فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 9 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-01, 14:16   رقم المشاركة : 121
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة BAWSALA مشاهدة المشاركة
Echange intéressant !
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

I am happy to have you as good as you

Although I do not understand what you mean by mutual interest
.








 


قديم 2019-02-01, 14:25   رقم المشاركة : 122
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)



اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



تفسير قوله تعالى : ( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار )

السؤال

الآية رقم : (16) من سورة آل عمران ، والآية التي تليها : (الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) . أريد منكم أعزكم الله تفسير الآيتين

وتفسير الآية (15) التي بدايتها ( قل أؤنبئكم ) وربط المعنى العام ، وهل الصبر يليه في المنزلة الصدق ، ثم القنوت ، ثم الإنفاق في سبيل الله ، ثم الاستغفار ، أم ماذا ؟


الجواب

الحمد لله

أولاً : تفسير السياق .

هذه الآيات جاءت في سياق المقارنة بين شهوات الدنيا ونعيم الآخرة ، فبعد أن ذكر الله عز وجل متاع الدنيا وما زين للناس فيها من ملذات ، شرع في ذكر نعيم الآخرة

وأنه هو النعيم الحقيقي ، والسعادة الأبدية ، وقد بدأ الله عز وجل هذا السياق بصيغة الاستفهام التشويقي

فقال سبحانه وتعالى : ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ .

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) آل عمران/15-17 .

فمتاع الآخرة خالٍ من كل أذى وكدر ، فإذا كان في الدنيا نساء وبنين ، ففي الآخرة أزواج مطهرة من كل ما ينفر من نساء الدنيا ، وفي هذا الوصف ارتفاع حقيقي على شهوات الأرض وملذاتها .

وأعظم من ذلك كله ( رضوان من الله ) يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، فهو أعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة ، أن يحل عليهم رضوان الله وحبه ولطفه فلا يشقون بعده أبدا .

ثم شرع سبحانه في بيان حقيقة العباد الذي يستحقون هذا النعيم الكبير ، وهو سبحانه بصير بهم جميعا ، فقال سبحانه : ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا ، فاغفر لنا ذنوبنا ، وقنا عذاب النار)

وقولهم هذا ليس مقصودا لذاته ، وإنما المقصود ذلك الإيمان والإقبال على الله تعالى

الذي يحيل حياة المؤمنين إلى تعلق تام بالله عز وجل ، وذل وانكسار بين يديه سبحانه ، حتى تغدو مغفرة الذنوب ، والوقاية من النار أغلى أماني هؤلاء العباد المؤمنين .

يقول ابن القيم رحمه الله :

" أخبر سبحانه أن ذلك كله متاع الحياة الدنيا ، ثم شوَّق عباده الى متاع الآخرة ، وأعلمهم أنه خير من هذا المتاع وأبقى فقال :

( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) .

ثم ذكر سبحانه من يستحق هذا المتاع ومن هم أهله الذين هم أولى به فقال : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ )

فأخبر سبحانه أن ما أعد لأوليائه المتقين من متاع الآخرة خير من متاع الدنيا ، وهو نوعان : ثواب يتمتعون به ، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم

قال تعالى : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً )

فأخبر سبحانه عن حقيقة الدنيا بما جعله مشاهَدا لأولي البصائر ، وأنها لعب ولهو تلهو بها النفوس وتلعب بها الأبدان ، واللعب واللهو لا حقيقة لهما ، وأنهما مشغلة للنفس ، مضيعة للوقت

يُقطع بها الجاهلون ، فيذهب ضائعا في غير شيء "

انتهى . "عدة الصابرين" (ص/168) .

ثانيا : تفسير المفردات .

ذكر سبحانه وتعالى أوصاف عباده المتقين الذين أعد لهم في الجنة من النعيم ما لا يقارن بنعيم الدنيا ، وذكر هذه الأوصاف ترغيبا في التحلي بها ، والمحافظة على مضامينها .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" يصف تعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل ، فقال تعالى : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ) أي : بك ، وبكتابك ، وبرسولك .

( فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) أي : بإيماننا بك وبما شرعته لنا ، فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك . ( وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

ثم قال : ( الصَّابِرِين ) أي : في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات .

( وَالصَّادِقِينَ ) فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة .

( وَالقَانِتِينَ ) والقنوت : الطاعة والخضوع .

( والْمُنفِقِينَ ) أي : من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات ، وصلة الأرحام والقرابات ، وسد الخَلّات ، ومواساة ذوي الحاجات .

( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ ) دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار ، وقد قيل : إن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) يوسف/98

أنه أخرهم إلى وقت السحر ، وثبت في الصحيحين وغيرهما من المساند والسنن من غير وجه ، عن جماعة من الصحابة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

: ( ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَِاءِ الدُّنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر . فيقولُ : هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه ؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ ) الحديث " انتهى .

ثالثا : البلاغة والبيان .

ونبين هنا بعض الأمور البلاغية والبيانية في قوله سبحانه : ( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) ، على طريقة السؤال والجواب ، مسترشدين بكلام أهل العلم المفسرين .

1- لماذا ذكر الله تعالى هذه الأوصاف دون غيرها من أوصاف المؤمنين ؟

يبين بعض المفسرين أن هذه الأوصاف الخمسة هي التي تجمع وتشمل جميع مقامات العبودية والمعاملة مع الله تعالى .
يقول الإمام البيضاوي رحمه الله :

" ( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ) : حصرٌ لمقامات السالك على أحسن ترتيب .

فإن معاملته مع الله تعالى : إما توسل ، وإما طلب .

والتوسل : إما بالنفس : وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل ، والصبر يشملهما . وإما بالبدن : وهو إما قولي : وهو الصدق .

وإما فعلي : وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة .

وإما بالمال : وهو الإِنفاق في سبل الخير .

وأما الطلب : فبالاستغفار ؛ لأن المغفرة أعظم المطالب ، بل الجامع لها .

"تفسير البيضاوي" (2/16)

ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" ذكر هنا أصول فضائل صفات المتدينين ، وهي :

الصبر : الذي هو ملاك فعل الطاعات وترك المعاصي .

والصدق : الذي هو ملاك الاستقامة وبث الثقة بين أفراد الأمة .

والقنوت : وهو ملازمة العبادات في أوقاتها ، وإتقانها ، وهو عبادة نفسية جسدية .

والإنفاق : وهو أصل إقامة أَوَد الأمة بكفاية حاجة المحتاجين ، وهو قربة مالية ، والمال شقيق النفس .

وزاد الاستغفار بالأسحار : وهو الدعاء والصلاة المشتملة عليه في أواخر الليل

والسحر سدس الليل الأخير ؛ لأن العبادة فيه أشد إخلاصا ، لما في ذلك الوقت من هدوء النفوس

ولدلالته على اهتمام صاحبه بأمر آخرته ، فاختار له هؤلاء الصادقون آخر الليل لأنه وقت صفاء السرائر ، والتجرد عن الشواغل "

انتهى . "التحرير والتنوير" (3/43) .

2- لماذا جاءت هذه الأوصاف بالترتيب المذكور ، هل لذلك سبب معين ، وهل يدل ذلك على تفاضل هذه المقامات ، أم أنها مقامات متساوية ؟

قد يبدو للمتأمل أن هذا الترتيب جاء بسبب تفاضل المقامات المذكورة :

فالصبر يقتضي حبس النفس على الطاعات وترك المعاصي ، ولكن حبس النفس لا يؤجر عليه المرء إلا إذا كان صادقا مخلصا لله تعالى ، فبدأ بـ " الصابرين " ثم : " والصادقين " .

ثم قد ينقطع العبد عن صبره وصدقه ، فيكسل عن العبادة ، ويتأخر عن الترقي في مراتبها ، فجاء وصف القنوت ، وهو الدوام على العبادة والاستقامة

فقال سبحانه : " والقانتين " ، ثم سمى سبحانه وتعالى بعض الطاعات التي أوجبت لهم أوصاف التقوى والصبر والمرتبة العالية : فذكر عز وجل : ( المنفقين والمستغفرين بالأسحار ) .

يقول الفخر الرازي رحمه الله :

" اعلم أن لله تعالى على عباده أنواعاً من التكليف ، والصابر هو من يصبر على أداء جميع أنواعها .

وكمال هذه المرتبة أنه إذا التزم طاعة أن يصدق نفسه في التزامه

وذلك بأن يأتي بذلك للملتزم من غير خلل ألبتة ، ولما كانت هذه المرتبة متأخرة عن الأولى ، لا جرم ذكر سبحانه الصابرين أولاً ، ثم قال : ( الصادقين ) ثانياً .

ثم إنه تعالى ندب إلى المواظبة على هذين النوعين من الطاعة ، فقال : ( والقانتين ) .

فهذه الألفاظ الثلاثة للترغيب في المواظبة على جميع أنواع الطاعات .

ثم بعد ذلك ذكر الطاعات المعينة ، وكان أعظم الطاعات قدراً أمران :

أحدهما : الخدمة بالمال ، فذكر هنا بقوله : ( والمنفقين ) .

والثاني : الخدمة بالنفس ، فذكره هنا بقوله : ( والمستغفرين بالأسحار ) .

فإن قيل : فلم قدم ههنا ذكر المنفقين على ذكر المستغفرين ؟

قلنا : لأن هذه الآية في شرح عروج العبد من الأدنى إلى الأشرف ، فلا جرم وقع الختم بذكر المستغفرين بالأسحار " انتهى باختصار .

"مفاتيح الغيب" (7/176-177) .

هذا وقد ذكر المفسرون كلاما دقيقا في سر العطف بالواو بين هذه الأوصاف ، لا نحب أن نطيل به على القارئ الكريم ، فمن أحب الاستزادة منه فليرجع إلى التفاسير السابق ذكرها في هذا الجواب .

والله أعلم .









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-01 في 14:34.
قديم 2019-02-01, 14:32   رقم المشاركة : 123
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى ( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ )

السؤال

قرأت في موقع جامعة أم القرى قصة السامري ، وأتاني سؤال ؛ ذكر في القصة أن الله أمر موسى أن يأمر من عبد العجل بأن قتل أنفسهم خير لهم ، ولماذا قتل البعض وترك البعض

وذكر بعد تكفير ذنوبهم ذهاب موسى هو ومعه سبعون من قومه إلى ارض المقدس ليغفر الله ذنوب قومه، فطلبوا أن يروا الله فصعقوا ، فهل طلب رؤية الله عزوجل كان طلبا جماعيا أم طلب من بعض السفهاء

وهل بقي بعض القوم في الديار ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

لما عبد قوم موسى العجل وسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ، وأرادوا التوبة

قالوا ( لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) سورة الأعراف/149

فجعل الله لهم امتحانا شديدا لقبول توبتهم ، وذلك بأن يقتلوا أنفسهم ، فيُغِير بعضهم على بعض ، ويتقاتلوا بينهم حتى يأتي أمر الله بالكفّ .

ولم يكن الأمر بأن يطعن كل واحد منهم نفسه ؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لفنوا كلهم ، ولم يبق منهم أحد إلا من لم يشارك في امتحان التوبة أصلا ، ولكن المقصود أن يغير بعضهم على بعض فيقتتلوا .

جاء في تفسير ابن كثير :

" قال قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر ، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله فيهم نقمته ، فسقطت الشفار من أيديهم ، فأمسك عنهم القتل ، فجعل لحيهم توبة ، وللمقتول شهادة ..
.
وقال الزهري : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها ، برزوا ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر ، وموسى رافع يديه ، حتى إذا أفنوا بعضهم [يعني كثر القتلى منهم] قالوا : يا نبي الله

ادع الله لنا . وأخذوا بعضديه يسندون يديه ، فلم يزل أمرهم على ذلك ، حتى إذا قبل الله توبتهم , قبض أيديهم بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله

جل ثناؤه ، إلى موسى : ما يحزنك ؟

أما من قتل منكم فحي عندي يرزقون ، وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسر بذلك موسى ، وبنو إسرائيل
.
رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/262) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" أي : فتوبوا بهذا الفعل . وهو أن تقتلوا أنفسكم ؛ أي ليقتل بعضكم بعضاً ؛ وليس المعنى أن كل رجل يقتل نفسه ، بالإجماع ؛ فلم يقل أحد من المفسرين : إن معنى قوله تعالى

: (فاقتلوا أنفسكم) أي يقتل كل رجل نفسه ؛ وإنما المعنى : ليقتل بعضكم بعضاً : يقتل الإنسان ولده ، أو والده ، أو أخاه ؛ المهم أنكم تستعدون ، وتتخذون سلاحاً

خناجر ، وسكاكين ، وسيوفاً ، وكل واحد منكم يهجم على الآخر، ويقتله "

انتهى من " تفسير العثيمين " (1/187) .

ثانيا :

لم يخبر الله تعالى في كتابه هل كان الطلب من جميعهم ، أو من بعضهم مع إقرار الباقين ، أو كان من أغلبهم

إذ لا فائدة من وراء ذلك ، لكن المراد من الآية بيان كثرة مسائل بني إسرائيل وتعنتهم واختلافهم على أنبيائهم ، وتحذير الأمة من هذا المسلك .

فينبغي للسائل أن يحذر الوقوع فيما وقع فيه بنو إسرائيل ، وأن يجتنب التكلف في إيراد المسائل والإشكالات ،

لا سيما فيما لا فائدة ترجى من التشقيق فيه ؛ فإن هذا القرآن سهل طيب مبارك ، لمن قرأه مريدا الانتفاع منه ، دون تكلف أو تشقيق أو تنقير عما لم يبين منه .

عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ : " نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ " أخرجه البخاري (7293) .

قال ابن الأثير

: " أَرَادَ كثرةَ السُّؤال ، والبَحْثَ عن الأشياء الغامِضة التي لَا يَجِب البَحْث عَنْهَا ، والأخْذ بِظَاهِرِ الشَّريعة وقَبُول مَا أتَت بِهِ "

انتهى من " النهاية في غريب الحديث والأثر " (4/196) .

على أن السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام لميقات الله تعالى كما في سورة الأعراف (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ

قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ) الأعراف/155 .

لم تبين الآية الكريمة سبب هذه الرجفة التي أخذتهم .

هل كانت بسبب قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) ؟

وهو قول كثير من المفسرين .

أو لم يكونوا هم أصحاب تلك المقولة ، وإنما أخذتهم الرجفة لأنهم كانوا عبدوا العجل مع من عبده ، كما قيل .
وقيل : إنهم لم يعبدوا العجل ، ولكنهم داهنوا من عبده ولم ينهوه عن ذلك .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

"واختلف العلماء في سبب هذه الرجفة ... ثم ذكر الأقوال المتقدمة ، ثم قال :

"هذه أقوال المفسرين ، وفيها غير ذلك ، ولا شيء يقوم عليه الدليل القاطع منها ، والله تعالى أعلم "

انتهى من "العذب المنير" (4/193، 194)

وانظر "فتح القدير للشوكاني" (3/100) فقد ذكر هذه الأقوال .

واختار الشيخ ابن عثيمن رحمه الله أن الذين قالوا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) ليسوا هم هؤلاء السبعين .

وانظر تفسير "سورة البقرة " للشيخ ابن عثيمين (3/135) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-01, 14:38   رقم المشاركة : 124
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لماذا تأخرت آية (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) في وصف عباد الرحمن عن غيرها من صفاتهم؟

السؤال

قال تعالى وهو يصف عباد الرحمن : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ................... وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ .. )

السؤال : لماذا جاءت آية "

ولا يدعون مع الله إلها آخر " متأخرة ، ولم تأت في البداية في وصف عباد الرحمن ؟ فالتوحيد وعدم الشرك يفترض أن يكون أولا في الترتيب ؟


الجواب


الحمد لله


أولًا:

أما الآية الكريمة: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) الفرقان/ 63

فالمراد بها أن الله جل جلاله قد مدح عباده هؤلاء بأنهم يمشون على الأرض هونا ؛ يعني : بالحلم والسكينة والوقار ، غير مستكبرين، ولا متجبرين، ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي الله .

ينظر : "جامع البيان" ، لابن جرير الطبري : (17/ 489).

وأما الآية الأخرى: فيقول تعالى ذكره: والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر، فيشركون في عبادتهم إياه

ولكنهم يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة (ولا يقتلون النفس التي حرم الله) [الفرقان: 68]

قتلها (إلا بالحق) [الأنعام: 151] إما بكفر بالله بعد إسلامها، أو زنا بعد إحصانها، أو قتل نفس فتقتل بها (ولا يزنون) [الفرقان: 68] فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج (ومن يفعل ذلك) [البقرة: 231]

يقول: ومن يأت هذه الأفعال، فدعا مع الله إلها آخر، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق

وزنى (يلق أثاما) [الفرقان: 68] يقول: يلق من عقاب الله عقوبة ونكالا، كما وصفه ربنا جل ثناؤه، وهو أنه (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) [الفرقان: 69]"

"جامع البيان" (17/ 505).

وقد أخرج البخاري (4761)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ـ قال: " سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، قلت: ثم أي؟

قال: ( أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك )، قلت: ثم أي؟ قال: ( أن تزاني بحليلة جارك )، قال

: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) "فتح الباري" (8/ 492).

ومناسبة هذه الآية ، أن الله تعالى لما ذكر أهل التذكر والشكور

أتى بصفة عباد الرحمن الذين هم أهل لذلك، كما ذكر الإمام ابن عطية: " أن الله تعالى قال لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ، جاء بصفة عباده الذين هم أهل التذكر والشكور"

انتهى من " المحرر الوجيز" (4/ 218).

قال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

"واعلم هذه أن الصلات التي أجريت على عباد الرحمن جاءت على أربعة أقسام:

قسم هو من التحلي بالكمالات الدينية ، وهي التي ابتدئ بها من قوله تعالى: (الذين يمشون على الأرض هونا إلى قوله سلاما) [الفرقان: 75].

وقسم هو من التخلي عن ضلالات أهل الشرك ، وهو الذي من قوله: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) [الفرقان: 68].
وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام

وهو قوله: (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) [الفرقان: 64]، وقوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا) [الفرقان: 67] الآية، وقوله: (ولا يقتلون النفس إلى قوله لا يشهدون الزور) [الفرقان: 68- 72] إلخ.

وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة ، وهو قوله: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا إلى قوله: للمتقين إماما) [الفرقان: 74] ."

انتهى من "التحرير والتنوير" (19/68) .

ثالثًا:

وأما عن المناسبة في تأخير هذه الآية عما قبلها ، فيقول فخر الدين الرازي ، رحمه الله :

" اعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر أن من صفة عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا، ثم ذكر بعد ذلك حكم من يفعل هذه الأشياء من العقاب ، ثم استثنى من جملتهم التائب ، وهاهنا سؤالات :

السؤال الأول : أنه تعالى قبل ذكر هذه الصفة نزه عباد الرحمن عن الأمور الخفيفة، فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل والزنا ؟ أليس أنه لو كان الترتيب بالعكس منه كان أولى؟

الجواب: أن الموصوف بتلك الصفات السالفة ، قد يكون متمسكا بالشرك تدينا

ومُقْدِما على قتل الموءودة تدينا ، وعلى الزنا تدينا، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن ، حتى يضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذه الكبائر .

وأجاب الحسن رحمه الله من وجه آخر فقال: المقصود من ذلك : التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين ، وسيرة الكفار، كأنه قال: وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر

وأنتم تدعون ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأنتم تقتلون الموءودة، ولا يزنون ، وأنتم تزنون"

انتهى من " تفسير الرازي" (24/ 483).

وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله:

" وهنا قد يسأل سائل: أبعد كل هذه الصفات لعباد الرحمن ننفي عنهم هذه الصفة (لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ) [الفرقان: 68] ، وهم مَا اتصفوا بالصفات السابقة إلا لأنهم مؤمنون بالإله الواحد سبحانه؟

قالوا: هذه المسألة عقيدة وأساس ؛ لا بُدَّ للقرآن أن يكررها، ويهتم بالتأكيد عليها " .

انتهى من " تفسير الشعراوي" (17/10511) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-01, 14:43   رقم المشاركة : 125
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ).

السؤال

ما معنى الآية : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) ؟

ما معنى "أحسن" هنا؟ هل تعني تمام الصورة والخلق والكمال ؟

وكيف يكون ذلك مع وجود أشخاص غير كاملي الخلقة ، فضلاً عن أنّ هذا المعنى يعني أنه لا يمكن أن يكون الخلق بأفضل صورة مما هو عليه

ولكننا نعلم أن الله قادر أن يخلق الناس بشكل أفضل إن أراد ذلك ؟

وإن كان كل الخلق خير ، فما قولكم في أفعال الشر التي يأتي بها الإنسان والتي خلقها الله أيضًا؟


الجواب

الحمد لله

أولًا :

قال الله عز وجل : (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة/6،7 .

ومعنى الإحسان هنا هو الإتقان ، وليس المراد جمال الصورة .

فتكون هذه الآية كقوله تعالى : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) النمل/88 .

وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالإحسان في الآية هنا هو جمال الصورة .

فتكون الآية حينئذ خاصة بالمخلوقات التي جَمَّلها الله تعالى .

قال القرطبي رحمه الله :

" ( أَحْسَنَ ) أَيْ: أَتْقَنَ وَأَحْكَمَ ، فَهُوَ أَحْسَنَ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ لِمَقَاصِدِهِ الَّتِي أُرِيدَ لَهَا.

وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ : "لَيْسَتِ اسْتُ الْقِرْدِ بِحَسَنَةٍ ، وَلَكِنَّهَا مُتْقَنَةٌ مُحْكَمَةٌ ". وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: ( أَحْسَنَ كُلَّ شي خَلَقَهُ) قَالَ: أَتْقَنَهُ.

وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) أَيْ لَمْ يَخْلُقِ الْإِنْسَانَ عَلَى خَلْقِ الْبَهِيمَةِ ، وَلَا خَلَقَ الْبَهِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ .

وَقِيلَ: هُوَ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ ، خُصُوصٌ فِي الْمَعْنَى ، والمعنى: حسّن خلق كل شي حَسَنٍ" .

انتهى من "تفسير القرطبي" (14/ 90) .

وهذه الآية الواردة في السؤال تشبه قوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ، وفيها قولان للمفسرين .

قال النسفي في تفسيره (3/436):

" (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب

ومن كان دميماً مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن ، وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما ، الجمال والبيان" انتهى .

وينظر "تفسير الرازي" (15/365)

"تفسير النيسابوري" (7/196) .

وعلى هذا ؛ فمعنى (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي : أتقن ، وهذا لا ينافي أن يكون من الخلق من هو قبيح الصورة أو مشوه .

ويحتمل أن يكون المراد بذلك حسن الصورة وجمالها .

ولا يعترض على ذلك بوجود بعض المخلوقات المشوهة أو القبيحة ، لأنها لم تخرج عن الحسن

ولكن الحسن والجمال درجات ، فهذه المخلوقات هي أحسن وأجمل مما دونها وأقل منها جمالا ، إلا أن جمالها لا يظهر لأننا نقارنها بما هو أجمل منها ، ولو قورنت بما دونها في الجمال لظهر جمالها .

ثانيا :

أما كون الخلق يمكن أن يكون أفضل صورة مما هو عليه ، فالله تعالى على كل شيء قدير ، وقد خلق الملائكة في أحسن خلق وأكمله وأجمله ، فلا يقال : لماذا لم يخلق الله الخلق كله على هيئة الملائكة ؟

لأن هذا سوف يتنافى مع حكمة الله تعالى ، فقد خلق الله تعالى كل شيء من المخلوقات لحكمة معينة ولتحقيق

مصالح معينة أرادها الله تعالى ، فخلق كل شيء من المخلوقات على الصورة التي تحقق تلك الحكمة والمصالح وأحكم خلقه وأحسنه ، فلا مطمع أن يكون الخلق أحسن من هذا .

حتى الأمراض والكوارث والشر الذي يفعله الإنسان أو غيره من المخلوقات .. فكل ذلك خلقه الله وأتقنه وأحكمه .
فقد خلق الله المرض ليبتلي المريض هل يصبر ويرضى أم لا ؟

وليبتلي السليم الصحيح : هل يشكر نعمة الله عليه أم لا ؟

قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) الفرقان/ 20 .

" فامتحن الأغنياء بالفقراء ، والفقراء بالأغنياء ، وامتحن الضعفاء بالأقوياء ، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالأتباع ، والأتباع بالسادة

وامتحن المالك بمملوكه ، ومملوكه به ، وامتحن الرجل بامرأته ، وامرأته به ، وامتحن الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين "

انتهى من "إغاثة اللهفان" (2 /161) .

وقال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه/ 49، 50 .

" أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعة من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، ثُمَّ هَدَى كل مخلوق إلى ما خلقه له

وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن به على ذلك.

وهذا كقوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن

الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 507).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَالْمَخْلُوقُ بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ الَّتِي خُلِقَ لِأَجْلِهَا خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ جُزْئِيٌّ، لَيْسَ شَرًّا مَحْضًا، بَلْ الشَّرُّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْخَيْرُ الْأَرْجَحُ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لِمَنْ قَامَ بِهِ.

وَظَنُّ الظَّانِّ أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَطْلُوبَةَ التَّامَّةَ قَدْ تَحْصُلُ مَعَ عَدَمِهِ ، إنَّمَا يَقُولُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ

وَارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ، فَإِنَّ الْخَالِقَ إذَا خَلَقَ الشَّيْءَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ لَوَازِمِهِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ وُجُودِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/ 512) .

وقال أيضا :

" وَاللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ ، فَإِنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا مُتْقَنًا، كَمَا قَالَ: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)

وَقَالَ: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ؛ فَلِهَذَا لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّرُّ مُفْرَدًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ " .

انتهى من "منهاج السنة النبوية" (3/ 142) .

وينظر للاستزادة جواب السؤال القادم

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-01, 14:49   رقم المشاركة : 126
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قوله تعالى ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) ووجود أصحاب عاهات وإعاقات

السؤال

عندما يطلب الله تعالى منَّا أن نبحث عن نقائص في خلقه فهو يحثنا على النظر وإعادة النظر ؛لكي نقدِّر تماما كيف خلق الخلق بهذه الكيفية المذهلة

وسؤالي هو : كيف يمكن فهم هذه الآية فهما صحيحاً ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) الملك/ 3 ؟

وأنا أود أن أعرف كيف أرد عندما يسأل كافر : أليست العيوب الخلقية والتشوهات التي لدى الناس نقائص ؟

وأنا أعرف أن هناك حكمة مِن خلق الله للناس على هذا النحو ، لكن في ضوء الآية التي تدفع الفرد للبحث عن التفاوت في الخلق كيف يمكننا النظر إلى هذه العيوب الخَلقية على أنها ليست تفاوتاً ؟


الجواب


الحمد لله


أولاً :

إن مما يعتقده المسلم في ربِّه تعالى أنه خلَق الخلْق فأحسَنه وأتقنه ، وقد مدح الله تعالى نفسه بذلك في مواضع عدة

منها قول تعالى ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) السجدة/ 7

وقوله سبحانه ( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) غافر/ 64 ، وقوله عزّ وجل ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) النمل/ 88

وقوله تعالى ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ) ق/ 6 .

ثانياً:

الآيات في سورة الملك والتي ذكر الأخ السائل أنها موضع إشكال مع ما يُرى في خلق الله للبشر من أصحاب العاهات والإعاقات ، هي قوله عز وجل ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا

مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ) الملك/ 3 ، 4 .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

" ومعنى الآية : إنك لو كررت البصر مهما كررتَ لانقلب إليك

أي : لرجع إليك البصر ( خَاسِئًا ) عن أن يَرى عيباً أو خللاً ( وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي : كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً "

انتهى من "تفسير ابن كثير" ( 8 / 177 ).

فهل ما ذكره الله تعالى في هذه الآية من عدم وجود العيب والخلل في خلقه يتعارض مع ما يُرى من البشر ممن خلقهم الله تعالى بإعاقة أو عاهة أو نقص في الخلقة ؟! .

والجواب على هذا من وجهين :

الأول : أن يقال إن الآية في خلق السموات لا غير ، وعليه : فليس فيها إشكال .

قال ابن المظفَّر الرازي – رحمه الله - :

" قال – أي : الثعلبي المفسِّر - في قوله تعالى ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) " أي : من اعوجاج واختلاف " .

قلت : لو اقتصرنا على هذا القدر كان لقائل أن يقول : أليس في خلق الجبال والأشجار والأرضين اعوجاج واختلاف وتفاوت ، وكذلك في خلق الناس ، وخلق القبيح والحسن ، والكفر والإيمان ؟ .

فالجواب : أنه من العام الذي أريد به الخاص ، وهو خلق السماوات السبع لا غير " انتهى من " مباحث التفسير لابن المظفر الرازي " - وهو استدراكات وتعليقات على تفسير الكشف والبيان للثعلبي - ( ص 305 ) .

وقال القرطبي – رحمه الله -

: " وقيلَ : المُرَاد بِذلكَ السَّمواتُ خاصَّةً ، أَيْ : ما تَرى في خَلْقِ السَّمواتِ مِن عَيْبٍ "

انتهى من " تفسير القرطبي " ( 18 / 208 ) .

الثاني : أن يقال إن الآية عامَّة وتشمل جميع خلق الله تعالى من النبات والحيوان والإنسان ، وأن خلق الله تعالى كلَّه متقن وأنه ليس فيه خلل وعيب من حيث الأصل

وأما ما يوجد في بعضه من خلل وعيوب فهو أمر عدمي لمشيئة الله تعالى أن لا يكون المحل قابلاً لكمال الخلقة .

قال ابن القيم – رحمه الله - :

" ومما ينبغي أن يُعلم أن الأشياء المكوَّنة من موادها شيئاً فشيئا كالنبات والحيوان إما أن يَعرض لها النقص ، الذي هو شر ، في ابتدائها ، أو بعد تكونها

فالأول : هو بأن يعرض لمادتها من الأسباب ما يجعلها ردية المزاج ناقصة الاستعداد فيقع الشر فيها ، والنقص في خلقها بذلك السبب ، وليس ذلك بأن الفاعل حرَمه وأذهب عنه أمراً وجوديّاً به كماله

بل لأن المنفعل لم يقبل الكمال والتمام ، وعدم قبوله أمر عدمي ليس بالفاعل

وأما الذي بالفاعل فهو الخير الوجودي الذي يتقبل به كماله وتمامه ، ونقصه والشر الذي حصل فيه هو من عدم إمداده بسبب الكمال ، فبقي على العدم الأصلي

وبهذا يفهم سر قوله تعالى ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) فإن ما خلقه فهو أمر وجودي به كمال المخلوق وتمامه ، وأما عيبه ونقصه فمن عدم قبوله ، وعدم القبول ليس أمراً مخلوقاً يتعلق بفعل الفاعل

فالخلق الوجودي ليس فيه تفاوت والتفاوت إنما حصل بسبب هذا الخلق ، فإن الخالق سبحانه لم يخلق له استعداداً فحصل التفاوت فيه من عدم الخلق ، لا من نفس الخلق ، فتأمله

والذي إلى الرب سبحانه هو الخلق ، وأما العدم فليس هو بفاعل له ، فإذا لم يكمل في مادة الجنين في الرحم ما يقتضي كماله وسلامة أعضائه واعتدالها : حصل فيه التفاوت ، وكذلك النبات "

انتهى من " شفاء العليل " ( ص 182 ، 183 ) .

ثالثاً:

الله تعالى حكيم في أفعاله ، فله في خلق النقص والآفات والأسقام حكَماً جليلة .

قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله -

: " حكمة الله في خلق الآفة والنقص :

خلق الله كل شيء سبحانه وتعالى ، وقد خلق الآفة والشر ، وجعل النقص في بعض مخلوقاته لحكَم عظيمة ، ومن ذلك :
1. العقوبة على المعاصي

كما قال تعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم/ 41

والفسـاد هنا هو الآفة والشر الذي يعاقب الله به عباده ، كالريح العقيم المدمرة والبركان الثائر والأمراض والأسقام والقحط والطوفان ، ونحو ذلك .

2. أن يَعلم الناس قدرة الله عليهم ، وأنه هو الذي يملك نفعهم وضرهـم ، كما قال تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فاطر/ 2 .

3. أن يَعلم الناس قدرة الله على خلق الخير والشر ، وعلى أنه سبحانه يجازي بالإحسان إحساناً

وأنه سبحانه يعاقب على الإساءة ، قال تعالى ( نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ) الحِجر/ 49 ، 50 .

فالله الذي خلق الجنة وجمع فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، بل ذخر فيها ما لا عين رأت من نعيم وما لا أذن سمعت وما لم يخطر على قلب بشر : فإنه سبحانه وتعالى خلق الجحيم

وجعل فيها أنواع الشرور والآلام والأحزان والعذاب والنكال فوق ما تتصوره العقول ( فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ . وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) الفجر/ 25 ، 26 .

4. أن يتذكر من يعافيه الله نعمة ربه وإحسانه فيشكره على ذلك ، ويعلم فضل الله عليه وإحسانه إليه أن لم يصبه بما أصاب غيره .

5. أن يجعل الله لمن يصيب منه باباً عظيماً للظفر بمرضاته والفوز بجناته وتخفيف ذنوبه ورفع درجاته .

وحكمة الله من خلق الشر والآفة والنقص حكمة عظيمة ، فالله هو المحمود على كل صفاته ، وأفعاله ، وأنعامه "

انتهى من " المشوَّق في أحكام المعوَّق " ( ص 4 ) .

والله أعلم









قديم 2019-02-01, 15:00   رقم المشاركة : 127
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

العهد المأخوذ على بني آدم هو الفطرة

السؤال


جاء في سورة البقرة أننا نعيش في الحياة الثانية، حيث بدأت حياة البشر قبل الخلق في البرزخ حينما أخذ الله العهد علينا بأننا سنعبده

وبعد أن جاء بنا إلى الحياة الدنيا محا من ذاكرتنا ذلك. لذا، فالسؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا أخذ علينا العهد إن كان يريد مسح ذلك من ذاكرتنا بعد ذلك؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

العهد الذي أخذه الله عز وجل من ذرية آدم في العالم الأول لم يُمحَ من ذاكرتنا، ولم ينسه أي من بني آدم

وإذا سألت عنه فنقول لك : إنه "الفطرة" المركوزة في نفوسنا وقلوبنا، تلك الدافعية العميقة نحو الإيمان بالله

والتعرف إليه سبحانه، بل وتبلغ حد "الضرورة" التي تحثنا وتضطرنا إلى الاعتراف بأن الخالق جل وعلا هو الرب الواحد الكامل ، الذي ربانا وربى جميع المخلوقات بنعمته .

وهذه "الضرورة" القلبية والعقلية أقوى ما يدفع الإنسان إلى الإيمان والتوحيد؛ لأنها غالبا أقوى من كل أسباب الانتكاس والارتكاس في حمأة الجهل والشبهات، وكثيرا ما تفرض سطوتها على صاحبها فتكشف

عهد التوحيد في باطن النفس وقت اشتداد الأزمات، ولو كان صاحب الفطرة متظاهرا اليوم بالإلحاد، لكن داعي التوحيد ، ما زال يهتف به من داخله ، بحكم الفطرة التي هي العهد الأول المأخوذ على بني آدم.

ولو تصور السائل عكس ما يقول لأدرك الجواب على سؤاله، فلو تصور أن هذا العهد الذي أخذ على بني آدم "ألست بربكم" لم ينتقل إلى قرارة "الفطرة"

ولم يتحول إلى أعماق "الضرورة"، بل بقي ماثلا في ذاكرة كل منا ، وكأنه مشهد مرئي يشهده الآن. فماذا يتبقى بعد ذلك من الإيمان بالغيب! وكيف ستتحقق حكمة "الابتلاء الإيماني"

إذا كان الكل يشاهد ميثاق الله عليه عيانا! والله عز وجل قد خلق الدنيا كلها لاختبارنا في امتحان "حسن العمل"، و"حسن البناء"

و"حسن الإصلاح ومحاربة الفساد"، وكل هذه الاختبارات لا بد لها – كي تكون اختبارا – من توفير أسباب النجاح ، وأسباب الفشل، ليختار الإنسان طريقه في ظل هذه الهداية.

روى أبو داود في "السنن" (رقم4716) – وصححه الألباني -

قال: حدثنا الحسن بن علي، حدثنا حجاج بن المنهال، قال: سمعت حماد بن سلمة

يفسر حديث (كل مولود يولد على الفطرة) قال: " هذا عندنا حيث أخذ الله عليهم العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال: (ألست بربكم قالوا بلى) [الأعراف: 172] " .

ونحن نسوق هنا من أقوال العلماء ما يؤكد أن ذلك العهد والميثاق هو الفطرة، والفطرة حاضرة لا تغيب، وهي رسالة الله تعالى للعالمين لتذكيرهم بالعهد الأول

ولكنها رسالة تجمع بين الوضوح، كونها مركوزة في جميع النفوس، ولكنها في الوقت نفسه ليست شاهد عيان، وإلا لم يعد للإيمان بالغيب أي حكمة، بل لم يعد لخلق الإنسان أي فائدة جديدة.

يقول ابن قتيبة رحمه الله:

"أراد بقوله: (كل مولود يولد على الفطرة) أخذ الميثاق الذي أخذه عليهم في أصلاب آبائهم (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)

فلست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد شيئا دونه، ليقربه منه عند نفسه، أو وصفه بغير صفته، أو أضاف إليه ما تعالى عنه علوا كبيرا.

قال الله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)

فكل مولود في العالم على ذلك العهد والإقرار، وهي الحنيفية التي وقعت في أول الخلق، وجرت في فطر العقول.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(يقول الله تبارك وتعالى: إني خلقت عبادي جميعا حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم)"

انتهى من " تأويل مختلف الحديث" (ص200) .

ويقول أبو إسحاق الزجاج:

"مَعْنَاهُ أن اللَّه عزَّ وجلَّ فطر الخلق على الإيمان على ما جاء في الحديث، أن اللَّه جل ثناؤه أخرج مِنْ صُلب آدم ذُريتَهُ كالذَّرِّ، وَأَشْهَدَهُمْ على أَنْفُسِهِمْ بأنه خَالِقُهُمْ

قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى).

فكل مولود فهو من تلك الذرية التي شَهِدَتْ بِأنَّ اللَّهَ خَالِقُهَا. فمعنى (فِطْرَتَ اللَّهِ) دين الله الذي فَطَرَ الناس عليه"

انتهى من " معاني القرآن وإعرابه" (4/ 185) .

ويقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَهَذَا إِخْبَار عَمَّا فطروا عَلَيْهِ من الْإِقْرَار بِأَن الله رَبهم، كَمَا قَالَ: (وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى) الْآيَة [سُورَة الْأَعْرَاف 172]

فَإِن هَذِه الْآيَة بَينة فِي إقرارهم وشهادتهم على أنفسهم بالمعرفة الَّتِي فطروا عَلَيْهَا، أَن الله رَبهم. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل مولود مولد على الْفطْرَة)

وَطَائِفَة من الْعلمَاء جعلُوا هَذَا الْإِقْرَار لما اسْتخْرجُوا من صلب آدم ، وَأَنه أنطقهم وأشهدهم ؛ لَكِن هَذَا لم يثبت بِهِ خبر صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْآيَة لَا تدل عَلَيْهِ"

انتهى من "جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم" (1/ 11) .

ويقول أيضا رحمه الله:

"أما قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) :

فالصواب أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: (ألست بربكم قالوا بلى). وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة.

فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم لله لا لغيره، وهو معنى لا إله إلا الله، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال: (كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟)

بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن وأن العيب حادث طارئ. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله:

(إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 245) .









قديم 2019-02-01, 15:01   رقم المشاركة : 128
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"أحسن ما فسرت به الآية قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه وينصرانه) فالميثاق الذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الذي أشهدهم على أنفسهم

والإقرار الذي أقروا به هو الفطرة التي فطروا عليها؛ لأنه سبحانه احتج عليهم بذلك، وهو لا يحتج عليهم بما لا يعرفه أحد منهم ولا يذكره، بل بما يشركون في معرفته، والإقرار به" .

انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2/949) .

ويقول العلامة السعدي رحمه الله:

"يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)

أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم، وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن. و حين أخرجهم من بطون أمهاتهم

وأصلاب آبائهم (أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) أي: قررهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار، بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم.

قالوا: بلى قد أقررنا بذلك، فإن الله تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم.

فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ عليها من العقائد الفاسدة، ولهذا (قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)

أي: إنما امتحناكم حتى أقررتم بما تقرر عندكم، من أن الله تعالى ربكم، خشية أن تنكروا يوم القيامة

فلا تقروا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة الله ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون. فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة لله عليكم" .

انتهى من "تيسير الكريم الرحمن" (ص308) .

ثانيا :

وأما ما ذكره السائل من أننا نعيش الآن في حياتنا الثانية ، فهو مبني على القول بأن الحياة الأولى : هي إخراج الذرية من صلب آدم ، وأخذ الميثاق عليهم ، على نحو ما ذكر في سورة الأعراف .

وقد ذكرت الحياتان ، والموتتان ، في قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة/28

وهذا القول في تفسير الموتتان ، والحياتان : قول ضعيف ، مردود .

قال أبو حيان رحمه الله :

" وفي ترتيب هاتين الموتتين والحياتين اللاتي ذكر الله تعالى وامتن عليهم بها أقوال:

الأول: أن الموت الأول: العدم السابق قبل الخلق، والإحياء الأول:الخلق، والموت الثاني: المعهود في دار الدنيا، والحياة

الثانية: البعث للقيامة، قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد.

الثاني: أن الموت الأول: المعهود في الدنيا، والإحياء الأول: هو في القبر للمسألة، والموت الثاني: في القبر بعد المسألة، والإحياء الثاني: الرحم

فهي ميتة إلى نفخ الروح فيحييها بالنفخ، والموت الثاني: المعهود، والإحياء الثاني: البعث. السادس: أن الموت الأول هو الخمول، والإحياء الأول: الذكر والشرف بهذا الدين والنبي الذي جاءكم، والموت الثاني: المعهود

والإحياء الثاني: البعث، قاله ابن عباس. السابع: أن الموت الأول: كون آدم من طين، والإحياء الأول: نفخ الروح فيه فحييتم بحياته، والموت الثاني: المعهود، والإحياء الثاني: البعث.

قال ابن كثير رحمه الله :

" يقول تعالى محتجا على وجوده وقدرته، وأنه الخالق المتصرف في عباده: (كيف تكفرون بالله) أي: كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره! (وكنتم أمواتا فأحياكم)

أي: قد كنتم عدما فأخرجكم إلى الوجود، كما قال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون

أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) [الطور: 35، 36] ، وقال (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) [الإنسان: 1] والآيات في هذا كثيرة.

وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) [غافر: 11] قال: هي التي في البقرة: (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم)

وقال ابن جريج ، عن عطاء، عن ابن عباس: (كنتم أمواتا فأحياكم) أمواتا في أصلاب آبائكم، لم تكونوا شيئا حتى خلقكم، ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم حين يبعثكم.

قال: وهي مثل قوله: ( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) .

وقال الضحاك، عن ابن عباس في قوله: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) قال: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم ، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور

فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى. فهذه ميتتان وحياتان، فهو كقوله: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم)

وهكذا روي عن السدي بسنده، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مرة

عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة-وعن أبي العالية والحسن البصري ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك.

وقال الثوري، عن السدي عن أبي صالح: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) قال: يحييكم في القبر ، ثم يميتكم.

وقال ابن جرير عن يونس

عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ خلقهم في ظهر آدم ثم أخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة. وذلك كقول الله تعالى:

(قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) وهذا غريب والذي قبله. والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس

وأولئك الجماعة من التابعين، وهو كقوله تعالى: (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [الجاثية: 26] . .

وعبر عن الحال قبل الوجود بالموت بجامع ما يشتركان فيه من عدم الإحساس، كما قال في الأصنام: (أموات غير أحياء) [النحل: 21] ، وقال (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون) [يس: 33] ."

انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/213).

وقال أبو حيان رحمه الله ، بعد أن حكى الخلاف في تفسير الآية :

" واختار ابن عطية القول الأول وقال: هو أولى الأقوال، لأنه لا محيد للكفار عن الإقرار به في أول ترتيبه، ثم إن قوله: وكنتم أمواتا، وإسناده آخرا الإماتة إليه، مما يقوي ذلك القول

وإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتا معدومين ثم للإحياء في الدنيا ثم للإماتة فيها، قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها.

انتهى كلامه، وهو كلام حسن " .

انتهى من "البحر المحيط" (1/211) .

وقال الشنقيطي رحمه الله :

" والتحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه: أن الإماتة الأولى هو كونهم في بطون أمهاتهم علقًا ومُضَغًا لا حياة فيهم قبل أن يُنفخ فيهم الروح، وأن الإحياءة الأولى هي إحياءتهم في بطون

أمهاتهم التي خرجوا بها إلى الدنيا. والإماتة الثانية: الإماتة إلى القبور، بالإحياءة الثانية: الإِحْيَاءَة من القبور بالبعث إلى الحساب والجزاء.

وهذا المعنى أوضح الله أنه المراد في سورة البقرة في قوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ... ) الآية [البقرة: آية 28]" .

انتهى من "العذب النمير" (4/236).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" والصحيح أن هذه الآية ـ يعني : قوله تعالى : ( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين )

كقوله: (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) فالموتة الأولى قبل هذه الحياة والموتة الثانية بعد هذه الحياة. وقوله تعالى (ثم يحييكم) بعد الموت "

انتهى ، من "مجموع الفتاوى" (4/275) .

والله أعلم.









قديم 2019-02-01, 15:06   رقم المشاركة : 129
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ).

السؤال

سؤالي عن الآية رقم 9 من سورة القمر ، فقد قرأت تفسير ابن كثير باللغة الانجليزية ؛ لأفهم معنى كلمة "وازدجر" ، والتي لها عدة معاني حيث ذكر هناك : "قال مجاهد : ( وازدجر ) أي : استطير جنونا .

وقيل : ( وازدجر ) أي : انتهروه وزجروه وأوعدوه ، والأخير هو قول ابن زيد وأنه قول متوجه حسن ، فهلا ذكرتم الراجح في معنى هذه الكلمة لأتمكن من معرفة الترجمة الصحيحة ؟ وإذا كانت تعني الكلمة "أخرجوه"

فكيف يمكن التوفيق بينها وبين الآية 38 من سورة هود التي ذكرت أن قوم نوح كانوا يمرون به ويسخرون منه ، فقد يدعي أعداء الإسلام أنه كيف يمكن لهم أن يسخروا منه وهم قد أخرجوه ؟

أنا أؤمن أنه لا يوجد تناقض في القران والسنة ، وأن ما قد يظهر أنه كتعارض سببه جهلنا كما ذكر الشيخ ابن عثيمين ، ولكنني أخشى على صغار السن ممن لا يملكون العلم.


الجواب

الحمد لله

قال الله عز وجل : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) القمر/ 9، 10 .

لما ذكر الله تعالى في مطلع سورة القمر حال المكذبين لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن الآيات لا تنفع فيهم، ولا تجدي عليهم شيئا، أنذرهم وخوفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل

وكيف أهلكهم الله وأحل بهم عقابه.

فذكر قوم نوح، أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، وكان قومه يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فعصوه وكذبوه، ولم يزل نوح عليه السلام يدعوهم إلى الله ليلا

ونهارا، وسرا وجهارا، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا وطغيانا، وقدحا في نبيهم ، فقالوا مجنون ، وانتهروه وزجروه عن دعوى النبوة ، وعما أمرهم به من توحيد الله وترك الشرك .

قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ( وازدُجِر) :

" أَيْ زُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بِالسَّبِّ وَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (17/ 131)

وقال ابن الجوزي رحمه الله:

" قال أبو عبيدة: افتُعِل مِن زُجِر. قال المفسرون: زجروه عن مقالته ، فَدَعا عليهم نوح رَبَّهُ ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) أي: فانتَقِم لي ممَّن كذَّبني "

انتهى من " زاد المسير " (4/ 199)

وقال القاسمي رحمه الله :

" وَازْدُجِرَ أي زجر عن الإنذار والتبليغ بشدة وقساوة، كما يدل عليه صيغة (افتعل) "
.
انتهى من "محاسن التأويل" : (9/90) .

وقال السعدي رحمه الله:

" أي: زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم إلى الله تعالى، فلم يكفهم -قبحهم الله- عدم الإيمان به، ولا تكذيبهم إياه، حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه، وهكذا جميع أعداء الرسل، هذه حالهم مع أنبيائهم.

فعند ذلك دعا نوح ربه فقال: (أَنِّي مَغْلُوبٌ) لا قدرة لي على الانتصار منهم، لأنه لم يؤمن من قومه إلا القليل النادر، ولا قدرة لهم على مقاومة قومهم، (فَانْتَصِرْ) اللهم لي منهم " .

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 825) .

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ تَسْلِيَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَرَّعَ عَلَيْهِ الْإِخْبَارَ بِحُصُولِ الْمُشَابِهَةِ بَيْنَ تَكْذِيبِ قَوْمِ نُوحٍ رَسُولَهُمْ، وَتَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِمَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ وَاصْطَفَاهُ بِالْعُبُودِيَّةِ الْخَاصَّةِ ، وَفِي أَنَّهُ تَكْذِيبٌ مَشُوبٌ بِبُهْتَانٍ،

إِذْ قَالَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ لِرَسُولِهِ: مَجْنُونٌ، وَمَشُوبٌ بِبَذَاءَةٍ ، إِذْ آذَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ رَسُولَهُمْ وَازْدَجَرُوهُ "

انتهى من " التحرير والتنوير " (27/ 180) .

وقال ابن كثير رحمه الله:

" قَالَ مُجَاهِدٌ: وَازْدُجِرَ أَيْ: اسْتُطِيرَ جُنُونًا.

وَقِيلَ: وَازْدُجِرَ أَيِ: انْتَهَرُوهُ وَزَجَرُوهُ وَأَوْعَدُوهُ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ. قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ حَسَنٌ "

انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 476) .

وينظر : "تفسير الطبري" (22/120) .

وقد اختار أكثر المفسرين قول ابن زيد ، وصرح بعضهم برد قول مجاهد .

فقال ابن عطية رحمه الله:

" قوله: (وَازْدُجِرَ) إخبار من الله أنهم زجروا نوحا بالسب والتخويف، قاله ابن زيد.

وذهب مجاهد إلى أن (وَازْدُجِرَ) من كلام قَوْمِ نُوحٍ، كأنهم قالوا: مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، والمعنى: استطير جنونا واستعر جنونا، وهذا قول فيه تعسف وتحكم ".

انتهى من "تفسير ابن عطية" (5/ 213) .

وقال الشوكاني رحمه الله :

" قَوْلُهُ: (وَازْدُجِرَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَالُوا، أَيْ: وَزُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَعَنْ تَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ بِأَنْوَاعِ الزَّجْرِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مجنون، أي: وقالوا إنه ازدجر، أَيِ: ازْدَجَرَتْهُ الْجِنُّ وَذَهَبَتْ بِلُبِّهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى "

انتهى من "فتح القدير" (5/ 147) .

وقال الرازي (14/482) "التفسير الكبير": "والأول أصح" . يعني : قول ابن زيد

وعلى قول مجاهد : فليس فيه أنهم أخرجوه ، ولكن معناه أن الجن تسلطت عليه ، وأثرت على عقله ، فجُنّ وزاد جنونه ، فقال ما قال .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-01, 15:12   رقم المشاركة : 130
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى : ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ )، وبركة هذا الكيد عليه وعلى أسرته.

السؤال

خطر ببالي سؤال قبل بضعة أيام فقد جاء في سورة يوسف في الآيات من 70-77 أن نبي الله يوسف قد كذب

وأنه كان هناك خداع وتلاعب بالأدلة في إقامة الدعوى. ويقول الله في الآية 76 "وكذلك كدنا ليوسف".

أي أن الله دبر ليوسف طريقة للخداع والكذب من أجل الحصول على ما يريد إذ إن إخوته لم يأخذوا الصواع حقًا. فأنا أرجو أن أعرف الرد على هذا الادعاء الفظيع ، إذ إن علمي بالقرآن ضئيلٌ جدًا.

الجواب

الحمد لله

أولا :

الله عز وجل أصدق القائلين ، قال تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) النساء/ 87 ، وقال تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) النساء/ 122 .

فلا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى شيء من الكذب ؛ جل الله في علاه عن ذلك ، وتنزه وتقدس.

ونبي الله يوسف عليه السلام نبي صديق ، والصديق : الفعّيل من الصدق ، ومن التصديق ، والمراد المبالغة فيه

قال الرازي رحمه الله :

" الصِّدِّيقُ: اسْمٌ لِمَنْ عَادَتُهُ الصِّدْقُ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى عَادَتِهِ فِعْلٌ ، إِذَا وُصِفَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ قِيلَ فِيهِ: فِعِّيلٌ "

انتهى من " تفسير الرازي " (10/ 133) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" الصِّدِّيقُ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ بِفِعْلِهِ مَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (5/ 272).

ثانيا :

قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته :

( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ *

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ *

قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ *

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ *

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ) يوسف/ 70 – 77 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ) أي: كال لكل واحد من إخوته، ومن جملتهم أخوه هذا.

(جَعَلَ السِّقَايَةَ) وهو: الإناء الذي يشرب به ، ويكال فيه ( فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ ) أوعوا متاعهم . فلما انطلقوا ذاهبين، ( أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) ولعل هذا المؤذن، لم يعلم بحقيقة الحال.

(قَالُوا) أي: إخوة يوسف (وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) جاءوا مقبلين إليهم، ليس لهم همٌّ إلا إزالة التهمة التي رموا بها عنهم، فقالوا في هذه الحال: (مَاذَا تَفْقِدُونَ) ولم يقولوا: "ما الذي سرقنا" لجزمهم بأنهم براء من السرقة.

(قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي: أجرة له على وجدانه (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي: كفيل، وهذا يقوله المؤذن المتفقد.

(قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ) بجميع أنواع المعاصي، (وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) فإن السرقة من أكبر أنواع الفساد في الأرض، وإنما أقسموا على علمهم أنهم ليسوا مفسدين ولا سارقين

لأنهم عرفوا أنهم سبروا من أحوالهم ما يدلهم على عفتهم وورعهم، وأن هذا الأمر لا يقع منهم بعلم من اتهموهم، وهذا أبلغ في نفي التهمة، من أن لو قالوا: " تالله لم نفسد في الأرض ولم نسرق
"
(قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ) أي: جزاء هذا الفعل (إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ) بأن كان معكم؟

(قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ) أي: الموجود في رحله (جَزَاؤُهُ) بأن يتملكه صاحب السرقة، وكان هذا في دينهم أن السارق إذا ثبتت عليه السرقة كان ملكا لصاحب المال المسروق، ولهذا قالوا: (كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) .

(فَبَدَأَ) المفتش (بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ) وذلك لتزول الريبة التي يظن أنها فعلت بالقصد، فلما لم يجد في أوعيتهم شيئا (اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ) ولم يقل "وجدها، أو سرقها أخوه" مراعاة للحقيقة الواقعة .

فحينئذ تم ليوسف ما أراد من بقاء أخيه عنده، على وجه لا يشعر به إخوته

قال تعالى: (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) أي: يسرنا له هذا الكيد، الذي توصل به إلى أمر غير مذموم (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) لأنه ليس من دينه أن يُتملك السارق، وإنما له عندهم، جزاء آخر

فلو ردت الحكومة إلى دين الملك، لم يتمكن يوسف من إبقاء أخيه عنده، ولكنه جعل الحكم منهم، ليتم له ما أراد.

قال تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) بالعلم النافع، ومعرفة الطرق الموصلة إلى مقصدها، كما رفعنا درجات يوسف، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) فكل عالم، فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم الغيب والشهادة.

فلما رأى إخوة يوسف ما رأوا (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ) هذا الأخ، فليس هذا غريبا منه. (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يعنون: يوسف عليه السلام، ومقصودهم تبرئة أنفسهم

وأن هذا وأخاه قد يصدر منهما ما يصدر من السرقة، وهما ليسا شقيقين لنا.

وفي هذا من الغض عليهما ما فيه، ولهذا: أسرها يوسف في نفسه (وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) أي: لم يقابلهم على ما قالوه بما يكرهون، بل كظم الغيظ، وأسرَّ الأمر في نفسه. (وقَالَ)

في نفسه (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا) حيث ذممتمونا بما أنتم على أشر منه، (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) منا، من وصفنا بالسرقة، يعلم الله أنا براء منها "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 402) .

وليس هذا من يوسف عليه السلام من الكذب أو الخداع المحرم ، ولكنه من الكيد الحسن الذي كاد الله به له ليتم عليه نعمته ، ويجمعه بوالديه وأهله ، وليستقبل إخوته التوبة

وليظهر لهم خطؤهم فيما صنعوه بأبيهم وأخويهم ، وليتم الله نعمته على أبيهم يعقوب عليه السلام ، ويرد عليه ابنه بعد طول غياب وشدة معاناة

فكاد الله تعالى لنبيه هذا الكيد الحسن المبارك ، لتحصل هذه النعم للجميع ، وليس هذا من الظلم والعدوان والخداع المحرم ، حاشا وكلا .

والمنادي الذي نادى : ( أيتها العير إنكم لسارقون ) كان يظن أنهم الذين سرقوا صواع الملك ، فنادى بما يعلم ، فلم يكن كاذبا .

ويوسف عليه السلام قصد أنهم سرقوه من أبيه ، وقد صدق ، وهذا من جملة المعاريض الحسنة التي يتوصل بها إلى معرفة الحق وإقامة الدليل عليه .

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" فإن قيل: كيف جاز ليوسف أن يُسرِّق من لم يسرق؟ فعنه أربعة أجوبة:

أحدها: أن المعنى: إِنكم لسارقون يوسف حين قطعتموه عن أبيه وطرحتموه في الجب، قاله الزجاج.

والثاني: أن المنادي نادى وهو لا يعلم أن يوسف أمر بوضع السقاية في رحل أخيه، فكان غير كاذب في قوله، قاله ابن جرير.

والثالث: أن المنادي نادى بالتسريق لهم بغير أمر يوسف
.
والرابع: أن المعنى: إِنكم لسارقون فيما يظهر لمن لم يعلم حقيقة أخباركم

كقوله: ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) أي: عند نفسك، لا عندنا. وقولِ النبي صلّى الله عليه وسلم: ( كذب إِبراهيم ثلاث كَذَبات ) أي: قال قولاً يشبه الكذب، وليس به "

انتهى من " زاد المسير" (2/ 457) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَصَدَ: إنَّكُمْ لَسَارِقُونَ يُوسُفَ مِنْ أَبِيهِ ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي هَذَا.

وَالْمَأْمُورُ قَصَدَ: إنَّكُمْ لَسَارِقُونَ الصُّوَاعَ ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ سَرَقُوهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ خَبَرُهُ كَذِبًا "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (16/ 451)

وينظر أيضا : " الفتاوى الكبرى " (6/ 127).

وقال ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (2/ 118):

" كان إلهام الله تعالى لإخوة يوسف عليه السلام قولهم: (مَنْ وُجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) كيدا من الله تعالى ليوسف عليه السلام، أجراه على ألسن إخوته، وذلك خارج عن قدرته.

وكان يمكنهم أن يتخلصوا من ذلك، بأن يقولوا: لا جزاء عليه، حتى يثبت أنه هو الذى سرق، فإن مجرد وجوده فى رحله لا يوجب أن يكون سارقاً ؛ وقد كان يوسف عليه السلام عادلا لا يأخذهم بغير حجة .

وكان يمكنهم التخلص أيضا بأن يقولوا: جزاؤه أن يفعل به ما تفعلونه بالسراق فى دينكم، وقد كان من دين ملك مصر - فيما ذكر -

: أن السارق يضرب ويغرم قيمة المسروق مرتين، فلو قالوا له ذلك، لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم، فلذلك قال سبحانه: (كَذلكَ كِدْنَا لِيُوسُفْ مَا كَانَ لِيَأْخُذُ أَخَاهُ فِى دِينِ المَلِكِ إلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ)

أى ما كان ليمكنه أخذه فى دين ملك مصر، لأنه لم يكن فى دينه طريق إلى أخذه.

وقوله (إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ) استثناء منقطع، أى لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر، ويجوز أن يكون متصلا، والمعنى: إلا أن يهيئ الله سببا آخر يؤخذ به فى دين الملك غير السرقة " انتهى .

وينظر أيضا : "إعلام الموقعين" (3/ 168).

وقال ابن كثير رحمه الله :

" (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) وَهَذَا مِنَ الْكَيْدِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (4/ 401) .

والمقصود أن ذلك كله ليس من الكذب في شيء، ولكنه من المعاريض الحسنة التي كان من آثارها : ظهور الحق ، واعتراف المخطئ بخطئه ، وتوبته منه

والتحلل من المظلوم ، وجمع الشمل ، وتحقيق موعود الله ليعقوب ويوسف عليهما السلام ،

ونصرة الله للمظلوم ، وكيده له ، وهذا كله من الفضل العظيم الذي توصلوا إليه عن طريق هذه المعاريض التي ليست بكذب ، وإن كان يظنها من لم يفهم حقيقة الأمر : أنها كذب .

والله أعلم .









قديم 2019-02-01, 15:18   رقم المشاركة : 131
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ذكر محاجة إبراهيم الخليل عليه السلام لقومه .

السؤال

قال تعالى في سورة الأنعام : ( فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ) فهمت من تفسير ابن كثير أن إبراهيم قال ذلك من باب مجادلة الكفار. وكم أتمنى أن تشرحوا لي هذه الآية بالتفصيل

والسياق الذي أتت فيه ، حتى لا يجرؤ أحد من أعداء الإسلام على استخدمها في غير موضعها، وهو ما يقومون به في هذه الأيام مضللين بذلك بعض شبابنا .


الجواب

الحمد لله


قال الله عز وجل :( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً

قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام/ 75 – 79

فيخبر الله تعالى أنه قد أرى خليله إبراهيم عليه السلام من ملكوت السموات والأرض ببصيرته من دلائل وحدانيته

وربوبيته وألوهيته، ما يحصل له به تمام الإيمان بالله واليقين بموعوده الحق ، وما يقدر به على محاجة مخالفيه ، ودحض شبههم وباطلهم ، وإقامة الحجة البينة البالغة على ما جاء به من الحق .

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي: أظلم (رَأَى كَوْكَبًا) من الكواكب المضيئة التي في السماء، قَالَ لمن يخاصمونه ويجادلونه (هَذَا رَبِّي) أي: على وجه التنزل مع هؤلاء الخصماء

أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية؟

وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان.

(فَلَمَّا أَفَلَ) أي: غاب ذلك الكوكب (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) أي: الذي يغيب ويختفي عمن عبده، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده، ومدبرا له في جميع شئونه، فأما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب، فمن أين يستحق العبادة؟!

وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه، وأبطل الباطل؟!

(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا) أي: طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها (قَالَ هَذَا رَبِّي) تنزلا مع الخصم لتقوم الحجة عليه

. (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فافتقر غاية الافتقار إلى هداية ربه، وعلم أنه إن لم يهده الله فلا هادي له، وإن لم يعنه على طاعته، فلا معين له.

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ) من الكوكب ومن القمر. (فَلَمَّا أَفَلَتْ) تقرر حينئذ الهدى، واضمحل الردى فـ (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلانه.

(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا) أي: لله وحده ، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه. (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد، وأقام على ذلك البرهان.

" تفسير السعدي" (ص 262) .

وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن إبراهيم إنما قال ذلك على سبيل التنزل والمحاجة لقومه ، كما مر في النقل السابق عن العلامة ابن سعدي رحمه الله ، لا أنه كان ناظرا ، متأملا ، مستدلا به على وحدانية ربه .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَالْحَقُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، كَانَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ، مُبَيِّنًا لَهُمْ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ وَالْأَصْنَامِ، فَبَيَّنَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ مَعَ أَبِيهِ خَطَأَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْأَرْضِيَّةِ، الَّتِي

هِيَ عَلَى صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ إِلَى الْخَالِقِ الْعَظِيمِ ، الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَإِنَّمَا يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ بِعِبَادَةِ مَلَائِكَتِهِ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَهُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.

وَبَيَّنَ فِي هَذَا الْمَقَامِ خَطَأَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ

وَهِيَ الْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ السَّبْعَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ، وَهِيَ: الْقَمَرُ، وَعُطَارِدُ، وَالزَّهْرَةُ، وَالشَّمْسُ، وَالْمِرِّيخُ، وَالْمُشْتَرَى، وَزُحَلُ، وَأَشُدُّهُنَّ إِضَاءَةً وَأَشْرَقُهُنَّ عِنْدَهُمُ الشَّمْسُ، ثُمَّ الْقَمَرُ، ثُمَّ الزُّهَرَةُ.

فَبَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ هَذِهِ الزُّهْرَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ مَقَدَّرَةٌ بِسَيْرٍ مُعَيَّنٍ، لَا تَزِيغُ عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ، وَلَا تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا تَصَرُّفًا.

ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْقَمَرِ، فَبَيَّنَ فِيهِ مِثْلَ مَا بَيَّنَ فِي النَّجْمِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الشَّمْسِ كَذَلِكَ.

فَلَمَّا انْتَفَتِ الْإِلَهِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْأَجْرَامِ الثَّلَاثَةِ ، الَّتِي هِيَ أَنْوَرُ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْأَبْصَارُ، وَتَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ، (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ؛ أَيْ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ عِبَادَتِهِنَّ وَمُوَالَاتِهِنَّ

فَإِنْ كَانَتْ آلِهَةً، فَكِيدُونِي بِهَا جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ، (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا

وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ: إِنَّمَا أَعْبُدُ خَالِقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمُخْتَرِعَهَا وَمُسَخِّرَهَا وَمُقَدِّرَهَا وَمُدَبِّرَهَا، الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ " .

انتهى من " تفسير ابن كثير " (3/ 292) .

وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله :

" قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيَلُّ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي، الْآيَاتِ، قَوْلُهُ: هَذَا رَبِّي [6 76] ، فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ ذَلِكَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ .

وَمُحْتَمَلٌ، لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِعَدَمِ رُبُوبِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَمُرَادُهُ هَذَا رَبِّي فِي زَعْمِكُمُ الْبَاطِلِ، أَوْ أَنَّهُ حَذَفَ أَدَاةَ اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ، وَالْقُرْآنُ يُبَيِّنُ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ، وَصِحَّةَ الثَّانِي.

أَمَّا بُطْلَانُ الْأَوَّلِ: فَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى كَوْنَ الشِّرْكِ الْمَاضِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: ( وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، فِي عِدَّةِ آيَاتٍ، وَنَفْيُ الْكَوْنِ الْمَاضِي يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ شِرْكٌ يَوْمًا مَا.

وَأَمَّا كَوْنُهُ جَازِمًا مُوقِنًا بِعَدَمِ رُبُوبِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ، فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ تَرْتِيبُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ) إِلَى آخِرِهِ، بِالْفَاءِ عَلَى

قَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) .

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مُوقِنًا مُنَاظِرًا وَمُحَاجًّا لَهُمْ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ )

وَقَوْلُهُ: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ) الْآيَةَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى."

انتهى من "أضواء البيان" (1/486) .

وانظر أيضا : "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7/319) .

فإبراهيم عليه السلام إنما قال ذلك على سبيل التنزل مع الخصم لإقامة الحجة عليه ، وحصول البرهان القاطع على وحدانية الله ، وأنه المستحق للعبادة وحده ، وأن ما عداه مخلوق مربوب

ولم يقل ذلك معتقدا أن هذه الكواكب آلهة ، ولا شاكا في ألوهية الله تعالى .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-03, 15:55   رقم المشاركة : 132
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى ، : "الأحد" .


السؤال

كيف أعمل بمقتضى اسم الله عز وجل : الأحد ؟

الجواب

الحمد لله

"الأحد" من أسماء الله الحسنى .

قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الإخلاص/ 1 .

و"الأحد" : هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر ، وهو المنفرد بوحدانيته في ذاته وفي ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" "الواحد، الأحد": وهو الذي توحد بجميع الكمالات ، بحيث لا يشاركه فيها مشارك. ويجب على العبيد توحيده، عقلا وقولا وعملا بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة. "

انتهى من "تفسير السعدي" (945) .

والعمل بمقتضى هذا الاسم: يكون بإفراد الله تعالى بربوبيته ، فهو المنفرد بالخلق والملك والتدبير ، ثم يتبع هذا ، ألا نشرك به شيئا في العبادة ونعمل لوجهه الكريم، ونحرص على الإخلاص له سبحانه في أقوالنا وأعمالنا.

ف " إن أعظم أثر وموجب لهذين الاسمين الجليلين الكريمين ـ الواحد ، الأحد ـ : هو إفراده - سبحانه وتعالى - بالربوبية والإلهية ، وتوحيده سبحانه بأفعاله وصفاته ، وتوحيده بأفعال عباده.

فكما أنه واحد في ربوبيته ، حيث هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرف في خلقه كيف يشاء ؛ فهو واحد في ألوهيته ، فلا إله إلا هو وحده لا شريك له.

وحينئذ يتحقق توحيد العبد لربه سبحانه ، ويتحقق إفراده - عز وجل - بجميع أنواع العبادة ، حيث لا يستحق العبادة إلا هو وحده سبحانه .

وعندما يستقر هذا المعتقد في القلب ، فلابد أن يظهر ذلك في أقوال العبد، وأفعاله، وجوارحه كلها فلا يسجد، ولا يركع، ولا يصلي إلا لله وحده لا شريك له ، ولا يرجو، ولا يدعو، ولا يسأل إلا الله - عز وجل -

ولا يستغيث ، ولا يستعين ، ولا يستعيذ إلا بالله وحده ، ولا يخاف ، ولا يره ب، ولا يشفق إلا من الله وحده ، ولا يتوكل إلا عليه وحده.

والمقصود : أن من موجبات الإيمان باسمه (الواحد، الأحد) إفراده سبحانه وحده بالتأله، والدعاء، والمحبة، والتعظيم، والإجلال، والخوف، والرجاء، والتوكل وجميع أنواع العبادة.

وهذا يقتضي إفراده - عز وجل - بالحب والولاء؛ قال سبحانه: أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام: 14].
ثانيًا: تعلق القلوب بخالقها ومعبودها

وتوجهها له وحده لا شريك له، لأنه (الواحد الأحد) الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها وضروراتها ، وهو القادر على كل شيء، والمالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء.

وهذا الشعور يريح القلوب من شتاتها واضطرابها ، ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها ، وتقطع التعلق بمن لا

يملكون شيئًا ، ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ؛ فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم !!

وهذا الشعور يجعل العبد يقطع قلبه من التعلق بالمخلوق ، ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده

ولم يتوجه لوجهات متعددة ، وشركاء متشاكسين ، يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير .

وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا ، هو الله - عز وجل -

ومن تنازعه آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه.

قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الزمر/29 ..
.
وإذا وجه العبد حياته كلها لتحقيق هذا الهدف العظيم، ألا وهو عبادة الله وحده، فإنه يخضع كل شيء في حياته لهذا الهدف، وإنه بذلك يحفظ وقته وعمره من أن يضيع في غير هذه الغاية

فيشح بوقته النفيس وأنفاسه المعدودة من أن تضيع سدى، بل يشغل جميع أوقاته ودقائق عمره فيما يعود عليه بالنفع في آخرته من عمل صالح

أو دعوة إلى الله أو جهاد في سبيله، ويتحسر على فوات الدقائق من عمره أعظم من تحسره على فوات الدنيا بأسرها؛ لذلك فهو يغتنم ويهتبل نعمة الفراغ والصحة

والمال، والشباب باستعمالها في طاعة الله - عز وجل - قبل فواتها، وحتى أوقات راحته واستجمامه ومتعته ؛ ينويها عبادة لله - عز وجل - ليتقوى بها على طاعة أخرى ، بعد إجمام النفس ونشاطها..."

انتهى ، باختصار من "ولله الأسماء الحسنى" (114-117) .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-03, 15:57   رقم المشاركة : 133
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف أعمل بمقتضى اسم الله تعالى " الأعلى "

السؤال

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى "الأعلى" "؟

الجواب

الحمد لله

""الأعلى" من أسماء الله الحسنى .

قال تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الأعلى/ 1

و"الأعلى" : هو الذي له العلو المطلق من كل وجه .

قال السعدي رحمه الله :

" العلي الأعلى" وهو الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر.

فهو الذي على العرش استوى ، وعلى الملك احتوى. وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف ، وإليه فيها المنتهى "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 946) .

وينظر للأهمية : "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" لمحمد الحمود النجدي (1/321-337) .

والعمل بمقتضى هذا الاسم يكون أولا بمعرفة معنى العلو لله العلي العظيم

فنؤمن بعلو ذاته سبحانه على عرشه ، وأن له علو القهر والغلبة ، وهو القاهر فوق عباده ، يحكم ما يريد ، ويفعل ما يشاء ، قد قهر جميع المخلوقات فلا يخرج أحد منهم عن سلطانه وقهره .

وأن له علو المكانة والقدر ، فله المثلى الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ، ذو قدر عظيم، لا يساويه فيه أحد من خلقه، ولا يعتريه معه نقص.

ثم بتحقيق العبودية بمقتضى هذا الاسم ، فيخضع العبد لربه ، ويشعر بفقره وحاجته إليه وضعفه بين يديه ، وأنه المستحق لكل تعظيم وإجلال

وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فيسارع في عبادة ربه ، ويخشاه في ليله ونهاره ، ويراقبه في قوله وفعله ، ويعظم أمره ونهيه .

وينظر للفائدة : " ولله الأسماء الحسنى" (259-262) .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-03, 16:01   رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف أعمل بمقتضى اسم الله تعالى: الأكرم .

السؤال

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأكرم" ؟

الجواب

الحمد لله

"الأكرم" من أسماء الله الحسنى .

قال تعالى :( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) العلق/ 3 .

و" الأكرم" : كثير الكرم ، واسع الإحسان إلى خلقه ، قال الخطابي رحمه الله :

" هُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ ، لَا يُوَازِيهِ كَرِيمٌ , وَلَا يُعَادِلُهُ فِيهِ نَظِيرٌ ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَكْرَمُ بِمَعْنَى الْكَرِيمِ "

انتهى من "الأسماء والصفات" للبيهقي (1/ 148) .

وقال أبو حيان رحمه الله :

" الْأَكْرَمُ : صِفَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَرَمِ ، إِذْ كَرَمُهُ يَزِيدُ عَلَى كُلِّ كَرَمٍ يُنْعِمُ بِالنِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى ، وَيَحْلُمُ عَلَى الْجَانِي ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ السَّيِّئَةِ " .

انتهى من " البحر المحيط " (10/ 507) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود " .

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 930) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" الله سبحانه غنى كريم ، عزيز رحيم . فهو محسن إلى عبده مع غناه عنه، يريد به الخير، ويكشف عنه الضر، لا لجلب منفعة إليه من العبد، ولا لدفع مضرة، بل رحمة منه وإحسانا.

فهو سبحانه لم يخلق خلقه ليتكثر بهم من قلة ، ولا ليعتز بهم من ذلة ، ولا ليرزقوه قوة ، ولا لينفعوه، ولا ليدفعوا عنه

" انتهى من " إغاثة اللهفان " (1/ 41) .

وينظر : "النهج الأسمى" (1/377-392) .

والعمل بمقتضى هذا الاسم يكون بمعرفة كرم الله تعالى وجوده ، وأن خزائنه لا تفنى ، وكرمه وجوده لا حد له ، فيحسن العبد ظنه بربه ، ويحسن التوكل عليه

وإذا أذنب تاب إليه وأقبل عليه ، ولم ييأس من رحمته ، ولا قنط من فضله وجوده ، وإذا سأله أيقن بالإجابة ، وألح عليه في دعائه .

ومن آثار الإيمان باسميه سبحانه (الكريم، الأكرم) :

أولاً: محبته سبحانه وتعالى على كرمه وجوده ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ، والسعي إلى تحقيق هذه المحبة ، بشكره سبحانه بالقلب واللسان والجوارح

وإفراده وحده بالعبادة، وأن لا يكون من العبد إلا ما يرضي الله سبحانه، ومجاهدة النفس في ترك ما يسخطه ، والمبادرة إلى التوبة عند الوقوع فيما لا يرضيه عز وجل ...

ثانيًا: الحياء منه سبحانه والتأدب معه - عز وجل - حيث : مع كثرة معاصي عباده ، إلا أنه لم يمنع عنهم عطاءه وكرمه وجوده .

وهذا الكرم العظيم يورث في قلب العبد المؤمن حياء وانكسارًا ، وخوفًا ورجاءً ، وبعدًا عما يسخطه سبحانه وتعالى.
ثالثًا: التعلق به وحده سبحانه ، والتوكل عليه وتفويض الأمور إليه ، وطلب الحاجات منه وحده سبحانه

لأنه الكريم الذي لا نهاية لكرمه ، والقادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، الحي الذي لا يموت ، بخلاف المخلوق الذي يغلب عليه الشح في العادة ، ولو كان كريمًا فإن كرمه محدود

وفان بفنائه ، وقد يريد التكرم على غيره ولكن عجزه يحول دون ذلك . قال الله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، وقال سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) [الشعراء: 217] .

وهذا يورث قوة الرجاء ، والطمع في كرمه ورحمته ، وقطع الرجاء من المخلوق.

رابعًا: التخلق بخلق الكرم ، والتحلي بصفة الجود والسخاء على عباد الله تعالى ، فإن الله - عز وجل -

كريم يحب من عباده الكرماء الذين يفرج الله بهم كرب المحتاجين

ويغيث بهم الملهوفين. وخلق الكرم الذي يحبه الله تعالى : ليس في الإسراف والتبذير وتضييع الأموال، وإنما هو التوسط بين الإسراف والتبذير، وبين البخل والشح.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد مدح تعالى أهل التوسط بين الطرفين المنحرفين في غير موضع من كتابه ، فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) [الفرقان: 67] .

وقال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) [الإسراء: 29]

وقال سبحانه: وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) [الإسراء: 26].

فمنع ذي القربى والمسكين وابن السبيل حقهم : انحراف في جانب الإمساك .

والتبذير : انحراف في جانب البذل، ورضا الله فيما بينهما " .

ثم إن الكرم المطلوب من العبد لا يتوقف على الكرم بالمال فحسب، وإنما يدخل فيه الكرم بالجاه والكرم بالعلم، والكرم بالنفس والجود بها في سبيل الله.

خامسًا: كثرة دعاء الله - عز وجل - وطلب الحاجات منه سبحانه، مهما كان قدر هذه الحاجة وإحسان الظن به تعالى، فإن تأخير ، أو منع إجابة الدعاء ، وقضاء الحاجة

: لا يقدح في كرم الله سبحانه وجوده، بل إن منعه سبحانه قضاء حاجة عبده المؤمن

هي في ذاته كرمًا منه سبحانه ورحمة، إذ قد يكون في قضاء الحاجة التي يلح العبد في قضائها هلاك له في دينه أو دنياه، والله سبحانه بمنه وكرمه ورحمته لا يستجيب له ، لما يعلم من ضررها عليه لو حصلت له .

سادسًا: المُكرَم : من أكرمه الله تعالى بالإيمان والهدى ، ولو كان فقيرًا مبتلى . والمهان : من أهانه الله تعالى بالكفر والفسوق والعصيان ، ولو كان غنيًا ووجيهًا ، ذا مال وبنين: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج: 18] ..."

انتهى، باختصار من كتاب " ولله الأسماء الحسنى" (594-596) .

ومن أهم ما ينبغي العمل به ، بمقتضى أسمائه الحسنى سبحانه : سؤاله بها ، والتوسل إليه بها

كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 .

وهذا من تمام عبوديته سبحانه ، وتمام الفقر إليه .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-03, 16:08   رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

النيازك والأجرام المتحركة تسمى في اللغة العربية نجوما وكواكب

السؤال

سؤالي بخصوص الآية رقم/ 5 من سورة الملك، التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) إذ يقول ابن كثيرٍ في تفسيره : إنها تشير إلى النيازك

وأنها مصنوعةٌ منها. إلا إننا نعرف من خلال العلم أن النيازك ليست لها علاقة بالنجوم إطلاقًا

وأنا أُدرك أنه لا يجوز الحكم على القرآن من خلال العلم ؛ لأن العلم متغير، ولكني أشعر أن لهذا القول سببًا وجيهًا؛ فلا يمكن للعلم أن يقرر ما إذا كان الشيء صحيحًا بنسبة (100%)؛ بل يمكنه أن يقرر خطأ هذا الش

بنسبة (100%) ، فعلى سبيل المثال أن الأرض ليست مستوية. فنحن نعلم بنسبة (100%) أنها ليست مستوية

إلا أنه لا يمكننا الجزم بأنها مستديرة بنسبة (100%). لذا فما هو التأويل الصحيح لهذه المسألة ؟

فهذه هي الحجة الوحيدة التي يتداولها الكفار، والتي أشعر أنه من الصعب دحضها.


الجواب

الحمد لله

هذا الشك أو الطعن لا نرى له وجها إطلاقا، ولا نعتقد أنه يستحق الوصف المذكور في السؤال

أنه "حجة يتداولها الكفار من الصعب دحضها"، لسبب يسير واضح لا يختلف فيه اثنان؛ ذلك أن اللغة العربية تطلق كلمة "النجم" على جميع الأجرام السماوية، فالشهاب نجم، والنيزك نجم، والكوكب نجم .

أما تخصيص اسم "نجم" بالجرم الضخم الثابت الملتهب المضيء بنفسه ، كالشمس، وتخصيص اسم "الكوكب" بالجرم الصلب غير الملتهب ، ككواكب المجموعة الشمسية، فهذا اصطلاح فلكي

حادث جديد، لا ضير في اصطلاحه واستعماله؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح، ولكن من الغلط البيِّن محاكمة لغة القرآن الكريم إلى اصطلاحات المتأخرين، بل الواجب

هو فهم القرآن الكريم بما تقتضيه اللغة العربية ، لأنها اللغة التي نزل بها القرآن

ومن يغالط في هذا، حاله كحال من يفهم من كلمة (سيارة) في قوله تعالى: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ)

يوسف/20، أنها هذه الآلة المعروفة اليوم التي يركبها الناس للسير بها بالطاقة الميكانيكية، ثم يعترض على القرآن بأن تاريخ صنع السيارات لم يكن على عهد يوسف عليه السلام، فكيف ذكرت السيارة فيه!

والجواب - هنا وهناك - : أنه لا بد من مراعاة اختلاف المفاهيم والمصطلحات، ولا بد من مراعاة لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم، فهي لا تعرف تخصيص كلمة "نجم" بالجرم المضيء

وإنما فيها أن الأجرام السماوية تنقسم إلى ثابت، ومتحرك ثاقب، ومضيء ومظلم، وكلها تسمى "نجوم"

هكذا جاء إطلاق القرآن الكريم، وفي الآية المذكورة من سورة الملك، قسمت النجوم إلى نوعين: نوع هي مصابيح للسماء تضيئها، وهي النجوم المضيئة المعروفة.

ونوع متحرك سيار، يشمل كل الشهب والنيازك والكواكب وغيرها، وهذه يسميها العرب "نجوما" أيضا.

فليس في الموضوع أي خطأ علمي، وإنما فيه تنوع في الدلالة والإطلاق والمعاني.

ولهذا كانت الهاء في قوله تعالى: (وجعلناها رجوما للشياطين) عائدة على جنس النجوم، والأجرام المتحركة ، وجميع الكواكب السيارة تسمى "نجوما" ، بلا تردد ، في اللغة العربية، فلا يوجد أي إشكال علمي في الآية الكريمة.

وهذه أقوال بعض أئمة اللغة العربية ، وأهل المعرفة بلسانها ، وطرائق بيانها :

يقول الفراهيدي رحمه الله:

"كل كوكب من أعلام الكواكب : يُسمى نجماً، والنُّجومُ تجمعُ الكواكب كلَّها" .

انتهى من " العين" (6/154)

ويقول ابن سيده:

"النجم: الكوكب"

انتهى من "المحكم والمحيط الأعظم" (7/ 469) .

ويقول ابن منظور:

"النجم في الأصل: اسم لكل واحد من كواكب السماء"

انتهى من "لسان العرب" (12/ 570) .

ويقول الفيروزآبادي:

"النجم: الكوكب"

انتهى من "القاموس المحيط" (ص: 1161) .

ويقول الزبيدي
:
"(النجم) اللام فيه للجنس، وكذا لام الكوكب، أي: كل منهما يطلق على الآخر"
.
انتهى من "تاج العروس" (4/ 157).

ومن الشعر الجاهلي يقول عامر المحاربي:

وكنا نجوما كلما انقض كوكب *** بدا زاهر منهن ليس بأقتما

ينظر "منتهى الطلب من أشعار العرب" (ص130) .

فتأمل كيف أطلق اسم "الكوكب" على ما ينقض ، أي يتحرك بسرعة وقوة منها.

ولتأكيد ذلك نسوق هنا – بعد الاستقراء – جميع موارد كلمتي "نجم"

و"كوكب" في القرآن الكريم، ليظهر فيها بدلالة واضحة ، مقدار الترادف بينهما، وأن الأجرام الفلكية المتحركة كالشهب والنيازك تسمى أيضا في اللغة العربية "نجوما" و"كواكب".

(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) النجم/ 1

(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ) الطارق/ 1 – 3 .

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ. وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ. لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى

وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)
الصافات/ 6 – 10 .

(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ
السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحِجر/ 16 – 18.

(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ
يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن/ 8، 9 .

ومنه أيضا ما ورد في "صحيح مسلم" (رقم/220) عن حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟" .

فسماه كوكبا ، رغم كونه ساقطا متحركا.

وبذلك يتبين أن الشهب والنيازك هي – في عرف العرب – تسمى كواكب ونجوم أيضا.

ولكن ليست جميع الكواكب والنجوم ، شهبا ونيازك .

ويؤكد ما سبق أيضا : هذه الآيات الكريمات التي تتحدث عن زينة السماء ، وهداية الطريق ، والتسخير للإنسان : كلها تسمى : "نجوم"، كما هي أيضا : "كواكب" ؛ فمن ذلك :

(وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) النحل/ 16 .

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأنعام/ 97 .

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) الأعراف/ 54 .

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) النحل/ 12.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج/ 18 .

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) الصافات/ 88.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) الطور/ 49.

(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) الواقعة/ 75 .

(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) المرسلات/ 8 .

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) التكوير/ 1، 2 .

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) الأنعام/ 76 .

(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يوسف/ 4 .

(إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ) الانفطار/ 1، 2 .

هكذا يتبين بكل سهولة لقارئ القرآن الكريم : أنه جرى على ما جرت عليه عراقة اللغة العربية من التوسع في إطلاق كلمة "النجم" على الأجرام السماوية بأنواعها.

ولا ينكَر وجودُ تفريق دقيق بين "النجم"، و"الكوكب" لدى بعض علماء اللغة، لكن مناط الفرق هو الحجم، أو الحركة ، وأقوال أخرى ، وليس هو المناط المعاصر ، الذي هو الإضاءة بذاته من عدمها.

كما أن وجود التفريق : لا ينفي بحال من الأحوال إطلاق "النجم" و "الكوكب" على الأجرام السيارة المتحركة كالشهب
.
يقول العسكري رحمه الله:

"الكوكب : اسم للكبير من النجوم ، وكوكب كل شيء : معظمه .

والنجم : عام في صغيرها وكبيرها.

ويجوز أن يقال: الكواكب هي الثوابت. ومنه يقال: فيه كوكب من ذهب أو فضة؛ لأنه ثابت لا يزول.

والنجم : الذي يطلع منها ويغرب .

ولهذا قيل للمنجم: منجم ؛ لأنه ينظر في ما يطلع منها. ولا يقال له : مكوكب" .

انتهى من "الفروق اللغوية" (ص: 301) .

نرجو بهذا أن يزول الإشكال عن السائل الكريم بسهولة ووضوح.

والله أعلم.









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:55

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc