لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 86 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-05-20, 15:00   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Annaba 23 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
هل من معلومات أو معطيات حول " فتح السمعي البصري في الجزائر أمام الخواص " ؟؟؟؟
https://www.elkhabar.com/ar/watan/281759.html








 


رد مع اقتباس
قديم 2012-05-09, 18:51   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
taranim
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية taranim
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم انا عندي بحث في مقياس تحليل الخطاب حول المنهج اللساني في تحليل الخطاب ارجو منك الافادة










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 22:57   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة taranim مشاهدة المشاركة
السلام عليكم انا عندي بحث في مقياس تحليل الخطاب حول المنهج اللساني في تحليل الخطاب ارجو منك الافادة

نظرية تحليل الخطاب: النشأة والتطور والبناء ـــ الدكتور: مازن الوعر
نظرية تحليل الخطاب: النشأة والتطور والبناء ـــ الدكتور: مازن الوعر

مدخل‏

تتجه الدراسات اللسانية المعاصرة نحو دراسة الخطاب اللساني المنطوق والمكتوب على حد سواء. لقد بينت هذه الدراسات أن هناك فروقاً مهمة بين الخطاب المنطوق والخطاب المكتوب. إن الوظائف اللغوية التي تعمل في ذينك الخطابين هي وظائف تتحدد طبيعتها من خلال ارتباطها بعوامل تفرضها الأنظمة الكتابية والشفهية نفسها رغم وجود تداخل كبير بين هذه الأنظمة كلها. وهذا ما جعل الباحثين يركزون على العلاقات القائمة بين هذه الأنظمة الكتابية والشفهية من جهة وبينها وبين أنظمة العلوم المعرفية الأخرى من جهة ثانية.‏

وقد قادهم البحث في هذه الظواهر إلى محاولة بناء نظرية شمولية قادرة على تحليل الخطاب اللساني، تقوم على أسس علمية معروفة في بناء النظريات الفيزيائية. هذه النظرية يحب علماء اللسانيات الاجتماعية أن يكون لها أبعاد علمية وجمالية في الوقت نفسه لكي تستطيع أن تمس جوهر الطبيعة الإنسانية القابعة في أعماق الخطاب اللساني.‏

1.تصور مناهج الدراسة‏

في اللسانيات الحديثة‏

على الرغم من انقضاء حوالي نصف قرن على دعوة اللساني البريطاني جفري فيرث‏

(J.Firth) الباحثين اللسانيين من أجل الالتفات إلى الجانب الكلامي في اللغة، لأنه حسب رأيه "المفتاح لفهم ماهية اللغة وكيفية عملها في الوقت نفسه"(1) إلا أن الدراسة الجدية للخطاب المنطوق ما زالت في بدايتها في حقل اللسانيات.‏

والواقع أن الدراسات الحالية للخطاب المنطوق لم تكن من صنع اللسانيين، بل كانت من الإسهامات التي قام بها علماء الاجتماع وعلماء الأجناس (الأنثروبولوجيا) وعلماء النفس والفلاسفة. وعلى الرغم من أن اللسانيين كلهم يوافقون على أن "الاتصال الإنساني" يجب أن يوصف من خلال مستويات ثلاثة: هي المعنى، والمبنى، والجوهر، إلا أنهم يختلفون حول حدود اللسانيات: من أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟‏

لقد أكد ج. فيرث (1951) أن "الاهتمام الرئيسي للسانيات الوصفية تسجيل الحالات الدلالية للغة"(2). ولكن جزءاً مهماً من معنى الخطاب المنطوق هو نتيجة لتباين المستويين الصوتي والنحوي. ولكي نعزل التباين الدلالي في هذين المستويين علينا أن نستعمل اللغة استعمالاً نظامياً، ولكن شريطة أن يكون هذا الاستعمال لغواً وهراء وكلاماً فارغاً في كلا المستويين الصوتي والنحوي.‏

إذا وضعنا جملة مثل "ليشرب زيد ماء البحر" في هذين المستويين فإنها لا تفيد شيئاً... ولكننا إذا نقلناها إلى سياق معين فإنها ربما تفيد في ذلك السياق لتدل دلالة خطابية على شيء معين.‏

ويعني هذا أن فيرث يعتقد أن اللغة في جوهرها طريقة في السلوك وطريقة لجعل الآخرين يسلكون هذا السلوك. ويتبع هذا أن على اللساني أن يهتم باللغة في حالتها السياقية أو حسب مصطلح البلاغيين العرب "في حالتها المقامية". إن اللغة عند فيرث ذات دلالة عندما تكون فقط في سياقها أو مقامها.‏

ومن جهة أخرى نرى اللساني الأمريكي "ليونارد بلومفيلد" يقود البحث اللساني في اتجاه مخالف تقريباً. فقد وضع المعنى جانباً مركزاً بدلاً من ذلك على المبنى. وطبقاً لرأيه فإن اللساني لا يستطيع أن يعرف المعاني أو يحددها، لذلك عليه أن يستعين بباحثين ينتمون إلى علوم معرفية أخرى.(3)‏

إن مسألة المعنى عنده مسألة متشابكة تحتاج إلى تضافر جهود معرفية كثيرة لحل إشكالياتها... إن جملة مثل "أنا جائع" يمكن أن يستعملها متسول جائع يستجدي الطعام، ويمكن في الوقت نفسه أن يستعملها طفل عنيد مشاكس يريد أن يتأخر في الذهاب إلى المدرسة عند الصباح أو إلى النوم عند المساء.‏

لقد دافع "بلومفيلد" في كتابة اللغة عن وجهة النظر هذه مؤكداً على اهتمام اللساني بالصفات الصوتية والنحوية والمعجمية المتجلية في النطق الإنساني عامة. فهو لا يريد للساني أن يشرح كيف يمكن أن يكون لجملة واحدة وظائف سياقية مختلفة ولا كيف يمكن للمستمع أن يفك رموز الخطاب لمعرفة معناه.‏

لقد ركزت اللسانيات البنيوية في أمريكا بعد بلومفيلد على المشكلات المتعلقة بعلم الأصوات وبالوصف الصوتي للغات وبعلم الصرف وبالوصف الصرفي للغات البشرية، ولا سيما المفاهيم المتلعقة بالفونيم والوصف الفونيمي على نحو عام. أي ما يسمى بـ"أساليب الاكتشاف" (Discovery Procedures) التي تهتم بعزل الفونيمات والمورفيمات ثم لتحديد الآلي- الميكانيكي لحدود الفونيم ثم تصنيف الكلمات... الخ.‏

وعلى الرغم من أن "تشومسكي" اللساني الأمريكي كان قد أدار عجلة اللسانيات باتجاه دراسة الجملة، إلا أن الاهتمامات اللسانية في تلك الفترة كانت ما تزال منصبة على الوصف الشكلي للغات البشرية. يقول تشومسكي بهذا الصدد: "إن الهدف الأساسي للتحليل اللساني هو أن نعزل السلاسل النحوية التي تولد الجمل الصحيحة عن السلاسل غير النحوية التي تولد الجمل الخاطئة ثم أن ندرس البنية التركيبية لهذه السلاسل"(4).‏

ولكي يثبت تشومسكي استقلالية النحو عن المعنى فإنه قدم مثاله الشهير الذي ليس إلا كلاماً فارغاً غير ذي معنى، على الرغم من أن بناءه وترتيبه سليم قواعدياً.‏

"Colorless green ideas sleep furiasuly" الأحلام الخضراء العديمة اللون تنام بعنف.‏

لقد نقد تشومسكي التحليل اللساني السابق لأن مواد ذلك التحليل وعيناته، على الرغم من أنها كانت كبيرة، إلا أنها ليست ضرورية، ثم إنها لم تكن دقيقة وكافية... فهي لم تشمل أمثلة لكل البنى المحتملة في اللغة، أضف إلى ذلك أنها مواد خاطئة في مستوى الأداء اللغوي، وهذا الخطأ ناتج عن عوامل نحوية غير مناسبة كقصور الذاكرة، وشرود الذهن، والتبدلات في الانتباه والاهتمام، تلك العوامل التي تحصل عند الأشخاص الذين كنا قد حصلنا على المواد اللغوية منهم.‏

وعلى هذا فإن الاهتمام الرئيسي للنظرية اللسانية طبقاً لتشومسكي ينبغي أن ينصب على معرفة "المعرفة العميقة غير الظاهرة للمقدرة اللغوية الموجودة في الدماغ عند المتكلم والمستمع". تلك المقدرة التي يشترك فيها كل بني البشر، والتي يمكن للساني دراستها من خلال انعكاساتها في ِ"الأداء اللغوي" (الإنجاز).‏

والواقع أن الإسهام الذي حققه تشومسكي وأتباعه كان عظيماً في حقل اللسانيات، إلا أنه مع مرور الزمن بدأت المشكلة اللسانية تتفاقم لتصبح أكثر جدية ودراسة. فالمشكلة حسب رأي نقاد تشومسكي لا تكمن فقط في المفهوم المثالي للمقدرة اللغوية، وإنما تكمن أيضاً في نسبية هذا المفهوم. لذلك أصبح من الضروري أن نتحدث في اللسانيات التوليدية عن درجات القواعدية ودرجات القبولية في اللغة، فهناك أمثلة مهمة وحاسمة اعتبرت على أنها غير نحوية ولكنه تبين أنها "مقبولة في لهجتي أنا". وهكذا، وبمرور الزمن، فإن اللسانيين الاجتماعيين الأمريكيين (Sociolinguistis) في أواخر الستينات أمثال روز، ومكولي، ولايكوف، بدأوا يثبتون أن اللساني لا يستطيع أن يدرس النحو بمعزل عن المعنى. وطبقاً لرأي لايكوف (1972):‏

"لكي نعرف عمل قواعد لغوية عدة على نحو صحيح علينا أن نرجع إلى السياق الاجتماعي للغة، وكذلك إلى الخلفيات والافتراضات التي يضمنها المتحدثون المشاركون في الخطاب"(5).‏

وهكذا فإن نتائج البحث التجريبي "اللساني- الاجتماعي" دفعت عدة لسانيين في المدرسة التشومسكية لإدراك أهمية السياق ودفعتهم أيضاً لأن ينضموا إلى حقول معرفية أخرى تبحث في العملية الكلامية ضمن سياقاتها المختلفة.‏

2.المحاولات الأولى لتحليل الخطاب اللساني‏

على الرغم من أن فيرث، كان قد حث اللسانيين على دراسة اللغة في حالتها السياقية، إلا أنه هو نفسه لم يحقق هذا الهدف، وقد اختار بدلاً منه حقل الصوتيات. ومن يتتبع المحاولات الأولى لتحليل الخطاب سوف يجد أن هناك محاولتين معزولتين لدراسة مستوى ما فوق الجملة. الأولى قام بها اللساني الأمريكي "زيلغ هاريس" الذي اعتمد في محاولته على النص المكتوب. والثانية قام بها اللساني "ف. ميتشال" الذي اعتمد على النصوص المنطوقة.‏

والحقيقة، على الرغم من أن مقالة هاريس تحمل عنواناً مثيراً هو: "تحليل الخطاب"‏

(Discourse Analysis) إلا أنها لم تخرج عن إطار المدرسة البنيوية- البلومفيلدية، ذلك أن هدف هاريس كان صياغة أسلوب شكلي من أجل تحليل الاتصال المنطوق والمكتوب.‏

لقد لاحظ هاريس من خلال استقرائه النحو أنه من الممكن أن نضع مجموعات من الكلمات ونوزعها بانتظام لننتج بالتالي مجموعة من الصفات (ص) التي تحدث قبل مجموعة الأسماء (س) بالانكليزية، وقد اقترح هاريس أيضاً أن التحليل التوزيعي (Distributive Analysis) يمكن أن يطبق بنجاح على النص كله وذلك لاكتشاف البنية التي تقع فوق بنية الجملة. وقد استشهد على ذلك بنص يحوي الجمل الأربع التالية(6):‏

(1) تتغير/ الأشجار/ هنا/ حوالي/ منتصف/ الخريف.‏

(2) تتغير/ الأشجار/ هنا/ حوالي/ نهاية/ تشرين الأول.‏

(3) يظهر/ الصقيع الأول/ بعد منتصف/ الخريف.‏

(4) نبدأ/ بالتدفئة/ بعد نهاية/ تشرين الأول.‏

إن الهدف من التحليل التوزيعي هنا أن نعزل وحدات النص على نحو متساوٍ على الرغم من أنها ليستب بالضرورة متشابهة في المعنى. يمكننا أن نؤسس من الجملتين الأولى والثانية المعادلتين التاليتين:‏

/منتصف الخريف/ = /نهاية تشرين الأول/.‏

لا يتم تأسيس المعادلتين على أساس أنهما متساويتان في المعنى، ولكن على أساس أن سياقهما متساوٍ، أي: /تتغير الأشجار هنا/.‏

أما الخطوة التالية فهي أن نستمر في توزيع الوحدات المتعادلة من الجملتين الثالثة والرابعة لكي نعادلهما مع الوحدات الموجودة في الجملة الأولى والثانية. وهكذا يمكننا أن نساوي بين:‏

/يظهر الصقيع الأول/ مع /نبدأ التدفئة/.‏

وبين الجملتين السابقتين مع /تتغير الأشجار هنا/.‏

والنتيجة من هذا التعادل هو أن كل الجمل الأربع لها بنية متماثلة، أي أن مجموعة X متبوعة بمجموعة Y. وهكذا يستمر التحليل والتوزيع في النص كله على هذه الطريقة.‏

لقد أشار هاريس إلى أنه في حالة تقييم المنهج الذي اتبعه، فإن السؤال الذي يمكن أن ينهض ضده يتلخص فيما إذا كان الأسلوب أسلوباً عملياً أو فيما إذا كان يقود إلى نتائج صحيحة ومهمة!؟.‏

والواقع لقد ظل هذا المنهج محصوراً بكاتبه، إذ لم يحاول أحد تطويره وربما كان السبب أن النتائج التي أفرزها لم تكن مهمة. فقد لاحظ هاريس نفسه أن هناك صعوبة في تطبيق هذا المنهج على مستوى ما فوق الجملة، ذلك لأن الضوابط التي تتحكم ببنية ما فوق الجملة هي ضوابط أسلوبية وليست ضوابط نحوية، وهذا يعني أنه لا يمكن تفسير هذه الضوابط إلا من خلال المكون الدلالي.‏

والحقيقة أن الإرهاصات الدلالية في تحليل الخطاب جاءت على يد اللساني "ف. ميتشال" في مقالته "الشراء والبيع في قورنية"(7). فقد حدد في هذه المقالة طبيعة السياق وعناصره، كما حدد المشاركين المناسبين في هذا السياق. وقد قسّم عملية البيع والشراء إلى مراحل معتمداً بذلك على معايير دلالية محضة، تستند إلى مقولات رئيسية ثلاث:‏

(1)البيع في المزاد العلني.‏

(2)التعاملات التجارية الأخرى.‏

(3)التعاملات في المحلات.‏

وتشترك كل هذه المقولات بالمراحل الخمس التالية:‏

-التحية.‏

-المعرفة الدالة على موضوع البيع.‏

-البحث عن موضوع البيع.‏

-المساومة.‏

-النتيجة.‏

إن هذه المراحل تمثل البنية المثالية لعملية البيع والشراء، ولكننا نجد في بعض الأحيان، أن المرحلتين الأولى والثانية لا تحدثان، ثم إن المرحلتين الثالثة والخامسة يمكن أن تدركا دون استعمال اللغة.‏

لقد قدم ف. ميتشال المثال التالي:‏

-المشتري : هل عندك سرير للبيع؟ /مرحلة 2‏

-البائع : عندي واحد ولكنه غالي الثمن. /مرحلة 2‏

-المشتري : دعني أره إذن. /مرحلة 2‏

-البائع : بالتأكيد، إذا أردته لنفسك فسوف أخفّض لك السعر. /مرحلة 4‏

-المشتري : كم ثمنه؟ /مرحلة 4‏

-البائع : 4 جنيهات. /مرحلة 4‏

-المشتري : وما هو السعر النهائي؟ /مرحلة 4‏

-البائع : صدقني لو كان واحد غيرك لقلت له 5 جنيهات ونصف. /مرحلة 4‏

-المشتري : سوف أحدد سعره بثلاثة جنيهات ونصف. /مرحلة 4‏

-البائع : هذا غير ممكن. دعه في مكانه. /مرحلة 4‏

-المشتري : اسمع، سوف آتي بعد الظهر، وأدفع لك ثلاث جنيهات وسبعين سنتيماً وآخذه. /مرحلة 4‏

(يتجه المشتري إلى مخرج المحل)‏

-البائع : ما زال السعر يحتاج إلى زيادة. /مرحلة 5‏

على الرغم من أن هذا التحليل يحدد بنية البيع والشراء إلا أنه ليس تحليلاً لسانياً، ذلك لأن هذه المراحل حددت وأُدركت من خلال النشاط الذي يحدث فيها وليس من خلال الصفات اللسانية المتميزة على الرغم من تقديم بعض الأمثلة على هذه المراحل كالعبارات والتراكيب اللغوية التي هي مجموعة من الطقوس الدينية التي تحدث ضمن هذه المراحل.‏

والواقع أن أي نص منطوق ينبغي أن يحلل طبقاً لأربعة مستويات رئيسية:‏

(1)المستوى الصوتي.‏

(2)المستوى النحوي (التركيبي).‏

(3)المستوى الحواري (المحادثة)‏

(4)المستوى السيميائي.‏

فكل بنية في مستوى من هذه المستويات يمكن التعبير عنها من خلال وحدات صغرى ينضم بعضها إلى بعض لتشكل وحدات كبرى ولا سيما في المستوى الصوتي والمستوى النحوي اللذين أشبعا بحثاً ودراسة من اللسانيين أنفسهم. أما المستوى الخطابي (الحواري- السيميائي) فليس هناك تعريفات محددة له لأنه لم يشبع دراسة واستقصاء، فقليل هم أولئك الذين يتفقون على تحديد بنية الخطاب.‏

والواقع أن ما ينقص تحليل ميتشال هو أن وصفه لهذه المراحل كان وصفاً غير لساني. فنحن نستطيع أن نصف بنية الخطاب هنا بشيء من العمق. فالمثالان في المرحلة (2) يتألفان من سلسلة من أزواج السؤال- والجواب. ثم إن التحية عندما تحدث في الخطاب يسهم المتحدث والمستمع فيها. إن القيود المفروضة على المتكلم الثاني لا يمكن أن يعبّر عنها بمصطلح نحوي، فالشكل اللساني للنطق غير مناسب هنا. إن ما هو مهم (بنيوياً) وظيفته اللسانية، وهذا شاهد يبين وجود مستوى آخر وهو مستوى الخطاب الذي يكشف لنا التنظيم النحوي والتنظيم غير اللساني.‏

3.الوظائف اللغوية‏

في الخطاب اللساني‏

لكي نعرف طبيعة الخطاب بدقة ونتأكد من أنه لا يتألف من سلسلة من الجمل المصوغة صياغة نحوية جيدة فحسب نقدم بعض الأمثلة التي اقترحها لابوف (1970) والتي هي عبارة عن جمل نحوية جيدة ولكن جزءاً مهماً كان ينقصها أخلّ بمفهوم الخطاب(:‏

أ.ما اسمك؟‏

ب.حسناً، دعنا نقل إنك قد فكرت أن لك شيئاً ما من قبل ولكنك لم تحصل عليه بعد ذلك.‏

أ.سأدعوك العميد.‏

أ.أشعر بالحرّ الشديد اليوم.‏

ب.لا.‏

من الواضح أن (ب) خرق القواعد التي تنتج الخطاب المنسجم. إن هدف تحليل الخطاب معرفة وكشف هذه القواعد التي تصف كيفية حدوث الوحدات وكيفية تركيبها.‏

وفي بحث آخر نجد "لابوف" (1972) يؤكد أن الخطوة الأولى الأكثر أهمية في تحليل الخطاب هي أن نميز "ماذا قيل" عن "ماذا فُعل"، أي أن تحليل الخطاب يجب أن يهتم بالاستعمال الوظيفي للغة(9). هذا المفهوم يجعل الوحدة اللغوية المحللة تخرج عن نطاق الجملة لتشكل ما يسميه اللساني الأمريكي هايمز "الفعل الكلامي" أو "الحدث الكلامي". وقد أكد هايمز أن "الفعل الكلامي" يمثل مستوى يتميز عن مستوى الجملة ولا يمكن معرفته وتحديده من خلال مستوى النحو(10).‏

والواقع على الرغم من أن العلاقات بين الوحدات اللغوية للخطاب تعتمد على الوظائف التي تقوم بها إلا أنه ليس هناك اتفاق جماعي حول عدد الوظائف هذه. فقد اقترح أوستين‏

(1962) أن هناك حوالي عشرة آلاف وظيفة(11). أما سنكلير (1972) فقد اقترح اثنتين وعشرين وظيفة(12). وأخيراً فإن سيرل (1969) اقترح عدداً من الوظائف يتوسط العددين المذكورين، واقترح أيضاً أن هناك وظائف يمكن أن يحل بعضها محل بعض(13).‏

لقد اعتبر لابوف (1972) وساكس وتشيكلوف (1972) وجفرسون (1973) النطق (الكلام) الوحدة الأساسية للتحليل. ولكن العمل في الأمثلة التالية جعلهم يشعرون بالحاجة إلى وحدة أصغر دعوها بـ"النقلة". ذلك أن النقلات يمكن أن تكون جنباً إلى جنب مع النطق كما هي الحال في المثال التالي الذي يحوي فيه العنصر (أ) نقلتين اثنتين:‏

أ.هل تستطيع أن تخبرني لماذا تأكل كل هذا الطعام؟‏

ب.من أجل أن يجعلك قوياً.‏

أ.من أجل أن يجعلك أنت قوياً. نعم من أجل أن يجعلك قوياً. لماذا تريد أن تكون قوياً؟‏

إن هذا المثال يدل على أن النطق (الكلام) ليس هو الوحدة الأساسية للتحليل اللساني. وهذا يلقي علينا سؤالاً يتعلق بحجم الوحدة اللغوية المرتبطة بالوظيفة. فبعض هذه الوحدات يُفهم من خلال طول الكلام ونقلاته، وبعضها يُفهم من خلال سلسلة الكلام.‏

كيف يمكننا إدراك الوظائف اللغوية من خلال أشكالها؟ ما هي العلاقة مثلاً بين شكل "الطلب" وشكل "السؤال" أو بعض الخيارات النحوية المتاحة للمتكلم؟‏

هناك بعض المحللين أمثال ساكس وتشيكلوف يعتقدون أن معرفة هذه الوظائف تتم عن طريق أوصافها وعلى نحو حدسي. ولكن آخرين أمثال لابوف يعتقدون أنه لا بد أن يكون هناك قواعد معينة من أجل شرح كيف يمكن لبنية نحوية معجمية معينة أن تدرك وظيفة ما في حالة معينة؟.‏

4.صياغة الخطاب اللساني:‏

رأينا سابقاً أن اللساني ج. فيرث كان قد أثبت الحاجة إلى وصف النص وتحليله. كما أن اللساني ن. تشومسكي كان قد أثبت أنه ينبغي الاعتماد على الحدس (الذهن). ويقترح جان ليونز (1968) أن هناك ثلاث مراحل من التجريد بين المواد اللغوية الخام والمواد اللغوية المصوغة (بمفهوم المقدرة اللغوية عند تشومسكي):‏

المرحلة التنظيمية:‏

وفيها يتجاهل المحلل ظواهر معينة مثل زلات اللسان، والترددات والتكرار والتصحيحات التي يجربها الشخص على نفسه... الخ.‏

المرحلة المعيارية:‏

وفيها يتجاهل المحلل التنوع، ويعالج فقط المواد التي يمتحنها والتي تشكل تجانساً في التكوين. ففي مستوى الصرف تعالج التعبيرات المختلفة لنفس الكلمة كما لو أنها واحدة. وفي مستوى الخطاب تعتبر التنوعات في السلسلة التي يُساء فهمها كلها حدوثاً لنفس الوحدة. على أية حال، ليس هناك اتفاق بين اللسانيين على درجة المعيارية وكمية التنوع الذي يمكن أن يوصف وصفاً ناجحاً.‏

المرحلة السياقية:‏

وفيها يتم فصل الجمل عن سياقاتها ومعالجتها على أنها وحدات معزولة(14).‏

والواقع أن عمل الفلاسفة حول الأفعال الكلامية يعتمد تماماً على المواد التي فُكَّت من سياقاتها، وعلى المواد التي لا تعتمد على الجمل التي قبلها أو بعدها. وبكلمة أخرى، ليس هناك اهتمام بالتداخل حتى في مستوى التجريد.‏

أما النحاة فهم يهتمون بقواعد الجمل وطريقة استعمالها. وهذا يختلف عن محللي الخطاب الذين يهتمون بطرائق الاستعمال اللغوي نفسه، تلك الطرائق التي تصف كيفية صياغة الأفعال الاجتماعية، وكيفية اجتماع الجمل مع بعضها بعضاً لتصوغ النصوص من خلال الروابط التي هي مظاهر للالتحام والتماسك النحوي. أضف إلى ذلك أن مهمة محللي الخطاب معرفة كيفية اجتماع النصوص بعضها مع بعض لتشكل الخطاب. إن العلاقات القائمة بين هذه النصوص من خلال روابط معينة يدلنا على التماسك المنطقي الذي يجمعها.‏

5.نحو بناء نظرية لتحليل الخطاب اللساني:‏

تقول الباحثة اللسانية الأمريكية ديبورا تانن (D. Tannen 1982) إن مصطلحي النص‏

(Text) والحديث (Talk) مفهومان منفصلان في نظرية تحليل الخطاب. يقصد بالنص النثر المكتوب، ويقصد بالحديث الكلام المنطوق. هذا هو الاستعمال الشائع لهذين المفهومين، إلا أن مصطلح النص في بعض الأحيان يستعمل محل مصطلح الخطاب (Discourse) والعكس صحيح(15). والواقع أن مصطلح الخطاب يستعمل في طرائق مختلفة ليدل على أي شيء يقع خارج إطار مفهوم الجملة (Sentence) سواء أكان ذلك كتابة أم محادثة. ذلك أن الكتابة والمحادثة وجهان يتداخلان أحدهما مع الآخر ليشكلا كينونة واحدة كما تذهب إلى ذلك تانن.‏

وهكذا ينبغي على اللساني حسب رأيها ألا يفكر بأن اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة لغتان منفصلتان، بمعنى أن النص هو كل شيء مكتوب والحديث هو كل كلام منطوق. إن الصفات التي تسم اللغة المنطوقة والمكتوبة يمكن أن تجتمع معاً في خطاب واحد سواء أكان منطوقاً أم مكتوباً.‏

فالباحث اللساني وليم برايت (W. Bright 1982) بيّن أن الخطاب المنطوق يستعمل علامات النظم التي تسم عادة الخطاب الشعري المكتوب(16). وقد بيّن أيضاً اللساني والس تشيف (W. Chaif 1981) أن اللغة المنطوقة لقبيلة سينيكا الهندية- الأمريكية تشترك مع اللغة المكتوبة في صفات عدة(17). وأخيراً وليس آخراً اكتشفت تانن (1982) أن القصص الأدبية المكتوبة تظهر صفات عدة يتوقع حدوثها في الكلام المنطوق(18).‏

والواقع أن الهدف الأول والأخير الذي يسعى إليه اللسانيون من خلال تحليل أشكال الخطاب كافة معرفة ماهية المبنى والمعنى في الخطاب وكيفية عملهما لخلق التجانس والتماسك والترابط المنطقي في ذلك الخطاب، وبمعنى أدق: معرفة كيفية وضع الناس للكلمات بعضها مع بعض وكيفية جمع كلمات معينة لتوليد المعاني. وباختصار: معرفة الجهاز الذي يجعل الكلمات المفردة المنفرطة تشكل خطاباً.‏

إن قضية تحليل الخطاب تجعلنا نتساءل عن ماهية كشف ما في العالم وكيفية البرهنة على ما قد يكتشفه الإنسان. إلى أية درجة علمية مثلاً يمكن أن ندرس اللغة؟... وإلى أية درجة نستطيع أن نؤوّل أيضاً؟ هل الأساليب العلمية الرياضية الإحصائية ناجعة في دراسة اللغة وإلى أية درجة؟.‏

ينبغي على المرء في بعض الأحيان أن يتطلع إلى ما وراء الأطر والقوالب والتقنيات من أجل فهم العالم. وهذا بالضبط ما أثبته تحليل الخطاب بأنواعه المختلفة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي حدٍّ يمكن للسانيات أن تدّعي بأنها علم قائم برأسه وكيف؟ هل هذا العلم واحد من العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية أو الفنون؟ إن نظرية تحليل الخطاب ودراسة اللغة في سياقاتها المعينة تطرحان تساؤلات عديدة معقدة وشائكة تتعلق بتعليل اللغة والبرهان على قوانينها ثم دور التأويل وطبيعته فيها.‏

الواقع أن المسألة هنا ليست مسألة اختيار بقدر ما هي مسألة تداخل الاختيارات. ففي مجال إثبات جودسون (1980) أن العلم هو فن نراه يقتبس كلمات بول ديراك (Paul Dirac) الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ليدعم ما كان قد أثبته. يقول ديراك:‏





"... أن يضع المرء معادلاته العلمية في إطار جمالي جذاب هو أكثر أهمية من أن يجعلها تناسب التجربة التي يقوم بها"(19).‏

العلم مثله مثل الفن في هذه الحالة، ذلك لأنه عندما يريد اكتشاف الصيغ والعلاقات القائمة بينها ليشرح ويعلل يهدف من هذا إلى فهم الجهد الإنساني الخلاق للعملية الإبداعية وفق قيود وشروط معينة. وهكذا ينبغي أن نفهم العمل اللساني العلمي بهذه الطريقة، إن اللساني يسعى دائماً لاكتشاف الصيغ اللغوية الخلاقة التي بدورها تعكس التجانس والتماسك والترابط المنطقي في المادة المدروسة، سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة. بالإضافة إلى أن اللسانيات مبنية على العلم، إلا أنها تهتم أيضاً بالجمال المخبأ، ذلك لأن الجمال كما يقول آلتون بيكر (A. Becker 1979) هو الحس الذي ينبثق من التجانس والتماسك المنطقي(20).‏

إن النتيجة التي يتوصل إليها الباحث اللساني على نحو جمالي من خلال دراسته لنص معين تعد في طبيعتها اكتشافاً للمبادئ المتجانسة والمتماسكة التي تؤسس ذلك النص المدروس. إن دراسة الخطاب هي كشف لهذا التجانس والجمال المتجسد في السلسلة المتعاقبة من الكلمات، وهي كشف للقوة السحرية الغامضة التي تتغلغل بين هذه الكلمات وتشعُّ بالأفكار والصور والعواطف.‏

والحقيقة يسعى كل الباحثين المهتمين بتحليل الخطاب (على اختلاف اختصاصاتهم في اللسانيات أو الأدب أو الرياضيات أو الأنثروبولوجيا... الخ) إلى تحقيق هدف واحد: هو كشف الأبنية والصيغ والعلاقات القائمة في لغة من اللغات. وطبقاً لرأي اللسانية الأمريكية تانن، إن هذه المهنة هي مهنة إنسانية مناسبة وأنيقة وهي مهنة نظرية وتجريبية بل وحتى جمالية(21).‏

من الموضوعات التي تهتم بها نظرية تحليل الخطاب ما يلي:‏

(1)تقويم المهارة الشفهية.‏

(2)استثمار نتائج تحليل الخطاب وتطبيقها على العملية التعليمية ولا سيما في حقل المناهج وأصول التدريس.‏

(3)تصميم نماذج شكلية كافية للخطاب الطبيعي.‏

(4)الصمت ووظائفه.‏

(5)الوظائف النفعية للخطاب.‏

(6)اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة والفروق القائمة بينهما.‏

(7)الكتابة وأثرها في تنمية الإدراك.‏

(الأمراض الكلامية وأنموذج الحديث الواضح.‏

(9)مناهج تحليل الخطاب لفهم مهارة القراءة.‏

(10)تحليل الخطاب وعلاقته بالترجمة والتأويل.‏

والواقع أن كل هذه الحقول المعرفية التي تعمل فيها نظرية تحليل الخطاب تعني شيئاً واحداً يتلخص في أن اللسانيات (Linguistics) من خلال اقترابها من اللغة علمياً وجمالياً تسعى إلى معرفة الجوهر الإنساني القابع في أعماق الخطاب اللساني.‏

(1) Firth, J. (1957 p:7-33). “The Technique of Semantics” in: papers in Linguistics 1934-1951. London. O, u, p.‏

(2) Ibid. (1957 p. 7-33).‏

(3) Bloomfield, L (1933) ********. New York, Holt, Renihart.‏

(4) Chomsky, N (1957) Syntactic Structure. The Hague, mounton.‏

(5) Lakoff, R (1972 p: 907-927) “******** in context” in: ******** 48/4.‏

(6) Harris, Z (1952 p: 1-30) “Discourse Analysis” In ********. No 28.‏

(7) Mitchell, F (1957 p: 31-71). “The ******** of buying and selling in Cyrenaica”. In Hesperis no 44.‏

( Labov, W (1970 P: 30-87). “The study of ******** in tis social context”. In studium General. no 23.‏

(9) Labov, W (1972 P: 120-169). “Rules for ritual insults”. In studies in social interaction New York, free press.‏

(10) Hymes, D (1972 P: 35-71). “Models of the interaction of ******** and social life”. In Gumperz, J and Hymes, D (eds). Directions in sociolinguistics. New York. Holt, Renihart and Winston.‏

(11) Austin, L (1962). How to do things with words. Oxford, clarendon press.‏

(12) Singlair, McH- Forsyth, J- Couthard, M- and Ashby, C (1972). “The English used by Teachers and pupils”. Final Report to S.S.R.C. Mimeo, Birmingham University.‏

(13) Searl, R (1969). Speech Acts. London. C.U.P.‏

(14) Lyons, J (1968). An Introduction to Theoretical linguistics. London, C.U.P.‏

(15) Tannen, Deborah (1982 P: ix). Analyzing Discourse: Text and Talk (ed). Georgetown University Press Washington, D.C.‏

(16) Bright, W (1982 P: 271-281). “Literature: written and oral”. In Tannen, D (ed). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C.‏

(17) Tannen, D (1982 P: x) Analyzing Discourse: Text and Talk. (ed). Georgetown University Press, Washington D.C.‏

(18) Ibid (1982 P: x).‏

(19) Judson, Horace free land (1980 P: 11). The search for solutions. New York: Holt Rinehart Winston.‏

(20) Becker, Alton (1979 P: 211-243). “Text- building, epistemology and aesthetics in Javanese shadow theatre”. In The imiagination of reality. Edited by A. Becker and A. yengoyan. Norwood, N J: Ablex.‏

(21) Tannen, D (1982 P: xi) Analyzing Discourse: Text and Talk (ed). Georgetown University Press, Washington D.C.‏

‏‏‏‏https://maamri-ilm2010.yoo7.com/t1133-topic









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 22:58   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة taranim مشاهدة المشاركة
السلام عليكم انا عندي بحث في مقياس تحليل الخطاب حول المنهج اللساني في تحليل الخطاب ارجو منك الافادة
https://www.ta5atub.com/t934-topic









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 23:00   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة taranim مشاهدة المشاركة
السلام عليكم انا عندي بحث في مقياس تحليل الخطاب حول المنهج اللساني في تحليل الخطاب ارجو منك الافادة
المرجعية اللسانية في تحليل الخطاب

بظهور اللسانيات التاريخية في القرن التاسع عشر كانت القواعد العامة تبحث عن ايجاد تفسير للاستعمالات الخاصة للغة وفق قواعد عامة تتأسس حول المنطق . وقد كان اللغويون العرب القداس سباقين الى رسم هذه الاستراتيجية للغة العربية . فتأسس على أيديهم علم أصول النحو مستثمرين المنطق اليوناني وعلم أصول الفقه . غير أن ميلاد اللسانيات التاريخية في أوروبا حدد تصورات جديدة لم تكن متبلورة في السابق ، مثل التغيرات التي تشهدها اللغة فهي ليست رهن الارادة الواعية للبشر وانما ضرورة داخلية . كما أنها طبيعية وتخضع للتنظيم الداخلي للغات .

ومن أبرز معالم اللسانيات التاريخية ظهور مؤلف الألماني في .بوب F-Bopp "نظام التصريف للغة السنسكريتية مقارنة مع اللغات الاغريقية واللاتينية والفارسية والجرمانية " عام 1816. فقد كان إعلانا عن ميلاد النحو المقارن ، رفقة الأخوة شليجل وجريم وشليغر. فسمح بايجاد القرابة بين اللغة السنسكريتية المقدسة للهند القديمة وأغلب اللغات الأوروبية القديمة والحديثة . وأخذت الدراسات اللسانية هذا المنحى حتى مع "النحويين الجدد" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الذين تطلعوا الى تجديد النحو المقارن . بحيث دعوا الى تفسير التغيرات الحاصلة داخل اللغة وعدم الوقوف عند وصفها، ورأوا أن الأسباب الوحيدة القابلة للمراجعة هي البحث عن نشاط الفاعلين المتكلمين ، وفضلوا تحديد مسافة لدراسة التغيرات اللغوية . وكما هو واضح فإن طبيعة اللسانيات التاريخية وموضوعاتها لم تسمح بمعالجة موضوع الخطاب معالجة ذات صلة بجوهر اللفة . فالتحليل التعاقبي الذي طبع المنهج التاريخي في الدراسات اللغوية فرض على الباحث السويسري فرديناند دي سوسير . F desoussure أن يؤسس معالم اللسانيات البنيوية ، ويرسم خطابا ابستمولوجيا يتعامل مع نظام اللغة بمنطق علمي جديد لا يخفي أصوله الفلسفية والعلمية (علم الاقتصاد/ علم الاجتماع .. الخ ). وأبرز المقولات اللسانية التي انتهى اليها هي:

1- مقولة التزامن والتعاقب SYMCHAROMIECET DIACHRONIE

2- اللغة والكلام LANGUE ETPAROLE

3- النسقي والاستبدالي SYNTAGMATIQUE ET PARADIGMATIQUE

4- اعتباطية العلامة (الدال والمدلول ).

إن التحليل البنيوي للغة ترك مجالا واسعا وفضاء خصبا لدراسة الخطاب من مستويات عديدة : - المستوى الصوتي

- المستوى التركيبي.

- المستوى الصرفي

- المستوى الدلالي

- المستوى المعجمي

- حتى المستوى البلاغي



وذلك انطلاقا من اطروحات ابستمولوجية لعلم اللغة . والتعيين بينها وبين الكلام الذي يتسم بالتصرف الفردي للمؤسسة الاجتماعية للغة ، فهو نشاط يتسم بالتحول والتغير ويتيح فرصا لتحليله من توجهات علمية عديدة : نفسية ، اجتماعية ، انثروبولوجية .. الخ .

وضعية تحليل الخطاب

إن مصطلح الخطاب يرادف الكلام لدى سوسير، إن مصطلح الخطاب يرادف الكلام لدى سو سير، وبالتالي يعارض اللغة ومن سمات الكلام التعدد والتلون والتنوع ، لهذا فإن اللسانيات لم تر فيه حدة الموضوع التي يمكن للعلم أن يقبل عليها بالدرس والملاحظة .

لقد فرق فرديناند دي سوسير بين اللغة والكلام : "إن اللغة والكلام عندنا ليسا بشي ء واحد، فإنما هي منه بمثابة قسم معين وان كان أساسيا ، والحق يقال ، فهي في الأن نفسه نتاج اجتماعي لملكة الكلام ومجموعة من المواضعات يتبناها الكيان الاجتماعي ليمكن الأفراد من ممارسة هذه الملكة . واذا أخذنا الكلام جملة بدا لنا متعدد الأشكال متباين المقومات موزعا في الآن نفسه ، الى ما هو فردي، والى ما هو اجتماعي... أما اللغة فهي على عكس ذلك ، كل بذاته ومبدأ من مبادي،

التبويب " (11)

ويمكن استنتاج خصائص الخطاب بالمفهوم السوسيري بأنها تتوافر على العنصر الفيزيائي (الموجات الصوتية ) والعنصر الفيزيولوجي (التصويت والسماع ) والعنصر النفسي (الصور اللفظية والمتصورات ) وتنحصر طبيعة دراسته في قسمين :

أولا 0 قسم جوهري يرتكز موضوعه على اللغة ذات الطابع الجماعي المستقل عن الفرد . وهو أقرب الى الدراسات النفسية التي تحلل الخطاب تحليلا نفسيا بحتا.

ثانيا : قسم ثانوي ينحصر موضوعه في الجانب الفردي من الكلام (اللفظ بما في ذلك عملية التصويت ) ويتعلق بالجانب النفسي الفيزيائي. ولكن مهما يكن من فروق بين اللغة والكلام فإنهما متلازمان ومتواصلان وعلى الرغم مما يبدو للوهلة الأولى من أن دي سوسير قد أهمل لسانيات الكلام وأبعدها من صفتها العلمية لافتقارها لعنصر الانسجام والوحدة ، ويرى بعض الباحثين بأن "سوسير لم ينف الكلام ، ولم يبعده من الدراسة اللسانية ، كما قد توهم البعض ، والا لما كان مقبولا حديثه عن لسانيات الكلام ، والمراد بذلك أن الكلام - أي الذات المتكلمة - لا يغيب في الدراسة اللسانية إلا مؤقتا وفقا لمتطلبات منهجية مادام يستحضر ويخصص له حيزا في الدراسة اللسانية . صحيح أنه ليس من صميم الدراسة اللسانية الصارمة لأن دراسته لا تقوم إلا بتدخل عدة علوم ، أي عدة مناهج تختلف من حيث الطبيعة والجوهر مع المنهج اللساني المقترح . لهذا السبب أكد سوسير على ضرورة التمييز بين هذين النوعين من الدراسه "(12).

إن الوقائع الكلامية في واقع الامر لم تحظ بالاهتمام العلمي الكبير من قبل سوسير كما هو الحال بالنسبة للغة ، لهذا فإننا لا نحصل على متصورات منهجية وأسس ابستمولوجية لعلم الخطاب في دروس سوسير ،. وقد أثر ذلك سلبا في الدرس اللساني حيث مال الى التضييق والحصر. وقد دعا بعض علماء اللغة المعا هوين الى تخليص اللسانيات من الجمود والضيق ، والانتقال بها الى مجال الحركة والسعة . وقد دافع نوام تشومسكي عن هذا الاتجاه حين حدد واحدة "من الاشكاليات الاستراتيجية الرئيسية عندما يتساءل عن المدى الذي يحرز هذا التضييق المتعمد كمصدر للتبصر العلمي العميق ، وهل ينتفىر بانتفاشه ثم عن المدى الذي يقلل به هذا التضييق إمكانيات الاكتشافات الهامة"(13).

لكي تحقق اللسانيات استكشافات جديدة في مجال علم "تحليل الخطاب" ينبغي أن تفك عزلتها بالتفاعل مع حقول العلوم الانسانية . ولا تبقى حبيسة زاوية ضيقة ومحدودة ، وهذا الطموح يسمح بإبراز قضايا كثيرة تتعلق بالاشكالية اللسانية وموقع تحليل الخطاب ، وسيفني ال إثارة أسئلة جوهرية ذات صلة بنظرية النص ونظرية القراءة ، والشروط التي تحيط بفضاء الخطاب منها ما هو معرفي ومنها ما يتصل بالسوسيو تاريخي عندما أشار دي سوسير الى السيميولوجية ، ذلك العلم الذي لم يكن سوى تصور أتاح إمكانات دمج اللسانيات في منظومة العلوم الانسانية واحتكاكها بالعلوم الأخرى. وهكذا فإن اللغة بالمفهوم السيميولوجي أضحت مجموعة من العلامات وأن الظاهرة اللغوية هي ظاهرة سيميائية ستكون مادة خصبة للمنهج السيميائي في تحليله للخطاب مع تجاوز الثنائية السوسيرية (اللغة الكلام ) مع التركيز على اهتمام السيميائي بالاجتماعي ، وحينئذ سيصير الكلام بوصفه انجازا فرديا غير زي أهمية في مجال البحوث السيميائية .. وقبل هذا فإن التحليل البنيوي استفاد من المنهجية اللسانية فصار تحليل بنية النصوص في ذاتها ولذاتها، وذلك بفضل المقولة التزامنية في دراسة اللغة .

يثني لويس يامسليف L. Hjelmslev على جهود دي سوسير ويعده المؤسس الأول للسانيات البنيوية ، على الرغم مما يبدو من اخلاصه العلمي لدى سو سير، إلا أن توجهاته العلمية واهتمامه بالمنطق الرياض ومعر فته الواسعة باللغات القديمة والحديثة ، مكنته من صياغة لسانيات موسومة بالروح الرياضية فكانت منظوميته Glossématique إضافة نوعية للدراسات اللسانية المعاصرة . فاللغة لا يمكن - في نظره . فصلها عن الانسان ، فهي الأداة التي بفضلها يمكن صياغة مشاعره وانفعالاته وجهوده وارادته وحالاته ، فبها يمكن أن يؤثر ويتأثر(14). وتتركز اهتمامات الألسنية حول مسالة البنيه (15)، لهذا يتجاوز المستوى الفونولوجي ليهتم بمشكلات التعبير ووحدات المحتوى. فاللغة هي قبل كل شي ء شكل وهي في أن واحد تعبير ومحتوى . وقد استطاع يا سليف تأسيس حلقة كوبنهاجن وتشكيل فرق للعسل ، وتكوين نظرية prolegomenes لمدة عشر سنوات من البحث العلمي المبني على النظرة التجريبية القائمة على الملاحظة والاختيار. فالدرس اللساني يتسم في رأيه بالانسجام والشمول والبساطة ولهذا يرى أن النظرية اللغوية انظرية استنباطية تشتمل على مبدأ الكلية Totalite فهي قابلة للتطبيق على جميع اللغات الانسانية .

إن يامسليف يحدثنا عن مبدأ التحليل وصيفه ونلفي حديثا عن النص في كتاباته ولا نجد تصورا علميا واضح المعالم عن الخطاب ، باستثناء حديثه عن محتوياته السيميائية وعن اللغة الايحائية .

حتى اللسانيات الوظيفية التي تراهن على مفهوم التواصل بوصفه أهم الوظائف الأساسية للغة وارتباط التطور اللغوي بمبدأ الاقتصاد. لم تعالج موضوع الخطاب . وهكذا بدا وكأنه ليس من صميم الاشكالية اللسانية . وان كانت المدارس اللسانية تعالج قضايا جوهرية ذات صلة بتحليل الخطاب . فنجد اندريه مارتيني يتحدث عن التحليل التركيبي للمدونة أو المتن على أنه مجموعة علاقات الترابط ، في الفصل الرابع من كتاب "عناصر اللسانيات العامه " الذي خصصه للوحدات الدالة نجد تحليلا للملفوظات ولكن انطلاقا من مفهوم التواصل للغة ، فهناك مقاربات لتحليل مستويات الخطاب ، دون الحديث عن ماهيته ويمكن أن نخلص الى نتيجة أن موضوع الخطاب وجد فراغا كبيرا في أطروحات بعض المدارس اللسانية الحديثة . على الرغم من أنه أصبح حقيقة فرضت استعمالها في حقل علم المصطلحات وأصبحت متداولة في أدبيات العلوم الانسانية ، حتى لازمت بعضا منها. فنجد

حديثا شائعا لدى العامة عن الخطاب السياسي . وتحولاته وخصائصه ، وأصبح بديلا لمفهوم الخطبة والخطابة في التراث الاغريقي والتراث العربي الاسلامي.

إن إميل بنفيست على E . Benveniste . يعالج مشكل الخطاب معالجة لسانية فالجملة بالنسبة اليه وحدة لسانية لا تؤلف صنفا شكليا من الوحدات المتعارضة بينها، مثل تعارض القونيمات الفونيمات أو الفونيمات مع المورفيمات ،أو المفردات مع المفردات .

هناك طرح منهجي مهم جدا يشير اليه جان ديبوا Jean dubois عندما يقول "مع الجملة نترك إطار اللغة بوصفها أداة للتواصل . في هذا المجال تتوقف الجملة أن تكون موضوعا... وتصير وحدة فالجملة هي وحدة الخطاب "(17).

يركز إميل بنفيسة على قيمة عملية التلفظ التي لم تنل اهتمام اللغويين القدامى، فقد كان ينظر اليها بوصفها موضوعا لا يندرج في نقاط الدراسة اللسانية . ولكنها أضحت مادة جديرة بالاهتمام نظرا لأنها تنقل اللغة من سكونيتها الى حركية الاستعمال الفردي (الكلام والخطاب )، إن الجهاز الشكلاني للتلفظ عنصر من عناصر اللغة التي تشكل ماهية الخطاب . فتحديد العلاقة بين الباث والمتلقي، تسمح للفاعل المتلفظ أن يجد منزلة في الخطاب ، وقد يجد أيضا الفلاسفة ضألتهم في البحث عن الذاتية التي تتجل في حرية كلام الفاعل المتلفظ الفردية . إن بنفيسة يراهن على مركز الفاعل المتلفظ في الخطاب ، وهذا لا يعني تطابق الذاتية المغلقة مع الجهاز الشكلاني لعملية التلفظ ، فهو بذلك يكون قد أسهم في إدخال عالم الخطاب الى اللسانيات ، ويعد من الموضوعات الجديدة في حقل دراسات اللسانيات المعاصرة ، التي ما فتشت تعرف استكشافات علمية ، وصعوبات منهجية ، وهكذا تم توسيع نطاق موضوع اللسانيات ولاسيما عملية التلفظ وصلتها بالخطاب الذي حفز الدراسات على البحث عن مناهج التحليل . إن ربط تصور الملفوظ بالخطاب كان يقتضي وضع قواعد للتسلسل وللمسار الذي يتوافر على قابلية التعبير بالكلام ، غير أنه ينبغي الاشارة الى أن الملفوظ وحده لا يحدد الخطاب إلا إذا أضيفت اليه وضعية الاتصال .

https://www.startimes.com/f.aspx?t=25279478









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 23:04   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة taranim مشاهدة المشاركة
السلام عليكم انا عندي بحث في مقياس تحليل الخطاب حول المنهج اللساني في تحليل الخطاب ارجو منك الافادة
https://www.ouargla-univ.dz/pagesweb/...02/TSP0106.pdf









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-10, 09:46   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
oper
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خير










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-11, 19:10   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
محمد عبدلي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

lمن فضلك اريد بحث حول الفكر والثقافة في الجزائر اثناء العهد العثماني










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-12, 14:37   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
raddo
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية raddo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لكم جزاكم الله كل خير يا رب










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-14, 03:06   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
rahobitana
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااااااااااا جزيلا










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-16, 22:10   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
belkacemb
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

انا في حاجة الى مقال فلسفي حول: حياة مالك بن نبي

شكراااا










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 23:14   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة belkacemb مشاهدة المشاركة
انا في حاجة الى مقال فلسفي حول: حياة مالك بن نبي

شكراااا
أضواء على حياة المفكر الجزائري العالمي مالك بن نبي


ابراهيم النويري
09/02/2009
قراءات: 2855
المفكر الجزائري العالمي الكبير الأستاذ مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ نسق فريد بين جلّ المفكرين .. أو قل مدرسة متميزة لها بصماتها وخصوصياتها في فهم الأفكار وهندستها وتوظيفها في مجال البناء الحضاري ، ومعالجة قضايا الإنسان المسلم المعاصر ، خلال هذه الانعطافة التاريخية التي يعيشها ، والتي يميزها ـ أظهر ما يميزها ـ فقدان الفعالية والدور الحضاري لهذا الإنسان المسلم في الحياة المعاصرة ، وإن كان بن نبي يعتبر أن هذه الأزمة حصلت للإنسان المسلم منذ انتقال الشعلة الحضارية للإنسان الغربي ، وذلك منذ أفول دولة أو عصر الموحدين.



محطات في حياة مالك بن نبي :

ولد مالك بن نبي سنة 1905م بقسنطينة ، وكان والده يشغل منصباً بسيطاً لدى الإدارة الحكومية الإستعمارية الفرنسية بمدينة تبسة ، وهي المدينة التي أصبحت مقر الأسرة ، ومهد نشأة وترعرع بن نبي ، كانت أمه تشتغل بالخياطة قصد المساهمة في رفع المستوى المعيشي والاقتصادي للأسرة ، فقد كانت غالبية الأَُسَر الجزائرية في تلك الفترة الزمنية تعاني شظف العيش إلى جانب البؤس والحرمان ، جراء ما فرضته سلطات الاحتلال على الأهالي والسكان من إجراءات ومعاملات قاسية ؛ أُدخِل مالك بن نبي " الكُتّاب " لتعلّم وحفظ القرآن الكريم ومباديء الحساب واللغة العربية ، غير أنه ما لبث إلاّ قليلا حتى انتظم في المدرسة الفرنسية ، لكنه ظل يتردد باستمرار على الكتّاب ، وكذلك على المسجد العتيق ، وحضور أوقات الصلاة.

لوحظ على بن نبي ( الطفل ) ميل طافح ، بل ولع ظاهر ، إزاء حب التعلم والتعلق بالقراءة ، حتى أنه كان يتلقى دروسا إضافية ( تكوين داعم أو خاص ) في النحو والصرف والبلاغة والثقافة العربية ، على يد شيخ يدعى " عبد المجيد " كما كان حريصا على الاستفادة من الدروس والحلقات العلمية التي تدار في المساجد.

يقول الدكتور علي القريشي يصف هذه المرحلة في حياة بن نبي : " لقد أخذت آفاق ابن نبي تتسع في هذه المرحلة سواء عن طريق قراءاته الكثيرة أو مشاهداته الشخصية ، خاصة أن متابعته للصحف كانت تزيد من وعيه بتمزقات الواقع الاجتماعي. أما مشاعره الانتمائية فكانت تتجه نحو رجل الاصلاح المعروف الشيخ عبد الحميد بن باديس ، خاصة وقد زُرع هذا الميل في نفسه منذ كان صغيراً وهو يراه يقف في الشارع يحدّث الناس ، كما تميز سلوكه في هذه المرحلة بالميل الى الصمت ، وإيثار الوحدة على الاجتماع ، لكن إحساسه بآلام الواقع الذي فرضته الظروف الاستعمارية كان كبيراً ، لذا حين نشبت ثورة الريف اندفع يشارك رفاقه كتابةَ وإلصاقَ النداءات والبيانات المناوئة للمستعمِر المحتل . "



سفره إلى فرنسا :

في شهر سبتمبر1930م نزل مالك بن نبي بمحطة ليون بباريس ، وكان أول عمل قام به هو التسجيل بمعهد " الدراسات الشرقية " غير أنه لم يُوفّق في الانتساب لهذا المعهد. وقد حزّ ذلك كثيراَ في نفسه ، لسبب بسيط وموضوعي بتمثل في كون دواعي ذلك الرفض لا يخضع لأي معيار من المعايير التي سبق وأعلنها معهد الدراسات الشرقية ، وعن هذه الحادثة يقول بن نبي " لم يتم قبولي بالمعهد ،لأن الإنتساب للمعهد بالنسبة لمسلم جزائري لا يخضع لمقياس علمي ، وإنما لمقياس سياسي ".. لكن بن نبي وُفّق في الدخول الى " مدرسة اللاسلكي " لدراسة الهندسة الكهربائية ، وفي الحي اللاتيني الذي كان يقيم به العرب والمغاربة خاصة ، كان بن نبي يجدّ في نشر الوعي الصحيح ، لاسيما فيما يتعلق بالاصلاح والبناء الحضاري والوحدة المغاربية ـ من منطلق دعوة الشمال الإفريقي للتكتل ضد الاستعمار ـ بل والوحدة الإسلامية الشاملة ، التي وجد بن نبي فيما بعد في صيغة استراتيجيا " دول عدم الإنحياز " تمهيداً لها أو تحقيقاً جزئياً ومرحلياً لبعض أهدافها ، لكن من منظور استراتيجي آني ، كما يتضح ذلك على الأقل في كتابين للأستاذ بن نبي ، الكتاب الأول " الفكرة الإفريقية الآسيوية " والثاني " فكرة كومنولث إسلامي " .

في فرنسا أيضا أتيح له التعرف على العديد من الزعماء والفلاسفة والمفكرين ، كما توطدت صلته ببعض رموز الاصلاح والدعوة والعلم ، كان أبرزهم الشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز ، الذي أنجز أطروحة جامعية في السوربون ، بعنوان " دستور الأخلاق في القرآن " وهي مطبوعة في كتاب ضخم . كما قابل في سنة 1936م الوفد الجزائري الذي ذهب إلى باريس ليطالب السلطات الفرنسية بالمشاركة البرلمانية ، وكان على رأس هذا الوفد الشيخان المصلحان عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي.

ولم تنحصر جهود بن نبي التربوية والاصلاحية والفكرية على منطقة باريس لوحدها ، بل كثيراً ما كان يسعى لتوسيع دائرة تلك الجهود ، منها على سبيل المثال ، إقدامه على فتح مدرسة في الجنوب الفرنسي لمحو الأمية وتعليم العمال الجزائريين المغتربين؛ واعتراض السلطات الفرنسية على ذلك ، لكن بحجج واهية مفضوحة. يقول عنها بن نبي " وفي سنة 1938م أسست بمدينة مرسيليا مدرسة للأميين في سن متقدم من بين إخواننا العمال المشتغلين بفرنسا ، فدعتني الإدارة المختصة ومنعتني من أواصل التدريس في هذا المعهد البسيط بدعوى أنه ليس لديّ المؤهلات !! "



رحلته إلى مصر :

التعرف على الشرق العربي والإسلامي كان أملا يراود مالك بن نبي منذ مراحل وعيه الأولى ، فهو يذكر بأنه ـ منذ صباه وشبابه المبكر ـ نوى السفر والتعرف على بعض الأقطار والمدائن الإسلامية ، مثل : جدة ( السعودية ) وتومبكتو ( مالي ) ـ وهي مدينة لعبت دوراً حيوياً في نشر الإسلام في إفريقيا ما وراء الصحراء ـ وأفغانستان وباكستان وأندونيسيا ومصر ..الخ.

خلال سنة 1956م سافر بن نبي إلى مصر ، حيث أتيح له التعرف عن قرب على زعمائها السياسيين والمصلحين ، ويبدو أن بعض دوائر الجهات الرسمية أدركت أهمية طروحاته الفكرية فراحت تتقرب منه ، وتتفاعل مع نشاطه الفكري والسياسي ، كما تمكن أيضا من التعاون مع بعض قادة ثورة التحرير الجزائرية ممن كانوا يقدمون إسهاماتهم النضالية من القاهرة ، وتعدّ مرحلة بن نبي القاهرية من أخصب مراحل حياته ، فخلالها أنجز العديد من الدراسات الفكرية مثل " شروط النهضة " و" مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " .. غير أن ما ميز هذه المرحلة هو ترجمة بعض مؤلفاته إلى اللغة العربية ، لأنه يكتب أساساً باللغة الفرنسية التي يجيدها أكثر من أي لغة أخرى ، وذلك بفضل بعض تلاميذه ومريدي فكره ، لذلك ينبغي أن نذكر ـ من باب الأمانة التاريخية العلمية ـ أن المشارقة هم مكتشفو القيمة المنهجية والبنائية لفكر بن نبي ، ومن أبرز هؤلاء المريدين الذين أصبحوا فيما بعد من رموز الاصلاح والعلم والتغيير في أقطارهم ، نذكر المؤرخ علي الغتيت ( من مصر ) و المحامي الشهير عمر كامل مسقاوي ( من لبنان ) و المفكر واللغوي الدكتور عبد الصبور شاهين ( من مصر أيضا ) والأديب الدكتور عبد السلام الهراس ( من المغرب ) ورشيد بن عيسى ( من الجزائر )... الخ.

وفي هذه المرحلة أيضا التقى بن نبي بالعديد من القادة والزعماء ممن عُرف عنهم النضال والتصدي للإستعمار والعمل من أجل تحقيق الاستقلال والكرامة للإنسان والأوطان ، كان منهم الزعيم الصيني شو آن لاي ( chou en lai ) ، والزعيم الهندي جواهرلال نهرو ( nehru ) والزعيم المصري جمال عبد الناصر .. وغيرهم .

ولايجوز أن ننسى ـ ونحن نتحدث عن مرحلة بن نبي المصرية ـ إدارته للعديد من المناقشات والسجالات الفكرية ، مع أبرز مفكري وعلماء مصر ، أمثال الشيخ محمد أبو زهرة ، والدكتورمحمد عبد الله دراز ، والكاتب الإسلامي الشهيرالشهيد سيد قطب ، وما تزال النخبة الثقافية في مصر تتذكر هذه المرحلة ، وتكتب عنها العديد من الصفحات ، كمناظرة بن نبي وسيد قطب حول مفهوم الحضارة والمدنية ، وكذا تأثير فكر بن نبي في العديد من أصحاب الأقلام الذين كانوا ينتبذون بفكرهم جهة اليسار أو يعيشون حالة من الشك والاضطراب المنهجي والمفاهيمي ، ومن أشهر هؤلاء الكتاب ، الطبيب المفكر" مصطفى محمود " . فلا غرو أن نجد الدكتور عبد الحليم عويس يقول عن هذه القضية : " أصرح بأن الفكر الذي يمكن أن يُعزى إليه قيادة مصطفى محمود إلى الإسلام هو فكر أستاذنا مالك بن نبي.. فمالك بن نبي ـ ذلك المفكر الإسلامي الجزائري الكبير ـ قد تمكن من خلال كتبه الرائدة العظيمة : شروط النهضة ، الظاهرة القرآنية ، مشكلة الثقافة ، في مهب المعركة ، وغيرها ، قد تمكن من تكوين جيل من المثقفين الإسلاميين ولاسيما في مصر والجزائر.. " ( من كتابه : العقل المسلم في مرحلة الصراع الفكري . ص 106 ) ... وقد سمعت شخصياً من الشيخ الغزالي ـ الذي تعرف على بن نبي في القاهرة في لقاء خاص ببيت المؤرخ علي الغتيت ـ شهادته في بن نبي ، وهي شهادة تنحو منحى ما ذكره الدكتور عويس .



المرحلة الأخيرة من حياة بن نبي :

في سنة 1963م عاد الأستاذ مالك بن نبي إلى الجزائر ، بعد عدة سنوات قضاها في مصر والمشرق العربي ، حيث تقلد مناصب كثيرة منها : مستشار التعليم العالي ، ومدير جامعة الجزائر ، و وزير التعليم العالي ، غير أنه ولظروف أحاطت به ، استقال سنة 1967م ، ليتفرغ تفرغا كاملا للعمل الفكري ، وتنظيم الندوات ، وإلقاء المحاضرات ، كما اهتدى إلى تأسيس ملتقى الفكر الإسلامي ، الذي كان يُعقد أسبوعيا في بيته ، وكان يؤمه كثير من الشباب من الجزائر والبلاد العربية وأوروبا ؛ وقد تبنت السلطات الجزائرية في ذلك الوقت ، فكرة هذا الملتقى ، فأصبح يُعقد سنوياً ، وقد اشتهرت به الجزائر ، إذ كان تظاهرة فكرية ثقافية فريدة من نوعها ، حتى أصبحت الرحال تُشد إليه ، لنوعية المحاضرات التي تلقى في رحابه ومستوى العلماء والمفكرين والإعلاميين الذين يحضرون أشغاله . وظل كذلك حتى أقبلت السنوات العجاف ، ودخلت الجزائر في مفازة من الفوضى ، بسبب فتنة سياسية بغيضة مؤلمة ، فتوقف هذا الملتقى العظيم الذي كان بحق جامعة إسلامية فكرية متنقلة .

ظل بن نبي دؤوباً في عمله الفكري ، وتأليف الكتب القيمة ، كما بدأ يجدّ في تعلم اللغة العربية ، ويستدرك على نزوع قديم في نفسه ، حتى أتقنها ، فكان أول كتاب ألفه باللغة العربية هو كتاب " الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة " ، كما أكمل مذكراته " شاهد القرن " أيضا باللغة العربية ، ونحن لانستبعد أن يكون بن نبي ، قد كتب العديد من مؤلفاته المفقودة بلغة الضاد.. ومنذ حلول العام الميلادي 1973 بدأ يشعر بإرهاق عام يسري في أوصاله ، وما يكاد يختفي حتى يعود من جديد ، وفي يوم 31 أكتوبر 1973 أسلم الروح الطاهرة لبارئها الكريم ، فحزنت الجزائر على فقده و ودعته الجماهير إلى مثواه الأخير.. رحمه الله وطيّب ثراه وجعل الجنة مثوه... لكن أفكاره البديعة ، التي تشبه في عمقها وترتيبها ، نظام المعادلات الرياضية ، استمر إشعاعها وتأثيرها ، حتى اليهود تفطنوا لأفكار بن نبي ، حيث أُنجزت حوله أطروحات جامعية ، نوقشت في بعض جامعات " إسرائيل " !! وربما جاز لي القول بأن المثقفين الجزائريين هم أقل الجميع اهتماما بأفكار هذا الرجل العبقري الذي لانكاد نعثر له على نظير من بين مفكري الأمة الإسلامية.. وصدق العرب القدماء الذين كانوا يقولون ( أزهد الناس في العالِم أهلُه وجيرانُه !! ).



آثار مالك بن نبي الفكرية :

خلّف بن نبي تراثاً فكرياً ، أعتُبر فريداً ومتميزاً في مجال تصوير الأزمة الحضارية لدى المسلمين ، وتجسيد الأوهاق والعقابيل التي تعوق المجتمع الإسلامي المعاصر ، وتحول دون إقلاعه الحضاري المرتقب ، واستئناف دوره الرسالي في الشهود الحضاري ، ذلك الدور العظيم الذي توقف ، وفقد جميع عناصره المشعة ، بل ضمرت فعاليته ، حتى على مستوى الذات منذ انقضاء عهد الموحدين . وتراث بن نبي الفكري قسمان. يتمثل القسم الأول في المؤلفات المطبوعة المشهورة ، بينما يتمثل القسم الثاني في المؤلفات التي ما تزال مفقودة إلى يومنا هذا.

أ ـ المؤلفات المطبوعة :

1ـ الظاهرة القرآنية

2ـ شروط النهضة

3ـ حديث في البناء الجديد

4ـ الإسلام والديموقراطية ( يوجد ضمن كتاب تأملات في طبعته الجديدة )

5ـ مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

6ـ مذكرات شاهد القرن ( الطفل + الطالب )

7ـ ميلاد مجتمع

8ـ أثر المستشرقين في الفكر الإسلامي الحديث

9 ـ المسلم في عالم الاقتصاد

10ـ فكرة كومنولث إسلامي

11 ـ في مهب المعركة

12 ـ مشكلة الثقافة

13ـ بين الرشاد والتيه

14 ـ تأملات

15 ـ لبيك ( وهي الرواية الوحيدة التي كتبها بن نبي ولم تترجم للعربية بعدُ )

16 ـ وجهة العالم الإسلامي ( هذا الكتاب نُشر بعنوان: نداء الإسلام ، كما نُشر بعنوان : مستقبل الإسلام ، أي أن له ثلاث ترجمات على الأقل )

17 ـ النجدة : الشعب الجزائري يُباد ( وهو رسالة صغيرة كتبها في القاهرة ، مساهمة منه في كشف جرائم الإبادة التي تعرض لها الشعب الجزائري على يد الاحتلال الفرنسي )

18 ـ دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين

19 ـ الفكرة الإفريقية الآسيوية

20 ـ الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة

ب ـ المؤلفات المفقودة :

21 ـ دولة مجتمع إسلامي

22 ـ العفن أو( الغسيل ) ( هو الجزء الثالث من مذكرات شاهد القرن )

23 ـ خطاب مفتوح لخروتشوف

24 ـ نموذج المنهج الثوري

25 ـ المشكلة اليهودية

26 ـ اليهودية أم النصرانية

27 ـ دراسة حول النصرانية

28 ـ العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها

29 ـ مجالس دمشق ( وهي مجموعة من المحاضرات والمسامرات الفكرية قدمها في دمشق )

30 ـ مجالس تفكير ( مجموعة من الدروس والتحليلات الفكرية أدارها في بيته قبل وفاته )



شهادات في مالك بن نبي :

لو أردنا جمع ما قيل في بن نبي من آراء وشهادات وانطباعات ، حول شخصه وفكره ، لتوفرنا على مادة قمينة بأن تضمها دفتا كتاب ، لكن حسبنا في هذا المقال ، هذه الشهادات المقتضبة ، المتضمنة لدلالات عميقة ، ربما هي جانب آخر ، أو آلية تسهم في عملية الكشف عن ذخائر فكر وإبداع هذا المفكر ـ المدرسة.

ـ قال عنه تلميذه وصديقه المحامي عمر كامل مسقاوي : " الأستاذ مالك يطرح الإسلام كملهم لقيمنا ، قادر على استعادة دور الإنسان المسلم.. وهو يرى أن الإسلام لا يُقدّم للعالم ككتاب ، وإنما كواقع اجتماعي يسهم بشخصيته في بناء مصير الإنسانية "

ـ أما المصلح الدكتور يوسف السباعي فقد قال : " الأستاذ مالك جزائري ، مجاهد ، يتميز في جميع مؤلفاته بعمق التفكير ، ومنطقيته ، و واقعيته، وقوة أسلوبه في الدفاع عن الأفكار التي يتبناها.. وقد استطاع الأستاذ مالك بأسلوبه الذي تفرد به ، وثقافته الغربية الواسعة ، مع ثقافته العربية الإسلامية ، أن يوجه إليه أنظار جيل من شبابنا المثقف الذي يتوق إلى الاصلاح مع احتفاظه بقوة العقيدة وسلامة التفكير.. حتى لقد غدا قطاع عريض من شباب الجيل الحاضر يرى في الأستاذ بن نبي رائده الفكري ، البعيد النظر ، القوي الإيمان ، المناضل بقلمه في سبيل الله والإسلام "

ـ وقال عنه الشيخ الأستاذ محمد المبارك : " لعل قراء الأستاذ مالك لا يعرفون أنه مهندس كهربائي تخرج في كبريات المعاهد الهندسية العالية في فرنسا ، وسلخ من حياته أكثر من ثلاثين سنة عاشها في أوروبا ، وكانت هذه السنون الطويلة بالنسبة إلى رجل مثقف عميق الثقافة سبباً في إظهار ذاتيته وإيقاظ الشعور في نفسه وفكره : إنه عربي مسلم ، ليس هو من المجتمع الأوروبي الذي عاش فيه بجسمه في شيء ، وكان تعمقه في الثقافة الأوروبية سبباً في تحرره من نفوذها.. "

ـ ويقول عنه الباحث العراقي الدكتور علي القريشي : " إن الدارس لفكر بن نبي سيكتشف أنه ـ دون معاصريه من المفكرين المسلمين ـ قد أولى اهتماماً أساسياً وعميقاً للإنسان المسلم ، بصفته تكويناً شخصياً و واقعاً اجتماعياً ، متابعاً في ذلك علله ونقائضه ، ومحللاً أبعاد الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تحيط به. ومقترحا ً الحلول في إطار من الرؤى المستقبلية المتفائلة.. وإجمالاً كان بن نبي في كل فكره مدرسة وحده .. فهو أول من كتب ـ في العالمين العربي والإسلامي ـ عما يسمى اليوم بالتنمية ، وأول من تناول بشكل منهجي مستقل مشكلة التراث والمعاصرة ، فضلا عن كونه من القلائل الذين حرصوا على تأكيد أن ثمة طريقاً ثالثاً للنهضة غير الطريقين الرأسمالي والاشتراكي ، وقد كان له في كل ذلك أطروحاته وأفكاره التحليلية والتشخيصية المميزة .. "

* فهذا غيض من فيض عن عَلَم من أعلام نهضتنا المعاصرة ، لكنه جهد مقل ، لا يغني بحال عن العودة المباشرة لقراءته وتأمله وإعادة اكتشافه واستشرافه في ضوء الأحداث والمستجدات التي تكتنف حياتنا المعاصرة.



دراسات وأعمال حول فكر بن نبي :

كُتبت وأُنجزت حول مشروع الأستاذ بن نبي الفكري العديد من الدراسات والأعمال والأطروحات الجامعية ، حتى من قبل بعض اليهود كما أشرنا سابقا ، غير أن كوكبة كبيرة من العلماء والمفكرين المشتغلين بشؤون الأمة وبقضايا التغيير بشتى أبعاده ما تزال تصر على أن جوهر فكر بن نبي ، ليس كمسائل مجزأة ، وإنما كنسق أو منظومة متكاملة ، ما يزال لم يُكشف عن حقيقته حتى هذا الوقت ، ناهيك عن كيفيات وأساليب استثماره عملياً في عملية البناء الحضاري والتنمية والأسلمة والاصلاح التربوي والعلمي ... ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أهم وأعمق الدراسات التي تناولت بعض جوانب مشروع بن نبي الفكري فيما يأتي :

ـ التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي ـ للدكتور علي القريشي.

ـ فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي ـ للدكتور سليمان الخطيب.

ـ مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً ـ للدكتور أسعد السحمراني .

ـ مفهوم الحضارة عند مالك بن نبي وأرنولد توينبي ـ للأستاذة آمنة بن تشيكو.

ـ موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن نبي ـ للأستاذ الدكتور الطيب برغوث.

ـ نقد مالك بن نبي للفكر السياسي الغربي الحديث ـ للدكتور يوسف حسين.

ـ حول فكر مالك بن نبي ـ للأستاذ المحامي اللبناني المشهور عمر كامل مسقاوي.

ـ مالك بن نبي : حياته وفكره ـ للباحث الدكتور عبدالله العويسي.

ـ مكانة الأفكار في الفلسفة الاجتماعية عند مالك بن نبي ـ للدكتور حمودة سعيدي.

ـ مالك بن نبي والاتجاه الحضاري في الحركة الوطنية الجزائرية ـ للدكتور محمد العربي معريش



ابراهيم النويري
أضواء على حياة المفكر الجزائري العالمي مالك بن نبي


ابراهيم النويري
09/02/2009
قراءات: 2855
المفكر الجزائري العالمي الكبير الأستاذ مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ نسق فريد بين جلّ المفكرين .. أو قل مدرسة متميزة لها بصماتها وخصوصياتها في فهم الأفكار وهندستها وتوظيفها في مجال البناء الحضاري ، ومعالجة قضايا الإنسان المسلم المعاصر ، خلال هذه الانعطافة التاريخية التي يعيشها ، والتي يميزها ـ أظهر ما يميزها ـ فقدان الفعالية والدور الحضاري لهذا الإنسان المسلم في الحياة المعاصرة ، وإن كان بن نبي يعتبر أن هذه الأزمة حصلت للإنسان المسلم منذ انتقال الشعلة الحضارية للإنسان الغربي ، وذلك منذ أفول دولة أو عصر الموحدين.



محطات في حياة مالك بن نبي :

ولد مالك بن نبي سنة 1905م بقسنطينة ، وكان والده يشغل منصباً بسيطاً لدى الإدارة الحكومية الإستعمارية الفرنسية بمدينة تبسة ، وهي المدينة التي أصبحت مقر الأسرة ، ومهد نشأة وترعرع بن نبي ، كانت أمه تشتغل بالخياطة قصد المساهمة في رفع المستوى المعيشي والاقتصادي للأسرة ، فقد كانت غالبية الأَُسَر الجزائرية في تلك الفترة الزمنية تعاني شظف العيش إلى جانب البؤس والحرمان ، جراء ما فرضته سلطات الاحتلال على الأهالي والسكان من إجراءات ومعاملات قاسية ؛ أُدخِل مالك بن نبي " الكُتّاب " لتعلّم وحفظ القرآن الكريم ومباديء الحساب واللغة العربية ، غير أنه ما لبث إلاّ قليلا حتى انتظم في المدرسة الفرنسية ، لكنه ظل يتردد باستمرار على الكتّاب ، وكذلك على المسجد العتيق ، وحضور أوقات الصلاة.

لوحظ على بن نبي ( الطفل ) ميل طافح ، بل ولع ظاهر ، إزاء حب التعلم والتعلق بالقراءة ، حتى أنه كان يتلقى دروسا إضافية ( تكوين داعم أو خاص ) في النحو والصرف والبلاغة والثقافة العربية ، على يد شيخ يدعى " عبد المجيد " كما كان حريصا على الاستفادة من الدروس والحلقات العلمية التي تدار في المساجد.

يقول الدكتور علي القريشي يصف هذه المرحلة في حياة بن نبي : " لقد أخذت آفاق ابن نبي تتسع في هذه المرحلة سواء عن طريق قراءاته الكثيرة أو مشاهداته الشخصية ، خاصة أن متابعته للصحف كانت تزيد من وعيه بتمزقات الواقع الاجتماعي. أما مشاعره الانتمائية فكانت تتجه نحو رجل الاصلاح المعروف الشيخ عبد الحميد بن باديس ، خاصة وقد زُرع هذا الميل في نفسه منذ كان صغيراً وهو يراه يقف في الشارع يحدّث الناس ، كما تميز سلوكه في هذه المرحلة بالميل الى الصمت ، وإيثار الوحدة على الاجتماع ، لكن إحساسه بآلام الواقع الذي فرضته الظروف الاستعمارية كان كبيراً ، لذا حين نشبت ثورة الريف اندفع يشارك رفاقه كتابةَ وإلصاقَ النداءات والبيانات المناوئة للمستعمِر المحتل . "



سفره إلى فرنسا :

في شهر سبتمبر1930م نزل مالك بن نبي بمحطة ليون بباريس ، وكان أول عمل قام به هو التسجيل بمعهد " الدراسات الشرقية " غير أنه لم يُوفّق في الانتساب لهذا المعهد. وقد حزّ ذلك كثيراَ في نفسه ، لسبب بسيط وموضوعي بتمثل في كون دواعي ذلك الرفض لا يخضع لأي معيار من المعايير التي سبق وأعلنها معهد الدراسات الشرقية ، وعن هذه الحادثة يقول بن نبي " لم يتم قبولي بالمعهد ،لأن الإنتساب للمعهد بالنسبة لمسلم جزائري لا يخضع لمقياس علمي ، وإنما لمقياس سياسي ".. لكن بن نبي وُفّق في الدخول الى " مدرسة اللاسلكي " لدراسة الهندسة الكهربائية ، وفي الحي اللاتيني الذي كان يقيم به العرب والمغاربة خاصة ، كان بن نبي يجدّ في نشر الوعي الصحيح ، لاسيما فيما يتعلق بالاصلاح والبناء الحضاري والوحدة المغاربية ـ من منطلق دعوة الشمال الإفريقي للتكتل ضد الاستعمار ـ بل والوحدة الإسلامية الشاملة ، التي وجد بن نبي فيما بعد في صيغة استراتيجيا " دول عدم الإنحياز " تمهيداً لها أو تحقيقاً جزئياً ومرحلياً لبعض أهدافها ، لكن من منظور استراتيجي آني ، كما يتضح ذلك على الأقل في كتابين للأستاذ بن نبي ، الكتاب الأول " الفكرة الإفريقية الآسيوية " والثاني " فكرة كومنولث إسلامي " .

في فرنسا أيضا أتيح له التعرف على العديد من الزعماء والفلاسفة والمفكرين ، كما توطدت صلته ببعض رموز الاصلاح والدعوة والعلم ، كان أبرزهم الشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز ، الذي أنجز أطروحة جامعية في السوربون ، بعنوان " دستور الأخلاق في القرآن " وهي مطبوعة في كتاب ضخم . كما قابل في سنة 1936م الوفد الجزائري الذي ذهب إلى باريس ليطالب السلطات الفرنسية بالمشاركة البرلمانية ، وكان على رأس هذا الوفد الشيخان المصلحان عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي.

ولم تنحصر جهود بن نبي التربوية والاصلاحية والفكرية على منطقة باريس لوحدها ، بل كثيراً ما كان يسعى لتوسيع دائرة تلك الجهود ، منها على سبيل المثال ، إقدامه على فتح مدرسة في الجنوب الفرنسي لمحو الأمية وتعليم العمال الجزائريين المغتربين؛ واعتراض السلطات الفرنسية على ذلك ، لكن بحجج واهية مفضوحة. يقول عنها بن نبي " وفي سنة 1938م أسست بمدينة مرسيليا مدرسة للأميين في سن متقدم من بين إخواننا العمال المشتغلين بفرنسا ، فدعتني الإدارة المختصة ومنعتني من أواصل التدريس في هذا المعهد البسيط بدعوى أنه ليس لديّ المؤهلات !! "



رحلته إلى مصر :

التعرف على الشرق العربي والإسلامي كان أملا يراود مالك بن نبي منذ مراحل وعيه الأولى ، فهو يذكر بأنه ـ منذ صباه وشبابه المبكر ـ نوى السفر والتعرف على بعض الأقطار والمدائن الإسلامية ، مثل : جدة ( السعودية ) وتومبكتو ( مالي ) ـ وهي مدينة لعبت دوراً حيوياً في نشر الإسلام في إفريقيا ما وراء الصحراء ـ وأفغانستان وباكستان وأندونيسيا ومصر ..الخ.

خلال سنة 1956م سافر بن نبي إلى مصر ، حيث أتيح له التعرف عن قرب على زعمائها السياسيين والمصلحين ، ويبدو أن بعض دوائر الجهات الرسمية أدركت أهمية طروحاته الفكرية فراحت تتقرب منه ، وتتفاعل مع نشاطه الفكري والسياسي ، كما تمكن أيضا من التعاون مع بعض قادة ثورة التحرير الجزائرية ممن كانوا يقدمون إسهاماتهم النضالية من القاهرة ، وتعدّ مرحلة بن نبي القاهرية من أخصب مراحل حياته ، فخلالها أنجز العديد من الدراسات الفكرية مثل " شروط النهضة " و" مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " .. غير أن ما ميز هذه المرحلة هو ترجمة بعض مؤلفاته إلى اللغة العربية ، لأنه يكتب أساساً باللغة الفرنسية التي يجيدها أكثر من أي لغة أخرى ، وذلك بفضل بعض تلاميذه ومريدي فكره ، لذلك ينبغي أن نذكر ـ من باب الأمانة التاريخية العلمية ـ أن المشارقة هم مكتشفو القيمة المنهجية والبنائية لفكر بن نبي ، ومن أبرز هؤلاء المريدين الذين أصبحوا فيما بعد من رموز الاصلاح والعلم والتغيير في أقطارهم ، نذكر المؤرخ علي الغتيت ( من مصر ) و المحامي الشهير عمر كامل مسقاوي ( من لبنان ) و المفكر واللغوي الدكتور عبد الصبور شاهين ( من مصر أيضا ) والأديب الدكتور عبد السلام الهراس ( من المغرب ) ورشيد بن عيسى ( من الجزائر )... الخ.

وفي هذه المرحلة أيضا التقى بن نبي بالعديد من القادة والزعماء ممن عُرف عنهم النضال والتصدي للإستعمار والعمل من أجل تحقيق الاستقلال والكرامة للإنسان والأوطان ، كان منهم الزعيم الصيني شو آن لاي ( chou en lai ) ، والزعيم الهندي جواهرلال نهرو ( nehru ) والزعيم المصري جمال عبد الناصر .. وغيرهم .

ولايجوز أن ننسى ـ ونحن نتحدث عن مرحلة بن نبي المصرية ـ إدارته للعديد من المناقشات والسجالات الفكرية ، مع أبرز مفكري وعلماء مصر ، أمثال الشيخ محمد أبو زهرة ، والدكتورمحمد عبد الله دراز ، والكاتب الإسلامي الشهيرالشهيد سيد قطب ، وما تزال النخبة الثقافية في مصر تتذكر هذه المرحلة ، وتكتب عنها العديد من الصفحات ، كمناظرة بن نبي وسيد قطب حول مفهوم الحضارة والمدنية ، وكذا تأثير فكر بن نبي في العديد من أصحاب الأقلام الذين كانوا ينتبذون بفكرهم جهة اليسار أو يعيشون حالة من الشك والاضطراب المنهجي والمفاهيمي ، ومن أشهر هؤلاء الكتاب ، الطبيب المفكر" مصطفى محمود " . فلا غرو أن نجد الدكتور عبد الحليم عويس يقول عن هذه القضية : " أصرح بأن الفكر الذي يمكن أن يُعزى إليه قيادة مصطفى محمود إلى الإسلام هو فكر أستاذنا مالك بن نبي.. فمالك بن نبي ـ ذلك المفكر الإسلامي الجزائري الكبير ـ قد تمكن من خلال كتبه الرائدة العظيمة : شروط النهضة ، الظاهرة القرآنية ، مشكلة الثقافة ، في مهب المعركة ، وغيرها ، قد تمكن من تكوين جيل من المثقفين الإسلاميين ولاسيما في مصر والجزائر.. " ( من كتابه : العقل المسلم في مرحلة الصراع الفكري . ص 106 ) ... وقد سمعت شخصياً من الشيخ الغزالي ـ الذي تعرف على بن نبي في القاهرة في لقاء خاص ببيت المؤرخ علي الغتيت ـ شهادته في بن نبي ، وهي شهادة تنحو منحى ما ذكره الدكتور عويس .



المرحلة الأخيرة من حياة بن نبي :

في سنة 1963م عاد الأستاذ مالك بن نبي إلى الجزائر ، بعد عدة سنوات قضاها في مصر والمشرق العربي ، حيث تقلد مناصب كثيرة منها : مستشار التعليم العالي ، ومدير جامعة الجزائر ، و وزير التعليم العالي ، غير أنه ولظروف أحاطت به ، استقال سنة 1967م ، ليتفرغ تفرغا كاملا للعمل الفكري ، وتنظيم الندوات ، وإلقاء المحاضرات ، كما اهتدى إلى تأسيس ملتقى الفكر الإسلامي ، الذي كان يُعقد أسبوعيا في بيته ، وكان يؤمه كثير من الشباب من الجزائر والبلاد العربية وأوروبا ؛ وقد تبنت السلطات الجزائرية في ذلك الوقت ، فكرة هذا الملتقى ، فأصبح يُعقد سنوياً ، وقد اشتهرت به الجزائر ، إذ كان تظاهرة فكرية ثقافية فريدة من نوعها ، حتى أصبحت الرحال تُشد إليه ، لنوعية المحاضرات التي تلقى في رحابه ومستوى العلماء والمفكرين والإعلاميين الذين يحضرون أشغاله . وظل كذلك حتى أقبلت السنوات العجاف ، ودخلت الجزائر في مفازة من الفوضى ، بسبب فتنة سياسية بغيضة مؤلمة ، فتوقف هذا الملتقى العظيم الذي كان بحق جامعة إسلامية فكرية متنقلة .

ظل بن نبي دؤوباً في عمله الفكري ، وتأليف الكتب القيمة ، كما بدأ يجدّ في تعلم اللغة العربية ، ويستدرك على نزوع قديم في نفسه ، حتى أتقنها ، فكان أول كتاب ألفه باللغة العربية هو كتاب " الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة " ، كما أكمل مذكراته " شاهد القرن " أيضا باللغة العربية ، ونحن لانستبعد أن يكون بن نبي ، قد كتب العديد من مؤلفاته المفقودة بلغة الضاد.. ومنذ حلول العام الميلادي 1973 بدأ يشعر بإرهاق عام يسري في أوصاله ، وما يكاد يختفي حتى يعود من جديد ، وفي يوم 31 أكتوبر 1973 أسلم الروح الطاهرة لبارئها الكريم ، فحزنت الجزائر على فقده و ودعته الجماهير إلى مثواه الأخير.. رحمه الله وطيّب ثراه وجعل الجنة مثوه... لكن أفكاره البديعة ، التي تشبه في عمقها وترتيبها ، نظام المعادلات الرياضية ، استمر إشعاعها وتأثيرها ، حتى اليهود تفطنوا لأفكار بن نبي ، حيث أُنجزت حوله أطروحات جامعية ، نوقشت في بعض جامعات " إسرائيل " !! وربما جاز لي القول بأن المثقفين الجزائريين هم أقل الجميع اهتماما بأفكار هذا الرجل العبقري الذي لانكاد نعثر له على نظير من بين مفكري الأمة الإسلامية.. وصدق العرب القدماء الذين كانوا يقولون ( أزهد الناس في العالِم أهلُه وجيرانُه !! ).



آثار مالك بن نبي الفكرية :

خلّف بن نبي تراثاً فكرياً ، أعتُبر فريداً ومتميزاً في مجال تصوير الأزمة الحضارية لدى المسلمين ، وتجسيد الأوهاق والعقابيل التي تعوق المجتمع الإسلامي المعاصر ، وتحول دون إقلاعه الحضاري المرتقب ، واستئناف دوره الرسالي في الشهود الحضاري ، ذلك الدور العظيم الذي توقف ، وفقد جميع عناصره المشعة ، بل ضمرت فعاليته ، حتى على مستوى الذات منذ انقضاء عهد الموحدين . وتراث بن نبي الفكري قسمان. يتمثل القسم الأول في المؤلفات المطبوعة المشهورة ، بينما يتمثل القسم الثاني في المؤلفات التي ما تزال مفقودة إلى يومنا هذا.

أ ـ المؤلفات المطبوعة :

1ـ الظاهرة القرآنية

2ـ شروط النهضة

3ـ حديث في البناء الجديد

4ـ الإسلام والديموقراطية ( يوجد ضمن كتاب تأملات في طبعته الجديدة )

5ـ مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

6ـ مذكرات شاهد القرن ( الطفل + الطالب )

7ـ ميلاد مجتمع

8ـ أثر المستشرقين في الفكر الإسلامي الحديث

9 ـ المسلم في عالم الاقتصاد

10ـ فكرة كومنولث إسلامي

11 ـ في مهب المعركة

12 ـ مشكلة الثقافة

13ـ بين الرشاد والتيه

14 ـ تأملات

15 ـ لبيك ( وهي الرواية الوحيدة التي كتبها بن نبي ولم تترجم للعربية بعدُ )

16 ـ وجهة العالم الإسلامي ( هذا الكتاب نُشر بعنوان: نداء الإسلام ، كما نُشر بعنوان : مستقبل الإسلام ، أي أن له ثلاث ترجمات على الأقل )

17 ـ النجدة : الشعب الجزائري يُباد ( وهو رسالة صغيرة كتبها في القاهرة ، مساهمة منه في كشف جرائم الإبادة التي تعرض لها الشعب الجزائري على يد الاحتلال الفرنسي )

18 ـ دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين

19 ـ الفكرة الإفريقية الآسيوية

20 ـ الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة

ب ـ المؤلفات المفقودة :

21 ـ دولة مجتمع إسلامي

22 ـ العفن أو( الغسيل ) ( هو الجزء الثالث من مذكرات شاهد القرن )

23 ـ خطاب مفتوح لخروتشوف

24 ـ نموذج المنهج الثوري

25 ـ المشكلة اليهودية

26 ـ اليهودية أم النصرانية

27 ـ دراسة حول النصرانية

28 ـ العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها

29 ـ مجالس دمشق ( وهي مجموعة من المحاضرات والمسامرات الفكرية قدمها في دمشق )

30 ـ مجالس تفكير ( مجموعة من الدروس والتحليلات الفكرية أدارها في بيته قبل وفاته )



شهادات في مالك بن نبي :

لو أردنا جمع ما قيل في بن نبي من آراء وشهادات وانطباعات ، حول شخصه وفكره ، لتوفرنا على مادة قمينة بأن تضمها دفتا كتاب ، لكن حسبنا في هذا المقال ، هذه الشهادات المقتضبة ، المتضمنة لدلالات عميقة ، ربما هي جانب آخر ، أو آلية تسهم في عملية الكشف عن ذخائر فكر وإبداع هذا المفكر ـ المدرسة.

ـ قال عنه تلميذه وصديقه المحامي عمر كامل مسقاوي : " الأستاذ مالك يطرح الإسلام كملهم لقيمنا ، قادر على استعادة دور الإنسان المسلم.. وهو يرى أن الإسلام لا يُقدّم للعالم ككتاب ، وإنما كواقع اجتماعي يسهم بشخصيته في بناء مصير الإنسانية "

ـ أما المصلح الدكتور يوسف السباعي فقد قال : " الأستاذ مالك جزائري ، مجاهد ، يتميز في جميع مؤلفاته بعمق التفكير ، ومنطقيته ، و واقعيته، وقوة أسلوبه في الدفاع عن الأفكار التي يتبناها.. وقد استطاع الأستاذ مالك بأسلوبه الذي تفرد به ، وثقافته الغربية الواسعة ، مع ثقافته العربية الإسلامية ، أن يوجه إليه أنظار جيل من شبابنا المثقف الذي يتوق إلى الاصلاح مع احتفاظه بقوة العقيدة وسلامة التفكير.. حتى لقد غدا قطاع عريض من شباب الجيل الحاضر يرى في الأستاذ بن نبي رائده الفكري ، البعيد النظر ، القوي الإيمان ، المناضل بقلمه في سبيل الله والإسلام "

ـ وقال عنه الشيخ الأستاذ محمد المبارك : " لعل قراء الأستاذ مالك لا يعرفون أنه مهندس كهربائي تخرج في كبريات المعاهد الهندسية العالية في فرنسا ، وسلخ من حياته أكثر من ثلاثين سنة عاشها في أوروبا ، وكانت هذه السنون الطويلة بالنسبة إلى رجل مثقف عميق الثقافة سبباً في إظهار ذاتيته وإيقاظ الشعور في نفسه وفكره : إنه عربي مسلم ، ليس هو من المجتمع الأوروبي الذي عاش فيه بجسمه في شيء ، وكان تعمقه في الثقافة الأوروبية سبباً في تحرره من نفوذها.. "

ـ ويقول عنه الباحث العراقي الدكتور علي القريشي : " إن الدارس لفكر بن نبي سيكتشف أنه ـ دون معاصريه من المفكرين المسلمين ـ قد أولى اهتماماً أساسياً وعميقاً للإنسان المسلم ، بصفته تكويناً شخصياً و واقعاً اجتماعياً ، متابعاً في ذلك علله ونقائضه ، ومحللاً أبعاد الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تحيط به. ومقترحا ً الحلول في إطار من الرؤى المستقبلية المتفائلة.. وإجمالاً كان بن نبي في كل فكره مدرسة وحده .. فهو أول من كتب ـ في العالمين العربي والإسلامي ـ عما يسمى اليوم بالتنمية ، وأول من تناول بشكل منهجي مستقل مشكلة التراث والمعاصرة ، فضلا عن كونه من القلائل الذين حرصوا على تأكيد أن ثمة طريقاً ثالثاً للنهضة غير الطريقين الرأسمالي والاشتراكي ، وقد كان له في كل ذلك أطروحاته وأفكاره التحليلية والتشخيصية المميزة .. "

* فهذا غيض من فيض عن عَلَم من أعلام نهضتنا المعاصرة ، لكنه جهد مقل ، لا يغني بحال عن العودة المباشرة لقراءته وتأمله وإعادة اكتشافه واستشرافه في ضوء الأحداث والمستجدات التي تكتنف حياتنا المعاصرة.



دراسات وأعمال حول فكر بن نبي :

كُتبت وأُنجزت حول مشروع الأستاذ بن نبي الفكري العديد من الدراسات والأعمال والأطروحات الجامعية ، حتى من قبل بعض اليهود كما أشرنا سابقا ، غير أن كوكبة كبيرة من العلماء والمفكرين المشتغلين بشؤون الأمة وبقضايا التغيير بشتى أبعاده ما تزال تصر على أن جوهر فكر بن نبي ، ليس كمسائل مجزأة ، وإنما كنسق أو منظومة متكاملة ، ما يزال لم يُكشف عن حقيقته حتى هذا الوقت ، ناهيك عن كيفيات وأساليب استثماره عملياً في عملية البناء الحضاري والتنمية والأسلمة والاصلاح التربوي والعلمي ... ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أهم وأعمق الدراسات التي تناولت بعض جوانب مشروع بن نبي الفكري فيما يأتي :

ـ التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي ـ للدكتور علي القريشي.

ـ فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي ـ للدكتور سليمان الخطيب.

ـ مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً ـ للدكتور أسعد السحمراني .

ـ مفهوم الحضارة عند مالك بن نبي وأرنولد توينبي ـ للأستاذة آمنة بن تشيكو.

ـ موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري عند مالك بن نبي ـ للأستاذ الدكتور الطيب برغوث.

ـ نقد مالك بن نبي للفكر السياسي الغربي الحديث ـ للدكتور يوسف حسين.

ـ حول فكر مالك بن نبي ـ للأستاذ المحامي اللبناني المشهور عمر كامل مسقاوي.

ـ مالك بن نبي : حياته وفكره ـ للباحث الدكتور عبدالله العويسي.

ـ مكانة الأفكار في الفلسفة الاجتماعية عند مالك بن نبي ـ للدكتور حمودة سعيدي.

ـ مالك بن نبي والاتجاه الحضاري في الحركة الوطنية الجزائرية ـ للدكتور محمد العربي معريش



ابراهيم النويري

https://www.alnoor.se/article.asp?id=40576









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 23:14   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة belkacemb مشاهدة المشاركة
انا في حاجة الى مقال فلسفي حول: حياة مالك بن نبي

شكراااا
https://www.alsakher.com/showthread.php?t=128194









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-22, 23:16   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة belkacemb مشاهدة المشاركة
انا في حاجة الى مقال فلسفي حول: حياة مالك بن نبي

شكراااا
حطـات في حياة مالك بن نبي / د. محمد سعيد مولاي
الأحد, 18 ديسمبر 2011 20:11 | | |
امتدت حياة مالك بن نبي ما بين أوائل القرن العشرين وثلثه الأخير، ولم تنقطع شهاداته الحية على مدى تلك الفترة من خلال تحاليله الفذة لمجريات الأحداث، ومعالجاته لمشكلات الحضارة، "شاهدا على القرن" بكل روافده الاستعمارية والثورية، حريصا على نهضة العالم الإسلامي من سباته منذ عهد ما بعد الموحدين إلى "دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين".


فكانت حياته منذ الطفولة إلى "حلقاته" وهو متقاعد في بيته حياة كفاح بالقلم ، وجهادا بالدليل العلمي وجوامع الكلم، في عالم تضاربت فيه القرائح بين مسرف في"الشيئية" همه الخلود إلى الأرض، وبين غائص في "الفكر" المثالي يتطلع إلى المطلق. وهل من سنة أجدى وأبقى في تغيير الأنفس والمجتمعات من نور القلم الذي به علم الرحمان، علم الانسان ما لم يعلم. وهل من جهاد في مجال الثقافات والحضارات أكبر من نفوذ الكلمة في صنع الذهنيات وطرح ما بها من ملابسات وانحرافات مثلما جاء في قوله عز وجل: "وجاهدهم به جهادا كبيرا" (الفرقان 25 /52)؟.
وقد اتخذ مالك كعنوان لدراساته قوله تعالى :"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وانصب جل تفكيره في هذا الاتجاه: إذ كيف مثلا ترفع مهانة الاستعمار عن الشعوب من غير رفع وطأة "القابلية للاستعمار" وتحريرالرقاب من "الأفكار الميتة والقاتلة"؟ وهل من سبيل إلى الرقي الحضاري بدون الاعتناء بتقويم الانسان بدلا من "تكديس الأشياء"؟ وهل تقوم النهضة على التغني بأمجاد ما مضي ونسيان ما هو قائم وواقع وتركه لأباطيل الغزو الثقافي والصراع الفكري؟.
لقد رأى مالك ما أصاب الأمة من مصائب شتى، وإن المصاب جلل والوعي بالرسالة قد ثقل، فترك رخاء الحياة ورغد العيش بالانشغال كمهندس من خريجي أكبر مدرسة فرنسية في الكهرباء، وانكب كمهندس من نوع جديد في معالجة مشكلات الحضارة مع كل ما سيصحبه في ذلك من متاعب وعناء وأذى.
هذا وقد تميز مالك بقدرته الفائقة على التحليل العلمي في القضايا الاجتماعية النفسية والمسائل الفكرية والدينية، فتراه في معالجته لتلك القضايا كأنما يعالج مسائل فيزيائية أو رياضية. مثل ذلك تحليله لعناصر الحضارة مثل تحليل الكيماوي للماء، وانبعاث الحضارة يراه متجسدا في دافع الدين على غرار دافعة أرخميدس، والدورة التاريخية بين مبتداها ومنتهاها على شاكلة الدورة الدموية بين عمليتي الانقباض والاسترخاء.
كما تميز باطلاعه الواسع على كل من الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وغيرهما من الحضارات القديمة والحديثة. فدرس إلى جانب دوراتها أسباب أوجها وسقوطها وأثبت بقوة الدليل والبيان ما للعقائد من طاقة فريدة في نشأتها وتفجيرها.
فجاء بقاعدة جوهرية وشاملة تنص على جدلية محكمة بين تطور الحضارات وانتشار الأديان عبر العصور والأمصار، ذلك بأنه: ما ظهر على الأرض نوع من أنواع التمدن إلا وبزغ معه صنف من أصناف التدين، ومن ذلك نستخلص أن "من وراء كل حضارة دين"، وأنه لا سبيل لتغيير ما بالمجتمعات من رواسب مهلكة وأمراض مزمنة من دون تغيير ما بالأنفس من عقائد فاسدة وتصورات خاطئة، وبناء على ذلك فإن مصير الأفراد والأمم بين أيديها قبل سواها ولذا يقول مالك: "غير نفسك تغير التاريخ"، وقد قال رسول الله (ص): "هي أعمالكم تدل عليكم كيفما كنتم يولى عليكم".
محطات من حياة مالك بن نبي
1905: ولد مالك بن نبي سنة 1905 بمدية قسنطينة ، شرق الجزائر في أسرة فقيرة محافظة.
حال البلاد آنذاك: أنها مستعمرة ومنقسمة إلى فئتين، فئة البؤساء (indigènes)، مهضومة الحقوق، مسلوبة الأراضي، خيمت عليها غيوم الجهل والفقر والحرمان، وفئة الكولون (colons) الذين بسطوا أيديهم على خيرات البلاد واستعبدوا العباد وعاثوا في الأرض تنكيلا وتقتيلا واستبدادا.
فكانت أجواء البيئة التي نشأ فيها على طرفي نقيض: بين سيد ومسود وبين ذي علم وجهول وبين مستعمر وقابل للاستعمار وبين محافظ مستمسك بدين القيمة لكن تنقصه الفعالية ومعتد لا يرقب في أهل البلد إلا ولا ذمة إلا من أذعن له رقبته مثل العملاء من "الحركى".
1908-1910: في سنة 1908 رفض جد مالك العيش تحت نير الاستعمار، فغادر الجزائر إلى ليبيا ولبث فيها وشارك مع إخوانه الليبيين في مقاومة الغزو الإيطالي ثم عاد إلى قسنطينة.
أما والد مالك، عمر بن نابي، فقد انتقل مع باقي أسرته ما عدى مالك (الذي تركه عند أحد أعمامه) إلى مدينة تبسة حيث يقطن صهره وأخوال أبنائه منذ نصف قرن وهم من أصل قسنطيني.
وفي سنة 1910 تحصل والد مالك على وظيفة خوجة في بلدية تبسة وعندها التحق الولد بأبويه وفي هذه المدينة ترعرع وزاول دراسته في كل من المدرسة القرآنية والمدرسة الابتدائية الفرنسية.

1911-1929: واصل مالك في قسنطينة دراسته الثانوية بالفرنسية ودراسته في المدرسة الأهلية بالعربية، وتحصل على الشهادة الثانوية سنة 1925 وعندها سافر إلى فرنسا لمتابعة دراساته العليا، غير أن ظروفه المادية لم تسمح له بذلك فعاد إلى الجزائر.
تحصل سنة 1927 وبعد عدة محاولات على منصب عادل لدى محكمة آفلو جنوب الجزائر.
أتاح له عمله هذا فرصة الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع والفئات الشعبية، فاطلع على معاناتهم اليومية من فقر وجهل كما انتبه إلى دسائس الاستعمار في التحايل على اختلاس أملاك الأهالي خاصة منها الأراضي، وقد ذكر ذلك للشيخ عبد الحميد ابن باديس، رائد الحركة الإصلاحية الذي تعرف عليه سنة 1928.
تحول في نفس السنة إلى محكمة شاتدان (Châteaudun-du-Rhummel) شلغوم العيد حاليا، وعندها تبينت له ملامح رجل مابعد الموحدين من خلال معاينته لمشاهد عديدة من الضياع الفكري والانحراف الثقافي لدي كثير من الأهالي في مقابل الأروبي المستعمر. ثم قدم اسستقالته من المحكمة بعد خلاف شجر بينه وبين ضابط المحكمة.
عندها بادر سنة 1929 إلى ممارسة التجارة في إطار عائلي، لكن لم يكن مؤهلا لذلك فابتعد عن تلك الممارسة وراودته فكرة مواصلة دراساته العليا.
1930-1936: كانت سنة 1930 السنة المائوية للاحتلال الفرنسي، بادر فيها الاستعمار باحتفالات كبيرة. وقرر حينها مالك بالتوجه إلى فرنسا لمزاولة دراسته فيها بعد أن وعده أبوه بإعانة مالية.
تقدم أولا إلى معهد اللغات الشرقية بباريس لكن إدارة المعهد رفضت تسجيله بالرغم من توفره للشروط المطلوبة.
فسجل بعد ذلك في معهد الكهرباء الذي يحمل اسم مؤسسه سودريا (Sudria) وتخرج منه سنة 1936
تعرف في باريس على جمعية الشباب المسيحي (Association des Jeunes Chrétiens) الكائنة بشارع تريفيس (Trévise)، وألقى بمقرها في شهر ديسمبر من سنة 1931 أول محاضرة له بعنوان : " لماذا نحن مسلمون؟". فانبهر به جمع الطلبة وعلا صيته بين الأوساط الفكرية مع صيت صديقه الحميم حمودة بن ساعي الذي ألقى هو الآخر محاضرة في نفس السياق بعنوان: "الإسلام والسياسة".
وعلى إثر ذلك ثار في جالية الشمال الإفريقي الشعور بأصالتها والدفاع عن هويتها فتقرر تأسيس "جمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا" (Association des Etudiants Musulmans Nord-Africains : AEMNA) وعين مالك كنائب رئيس لها.
وتعرف في نفس السنة على زوجته الفرنسية (Paulette) التي عانقت دين الإسلام وحملت اسم خديجة، وقد انعقد القران بمدينة درو (Dreux) حيث تتواجد أسرة زوجته والتي تقع على بعد حوالي ثمانين كم من باريس. كما أنشأ "جمعية فرنسا والشمال الإفريقي" (Association Franco - Nord Africaine ) وكان رئيسا لها.
أثار كل ذلك حفيظة من سيسميهم مالك "بالمسيو إيكس" (Mr X) أو النظام السيكولوجي (psychological service) الذي كان يعمل لصالح الإمبراطورية "ذات النزعة التوسعية" في البلاد المستعمرة ومحاربة دين الإسلام في ميدان الصراع الفكري (lutte idéologique) والذي سيتابعه ابتداء من تلك الفترة.
وازداد شعوره بخـفايا "المسيو إيكس" من جراء المممارسات العنصرية وانسداد أبواب الشغل أمامه، خصوصا من بعد ما لحقه من معاملات من طرف المستشرق لووي ماسينيون (Louis Massignon).
لكن بالرغم من ذلك فقد كانت هذه المرحلة من حياته متميزة بخصبة في الأفكار وغزارة في الأحداث. إذ كان في قلب الحي اللاتيني (quartier latin) بباريس وهو في عنفوان شبابه، في وسط مفعم بالفكر الغربي وتوجهاته الفلسفية والاجتماعية والسياسية، وفيه كذلك تعج وتموج ثلة من الطبقة المثقفة والسياسية من أبناء العالم الإسلامي والعربي، سواء منهم القادمون من شمال إفريقيا كمحمد الفاسي والهادي نويرة أو من المشرق مثل الشيخ محمد عبد الله دراز وغيره، والذين اختلفت تصوراتهم بين التوجهات اليسارية واليمينية والمولعين بنمط الحياة في بلاد الغرب وبين المستمسكين بأصالتهم ودينهم .
وفي هذا الفضاء وجدت أفكار مالك سبيلها في التلاقح والتضارب مع غيرها من القرائح، كما ظهرت شجاعته في الدفاع عن أصالته وقيم دينه الحنيف، وجاء بتحاليل منهجية جمع فيها بين عقلانية ديكارت وعبقرية ابن خلدون ليعالج من خلالها مشكلات الحضارة (Problèmes de civilisation) ويبين أسسها وأسباب انحطاطها وشروط نهضتها.
وقد تبنى الفكر الإصلاحي للشيخ عبد الحميد بن باديس (1887- 1940م) منذ أن تعرف عليه في عام 1928، وعرف منهجه الإصلاحي ، فناصره في البداية بقوة أثناء تواجده بفرنسا لما كان يرى في ذلك المنهج من أسس متينة وكفيلة ببعث الحضارة الإسلامية من جديد. بينما كان معارضا بشدة لأنصار الاندماج (les assimilationnistes) الذي تزعمه ابن جلول وفرحات عباس.
لكن لما انضم الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى جانب الاندماجيين سنة 1936 وغيرهم من الأحزاب السياسية الأخرى في وفد جمع أغلب الأطياف الجزائرية ثم ذهب هذا الوفد إلى باريس لمطالبة الدولة الفرنسية بحقوق جميع الجزائريين ورجع بعد ذلك بخفي حنين، هنالك رأى مالك أن جمعية الإصلاح قد انحرفت عن منهجها الأصيل الذي علق آماله عليه في انبعاث الحضارة الإسلامية وراح يعاتب الجمعية لاتباعها خطى أصحاب الزردات الانتخابية والوعود السياسية الكاذبة والتروي "بمرض الكلام" من قيل وقال والتغني بالأمجاد. فانقلبت الفكرة في رأي مالك إلى وثن من أوثان البولتيك الخاوية (Idée-Idole)، وانساقت المشيخة الدعوية والإصلاحية نحو الزعامات المتناحرة بين محترف ومتصنع (zaims et zaimillons).
إلى جانب هذا النشاط الفكري المكثف كان مالك يبحث في محاولات عديدة عن منصب شغل يسد به حاجيات أسرته لكن دون جدوى، فقرر الدخول إلى الجزائر.
1936-1938: بادر بإنشاء مدرسة تقنية في قسنطينة، لكن الادارة الاستعمارية رفضت الترخيص له بذلك بعدم الاستجابة لطلبه. فقرر حينها أن يهاجر إلى مصر أو إلى بلاد الحجاز لكنه لم يحصل على التأشيرة ثم فكر في الهجرة إلى ألبانيا غير أن الظروف الاقتصادية البائسة لهذا البلد حالت دون ذلك.
1938: بعد هذه المحاولات اليائسة، جاءه صديق تبسي ودله على منصب كمنشط لمحو الأمية في المركز الثقافي بمرسيلبا الذي افتتحه المؤتمر الإسلامي الجزائري آنذاك. فالتحق به مالك وعين مديرا له وأبلى البلاء الحسن في أوساط الجالية المغتربة، سواء في مجال التعليم والدفاع عن حقوقها أو في نشر أفكاره حول النهضة الحضارية.
فأثار ذلك حفيظة الإدارة الفرنسية من جديد، خصوصا بعد دعوة إلى حضور تجمع وجهت له من قبل مؤتمر القوات اليسارية التي تجندت ضد ألمانيا على إثر أزمة كانت جارية في تشيكوسلوفكيا. فطالب مالك في هذا التجمع بالأخذ بعين الاعتبار بالحقوق المشروعة للمغاربة في مقابل تجنيدهم في الحرب المرتقبة ضد ألمانيا. وعلى إثر هذا الحدث أغلقت الإدارة الفرنسية المركز الثقافي.
1939: كانت رياح الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق. في هذه الأجواء أرسل مالك إلى حزب الشعب الجزائري (PPA) الذي كان يتزعمه مصالي الحاج بمذكرة حول الأوضاع الراهنة في الجزائر والآفاق المفتوحة أمام البلاد تحت عنوان: "الحزب الاجتماعي غير السياسي le PAS (Parti Apolitique Social) وكان يرجو نشره في مجلة البرلمان (le Parlement)، لسان حال الحزب. فتقدمت إدارة هذا الأخير بتهنئة مالك على جودة المذكرة لكنها اعتذرت من عدم نشرها بحجة الإجازة الصيفية لعمال المجلة. ثم ترجمت المقالة إلى العربية وأرسلت إلى حزب الدستور بتونس فلم تنشر أيضا.

1940 - 1948: كما تقدم مالك سنة 1940 بالإضافة إلى تلك الانشغالات بدراسة حول الإسلام واليابان، سلمها إلى السفارة اليابانية بباريس في إطار مسابقة دولية طلبتها هذه الأخيرة في موضوع "الحضارة اليبانية"، وذلك بمناسبة الاحتفال الألفيني لليابان.
ولم يتسن لمالك استلام الدعوة التي قدمتها إليه سلطات اليابان، نظرا لتصاعد الأزمة في فرنسا. إذ في نفس هذه السنة اقتحمت القوات الألمانية مدينة درو (Dreux) حيث كان مالك يقيم مع زوجته. ففر الموظفون من إدارة البلدية عن بكرة أبيهم وتركوها خاوية على عروشها، وعندها احتجزت القوات الألمانية المهندس بن نبي وأمرته بتسيير مصالح البلدية، وبعد يوم من ذلك عاد الحاكم الفار وعرض خدماته على سلطات الاحتلال فعينته لإدارة البلدية وأعادت تعيين المهندس بن نبي كنائب له. ثم جاء من بعد ذلك موريس فيولات (M. Violette) الذي كان حاكما للجزائر سنة 1925 وهو أحد صناع المشروع المعروف باسم (projet Blum-Violette) وكان كذلك رئيسا سابقا لبلدية درو (Dreux)، فعرض نفسه على السلطات الألمانية فأعادت تعيينه كرئيس للبلدية.
وحينها قال فيولات لبن نبي: ها نحن الآن سويا في نفس الجهة، فرد عليه بن نبي قائلا: أما أنا فقد احتجزتني قوات الاحتلال وأما أنت .. ؟ (أي أنك اخترت بعرض نفسك وأنت إذن: collabo)، فأسرها فيولات في نفسه ليبديها حقدا ومكرا على مالك بعد تحرير فرنسا.
وبدا للسلطات الألمانية مع حكومة فيشي (Vichy) أن تغير فيولات بآخر، فجاء الرئيس الجديد ناقما على سابقيه وأقصى في هذا السياق مالك من البلدية.
بحث مالك بعد ذلك عن أي عمل يسد به رمق أهله في تلك الظروف القاسية، ولربها كانت هذه الفترة من أشد مراحل حياته سيذكرها ويدونها في كتابه "العفن" (Pourritures)، وما وجد من عمل ولمدة قصيرة سوى الحارسة بالليل، ثم لم يجد بعده شيئا. وازدادت وضعيته المالية صعوبة، ذلك لأن الإعانة المتواضعة التي كان يقدمها له أبوه لم تجد طريقا إليه بسبب انقطاع العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد الثامن من شهر نوفمبر 1942.
فاضطر إلى العمل في ألمانيا في صفقة تبادلية كانت تسمح بها سلطات الاحتلال . وفي هذا البلد شرع في تأليف أول كتاب له وهو "الظاهرة القرآنية"، لكن احترق جزء كبير من الكتاب على إثر ضربات جوية لم تبق منه سوى أشلاء لا تكاد تذكر.
ثم عاد مالك إلى مدينة درو (Dreux) بعد أن قضى في ألمانيا ثمانية عشر شهرا، ليقع في مؤامرة من تدبير رئيس البلدية السابق فيولات في وقت لاحت فيه تباشير التحرير من الغزو الألماني.
ذلك أن فيولات أراد طمس شهادة مالك على تعامله طوعا من غير إكراه مع سلطات الاحتلال. فأُدخل مالك السجن بنفس المدينة مع زوجته خديجة بتهمة الخيانة ولبث فيه سبعة أشهر من سبتمبر 1944 إلى أفريل 1945 وخرج منه بعد قرار المحكمة بالبراءة من التهمة.
ثم أدخل السجن مرة أخرى في مدينة شارت (Chartes) بنفس التهمة ولبث فيه ستة أشهر من أكتوبر 1945 إلى ماي 1946 ليخرج منه بالبراءة كذلك.
وأعاد مالك في سجنه الأخير كتابة "الظاهرة القرآنية" من جديد معتمدا على ذاكرته وقد طبع الكتاب بالجزائر سنة 1947. وصدر له في نفس السنة "لبيك" وهو عبارة عن رواية يقص فيها ظروف فقير توجه للحج إلى بيت الله الحرام. ثم صدر له سنة 1948 الكتاب الذي ذاع صيته به وهو "شروط النهضة".

1948 - 1955: تنقل مالك في هذه الفترة بين فرنسا والجزائر مع القيام بأعمال بسيطة هنا وهنالك متى سنحت له الفرصة بذلك، والواقع أنه شرع في هذه الفترة بالتخصص ككاتب يقتات من تسويق كتبه ومقالاته.
فساهم بصفة منتظمة وفعالة في الصحافة المعروفة آنذاك، من بينها: "الجمهورية الجزائرية" (La République Algérienne) لسان حال حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري التابع لفرحات عباس، ومجلة " الشباب المسلم" (Le Jeune Musulman) التابعة لجمعية العلماء المسلمين التي كان يشرف عليها آنذاك الشيخ البشير الإبراهيمي، وقد تركت مساهماته هذه أثرا بليغا وتواصلت إلى سنة 1956 كما أنها جمعت كلها من بعد وفاته في مُؤلًفين .
هذا وقد صدر لمالك كتابه المحوري في معالجة "مشكلات الحضارة": "Vocation de l’Islam" (وجهة العالم الإسلامي)، طبعة "Le Seuil" سنة 1954 ، وقد هداه إلى صديقه الدكتور خالدي الذي أوحى إليه بعنوان الكتاب.
وجاء بعد ذلك مؤتمر باندوغ سنة 1955 الذي برز فيه محور دول عدم الانحياز كقوة ذات شأن في وجه المعسكرين المتطاحنين: الشيوعي والليبرالي. فكان مالك في مستوى الحدث بأن شرع على التو في كتابة "فكرة الإفريقية الأسوية" (l’Afro-Asiatisme) وعلق عليه آمالا كبيرة في المساهمة الجدية بشأن توضيح التوجهات الكفيلة بإنقاذ العالم من مخالب المعسكرين.

1956-1962: وجهت السلطات الهندية دعوة إلى مالك لتقديم كتابه هذا، فخرج مع صديقه حمودة بن ساعي متسللين من فرنسا في اتجاه الهند عن طريق مصر لمقابلة الحاكم الهندي وعرض الكتاب عليه.
ولما حط الرحال بمصر استحال السفر إلى الهند فقرر مالك المكوث في القاهرة. وفي أول سبتمبر من نفس السنة تقدم مالك بطلب إلى قيادة جبهة التحرير للالتحاق بقوات التحرير في داخل الوطن بغرض الوقوف إلى جانبها وكتابة تاريخ الثورة. لكنه لم يجد صدى لمطلبه هذا.
فقرر المساهمة في الثورة بالقلم وبوسائله الخاصة ليسمع بها العالم، طلبا للدعم المادي والمعنوي. فكتب سنة 1957 مقالا بعنوان: "Algérie-SOS" (الجزائر: النجدة) مبرزا فيه وحشية الاستعمار الفرنسي من تعذيب وقتل جماعي للشعب الجزائري، فكان هذا المقال بمثابة صرخة قوية بلغ صداها أرجاء العالم عبر كتابة المقالة بعدة لغات: العربية والفرنسية والألمانية على وجه الخصوص.
هذا، وكان مؤتمر باندوغ قد أنشأ أمانة دائمة بالقاهرة، فالتقى مالك بالأمانة وتسلمت منه كتابه حول تصوراته إزاء الخط "الإفريقي الآسيوي" وتقرر طبع الكتاب في ديسمبر من سنة 1956. ودعي مالك للمشاركة رسميا في المؤتمر الإفريقي الآسيوي الثاني سنة 1957، فشارك فيه بوفد معتبر وساهم فيه باقتراحات بناءة.
كما شرع من جهة أخرى في تنشيط ملتقى غير معلن وموجه للطلبة في القاهرة، ذلك أنه لما قدم إلى القاهرة نزل متنقلا بين الأحياء الجامعية، وفيها تعرف عليه بعض الطلبة، خصوصا بعد صدور مقال للأديب المصري إحسان عبد القدوس في جريدة "روز اليوسف" شهر جوان 1956، بعنوان " الاستعمار في نفوسنا !" لخص فيه الأديب ما أسماه "بالحديث الفلسفي الممتع" الذي دار بينه وبين مالك. فتشكلت حوله مجموعة من الطلبة منهم عمر كامل مسقاوي، وعبد السلام الهراس، ومحمد رفعت الفنيش ، وعبد الصبور شاهين، وصبحي صالح، وعمار طالبي... الخ.
كما تنقل إلى سوريا ولبنان لتقديم عدة محاضرات تركت أثرا بليغا في نفوس الطلبة وبعض القيادات، وقد جمعها أتباعه ومحبوه في مؤلف عنوانه: "مجالس دمشق" (Madjalis Dimachek)، كما نسج بها علاقات وطيدة كان من ثمراتها أن اتخذه بعضهم نسبا وصهرا.
وشرع كذلك في التأليف باللغة العربية ابتغاء وصول أفكاره إلى النخب العربية، فصدر له بالفرنسية وبلغة الضاد كتبا منها: "مشكلة الثقافة" (Le Problème de la Culture)،"فكرة كمنويلث إسلامي" (Idée d’un Commonwealth islamique) و: "الصراع الفكري" (La lutte idéologique).
1963-1968: غادر مالك مصر بعد أن مر بليبيا عند أحد تلاميذه محمد رفعت، ودخل إلى الجزائر بعد الاستقلال سنة 1963. وكان قد وعده الرئيس المنتخب أحمد بن بلة بفتح "مركز للتوجيه الثقافي" (Centre d’Orientation Culturelle). فانتظر مالك حتى يئس من ظهور المركز إلى الوجود، فقرر فتحه في بيته الخاص المتواجد بالجزائر العاصمة شارع فرنكلان روزفالت، ليواصل من خلاله ما بدأه من قبل مع الطلبة في القاهرة، وهو تكوين الأجيال المتصاعدة في معالجة مشكلات الثقافة والحضارة وفهم آليات الصراع الفكري والبناء الحضاري، ليس في العالم الإسلامي فحسب بل عبر الانسانية جمعاء.
عين مالك سنة 1964 كمدير عام للتعليم العالي، فقام بمهمته ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، مع مواصلة رسالته التي اكتتبها على نفسه سواء عن طريق المحاضرات أو التأليف، فصدر له "آفاق جزائرية" (Perspectives algériennes) وكذلك الجزء الأول من مذكراته.
ثم استقال من منصبه سنة 1967، ليتفرغ كلية للعمل الإسلامي والتوجيهي. فساهم بمقالات متتابعة في الصحافة الجزائرية خصوصا في مجلة "Révolution Africaine" (الثورة الإفريقية) التي شارك فيها إلى سنة 1968 بمقالات في صميم تصوراته حول إشكالات الثقافة والحضارة ومشروع المجتمع، وقد جمعت هذه المقالات كلها في كتاب بعد وفاته .
1968-1973: أوصى مالك بعض المقربين إليه من الطلبة الذين كانوا يتابعون حلقاته ببيته، خصوصا الذين كانوا يشتغلون بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بتنظيم ملتقيات لتوعية الأجيال الصاعدة كما حث على فتح مسجد بالجامعة المركزية، وفي خضم الصراعات الفكرية والمذهبية، ولو كان ذلك بمقدار متر مربع واحد.
فنشأت ملتقيات الفكر الإسلامي على يد رشيد بن عيسى وعبد الوهاب حمودة وقد تبنتها وزارة الشؤون الدينية وأصبحت من بعد ذلك دولية وذاع صيتها في أرجاء العالم في عهد المرحوم مولود قاسم عند توليه مقاليد الوزارة نفسها.
كما بادر نفر من تلامذة مالك بفتح مسجد الطلبة سنة 1968، وذلك بتقديم طلب رسمي إلى إدارة الجامعة بخط الطلبة: عبد العزيز بوليفة ومحمد جاب الله وعبد الوهاب حمودة وعبد القادر حميتو. وقد قام الأستاذ الجامعي صاحب كرسي علم التشريح في الطب سليمان طالب بموقف حاسم في الحصول على مقر المسجد.
وبادر طلبة المسجد بإيعاز من مالك بن نبي أيضا بإصدار مجلة شهرية تحت عنوان: "Que sais-je de l’Islam" (ما ذا أعرف عن الإسلام)، كما قام بعضهم، منهم على وجه الخصوص الصيدلي عبد العزيز بوليفة، بإعادة طبع كتب مالك بوسائل بسيطة (استعمال الرونيو)، منها: "مسألة الثقافة" (Problème de la culture)، "شروط النهضة" (Les Conditions de la Renaissance)، "الظاهرة القرآنية" (Le Phénomène coranique)، "أعمال المستشرقين" (L’œuvre des Orientalistes) وكذلك "الإسلام والديمقرامية" (Islam et Démocratie) الذي طبع تحت إشراف محفوظ صاري بابن مسوس .
ولم ينقطع مالك عن الكتابة وإلقاء المحاضرات في الجزائر وخارجها، وكانت آخر دراساته "دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين" (Le rôle du Musulman dans le dernier tiers du XXème siècle) التي طبعت ببيروت سنة 1973، جمع فيها آخر تعاليمه وتحاليله التي تقدم بها في ملتقياته الأسبوعية بالجزائر.
توفي رحمه الله في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر سنة 1973 ودفن بمقبرة سيدي امحمد ببلكور وألقى الكلمة التأبينية تلميذه البكر الأستاذ رشيد بن عيسى.
المؤلفات BIBLIOGRAPHIE
ترك الأستاذ مالك بن نبي عدة مؤلفات على شكل كتب ومقالات ومحاضرات ودفاتر، ومنها سمعية بصرية.
صدر جلها في حياته وأخرى بعد وفاته، وكثير منها أعيد طبعه كما جمعت أغلب المقالات والمحاضرات والدفاتر في كتب متعددة.
وقد ترك الأستاذ مالك بن نبي وصية إلى د. عمر مسقاوي سنة 1971 حمله فيها بالمسؤولية المعنوية والمادية لكتبه، منها العربية على وجه الخصوص ، والتكفل بالترجمة إلى العربية للمؤلفات التي صدرت بالفرنسية، وقد أدى الأمانة ولا يزال يؤديها إلى يومنا هذا.
أما الدفاتر فقد صدرت بعد إذن أسرة الأستاذ مالك بن نبي لبوكروح نور الدين بطبعها، وقد تولى هذا الأخير كذبك بجمع وتقديم مجموعة من المقالات.
وكثير من المقالات الصحفية والمحاضرات قد جمعت ونشرت على يد عمر بن عيسى وخصوصا عبد الرحمان بن عمارة الذي لا يزال إلى يومنا هذا يتكفل بنشر أو إعادة طبع إنتاج الأستاذ مالك بن نبي.
هذا وإن نور الدين خندودي قد تولى مهمة الترجمة من العربية إلى الفرنسية لعدد من الكتب والمقالات وكذلك ترجمة الجزء العربي الذي أضافه بن نبي إلى "شروط النهضة" الصادر بالعربية في القاهرة.
وأما الأشرطة السمعية فأغلبها محفوظة لدى عبد القادر حميتو وهي تسجيلات لندوة مالك بالجزائر العاصمة.
هذا وقد بادرت منذ أواخر الستينات ثلة من تلاميذ الندوة المذكورة ومسجد الطلبة، ومنهم عبد العزيز بوليفة خصوصا، بإعادة طبع مؤلفات أ. مالك بما تيسر لديهم من الوسائل والتي ستعتمد من بعد في إعادة طبعها.
نذكر في ما يلي مؤلفات أ. مالك بن نبي بالترتيب الزمني لصدورها:
1 - Le phénomène coranique, (Arabe – Français), Alger, 1947- الظاهرة القرآنية،
2 - Lebbeik, (Français), Alger, 1948 – لبيـــــك،
3 - Les conditions de la renaissance, (Arabe-Français ), Alger, 1949- شروط النهضة،
4 - Vocation de l’Islam, (Arabe-Français ), Alger, 1954 - وجهة العالم الإسلامي،
5 - L’Afro-Asiatisme, (Arabe-Français), Le Caire, 1956- فكرة الإفريقية الآسيوية،
6 - S.O.S Algérie, (Arabe-Français), Le Caire, 1957 - الجزائر- النجدة،
7 - Idée d’un Commonwealth islamique, (Arabe-Français), Le Caire, 1958
- فكرة كمنويلث إسلامي،
8 - Le problème de la culture, (Arabe-Français), Le Caire, 1959- مشكلة الثقافة،
9 - La lutte idéologique, (Arabe-Français), Le Caire, 1960- الصراع الفكري،
10 - Propos sur l’édification nouvelle, (Arabe-Français), Le Caire, 1960
- حديث في البناء الجديد،
11 – Réflexions, (Arabe), Le Caire, 1961 - تأمـــلات،
12 - Dans le souffle de la bataille, (Arabe), Le Caire, 1961- في مهب المعركة،
13 - Naissance d’une société, (Arabe-Français), Le Caire, 1962- ميلاد مجتمع،
14 - Perspectives algériennes, (Arabe –Français), Le Caire 1964- آفاق جزائرية،
15 - Mémoires d’un témoin du siècle – L’enfant, (Arabe-Français), Alger,1965
-مذكرات شاهد القرن: الطفل،
16 - L’œuvre des orientalistes, (Arabe- Français), Alger, 1967 - إنتاج المستشرقين،
17 - Islam et Démocratie, (Arabe-Français), Alger, 1968- الإسلام والديمقراطية،
18 - Le problème des idées, (Arabe –Français), Le Caire, 1970- مشكلة الأفكار،
19 - Mémoires d’un témoin du siècle- L’étudiant, (Arabe-Français), Beyrouth, 1970
-مذكرات شاهد القرن:الطالب،
20 - Le sens de l’étape, (Français), Alger, 1970- دلالة المرحلة،
21- Le musulman entre la rectitude et l’égarement, (Ar), Beyrouth 1972- بين الرشاد والتيه،
22 -Le musulman dans le monde de l’économie, (Arabe-Français), Beyrouth, 1972
-المسلم في عالم الاقتصاد،
23 - Le rôle du musulman dans le dernier tiers du XXème siècle, (Arabe), Beyrouth, 1973
- دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين،
24 – Les grands Thèmes, (Arabe-Français), Alger, 1976- المواضيع الكبرى،
25 - Pour changer l’Algérie, (Arabe-Français), Alger, 1989 ، الجزائر تغيير لأجل-
26 – Colonisabilité (Français), Alger, 2003- القابلية للاستعمار،
27 – Mondialisme (Français), Alger, 2004- العولمة،
28 - Madjalis Dimachek (Arabe), Damas, 2005- مجالس دمشق،
29 – Pourritures, (Arabe-Français), Alger, 2007 - العـــفن،
30 – Mémoires d’un témoin du siècle- l’Enfant, l’Etudiant, l’Ecrivain et les Carnets, (Fr), Al, 2006
- مذكرات شاهد القرن: الطفل والطالب والكاتب والدفاتر
31 – Le livre et le milieu humain, (Français), Alger, 2007- الكتاب والبيئة،
32 - La réalité et le devenir, (Arabe-Français), Alger, 2009- الواقع والمصير،
33 -Témoignage sur la guerre de libération, (Fr), Alger, 2010 - شهادة على حرب التحرير،
34- Trois textes sur la lutte idéologique, (Fr), Alger, 2010 - ثلاث مقالات عن الصراع الفكري،
خـلاصـة
كانت حياة مالك حياة كفاح بالفكر والقلم، تميز منهجه التحليلي بالعقلانية الديكارتية والغزارة الخلدونية،
عاش بسيطا في حياته اليومية، لكنه كان مدرسة فكرية عملاقة نشأت على منهاجه أجيال في الجزائر وفي شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي وفي ما سواهما.
وهو المحلل لمشكلات الحضارة على غرار التحليل العلمي في الكيمياء والفيزياء والخبير في طريقة المعالجة بوصفة شروط النهضة لداء الرواسب المتراكمة على مدى عصور ما بعد الموحدين.
ترك بصمات عميقة في أوساط النخب الثقافية والعلمية، مخلفا وراءه مصطلحات ذات دلالة ووزن في مفاهيم الحضارة كالقابلية للاستعمار وعهد ما بعد الموحدين والدورة الحضارية وشروط النهضة وما سوى ذلك.
كان شاهدا على قرنه، وقد رأى منذ طفولته أنه لم يخلق عبثا وأن له رسالة يجب عليه أداءها في هذا الوجود. وما دام الأمر كذلك فكل ما يجري من أحداث في حياته اليومية له شأن من شؤون الدنيا المتضاربة وعاقبة من عواقب الآخرة وغائية يمضي لا محالة نحوها، وقد لا ندرك ما بين هذه الأحداث حين وقوعها من ترابط وانسجام ثم نعي بعد فترة من الزمن ما وراءها من عبر جليلة وحكم بليغة. فارتأى مالك أن يسجل يوميا تلك الأحداث ما صغر منها وما كبر، ليلا أو نهارا، بل ساعة بعد ساعة. فأصبحت لديه سجلات من الدفاتر لم تنشر إلا من بعد وفاته، وذلك بعد قرار أسرته الكريمة وإرادة ابنته رحمة خصوصا بنشرها .
كان دائم السعي في الاقتداء بالمصطفى عليه الصلاة والسلام مجتهدا في ذلك إلى حد التطابق، مثل تسمية زوجته الأولى بخديجة التي شاطرته في السراء والضراء ودخلت السجن معه، ومثل لجوئه إلى الهجرة متسللا من فرنسا إلى مصر، والذود عن دين القيمة بلسان العلم الحديث لا يرده في ذلك غرور بمنصب ولا رغد في العيش.
كان مستبشرا بعودة الدين بقوة في القرن ال21 كما بينه في دراساته الاستشرافية، ولعل ما يجري اليوم من أحداث في العالم العربي وغيره إشارة بينة لعودة الدين الحنيف، غريبا كما جاء غريبا، فطوبى للغرباء، مثلما تنبأ وبشر به المصطفى عليه الصلاة والسلام.
رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه ونسأله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

assala-dz.net

https://www.assala-dz.net/ar/index.ph...nabi&Itemid=25









رد مع اقتباس
قديم 2012-05-20, 20:33   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
raddo
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية raddo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أرجوكم غدا عندنا إختبار في علم السكان من عنده مواضيع إمتحان يفيدنا بها و له جزيل الشكر










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:49

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc