الأمازيغية بين الترسيم واستكمال الهوية الوطنية
بن غبريط تنضمّ لمسؤولين جهروا بأنّ الأمازيغية اللّغة الأم
أعادت وزيرة التربية نورية بن غبريط، في تصريحاتها الأخيرة حول تعميم تدريس الأمازيغية في كلّ الولايات وليس بمنطقةw القبائل فقط، الجدل القديم حول الدّفع باللّغة الأمازيغية التي ظلّت لعقود حبيسة نضالات الحركة البربرية ولم تفلح لحد الآن في إدراجها إلاّ كلغة وطنية، بعيدا عن ترسيمها، استكمالا للهوّية الوطنية.
انضمّت حكومة سلال الثالثة على لسان وزيرة التربية نورية بن غبريط إلى حكومات سابقة ومسؤولين ورؤساء، دافعوا عن الأمازيغية واعتبروا الاعتراف بها وإن لم يتكلّموا صراحة عن ترسميها من الأمور التي تنقص استكمال الهوية الوطنية، وجاء تصريح بن غبريط بضرورة تعميم تدريس الأمازيغية في كلّ مدارس الجمهورية دون تميّيز، ليكتمل ما سبق أن صرّح به الوزير الأوّل عبد المالك سلال خلال ترأّسه الحكومة السابقة، خلال زيارة عمل قادته لولاية تيزي وزو، أين ردّد من المجنون، الذي يريد إلغاء اللّغة الأم؟ ، وما صرّح به رؤساء ومسؤولين بالدولة، ظلّت مقولاتهم راسخة على مدار عشريات طويلة، تعكس سياسة التهدئة والاعتراف بالهوية الأمازيغية الوطنية التي لم تستكمل بعدم ترسيم اللغة، وذلك بداية من عهد الرئيس اليمين زروال الذي اتّسم به تعاطي الحكومة مع موضوع اللّغة الأمازيغية بالليونة مقارنة بعهد سابقيه، خاصة أول رئيس للجمهورية أحمد بن بلة الذي كان صاحب المقولة الشهيرة عرب عرب عرب ، وصرّح زروال في انتقال صريح في موقف الحكومة من مطالب استكمال الهوّية الوطنية كلّنا أمازيغ ، وتأتي تصريحات بن غبريط، لتؤكّد مجدّدا أنّ ما كان ورقة انتخابية بمناسبة الرئاسيات الأخيرة، الحكومة ماضية للنهوض بالأمازيغية، استكمالا للهوية الوطنية، أين حقّقت الحركة البربرية طيلة عقود من النضالات عدّة مكاسب تنتظر فقط التتويج بترسيم اللغة، بعد الاعتراف بها كلغة وطنية، ومرّ هذا المسار العسير بعدّة منعرجات، قبل أن ينتهي عند إقرار الحكومة تعويض ضحايا وذوي حقوق ضحايا الأحداث التي رافقت استكمال مسار الهوية الوطنية.
وبدأ أوّل منعرج في نضال الحركة البربرية بعد انتخابات سبتمبر 1962، أين شكّل التصادم بين جيش الحدود بقيادة مجاهدي الولاية الرابعة، وحمّل حسين آيت أحمد السلاح ضدّ بن بلة بعد هذه الانتخابات، بداية مخاض الحركة الأمازيغية، خاصة وأنّه وبأمر من الحكومة المؤقتة نظّمت مظاهرات عارمة بالعاصمة في الـ11 ديسمبر، وانتقلت شرّارة الاحتجاج إلى الجامعة، وتحولت الأخيرة إلى مسرح لصدامات إيديولوجية لأول مرّة، وشكّلت نهاية الستينات منعرجا حقيقيا حين منعت الفنانة الطاوس عمروش من الغناء في أول مهرجان للثقافات الإفريقية، الذي احتضنته الجزائر في أوت 1969، ما اعتبره مناضلو الحركة الأمازيغية إقصاءً للأمازيغية، وعندها تحوّلت الأخيرة التي كان لها يد في تأسيس ما يعرف بالأكاديمية البربرية في باريس في 1966، وبإيعاز من سعيد سعدي لأداء أغانيها بالحي الجامعي ببن عكنون، وهنا بدأت باقي المنعرجات، وبلغت دورتها في السبعينات، أين تمّ في 1971 حل منتدى الدراسات البربرية، وفي بداية 1973 تمّ منع تدريس اللغة الأمازيغية في الجامعات، وشهدت 1974 مواجهات بين رجال الأمن ومواطنين بإيعكورن في عيد الكرز، وقرّر بومدين غلق القناة الثانية الأمازيغية، أعقبه إضراب عام شلّ العاصمة أجبر الرئيس الراحل على التراجع، وتواصل الصدام خاصة بحرم الجامعة، أين نشبت حرب هوّية بالإقامة الجامعية ببن عكنون، وتحوّلت الجامعات في عهد الشاذلي بن جديد إلى حلبة صراع، استخدمت فيها الأسلحة البيضاء، بعد أن تقرّر إضراب شامل في الجامعة من أجل التطبيق الفوري للعربية في الإدارة، وتوقف الطلبة في معاهد بن عكنون، العلوم السياسية، العلوم الاجتماعية، الفلسفة وعلم النفس عن الدراسة، وانتقلت العدوى إلى جامعة السانية بوهران وقسنطينة، وبدأت ملاحقة الكوادر الشيوعية بموجب المادة 120، التي اقترحها شريف مساعدية وانطلقت إزاحة هؤلاء من الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، وفي ظلّ انتعاش الأغاني السياسية الأمازيغية على يد لونيس آيت منقلات، إيدير، معطوب الوناس، أمازيغن إيمولا ، فرحات مهني، فرقة الإبرانيس ، شكّلت سنة 1979 منعرجا انتقاليا في نضال الحركة الأمازيغية، ونظّم طلبة موالون للأفافاس والمجموعة الشيوعية الثورية إضرابا عن الطعام بالحي الجامعي بن عكنون مضاد لما قامت به جماعة صوت التعريب ، وعندها برز رواد الحركة الأمازيغية بالجامعة المركزية من مصطفى باشا، مصطفى عبد النور، صالح بوكريف، تاسعديت ياسين، سعيد سعدي وقاضي إحسان، وتحوّل أغلب شباب الأفافاس هؤلاء الذين قادوا الإضراب إلى الأرسيدي.
بعد وفاة بومدين، استغلّ نشطاء الحركة الأمازيغية حادث منع الكاتب مولود معمري من إلقاء محاضرته بجامعة تيزي وزو في 10 مارس 1980 وأشعل طلبة تيزي وزو الشرارة الأولى للربيع الأمازيغي، قبل أن يخرج طلبة جامعتي الجزائر وبومرداس إلى الشارع، لتتوسع الاحتجاجات إلى بجاية والبويرة، ورفعت لأول مرّة مطالب صريحة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية، وتسلّم الرئيس الراحل الشاذلي أول أرضية مطالب في الثامن أفريل 1980، وشنّ سكان منطقة القبائل في الـ 16 من الشهر نفسه إضرابا عاما، وتأسست عندها لجنة الدفاع عن الحقوق المدنية، تلتها في 1984 تأسيس رابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمعت بين أبناء الشهداء والحركة الأمازيغية وعدد من المجاهدات، تدافع على الحريات الفردية والجماعية وعلى المسجونين، بقيادة أول وزير يستقيل بعد الاستقلال يحي عبد النور، مقران آيت العربي والهاشمي نايت جودي، الذين أودعوا السجن جميعهم، قبل أن تعترف الحكومة بها في 1989، وسبق هذا التاريخ تأسيس جمعية الحركة الثقافية البربرية في 1987، وبعد نحو 21 سنة عن منع تدريس الأمازيغية في الجامعات، شنّ تلاميذ منطقة القبائل إضرابا عاما عن الدراسة، وعرف احتجاجهم في مقاطعة الدراسة بـ إضراب المحفظة خلال الموسم الدراسي 1994 1995، وحقّقت الحركة الأمازيغية لأول مرّة أولى مطالبها بعد أن أجبرت الرئيس السابق اليمين زروال على الجهر بصوت عالي نحن جميعا أمازيغ ، واتّخذ إجراءات تهدئة، تقضي بإدراج اللغة الأمازيغية في التعليم بمنطقة القبائل، وأنشأت المحافظة السامية للأمازيغية ، التي تقع ميزانية تسيّيرها على عاتق الرئاسة، وتحظى بمرتبة متقدمة في القانون المالي عن الحرس الجمهوري، وتخصّص الدولة للمحافظة السامية للأمازيغية ميزانية هي الثالثة بعد الأمانة العامة للرئاسة والأمانة العامة للحكومة والأعلى مقارنة بقيادة الحرس الجمهوري.
و إثر إطلاق دركي النار على الشاب ماسينيسا قرماح، ما جعل القبائل تشتعل وتطالب بمغادرة قوات الدرك المنطقة، وفي2001 كان الربيع الأسود في الذكرى الـ20، بعد مسيرة مليونية قادتها العروش من القبائل باتجاه العاصمة في 14 جوان، واستقال سعيد سعدي من البرلمان، وتأسيس تنسيقية العروش، لكن الحكومة سرعان ما احتوت الأزمة وفتح في 2002 باب المفاوضات مع العروش، التي رفعت لائحة القصر تضمّنت 15 مطلبا، أبرزها إبعاد الدرك من المنطقة وتلبية المطلب الأمازيغي، وفي 2003 مكّن الرئيس بوتفليقة سكان منطقة القبائل من الاعتراف باللّغة الأمازيغية كلغة وطنية.