الجامعات في العالم تصنع الحدث بما تشهده من اختراعات علمية ومؤتمرات تستقطب أرقى العقول في مناظرات فكرية، بينما تصنع جامعاتنا الحدث بالشّجارات بين المنظمات الطلابية ونقابات الأساتذة، والإضرابات والاحتجاجات التي تكون أحيانا بسبب خدمات الإطعام أو ضعف النقاط التي يمنحها الأساتذة للطلبة، أو بسبب الإجراءات التأديبية في حق بعض الطلبة المشاغبين.
وفيما تعلن جامعات العالم في مؤتمراتها الصحفية عن آخر النظريات العلمية وآخر ما توصلت له العقول البشرية، هاهي جامعتنا تعلن عن تأسيس هيئة جديدة مفتوحة لكل منظمات الطلبة ونقابات الأساتذة والجمعيات الثقافية والعلمية الناشطة في الجامعة، فتصوروا ما هي هذه الهيئة التي تمخضت عنها ما يزيد عن ستين جامعة ومركزا جامعيا جزائريا؟
إنها التّنسيقية الوطنية لمكافحة العنف في الجامعة، هذا المولود الجديد الذي جاء لمعالجة ظاهرة العنف التي انتقلت من الملاعب إلى الجامعة يجعلنا في حيرة من أمرنا.. هل نفرح به على أمل القضاء على تلك المظاهر المخزية لطلبة يعتدون على أساتذة أو رئيس جامعة يوظف "بلطجية" من الطلبة للتدخل في شؤون الأساتذة، أم نحزن ونبكي على حال الجامعة إلى درجة تنشأ فيها تنسيقية لمكافحة العنف؟
هل تعلمون أن الجامعة الجزائرية تشهد ثلاث حالات عنف جسدي يوميا، وهو ما يعادل ألف حالة سنويا؟ وهل تعلمون أن هذه التنسيقية التي أنشِئت ليس من أجل ضرب "البلطجية" والمعتدين داخل الجامعة بيدٍ من حديد، ولكن بهدف القيام بدور توعوي ورصد حالات العنف ومحاولات التدخل!
هل يصحّ هذا الكلام في معالجة ظاهرة العنف؟ أليس من الواجب تطهير الجامعة أولا من "البلطجية" الذين يستقوون أحيانا بالمنظمات الطلابية ويمارسون الابتزاز على الإدارة وعلى الأساتذة للنجاح بالقوة؟ أو لم يحن الوقت لاعتماد قوانين وتنظيمات صارمة تحكم بالطرد الفوري لكل من ثبت عليه استخدام العنف ضد زملائه أو ضد الإدارة أو ضد الأساتذة؟
وليت معضلة الجامعة في العنف فقط، ولكن الكارثة أكبر وأعمق وأخطر، فلا طالب الجامعة أصبح طالبا حقيقيا، ولا الأستاذ أصبح كذلك، وتكفي جولة واحدة لإحدى الجامعات للوقوف على الانهيار القيمي والأخلاقي، والهندام هو الإشارة الأولى إلى هذا الانهيار، حيث أصبح من الطبيعي مشاهدة طلبة بلباس سوقي يتجوَّلون داخل الحرم الجامعي بلا رقيب أو حسيب، أما إذا ناقشتهم فالكارثة فعلا أكبر وأعمق.