الدفاع الإيراني المقدس عن بشار!
من يراقب حرب التصريحات الإيرانية الساخنة بشأن الوضع السوري ينتابه شعور عارم بأن الإيرانيين على وشك ارتكاب حماقة إقليمية كبرى جديدة تعادل حماقة الغزو العراقي للكويت عام 1990 , إن لم تكن تتفوق عليها بقليل! فليس... من الصعوبة بمكان اكتشاف حقيقة إن النظام الإيراني الثيوقراطي المتأزم, وهو يعيش تداعيات سقوط النظام السوري الحتمي يعتبر معركة الحرية في الشام بمثابة "أم معاركه" الجديدة ! بل يعتبرها التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجهه في تاريخه الحافل بالمشكلات والأزمات , وسقوط نظام بشار يعتبره النظام الإيراني أيضا من الناحية الستراتيجية بمثابة سقوط وتلاشي خط الدفاع الأول والأكبر عن جمهورية الولي الفقيه , ومعركة المصير الواحد التي جمعت بين نظام البعث السوري ونظام الملالي هي واحدة من أكبر معارك التاريخ الشرق أوسطي غرابة وتداخلا .
ففي الوقت الذي عبأ النظام الإيراني كل قواه عناصره وجهوده لإسقاط نظام البعث العراقي الذي كان رغم تصالحه معه والدخول في صفقات تجارية وسياسية لسنوات عدة , نراه اليوم يعبئ كل قواه واحتياطياته العسكرية واللوجستية والسياسية والأمنية للدفاع عن نظام البعث السوري السائر في طريق الاضمحلال والتلاشي, ولو تطلب الأمر إعلان الجمهورية العربية السورية بمثابة المحافظة الإيرانية ال¯ 35! مع ما يعنيه ذلك الإعلان من الناحية الستراتيجية الصرفة من معاني ودلالات ونتائج أيضا!
فمسلسل التصريحات والتهديدات الإيرانية الساخنة لم يهدأ أوتفتر عزيمته أويصيبه الوهن , وقد جاء تصريح رئيس الأركان الإيراني الأخير السيد حسن فيروز آبادي حول المعركة الوجودية للنظام الإيراني في سورية ليؤكد ويدعم حالة الرعب الإيرانية من سقوط النظام السوري , وهي حالة قد تدفع النظام الإيراني لارتكاب حماقة إقليمية كبرى لخلط الأوراق وتوسيع مساحة الصراع وبما قد يساهم في منع سقوط النظام السوري , ومن تلك الخيارات إقدام قوات الحرس الثوري على احتلال دول خليجية, كمملكة البحرين أو دولة الكويت, والتي لها في عقلية ومخططات النظام الإيراني تاريخ حافل بالغدر والتآمر والجريمة وبناء الخلايا السرية والعلنية , فليس سرا إن في الكويت تحديدا لوبي إيراني نشيط وفاعل في مختلف مجالات الحياة, بدءا من سوق المباركية وليس انتهاءا بعتبات مجلس الأمة!
ثم أن اكتشاف الأمن الكويتي المتواصل لشبكات سرية وخلايا تجسسية إيرانية أبعادها معروفة , إضافة إلى أن العقود الثلاثة الأخيرة من تاريخ المنطقة قد جعلت الكويت قبلة لمخططات النظام الإيراني وتخطيطاته وتكتيكاته والتي استثمر من خلالها التنظيمات والأحزاب الشيعية العراقية في تلك النشاطات, فكيف وتلك الأحزاب التي كانت في خدمة المشروع الإيراني قد تحولت اليوم بفعل بركات الحذاء الأميركي الثقيل لأحزاب سلطوية حاكمة في العراق ? لا بل ان أحد أشهر المطلوبين لجرائم أمن الدولة في الكويت وهوالقيادي جمال جعفر محمد إبراهيمي المعروف بـ "أبي مهدي المهندس" قد تحول اليوم لمحور ومركز قوى من مراكز القوى الطائفية الحاكمة في العراق ? من دون أن نتجاهل أن العراق قد تحول اليوم أيضا لأكبر مركز تحريضي وميداني ضد نظام الحكم في مملكة البحرين ! وحيث التحريض الإعلامي, وحتى التنسيق في المجال العسكري مع قوى المعارضة البحرينية المرتبطة بالنظام الإيراني في أدق مراحله , وطبعا وبعيدا عن لغة الديبلوماسية المنافقة فإن من يستهدف أمن ومستقبل البحرين يستهدف بالضرورة أمن ومستقبل الكويت , فالحالة الخليجية واضحة ولا تقبل التجزئة ولا التشطير !
ومن يريد إسقاط النظام البحريني وإقامة البديل الطائفي المرتبط ببلاط الولي الإيراني الفقيه فهويفعل الشيء نفسه في الكويت ... ومع ذلك فإن الخطاب الإيراني السياسي والعسكري في دفاعه عن النظام السوري قد اتسم بالتشنج والعدوانية المفرطة والحديث الرسمي عن معركة وجودية يخوضها الجيش الإيراني بعيدا عن العمق السوري يعني أساسا حفر مواقع جديدة, والقيام بالرد عبر محاور أخرى, وليس هنالك سوى المجال الخليجي, فالنظام الإيراني لن يغزو بكل تأكيد باكستان ولا أفغانستان ولا اذربيجان, بل سيكون الرد في الخليج العربي, واين? في البحرين أوالكويت والتي تشهد حدودها الشمالية تسخينا جديدا من خلال عودة ملف التوتر الحدودي الدائم مع العراق! لاينبغي أبدا تجاهل تصريحات المسؤولين الإيرانيين لكونها ترسم بكل وضوح معالم وسيناريوهات المرحلة المقبلة, خصوصا وأن الحرب في بر الشام لم تنته بعد, وتبقى كل الخيارات مفتوحة بما فيها تلك الأشدها حماقة. المشكلة في انظمة القمع والإرهاب إنها لا تتعظ إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس.
* كاتب عراقي
المصدر: السياسة الكويتية