم بعملية دمج بين الأديان الثلاثة، واستخراج دين مشترك ترضى عنه العلمانية يدعو المساواة والعدل وحقوق الإنسان، قال: وبما أن اليهودية هي السابقة زمنيا فإنها تصبح عندئذ مرجعية إجبارية بالنسبة للمسيحية والإسلام (3).
إذن فقاعدة الأديان هي اليهودية فهي المرجع لباقي الأديان.
ولا يعني هذا الاعتراف بشرعية أيّ دين، فمشروعه يهدف إلى أرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي: الكشف عن تاريخيتها أو المغطاة بستار كثيف من
_________
(1) القرآن من التفسير الموروث (76).
(2) نحو نقد العقل الإسلامي (322).
(3) نفس المرجع.

التقديس والتعالي (1).
يقصد بتاريخيتها بشريتها، وإبعاد أيّ صبغة إلهية متعالية مقدسة عنها.
وبالتالي سيقطع أركون مع:
1 - المحرمات العتيقة.
2 - الميثولوجيات (أي: الأساطير) البالية.
3 - الإيديولوجيات الناشئة (2).
لا مكان للأساطير: الغيبيات والأنبياء والجن والملائكة والقبر والآخرة.
هنا يبدو منهج طه حسين والعقاد وهيكل غير كاف في نظر أركون، لأنه منهج اعتذاري تبريري، لابد عنده من قفزة أكبر، بل موقف أصرح وأكثر حدة (3).
ونقل عن آن ماري بليتي: هكذا حكم على التوراة بالتجاوز لا حين تستنفد قراءاتنا المتعددة المستلهمة معناها، بل حين يغدو هذا المعنى مكتملا تماما. أما الغوص في سر هذا الاكتمال عن طريق النفاذ إلى ما وراء الكتاب الذي بين أيدينا اليوم. فذلك هو غاية الأبدية.
ثم قال: وما تقوله آ. م. بليتي عن الكتاب المقدس ينطبق تماما على القرآن. ولكن هناك فارقا جوهريا. إذ إن عمل الهدم الذي أدعو إليه في مجال الخطاب القرآني يمس جميع النصوص المسماة بالنصوص المؤسسة، بينما لا تعير الدراسات في مجال التوراة والأناجيل أيّ اهتمام لوضعية القرآن إلا بمحض
_________
(1) القرآن من التفسير الموروث (84).
(2) تاريخية الفكر العربي الإسلامي (58).
(3) نفس المرجع (60).

الصدفة في تعليقات بعض الباحثين (1).
يريد أركون أن عملية الهدم التي سيقوم بها لن تخص القرآن وحده، بل ستشمل جميع الكتب المقدسة التي أسست لهذا القرآن.
أما برهان غليون العلماني السوري فحدثنا أن هدف العلمانية هو إقصاء التراث وإبعاده عن مناحي الأنشطة الاجتماعية والفردية (2).
وأما زكي نجيب محمود فقال في تجديد الفكر العربي (110): هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا قد فقد مكانته، لأنه يدور أساسا على محور العلاقة بين الإنسان والله (3).
ودعا العلماني التونسي عبد الوهاب المؤدب إلى تجاوز الشريعة وإلغاء الجهاد كليا بما فيه الجهاد الدفاعي وإلى إحداث قطيعة مرة مع التراث وأن نقوم بالحداد على الماضي (4).
واعتبر أن تحريم الخمر والاختلاط يحول المجتمع إلى سجن أو قبر (5).
ويحدثنا هاشم صالح بصراحة أكبر فيقول: إن كل التراث الموروث عن القرون الوسطى سوف نجد أنفسنا مضطرين لتفكيكه حجرة حجرة، وقطعة قطعة، ثم الإطاحة به، عشرات أو مئات الأفكار الراسخة واليقينيات المعصومة سوف تنهار كصرح من كرتون ... حقا لقد حان زمن التفكيك والتكنيس والتعزيل الكبير (6).
_________
(1) الأنسنة والإسلام (141 - 143).
(2) اغتيال العقل (173).
(3) ونقله عنه محمود أمين العالم في الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر (19).
(4) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (107).
(5) نفس المرجع.
(6) نفس المرجع (24).

وزاد: لا أقصد إطلاقا بأن الدين سينتهي، وإنما سيبقى منه الجوهر، أي: القيم الروحية والأخلاقية العليا، كل ما عدا ذلك من حشو وتعصب مذهبي أو طائفي سوف ينتهي يوما ما مثلما انتهى في البلدان المتقدمة في أوربا (1).
وزاد: وهذا يعني أن التطور ممكن حتى في الشؤون العقائدية وعلم الاهوت، وبالتالي أرجوكم كفوا عن اتهامنا بالمس بثوابت الأمة (2).
وهذا كلام في غاية الوضوح، الهدف هو تجاوز عقائد الإسلام وثوابته وتطويعها لخدمة الحداثة العلمانية، فما وافقت سيادتها عليه قبل، وما لم تقبله فإلى الجحيم.
ولن تترك لنا علمانية هاشم صالح من إسلامنا إلا القيم الروحية كالمحبة والمساواة والعدل واحترام الآخر (3).
أما البومسهولي فأكد على وجوب رفض كل وصاية إلهية على الإنسان، لأنها تحد من حركيته وحريته وانفتاحه. فلا بد في نظره من إحداث قطيعة مع تمجيد فكرة «الله» اللامتناهية، لأنها رمز للذل والخضوع والعبودية، وهذا طبعا يتنافى مع مشروعه العلماني (4).
وليست الصلة بالله هي العبودية والذل والخضوع كما عبر ابن تيمية، بل على العكس من ذلك التحرر من أيّ عبودية، بما فيها عبودية الله وتحقيق إرادة الإنسان (5).
_________
(1) نفس المرجع (25).
(2) نفس المرجع (25).
(3) وهذا ما دعا له عبد الوهاب المؤدب كذلك أنه لن يبق إلا التراث الروحاني والأخلاقي المتجسد في كبار المتصوفة كابن عربي. الإسلام والانغلاق اللاهوتي (106).
(4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (295 فما بعدها).
(5) نفس المرجع (300).

وهذا ما يعبر عنه كثير من العلمانيين بالأنسنة، أي: تأليه الإنسان، أو أنسنة الإله.
وعليه فإن نظام الفتوى في البلاد الإسلامية سيتم تجاوزه لأنه يقدم نفسه كنظام للوقاية والحجر، وهذا يعارض ثقافة التسامح والحرية والكرامة (1).
عندما يتحول مفكر إلى صُنبور وقِمْع لأفكار غيره فعلى الفكر السلام.
وأما حسن حنفي فدعا إلى الكف عن ترقيع التراث، بل الواجب هدمه بأكمله.
والدفاع عن التراث في نظر حسن حنفي جريمة لا تغتفر، وعنوان الهزيمة وسبيل لكسب المال، ومما قال: الدفاع رفض للعقل، ينشأ عن جهل أو تعصب ... تستخدمه السلطة السياسية لتغطية الواقع ومآسيه ... وعادة ما يكون الدفاع هو دفاع عن النفس ودفاع عن المنصب ورغبة في الشهرة ودخول في المزايدة، فأشد المدافعين حمية هو الذي يحصل على الغنيمة، ومن ثم ينقلب الفكر إلى تجارة والأمانة إلى خيانة، وكثيرا ما يكون الدفاع عن نفاق لا عن إيمان واقتناع (2) .... إلى آخر تفاهته.
ولهذا أخذ على إخوانه العلمانيين بأنهم يبنون فوق بنيان متهدم قائم، دون أن يكملوا الهدم ليعيدوا البناء من جديد (3).
وفي ظل مشروع «التراث والتجديد» يجب التخلي عن لغة اللاهوت الإسلامي: إله، رسول، ثواب وحساب وعقاب وملاك وشيطان ... إلى آخره،
_________
(1) نفس المرجع (300).
(2) التراث والتجديد (100). والنقاط علامة على حذفي لبعض كلامه. وهكذا أفعل مع غيره.
(3) نفس المرجع (29).

فهذه اللغة في نظره مغلقة خاضعة للرمز الديني (1)، وبالتالي يجب تجاوزها لأنها لم تعد تعبر عن متطلبات العصر، نظرا لطول مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التي نريد التخلص منها. ولأنها أصبحت لغة عاجزة عن أداء مهمتها في التعبير والإيصال (2)، واستعمال لغة أخرى أكثر عقلانية وانفتاحا وإنسانية مثل الإنسان والعقل والنظر والعمل والفضيلة (3).
لا يكتفي حسن حنفي بتجاوز المفاهيم والمضامين، وإنما يريد تجاوز المصطلحات كذلك، لأنها حجر عثرة أمام مشروعه التجديفي عفوا التجديدي.
وشرح لنا في كتابه من العقيدة إلى الثورة مشروعه التجديدي هذا. فذكر أن علم الكلام أو علم أصول الدين سيتحول إلى علم جديد اسمه: الإنسان والتاريخ.
وبدل الإلهيات: الإنسان.
وبدل السمعيات: التاريخ.
وبدل الذات: الوعي الخالص.
وبدل الصفات: الوعي المتعين أو الشخصية الإنسانية.
وبدل خلق الأفعال: الحرية.
وبدل النبوة: تطور الوحي.
وبدل المعاد: مستقبل الاإنسانية.
وبدل الأسماء والأحكام: النظر والعمل.
وبدل الإمامة: الحكم والثورة (4).
وهكذا نكون قد جددنا كل القديم، وليس الأمر مقتصرا على تغيير مصطلحات، بل تغيير مضامين ومفاهيم، فعوض الحديث عن المعاد والآخرة، في مشروع «التراث والتجديد» سنتحدث عن المستقبل البشري، وعوض الحديث عن الله وأسمائه وصفاته، سنتحدث عن الإنسان ووعيه.
_________
(1) نفس المرجع (157).
(2) نفس المرجع (110).
(3) نفس المرجع (157).
(4) من العقيدة إلى الثورة، المجلدات الخمسة، ونقد الخطاب الديني (164 - 165).

وعوض الحديث عن النبوة سنتحدث عن تطور الوحي، أي: دراسة تاريخية مقارنة لتطور الوحي عبر العصور.
بل الأكثر من هذا حوَّل حسن حنفي الوحي إلى الطبيعة والميتافيزيقي إلى الفيزيقي، وكل إنجاز بشري في مجال معرفة الطبيعة والواقع إضافة للوحي واستمرار له، بل قال أبو زيد: وفي هذا الفهم لا يكون الوحي مجرد واقعة حدثت في الماضي عدة مرات ثم توقفت، تاركا شأن البشرية سدى، بل الوحي اسم يطلق على النشاط الذهني للإنسان في كل زمان ومكان (1).
ومع أن هذا المشروع يهدف إلى زعزعة العقائد الإسلامية وطحنها وعجنها في صورة مناقضة لها، فهو في نظر مَنْ حكمتْ محكمةُ القاهرة بردته نصر حامد أبي زيد عمل ناقص، بل يريد هو اجتثاث هذه العقائد من الأصل.
فمشروع حسن حنفي في نظره مجرد طلاء، ومشروع تلفيقي وتلويني (2)، أقرب إلى الإخفاق منه إلى النجاح (3)، وأنه تحويل تجديد التراث إلى تجاور بين القديم والجديد (4).
وهذا طبعا لا يرضي أبا زيد، إنه يريد الجديد فقط، وأما القديم فالمكنسة له بالمرصاد.
وأبو زيد وإن انتقص عمل صديقه ورفيق دربه حسن حنفي إلا أنه قال عنه: إنها محاولة مشروعة لتحويل اللاهوت إلى انتروبولوجيا والإلهيات إلى إنسانيات (5).
وزاد أبو زيد في إطار إظهار إيجابيات مشروع حسن حنفي أن
_________
(1) نقد الخطاب الديني (188).
(2) نفس المرجع (158 - 159 - 163).
(3) نفس المرجع (183).
(4) نفس المرجع (183).
(5) نفس المرجع (184).

العقائد الإسلامية مجرد تصورات ذهنية، أكثر من كونها عقائد دالة على وجود مفارق، وأن الله ليس ذاتا موجودة مفارقة للوعي الإنساني، بل هو مبدأ معرفي خالص (1).
أي: العقائد الإسلامية تصور ذهني لا أقل ولا أكثر.
فالله والجنة والنار والمعاد والحساب والعقاب وغيرها تصورات يتصورها الذهن لا أنها موجودة في نفس الأمر.
وعوض مشروع حسن حنفي التلفيقي كما يقول نصر أبو زيد فله مقاربة أخرى لتجاوز التراث نحو التجديد:
فدلالات النصوص عند أبي زيد ثلاثة:
1 - شواهد تاريخية لا تقبل التأويل المجازي أو غيره.
2 - دلالات قابلة للتأويل المجازي.
3 - دلالات قابلة للاتساع على أساس المغزى (2).
فالنصوص عنده إما تاريخية تجاوزها الزمن، وإما مجاز، وإما مغزى.
فنصوص الحجاب مغزى للعفة، والعفة متغيرة حسب الزمان والمكان، وقد يكون من العفة لبس (الشورت) للمرأة في الرياضة في هذا الزمان.
وضرب لنا أبو زيد أمثلة عديدة لهذه الدلالات فذكر من النصوص ذات دلالة تاريخية التي يجب تحويلها إلى متحف التاريخ ولم يعد لها معنى في زمان أبي زيد: ملك اليمين (215) والجزية والموقف من الكفار (216) ونصوص السحر والحسد والجن والشياطين (218).
فكل هذه المفاهيم كانت مناسبة لبيئة بدوية تقليدية، وبعبارة سَيِّدِه سوسير:
_________
(1) نقد الخطاب الديني (1
(2) نفس المرجع (214 - 215).

هي مفاهيم ذهنية، لأن اللغة قد تشير إلى مفردات ليس لها وجود عيني (219).
وهكذا نصوص الربا (220)، فكلمة «الربا» تجاوزتها اللغة في الاستعمال لاختفاء الظاهرة التي تدل عليها من المعاملات الاقتصادية (220).
وعليه أردف قائلا: والحقيقة أن النظم البنكية لا تتعامل بالربا، بل تمنح أرباحا للمودعين وتجني فوائد من المقترضين (221).
وأما المغزى: فالمعنى عنده يمثل المفهوم المباشر لمنطوق النصوص، والوقوف عند المعنى تجميد النص في مرحلة محددة وتحويله إلى أثر أو شاهد تاريخي.
وأما المغزى فهو محصلة لقراءة عصر غير عصر النص، وضرب لنا مثلا بميراث البنات.
فلما حلل أبو زيد عصر النص وجد أن النص أحدث حركة تتجاوز الوضع المتردي للمرأة وتسير في اتجاه المساواة المضمرة والمدلول عليها في الوقت نفسه (236).
1
إذن فالمغزى من تشريعات القرآن حول ميراث البنات وكونه على النصف من الذكور هو التحرك نحو المساواة تدرجا من وضع أكثر ترديا إلى وضع أعلى زمن النص. ولكن الهدف النهائي هو المساواة. بل ما قيل هنا يقال حسب أبي زيد دائما في وضعية المرأة عموما التي نقلها النص من وضع جاهلي منحط إلى وضع أعلى منه. وهذا هو المعنى، ولكن أبو زيد يريد المغزى، أي: المساواة مطلقا.
فالنصوص القرآنية تعتبر الأنصبة طبقا لعلاقات العصبية الأبوية. وهذا طبيعي في المجتمع القائم على تلك البنية العصبية.
وأما المغزى النَّصْري البوزيدي فهو العدل وتوزيع الثروة (237).
وهذا ما سماه أبو زيد في كتابه الآخر الإمام الشافعي (190) بالتحرر من سلطة النصوص.

قادت أبو زيد تحليلاته إلى مستوى أعلى، فاستند في كتابه النص والسلطة والحقيقة (109) إلى ما سماه: المسكوت عنه في بنية الخطاب، وأكد لنا أن هذا المسكوت عنه ليس هو الفحوى أو لحن الخطاب المذكورين في أصول الفقه. بل هو سياق أعمق، بحيث يمكن لنا أخذ دلالة معكوسة لدلالة النص.
وضرب لنا أبو زيد مثلا: فذكر أن القرآن تحدث عن الجن بناء على الثقافة السائدة آنذاك، أي: البيئة الثقافية في جزيرة العرب، حيث الإيمان بالجن هو الشائع، لكن بتحليل السياق اللغوي في القرآن على مستوى أنسنة الجن بتقسيمهم إلى مؤمنين وكافرين، وعلى مستوى مرجعية الضمائر (أي: الغائب)، وعلى مستوى مصادرة حق الجن في الاستماع إلى أخبار السماء عن طريق محاصرتها بالشهب الحارقة الراصدة للجن، ليستخلص أبو زيد بجزم تام وخفة وطيش كبيرين: أمكننا القول: إن النص يلغي وجود الجن بدلالة المسكوت عنه المستخرجة من تحليل السياق اللغوي (1).
ما شاء الله، ما شاء الله!! يا لها من تحليلات دقيقة، تدل على البراعة التامة والعمق المعرفي!!! إنها حقا الإيديولوجية النفعية التي نعاها على غيره.

هذه هي دائرة الصمت والمسكوت عنه في بنية الخطاب كما قال العلامة الهمام أبو زيد!. والأكثر من هذا أن هذه القراءة النصرية تتعدد إلى ما نريد قراءته، قال: ولا شك أن تحليل مستويات السياق اللغوي في بنية النصوص الدينية بإدخال مستوى المسكوت عنه- ناهيك بمستويات هذا المسكوت عنه المتعددة بتعدد مستويات القراءة، يمكن أن تساعدنا إلى حد كبير في فهم أعمق- وأكثر علمية- للنصوص (2).
هذا هو مشروع أبي زيد لتجاوز الدين وإقصائه.
وقال
_________
(1) النص والسلطة والحقيقة (109).
(2) النص والسلطة والحقيقة (109 - 110).

محمد خلف الله في الأسس القرآنية للتقدم (41): تبقى بعد ذلك عملية تحرير العقل البشري من السلطة الدينية المتمثلة في نظام النبوة (1).
وقال علي حرب في الممنوع والممتنع (219): فإنني لا أتعامل مع هويتي القومية أو الدينية كجوهر ما ورائي أو كعنصر نقي أو كبنية ثابتة أو كحقيقة متعالية أو كشعار مقدس، بل أتعامل معها كشرط يمكن تغييره أو تجاوزه.
وأول الطريق عنده (222) هو التحرر من أيّ تقليد أو نموذج، من كل مسبق يتحكم فيما نرى التفكير فيه أو عمله.
ولا مقصود من هذا الكلام إلا الدين.
وزاد (215) أن خطاب الهوية لا معنى له وسلاح تقليدي لا فعالية له.
وطالب بالتحرر من النص الديني واعتبره شرطا لقراءته قراءة جديدة مغايرة خلاقة (218).
وحضور التراث فينا -عنده- ليس الحضور الأغنى والأبهى، بل يحضر كأثقال نجرها وراءنا كسلاسل تكبل حركتنا (218).
وطالب جورج قديس باستبدال التعاليم الدينية في المدارس بتعاليم أخرى إنسانية تبحث فيما هو مشترك بين البشر من حيث هم بشر (2).
يريد منا جورج قديس تجاوز وإقصاء تعليم الدين من المدارس وأن نستبدله بتعاليم إنسانية مشتركة بين البشر.
وقال خليل حيدر: القرآن والسنة إن صلحا لعصر فلن يصلحا لنا الآن.
وقال: إنني مع الرأي القائل بأن مزج الدين بالسياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة يعرقل التطور كما وكيفا، ويسبب آلاما لا آخر لها بدون مبرر (3).
_________
(1) تهافت العلمانية (265).
(2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (370).
(3) تهافت العلمانية (87).

السخرية والتكذيب والتشكيك بعقائد وشرائع وثوابت دينية.
ولنبدأ بسيد القمامة، فذكر في انتكاسة المسلمين (167) أن الله قام بإبادة جماعية بطوفان نوح.
وقال كذلك مستهزءا بالأديان (250): لقد نجحت القيم الإنسانية في توحيد البشرية وتوجيهها نحو قرية واحدة، بينما لم يتمكن أيّ دين من ذلك، وعندما أرسل الله نوحا وأحدث الطوفان، كان الهدف من هذا القرار الرهيب في حق الإنسانية كلها هو التخلص من الآخرين غير المؤمنين لتوحيد البشرية، ومع ذلك لم تتوحد البشرية، فجاء بعد نوح من خرجوا على الدين مرة أخرى.

إلى أن قال في انتكاسته (251): بينما القيم الإنسانية (1) هي التي أدت للإنجاز الذي يتحقق اليوم تدريجيا لتوحيد البشرية بالعولمة، دون دمار وطوفان وخراب ديار وإبادة الإنسانية على الأرض، إنما بمؤتمرات وحوارات بين الثقافات وما تقوم به اليونسكو الآن في حوارات القرن الحادي والعشرين.
فالله رغم طوفانه لم يستطع توحيد البشرية حسب القمني، بينما العلمانية استطاعت ذلك بفعل العولمة التي تقوم على الحوار والمؤتمرات لا بالطوفان.
هكذا يتم اختزال العولمة الامبريالية الرهيبة المتوحشة حسبما تقول الأدبيات الماركسية التي كان يدين بها القمني في يوم من الأيام.
وهكذا يسخر من الدين وإلهه!!.
وكرر سيد القمامة مرارا في كتابه انتكاسة المسلمين إلى الوثنية (153) أن الفراعنة والبابليون أسسوا حضارات ودولا عريقة، بينما الإسلام في نظره لم ينشأ دولة ولا حضارة كما تقدم عنه.
بل يرى أن تلك الحضارات الفرعونية والبابلية
_________
(1) أي: العلمانية.

وغيرها كنت متحضرة وتتمتع بالخلق الرفيع.
وأما تاريخ الإسلام فدماء وأشلاء وقتل وسلب ونهب لا غير.
ومن أعجب ما رأيته لهذا الزنديق في معرض بيانه فضل القيم الوضعية على القيم الدينية: تفضيله قيم فرعون على قيم نبي الله إبراهيم، والقيم الوضعية لملك مصر على قيم الأسباط الكرام. وكيف أن نبيا من أولي العزم من الرسل لم تمنعه قيمه الدينية من التفريط في زوجته سارة، بينما قيم فرعون مصر دفعته إلى إرجاعها له وتزويدها بخير عظيم (153).
وزاد: «القيم السماوية لم تمنع الأسباط الكرام من بيع أخيهم يوسف طفلا في سوق النخاسة، بينما القيم الوضعية المصرية هي التي أعطت الفرصة ليوسف عندما أثبت المهارة ليتبوأ منصب وزير خزانتها، وهو غير مصري، وهو المبيع لها عبدا» (153).
ولا أظن أن في تاريخ الزندقة منذ ظهور إبليس إلى يومنا هذا أن زنديقا تفوه بكلام يشبه هذا الكلام. فهنيئا للقمامي باختراعه العجيب.
يزيد اللعين فيؤكد أن القيم الدينية «نتج عنها من تفشي جرائم التحرش والاغتصاب بنسب غير معهودة في بلادنا، وتفشي التقوى ومعها الفساد والنصب والاحتيال بشكل لم يسبق أن عرفه تاريخنا سوى أيام المماليك والهكسوس» (154).
واعتبر أن القيم الإنسانية أي: العلمانية هي الأصدق من القيم الدينية (146 - 147).
ومدح مرارا القيم الإنسانية أي: العلمانية مدحا منقطع القرين، وأنها هي القيم المعتبرة والتي يجب الأخذ بها، وأن القيم الإسلامية قيم ذاتية خاصة.

ونص (250 - 251) أن القيم الإنسانية حققت للبشرية السعادة التي لم تحققها لها الأديان.
وهذا ازدراء للأديان وطعن فيها وكفر بالله العظيم.
وأنكر على من يتحدث عن القيم والأخلاق وقال: بينما لديه زنى شرعي بألوان زواج لا تشكل أسرة، ولديه اغتصاب شرعي لركوب ملك اليمين والإماء والزوجة الطفلة (1)، ولديه الجنة وإن زنا وإن سرق، وله ارتكاب كل المعاصي بشرط غسلها بالحج أو بالتوبة أو باحتمال بعض العذاب الأخروي الذي سيدخل بعده الجنة حتما، فقط لأنه شهد للإله بأنه الإله وأن محمدا نبيه ورسوله، وهو كله ما لا علاقة له بقيم أو بأخلاق (39).
ولا أدري ما دخل القمني في القيم الإسلامية؟ وبنو جلدته العلمانيون تجاوزوا هذا الخطاب البدائي المرتكز على التراث، إن العلمانية التي ينادي بها أسيادك تعني القطيعة التامة مع القيم والأخلاق الإسلامية قطعا باتا نهائيا، فدعنا وديننا وقيمنا، وإنه بإمكانك الحديث مثلا عن أصناف العاهرات وأشكال الخنا واللواط وأصناف الشقروات المليحات، وكيف السبيل إليهن، وأنواع الخمور الجيدة.
وعوض حديثك عن ركوب ملك اليمين في الإسلام لك أن تتحفنا بالحديث عن ركوب الشواذ والأطفال، لأن علمانيتك تبارك هذا وتدافع عنه، بل وركوب المحارم ما داموا موافقين، وتبادل الزوجات، وعلمانيتك تبارك كل هذا.
وأما قوله عن ارتكاب العبد للمعاصي ما دام سيغسله بالحج، مما يؤكد أن الرجل في حاجة لمن يرحمه لينقله إلى جناح العناية المركزة في مستشفى الأمراض العقلية.
ومع أنني لست في حاجة إلى تبيين المبين، ولكني أذكر بأن القاعدة الإسلامية
_________
(1) يَعتبِرُ الزواج بملك اليمين اغتصابا، لأن العلمانية لا ترضى عنه، وكذا الزواج بالبالغة شرعا إذا لم تبلغ السن القانوني يعتبره اغتصابا.

تقول: إن العبد إذا ابتلي بذنوب ومعاصي لا يرضاها الشرع، بل ينهى عنها ويحرمها، فحج بعدها فإن الله لسعة رحمته ورفقه بعباده العصاة يكفر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم. وهذا منطق مفهوم عند كل من له عقل مستقيم يفهم الخطاب العربي. لكن من أَلِف القمامة سيقرأ هذا قراءة معكوسة تناسب منطقه القمامي.
وسخر القمني من سنة الأضحية والرجم وتقبيل الحجر والطواف بالكعبة فقال: فإن طقس الذبح في الحج هو قربان للإله، بينما هو في نظر القيم الإنسانية إهدار بلا ثمن لثروة حيوانية هائلة، وعملية وحشية بلا معنى، تجز ملايين الخراف دون أيّ عائد سوى تركها لتتعفن، وظل أمرها طويلا محل أخذ ورد حتى أمكن التصريح بتعليبها وتصنيعها.
ناهيك عن رجم إبليس الحجري وتقبيل حجر نيزكي وتقديسه والطواف حول بناء حجري، كلها طقوس دينية يقبلها المؤمن ويسلم ويطيع، لا مجال فيها لمناقشة أو حوار، لذلك يجب ترك الدين دينا، وعدم خلطه بغيره يصيب العقل بالاضطراب ويصيب الواقع بالكوارث، ويصيب الدين بما لا نحب ولا نشتهي (1).
يعني أن هذه الطقوس لا يقبلها عقل ولا علم، فلهذا يجب ترك الدين دينا كما قال لخرافيته وبعده عن كل منطق.
واستهزأ بقصة ابني آدم التي ذكرها الله في القرآن، ومما قال: قابيل عندما رفض الرب خضرواته التي قدمها له قربانا، واستطاب اللحم قربان أخيه هابيل، لم يحاول أن يسأل نفسه عن سبب رفض الرب لقربانه، ولم يحاول أن يطرح على نفسه وسائل أخرى قد يقبلها الرب فيجرب ويحاول مرة تلو أخرى حتى يحقق
_________
(1) انتكاسة المسلمين (2

مراده، إنما على الفور قتل ربع الإنسانية حينذاك ممثلة في أخيه هابيل ... (211).
فالله استطاب اللحم وأباد ربع البشرية في نظر القمامي!!!.
وبعد صفحتين (213) تعجب من كون الشريعة التي هي من عند الله لم يستشرنا ربنا عندما وضعها لنا ولا أخذ رأي أحد فيها ولا حتى أنبياءه ...
وفي كتابه الآخر أهل الدين والديمقراطية (79) قال: لأن لدينا الكثير في تراثنا يستحق منهم السخرية بينما هو عقائد عزيزة علينا ونؤمن بها عن يقين كالتداوي ببول الجمل وناقة صالح التي ولدتها صخرة والحصان الطائر المعروف بالبراق.
وذكر في انتكاسة المسلمين أن الأوامر الدينية والاملاءات هي السبب الأول في ظهور الشر (267 - 268).
وختمه بقوله: كلما زادت القيود والفتاوى والخطوط الحمراء، قلَّت الحرية، واستفحل الشر (269).
من هنا وفي ظل قمامة القمني حتى نقول بوجود قيم حقيقية لا أوامر مفروضة يجب أن يكون الخمر والماء في السوق، عندها يمكن القول إننا أصحاب قيم عندما نختار، وحيث لا توجد سوى سلعة واحدة فلا (272).
في مقطع آخر يصور القمني نبينا - صلى الله عليه وسلم - كزعيم عصابة، وكيف أنه قام باتخاذ إجراءات متتالية لا تهدأ، عبر القيام بمجموعة من الاغتيالات لرؤوس المعارضة (المنافقين) إعلانا على أن السيف المحمدي ما زال قويا مقتدرا عنيفا، وأن الدولة مستمرة مهما كلف من أرواح (1).
يتخيل إليك كأنك تقرأ لمستشرق صهيوني عنصري متطرف حاقد على الإسلام والمسلمين.
بل الأكثر من هذا والأخطر أنه -خلافا للعالمين- فإن نبينا
_________
(1) انتكاسة المسلمين (182).

- صلى الله عليه وسلم - أول ناقض للعهد مع معاهديه اليهود (1).
وأن الإسلام نقض عهود الأسرة فقتل الابن أباه كما فعل أبو عبيدة والأخ أخاه (2).
وأن نقض النبي - صلى الله عليه وسلم - للعهد انتهى بمجزرة قريظة (3)، واعتبر أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق قريظة لما نقضوا العهد جريمة في حق الإنسانية (4)، وأنه مجزرة بكل المعاني (5).
هكذا يدافع عن إخوانه الصهاينة، وسيأتي معنا مغازلته لهم، وتنديده بقوى المقاومة.
لا يرى القمني في ديننا وتاريخنا إلا ما هو بئيس وحقير ومخز، ولهذا يستسهل ركوب أية موجة شاذة، لا يهم صدقها المنطقي ولا ظهور ضعفها، المهم ما دامت تؤدي غرض التحقير والسخرية والازدراء، فهذا هو الهدف المنشود والمشروع. فخلافا لكافة الباحثين الغربيين والعرب، كرر القمني من غير ملل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينشئ دولة، وإنما كانت له كونفدرالية قبلية (6). وتجمعا قبليا يحتشد حول فكرة وإيديولوجيا (7).
_________
(1) نفس المرجع (181 - فما بعد - 188 - 189 - 190).
(2) نفس المرجع (188 - 1
(3) نفس المرجع (190).
(4) نفس المرجع (195).
(5) نفس المرجع (196).
(6) انتكاسة المسلمين (126 - 133).
(7) نفس المرجع (72).

وكان رعيا خراجيا طفيليا (1). ومجتمعا بدويا بدائيا عصابيا (2). قام على مبدأ عنصري طائفي (3).
بينما الروم والفرس كانت لهم دول قائمة (4).
وكذلك كان العهد في خلافة الخلفاء الراشدين حكم قبلي لا دولة (5).
وأكد هذا فيما بعد (6) حين قال: فاكتفى الراشدون في إدارة شؤون الناس بعادات القبيلة. وقال: هي إذن قبيلة كبيرة يديرها مزاج كبرائها ولم تكن دولة قط (7).
غيره من العلمانيين يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه أقاموا دولة. لكن الظروف تغيرت ونحن في حاجة إلى مفاهيم عصرية للدولة المدنية بشروط ديمقراطية معروفة.
وهذا قول أعقل من قمامة القمني التي تنكر المحسوسات وتكفر بالبديهيات.
فأنت ترى كيف سخر من الله والنبي - صلى الله عليه وسلم - ودينه، وسيأتي معنا أشياء لا تعد ولا توصف من ازدراء للشريعة ولأحكامها ولعقائد الإسلام ولصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين، بل سخر من عمر ومن عدله، مما يثير شبهات وتساؤلات عديدة حول ما يبطنه الرجل ويتستر به.
_________
(1) نفس المرجع (73).
(2) نفس المرجع (117).
(3) نفس المرجع (119).
بينما أكد أركون أن الدولة التي أنشأها النبي في المدينة كانت نموذجا جديدا للدولة مستعارا من دولة أثينا أولا ثم من الدولة الامبراطورية الرومانية بعد تشكل الخلافة ثانيا. العلمنة والدين (49).
(4) نفس المرجع (133).
(5) نفس المرجع (134 - فما بعد).
(6) نفس المرجع (137).
(7) نفس المرجع (80 – 1










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-28, 22:42   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
خالد عنابي
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي

قرات رؤوس اقلام في الموضوع الذي تفضلت به واريد ان ادلي بدلوي

العلمانيون ليسوا كلهم صنف واحد ففيهم العلماني المتشدد وفيهم المتسامح مع الدين

ليس دفاعا عن العلمانية وانا على قناعة تامة انها ظاهرة دخيلة ومناقضة للاسلام ولكن محاولة لفهم العلمانية وجذورها تمهيدا لمكافحتها مكافحة فعالة

هناك من العلمانيين المخدوعين ببريق الحضارة الغربية وهؤلاء تجد لديهم معرفة ضحلة بدينهم

هناك من العلمانيين الحاقدون على الاسلام جملة وتفصيلا لحاجة في نفسهم

هناك من العلمانيين من وقع ضحية فتنة ما جلعته يتخذ موقفا سلبيا من الاسلام

والحقيقة التي لا يمكن انكارها ان تسلط الغرب وتدخله في شؤون المسلمين وبلاد الاسلام هو اكبر ما شجع العلمانية وقوى قواعدها في العالم الاسلامي









رد مع اقتباس
قديم 2014-08-29, 12:15   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
syrus
محظور
 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي


باستثناء سيد القمني الذي يتميز بأسلوب مبتذل و مغرض فإن جل الأسماء التي تناولها الموضوع هي أقلام متميزة و تطرح عددا من الأفكارة جديرة بالبحث و النظر بهدوء بغض النظر عن مدى قبولنا لها...



نصيحتي لكل من مر بالموضوع هي أن لا تسمح لأي أحد أن يقرأ بدلا عنك , إقرأ بنفسك أولا و ثانيا و ثالثا ثم احكم بنفسك...









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-25, 23:55   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

يرفع للأهمية البالغة










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-26, 01:55   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
القائدة
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لموضوعك ، لم اقرأه كاملا لطوله فانا لا طاقة لي
عموما من فكرته العامة اقول نعم و هو كذلك ، و لكن سأختصر الحديث عن العلمانية في قول ان كثير من الناس لم يستفيقوا للمفارقة العجيبة المتضمنة لها الراسمالية العالمية و هي رغم انها كنظام اقتصادي و كأسلوب حكم و تسيير حياتي تدعوا الى فصل الدين عن الدولة اقتصادا و سياسة و فكرا و ثقافة و هلم جرا .. الا انها هي بحد ذاتها كفلسفة قامت على أساس ديني بحت ! ( اي على أساس تعاليم و مبادىء البروتستانتية ) !
الحكاية هي في ابعاد حكم الكنيسة الكاثوليكية عن الحياة العامة للناس نظرا لما شاع عنها انذاك في القرون الوسطى من ممارسات لا اخلاقية .
و لكن نحن في الاسلام ، لم و لن يلعب المسجد كمؤسسة دينية دورا لا اخلاقيا كما لعبته كنيستهم و لذلك لن نحتاج الى فصل الحكم الديني عن السياسة ، هذا بكل بساطة
اقول لا تخلطوا في فهمكم للعلمانية بين الاديان ، فشتان بين الكنيسة الكاثوليكية و بين الاسلام !
نحن قوم اعزنا الله بالإسلام فاذا ابتغينا العزة في غيره اذلنا الله ... وهذا اللي حاصل اليوم معانا ذل و هوان و تخلف و تبعية و استكانة و خنوع . هذه الحقيقة شئتم ام ابيتم










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-27, 07:18   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عبد العزيز 05
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية عبد العزيز 05
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
العلمانيون, العرب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:40

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc