.
4- ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة .
أخرج البخاري في صحيحه ( 6/396-397 ) ( 3364 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء إبراهيم بهاجر وابنها إسماعيل - وهي ترضعه - حتى وضعها عند البيت ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعها هنالك ، ووضع عندهما جراباً فيه تمرٌ ، وسقاءً فيه ماءً .
ثم قضى - أي رجع - إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ، فقالت له ذلك مراراً ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا .
]
ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) إبراهيم / 37 .
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال : يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه
فوجدت الصفا أقرب جبل من الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً ، فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود ؛ حتى جاوزت الوادي .
ثم أتت المروة ، فقامت عليها فنظرت هل ترى أحداً ، فلم تر أحداً ، ففعلت ذلك سبع مرات .
قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فذلك سعى الناس بينهما ) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت : صه - تريد نفسها - ثم تسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم
فبحث بعقبه - أو قال : بجناحه - حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه وتقول بيديها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم - أو قال : لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا . قال : فقال لها الملك ، لا تخافوا الضيعة ، فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ... ) الحديث .
قال ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن " ( 2/47 ) : " وهذا الحديث قد بان فيه معنى تسميتها بزمزم ، فإن الماء لما فاض زمته هاجر ، قال ابن فارس اللغوي : زمزم من قولك زممت الناقة ، إذا جعلت لها زماماً تحبسها به ) اهـ.
5- الوقوف بعرفة :
روى أبو داود والترمذي (883) من حديث يزيد بن شيبان قال : كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف , فأتانا ابن مِربع الأنصاري , فقال : إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم : " كونوا على مشاعركم , فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم "
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود " (1688) .
والكثير من أعمال الحج كان على عهد إبراهيم عليه السلام , ولكن المشركين ابتدعوا بعض الأمور التي لم تكن مشروعة , فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم , خالفهم في ذلك وبين المشروع من أعمال الحج .
فهذه نبذة يسيرة عن تاريخ الحج وتاريخ بعض مشاعره ، وللزيادة يمكنك الرجوع إلى كتاب الحافظ ابن الجوزي رحمه الله المسمى بـ " مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن " المجلد الأول منه كاملاً مع بداية المجلد الثاني .
والله اعلم .