حكم تمويل البنوك لشراء العقارات , واشتراط البائع منفعة في المبيع
السؤال:
أريد شراء عمارة والتي هي ملك لأخي، قيمة العمارة ٣٣٠٠٠٠٠ريال سعودي ، البنك سيدفع مبلغ ٢٣٠٠٠٠٠، وسيتبقى من قيمة العمارة مليون ريال
وافق أخي على أن يأخذ هذا المبلغ من إيجار العمارة بحيث يتم سدادها خلال عشرة سنوات بالتقسيط ، ولكن اشترط علي أنه في خلال العشر سنوات يسكن في العمارة بدون إيجار .
فهل البيع صحيح وخالي من الربا ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لم توضح لنا أيها السائل الكريم الصفة التي سيدخل بها البنك لشراء هذا البيت , وعلى كل حال فالغالب أن شراء البيوت عن طريق البنوك له صورتان:
الأولى :
أن يكون دور البنك هو مجرد التمويل ، فيدفع المال للعميل أو نيابةً عنه ، على أن يسترده مقسطا بزيادة ، وهذا قرض ربوي محرم .
الثانية :
أن يشتري البنك العقار ، ثم يبيعه للعميل ، وهذا جائز بشروط سبق بيانها بالتفصيل وذكر كلام أهل العلم في الفتوى القادمه
ولكن الظاهر من سؤالك أن الصورة التي سيتم التعامل بها من الصورة المحظورة ؛ لأنه من الواضح أن البنك لن يشتري العقار ، بل سيدفع جزءا منه على أن يسترده بالتقسيط ,
والمعهود في مثل ذلك أنه لن يسترده إلا بفائدة ، وهذا هو عين الربا المحرم .
ثانيا:
أما اشتراط أخيك عليك في عقد البيع أن يسكن في الدار مدة معينة ، معلومة ، دون أن يدفع أجرة , فهذا مما اختلف فيه أهل العلم , فرجح الشافعية ومن وافقهم عدم الجواز ,
جاء في " البيان في مذهب الإمام الشافعي " (5 / 136):
"وإن اشترى دارًا ، واشترط سكناها شهرًا، أو عبدًا، واستثنى خدمته مدة معلومة ، أو جملا، واشترط أن يركبه إلى موضع معين .. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: لا يصح البيع ، وجهًا واحدًا .
وحكى المسعودي في " الإبانة ": أنها على وجهين :
أحدهما : يصح الشرط والبيع ، وبه قال أحمد، وإسحاق ، والأوزاعي؛ لما روى جابرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:" بعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعيرًا، واشترطت عليه ظهره إلى المدينة " . وروي: " أن عثمان باع دارًا واشترط سُكناها شهرًا " .
والثاني : لا يصح البيع ، وهو الصحيح؛ لما روي: " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع وشرط " . ولأنه شرط لم يبن على التغليب، ولا هو من مصلحة العقد ، ولا من مقتضاه ، فلم يصح ، كما لو شرط أن لا يسلمه المبيع " انتهى.
ورجح الحنابلة ومن وافقهم الجواز , جاء في " المغني " لابن قدامة (4 / 73):
" ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة ، مثل أن يبيع دارا ، ويستثني سكناها شهرا ، أو جملا، ويشترط ظهره إلى مكان معلوم ، أو عبدا ، ويستثني خدمته سنة ، نصَّ على هذا أحمد
وهو قول الأوزاعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وابن المنذر ، وقال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا يصح الشرط؛ " لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وشرط "
ولأنه ينافي مقتضى البيع، فأشبه ما لو شرط أن لا يسلمه " انتهى.
والراجح من هذين القولين قول من قال بالجواز , قال ابن قدامة مرجحا الجواز : "ولنا، ما روى جابر: " أنه باع النبي - صلى الله عليه وسلم - جملا، واشترط ظهره إلى المدينة"
. وفي لفظ قال: " فبعته بأوقية ، واستثنيت حملانه إلى أهلي ". متفق عليه ، وفي لفظ " قال: فبعته منه بخمس أواق ، قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة . قال: ( ولك ظهره إلى المدينة) " . ورواه مسلم.
" ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن الثُّنْيا إلا أن تعلم" ، وهذه معلومة، ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلة مؤبرة
أو أرضا مزروعة، أو دارا مؤجرة ، أو أمة مزوجة ؛ فجاز أن يستثنيها، كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير"
انتهى من "المغني " لابن قدامة (4 / 74).
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله
- " «ونحو أن يشترط البائع سكنى الدار شهراً» أي: إذا اشترط البائع سكنى الدار شهراً، فإن هذا شرط صحيح وقوله: «الدار» أل فيها للعهد الذهني
أي: الدار المبيعة شهراً. مثاله : أن يقول: بعتك داري هذه بمائة ألف درهم، على أن أسكنها لمدة شهر، فيصح البيع ، ويصح الشرط ، والدليل على ذلك عام وخاص .
أما العام فقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ، وقوله: )المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً )
أما الخاص: فدليله «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اشترى من جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ جملاً اشترط جابر حُملانه إلى المدينة
فوافقه النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك» ، وهذا نفع معلوم في المبيع ، فهو كسُكنى الدار شهراً".
انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع (8 / 231, 232).
وقال الشيخ الفوزان :" النوع الثاني من الشروط الصحيحة في البيع : أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر بذل منفعة مباحة في المبيع
كأن يشترط البائع سكنى الدار المبيعة مدة معينة ، أو أن يحمل على الدابة أو السيارة المبيعة إلى موضع معين ؛ لما روى جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم باع جملاً واشترط ظهره إلى المدنية "،
متفق عليه ؛ فالحديث يدل على جواز بيع الدابة مع استثناء ركوبها إلى موضع معين ، ويقاس عليها غيرها" .
انتهى من الملخص الفقهي (2 / 18).
والله أعلم.