عن انحطاط الإمبراطورية الأمريكية ... هذا ما لم يستطيع أن يخفيه غبار الحروب

[سندباد علي بابا]

عن انحطاط الإمبراطورية الأمريكية ... هذا ما لم يستطيع أن يخفيه غبار الحروب


– كفاح نصر


هل يمكن مقارنة الحرب في أوكرانيا بالحرب في قطاع غزة مع العلم أن روسيا دولة عظمى...؟ بالطبع يمكن المقارنة فروسيا دولة عظمى لامتلاكها سلاح نووي وهي تقاتل بالسلاح التقليدي وليس النووي في حين "إسرائيل" تستعمل السلاح التقليدي بما فيه مقاتلات الشبح اف-35 المفترض انها الأقوى في العالم وكذلك السلاح المحرم دوليا ضد غزة المحاصرة.


بينما روسيا تقاتل جيش مدعوم من عشرات الدول بعشرات وبل مئات مليارات الدولارات وجميع صنوف السلاح والدفاعات الجوية والإنذار المبكر, ورسيا اقتحمت الدونباس بـ 60 الف جندي ضد جيش تعداده أكثر من مليون جندي وحاليا عدد جنودها في المنطقة نحو 300 الف بينما اقتحم الإسرائيلي غزة بأكثر من 100 الف جندي ضد مقاومة لا يتجاوز تعدادها الـ 40 الف مقاوم وخط الجبهة في أوكرانيا يصل الى 1500 كلم في حين خط الجبهة في غزة أقل من خمسين كيلومتر وبل تتفوق أوكرانيا على روسيا بعدد الطائرات المسيرة والكثير من صنوف السلاح فمعامل عشرات دول الناتو تضخ في أوكرانيا وغزة محاصرة.


نعم أكثر من ثمان أشهر على بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي بعملياته البرية في قطاع غزة ورغم تدمير مدينة غزة وخان يونس عن بكرة أبيها ولكن عسكريا لم يسيطر الاحتلال على أي جزء وبل في حي الزيتون قاتل الجيش الإسرائيلي أكثر من خمس شهور وشن عدة هجمات منها عملية الشهر الفائت وعملية بدأت مؤخراً وخسائره كانت تصاعدية والنتيجة صفر ولاتزال الصواريخ تنطلق من شمال قطاع غزة رغم الجسور الجوية من الولايات المتحدة ودول الغرب الجماعي الى كيان الاحتلال الإسرائيلي ورغم الطيران المسير الإسرائيلي والامريكي والبريطاني والمحصلة العسكرية صفر في حين في الدونباس وخلال العملية العسكرية الروسية الخاصة تم تحرير مدن وصفت بالمستحيل دخولها (ماريوبول – باخموت – افدييفكا وغيرها) وبعضها تحوي انفاق وبنية تحتية تحت الأرض قادرة على الصمود أمام قصف نووي (ماريوبول - باخموت) وبخسائر لا تذكر وبفترات تتراوح بين الـ 3 الى 4 اشهر فقط ولم يتم تدمير أي مباني مدنية عن بكرة أبيها رغم تضرر المباني فكيف صمد قطاع غزة والمحاصرة بالماء والغذاء والدواء والذخيرة وفشلت أوكرانيا ومن خلفها الناتو بكل تقنياته وأسلحته وإمداداته الهائلة بعشرات مليارات الدولارات في الدونباس..؟


ملاحظة: (الحرب الامريكية ضد المدنيين في الفلوجة استغرقت 9 أشهر رغم اليورانيوم المنضب والقصف الهمجي والحصار)


حرب المدن


لا يخفى على أحد أن سكان الدونباس (الروس) تعرضوا للقصف والقمع لسنوات طويلة ومن كان يتلكم بلهجته التي ولد بها كان يدخل السجن فكان عليه تغير لهجة كلامه ومع دخول روسيا الحرب الى جانب سكان هذه المناطق كان هناك حاضنة شعبية حيث أن الأهالي يستقبلون القوات المتقدمة في حين في غزة لا حاضنة للاحتلال ولكن هل تكفي الحاضنة الشعبية للانتصار..؟ من المؤكد لا وخصوصا ان الإسرائيلي هاجم الحاضنة الشعبية بوحشية ولم يفرق بين مدني وطفل وعسكري ولم يبق على سكان في مناطق القتال ومسح الأحياء عن بكرة أبيها في حين قدمت روسيا ضحايا لإنقاذ المدنيين الروس وكان عليها العمل كمبضع جراح من حي الى حي وبالتالي القتال لتحرير بيئة حاضنة شعبية أصعب بكثير من القتال في بيئة غريبة والمثير للأمر التقدم الروسي والفشل الإسرائيلي ومن خلفه الغرب الجماعي.


القانون الدولي:


لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة ومن يقاتل نيابة عنها أو تحت جناحها لا يلتزم بالقانون الدولي ويرتكب جرائم ضد الإنسانية ويكفي أن نقارن بين مصير صدام حسين والقذافي وبين فلاديمير زيلنسكي الذي يتجول حول العالم بكل حرية و يستقبل الرؤساء وسط كييف, فالجيش الروسي ملتزم بالقانون الدولي ولم يستهدف أي منشأة مدنية سوى رداً على استهداف بنى مدنية في روسيا وبالتحديد في مجال الطاقة وفي بعض الأحيان أخر الروس الرد كي لا تؤثر ضرباتهم على حياة الناس فاستهداف مصافي النفط في روسيا تم الرد عليه بضرب محطات توليد الكهرباء في أوكرانيا ولكن ليس خلال الشتاء بل انتظر الروس حتى نهاية الشتاء في حين حرب كيان الاحتلال الإسرائيلي فحدث ولا حرج حيث لم يستثني مشفى او جامع او جامعة او مبنى حكومي أو منشأة انترنيت او كهرباء او ماء او مدرسة وحتى ألواح الطاقة الشمسية والشهداء الأطفال في غزة أكثر من 15 الف شهيد في حين الضحايا المدنيين في أوكرانيا جميعهم سقطوا بقصف أوكراني داخل روسيا أو المناطق التي انضمت الى روسيا وبالطبع القتال وفق القانون الدولي أصعب بكثير جداً من القتال الهمجي .


الجانب الإعلامي الدولي:


لم تهتم روسيا بالجانب الإعلامي على مستوى العالم وتركت سياق المعركة يتحدث عن نفسه وبل ان وسائل الاعلام الروسية لم تأخذ أي جانب أيديولوجي بل كانت تعرض جميع الانباء بما فيها الغربية وتركت الغرب يهول كما يشاء, وفي المقابل وسائل الإعلام الروسية محظورة في الغرب, ومن المثير أن تراجع القوات الروسية الى ما خلف نهر الدنيبر هول الغرب كثيرا على أنه هزيمة ولم تبرر روسيا ذلك أبداً حينها , ولكن خلال أشهر قليلة تحول خط الجبهة الى خط من الفولاذ والحديد مبني من خردة المعدات الغربية المدمرة حينها فهم العالم أن ما وصف بهزيمة روسيا كان غباء غربي مطلق أفرغ مستودعات الغرب من السلاح والمعدات والذخائر هباء, وتهويل الغرب لما سمي الهجوم الأوكراني المضاد على سبيل المثال وبعد تدريب عشرات آلاف الجنود وتقديم أسلحة هائلة وفرق عسكرية تحت مسمى الفيلق الأجنبي ليأتي فشل هذه القوات بخرق خط جبهة طوله 1500 كلم (خط جبهة بهذا الطول يفترض أن فرقة موسيقية يمكنها اختراقه) جاء بحد ذاته دعاية للعمليات الروسية ومن المثير ان بايدن تعهد بـ نحو 18 صاروخ جافلن لكل دبابة روسية ولكن لم تنفع في حين دمرت روسيا عشرات آلاف المعدات والدبابات والمدرعات والمدافع ومنظومات الدفاع الجوي الغربية بضربة ضربة ولاسيما قذائف كراسنوبول ومسيرات لانتسيت.


بينما في فلسطين أي إعلام يتبنى الرواية الفلسطينية محظور على جميع وسائل التواصل الاجتماعي الامريكية وغالبية وسائل الاعلام العربية وكان الناشطون الغربيون يحصلون على الأخبار عبر التيك توك وتلغرام فقط في حين في البلاد العربية هناك فقط اعلام مضاد اذا استثنينا بعض الاقنية العربية غالبية الإعلام العربي حاول تصوير المقاومة بأنها انتحار, ويرافق هذا الإعلام بروباغندا تحمل حماس وإيران مسؤولية قيام الاحتلال الإسرائيلي بقتل أكثر من 15 الف طفل وتبرر ارتكاب جرائم الحرب موصوفة من قبل الاحتلال بحق المدنيين.


والنتيجة الإسرائيلي فشل إعلاميا والاحتجاجات حول العالم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ونجحت روسيا حيث سجل خروج مئات الاحتجاجات في أوروبا ضد تزويد كييف بالسلاح ويتزايد مؤيدي روسيا حول العالم .


الإعلام الداخلي:


نجحت روسيا بشكل منقطع النظير في الإعلام الداخلي والسبب الرئيسي هو تصوير كافة العمليات (تقنية حزب الله في المعارك) ونشرها وبل في بعض الأحيان كانت المشاهد مذهلة فمثلا استهداف وسيلة دفاع جوي أمر ممكن مهما كانت الوسيلة قوية من خلال تكثيف الضربة يمكن استنزاف المنظومة وتدميرها لاحقاً ولكن أن يتم تصوير الصاروخ الروسي وهو يستهدف وسيلة الدفاع الجوي وهي بكامل تجهيزاتها بما فيها وسائل الدفاع الجوي قصيرة المدى امر مذهل ومشاهد تدمير الدبابات ومنظومات الدفاع الجوي وملاحقة القوات الأوكرانية بالمسيرات والمدافع كان أحد أسباب الإقبال الكبير على تطوع الروس للقتال في الدونباس فمشاهد الانتصار تعتبر محفز معنوي عالي .


في حين ورغم كل التعتيم الإعلامي في كيان الاحتلال الإسرائيلي (الاعتراف بخسائر أقل بكثير من المشاهد الموثقة التي تعرضها المقاومة) فشل الاحتلال بتوحيد الجبهة الداخلية والمظاهرات المعارضة رافقت العملية العسكرية وحدث تمرد للجنود في حين أقر الاحتلال بأن 20 الف جندي يعالجون من الأطباء النفسيين


الجانب الاقتصادي:


ربما روسيا دولة بترول وغاز ومن كبار مصدري الطاقة في العالم وكبار مصدري الأسمدة والوقود النووي والمعادن والأغذية لاسيما الزيوت والحبوب والسلاح وتعتبر من الدول الثرية التي يخرج منها ملايين السياح سنوياً ولكن لا يمكن مقارنة اقتصادها مع دول الغرب وخاصة أن عدد سكانها اقل من 150 مليون فيكفي الغرب للتفوق عليها طباعة أوراق مالية بدون غطاء ذهبي محمية بالسيطرة الخارجية, ولكن مع ذلك ما حدث خلال الحرب يشبه المعجزة فنخبة الاقتصادات الأوروبية عانت التراجع ولا يوجد تنمية بأكثر من 1% هذا العام بعد ركود العام الماضي بينما روسيا تجاوزت الـ 3% رغم كل العقوبات التي استهدفتها في حين معدل سعر الفائدة الذي أقره المجلس الفيدرالي الأمريكي 5.5% لم يوقف التضخم وعجز الموازنة الامريكية أصبح يوازي نفقات وزارة الحرب الامريكية فقد حققت روسيا انتصار اقتصادي غير مسبوق وسبقت الاقتصاد الألماني ومن حيث القيمة الشرائية سبقت الاقتصاد الياباني أيضا في حين الاقتصاد الغربي يترنح.


في كيان الاحتلال الإسرائيلي ورغم المساعدات الهائلة بالذخيرة والسلاح والمال التي انتهت بمساعدة وصلت إلى 26.5 مليار دولار وقبلها مساعدات طويلة الأمد بـ 1.6 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة بدأ كيان الاحتلال الإسرائيلي يعاني من عجز مالي هائل.


الجانب التقني


نجحت روسيا بتحييد الكثير من الأسلحة بواسطة الحرب الإلكترونية ولاسيما الطيران المسير ومنظومات هيمارس الامريكية التي لم تنجح سوى باستهداف المدنيين خارج ساحة المعركة المحمية فيما فشلت التقنية الغربية بمنع مجازر الدبابات والمدافع والمدرعات وفي غزة تمكن المقاومون من السيطرة على الكثير من المسيرات الإسرائيلية فيما لم تنجح وسائط الدفاع الإسرائيلية بقمع مسيرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وقد صورت مسيرات حزب الله مدينة حيفا المحتلة وأصابت مسيرات حماس المحدودة أهدافها وقد شهدت كل من الحربين اخفاق هائل للتقنيات الامريكية والغربية عموماً وخصوصا مع إصابة حاملة الطائرات إيزنهاور بسلاح اليمنيين.


ويمكن مقارنة الكثير من الأمور وكذلك يمكن البحث في الأسباب فمثلا أثبت السلاح الغربي فشله التام في أوكرانيا وتفوق السلاح الروسي بشكل مذهل ولكن السلاح ليس وحده الحاسم فغزة تقاوم بأسلحة خفيفة وكذلك يمكن الحديث عن إرادة المقاتل وربما هي حاسمة فالجندي الروسي يتطوع للقتال بينما الأوكراني يساق عنوة للقتال ولكن كذلك يوجد عامل هام جداً ان الولايات المتحدة هي من يقود كلا الحربين في أوكرانيا وفي فلسطين المحتلة وما هذا الفشل سوى علائم وصول الحضارة الامريكية الى مرحلة الانحطاط وعدم قدرتها على إدارة العالم ويبقى السؤال هل يمكن لترامب في حال وصل الى السلطة تحقيق حلمه وإعادة الولايات المتحدة دولة عظمى مرة أخرى...؟؟


المصدر: جهينة نيوز