نزعة باطنية نحو التَمرُّد على كل شيء بدءاً من داخلك باعتباره أهم عنصر وهو اللاعب الحاسم والورقة الرابحة إنْ سيطرت عليها بإحكام… كانت لدي رغبة كبيرة لأكتبَ ما كنت قد مررت وما أمرّ به الآن ولكن عندما حاولت مرات عديدة لم يسعفني حسن الأسلوب وسرد الأفكار بشكل يتناسب وقيمة الموضوع، أما اليوم عندما وضعت يدي على الورقة لأكتب وعندما خططت أول كلمة سرعان ما بدأت سلسلة الكلمات بالظهور وإبراز نفسها على الورقة بمعانيها الصريحة والواضحة وكل ما في داخلي سيبدأ ويطوف إلى الأعلى إلى تفكيري ورأسي ومنه إلى يدي، والقلم فلحده كانت الورقة التي لا أدري إن كانت ستتسع للبقية، وكأنه اليوم المناسب والمثالي للكتابة.
تجربة وراء تجربة وراء تجربة ولا تقدم للأمام, لقد مررت بتجارب يمر بها الإنسان العادي في سنوات عمره وأخص بالذكر حتى السنة الثالثة والعشرين, لا أدري بالضبط الى ما كانت تسعى هذه التجارب لتجعلني ما انا عليه، في أغلبها كنت أنا الفريسة وأنا المفترس، لقد ظلمت نفسي في كثير من الأحيان لأجد نفسي في متاهة أو لأسميها صحراء حيث ابتعدت عن الكثير من الأشخاص والعادات وما كنت أحب وما كنت أرغب أن أكون وأرغب أن أفعل, وفي ذِكْر التجارب لابد أن أخصص قسما جيداً لتجربة التمرد التي عشتها مع نفسي ولقد أثمرت العديد من النتاج الداخلي قبل الخارجي فقد كانت فكرة التمرد رائعة وأحببتها لقد غيرتني وغيرت تفكيري وأقول باختصار انها عملت ثورة ناجحة بداخلي.
أحيانا أنظر الى نفسي وكأنني عدة شخصيات تتحاور مع بعضها البعض ليظهر الحكيم تارة وفي أوقات أنا بحاجة جداً له ويظهر أيضاً اللامبالي والمرِح والمشاكس لكي يُغني حياتي بصور وذكريات حلوة ويظهر الرومنسي ويظهر الأناني وغير ذلك الكثير، ومن أهم تلك الشخصيات الذي أعتبره ملجئي الوحيد في الحالات الصعبة، هي شخصية القنوع فما أجمله يأتي في وقته ليخفف من حدة أمورٍ تظهر لي ضخمةً ومعقدةً وبوجوده ينكشف مدى هزلها وضعفها وبساطتها. أيقنت بذلك مدى روعة ما بداخلنا، إنه كنزٌ فعلاً.
هناك خيوط وهمية ترسم الحياة وشكل الحياة لكل شخص، ذاك الخيط الذي لطالما عاندنا وقاومنا بألا نتجاوزه بغير عمد لنخرج من دائرة أحلامنا وأمنياتنا وما نحب ونتجه إلى دائرة ما يحبه الآخرون لك، ورسمَ حياتك بريشة غيرك، فما أبشع ذلك، لن تشعر بشيء مطلقاً، لأنك لست أنت لا معنى أبداً بما تقوم ، لا متعة، مجرد روتين ومشاعر مؤقتة لن تدوم طويلاً.
لذلك عليك التمرُّد، عليك التمرُّد على هذا الشعور الذي سرعان ما يتحول إلى يأس أو أقرب منه إلى الشعور الدائم بالضّعف تجاه فكرةٍ ما أو شخصٍ ما.
لقد عدلْتُ في نهاية الأمر لأكون سيد أقوالي وأفعالي في ظل حكمة واعتدال اللذان لا تبخل عليك الحياة بهما، ولا أركض لبلوغ الدنيا ولا حتى جزء بسيط منها بل أدع ذلك للوقت وأكرّس نفسي وفكري للعلو والصفاء وأرخي بدني على أيام الحياة كما لو كانت لي مجرد سندٍ لتبقيه على قيد الحياة وأغوص في كامل أحلامي والتفكير لأبل منه الكثير والكثير ثم الكثير.
فخلال ما عشت من السنين لم أجد أثمن وأكثر تجدد من الفكر والتفكير والعقل، لم أجد حتى هذه اللحظة و لا أظن بأني سأجد مطلقاً، مهما عملتُ وفعَلتُ ومهما وصلتُ في عملي وشغلي ومراتبي سوف يغدو الأمر بالنهاية وكأنه روتين يتكرر مراراً , ولا أعارض هنا بقول أن الانسان لا يجب أن يعمل بل العكس: فقط أريد ان أنوّه هنا إلى فكرة أنه مهما كان العمل، مهما كان أبداً، المهم أنه يستمتع به ويحبه والأهم من ذلك يملك عقلاً يرشده دوماً لخير ما سيفعل لليوم وليوم غد وسوف يوقد أيامك المملة وسوف يوقظك إن غَفَوت عن حياتك الرائعة، ومن خلاله ستعرف الكثير وستفتح لك أبواب عديدة لم تتخيلها قط فتصبح تنظر للأمور من نواحي عديدة ومختلفة بحق وكم هو رائع ذلك, فتكون أكثر من شخص في نفس الوقت، تمرَّد لتنتقل من مستوى لآخر ثم لآخر، ومن خلال هذا ستستنتج ان الحياة غير مما يعتقد الكثيرون ويدرجونه دائماً في أحاديثهم كما لو كانوا يعلمون حياتهم وحياة غيرهم.
الحياة أكثر من المادة، لقد أيقنت أن المواد والمظاهر تختلف اختلافاً شديداً من بلد لآخر وحتى بين الأسرة ذاتها وفي مختلف ما هو مادي حولنا ولكن الجوهر واحد لا يتبدل ولا يتغير بين إنسان وآخر، فلقد عشت هذه اللحظات كما لو كنت في الجنّة لبضعة أيّام وأتمنى لو أعيشها مراراً وتكراراً، أقول ذلك لأنك قد تفقدها أحياناً كما أسلفت فهناك من يشدك باتجاهات ما وكما قلت لك عليك التمرد على تلك الافكار الدخيلة التي تزعج راحتك الداخلية وصفو روحك.
أغمض عينيك فسوف تبصر الجمال الحقيقي، وما يأتي شيء إلّا ليعلمنا أو ليعلم الآخرين من خلالنا، أما بالنسبة لي فحجر الفلاسفة الذي طال البحث عنه ليس إلا متعة القيام بأي شيء والدخول بالمعرفة الداخلية فالدنيا ليست لنا فلنغتم المشاعر التي نأخذها ونودِعها فيها فهي التي ستبقى خالدة للأبد، وكم أتمنى وبعد طول عمر أن توافيني المنيّة وأنا على تلك الحال فما أجملها في الختام.