ألف حكاية وحكاية مع فارس الجزائري - الصفحة 9 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات عامة للترفيه و التسلية > منتدى النكت و الأخبار الطريفة

منتدى النكت و الأخبار الطريفة نكت و طرائف... للترفيه عن النفس

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

ألف حكاية وحكاية مع فارس الجزائري

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-06-24, 00:52   رقم المشاركة : 121
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 58

أحمد بن طولون والطبيب
كان سعيد بن توفيل طبيباً نصرانياً متميزاً في صناعة الطب. وكان في خدمة أحمد بن طولون، يصحبه في السفر والحضر. وكان لسعيد خادم قبيح الصورة اسمه هاشم، يخدم بغلة سعيد، يستعمله في بعض الأوقات في سحق الأدوية بداره، وينفخ النار على المطبوخات.
وتقدّم ابن طولون إلى سعيد أن يختار طبيباً يكون لحرمه، ويكون مقيماً بالقصر في غيبته. فقال له سعيد:
لي ابن ذكيّ الروح قد علّمته وخرّجته، وهو حسن المعرفة بالطب.
قال: أرِنيه.
فأحضره. فلمّا رآه ابن طولون شاباً رائقاً حسن الصورة قال:
لا يصلح هذا لخدمة الحرم. أحتاج لهن طبيباً حسن المعرفة، قبيح الصورة!
فأشفق سعيد أن يختار غريباً فينبو عنه، ويخالف عليه، فأخذ خادمه هاشماً وألبسه جُبَّة وخُفَّين، وعيَّنه للحرم.
ثم لقيه عمر بن صخر، فقال له:
ما الذي نصبت هاشماً له؟
قال سعيد:
خدمة الحرم، لأن الأمير طلب رجلاً قبيح الخلقة.
فقال له عمر:
أليس في أبناء الأطباء قبيح قد حسنت تربيته وطاب مغرسُه يصلح لهذا؟ إنك استرخصت الصنعة. والله إن قويَت يدُه ليرجعنَّ إلى دناءة أصله وخساسة محتده.
فتضاحك سعيد من هذا الكلام.
وتمكَّن هاشم من الحرم يصنعه لهن ما يوافقهن من أدوية الشَّحم والحَبَل وما يُحسَّن اللون ويغزر الشعر، حتى قدّمه النساء على سعيد.
وخرج ابن طولون إلى الشام وقصد الثغور لإصلاحها، ثم عاد إلى أنطاكية، فأدركه إسهال من ألبان الجواميس التي استكثر منها. فالتمس طبيبه سعيداً فأخبره أنه قد خرج إلى ضيعة له بأنطاكية. فتمكَّن غيظه منه. فلما حضر أغلظ له في التأخر عنه، وقال له:
تشغلك ضيعتك عن صحبتي؟ اعلم أنك تسبقني إلى الموت إن كان موتي على فراشي، فإني لا أمكِّنك بالاستمتاع بشيء بعدي.
وأَنِف أن يشكو إليه ما وجده.
فلما خرج قال له إسحاق بن إبراهيم كاتب أحمد بن طولون يعاتبه:
ويحك يا سعيد، أنت حاذق في صناعتك، وليس لك عيب إلا أنك مُدِلٌّ بها. والأمير وإن كان فصيح اللسان فهو أعجميّ الطبع.
فتلطَّف له، وأرفق به، وراعِ حالَه.
فقال سعيد:
والله ما خدمتي له إلا خدمة الفأر للسنور. وإنّ قتلي لأحبّ إليّ من صحبته.
ثم زاد المرض على ابن طولون في الليلة الثانية، فطلب سعيداً فجاءه وقد شرب نبيذاً. فقال له:
أنا من يومين عليل وأنت تشرب النبيذ؟!
فقال:
يا سيدي، طلبتني أمس وأنا في ضيعتي على ما جرت عادتي، وحضرتُ فلم تخبرني بشيء.
قال: فما كان ينبغي أن تسأل عن حالي؟
قال: ظنّك بي يا مولاي سّيء.
قال: فما العمل الساعة؟
قال: لا تقرب شيئاً من الغذاء ولو اشتهيته الليلة وغداً.
قال: أنا والله جائع وما أصبر.
قال: هذا جوع كاذب لبرد المعدة.
ودخلت امرأة ابن طولون عليه، فقالت:
والله يا سيدي ما في أطبائك مثل هاشم.
فقال لها: أحضرينيه سرّاً.
فأدخلته إليه سراً، وشجّعتْه على كلامه. فلما مثل بين يديه نظر في وجه ابن طولون وقال:
اُغْفِل الأمير حتى بلغ إلى هذه الحالة؟! لا أحسن الله جَزَاءَ مَن كان يتولّى أمره!
قال له ابن طولون:
فما الصّواب يا هاشم؟
فناوله دواء ظنَّ معه ابن طولون أن البرء قد تمّ له. قال لهاشم:
أنا أشتهي عصيدة وسعيد يمنعني عنها.
قال:
يا سيدي، أخطأ سعيد، وهي مغذِّية ولها أثر حميد فيك.
فأمر ابن طولون بعملها، وأكل منها، وطاب نفساً ببلوغ شهوته، ونام، وتوهّم أن حاله زادت صلاحاً.
فلما حضر سعيد بعد ذلك، قال له:
ما تقول في العصيدة؟
قال:
هي ثقيلة على الأعضاء، وتحتاج أعضاء الأمير إلى تخفيف عنها.
قال له أحمد:
دعني من هذا الاختلاق! قد أكلتُها ونفعتني والحمد لله.
قال سعيد:
الله المستعان!
قال: فما تقول في السفرجل؟
قال سعيد:
تمصّ منه على خلّو المعدة والأحشاء فإنه نافع.
فلما خرج سعيد أكل طولون سفرجلاً، فوجد السفر جل العصيدة فعصرها فتدافع الإسهال حتى قام أحمد أكثر من عشرة مجالس. فدعا سعيداً فقال:
يا ابن الفاعلة! ذكرتَ أن السفرجل نافع لي، وقد عاد الإسهال!
فقام سعيد، ونظر إلى المادة، ورجع إليه فقال:
هذه العصيدة التي حمدتها وذكرتَ أني غلطت في منعها، لم تزل مقيمة في الأحشاء لا تطيق هضمها لضعف قواها، حتى عصرها السفرجل.
ولم أكن أوصيت بأكله وإنما بمصِّه.
ثم سأله عن مقدار ما أكل منه، فقال:
سفرجلتين.
فقال سعيد:
أكلت السفرجل للشَّبَع، ولم تأكله للعلاج.
فقال ابن طولون:
يا ابن الفاعلة! جلستَ تنادرني وأنت صحيح سويّ وأنا عليل متعب!
ثم دعا بالسياط فضربه مائتي سوط، وأمر بأن يطوفوا به على جَمَل، وأن ينادى عليه:
هذا جزاء من ائتُمِنَ فخان.
ونهب الناس منزله. ومات بعد يومين. ومات ابن طولون في علَّته هذه بعده بقليل.









 


رد مع اقتباس
قديم 2009-06-24, 00:57   رقم المشاركة : 122
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 59



القرآن وكلام الصاحب بن عبّاد
ناظر الوزيرُ الصاحبُ بن عباد(1) يهودياً، وهو رأس الجالوت، في إعجاز القرآن. فراجعه اليهوديّ فيه طويلاً حتى احتدَّ الصاحب وكاد ينقدّ. فلما رأى اليهودي منه ذلك احتال طلباً لمداراته فقال:
أيها الصاحب، لم تتَّقد وتلتهب؟ كيف يكون القرآن عندي آيةً ودلالةً على النبَّوة، ومعجزةً من جهة نظمه وتأليفه؟ فإن كان البلغاء، فيما تدّعي، عنه عاجزين، فأنا أصْدُقْ عن نفسي وأقول إن رسائلك وكلامك وما تؤلفه من نظم ونثر هو عندي فوق ذلك أو مثل ذلك أو قريب منه. وعلى كل حال فليس يظهر لي أنه دونه!
فلما سمع ابن عباد هذا فّتّر وخَمَد، وسكن عن حركته، وقال:
ولا هكذا أيضاً يا شيخ. كلامُنا حسن بليغ، وقد أخذ من الجزالة حظاً وافراً، ومن البيان نصياً ظاهراً، ولكن القرآن له المزية التي لا تُجهل!
هذا كله يقوله وقد تراجع مزاجُه، وصارت نارُه رماداً، مع إعجاب شديد قد شاع في أعطافه، وفرح غالب قد دبَّ في أسارير وجهه، لأنه رأى كلامه شُبْهةً على اليهود مع سعة حيلهم، وشدّ جدالهم، وطول نظرهم، وثباتهم لخصومهم، فكيف لا يكون شبهة على النصارى وهم ألين من اليهود عريكة، وأكثرهم تسليماً؟!



(1) الصاحب بن عباد (938 – 995) ولي الوزارة أيام دولة البوبهيين وكان لغوياً أدبياً.









رد مع اقتباس
قديم 2009-06-24, 01:24   رقم المشاركة : 123
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 60

في هذه الدنيا من هو أجود منك
قال معن بن زائدة:
لما انتقلت الدولة إلى بني العباس، جَدَّ المنصورُ في طلبي، وجعل لمن يحملني إليه مالاً. فاضطررت لشدّة الطلب إلى أن تعرّضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخَفَّفتُ عارضي(1)، ولبست جبّة صوف، وركبت جملاً، وخرجت متوجهاً إلى البادية لأقيم بها.
فلما خرجتُ من باب حرب، وهو أحد أبواب بغداد، تبعني أسود متقلَّد بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس، قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض على يدي. فقلت له: ما بك؟
فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين.
فقلت: ومن أنا حتى أُطلب.
قال: أنت معن بن زائدة.
فقلت له: يا هذا، اتّق الله، وأين أنا من معن؟
فقال: دع هذا، فو الله إني لأعرفُ بك منك.
فلما رأيت منه الجد. قلت له:
هذا جوهر قد حملته معي بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي فخذه ولا تكن سبباً في سفك دمي.
قال: هاته.
فأخرجته إليه، فنظر فيه ساعة وقال:
صدقتَ في قيمته، ولستُ قابلَه حتى أسألك عن شيء، فإن صَدَقتني أطلقتك.
فقلت: قل.
قال: إن الناس قد وصفوك بالجود. فأخبرني: هل وهبتَ مالك كله قط؟
قلت: لا.
قال: فنصفه؟
قلت: لا.
قال: فثلثه؟
قلت: لا.
حتى بلغ العُشر، فاستحييت وقلت:
أظن أني فعلتُ هذا.
قال: وما ذاك بعظيم. أما عني فرزقي من الخليفة كل شهر عشرون درهماً. وهذا الجوهر قيمته ألوف الدنانير. وقد وهبتهُ لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أن في هذه الدنيا من هو أجود منك. فلا تُعجبك نفسك، ولتحقر بعد هذا كلَّ جود فعلتَه، ولا تتوقَّف عن مكرمة.
ثم رمى العقد في حجري، وترك خطام الجمل، وولّى منصرفاً.
فقلت:
يا هذا، قد والله فضحتني، ولَسَفْكُ دمي أهونُ عليّ مما فعلتَ. فخذ ما دفعتُه لك فإني غنيّ عنه.
فضحك وقال:
أردتَ أن تكذبني في مقالي هذا؟ والله لا أخذتُه ولا آخذ لمعروف ثمناً أبداً.
ومضى سبيله.
فو الله طلبتُه بعد أن أمنت ووليت بلاد اليمن، وبذلت لمن يجيء به ما شاء، فما عرفتُ له خبراً، وكأن الأرض ابتلعته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1) العارض: الشعر على صفحة الخد.









رد مع اقتباس
قديم 2009-06-30, 08:02   رقم المشاركة : 124
معلومات العضو
mouhab_23
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية mouhab_23
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا اخي هل من مزيد .........










رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:29   رقم المشاركة : 125
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mouhab_23 مشاهدة المشاركة
شكرا اخي هل من مزيد .........

السلام عليكم
العفو أخي
الأكيد فيه المزيد حتى نصل إن شاء الله إلى القصة رقم 100
ولكن أعتذر إن تأخرت في اتمام ما بقي لأن النات هذه الأيام ثقيلة ولست أدري ما سبب









رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:32   رقم المشاركة : 126
معلومات العضو
الصمت الراعد
عضو جديد
 
الصورة الرمزية الصمت الراعد
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم اخي فارس الجزائر لقد اعجبني مقترح حكاية لكل يوم فشكرالك مرتين الاولى لاختيارك الموفق والمفيد و الثانية لايثارك ان تشاركنا بما يفيدنا على ان تحتكر الافادة على نفسك.احبك في الله والى الملتقى










رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:37   رقم المشاركة : 127
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse فخر الدِّين الرازي وتلميذه العلويّ

القصة رقم 61


فخر الدِّين الرازي وتلميذه العلويّ
حدّث النسّابة إسماعيل بن الحسين العلوي، قال:
ورد فخر الدين الرازي(1) إلى مَرْو. وكان من جلالة القدر، وعِظَم الذِّكر، وضخامة الهيبة، بحيث لا يُراجَع في كلامه، ولا يتنفّس أحد بين يديه.
فتردّدت للقراءة عليه. فقال لي يوماً:
أُحبّ أن تُصنِّفَ لي كتاباً لطيفاً في أنساب الطالبيين(2) لأنظر فيه وأحفظَه.
فصنّفتُ له المصنَّف الفَخْري. فلَما ناولته إياه، نزل عن مقعده وجلس على الحصير، وقال لي:
اجلس على هذا المقعد!
فأعظمتُ ذلك وأبيت، فانتهرني نهرةً عظيمة مزعجة، وزعق عليّ وقال:
اجلس حيث أقول لك!
فتداخلني من هيبته ما لم أتمالك إلا أن جلست حيث أمرني. ثم أخذ يقرأ في كتابي وهو جالس بين يديّ، ويستفهمني عما استغلق عليه، إلى أن أنهاه قراءة. فلما فرغ منه قال:
اجلس الآن حيث شئت، فإن هذا عِلمٌ أنت أستاذي فيه، وأنا أستفيد منك واُتلمذ لك. وليس من الأدب أن يجلس التلميذ بين يدي الأستاذ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فخر الدين الرازي: متكلم وفيلسوف ومفسر للقرآن، توفي عام 1209م. له (شرح الاشارات لابن سينا) و( المباحث الشرقية) وتفسير مشهور هو (مفاتيح الغيب) حاول فيه التوفيق بين الفلسلفة والدين.

(2) الطالبيون: آل عليّ بن أبي طالب.









رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:42   رقم المشاركة : 128
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 62

يرضيك هذا
سار الملك محمد بن سلطان محمود إلى بغداد ليحصرها، ودار القتال على باب البلد. فأمر الخليفة المقتفي فنودي ببغداد:
كل من جُرح في القتال فله خمسة دنانير.
فكان كل من جُرح يوصل ذلك إليه. وحضر بعض العامة عند الوزير مجروحاً، فقال له الوزير:
هذا جرح صغير لا تستحق عليه شيئاً.
فعاد الرجل إلى القتال، فضُرب في جوفه فخرجت أمعاؤه، فعاد إلى الوزير، فقال له:
يا مولانا الوزير، يُرضيك هذا؟!
فضحك منه، وأمر له بِصِلة.









رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:46   رقم المشاركة : 129
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 63


ما عندنا سُكَّر.
قيل للمأمون إن بني عليّ بن صالح صاحب المُصلّى فُجار سفهاء، فقال المأمون لعليّ:
أحضرْني أولادك.
فلما دخلوا وسلَّموا، قال المأمون:
قبّحكم الله! تركتم الأدب، وآثرتم المجونَ والسَّفَه. هذا وأبوكم أحد العلماء والفقهاء الذين يُرتّضى برأيهم، ويُستضاء بهدْيهم!
ثم أقبل على الوالد فقال له:
ما الذنب إلا لك، لأنك أهملتَهم حتى تَتَايَعُوا في غيهم وتركوا ما كان أوْلَى بهم وبك.
قال:
مالي عليهم قدرة ولا طاعة، ولاسيما هذا الكبير فإنه أفسدّهم وزيّن لهم سوءَ أعمالهم.
فأطرق الكبيرُ وأمسك. فقال له المأمون:
تكلّم!
فقال:
يا أمير المؤمنين، أتكلّم بلساني كلِّه، أم كما يتكلم العبدُ الذليل بين يدي مولاه، تاركاً لحجته، وهائباً لسيّده؟
قال: تكلم بما عندك.
قال: هل أحمدتَ رأي أبينا كما أحمدتَ فهمَه وعلمَه؟
قال: نعم.
قال:
أعتق ما أملك، وعليّ ثلاثون حِجَّة إن لم يكن أبي هذا قد طلب يوماً سُكَّراً فلم يوجد في خزانته منه شيء، ولم يكن الوقت وقتاً فيه بائع ولا سكّر. فقال له خازنه:
ما عندنا سكر.
قال: اُدْعُ لي الوكيل.
فدعاه، فقال:
ما منعك إذ فَنِيَ السكر أن تبتاع لنا سكّراً؟
قال: ما أعلمني الخازن.
فقال أبي للخازن: لِمَ لَمْ تُعْلِمْه؟
قال: كنتُ على ذلك .....
فقال: ما ها هنا ما هو أبلغ في عقوبتكما من أن أقوم على إحدى رِجْلَيّ ثم لا أضع الأخرى على الأرض ولا أرواح بينهما حتى تُحضِراني ألفَ مَنًّ سكّراً من الجنس الذي أفضله، ليس بوسخ ولا مُضَرَّس ولا ليِّن المكسر ولا مُعْوَج القالب!
ثم وثب وقال:
والله ثم والله لا أزال قائماً حتى أوفِّي بنذري!
فتبادر غلمانه ومواليه وبعض ولده وعجائزه نحو السوق، فواحدٌ يُنَبِّه حارساً، وآخر يفتح دَرْباً، وآخر يوقظ نائماً، والغلمان والخُزَّان والجواري والحراس في مثل يوم القيامة ! ثم قال:
يا قوم، أما لي من أهلي مساعد؟ أين البناتُ اللواتي كنتُ أَغْذُوهن لبنَ الطعام؟ أين أمهات الأولاد ملكْن الرغائب بعد الحال الخسيسة؟
أين الأولاد الذكور الذين لهم نسعى ونغدو ونروح؟!
فتبادر إليه بناته وأمهات أولاده، فقامت كل واحدة منهن على ساق.
فقال:
أحسنتُنَّ والله. أحسن الله جزاءكن عن بِركُن. لمثل هذا كنتُ أُعِدُّكن!
ولاحظ الكبرى من بناته وآخر من بينه وهما يُراوحان بين أقدامهما، فقال لهما:
تُراوحان ولا أُراوح! صدق الله العظيم وبلّغ رسوله الكريم قال:
(إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم).
ثم قال: هليّ بن صالح ليس في خزانته سكّر وجائزته من أمير المؤمنين ثلثمائة ألف، وضيعته تغلُّ مائة ألف؟! أجل الله ! إذا كان وكيلي مشغولاً بزوجته وبناته ومصالح أمره، فمتى يفرُغُ للنظر في مصالح خزانتي؟!
والله لقد حُدِّثْتُ أن حُليّ بناته بألوف الدنانير، وأنه قال لزوجته: اخرجي إلى الأعياد، وادخلي الأعراس، واسألي عن الرجال المذكورين، واطلبي المواضع المعروفة، والأنساب المرضية، والأخلاق الكريمة لبناتك، وأَخْرِجيهن في الجُمُعات يتصفَّحن محاسن العُزّاب، ويخترن أُولي الأنساب!
ثم قال: يا قوم، ما الذي حرّكنا هكذا في جوف الليل؟
فقالوا: السُّكَّر!
قال: أجل! وما أحضرتموني السكر إلى هذه الغاية! تَبَادَروني فقد تعبتُ من طول القيام! ويلكم، أدركوني فإني أريد نومةً ولا بد من البكور نحو الدار.
فبادر بقية الخدم يستحثّون الأُوَل، وأخذوا السكر فجاءوا به من غير وزن ثمة ولا تقرير سعره طَلَباً للسرعة.
قالوا: ما أمرتَ به.
قال: فهل أخذتموه من الجنس الذي طلبت؟
قالوا: نعم.
قال: فهل وزنتموه؟
قالوا: لا.
قال: يا أعداء الله، أردتم أن تُوقعوا أذيّتي؟ والله لا أزال على حالي حتى تأخذوه بيعاً صحيحاً لا شرط فيه ولا خيار. هيهات، يأبى الله ذلك وعلي بن صالح!
فرجعوا وقطعوا ثمنه مع التجار، ووزنوا لهم ثمنه، وعادوا إليه فأخبروه بذلك. فقال:
يوزن بحضرتي!
فجاءوا بالقبّان ليزنوا السكّر، وهو يقول:
ويلكم، عجِّلوا فقد دنا الصبح! أوه، جاءت والله نفسي أو كادت! فلما استوفى الوزن خرَّ مغشياً عليه، وكذلك كانت حال من كان معه في مثل حاله، فما انتبه واحد منهم لفريضة ولا نافلة إلا بحرِّ الشمس.
فهذه يا أمير المؤمنين حالُ من أَحْمَدْتَ علمَه وفهمه ورأيه وفقهه!
فقال له المأمون:
والله لئن كنتَ ولَّدْتَ هذا على أبيك في مقامك هذا فما لك في الأرض نظير، وإن كنتَ حكيتَ حقاً فما في الدنيا لأبيك شبيه!
وأراد عليّ بن صالح أن يتكلم، فقال له المأمون:
إيّْاك أن تنبسَ بحرف!
ثم أمرهم بالانصراف.












رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:53   رقم المشاركة : 130
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 64


صهيب والجلاد
جُلد صُهيب المدينيّ في الشراب. وكان طويلاً جسيماً، وكان الجلاّد قصيراً قميئاً. فقال الجلاد له:
تقاصرْ لينالك السَّوْط!
فقال:
يا ابن الفاعلة! إلى أكل الفالوذج(1) تَدْعوني؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفالوذج: حلواء من الدقيق والماء والعسل، وتصنع الآن من الِّشا والماء والسكر.









رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 01:56   رقم المشاركة : 131
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 65

الاختزال
لليونانيين قلم يعرف بالساميا، ولا نظير له عندنا. فإن الحرف الواحد منه يحيط بالمعاني الكثيرة، ويجمع عدة كلمات. قال جالينوس:
كنت في مجلس عام، فتكلمت في التشريح. فلما كان بعد أيام لقيني صديق لي، فقال إن فلاناً يحفظ عليك في مجلسك العام أنك تكلمت بكذا وكذا، وأعاد عليّ ألفاظي بعينها. فقلت: من أين لك هذا؟
قال: إني التقيت بكاتب ماهر بالساميا، فكان يسبقك بالكتابة في كلامك.
وهذا القلم يتعلمه الملوك وجلّة الكتّاب ، ويمنع منه سائر الناس لجلالته. وقد جاءنا من بعلبك رجل متطبّب زَعَم أنه يكتب بالساميا.
فجرّبنا عليه ما قال، فرأيناه إذا تكلمنا بعشر كلمات أصغى ثم كتب كلمة. فاستعدناها فأعادها بألفاظنا.
وللصين كتابة يقال لها كتابة المجموع؛ وهي أن لكل كلام يطول شكلاً من الحروف يأتي على المعاني الكثيرة. فإن أرادوا أن يكتبوا ما يكتب في مائة ورقة، كتبوه في صفحة واحدة.
قال محمد بن زكريا الرازي:
قصدني رجل من الصين، فأقام بحضرتي نحو سنة، تعلم فيها العربية كلاماً وخطاً في مدة أشهر حتى صار فصيحاً حاذقاً سريع اليد. فلما أراد الانصراف إلى بلده، قال قبل ذلك بشهر:
إني على الخروج، وأحبُّ أن تُملي عليَّ كتب جالينوس الستة عشر لأكتبها.
فقلت:
لقد ضاق عليك الوقت، ولا يفي زمانُ مقامك لنسخ قليل منها.
فقال الفتى:
أسألك أن تهب لي نفسك مدة مقامي، وتملي عليّ بأسرع ما يمكنك، فإني أسبقك بالكتابة.
فتقدّمت إلى بعض تلاميذي بالاجتماع معنا على ذلك، وكنا نملي عليه بأسرع ما يمكننا، فكان يسبقنا. ولم نصدّقه إلا في وقت المعارضة، فإنه عارض بجميع ما كتبه.
وسألته عن ذلك فقال:
إن لنا كتابة تعرف بالمجموع، فإذا أردنا أن نكتب الشيء الكثير في المدة اليسيرة كتبناه بهذا الخط، ثم إذا شئنا نقلناه إلى القلم المتعارف والمبسط.










رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 02:00   رقم المشاركة : 132
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 66

أعوذ بالله وأبرأ إليه من الهندسة
قال أحمد بن الطيّب:
إن صديقاً لابن الكاتب يُكْنَى أبا عبيدة قال له ذات يوم:
إنك رجلٌ – بحمد الله ومَنِّه- ذو أدب وفصاحة وبراعة وبلاغة؛ فلو أكملتَ فضائلَك بأن تُضيف إليها معرفةَ البُرهان القياسيّ، وعلمَ الأشكال الهندسية الدالَّة على حقائق الأشياء، وقرأتَ أقليدس وتدبّرته.
فقال له ابن ثوابة: وما أقليدس؟
قال له: رجل من علماء الروم يُسمَّى بهذا الاسم، وضَع كتاباً فيه أشكال كثيرة مختلفة تدل على حقائق الأشياء المعلومة والمُغيَّبة، يشحذ الذهن ويدقِّق الفهم.
قال ابن ثوابة: وكيف ذلك؟
قال: لا تعلم كيف هو حتى تشاهد الأشكال وتُعاين البرهان.
قال له: فافعل ما بدا لك.
فأتاه برجل يقال له قُويرى مشهور مُقدَّم.
فعجبتُ من ذلك، وكتبتُ إلى ابن ثوابة رقعةً نُسْخَتُها:
( اتصل بي أن رجلاً من إخوانك أشار عليك بتكميل فضائلك وتقويتها بمعرفة شيء من القياس البرهاني، وطمأنينتك إليه، وأنك أصغيت إلى قوله وأذِنتَ له، وأنه أحضَرك رجلاً هو مَعْدِن من معادن الكفر، وإمامٌ من أئمة الشّرك، يُخادعك على عقلك الرصين، ويُنازلك في ثقافة فهمك المتين. فأجبتُ استعلام ذلك على كنهه من جهتك).
فأجابني ابنُ ثوابة برُقعة نُسختُها:
( وصلتْ رقعتُك فحواها، والخبر كما اتّصل بك. فإن أبا عبيدة – عليه لعنة الله – بِنَحْسِه ودسّه، اغتالني لِيكْلمَ ديني من حيث لا أعلم، وينقُلني عما اعتقده من الإيمان بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه، فَوَطَّدَ لي الزندقة بتزيينه الهندسة، وأنه يأتيني برجل يفيدني علماً شريفاً تكمل به فضائلي – فيما زعم -، فقلتُ عسى أن أُفيدَ به براعةً في صناعة، أو كمالاً في مُروّة، أو نُسكاً في دين، أو فَخَاراً عند الأكْفاء.
فأجبتُه بأن هلُمَّ به! فأتاني براهب شاخص النظر، محزوم الوسط. فاستعذتُ بالرحمن، ومجلسي قد غَصَّ بالأشراف من كل الأطراف، كلُّهم يرمقُه ويعظِّمه ويحييه، والله محيط بالكافرين.
فأخذ مجلسه ولَوَى أشداقه وفتَح أوساقه. فقلت له:
بلغني أن عندك معرفةً بالهندسة. فهلمَّ أفِدنا منها عسى أن يكون عَوْناً لنا على دين أو دنيا، ومفيداً نسكاً وزهداً (فذلك هو الفوز العظيم).
قال: فأَحِضرني دواةً وقرطاساً.
فأحضرتهما. فأخذ القلم ونقط نقطة كأصغر من حبّة الذَّر. وأقبل عليَّ فقال:
إن هذه النقطة شيءٌ ما لا جزءَ له.
فقلت: أَضْلَلْتَني وربِّ الكعبة! وما الشيء الذي لا جزء له؟
فقال: كالبسيط.
فأذهلني وحيّرني لأنه أتاني بلغة ما سمعتُها من عربي ولا عجمي، وقد أحطت علماً بلغات العرب، وصرتُ فيها إلى ما لا أحسِبُ أحداً يتقدمني إلى المعرفة به.
فقلت له: وما الشيء البسيط؟
فقال: كالله تعالى، وكالنفس.
فقلت له: إنك من الملحدين. أتضرِبُ لله أمثالاً والله تعالى يقول: ( فلا تضرِبوا لله الأمثال)؟ لعن الله مرشداً أرشدني إليك، وأبرأُ إليه منكم ومما تُلحِدون، والله وليّ المؤمنين، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
فلما سمع مقالتي استخفّه الغضب فقال:
إني أرى فصاحة لسانك سبباً لعُجمة فهمك، وتَذَرُّعَك بقولك آفة من آفات عقلك!
فلولا من حضر المجلسَ وإصغاؤهم إليه مستصوبين أباطيلَه، لأمرتُ بسلِّ لسانه اللُّكَع الأَلكن.
وأمرتُ بإخراجه إلى حرّ نار الله وغضبه ولعنته.
فنظرتُ إلى أَمارات الغضب في وجوه الحاضرين، فقلت:
ما غضبُكم لنصراني يشرك بالله ويتَّخذ له من دونه أنداداً ويلعن بالإلحاد؟
فقال لي رجل منهم: إنه إنسان حكيم.
فغاظني قوله وقلت: لعن الله حكمةً مشوبةً بكفر.
فقال لي آخر: إن عندي مسلماً يتقدم أهل هذا العلم.
فرجوت – مع ذكره الإسلامَ – خيراً. فقلت: ائتني به.
فأتاني برجل قصير مجدور، أخفش العينين، قبيح الزّيّ. فسلّم فرددتُ عليه السلام. وقلتُ له: ما اسمك؟
قال: أبو يحيى.
فتفاءلتُ بملَك الموت عليه السلام، وقلت: اللهم إني أعوذ بك من الهندسة، فاكفني اللهم شرّها فإنه لا يصرف السوءَ إلا أنت. وقرأت ( الحمد) و(المعَوِّذَتَيْن) و(قل هو الله أحد) ثلاثاً. وقلت له:
إن صديقاً لي جاءني بنصراني يتَخذ الأنداد، ويدّعي أن لله الأولاد، ليُغوِني ويستفزّني، (ولولا رحمةُ ربي لكنتُ من المُحْضرِين). فصرفتُه أقبح صرف. ثم ذُكِرْتَ لي، فرجوتُ – بذكر إسلامك – خيراً. فهلمّ أفِدنا شيئاً من هندستك ما يكون لنا سبباً إلى رحمة الله، ووسيلة إلى غفرانه، فإنها أريحُ تجارة وأَعوَذُ بضاعة.
فقال: أحضرني دواةً وقرطاساً.
فقلت: أتدعو بالدواة والقرطاس وقد بُليت منهما ببلية؟
قال: وكيف كان ذلك؟
فقلت له: إن النصراني نَقَط لي نقطة كأصغر من سَمّ الخِياط، وقال لي إنها معقولة كربك الأعلى. فوالله ما عدا فرعون في إفكه وكفره.
فقال لي: فإني أعفيك. لعن الله قُوَيْرَى! وهل بلغتَ أنتَ تعرِفَ النقطة؟!
فقلت: استجهلني ورب الكعبة، وقد أخذتُ بأزِمَة الكتابة ونهضتُ بأعبائها، يقول لي لا تعرف فحوى النقطة!
ودعا بغلامه وقال: اثني باتَّخت! فأتاه. ثم أخرج من كُمّه مِيلاً(1) عظيماً فظننته متطبِّباً. فقلت له:
إن أمرَك لَعجب. أَتَفْقَأ به الأعين؟
فقال: إنما أخطّ به الهندسة على هذا التخت.
فقلت له: إنك وإن كنت مبايناً للنصراني في دينه، إنك لمؤازِرُه في كفره. أتخطّ على تخت بميلك لتميل بي إلى الكذب باللوح المحفوظ وكاتبيه الكرام؟ أإيّاي تستهوي؟ أم حَسِبْتَني ممن يهتز لمكايدكم؟
فقال: لستُ أذكر لك لوحاً محفوظاً ولا مضيَّعاً، ولا كاتباً كريماً ولا لئيماً، ولكني أخُطّ به الهندسة، وأقيم عليها البرهان بالقياس.
فقلت: اخطُط.
وأخذ يخطُّ وقلبي مُرَوَّع يَجب وَجيباً.
فقال لي: إن هذا الخط طولٌ بلا عرض.
فتذكرتُ صراطَ ربي المستقيم، وقلت له:
قاتلك الله! أتدري ما تقول؟ تعالى صراطُ ربي عن تخطيطك وتشبيهك وتضليلك. أحسبتني غبياً لا أعلم ما في باطن ألفاظك ومكنون معانيك؟ والله ما خططتَ الخط وأخبرتَ أنه طول بلا عرض إلا حيلةً بالصراط المستقيم الذي هو أدقُّ من الشَّعَر لتُزِلّ قدمي عنه، وأن تُرديني في نار جهنم.
أعوذ بالله وأبرأ إليه من الهندسة، ومما تَدُلّ عليه وترشد إليه. وإني بريء من المهندسين وما يُسِرُّن، ومما به يعملون. قم إلى لعنة الله وغضبه!
وأمرتُ بسحبه فسُحب إلى أليم عذاب الله، ونار ( وقودها الناس والحجارة). ثم أخذتُ قرطاساً وكتبتُ بيدي يميناً ليست لها كفَّارة، ألاَّ أنظر في الهندسة أبداً، ولا أطلبها، ولا أتعلمها من أحد سراً ولا جهراً؛ وأكَّدتُ بمثل ذلك على ذرّيتي وعلى ذرّية ذريتهم أن لا ينظروا فيها، ولا يتعلموها ما قامت السنواتُ والأرض، إلى أن تقوم الساعةُ ( ليمقاتِ يومٍ معلوم).
والسلام.).
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الميل: آلة للجراح يختبر بها الجرح. والمقصود هنا الفرجار.









رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 02:52   رقم المشاركة : 133
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 67


نَعْلُ الفَرّاء
كان الفراء أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. وكان المأمون قد وكل الفراء يُلقِّن ابنيه النحو. فلما كان يوماً أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدّمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فرداً، فقدّماها.
وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك الخبر إليه.
فوجه إلى الفراء فاستدعاه. فلما دخل عليه قال:
مَن أَعزُّ الناس؟
قال: ما أعرفُ أعزَّ من أمير المؤمنين.
قال: بلى، مَن إذا نهض تَقاتلَ على تقديم نعليه وَليَّا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فرداً.
قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردتُ منعَهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرومة سبقا إليها.











رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 03:16   رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 68

العامَّة والأنعام
كان المأمون قد همَّ يلعن معاوية بن أبي سفيان. فمنعه عن ذلك يحيى ين أكثم، وقال له:
يا أمير المؤمنين، إن العامة لا تحتمل هذا، دعهم على ما هم عليه، ولا تُظهر لهم أنك إلى فرقة من الفِرَق، فإن ذلك أصلحُ في السياسة.
فركن المأمون إلى قوله.
فلما دخل عليه ثُمامة بن الأشرس، قال له المأمون:
يا ثُمامة، قد علمتَ ما كنا دبَّرناه في معاوية، وقد عارضَنا رأيّ أصلح في تدبير المملكة، وأبقَى ذكراً في العامة.
ثم أخبره أن يحيى خوّفه إياها.
فقال ثمامة:
يا أمير المؤمنين، والعامة عندك في هذا الموضع الذي وضعها فيه يحيى؟! والله ما رضي الله أن سوّاها بالأنعام حتى جعلها أضلّ سبيلاً، فقال تبارك وتعالى: ( أم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرهم يسمعون أو يعقلون. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً ). والله لقد مررتُ منذ أيام في شارع الخُلد، فإذا إنسانٌ قد بسط كِساءَه وألقى عليه أدوية وهو قائم ينادي:
هذا الدواء للبياض في العين والغشاوة وضعف البصر.
وإن إحدى عينيه لَمطموسة والأخرى مُؤْلَمَة. والناس قد انثالوا عليه، واحتفلوا إليه يستوصفونه. فنزلت عن دابتي، ودخلتُ بين تلك الجماعة فقلت:
يا هذا، أرى عينيك أحوجَ الأعين إلى العلاج، وأنت تصف هذا الدواء وتخبر أنه شفاء، فما بالك لا تستعمله؟!
فقال:
أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة ما رأيتُ شيخاً قط أجهل منك ولا أحمق!
قلت: وكيف ذلك؟
قال: يا جاهل، أتدري أين اشتكت عيني؟
قلت: لا.
قال: بمصر!
فأقبلت عليّ الجماعة فقالت:
صدق الرجل. وأنت جاهل!
وهمّوا بي. فقلت:
والله ما علمتُ أن عينه اشتكت بمصر.
فما تخلَّصتُ منهم إلا بهذه الحجّة!










رد مع اقتباس
قديم 2009-07-06, 03:19   رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 69



تأديب أحمد بن طولون لولده
قال عبد الله بن القاسم كاتب العباس بن أحمد بن طولون:
بعث إليّ أحمد بن طولون بعد أن مضى من الليل نصفُه، فوافيتُه وأنا منه خائف مذعور.
ودخل الحاجب بين يديّ وأنا في أثره، حتى أدخلني إلى بيت مظلم، فقال لي:
سلِّم على الأمير!
فسلَّمت. فقال لي ابن طولون من داخل البيت وهو في الظلام:
لأي شيء يصلح هذا البيت؟
قلت: للفكر.
قال: ولم؟
قلت: لأنه ليس فيه شيء يشغل الطرف بالنظر فيه.
قال: أحسنت! امض إلى ابني العباس، فقل له: يقول لك الأمير اغدُ عليّ. وامنعه من أن يأكل شيئاً من الطعام إلى أن يجيئني فيأكل معي.
فقلت: السمع والطاعة.
وانصرفت، وفعلتُ ما أمرني به، ومنعته من أن يأكل شيئاً.
وكان العباس قليل الصبر على الجوع، فرام أن يأكل شيئاً يسيراً قبل ذهابه إلى أبيه، فمنعته. فركب إليه، وجلس بين يديه. وأطال أحمد بن طولون عمداً، حتى علم أن العباس قد اشتدَّ جوعه. وأُحضرت مائدة ليس عليها إلا البوارد من القبول المطبوخة، فانهمك العباس في أكلها لشدَّة جوعه، حتى شبع من ذلك الطعام، وأبوه متوقف عن الانبساط في الأكل.
فلما علم بأنه قد امتلأ من ذلك الطعام، أمرهم بنقل المائدة، وأُحضر كل لون طيّب من الدجاج والبط والجدي والخروف، فانبسط أبوه في جميع ذلك فأكل، وأقبل يضع بين يدي ابنه منه، فلا يمكنه الأكل لشبعه.
قال له أبوه: إنني أردت تأديبك في يومك هذا بما امتحنتك به. لا تُلق بهمَّتك على صغار الأمور بأن تسهِّل على نفسك تناول يسيرها فيمنعك ذلك من كبارها، ولا تشتغل بما يقلّ قدرُه فلا يكون فيك فضلٌ لما يعظم قدرُه.









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:51

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc