🕋☼◄[[ ملف خاص بفتاوى الحج ... ]]►☼ 🕋 - الصفحة 8 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > المنتدى الإسلامي للنّساء > فقه المرأة المسلمة

فقه المرأة المسلمة في ضوء الكتاب والسنّة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

🕋☼◄[[ ملف خاص بفتاوى الحج ... ]]►☼ 🕋

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-08-22, 20:34   رقم المشاركة : 106
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز استبدال الهدي بقيمته وتوزيعها على فقراء بلدة الحاج
هل يجوز استبدال الهدي بثمنه وتوزيعه على الفقراء عند عودتي إلى بلادي؟
لا يجوز الاستعاضة عن الهدي بالثمن لأن هذا خلاف شرع الله، وخلاف ما أوجب الله وإنما شرع الهدي وذبحه فيأكل منه ويطعم ويتصدق ويهدي والحمد لله، يذبح في منى أو في مكة وليس له أن يعتاض عن هذا بالثمن في بلده ولا في غير بلده، لا في مكة ولا في بلده، بل يجب عليه الهدي متى قدر، فإن عجز صام عشرة أيام كما تقدم.
https://www.binbaz.org.sa/








 


رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 20:36   رقم المشاركة : 107
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

هل تكفي الأضحية للعائلة الكبيرة في البيت الواحد؟
بالنسبة للأضحية الواحدة هل تكفي للعائلة الكبيرة في البيت الواحد؟
نعم، تكفيهم ضحية واحدة، كان الرجل يضحي له ولأهله بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، كما ذكر أبو أيوب - رضي الله عنه -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - ولو كانوا مائة.
https://www.binbaz.org.sa/









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 20:40   رقم المشاركة : 108
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

ذبح الفداء في عيد رمضان بدلاً من عيد الأضحى
هل يجوز ذبح الفداء في عيد رمضان بدلاً من عيد الأضحى؛ لأتمكن من التوزيع على الفقراء الذين أعرفهم في بلدي ولتواجدي دائما بعيداً عنهم في عيد الأضحى من كل عام
إذا كان المقصود الضحية المشروعة في عيد الفطر لعيد الأضحى أو الفدي الذي يلزم المتمتع أو القارن في الحج والعمرة هذا لا، لا يذبح إلا في مكة، في أيام الذبح، وهي يوم العيد وأيام التشريق، تذبح الهدي للتمتع، وهكذا الضحايا، كلها تذبح في أيام العيد، عيد النحر، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، ولا تذبح في عيد الفطر ولا شهر ذو الحجة بعد العيد ولا قبله، ولا في شهر ذي القعدة، إنما تذبح في أيام العيد، أيام عيد النحر، وهي أربعة أيام، يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وثلاثة أيام بعده، تذبح فيهم الضحايا، والهدايا الشرعية التي تجب على المتمتع والقارن أو يتطوع بها المتطوعون، تذبح في هذه الأيام، أما إذا كان القصد أن يتطوع بشيء، يقسمه على قرابته فلا بأس، تكون هذه صدقة إذا أراد أن يذبح، ناقة أو بقرة أو شاة في بلاده يوزعها بين أقاربه، صدقة أو صلة هذا طيب، لكن ما تسمى هذه ضحية، ولا هدية، ولا فدية، الفدية ما يجب على الإنسان في التمتع والقران هذه في أيام النحر، أما إذا كانت فدية عن تركه واجباً، أو عن فعله محرماً، فهذه تذبـح في الحرم عما ترك من الواجب أو عما فعل من المحرم، تذبح في الحرم وتوزع لفقراء الحرم.
https://www.binbaz.org.sa
/










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 20:43   رقم المشاركة : 109
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم الأضحية التي في بطنها حمل
هل تجزئ الأضحية التي في بطنها حمل علماً أن الذي ذبحها لا يعلم، وقد خطب إمام صلاة العيد وذكر بأنها لا تجزئ؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعـد: الذبيحة التي فيها ولد تجزئ بلا شك، والخطيب الذي قال أنها لا تجزئ مخطئ ، غلطان، البقرة والناقة والشاة من الغنم من الضأن والمعز الذي في بطنها ولد تجزئ بلا شك، والذي خطب بأنها لا تجزئ قد غلط، وقال قولاً لا حجة له فيه ولا أعلم به قائلاً من أهل العلم، بل ذلك خطأ محض.
https://www.binbaz.org.sa/










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 20:46   رقم المشاركة : 110
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم الأضحية وهل هي واجبة على الحاج
أود معرفة ما حكم الأضحية، وهل هي واجبة على الحاج، فقد ذكر لي بعض العلماء بأن الضحية ليست على الحاج وإنما هي على غيره؛ لأنه ليس على الحاج صلاة عيد الأضحى، والأضحية ما يذبح يوم النحر بعد صلاة العيد، أفيدونا أفادكم الله، وهل يأثم من تركها؟
الأضحية سنة مؤكدة، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بكبشين أملحين، يوم العيد أحدهما عن محمد وآل محمد، والثاني عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فالأضحية سنة لمن تيسر له ذلك وقدر عليه سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بوجوبها مع اليسار والقدرة وظاهر الأحاديث الصحيحة أنها سنة للحجاج وغيرهم؛ فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه ضحى بكبشين في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، مع ما فعل من ذبح البُدن، فقد نحر مائة بدنة عليه الصلاة والسلام في حجة الوادع وضحى بكبشين أملحين فهما سنة، وإذا ضحى الإنسان بواحدة عنه وعن أهل بيته كفى ذلك والحمد لله، وأما الهدايا فهي ما يذبح من أجل الإحرام من الحج والعمرة يقال له هدية ويقال له دم، يعني الواجب في الحج والعمرة، وهذه الدماء فيها تفصيل، قال تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي)، فإذا أحرم بالعمرة والحج جميعاً حين جاء إلى مكة أو أحرم بالعمرة جاء منها وطاف وسعى وقصر وحل ثم أحرم بالحج فهذا يقال عليه هدي، يسمى هدياً وقد يسميه بعض الناس ضحية، ولكن الاسم المشروع المعروف هو الهدي، فعليه أن يذبح ذلك أيام النحر يوم العيد وأيام التشريق، هذا الهدي، وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو رأس من الغنم ثني من المعز أو جذع من الضأن، هذا يقال له هدي التمتع، وهدي القران أما إذا أحرم بالحج وحده جاء من بلاد ثم أحرم بالحج فقط ليس معه عمرة، لبى بالحج فبقي على إحرامه حتى وقف بعرفة وحتى رمى الجمار وطاف وسعى هذا ليس عليه دم؛ لأنه مفرد بالحج والدم إنما هو على من تمتع بالعمرة إلى الحج، وليس عليه ضحية فالضحية سنة مو بواجبة، فإذا ضحى بمنى أو في مكة هذا سنة، وأما الهدي الذي هو الذبيحة الخاصة من تمتع بالعمرة إلى الحج أو قرن بينهما فهذا دم واجب يسمى هدي، ويسمى ما يباح في منى هدي من التطوعات ومن الدماء التي يتطوع بها الإنسان تسمى هدياً وأما ما يذبح في يوم النحر في المدن والقرى والبوادي فهذا يسمى ضحية وهي شاة واحدة عنه وعن أهل بيته وإن ضحى بسبع بدنة أو سبع بقرة كفى ذلك والحمد لله.
https://www.binbaz.org.sa/









آخر تعديل أم فاطمة السلفية 2016-08-22 في 20:49.
رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 20:53   رقم المشاركة : 111
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

ذبح الأضحية قبل صلاة العيد
بالنسبة لمن ذبح الأضحية قبل صلاة العيد ؟
لا تجزئ إلا بعد الصلاة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ذبح قبل أن يصلي فهي شاة لحم) لا تجزئ لا بد أن تكون بعد الصلاة.
https://www.binbaz.org.sa/










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 20:57   رقم المشاركة : 112
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

أحكام الأضحية
كثيراً ما أسمع عن الأضحية، ما حكم الأضحية، وكيفية الأضحية من الإبل؟
الأضحية سنة فعلها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين يذبح أحدهما على محمد وآل محمد، ويذبح الثاني عن من وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام، كانت هذه عادته كل سنة، يضحي بذبيحتين كبشين أملحين من الغنم فهي سنة مؤكدة مع الاستطاعة يضحي الإنسان عن أهل بيته عنه وعن زوجته وعن أولاده ونحو ذلك، يعني عنه وأهل بيته وإن كثروا وليست واجبة بل هي سنة مؤكدة مع الاستطاعة، واحدة عنه وعن أهل بتيه، وإن ضحى بأكثر فلا بأس، فإن كان عاجزاً فلا شيء عليه إنما هي سنة مؤكدة مع القدرة. ويقول كيفية الأضحية من الإبل؟
والإبل يضحى بها أيضاً عن سبعة، والبقرة كذلك إذا ذبح ناقة أو بعيراً عن سبعة من المسلمين أو بقرة كذلك سبعة من المسلمين فلا بأس، كان المسلمون يضحون بالبدنة والبقرة عن السبعة، وهكذا في الهدي في الحج تذبح البدنة عن السبعة في الحج وهكذا البقرة عن سبعة، فيجتمعون في ذلك ويذبحونها عن أنفسهم في الحج عن الهدي أو في الضحية في بلادهم ويأكلون ويطعمون، يأكلون منها ويطعمون أصدقائهم وأقاربهم والفقراء، المؤمن يأكل من هديته وأضحيته فيأكل ويهدي إلى أصدقائه وأقاربه وجيرانه هذا هو السنة.
https://www.binbaz.org.sa/









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 21:04   رقم المشاركة : 113
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

مدى صحة العبارة من أراد أن يضحي أو يضحى عنه
تلك العبارة التي يتناقلها الناس وهي: (من أراد أن يضحي أو يضحى عنه .
الصحيح ما دل عليه الحديث: من أراد أن يضحي بس، أما المضحى عنه ما عليه شيء. المضحى عنه، لو أن إنساناً ضحى عن نفسه وأهل بيته فلا حرج على زوجته وأولاده أن يأخذوا من شعرهم وأظفارهم لأن والدهم هو المضحي، وهو باذل المال أما هم مضحىً عنهم فلا يمنعون، ما يمنعون من أخذ شعرهم أو ظفرهم هذا هو الصواب، أما قول بعض الفقهاء أن المضحى عنه يلحق بالمضحي فهذا رأي بحت لا دليل عليه.
https://www.binbaz.org.sa/









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-22, 21:09   رقم المشاركة : 114
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

المقصود بحديث إذا رأيتم هلا ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره) فهل يشمل الحاج وغيره، وهل المقصود شعر الرأس أم يشمل جميع شعر البدن .
الحديث صحيح . رواه مسلم في صحيحه عن أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعرة ولا من أظفاره شيئا).
وفي الرواية الأخرى: (ولا من بشرته شيئا).
فالذي يريد الضحية سواء رجل أو امرأة وهو الذي يبذل المال في شراء الضحية، لا يخرج من شعره ، لا من شعر الرأس ولا من غيره ولا من أظفاره شيئاً، ولا من بشرته جلدته لا يأخذ شيئاً حتى يضحي، لكن حلقُ الحاج والمعتمر لا يدخل في ذلك، كون الحاج أو المعتمر يحلق رأسه أو يقصر غير داخل في هذا، إذا طاف المعتمر أو سعى يحلق أو يقصر، وهكذا الحاج إذا رمى الجمرة يحلق أو يقصر ولو كان مضحياً لا يدخل في هذا، لكن الحاج أو المعتمر لا يأخذ من إبطه ولا من أظفاره ولا من شعره غير الحلق والتقصير لحجه وعمرته حتى يضحي.
https://www.binbaz.org.sa
/










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-24, 11:21   رقم المشاركة : 115
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

- الحج والاستغفار
كثيراً ما يأمر الله بالاستغفار، ولا سيما في نهاية الطاعة وعند إتمام العبادة، قال الله تعالى في آيات الحجِّ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1).
والمراد بالإفاضة هنا أي إلى منى، حيث يقوم الحاجُّ بإكمال أعمال الحجِّ التي هي آخر أعماله، وأمر سبحانه في هذه الأثناء بملازمة الاستغفار؛ ليكون جابراً لما حصل من العبد من نقص، ولما وقع منه من تقصير.
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (( والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفاً عندهم، وهو رمي الجمار، وذبحُ الهدايا، والطوافُ والسعيُ، والمبيتُ بمنى ليالي التشريق، وتكميلُ باقي المناسك، ولَمَّا كانت هذه الإفاضة يقصد بها ما ذكره، والمذكوراتُ آخرُ المناسك أمر الله تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذِكْرُ اللهِ شُكْرُ اللهِ على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنَّة الجسيمة، وهكذا ينبغي للعبد كلَّما فرغ من عبادة أن يستغفرَ الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمَن يرى أنَّه قد أكملَ العبادةَ ومنَّ بها على ربِّه، وجعلت له محلاًّ ومنزلةً رفيعة، فهذا حقيق بالمقت ورد العمل كما أنَّ الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أُخر )). اهـ.
وقد كان من هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ختمُ الأعمال الصالحة بالاستغفار، ولهذا ثبت في صحيح مسلم: (( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً ))(2)، وورد ختم صلاة الليل بالاستغفار، قال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(3)، وكان يختم مجالسه بالاستغفار، روى أبو داود عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك ))(4)، وروى أبو داود عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَن جلس في مجلس فكثر فيه لغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللَّهمَّ ربَّنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلاَّ غفر له ما كان في مجلسه ذلك ))(5).
بل لقد ختم عليه الصلاة والسلام حياتَه العامرةَ بتحقيق العبودية وكمال الطاعة بالاستغفار، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مُسنِدٌ إليها ظهرَه يقول: (( اللَّهمَّ اغفر لي وارحَمني وأَلحِقنِي بالرَّفيق الأعلى ))(6) مع ملازمة عظيمة منه للاستغفار في أيام حياته الزكيَّة.
روى مسلم في صحيحه عن الأغر المزني رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّه لَيُغانُّ على قلبي، وإنِّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرَّة ))(7).
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّة ))(8).
وروى أبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (( كنَّا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرَّة: ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ، إنَّك أنت التوَّاب الرحيم ))(9).
وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناسَ فقال: (( يا أيًُّها الناس توبوا إلى الله، فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائة مرَّة ))(10).
وثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يدعو بهذا الدعاء: (( اللَّهمَّ اغفر لي خطيئتي وجَهلِي، وإِسرافِي فِي أَمرِي، وما أنت أعْلمُ به مِنِّي، اللّهُمَّ اغفِر لي جِدِّي وهزْلِي، وخطئِي وعمدي، وكلّ ذلك عندي، اللَّهمَّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به منّي، أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، وأنت على كلّ شيءٍ قدير ))(11).
وثبت في الاستغفار صيغٌ كثيرة ، وكان كثيرَ الاستغفار صلوات الله وسلامه عليه، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه : (( ما رأيت أحداً أكثرَ من أن يقول أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ))(12).
هذا مع أنَّه صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، كما قال الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)} (13).
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى قام حتى تتفطَّر رجلاه، فقلت له: يا رسول الله، أتصنعُ هذا، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً ))(14).
وثمارُ الاستغفار وبركاته على أهله لا تُعدُّ ولا تُحصى في تتميم أعمالهم وجبر تقصيرهم، ورفعة مقامهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (( الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب، من العمل الناقص إلى العمل التامّ، ويرفع العبدُ من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل، فإنَّ العابد لله والعارف بالله في كلِّ يوم، بل في كلِّ ساعة، بل في كلّ لحظة يزداد علماً بالله وبصيرةً في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله. ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقّها. فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، بل هو مضطرٌّ إليه دائماً في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد، لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضرّات، وطلب الزيادة في القوّة في الأعمال القلبية والبدنيّة اليقينية الإيمانية ))(15). اهـ.
وقد أعدَّ اللهُ في الدنيا والآخرة للمستغفرين من عظيم أجوره وكريم مواهبه وجزيل عطاياه ما لا يمكن عدُّه والإحاطةُ به. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}(16)، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(17)، وقال تعالى عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} (18).
روى ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن بشر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( طوبى لِمَن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ))(19).
نسأل اللهَ جلَّ وعلا أن يجعلنا من عباده التائبين الأوّابين المستغفرين وأن يهدينا سواء السبيل.
وختاماً أسأل الله العليَّ القدير أن يُوفِّق المسلمين لحسن الإفادة من حجِّهم إلى بيته العتيق، وأن يتقبَّل عملَهم بقبول حسن، وأن يغفرَ لنا أجمعين، وأن يجعلنا من عباده المتَّقين الذين يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *
------------------
(1) سورة البقرة، الآية: 199.
(2) صحيح مسلم (591).
(3) سورة آل عمران، الآية: 17.
(4) سنن أبي داود (4859)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب (1517).
(5) سنن أبي داود (4858)، وسنن الترمذي (3433)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب (1516).
(6) صحيح البخاري (4440).
(7) صحيح مسلم (2702).
(8) صحيح البخاري (6308).
(9) سنن أبي داود (1516)، وسنن الترمذي (3434)، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في الصحيحة (556).
(10) النسائي في الكبرى (10265)، وهو عند مسلم من حديث الأغر (4/2076) بلفظ مقارب.
(11) صحيح مسلم (2719).
(12) السنن الكبرى للنسائي (10288)، وصحيح ابن حبان (928).
(13) سورة الفتح، الآية: 1، 2.
(14) صحيح البخاري (4837)، وصحيح مسلم (2820).
(15) مجموع الفتاوى (11/696).
(16) سورة النساء، الآية: 110.
(17) سورة الأنفال، الآية: 33.
(18) سورة نوح، الآيات: 10 ـ 12.
(19) سنن ابن ماجه (3818)، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الج
امع (3930).
https://al-badr.net/









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-24, 11:31   رقم المشاركة : 116
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

- الحجُّ وإرغام الشيطان
روى الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في موطئه عن طلحة بن عبيد الله بن كَريز: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( ما رُئي الشيطانُ يوماً هو أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلاَّ لِمَا يرى من تنزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام )) (1) ، وهذا حديث مرسل.
وفي نصوص الشرع شواهد عديدة تدلُّ على صحَّة معناه، فإنَّ الشيطانَ ـ وما من ريب في ذلك ـ يغيظُه ويسوؤه تنزُّل الرحمة والمغفرة على عباد الله، وصفحُه وعفوُه عنهم سبحانه، وعتقُه لرقابهم من النار أعاذنا الله والمؤمنين منه.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطانُ يبكي، فيقول: يا ويله، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ فلي النار )) (2).
ولهذا فإنَّ عدوَّ الله حريصٌ غاية الحرص على إفساد حجِّ الإنسان وتفويت ثوابه عليه من خلال سبل عديدة ومسالك متنوِّعة بدءً من أوَّل مسير الإنسان وانطلاقه إلى الحجِّ، ومروراً بجميع أعماله وسائر مناسكه ويجند لذلك جنوده ويُهيِّئ لذلك عتاده.
يقول الإمام مجاهد بن جبر رحمه الله: (( ما من رفقة تخرج إلى مكة إلاَّ جهَّز معهم إبليس مثلَ عُدَّتهم )) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره(3).
ويشهد لهذا قول الله تعالى عن عدوِّه إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}(4).
قال عون بن عبد الله رحمه الله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} قال: ((طريق مكة))، وهذا بلا ريب من صراط الله المستقيم الموصل إلى رضوانه والمفضي إلى جنَّة النعيم، والصراط معناه أوسعُ من هذا.
ولذا قال ابن جرير رحمه الله: ((والذي قاله عونٌ وإن كان من صراط الله المستقيم، فليس هو الصراطَ كلَّه، وإنَّما أخبر عدوُّ الله أنَّه يقعد لهم صراطَ الله المستقيم، ولم يُخصِّص منه شيئاً دون شيء؛ لأنَّ الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كلِّ ما كان لهم قُربةٌ إلى الله))(5). اهـ.
وفي المسند للإمام أحمد من حديث سَبْرَة بن فاكِه رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الشيطان قعد لابن آدمَ بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أَتُسلم وتذَرُ دينَك ودينَ آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلَم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال أتُهاجر وتَذَرُ أرضَك وسماءَك؟ وإنَّما مثلُ المهاجر كمثل الفرس في الطِّوَل، قال: فعصاه فهاجر، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: هو جَهْدُ النَّفْس والمال، فتُقاتِلُ فتُقتَلُ فتُنكَحُ المرأةُ ويُقسَمُ المالُ؟ قال: فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمَن فعل ذلك منهم فمات كان حقًّا على الله أن يُدخلَه الجنَّة، أو قُتل كان حقًّا على الله أن يُدخله الجنَّة، وإن غرِقَ كان حقًّا على الله أن يُدخلَه الجنَّة، أو وَقَصَتْهُ دابَّةٌ كان حقًّا على الله أن يُدخلَه الجنَّة))(6).
والشاهد من هذا الحديث أنَّ الشيطان جالسٌ للإنسان في كلِّ طريق، وهو أحرصُ ما يكون عليه عندما يهمُّ بالخير أو يدخلُ فيه، فهو يشتدُّ عليه حينئذ ليقطعه عنه.
وقد ثبت في الصحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إنَّ عفريتاً من الجنِّ تفلَّت عليَّ البارحةَ ليقطعَ عليَّ صلاتي ))(7) ، وكلَّما كان الفعلُ أنفعَ للعبد وأحبَّ إلى الله كان اعتراض الشيطان له أكثر، فهو عدوٌّ لدودٌ للمؤمنين، لا همَّ له ولا غاية إلاَّ إفسادُ عقائدهم وهدمُ إيمانهم، وخلخلةُ يقينهم، وصرْفهم عن السبيل المفضية إلى رضوان الله والجنَّة.
ولهذا فإنَّ الله حذَّرنا منه أشدَّ التحذير، وبيَّن لنا أخطارَه وعواقبَ اتِّباعه الوخيمة، وأنَّه عدوٌ للمؤمنين، وأمرهم أن يتَّخذوه عدوًّا، قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(8) ، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(9) ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(10) ، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}(11).
قال ابن الجوزي رحمه الله: (( فالواجبُ على العاقل أن يأخذَ حذرَه من هذا العدوِّ الذي قد أبان عدواتَه من زمن آدم عليه الصلاة والسلام، وقد بذل عمرَه ونفسَه في فساد أحوال بني آدم، وقد أمر الله بالحذر منه ... ))(12) ، ثم ذكر نصوصاً عديدة في التحذير منه ومن كيده.
والآياتُ في التحذير منه ومن كيده كثيرة، والعبدُ لا وقاية له من الشيطان إلاَّ بالالتجاء إلى الله والتعوُّذ به من شرِّه وملازمة ذكره والمحافظة على طاعته، ومَن استعاذ بالله أعاذه الله وحفظَه ووقاه.
قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(13) ، وقال: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}(14) ، وقال تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }.
ومَن لازَمَ ذكرَ الله كان في حصنٍ من الشيطان وفي حرزٍ من شرِّه، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(15).
روى الإمام أحمد في مسنده عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ يحيى ابن زكريا عليهما السلام قال لقومه: (( ... وآمرُكم بذكر الله كثيراً، وإنَّ مثلَ ذلك كمثل رجل طلبه العدوُّ سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً، فتحصَّن فيه، وإنَّ العبدَ أحصنُ ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله )) (16).
والشيطانُ لا سلطان له على أهل الإيمان الملتجئين إلى الله المعتمدين عليه سبحانه، فإنَّ اللهَ يحفظُهم منه ويَصرفُ عنهم كيدَه وشرَّه، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}(17).
فبيَّن سبحانه في هذه الآية السببَ الأقوى في دفع الشيطان، وهو التحلِّي بحلية الإيمان والتوكل على الله، فإنَّ الشيطان ليس له قدرةٌ على التسلُّط على الذين آمنوا وعلى ربِّهم يتوكَّلون.
والفقه في دين الله حرزٌ من الشيطان؛ لأنَّ العلمَ الشرعيَّ نورٌ لصاحبه، ومَن تبصَّر بنور العلم وعرف مصايد الشيطان وحبائلَه ووسائلَه وطرائقَه، وعرف نهاية أتباعه ومآل أوليائه، حذره أشدَّ الحذر، واعتصم بالله منه واستعاذ به سبحانه من شرِّه، وسلك صراط الله المستقيم الذين لا خوف على أهله ولا هم يحزنون.
فنسأل الله أن يعيذنا وإيَّاكم من الشيطان الرجيم، وأن يهدينا جميعاً صراطَه المستقيم، إنَّه سميع مجيب.
***
----------
(1) الموطأ (1269).
(2) صحيح مسلم (81).
(3) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/109).
(4) سورة الأعراف، الآيتان: 16، 17.
(5) جامع البيان (5/444).
(6) المسند (15958)، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (1652).
(7) صحيح البخاري (461)، وصحيح مسلم (541).
(8) سورة يوسف، الآية: 5.
(9) سورة فاطر، الآية: 6.
(10) سورة النور، الآية: 21.
(11) سورة الأعراف، الآية: 27.
(12) تلبيس إبليس (ص:23).
(13) سورة الأعراف، الآية: 200.
(14) سورة المؤمنون، الآيتان: 97، 98.
(15) سورة الزخرف، الآية: 36.
(16) المسند (17800)، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (1724).
(17) سورة النحل، الآيات: 98 ـ 100.
https://al-badr.net/









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-24, 11:56   رقم المشاركة : 117
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

- الحجُّ وزيادةُ الإيمان
إنَّ في الحجِّ مجالاً واسعاً لإصلاح النفوس وتهذيب القلوب وزيادة الإيمان، وكم في الحجِّ من الدروس الرائعة والعبر المؤثّرة في إقبال القلوب على الله، وشدََّّة رغبها ورهبها ورجائها وخوفها، وكثرة رجوعها وإنابتها، فكم من دمعة صادقة في الحجِّ أُريقت، وكم من توبة نصوح قُبلت، وكم من عثرة أُقيلت، وكم من خطيئةٍ حُطَّتْ، وكم من دعاء خاشع أجيب، وكم من رقبة من النار أُعتقت.
وعندما نتأمَّل نصوصَ الكتاب والسنَّة المتعلِّقة بالحجِّ نجدُ فيها من الضوابط العظيمة والتوجيهات الحكيمة التي تحقِّق للعبد صلاحاً وزكاءً في حجِّه، بل في حياته كلِّها، كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}(1).
فكم في هذه النواهي {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} من دعوة وتوجيه إلى كبح جماح النفس والحدِّ من ميلها إلى رغباتها وشهواتها، وكم في قوله سبحانه: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} من دعوة إلى المسارعة في فعل الخيرات والمسابقة لأداء الطاعات، وكم في قوله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} من دعوة لأخذ الأُهبة والاستعداد بالتَّزوُّد ليوم المعاد، كشأن المسافر الذي يأخذ زاده معه في سفره.
قال ابن القيم رحمه الله: (( الناسُ منذ خُلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حطٌّ عن رحالهم إلاَّ في الجنَّة أو النار، والعاقل يعلم أنَّ السفرَ مبنيٌّ على المشقَّة وركوب الأخطار، ومن المحال عادةً أن يطلب فيه نعيماً ولذَّةً وراحةً، إنََّّما ذلك بعد انتهاء السفر )) (2). اهـ.
إلاَّ أنَّ العبدَ يأتيه في هذه الحياة من الصوارف والشواغل والمُلهيات ما يشغله عن أخذ الزاد ليوم المعاد، ويذهبُ جدةَ إيمانه وجماله وحيويته، بل لقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الإيمانَ قد يَخْلَقُ في جوف الإنسان، فيحتاج العبدُ إلى تجديده والسعي في تقويته، روى الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الإيمانَ لَيَخلَقُ في جوف أحدكم كما يَخلَقُ الثوبُ، فاسألوا الله أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبكم ))(3)، فوصف عليه الصلاة والسلام الإيمانَ بأنََّّه يَخلَق كما يخلَق الثوب، أي: يبلى ويضعف ويدخله الوهن والنقص من جرَّاء ما يلقاه العبدُ في هذه الدنيا من فتن ومُلهيات، وما يقع فيه من معاصٍ وذنوب، وأرشد عليه الصلاةُ والسلام إلى تعاهد الإيمان والعمل على تقويته، وسؤال الله زيادته وثباته، والله تعالى يقول: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(4)، فمن الخير للعبد أن ينصح لنفسه في إيمانه الذي هو أغلى شيء لديه وأثمنُ شيء عنده، وخيرُ زاد يلقى به ربَّه سبحانه وتعالى.
ومجالات تقوية الإيمان وأسبابُ زيادته عديدةٌ ومتنوِّعةٌ، ومن هذه المجالات العظيمة الحجُّ، فهو يهدمُ ما كان قبله، والمبرورُ منه ليس له جزاء إلاَّ الجنَّة،
ومن أدََّّاه بلا رفث ولا فسوق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، وهو ينفي الذنوب كما ينفي الكيرُ خبَثَ الحديد، كما صحَّت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكم كان الحجُّ نقطةَ تحوُّلٍ في حياة كثير من الناس من سيِّءٍ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن، والشواهدُ على هذا والوقائعُ المؤكِّدةُ له تفوق الحصر.
وكم من حاجٍّ تحرَّى مواطنَ الإجابة في الحجِّ ومدَّ يديه إلى ربِّه خاشعاً متذلِّلاً طامعاً في فضله العظيم، وسأله أن يُجدِّد الإيمانَ في قلبه وأن يثبته عليه، وأن يصرفَ عنه الفتنَ ما ظهر منها وما بطن، وأن يُصلح له دينَه ودنياه وآخرته، وأن يُزيّنه بزينة الإيمان، وأن يجعله من الهُداة المهتدين.
والله عزَّ وجلَّ لا يُخيبُ عبداً دعاه ولا يردُّ عبداً ناجاه، وهو القائلُ سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(5)، وثبت في الحديث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الحُجَّاجُّ والعُمََّّار وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم ))(6).
فحريٌّ بمَن أكرمه الله بالحجِّ أن يكون في حجِّه مخبتاً لربِّه متواضعاً لجَنَابه، منكسراً بين يديه، يرجو رحمتَه ومغفرتَه ويخاف عذابه ومقتَه، تائباً من كلِّ ذنب اكتسبته يداه، ومن كلِّ خطيئة مشت إليها قدماه، مُكثراً من الذِّكر والدعاء والاستغفار والتضرُّع؛ لينقلب من حجِّه خير منقلب، وليعودَ إلى أهله وبلده على خير حال، فيبدأ صفحةً جديدة في حياته، عامرةً بالطاعة والصلاح والاستقامة، بقلب مطمئنٍّ ونفس منيبة وفؤاد مخبت، سائلاً ربَّه الثبات على الإيمان والسلامةَ من الفتن.
أليس من الجدير بالحاجِّ أن يتنبَّه لهذا الأمر الجلل العظيم، ليربحَ من حجِّه ويستفيد، ولا سيما مع كثرة الأمور التي تضعف الإيمان في هذه الحياة، فما بالنا لا نستفيد من هذا الباب المبارك لتقويته وتتميمه وتكميله، فإنَّ الحجَّ إيمانٌ، وما يقع فيه من مواهب وكمالات كلُّ ذلك كمالٌ في الإيمان وقوَّة.
والعبدُ المؤمن الموَفَّق لا يزال يسعى في تحقيق أمرين عظيمين ومَقصَدين جليلَين:
أحدهما: تحقيق الإيمان وفروعه والتحقق بها علماً وعملاً.
والثاني: السعي في دفع ما يُنافيه وينقضه أو ينقصه من الفتن الظاهرة والباطنة، ويُداوي ما قصر فيه من الأول، وما تجرَّأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح، وتدارك الأمر قبل فواته.
وتأمَّل هذين الأمرين في قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}(7)، فذكر سبحانه الأمرين دفع المفسدات والمنقصات، والسعي في تحصيل الخيرات والكمالات.
نسأل الله جلَّ وعلا أن يُصلحَ لنا جميعاً ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يُصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأن يُصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كلِّ خير، والموت راحة لنا من كلِّ شرٍّ، وأن يزيننا بزينة الإيمان، وأن يجعلنا هُداةً مهتدين غير ضالِّين ولا مُضلِّين، إنََّّه سبحانه سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
***

------------
(1) سورة البقرة، الآية: 197.
(2) الفوائد (ص:190).
(3) المستدرك (1/4)، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (1590).
(4) سورة الحجرات، الآيتان: 7، 8.
(5) سورة البقرة، الآية: 186.
(6) رواه البزار في مسنده كما في كشف الأستار (1153)، وحسَّنه الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الصحيحة (1820).
(7) سورة البقرة، الآية: 197.
https://al-badr.net/











آخر تعديل أم فاطمة السلفية 2016-08-24 في 12:01.
رد مع اقتباس
قديم 2016-08-24, 15:39   رقم المشاركة : 118
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

- الحجُّ والرابطة الإسلامية
إنَّ من مجالات الحجِّ المباركة في تهذيب النفوس ما يشهده الحاجُّ في يوم عرفة من تجمُّع عظيم وتجمهر كبير، بل هو أعظمُ تجمُّع إسلاميٍّ، وفي هذا التجمُّع الإسلامي الكبير وكذا في بقيََّّة المشاعر يلتقي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فيتعارفون ويتناصحون، ويتعرَّف بعضُهم على أحوال بعض، فيتشاركون في الأفراح والمسرَّات، كما يُشارك بعضُهم بعضاً في آلامه ويُرشده إلى ما ينبغي له فعله، ويتعاونون جميعاً على البرِّ والتقوى، كما أمرهم الله سبحانه بذلك.
وفي هذا اليوم المبارك يوم عرفة يكثُر الحجيجُ من قول لا إله إلاَّ الله، فهي خيرُُ ما يُقال في هذا اليوم، بل هي خير الكلمات على الإطلاق وأحبُّها إلى الله، وقد ثبت في الحديث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( خيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلته أنا والنبيُّون من قبلي لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير )) (1).
وفي هذا إشارةٌ عظيمةٌ إلى أنَّ اجتماعَ المسلمين لا يكون إلاَّ على التوحيد لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ بهما تذوب الأهواءُ وتتبدَّد العداوةُ والبغضاء، وتلتقي القلوبُ وتجتمع الكلمة وتتَّحدُ الصفوف، وكلَّما ضعُف استمساكُهم بهذه الكلمة ضعُف حظُّهم من الاجتماع والأُلفة بحسب ذلك.
ثمَّ إنَّ هذه الجموعَ الغفيرةَ على اختلاف ألوانهم وتباين ألسنتهم وتباعد بلدانهم قد اجتمعوا على مقصَد واحد وغاية واحدة، تتَّضح من خلال هذه الكلمة التي يهتفون بها ويُردِّدونها، فالذي جمعهم هو توحيدُ الله والإيمانُ به، والذي ألَّف بينهم هو الخضوعُ لله والتذلُّلُ بين يديه رغَباً ورهباً، رجاءً وخوفاً، حُبًّا وطمعاً.
فكلمة التوحيد (( لا إله إلاَّ الله )) هي الرابطةُ الحقيقيََّّةُ التي اجتمع عليها أهلُ دين الإسلام، فعليها يُوالون ويُعادون، وبها يُحبُّون ويُبغضون، وبسببها أصبح المجتمعُ المسلم كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضاً.
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في كتابه أضواء البيان: (( والحاصلُ أنَّ الرابطةَ الحقيقيَّةَ التي تجمع المفترقَ وتؤَلِّفُ المختلفَ هي رابطةُ لا إله إلاَّ الله، ألا ترى أنَّ هذه الرابطةَ التي تجمع المجتمعَ الإسلاميَّ كلَّه كأنََّّه جسدٌ واحدٌ، وتجعله كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضاً عطفت قلوب حملة العرش ومَن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} (2).
فقد أشار تعالى إلى أنَّ الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومَن حوله وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم، إنَّما هي الإيمان بالله جلَّ وعلا.
إلى أن قال رحمه الله: وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين أنَّ الرابطةَ التي تربطُ أفرادَ أهل الأرض بعضهم ببعض
وتربط بين أهل الأرض والسماء هي رابطة لا إله إلاَّ الله، فلا يجوز البتة النداءُ برابطة غيرها )) (3) اهـ.
وتقريراً لهذا المعنى العظيم وتأكيداً عليه قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في خُطبته بمنى يوم النحر: (( يا أيُّها الناس، ألا إنَّ ربَّكم عزَّ وجلَّ واحدٌ، ألا وإنَّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيٍّ على عجمي، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلاَّ بالتقوى، أَبَلَّغت؟ قالوا: نعم، قال: ليبلغ الشاهدُ الغائبَ )) رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح(4).
ومن منافع الحجِّ العظيمة تقوية هذه الرابطة وتوثيق هذه الصلة فالربُّ المعبود واحد، والقبلة المتََّّجه إليها واحدة، والرسول المتَّبع واحد، ولباس الإحرام، ومشاعر الحجِّ وأعماله واحدة، ومكان تجمع المسلمين وزمانه واحد، وشعار الجميع (( لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك )) خضوعاً واستكانةً وانقياداً وامتثالاً، فأيُّ رابطة أوثقُ من هذه، وأيُّ صلة أعظمُ من هذه الصلة.
ألا فليَعِ المسلمون ذلك، وليحمدوا ربَّهم على هذا الوشاج المبارك والوفاق الكريم، والحب والإخاء، ولْيَسْعَ كلُّ واحد منهم في تحقيق كلِّ ما يقوِّي هذه الصلةَ وينميها، وليبتعدوا عن كلِّ أمر يضعفها ويوهيها، ومن الدعوات الثابتة (( اللَّهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سُبُل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ))، وليطرح الجميعُ العصبيات العرقية، والشعارات القومية، والنَّعرات الجاهلية، والتحزبات الضيقة.
روى أبو داود وغيرُه بإسناد صحيح أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ الله تعالى قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهليَّة وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، لَيدَعنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوام إنَّما هم فَحْمٌ من فَحْم جهنَّم، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجُعَلان التي تدفع بأنفها النَّتَن )) (5).
وفي المسند للإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: (( انظر، فإنَّك ليس بخير من أحمر ولا أسود إلاَّ أن تفضله بتقوى )) (6).
ثمَّ إنَّ من استطال على غيره بنسب أو غيره بحقٍّ فقد افتخر، وإن استطال على غيره بغير حقٍّ فقد بغى، والفخرُ والبغيُ كلاهما محرَّم، ولهذا ثبت
في صحيح مسلم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إنِّي أوحي إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحد على أحد )) (7).
فنهى سبحانه فيما أوحاه إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم عن نوعي الفخر والبغي اللذين هما استطالة على الخلق، فمَن استطال بحقٍّ فقد افتخر، ومن استطال بغير حقٍّ فقد بغى، ولا يحلُّ هذا ولا ذاك.
نعوذ بالله من الفخر والخيلاء، ومن البغي والظلم، ونعوذ به من كلِّ خطيئة وإثم ونسأله سبحانه أن يجمع المسلمين على البر والتقوى، وأن يصلح ذات بينهم وأن يؤلِّف بين قلوبهم وأن يهديهم سبل السلام، وأن يوحِّد صفوفَهم وأن يجمع كلمتهم، وأن يُبطل كيدَ عدوِّهم، إنَّه سبحانه سميع مجيب.
* * *
------------
(1) سنن الترمذي (3585)، وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (4/7،8).
(2) سورة غافر، الآيات: 7 ـ 9
(3) أضواء البيان (3/447، 448).
(4) المسند (23489).
(5) سنن أبي داود (5116)، وحسَّنه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (1787).
(6) المسند (21407).
(7) صحيح مسلم (2865).
https://al-badr.net/









رد مع اقتباس
قديم 2016-08-24, 15:58   رقم المشاركة : 119
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

- يوم عرفة والتذكيرُ بالموقف يوم القيامة
إنَّ من عبر الحجِّ العظيمة ومواقفه المؤثرة غاية التأثير ذلكم الجمعُ العظيمُ والموقف المباركُ الذي يشهده جميعُ الحُجَّاج في يوم عرفة على أرض عرفة، حيث يقفون جميعاً ملبِّين ومبتهلين إلى الله، يرجون رحمتَه ويخافون عذابَه، ويسألونه من فضله العظيم، في أعظم تجمُّع إسلاميٍّ يُشهد.
وهذا الاجتماع الكبير يذكِّر المسلم بالموقف الأكبر يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأوَّلون والآخرون ينتظرون فصل القضاء ليصيروا إلى منازلهم؛ إمَّا إلى نعيم مقيم أو إلى عذاب أليم.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في ميميَّته:
فلله ذاك الموقفُ الأعـظمُ
كموقف يوم العرضِ بل ذاك أعظمُ

ولا ريب في عِظم يوم العرض، يقول الله تعالى: { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا}(1) ، ويقول سبحانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}(2).
ففي ذلك اليوم العظيم يجمع الله جميعَ العباد،
كما قال سبحانه: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}(3) ، وقال تعالى: { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}(4).
ويستوي في هذا الجمع الأوَّلون والآخرون، فالكلُّ مجموع إلى ذلك الميقات العظيم { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}(5).
ولن يتخلَّف عن هذا الجمع أحدٌ، مَن هلكوا في أجواء الفضاء، ومَن ضلُّوا في أعماق الأرض، ومَن أكلتهم الطيورُ والسِّباع، الكلُّ سيُجمعُ ولا مَفَرَّ، قال تعالى: {حَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}(6) ، وقال سبحانه: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(7)، وقال سبحانه: { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}(8).
وسيُجمعون على أرض غير هذه الأرض، قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(9) ، وقد بيَّن لنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم صفةَ هذه الأرض التي يُجمع عليها الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( يُحشرُ الناسُ يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقُرصة النَّقيِّ ليس فيها عَلَمٌ لأحد )) (10) أي: على أرض مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض ولا جبال ولا صخور، وليس فيها علامةُ سكنى أو بناء.
ويُجمعون حُفاةً لا نعال عليهم، عُراةً لا لباس عليهم، غُرْلاً أي غير مختونين، ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّكم محشورون حُفاةً عُراةً غُرلاً، ثم قرأ: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }(11) ))(12).
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنَّها لَمَّا سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (( يُحشر الناسُ يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرلاً )) قالت: يا رسول الله، الرِّجال والنساء جميعاً ينظر بعضُهم إلى بعض؟ قال: (( يا عائشة، الأمر أشدُّ من أن ينظرَ بعضُهم إلى بعض )) (13).
وفي ذلك اليوم تدنو الشمسُ من الخلائق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فلا ظلَّ في ذلك اليوم إلاَّ ظلُّ عرش الرحمن، فمن مستظلٍّ بظلِّ العرش، ومن مُضحٍ بحرِّ الشمس، قد صهرته واشتدَّ فيها كربُه وأقلقته، وقد ازدحمت الأمم وتضايقت ودفع بعضُهم بعضاً، واختلفت الأقدامُ وانقطعت الأعناق من العطش، قد اجتمع عليهم في موقفهم حرُّ الشمس مع وَهَج أنفاسهم وتزاحم أجسامهم، ففاض العرقُ منهم على وجه الأرض، ثم على أقدامهم على قدر مراتبهم ومنازلهم عند ربِّهم من السعادة والشقاء، فمنهم من يبلغ العرقُ منكبيه وحقويه، ومنهم إلى شحمة أذنيه، ومنهم من قد ألجمه العرقُ إلجاماً(14) ، نسأل الله العافية والسلامة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يَعرَقُ الناسُ يوم القيامة حتى يذهبَ عرقُهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم )) رواه البخاري(15).
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تدنى الشمسُ يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كقدر ميل، فيكون الناسُ على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبيته، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ))، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه(16).
ويكون وقوفهم في يوم مقداره خمسون ألف سنة، قال الله تعالى: { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }(17) ، وفي صحيح مسلم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من صاحب ذهب ولا فضَّة لا يُؤدِّي منها حقَّها إلاَّ إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فأُحمي عليها في نار جهنَّم، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما برَدت أُعيدَت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيلَه إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النار ))(18).
ويهوِّن الله أمرَ الوقوف على أهل الإيمان، نسأل الله الكريم من فضله، ففي المستدرك للحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يومُ القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر ))(19).
ويُظلِّهم الله سبحانه في ظلِّه الظليل يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه، ويقول سبحانه في ذلك الموقف العظيم: (( أين المتحابُّون بجلالي، اليوم أُظلُّهم في ظلِّي، يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلِّي ))(20).
وفي ذلك اليوم يفزَعُ الناسُ إلى الأنبياء يطلبون منهم الشفاعةَ عند الله في أن يبدأ في القضاء والحكم بين العباد، فيعتذرون إلاَّ نبيّنا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإنَّه يقول: أنا لها، فيذهبُ ويَخرُّ ساجداً تحت العرش لربِّ العالمين، ويفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبله ثم يقول له: ارفع رأسَك وسَلْ تُعطَ، واشفع تشفَّع، وحينئذ يجيء الربُّ جلَّ وعزَّ للفصل بين العباد.
قال الله تعالى: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }(21).
تذكَّر يوم تأتي الله فرداً
وقد نُصبت موازينُ القضاء
وهُتِّكت السُّتور عن المعاصي
وجاء الذنبُ منكشف الغطاء(22) .
فتفكَّر في هذا اليوم الذي وُصف لك، وفي هذا الحال الذي حُدِّثتَ عنه، وأعِدَّ له عدَّته، وعليك بتقوى الله، فإنَّها خيرُ زاد، وقد قال الله تعالى في ختام آيات الحج {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(23).
جعلنا الله وإيَّاكم من عباده المتَّقين، وأعاذنا جميعاً من خزي يوم الدِّين، وجعلنا بمنِّه وكرمه يوم الفزَع من الآمنين.
* * *
-----------
(1) سورة الكهف، الآية: 48.
(2) سورة الحاقة، الآية: 18.
(3) سورة النساء، الآية: 87.
(4) سورة هود، الآية: 103.
(5) سورة الواقعة، الآيتان: 49، 50.
(6) سورة الكهف، الآية: 47.
(7) سورة البقرة، الآية: 148.
(8) سورة مريم، الآيات: 93 ـ 95.
(9) سورة إبراهيم، الآية: 48.
(10) صحيح البخاري (6521)، وصحيح مسلم (2790).
(11) سورة الأنبياء، الآية: 104.
(12) صحيح البخاري (3349)، وصحيح مسلم (2860).
(13) صحيح البخاري (6527)، وصحيح مسلم (2859).
(14) انظر التذكرة للقرطبي (1/357).
(15) صحيح البخاري (6532).
(16) صحيح مسلم (2864).
(17) سورة المعارج، الآية: 4.
(18) صحيح مسلم (987).
(19) المستدرك (1/84)، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (8193).
(20) صحيح مسلم (2566).
(21) سورة الفجر، الآيات: 22 ـ 24.
(22) انظر البيتين في التذكرة للقرطبي (2/17).
(23) سورة البقرة، الآية: 203.
https://al-badr.net/










رد مع اقتباس
قديم 2016-08-24, 16:43   رقم المشاركة : 120
معلومات العضو
أم فاطمة السلفية
مراقبة المنتدى الاسلامي للنساء
 
الصورة الرمزية أم فاطمة السلفية
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

- الحجُّ والتقوى
لقد أكثر الله عزَّ وجلَّ في آيات الحجِّ على قلَّتها من الوصيَّة بالتقوى؛ لأنَّه يحصل في الحجِّ من أسباب التقوى ما لا يحصل في غيره، وذلك مع الوعي الصحيح لحقيقة الحج ومغزاه، وقد تكرَّرت الوصيَّة بتقوى الله في سياق آيات الحجِّ من سورة البقرة.
ففي الآية الأولى من هذه الآيات قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(1)، وفي أثناء هذه الآيات قال سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}(2)، وختم جلَّ وعلا آيات الحجِّ بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(3).
والتقوى هي أعظمُ وصيَّة وخيرُ زاد ليوم المعاد، وهي وصيَّة الله للأوَّلين والآخرين من خلقه، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ }(4)، وهي وصيَّة النَّبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم لأمَّته، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سريَّة أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمَن معه من المسلمين خيراً، وكان كثيرَ الوصيَّة بها في خُطبه، ولَمَّا خطب الناسَ في حجَّة الوداع يوم النحر وصَّى الناسَ بتقوى الله، ولم يزل السَّلف الصالح يتواصون بها، وذلك لأنَّها خيرُ زاد يبلغ إلى رضوان الله، ولَمَّا قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتَّق الله، أجابه عمرُ بقوله: (( لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها ))، والنقول عن السلف في هذا كثيرة(5).
وللتقوى على أهلها منافعُ عظيمةٌ وثمارٌ كريمةٌ وفوائدُ جَمَّةٌ في الدنيا والآخرة، فمن ثمارها حصولُ العلم النافع، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}(6)، وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}(7)، ومن ثمارها الخروج من المحن وتحصيل الرّزق الطيِّب وتيسُّر الأمور، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(8)، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(9)، ومن ثمارها {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(10)، و{ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(11)، ومن ثمارها نيلُ الفلاح والفوزُ بالمغفرة، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(12)، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(13)، ومن ثمارها حصولُ الرِّفعة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(14) ، وحصولُ العاقبة الحميدة، قال الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(15)، ومن أجَلِّ ثمارها دخولُ جنَّة الله والتشرُّف برؤيته، قال الله تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} (16).
وثمارُ التقوى لا تُحصَى، وفضائلُها لا تُستقصى، وأكرمُ الناس عند الله أعظمهم تقوىً له سبحانه، قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(17).
وتقوى الله جلَّ وعلاَ أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخافه ويخشاه من غضبه وعقابه وقايةً تقيه، وذلك لا يكون إلاَّ بفعل الأوامر واجتناب النواهي، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (( المتَّقون اتَّقوا ما حرَّم الله عليهم وأدَّوا ما فرض عليهم ))، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (( ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل مع التخليط فيما بين ذلك، ولكنَّ تقوى الله تركُ ما حرَّم الله وأداءُ ما افترض الله ))، وقال طلق ابن حبيب رحمه الله: (( تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله )) (18).
وأساسُ التقوى هو القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (( التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره الشريف ثلاث مرَّات )) (19) ، فمتى أصلح العبدُ قلبَه صلَحَ البدنُ كلُّه تبَعاً لذلك، ومتى خضع القلبُ لطاعة الله خضعت الجوارح، كما قال صلى الله عليه وسلم: (( ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب )) (20).
والله جلَّ وعلا لا ينظر إلى الصور والأموال، وإنَّما ينظر إلى القلوب والأعمال، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله لا ينظر إلى صوَرِكم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )) (21).
وإنَّ مِمَّا يُعينُ العبدَ على تحقيق التقوى والعناية بها أن يتذكَّر الموتَ والوقوفَ بين يدي الله والجزاءَ والحسابَ والجنَّةَ والنارَ، ولقد أحسن مَن قال:
فـيـا عجـبــاً نـدري بنـارٍ وجَنَّــةٍ
وليس لذي نشتاقُ أو تلك نحذرُ
إذا لم يكن خـوفٌ وشوقٌ ولا حيا
فمـاذا بقي فينا من الخير يذكــرُ
وليـس لِحَـرٍّ صابريـن ولا بـلــى
فكيف على النيران يا قوم نصبرُ
نبيـع خطــيراً بالحــقيـر عِـمـايــة
وليـس لنـا عقــلٌ ولـبٌّ منــورُ
فطوبى لِمَن يؤتى القناعـة والتُّقـى
وأوقاتَه في طــاعــة الله يَعــمـرُ

إنَّ وصيَّةَ الله بالتقوى المتكرِّرة في آيات الحجِّ ودعوتَه سبحانه لأولي الألباب إلى تقواه تدلُّ على أنَّ أهلَ العقول والألباب ينبغي عليهم وقد أكرمهم الله بالحجِّ أن يُعملوا عقولَهم وألبابَهم في تلك المشاعر العظيمة ليستفيدوا منها تقوى الله، فالحجُّ مدرسةٌ عظيمةٌ للتقوى وبابٌ عظيمٌ من أبوابها.
والواجب على مَن أكرمه الله بالحجِّ أن يستفيدَ من حجِّه تقوى الله، وأن يتزوَّد فيه بزادها المبارك، وأن ينهل من معينها العذب، وأن يتقي الله بصيانة حجِّه عن الرَّفث والفسوق والجدال، وأن يتقي الله بحفظ وقته عن كلِّ إسفاف، وأن يشغلَه بذكر الله والنافع من القول، وأن يتقي الله بالحرص على اتِّباع السنَّة ولزوم هدي خير الأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبالحذر من البدع والأهواء، وأن يتقي الله في مراعاة جميع أعمال الحجِّ من ركن وواجب ومستحبٍّ دون تساهل أو إهمال، وأن يتقي الله بالتفقُّه في دينه والإتيان بعبادته على بصيرة، وأن يتقي الله في إخوانه المسلمين من الحُجَّاج وغيرهم، وأن يكون عوناً لهم على كلِّ خير يلقاهم بطلاقة وجهٍ وصفاء قلب وحسن الحديث، ويتقي الله بتوقير الكبير ورحمة الصغير وتعليم الجاهل وإرشاد الضال، وأن يتقي الله بحفظ لسانه وغضِّ بصره وكفِّ يده، وأن يتقي الله باجتناب الغشِّ والكذب والشُّحِّ والسبِّ والبذاء وسوء الظنِّ.
وكلَّما عظم نصيبُه وحظُّه في حجِّه من التقوى عظم حظُّه ونصيبه من الأجر والثواب، وغفران الذنوب، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}(22) أي: فلا إثم عليه لِحطِّ الله ذنوبَه إن كان قد اتَّقى الله في حجِّه، فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه وفعل ما أمره الله بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلَّفه من حدوده(23).
جعلنا الله جميعاً من المتقين، وسلك بنا صراطه المستقيم، إنَّه سميع مجيب.
***
-----------
(1) سورة البقرة، الآية: 196.
(2) سورة البقرة، الآية: 197.
(3) سورة البقرة، الآية: 203.
(4) سورة النساء، الآية: 131.
(5) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص:150 ـ 151).
(6) سورة البقرة، الآية: 282.
(7) سورة الأنفال، الآية: 29.
(8) سورة الطلاق، الآيتان: 2، 3.
(9) سورة الطلاق، الآية: 4.
(10) سورة التوبة، الآية: 4.
(11) سورة البقرة، الآية: 194.
(12) سورة البقرة، الآية: 189.
(13) سورة الأنفال، الآية: 69.
(14) سورة البقرة، الآية: 212.
(15) سورة الأعراف، الآية: 128.
(16) سورة القمر، الآيتان: 54، 55.
(17) سورة الحجرات، الآية: 13.
(18) انظر هذه الآثار في جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص:149).
(19) صحيح مسلم (2564).
(20) صحيح البخاري (52)، وصحيح مسلم (1599).
(21) صحيح مسلم (2514).
(22) سورة البقرة، الآية: 203.
(23) جامع البيان للطبري (3/309).
https://al-badr.net/









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc