إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية
المخاطر هي ظواهر وأحداث تهدد إنجاز الأهداف
وقد تؤثر سلبا" على استمرارية المؤسسة الهادفة إلى تحقيق رسالتها، وباعتبار إدارة المخاطر كعلم : فهي تعتمد على التحليل الواقعي لهيكلية المخاطر والاستعانة بالنماذج القياسية والحسابية،
وباعتبارها كفن: تتطلب اختيار النموذج المناسب، ومحاولة تعميمه بنجاح وفاعلية في المؤسسة، مع اعتبار الحيطة والحذر، بما يجعل إدارة المخاطر من الفنون القائمة على المعرفة الحقيقية للبيئة المصرفية، والمكتسبة من خلال الكفاءة المهنية, والخبرة.
وباعتبار الأطر المصرفية:
فهناك طبعا المعايير الدولية وبالأخص معايير بازل والتي اتخذت صفة قانونية في كثير من البلدان التي تود تسهيل الدخول لمصارفها إلى السوق الدولية في خضم العولمة، فأصبحت أكثر المصارف مضطرة لاتباعها، مجبرة لا بطلة، وفي خصوصية المصارف الإسلامية لا بد من اعتبار معيار آخر ملزم وهي الأحكام الشرعية.
هناك ارتباط عضوي بين المخاطر وبين تحقيق النتائج، فكلما قبلت شركة أن تتعرض لقدر أكبر من المخاطر، تفترض تحقيق جانب أكبر من النتائج، ومع احتمال أن تكون النتائج خسائر في حال عدم درايتها الفعلية بحدود الخطر، وكون عمل المخاطر هو تقييم حجم الخسائر في حال حدوث الخطر، ما يعني ارتباط المخاطر بكفاية رأس المال.
وبغض النظر عن الأطر القانونية والمعيارية، والتي أصبحت ملزمة من قبل الهيئات الرقابية في معظم البلدان الإسلامية، لم تعد أهمية اكتشاف المصارف لمخاطر عملها، بهدف تجنب هذه المخاطر،
بل للعمل على احتوائها لتعظيم العائد على الاستثمارات الذي هو في النهاية المقياس الحقيقي للنجاح،
فالمصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية تهدف إلى الربح وليست جمعيات خيرية وان كان الفرق بينهما وبين المصارف التقليدية بان أرباح المصارف الإسلامية هي أرباح مباحة شرعا تبعا لقواعد الدين الإسلامي.
وعلى ذلك فإن حسن إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، وبعد تفهم مجلس الإدارة،
يشمل المرور بأربع مراحل أساسية :
1 ـ تعريف المخاطر التي يتعرض لها نشاط الصيرفة الإسلامية.
2 ـ القدرة على قياس تلك المخاطر بصفة مستمرة من خلال نظم معلومات ملائمة.
3 ـ اختيار المخاطر التي يرغب المصرف في التعرض لها، والتي يمكن لرأس المال تحملها.
4 ـ مراقبة الإدارة لتلك المخاطر وقياسها بمعايير مناسبة واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب لتعظيم العائد مقابل تخفيض انعكاسات المخاطر.
وفي إطار تعريف المخاطر، وللتعرف عليها، يمكن الانطلاق من نوعية النشاط المصرفي عبر دراسة تفصيلية للبيئة الداخلية والخارجية، وذلك عبر تجزئة النشاط إلى خطوط إنتاج، وهذا في إطار الأهداف العامة الموضوعة من قبل مجلس الإدارة،
والتي أصبح متعارف على تقسيمها، وباعتبار الخصوصية الإسلامية، التي تتخطى مخاطر الائتمان المتعارف عليها في التسمية،
تبعا لما يلي :
مخاطر الاستثمار،
مخاطر السوق،
مخاطر السيولة،
مخاطر معدل العائد،
مخاطر التشغيل،
مخاطر السمعة.
ويفترض من ناحية إدارية وضع إجراءات تضمن تدرج إقرار هذه الخطوط، كما في أي سياسة يعتمدها المصرف، وتبعا لمعايير بازل2،
يمكن تفعيل عمل اللجان لضمان الحوكمة الإدارية وفصل الملكية عن القرار التنفيذي، وربما إنشاء لجنة إدارة الموجودات والمطلوبات، لتضم إليها المدير العام والمدراء المساعدين، ومدراء كافة الأقسام الرئيسية ومسؤولي كافة اللجان وكل من يعينه مجلس الإدارة،
وبالتالي تقوم هذه اللجنة من ناحية آلية إقرار الأهداف، والاستراتيجيات، والإجراءات، بدراسة المقترحات، ليتم تقديمها للموافقة على مجلس الإدارة.
حيث على مجلس الإدارة وتبعا لإرشادات بازل2، أن يقوم بالموافقة على السياسات المتعلقة بإدارة المخاطر على مستوى المصرف ككل، وبالتالي إخطار المجلس بصفة منتظمة عن المخاطر التي يتعرض لها المصرف.
وغالبا ما تقوم المصارف الإسلامية بدارسة وتقييم المخاطر التي تتضمنها المشروعات التي تطلب التمويل، بنفس الأساليب التي تقوم بها المصارف التقليدية، سواء فيما يتعلق بمخاطر العميل أو مخاطر البلد (سياسياً واقتصادياً) أو مخاطر العملة،
وهذا رغم الاختلاف النوعي في عملية التمويل، فالمصارف الإسلامية، لمشاركتها في خسائر بعض العمليات تبعا لنوع العقود، فهي تقوم بالدور الذي تحجم عنه البنوك التقليدية في تقديم رأس المال المخاطر.
فإدارة المخاطر على حساسية عالية في المصارف الإسلامية، فعليها أن تتابع من ناحية نوعية، تطور النشاطات والقطاعات الاقتصادية،
وبالتالي لها دور موجه في شكلية الاقتصاد ومرادف له، وبالتالي فان الخطر لا ينحصر فقط إدارة الأموال، ولكن في اختيار شركائها في المشاريع، وما هي حدود هذا الاختيار، وهل حدود القرابة والصداقة معيار يتوقف عنده الاختيار،
هذا بالإضافة إلى الإشراف على الاستثمار، ومتابعته ومراقبته.
والسؤال الذي يطرح هو النوعية الرقابية ومعيارها، ومعايير التشغيل المطلوبة في الشركات المستثمر بها، والتي يفترض على المصرف وضعها، لتكون ثابتة بغض النظر عن المشروع وأصحابه، والى أي حد يمكن أن يكون سقف التدخل الذي يمكن أن يشكل للمصرف ضمانة معقولة لمدى احترام القواعد التشغيلية من قبل المشروع،
وما هي الأصول التي يمكن أن تشكل الحافز المؤثر في التشغيل، لكي لا يعتبر التدخل سافرا، ويمكن أن يكون يؤثر غلى القرار التشغيلي في المشروع، وبالتالي يصبح مبررا في حال فشل المشروع، كان يبرر القيمين على المشروع فشلهم بقولهم أن التدخل الفائض من قبل المصرف منع المشروع من اتخاذ قرارات، لو نفذت هذه القرارات لتمكن المشروع من النجاح.
وتعد الخدمات المصرفية في المصارف، اطر العمل التي تحتوي على المخاطر، وهي الواجهة الرئيسية للمتعاملين مع المصرف، ووسيلة هامة لجذب المتعاملين الجدد، والمحافظة علي المتعاملين الحاليين. فهي بوابة العبور للتعامل في أنشطة المصرف المختلفة.
ويقدم المصرفي الإسلامي كافة الخدمات المصرفية التي يقدمها البنك التقليدي فيما عدا الخدمات المصرفية التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية والتي تستخدم أسعار الفائدة في تنفيذ تلك الخدمات .
تنقسم الخدمات المصرفية المقدمة بالمصارف الإسلامية إلي نوعين هما :
1 - خدمات مصرفية تتضمن عمليات استثمارية
2 - خدمات مصرفية لا تتضمن عمليات استثمارية.
فالخدمات المصرفية التي تتضمن عمليات استثمارية، مخاطرها متنوعة تبعا لنوع، وتشغيل، وعملة، وبلد، وقطاع الاستثمار،
وتفترض لإقرارها القيام بدراسات جدوى اقتصادية، من قبل اخصائيين لهم صفة الاستقلالية والحيادية، ويتم متابعتها من قبل مستشارين.
أما الخدمات المصرفية التي لا تتضمن عمليات استثمارية فيتم تنفيذها كخدمة مصرفية يتم أخذ عمولة أجر مقابل تقديم الخدمة، ومخاطرها ترتكز على العامل التشغيلي.
وما يشجع المستثمرون في القطاع المصرفي، إلي أن الإيرادات الناشئة عن نشاط المصارف الإسلامية، هي نشاط فعلي، ولا يرتبط بالعمليات المالية الوهمية وبالمضاربة، ولتأكيد الوضع، تقوم بعض المصارف الإسلامية في استثمار مواردها عبر إنشاء شركات تابعة متخصصة في مختلف قطاعات الاقتصاد من تجارة داخلية وخارجية وإسكان ومقاولات وصناعات، وتكون رؤوس أموال هذه الشركات إما مملوكة 100% للمصرف أو يملك المصرف نسبة عالية في رأسمالها.
وهناك عدة عوائق قد تنشأ من جراء تمويل رأس المال،
أولها
أن هذه الشركات، وكونها تابعة للمصرف، يتابع المصرف بدعمها حتى وان لم تحقق العوائد المطلوب منها، وربما في بعض الأحيان لعدم إعطاء صورة عن فشل المشروع، مما ينعكس على ثقة المودعين،
وتنعدم بالتالي الموضوعية والاستقلالية والحياد في اخذ القرار، فالشركة هي شركة تابعة، وحتى وان خسرت، يتم تعويمها، لإعطائها فرصة جديدة، مما يتعارض مع التشغيل المصرفي، والذي في حال الشعور بان أعمال احد عملائه قد تصبح متعثرة،
فيتوقف تمويل العميل تبعا لمعايير بازل، حيث يفضل للمصرف أن يخسر إصبع على أن يخسر الرأس في حال تابع تمويل الاستثمار.
ثانيها،
إن رأس المال هو المقياس الذي عبره يمكن الحكم على قدرة المؤسسة على احتمال المخاطر، وهو العنصر الأخير الممكن استرداده قانونيا في حال توقفت المؤسسة عن العمل، أو تخلفت عن الدفع أو في حال تصفية الشركة.
ثالثها،
إن المسؤولية المعنوية التي تقع على المصرف، كونه صاحب رأس المال، في حال تعثر المؤسسة، تنعكس سلبيا على سمعة المصرف، كاستثماري، مما يؤثر على حجم الأموال المودعة.
وقد قدمت بعض المصارف الإسلامية صيغا تعتبر فيها التمويل المقدم إلى الشركة التابعة قرضا حسناً، ما يشبه الأسهم التفضيلية بضمان بعض الأصول الموجودة في المؤسسة، مع الاكتفاء بالربح العائد على الأسهم.
وبما يتعلق بموضوع المساهمات في الشركات، وشراء الأسهم، فيمكن المصرف الإسلامي، وبعد دراسة نشاط الشركة وديانتها حيث تحرم بعض المدارس الإسلامية التعامل مع غير المسلم، وإذا كان النشاط حلالا، والتوقعات الربحية، بهدف تقديم خدمات استشارية لعملائه، مقابل عمولات، مع تقديم شروحات حول حدود الشرع في التعاطي مع شكلية هذه الأنواع من الاستثمارات،
وهنا تأتي نية المستثمر لتفاعل الالتزام المعياري والديني، حيث إذا كانت نية الاستثمار هي فعليا المشاركة في رأسمال الشركة، والحصول على الأرباح، فلا حرج في ذلك، أما إذا كانت النية هي في المضاربة، وبيع السهم عند ارتفاع قيمته،
فهنا نكون قد بعدنا عن العامل الاستثماري، ودخلنا في اقتصاد المغامرة، والتي تحوي إشكالية دينية، ومعيارية، والسؤال هو، هل سيمتنع المصرف في حال علم مسبقا أن عميله بنية العميل في المضاربة، في إتمام الصفقة، علما أن العميل يمكنه الحصول على هذه الأسهم عبر البورصة، وبالتالي يخسر المصرف وساطته، وما هي الإشكالات الشرعية في ذلك.
والموضوع لا يرتبط بالأدوات المالية القصيرة الأجل، حيث نوعية التعامل في الاقتصاد الإسلامي تفترض اكتمال دورة تجارية، وبالتالي لا يمكن تقديم وعد لأي مودع بأنه يمكن الحصول على عوائد في فترة شهر إلا في حالات استثنائية،
حيث يكون فترة دوران الخزون سريعة، مما يعني ضرورة إعلام المودع أن عوائد الاستثمار لا يمكن أن تمنح لمودعين تقل فترة إيداعاتهم عن ستة أشهر على الأقل، وهنا المفارقة مع المصارف التقليدية، حيث في المصرف التقليدي، يفترض حد أدنى من القيم ليتمكن المودع من الحصول على فوائد، وفي المصارف الإسلامية يفترض وضع حد أدنى من الفترات لتصبح الأموال منتجة للأرباح،
ويمكن أن تكون هذه المادة جاذب لصغار المودعين، والتي تؤمن عامل تجزئة للودائع، وبدل أن يكون مودع واحد بمبالغ كبيرة، يصبح لدينا ودائع قليلة موزعة على أعداد كبيرة من المودعين، مما يعني مخاطر أقل للمصرف.
في حالة الأسواق المالية، يفترض معرفة الشرعية الدينية للشركة، وقدرتها المالية، والتوقعات الربحية، واعتماد المعيار المحاسبي الدولي رقم 39، في الحصول على الأسهم إن لغاية المتاجرة أو بهدف الاحتفاظ بها، وفي حالة المتاجرة، يفترض إعلام العميل عن الشرعية الدينية، بضرورة ان تكون نية العميل هي في الاحتفاظ بالأسهم، وهذا بهدف تخفيض رأس المال المخاطر.
وتبقى الرقابة المعتمدة في أسسها على المصداقية، والتوقع، والتنسيق، وبأشكالها القانونية، والشرعية، المدعومة بحوكمة إدارية تضمن احترام معادلة الضمان والسيولة والربحية هي العامل المؤثر في حماية الودائع على دعامة أساسية هي تقليل المخاطر إلى أقل درجة ممكنة.
بقلم: د. محمد سليم وهبة
المصدر مجلة المستثمرون