السؤال :
أنا أحاول في العبادات المتعلقة بالذكر كالصلاة والدعاء أن أعبد الله كأني أراه , لذلك فقد اعتدت أمراً لا أدري إن كان صحيحاً أم لا , وذلك أنى أحاول أن أتصور الله أمامي وأنا في صلاتي مثلاً , ولكن عقلي البشري الضعيف أقرب ما يذهب إليه هو صورة إنسان ، وأنا أعلم أن هذا أبعد ما يكون عن الملِك الذي ليس كمثله شيء , أيضاً أحاول أن أهيئ لنفسي وأنا ساجد مثلا أني أمام الكعبة ، وقد أشعر بأني قريب من الله فعلا ، ولكني أيضا لا أشعر بكامل القرب من الله لأني أدرك أن الله أعظم من ذلك كثيراً . أرجو أن تعلموا أن أمري ليس وسوسة ، ولكني أريد القرب أكثر من الله , فانصحوني
الجواب:
الحمد لله
أولاً : اعلم يا عبد الله أن الله تعالى احتجب عن خلقه في دار الدنيا ، فلا يراه بشر فيها ، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا من دونه .
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ ) رواه البخاري (4855) ومسلم (177) واللفظ له .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحدا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا ، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا ؛ وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين . ) مجموع الفتاوى 2/335
وإذا كان البشر ، كل البشر ، قد حجبوا في دار الدنيا عن هذه الرؤية ، فالبشر ، كل البشر أيضا ، عاجزون عن الوقوف على حقيقة ذاته سبحانه ، أو كيفية شيء من صفاته ؛ لأن الإنسان لا يتخيل شيئا تخيلا صحيحا إلا أن يكون رآه ، أو رأى شبيه هذا الشيء أو نظيره ، حتى ينتقل خياله من صورة الشيء الذي رآه إلى صورة ما غاب عنه .
وبناء على ذلك ، اعلم ـ أيها الأخ الكريم
أن كل صورة في خيالك ، أو توهم كيفيةٍ في بالك ، فالله تعالى بخلاف ذلك ، بل : الله تعالى أجل وأعظم من كل ذلك . وأن اشتغالك بهذه الخيالات وساوس واستدراج من الشيطان ، ليشغلك بما يضرك عما ينفعك ، وبالباطل عن الحق . قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته : ( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام . فمن رام علمَ ما حُظر عنه علمه ، ولم يقنع بالتسليم فهمه ، حجبه مرامه عن خالص التوحيد ، وصافي المعرفة ، وصحيح الإيمان ؛ فيتذبذب بين الكفر والإيمان ، والتصديق والتكذيب ، والإقرار والإنكار ، مُوَسْوِسا تائها شاكا ، لا مؤمنا مصدقا ، ولا جاحدا مكذبا ) [ متن العقيدة الطحاوية ص 14 ] .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريق دفع الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبد ، فيما يتعلق بالله جل جلاله ، فقال : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) رواه البخاري( 3276 ) ومسلم (134)
قال النووي رحمه الله : مَعْنَاهُ : إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم . وراجع كلاما مفيدا في فتاوى الشيخ ابن عثيمين ( 1 / السؤال رقم 18 )