حكم تخصيص علي بن أبي طالب بقولنا: عليه السلام
السؤال:
لي أقارب مبتدعة ، وقد وفقني الله لدعوتهم ، وأجد فيهم استجابة ، وأشكل علي انتقاد إحدى الداعيات لي أني عندما أخاطبهم أقول لهم في كلامي عن فاطمة أو علي أو الحسنين : " عليهم السلام " .
علما أن هذه اللفظة مما يستبشر بها أهلي الذين هم على غير السنة ، وقد تكون باب هداية لهم ، حيث حبهم الشديد لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
فهل يجوز لي استخدام قول "عليه السلام" من باب تأليف قلوبهم ودعوتهم ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف العلماء في الصلاة أو السلام على غير الأنبياء استقلالا ، فكره ذلك أبو حنيفة ومالك وجماعة من السلف ، ورخص فيه أحمد وغيره .
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على هذه المسألة في كتابه "جلاء الأفهام" ص 465- 482
ولخص السفاريني رحمه الله كلامه فقال : " مطلب : هل تجوز الصلاة والسلام على غير الأنبياء استقلالا أم لا ؟
( تنبيهات ) : الأول : اختلف العلماء في الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل تجوز استقلالا أم لا ؟
فقال ابن القيم في جلاء الأفهام : " هذه المسألة على نوعين , أحدهما أن يقال اللهم صل على آل محمد , فهذا يجوز ، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلا في آله ؛ فالإفراد عنه وقع في اللفظ لا في المعنى .
( الثاني ) أن يفرد واحدا بالذكر ، كقوله اللهم صل على عليٍّ ، أو حسن ، أو أبي بكر ، أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم ,
فكره ذلك مالك , قال : لم يكن ذلك من عمل من مضى , وهو مذهب أبي حنيفة وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وبه قال طاوس . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تنبغي الصلاة إلا على النبي صلى الله عليه وسلم
ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز . روى ابن أبي شيبة عن جعفر بن برقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز : ( أما بعد
فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاء كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة ) .
وهذا مذهب أصحاب الشافعي . ولهم ثلاثة أوجه : أنه منع تحريم ، أو كراهة تنزيه ، أو من باب ترك الأولى ، وليس بمكروه , حكاها النووي في الأذكار .
وقالت طائفة من العلماء : تجوز الصلاة على غير النبي استقلالا . قال القاضي أبو حسين الفراء ، من أئمة أصحابنا [ يعني : الحنابلة ] في رءوس مسائله : وبذلك قال الحسن البصري وحصيف ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير , وهو قول الإمام أحمد رضي الله عنه ، نص عليه في رواية أبي داود
وقد سئل : أينبغي أن يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال : أليس قال علي لعمر : صلى الله عليك ؟ قال القاضي : وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبري , واحتج هؤلاء بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة .
واختار ابن القيم الجواز ما لم يتخذه شعارا ، أو يخص به واحدا إذا ذكر دون غيره ولو كان أفضل منه , كفعل الرافضة مع علي دون غيره من الصحابة فيكره , ولو قيل حينئذ بالتحريم لكان له وجه , هذا ملخص كلامه .
الثاني : هل السلام كالصلاة ، خلافا ومذهبا ، أو ليس إلا الإباحة ؛ فيجوز أن يقول السلام على فلان ، وفلان عليه السلام ؟
أما مذهبنا فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم استقلالا بالأولى
. وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجويني فمنع أن يقال فلان عليه السلام . وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا : السلام يشرع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب ,
فإنك تقول بلغ فلانا مني السلام , وهو تحية أهل الإسلام ، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا يقول المصلي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
الثالث : الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة جائزة بطريق التبعية بلا خلاف , مثل أن يقول : اللهم صل على سيدنا محمد وعلى صاحبه في الغار , وعلى الفاروق ممصر الأمصار
, وعلى عثمان ذي النورين الذي بايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم باليسار , وعلى علي الكرار , وعلى السبطين خلاصة الأنوار , وعلى العمين لا سيما أسد الله من فرج الكرب عن وجه النبي المختار "
انتهى من "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (1/ 32) .
وقال النووي رحمه الله في "الأذكار" ص 118 :
" قال أصحابنا : والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا : عز وجل ، مخصوص بالله سبحانه وتعالى ، فكما لا يقال : محمد عز وجل - وإن كان عزيزا جليلا - لا يقال : أبو بكر أو علي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان معناه صحيحا.
وأما السلام ، فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا : هو في معنى الصلاة ، فلا يستعمل في الغائب ، فلا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال : علي عليه السلام ، وسواء في هذا الأحياء والأموات" انتهى مختصرا .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يُفرد علي رضي الله عنه بأن يقال " عليه السلام " من دون سائر الصحابة أو " كرم الله وجهه "
وهذا وإن كان معناه صحيحا ، لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك ؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، والشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم "
انتهى من" تفسير ابن كثير " ( 3 / 517).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
" أثناء اطلاعي على موضوعات كتاب : ( عقد الدرر في أخبار المنتظر ) ، في بعض الروايات المنقولة عن علي بن أبي طالب أجدها على النحو التالي : عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يخرج رجل من أهل بيتي في تسع رايات » ما حكم النطق بهذا اللفظ أعني ( عليه السلام ) ، أو ما يشابهه لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فأجاب : لا ينبغي تخصيص علي رضي الله عنه بهذا اللفظ ، بل المشروع أن يقال في حقه وحق غيره من الصحابة : رضي الله عنه ، أو رحمهم الله ؛ لعدم الدليل على تخصيصه بذلك
وهكذا قول بعضهم : كرم الله وجهه ، فإن ذلك لا دليل عليه ولا وجه لتخصيصه بذلك ، والأفضل أن يعامل كغيره من الخلفاء الراشدين ، ولا يخص بشيء دونهم من الألفاظ التي لا دليل عليها "
انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (6/ 399).
فتحصّل من هذا أنه لا ينبغي تخصيص علي رضي الله عنه أو أحد من الصحابة بالصلاة أو السلام عليه عند ذكره ، وذلك لأمور :
الأول : عدم الدليل على التخصيص .
الثاني : أنه يوحي بأفضليته على غيره ، وقد يوجد من هو أفضل منه كما هو الحال مع علي وأبي بكر وعمر ، فإنهما أفضل منه اتفاقا .
الثالث : أن التخصيص أصبح شعارا لأهل البدع ، فلا ينبغي مشابهتهم فيه .
لكن إذا دعت إلى ذلك مصلحة ، كدعوة من يرجى هدايته واستقامته ، فلا حرج في ذلك ، فإن معناه صحيح ، كما سبق في كلام النووي وابن كثير رحمهما الله
وإنما كره لما ذكرنا من الأمور العارضة . ومن المفضل في مثل هذه الحال أن يذكر لفظ التسليم ـ أحيانا على الأقل ـ في حق أبي بكر ، أو عمر ، أو عائشة ، أو غيرهم من الصحابة الكرام ، إذا ورد ذكرهم في الكلام ، خروجا من المشابهة لأهل البدع ، وإقرارا لتعظيمهم وإكرامهم أيضا .
نسأل الله أن يوفقك ويعينك ويجري الخير على يديك .
والله أعلم .