د. محمد موسى الشريف
يا اسفى على صفوت
لقد قابلت في حياتي مشايخ كثيرين , وعلماء عديدين , لكني لم أقابل أحدا منهم أجرأ على الأمور , ولا أقدم على المكاره , ولا أسمح بنفسه ووقته من هذا الرجل - أحسبه كذلك والله تعالى حسيبه ولا أزكي على الله سبحانه أحدا - فهو في هذا العصر أسد المشايخ , وزين العلماء , و هو الذي نصر الله به الثورة على مبارك , وهو الذي كان عين الثورة البصيرة منذ سقوط مبارك الى ما بعد فض اعتصام رابعة , ولن ينسى له الزمان , ولن تمسح من صفحات التاريخ بإذن الله هتافاته الرائعة , ووثباته من ميدان الى اخر , وردوده القوية على الضلال والمبطلين , وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في أحوال صعبة , وأوضاع وعرة , وأعداء متربصين , ومشايخ جاهلين , مما لم نعهده في أكثر مشايخ العصر الذين ابتلينا بردودهم المليئة بالتميع واللف والدوران , وأعمالهم التي يصحبها الضعف والتردد والتلون بالألوان , وهو فارس الإعلام , وخطيب الجامع , وأمين عام رابطة علماء أهل السنة , وهو متتبع المفسدين , وقاطع الطريق على المبطلين , و الصخرة الصلبة الصماء التي تتكسر عليها كثير من خطط الضالين , وهو المواجه للظالمين , وهو الناصح الأمين لأصحاب الحكم , والمنسق بين الجماعات والحركات الاسلامية , ولم يكتف بأرض الكنانة بل غزة تشكره , وليبيا تعرفه , وتونس تشهد له , ولا أعرف قضية مهمة في العالم الإسلامي إلا وله فيها يد , هذا ما يعرفه الناس عنه , أما ما أعرفه عنه فهو فوق ذلك , ووراء ما هنالك , وقد عرفته من سنوات في الجزائر في مؤتمرات جمعية الإرشاد التي دعينا لها تحت رعاية وزارة الأوقاف الجزائرية , وعرفته عن قرب لما اجتمعنا في رابطة علماء أهل السنة فكان هو الأمين العام وكنت نائبه , فعرفت منه الكثير مما لا يحسن إيراده في هذه العجالة , إذ حقه أن يوضع في كتاب فيما بعد - ان شاء الله تعالى - فياعباد الله هل مثل هذا يعتقل ويهان , أو يلاحق ويدان , وحقه أن يكرم ويقدم , وينصب قدوة للأجيال ويعظم , فيالله للمسلمين كيف يضيعون قادتهم , ويفرطون في حق قدواتهم , ولئن تعجب متعجب من كل هذا المدح فأقول إني أخالفه في مسائل وأفكار وأعمال لكني والله لم أوفه حقه , وأشهد أني لم أر في مجموع صفاته وأعماله مثله , و أقول كما قال الشاعر :
حلف الزمان ليأتين بمثله حنثت يمينك يا زمان فكفر
وإني لأخشى والله أن يكون اعتقاله أعقبه إلى الله انتقاله , وأن يكون هذا آخر العهد به , فالقوم ليس لهم دين وازع , ولا عقل رادع , ولا ضمير دافع , ولا عطف شافع , و أخشى أن يكونوا قد بطشوا به , وأفرغوا جام حقدهم عليه , وأسأل الله أن يبين لنا حاله فهو إما أن يكون قد فاز بإحدى الحسنيين , أو هو شامخ صابر في مدرسة
يوسف التي دخلها مرارا , فيارب ارفعه فوق كثير من خلقك في جنات عدن , وارزقنا الصبر على فراقه فهو شديد , وعوض أهله ومحبيه خيرا , امين .